الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المكاره التي حف بها "إقليد الخزانة
" (*)
اسمع حديثي فإنه عجب
…
يُضحك من شرحه ويُنتحب
عَرض عليَّ بُعيد وصولي للاهور أستاذ العربية بجامعة بنجاب المستر محمد شفيع أن أتولى وضع فهرس لأسماء الكتب المذكورة في خزانة الأدب لعبد القادر البغدادي وذكر أن المستشرق المجري (غولد صهير) كان يستحسن مثل هذا الصنيع فأخذت فيه بعد كيت وذيت وأتممته في سنة 1340 هـ.
وقد جرى بعد ذلك أمور تثبط من جأش المؤلفين وتوهن من عزائمهم وتفتَّ في أعضادهم وتزهدهم عما هم بصدده من خدمة العلم فإلى الله المشتكى والمفزع. وأنا أرفق بساعات عمر القارئ العزيزة ولا أُضيعها في سردها.
وكنت كتبت له مقدِّمة وكان المستر المذكور يجمجم ببعض الحذف والبتر فحذفت له منها بعض ما لم أر فيه كبير فائدة. وكنت سميته (إقليد الخزانة)(1) تسمية لم يتفهم معناها فأخذ يصوّب تسميته (فهرست الخزانة) ولكنه ربع بعدُ على ظلعه وسكن بعض غلوائه.
ثم قضى الله أن ودعت لاهور وتم طبع الكتاب بتصحيحي بعد وصولي بسبعة أشهر (مارس 1926) بمطبعة الصديق الفاضل المستعرب (ك. م. ميترا) وكتب إليّ هذا النصيح أن المستر لن يطبع أبدًا مقدمتك وقد انتزعها مني بإلحاح زائد. فكاتبته بشأنها فلم يجبني فكاتبت المستر دولنر رئيس المراقبة بالجامعة فلم ينبس أيضًا ببنت شبفة وذلك بإغراء المستر له ولعل ذلك ببعض الأوهام السياسية أو أنني تعرضت فيها بالذاتيات (وأنت ترى المقدمة على غرّتها الأول). فكتبت إلى دولنر أُخيره بين أمرين إما أن يطبع مقدمتي وإما أن ترفع الجامعة يدها عن الكتاب وأكون أنا الذي
(*) نشر في مجلة المجمع العلمي العربي بدمشق 8/ 520 - 536.
(1)
راجع في (المطبوعات الحديثة) من هذا الجزء تقريظ كتاب (إقليد الخزانة).
أؤدّي نفقة الطبع فلم يجب بشيء. وكتب إلي صاحب المطبعة أن الشفيع عقبة كؤود في طريقك ويظهر أنه أغوى المستر وولنر. وكتب إليّ صديق آخر عن لسان صاحب المطبعة أن نية المستر فاسدة يظهر أنه يحبس الكتاب إلى أن يتناساه الناس ثم ينشره بعد برهة باسمه. فلم يبق لي بدّ أن أُكلف سيدي الدكتور ضياء الدين أحمد بأن يفاوض المستر وولنر رسميًّا فدار بينهما المكاتبة مرتين انتجت أن المستر قد فاز في إضلاله عن سوءِ السبيل ولكني نجحت في الحصول على كتاب رسمي فيه اعتراف بكون الكتاب من تأليفي فثاب إلي خاطري.
ولكن لما لم يبق للمستر مجال لانت أَخادعُه (1) فأرخى من الخناق إذ رأى أن كل سطر من الحواشي يحول دون مناه (إن كان يتمنى ذلك) ويعلن بتسمية مؤلفه.
فنشره وولنر في (فبراير سنة 1928 م) بحذف المقدمة مضافًا إليه إرغام أنف المؤلف "الذي لم يكن ذنبه إلا ذنب صُحْرَ فجزاه كما جزي سنمار" بقلم المستر المذكور بالإنكليزية من غير حاجة إليها حتى أنه لشدة ولعه بها لم يكتب عليه الاسم بالعربية كما يفعله أفاضل المستشرقين فإنهم في غنى عن مثل هذا التبجح والتصلف وأضاف فهرسًا بالإنكليزية لأسماء المؤلفين الواردين بإقليدي بقلم المستر محمد إقبال وهو وإن كان لا يخلو عن فائدة إلا أنه مصحّف ومخرف للغاية. ولا غرو من كثرة الأغلاط فإنهم وفقهم الله لا يتلقنون في أوربا إلا وضع الفهارس على ترتيب الحروف فحسب، وأما التدبر والواعية فهذا شيء ليس مقصورًا على بلد دون بلد. ومن هنا تدرك أن المستر الموصوف كيف لم يقع بصره في الإقليد على غير الترتيب من المزايا التي ربما يفوق بها على أكثر أعمال المستشرقين.
(على قدر أهل العزم تأتي العزائم)
وهذه المغامز التي أشار إليها هاك ما عندي فيها:
(1)
شكا مرة بعد أُخرى من إِخلالي بترتيب الحروف في ذكر الشروح فقط وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
إذ ليس كل شيءٍ يذكر على هذا الترتيب فإنه بنفسه متقدم على محمد إقبال زميله بالجامعة وكان حق الترتيب الإنكليزي والعربي أيضًا أن يتقدم إقبال عليه.
(1) الأخادع عروقُ العُنق (م. ي).
وهل ثم من لا يعرف أن الألف متقدمة على الباءِ وهلم جرًّا وأن لا فائدة من ترتيب الشروح على الحروف والشروح ربما لا يكون لها أسماءٌ خاصة فإذن كان الترتيب يتراوح بين أسماء المؤلفين تارة وبين أسماء المؤلفات أُخرى ولم يقر به قرار. والشروح لمتن واحد كم تكون في العدد حتى توقع الناظر في الأتعاب. فمن هذه الجهة راعيت تقديم الأهم فالمهم أو المتقدم عصرًا أو المشهور فأنت ترى عندي شروح الحماسة على هذا الترتيب: النمريّ، الرد عليه للأسود، أبو رياش المرزوقي، ابن جني، أبو هلال، التبريزي، الطبرسي. ولكن مثل هذا الصنيع يحتاج إلى اطلاع واسع وعلم بالوفيات جمٍّ ومادة زاخرة وذاكرة واعية. وكل من نظر في شيءٍ من تآليف هذا العاجز يشهد بأني توخيت فيها إحكام علمائنا ووضع علماء المشرقيات وما لي ولتقليدهم الأعمى في كل شيءٍ من دون بصيرة ولعلهم أيضًا لا يريدون مني ذلك.
وترى في آخر الإقليد اسم كتاب اليوم والليلة والشهر والسنة والدهر على ما سماه مؤلفه أبو عمر الزاهد بالترتيب الطبعي ولو راعى هذا الترتيب الأخرق لعكس اسمه ولقال كتاب الدهر والسنة والشهر والليلة واليوم. ولكن ماذا كان يغني عند ترتيب هذه الكلمات اليسيرة على الحروف وترك الجادة الطبعية وهي تقديم الأهم والأخص الخ.
(2)
كنت ذكرت في مقدمتي أنني أغفلت عن جلّ حوالات الكتاب كتاب سيبويه وشرح الرضي فقلما خلا من ذكرهما صفحة وأثبتُّ منها ما كان يستحق العناية وقد قال الأول "إلا إن من أنذر فقد أعذر" ولكن صدق أخوه "رب لائم مُليئم" وآخر "رث ملوم لا ذنب له" فإنه لم يعذرني مع أنه ذَكَرَه ذِكْرَ من لا يسيغ هذه اللقمة ولا يلفظها.
تُلجلج مضغةً فيها أَنيضٌ
…
أصلّت فهي تحت الكشح داءُ
وبيني وبينك الإنصاف أيها القارئ ماذا كنت تستفيد من سرد نحو 2500 حوالة على الأقل وهو عداد صفحات الأصل. ولله در أبي العلاء:
ولا نفس جدّي إن دهرك هازل
أليس إذن عجب عاجب في أن يقع بصره على هذه المغامز ويولي ظهره عن