الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نسخة فريدة من "نقائض جرير والأخطل" لأبي تمام
(*)
توجد ترجمة أبي تمام حبيب بن أوس الطائي في المصادر التالية (1):
الوفيات [لابن خلكان]، وتاريخ ابن عساكر، والخزانة، والأغاني، والأنساب، ومروج الذهب، ونزهة الألبّاء، والمعاهد [= معاهد التنصيص]، ومقدمة شرح التبريزي على الحماسة، وكشف الظنون
…
وغيرها ولا نجد في فهرس مؤلفاته كتابًا بعنوان "النقائض"، ولم نعثر على إحالة إليه في المصادر الأدبية. وكذا الأب صالحاني الذي حقق الكتاب (2) بجهود مشكورة لم يطلع على خبره، ولم يتضح له أهمية هذه النسخة التاريخية (المحفوظة في المكتبة بجامع السلطان بايزيد، باستانبول، برقم 5471)، ولم يقف بعد جهد طويل إلا على عبارة في الفهرست لابن النديم (3): "أسماء من ناقض جريرًا وناقضه جرير: نقائض جرير والأخطل، نقائض جرير وعمر بن لجأ
…
الخ". ومن الواضح أن هذه العبارة لا تفيدنا باسم المؤلف، ولا تثبت أن هناك كتابًا بعنوان "نقائض جرير والأخطل" لأحد.
لنترك هذه القضية هنا، ولننتقل إلى "معرَّة النعمان" تلك المدينة التي أنجبت كثيرًا من مشاهير الرجال وعظمائهم، وقد ذكرنا أسرهم في كتابنا "أبو العلاء وما إليه"(4). منها أسرة بني سليمان التي امتازت من بين تلك الأسر، واشتهر منها
(*) نشر بالأردية في مجلة "معارف" عدد يونيو 1925، وقام بتعريبه وعلّق عليه محمَّد عزير شمس.
(1)
ذكر هذه المصادر وغيرها ومواضع الترجمة فيها سزكين في كتابه (552، GAS II) وعمر رضا كحاله في معجم المؤلفين (183: 3)، والزركلي في الأعلام 170: 2 - 171.
(2)
ونشره منسوبًا إلى أبي تمام في مجلة (381 - 21/ 321 - 1914/ 7 MFOB) في حلقات، ثم طبعه مستقلًا في بيروت 1922 م. وقد شك الميمني أخيرًا في صحة هذه النسبة في مقدمة تحقيق "الوحشيات" لأبي تمام، ورحج نسبته إلى الأصمعي حيث ورد ذكر كنيته "أبي سعيد" عدة مرات في الكتاب. وقد تبعه سزكين في ذلك في كتابه المذكور (11،320)، لكنه لم يذكر أن الميمنى أشار إليه، فليستدرك.
(3)
ص 159.
(4)
انظر: ص 12 - 22.
عشرات من القضاة والكتاب والولاة، منهم القاضي أبو مسلم وادع الذي عُيّن قاضيًا في معرة كفرطاب وحماة، ولد سنة 431 هـ كما ذكر العماد [الأصفهاني] في الخريدة (1) وياقوت في [معجم] الأدباء (2)، ويقول ياقوت: إنه "كان كاتبًا بليغًا وشاعرًا فصيحًا"(2). وفي ذيل تاريخ دمشق لابن القلانسي (3): أنه توفي سنة 489 هـ وكان استولى على المعرّة، وكان له همة مشهورة وطريقة في اليقظة مشكورة.
الأمر الذي يتطلب المزيد من البحث والتحقيق أن العماد وياقوتًا ذكرا نسبه كما يلي: "وادع بن عبد الله بن محمد بن عبد الله (والد أبي العلاء) ". ومعنى ذلك أنه حفيد أخي أبي العلاء أبي المجد محمد، ولعل العماد اعتمد في ذلك على قول القاضي أبي اليسر شاكر بن عبد الله بن محمد بن عبد الله بن محمد (أخي أبي العلاء)، فإنه كان من أقرب أصدقائه، وعندما اعتزل كتابة الدواوين بسبب شيخوخته واعتكف في البيت، قام العماد بأعماله نيابة عنه، ثم إن العماد قضى جزءًا من حياته في المعرَّة أيضًا. أما مصدر ياقوت فيبدو أنه كتاب "العدل في دفع الظلم والتحري على أبي العلاء المعري" للصاحب كمال الدين ابن العديم الحلبي (4)، لأن ياقوتًا كان ذهب إلى بيته في الشام، وهو معترف بعلمه وفضله، وقد اعتمد عليه كثيرًا في ذكر كثير من أخبار أبي العلاء، ويقول الصفدي في نكت الهميان (5) إن ابن العديم ذكر أنساب وأخبار المشاهير من أسرة سليمان في كتابه "العدل والتحري".
ولا نجرُؤ على تخطئة العماد وياقوت أو القاضي أبي اليسر وابن العديم، فإن صاحب البيت أدرى بما فيه، إلا أن قوة الشهادة التي وجدناها تجرُّنا إلى هذا المكروه، فلنتقدم ونحلّ المشكلتين معًا:
نجد في خاتمة "النقائض" عبارة لأحد القارئين في النسخة: "قرأته جميعه
(1) مخطوطة ليدن (هولندا).
(2)
1/ 167 (طبعة مرجليوث).
(3)
ص 132.
(4)
الذي ألف تاريخًا كبيرًا لحلب، وهو المذكور في خاتمة مخطوطة كتاب "المجتنى" لابن دريد باسم "عمر بن أحمد بن أبي جرادة"، ولم يعرفه الدكتور كرينكو الذي حقق كتاب "المجتنى" ونشره برعاية النواب عماد الملك -محيي الآداب العربية- في حيدر آباد.
(5)
ص 109.
في المحرم سنة خمس وعشرين وخمس مئة، وكتب النعمان بن وادع بن عبد الله بن مسلم، والحمد لله رب العالمين". أليس هذا النعمان ابنًا لوادع؟ بالتأكيد هو هو، فإن العماد وياقوت يجعلان أبا عديّ النعمان ابنًا لوادع، ويذكران أنه توفي بعد سنة 550 هـ، أي بعد قراءة "النقائض" بثلاثين سنة تقريبًا. وهذه العبارة تدل على أن القاضي وادعًا كان حفيدًا لمسلم، لا أنه كان حفيدًا لأخي أبي العلاء، ولا وجه لتخطئة النعمان، فإنه أعرف بأسلافه من أهل بلدته وأقربائه النازلين في الرتبة.
إذن، فمن هو "مسلم"؟ لم يذكره العماد في أسرة بني سليمان، ولا ياقوت. نحيل القرّاء هنا إلى قصة غريبة ذكرت في "سرّ العالمين"(1) -المنسوب ظلمًا إلى الغزالي-. ونقلها الصفدي في نكت الهميان (2) والوافي بالوفيات (3) عن مرآة الزمان لسبط ابن الجوزي، وانتقدتُها بتفصيل في كتابي "أبو العلاء وما إليه". المهم أنه ورد في هذه القصة ذكر مسلم بن سليمان (عمّ أبي العلاء)، فيكون وادعٌ حفيدًا لمسلم هذا، أي أنه حفيد عمّ أبي العلاء. وهو الأقرب إلى الصواب. وتكنية وادع بأبي مسلم أيضًا تدلّ على هذا الأمر، فإن العرب يسمون أبناء الأحفاد بأسماء أسلاف الأسرة، كما لا يخفى على من له إلمام بالإنساب.
بعد هذا التحقيق ثبت أن نسخة "النقائض" هذه تنتمي إلى أسرة علمية قديمة، ولنثبت الآن أن نسخة أخرى من هذا الكتاب كانت موجودة في القرن الحادي عشر الهجري. يقول الخفاجي في "شفاء الغليل" (4): "قال أبو تمام في شرح المناقضات: يقال فتح السيف إذا أنتضاه. وأنشد ليزيد بن مفرغ:
ويوم فتحتَ سيفك من بعيد
…
أضعتَ، وكلّ أمرك لا يضيع"
نجد هذا الشعر في النقائض (5)، [وقافيته (للضياع) وهو الصواب لأن الردف في سائر القصيدة هو الألف، ولا شك أن "لا يضيع" تحريف. و"المناقضات"
(1) ص 38.
(2)
ص 107.
(3)
7/ 187 - 109.
(4)
ص 150 (طبعة مصر 1325 هـ).
(5)
ص 8.
و "النقائض" يتفقان في المعنى، ويتناوبان في العنوان، ومن أمثلة ذلك أن عبد القادر البغدادي -تلميذ الخفاجي- يسمي "نقائض جرير والفرزدق" دائمًا "بالمناقضات" في كتابه خزانة الأدب (1)]. إلا أن شرح كلمة "الفتح" لا يوجد في "النقائض" الذي بين أيدينا. ونستنتج من ذلك أن هذه النسخة لم تكن عند الخفاجي، بل كانت له نسخة أخرى كاملة تحتوي على شرح أكثر.
(تعريب وتعليق: محمد عزيز شمس)
(1) انظر كتابي "إقليد الخزانة"[ص 123، ذكرت فيه جميع المواضع].