الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
مكتبة جامع القرويين بفاس ونوادرها
(*)
مكتبة جامعة فنجاب (لاهور) مَدينةٌ للأستاذ المكرم محمد شفيع، حيث إنها تعدّ الآ بجهوده من كبرى المكتبات الهندية من ناحية المطبوعات، ويا ليت لو كانت فيها المطبوعات العربية بدلًا من هذا العدد الضخم من الكتب الألمانية والفرنسية، فإن المستفيدين من الكتب العربية أكثر من الذين ينظرون في غيرها.
وقد وصل في هذه الأيام [1924]، فهرسان: الأول "برنامج جامع القرويين"، والثاني "برنامج رباط الفتح"، أولهما باللغة العربية فلعل فائدتها تكون أعم. ولما وجدت أهل بلادنا لا يعرفون عن بلاد المغرب شيئًا أحببت أن أكتب هذه السطور (لتكون تعريفًا موجزًا بجامع القرويين بفاس ومكتبته القيمة):
هذا الجامع -الذي كان فيه قبل أعوام ألفان في طلبة العلم، وخمس مئة مدرس، وأكثر من سبعة وعشرين ألفًا من الكتب (1)، ويوجد فيه الآن خمس مئة طالب و 641 كتابًا (2) - يعد أقدم جامعة في العالم الإسلامي؛ أما الجامع الأزهر بمصر، وجامع الزيتونة بتونس، وجامع بخارى، وجامع قرطبة، والجامعة المستنصرية ببغداد فكلها متأخرة زمنيًّا عن جامع القرويين. وفيما يلي موجز عن تاريخه ونشأته على مرّ العصور:
تأسيس الجامع: من حسن الحظ أن بين يدي الآن مصدر من أوثق المصادر لتاريخ المغرب، وهو "الأنيس المطرب القرطاس في أخبار ملوك المغرب ومدينة فاس" لابن أبي زرع، وهو يحتوي على الحوادث إلى سنة 726 هـ، وقد ذكر فيه
(*) نشر بالأردية في مجلة "معارف" عدد يوليو 1924 م، وقام بتعريبه وعلق عليه محمد عزير شمس.
(1)
منجم العمران (2: 318).
(2)
انظر مقدمة "برنامج جامع القرويين".
المؤلف بتفصيل (1) تاريخ الجامع في مختلف العصور وما طرأ عليه من الحوادث والتقلبات، وما أنشئت فيه من المباني، يظهر من كل ذلك مدى إسهام هذا الجامع في تثقيف بلاد المغرب وتغذيتها علميًّا وروحيًّا. ويوجد في مراكش كثير من الجوامع، إِلا أن ما امتاز به جامع القرويين من الشهرة والعظمة لم يكن في نصيب غيره من الجوامع. وكتاب ابن أبي زرع هذا طبع على الحجر بخط مغربي (2)، وهنا أعرض أمام القراء مختارات من هذا الكتاب.
في عهد الإِمام إدريس -مؤسس دولة الأدارسة- كانت تقام صلاة الجمعة في جامع الشرفاء (3)، وهكذا كان الأمر في عهد الأدارسة، وكان مكانَ جامع القرويين ميدانٌ فسيحٌ يحتوي على بعض الأشجار التي ورثها أحد من أهاليه. وعندما بدأت تجيء الوفود من سائر أنحاء البلاد إلى الإمام إدريس كان من بينها وفد القيروان. وكانت في هذا الوفد المرأة الصالحة أمّ القاسم فاطمة بنت محمد الفِهري القيرواني مع زوجها وأختها وبعض أقاربها، وهؤلاء نزلوا قرب الجامع المذكور. وسكنوا هناك وبعدما توفي زوج فاطمة وأختها ورثت أموالًا كثيرة من المكسب الحلال، وأرادت أن تصرفها في أعمال الخير، فاشترت أرضًا، وأسست الجامع يوم السبت في غرة رمضان المبارك سنة 245 هـ (4)، وبنته بكل عناية واهتمام -وهذه البئر التي توجد بداخل الجامع هي التي بنتها زمن بناء الجامع-، كانت تصوم في هذه المدة، وبعدما كمل بناؤه صلت ركعتين شكرًا الله على ما وفق. كان الجامع في ذلك الوقت يسع أربعة صفوف، وأمامه صحن صغير، وبين الجدارين الغربي والشرقي قدر مئة وخمسين إصبعًا، كما ذكره أبو القاسم بن حسنون في تفسيره في تاريخ مدينة فاس. ويقول بعض المؤرخين إن فاطمة أم البنين ومريم كانتا أختين (ابنتي محمد الفهري)، بنت فاطمة جامعة القرويين، وبَنت مريم جامع الأندلس. ثم قام بتوسيعه الزناتية (قبيلة من قبائل البربر) في دولتهم كما تبدو حدوده إلى الآن. ولم تكن في مسجد الشرفاء سعة، فبدأ الناس يصلون الجمعة في جامع القرويين من سنة
(1) انظر ص 32 - 51 من الكتاب.
(2)
وهذا يختلف كثيرًا عن الخط الشرقي عندنا، ويقترب من أصله الخط الكوفي.
طُيع من جديد بالرباط سنة 1973 عن دار المنصور (م. ي.).
(3)
القرطاس: 32 (طبعة فاس).
(4)
في منجم العمران: (سنة 246 هـ) ولعلها تاريخ انتهاء البناء، والمذكور فوق تاريخ البدء فيه.
345 هـ. وكان أول خطيب له الشيخ الصالح أبو محمد عبد الله بن علي الفارسي.
يبدو مما ذكرنا فوق أن "القرويين" نسبة إلى "القيروان" وقد حققنا ذلك أيضًا في مقالنا "المعز [بن باديس] وابن رشيق"(1).
يُعرف أهل مراكش وعلماؤها ومشايخها بالحفظ والذكاء وشغفهم بالعلم في بلاد المغرب، وقد صنع الشيخ عبد الحي الكتاني -شيخ الطريقة الكتانية، الذي يُعَدّ من مشاهير علماء البلاد وكبار مشايخ الجامع من قبل الاحتلال الفرنسي- فهرسًا لمحتويات المكتبة بعد البحث والتنقيب. والأسف أن علماءنا لا يشتغلون بمثل هذه الأعمال العلمية مع توفر كل الصلاحيات إلا بإشارة من هؤلاء المحتلين الغاصبين أهل الغرب: والعجب أن يبذل كل الجهود عالم من علمائنا ثم ينسب هذا العمل إلى "ألفريد بيل"(2) مندوب المعارف!.
إذا أنشدَ بشَّارٌ
…
فقُل أحسنَ حَمَّادُ
حكم على مراكش عدة أسر، ولما كانت كلها تدعي الإسلام احتفظت بمكتبة الجامع وقامت برعايتها، بل إن كثيرًا من السلاطين حاولوا إثراءها بنوادر الكتب، مثل السلطان أبي العباس منصور بن أحمد الذهبي السعدي، والسلطان أبي عبد الله سيدي محمد (من أسلاف الدولة الشريفية الحالية)، إنه لم يكن هناك أي تنظيم في المكتبة في كثير من العصور، فالعلماء عندما كانوا يستعيرون الكتب قلما يرجعونها إلى المكتبة، ولم يكن فيها اهتمام بحفظ الكتب وتجليدها، فضاعت كثير من نوادرها وأكلتها الأرضة، كما يظهر من الفهرس القديم للمكتبة، وهل هناك شيء أدلّ على سوء التنظيم أن يكون راتب أمين المكتبة دولارًا ونصف شهريًّا؟! ولم يكن هذا الوضع [في] العصور السابقة، يقول ابن فرحون في ترجمة أبي العباس أحمد بن الصقر، الخزرجي: "وتولى أحكام مراكش والصلاة بمسجدها مدة، ثم أحكام
(1) المنشور في مجلة "معارف" الصادرة بأعظم كَره، أعداد مارس - مايو 924، وهو باللغة الأردية، وانظره باللغة العربية في كتاب الميمني "ابن رشيق"(ش).
(2)
طبع هذا الفهرس منسوبًا إلى ألفريد بيل في فاس 1919 م. والميمني يتعجب من هذا الصنيع، لأن العمل في الحقيقة كان للكتاني. وغضبه على بعض أساتذة جامعة فنجاب (لاهور) معروف من مقاله المنشور في "مجلة المجمع العلمي" بدمشق 8/ 520 - 536 (1928 م) بعنوان "المكاره التي حف بها إقليد الخزانة"(ش).