الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد ألمّ الحاجّ (1) خليفة بالكتاب إلمامة تدلّ على أنه لم يره رأي العين فخبط خبط عشواء.
ولكن ياقوت رحمه الله يزيدنا في بلدانه علمًا بعَرّام ومقامِه، وينبّهنا إلى ذلك، فقال في رسم (ثافل) بعدما روى قول عرّام في معنى الأيدع ثم أردفه بما قاله سائر اللغويين في ذلك، ما نصّه:
والصواب عندنا قول عَرّام لأنه بدويّ من تلك البلاد وهو أعرف بشجر بلاده وفي رسم (زَبِيّة): كذا هو مضبوط في كتاب عرّام.
فلنستشِر إذن باكتشاف أوّل ما كتبه العرب في البلدان، أو في جغرافيا الحجاز وتهامة، أملاه في مبتدإ القرن الثالث رجل طاف بلادها وبقاعها، وخِرِّيت جاب أغوارها ونجادها، وذاق من ثمارها وشرب من عيونها وبئارها، وخالط أحياءها وقبائلها، وسلك فجاجه ورقي قواعلها، فقتل أرضها خِبرة وخبرا، ووصف كلَّ ما فيها كَمَا شاء وعلى مَا رأى:
إذا قال لم يترك مقالا لقائل
…
بملتَقطات لا ترى بينها فصلًا
كفى وشفى ما في النفوس فلم يدع
…
لذي إربة في القول جِدّا ولا هزلا
وصف كتاب أسماء جبال تهامة وسُكّانها وما فيها من القرى وما ينبت عليها من الأشجار وما فيها من المياه:
يرويه في نسختنا الإِمام أبو سعيد السيرافي، عن أبي محمد عبيد الله بن عبد الله السّكّري، عن عبد الله بن عبد الرحمن الورّاق المعروف بابن (2) أبي سعد، عن عبد الرحمن بن محمد بن عبد الملك أبي الأشعث [الكِنديّ] ، أملاه عليه عرّام بن الأصبغ السُلَمي [الأعرابي] الخ.
ويقول البكري في (3) مقدمة معجمه ما نصّه:
جميع ما أُورده في هذا الكتاب عن السكوني فهو من كتاب أبي عبيد الله عمرو
(1) باريس رقم 7243.
(2)
كذا في نسخة تصحيف العسكري والنديم غير ما مرّة وفي أصلنا المحرّف: ابن أبي سعيد وفي النديم له ترجمة 108 وسماه عبيد الله بن أبي سعيد.
(3)
5 وبعدها فيه 415.
ابن بشر بن مرثد السكوني في جبال تهامة ومحالّها، يحمل جميع ذلك عن أبي الأشعث الكندي عن عرّام بن الأصبغ السلميّ الأعرابيّ.
وكذلك يقول ياقوت في رسم (النَقِرة):
قال أبو عبيد الله السكوني هكذا ضبطه ابن أخت الشافعي بكسر القاف. فراوي نسختيهما إذن السَكوني، كما أن روايتنا عن ابن أبي سعد الوَرّاق ورواية ياقوت أوفقهما بروايتنا. وقد وقف الرجلان على كتاب عرّام، وانتشلا جُلّ ما فيه أو قُلْ كُلَّه، ولا تتحرَّج ولا تتأثّم، وأورداه في معجميهما كقول فصل ناطق في القضيّة حَسْمًا لمادّة الخلاف وتطبيقًا لمفصل الإصابة:
إذا قالت حذَامِ فصدِّقوها
…
فإنّ القول ما قالت حَذامِ
ويظهر بعد مقابلة الروايتين أن نسخ الكتاب كانت مختلفة جِدَّ اختلاف منذ قديم، وقد أورث هذا الاختلاف المتوارَث، إلى اختلافات الورّاقين، وتصحيفات النُسّاخ الحادثة، تضاربا في الأقوال والمذاهب فاحشًا، وتشتتًا في تسمية الأماكن والبقاع وغيرها وضبطها ووصفها وتحديدها غير هَيِّن؛ وأنا لا أرى العناية برفعه الآن، ونحن في النصف الأخير من القرن الرابع عشر، إلَّا نوعًا من الخَبَل، وضربا في حديد بارد، فتركتُه على غَرّه الأوّل لهؤلاء الشرذمة النابتة في عصرنا الذين يملأون فراغ التاريخ بأوهامهم الفجّة الغير الناضجة، فيَضِلّون ويُضِلُّون، ويجتهدون بدون آلة ويخطئون، ولكن ذلك بعد التنبيه عليه، ولَفْت الأنظار إليه.
وأرى في الختام أن أعرّف بهذه الخزانة وأنوّه بها، وهي تعزى إلى المفتي محمد سعيد خان بحيدر آباد كان، وهو جوهرة هذه العائلة العالمة العربيّة التي أقامت بسواحل جَنوب الهند أكثر من ثلثه قرون (بيجابور، كَوثه، بِيدر؛ زكات، مدراس) ومن هذه انتقل المرحوم سنة 1284 هـ إلى حيدر آباد، بعد أن تبدّد شَمْل الإِمارات الوطنيّة الإِسلاميّة هناك، لِما عَمَّهم من الوَهْن والفَشَل والتخاذل أمام الأُمَّة القاهرة الأجنبيّة التي جاءتهم بما لا قِبَلَ لهم به، فضلًا عن الحِيَل والدسائس والمكايد، حيث قُلّد القضاء ثم الإِفتاء وتوفّى سنة 1312 هـ.
وكان ورث مجموعة هذه الكتب عن أسلافه، وزاد إليها ما اقتناه من الأعلاق، فبلغت 2120 نسخة خطّيّة، أغلبها في الفقه والحديث ومتعلقاته ومعظمها ممّا جُلب
من الأصقاع العربيّة الَّتي كانت لهم بها صِلَةٌ، وقد طبعوا عن هذه الخزانة بيانًا بالإِنكليزيّة ونشروه سنة 1937 م، وقد جاء ذكر رسالتنا فيه في الصفحة الأخيرة 14.
وأرى من واجب المروءة ذكر مديرها الشابّ الفاضل (شاه محمد غوث) وأقدّم له دواعي شكري الخالص والودّ المحض فإنه حفظه الله حبّس ساعات عمره لكلّ وارد وصادر لا يريد من أحد جزاء ولا شكورا.
وقد تجشّم الصديق الفاضل المتفنّن الأستاذ عبد القدّوس الهاشمي نسخها فتمّ لي معارضتها بعد في إلمامتي القصيرة بحيدر آباد يوليه سنة 1938 م. فشكري له رهن كشكري للأستاذ إبراهيم بن أحمد حمدي مُدير كتبخانة شيخ الإِسلام بالمدينة المنوّرة في قراءته الكتاب عليّ لِلْعراض حفظهم الله وأمتع بهم.