الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
جراب الدولة رجل لا كتاب
(*)
كان مرَّ بي منذ أمد بعيد ما لفت به الصديق المتفنّن صاحب الزهراء (4: 562) أنظارَ قارئيها إلى تحقيق جراب الدولة هل هو لقب يطلق على كتاب أو على مؤلف أو على كليهما. وذلك بمناسبة عبارة كان نقلها قبلُ (3: 441) عن تاريخ ابن الفرات في ترجمة أمين الدولة أبي طالب الحسن بن عَمّار وهذا نصها: " .... كانت له دار علم بطرابلس فيها ما يزيد على مائة ألف كتاب وقفها وهو الذي صنَّف كتاب (ترويح الأرواح ومصباح السرور والأفراح) المنعوت بجراب الدولة اهـ" فهذا إن صح صريح في أن جراب الدولة اسم لكتاب.
ثم لما حصل من (ترويح الأرواح) جزء للخزانة التيمورية رأى عليه اسم الكتاب ترويح الأرواح ومفتاح الخ وأن اسم مؤلّفه أبو العباس أحمد بن محمد بن علّويه الشجري (السِجْزيّ) الملقّب بجراب الدولة وثبت بآخر الجزء: نجز الجزء الأول من ترويح
…
الملقب بجراب الدولة (انظر الزهراء 4: 562) وهذا مما يزيد الطين بلة ويقوي الارتياب.
ثم أراد بعض الأفاضل (الزهراء 5: 95) تحقيق الأمر فذهب إلى أنه عَلَمٌ على كتاب أيضًا استدلالًا بما ورد عند ابن أبي أصيبعة (1: 181) وهذا لفظه "وجدت في كتاب جراب الدولة قال الخ".
والحقيقة أن صاحب المقال لم يزد فيما نحن بصدده شيئًا غير تعديد شيء واحد بمجرد شبهة، غير أنه يشكر على ذلك لعنايته بالمسائل العلمية فالله يُثيبه على صُنعه.
وكان العاجز مرّ به ترجمة الجراب في الفهرست 153 ومعجم الأدباء (2: 62) إلَّا أن عَوَز الفراغ وإرساله نسخته من الفهرست إلى بعض الأصدقاء ليعارضها
(*) نشر في مجلة "الزهراء" عدد ذي القعدة 1347 هـ.
على القطعة الخطّية الموحودة ببعض بلاد الهند عاقاه عن الكتابة. وقد وردتني نسختي الآن. فهاك ما تحقق لديَّ والله أعلم:
لا ريب أن اسم الكتاب (ترويح الأرواح ومفتاح السرور والأفراح). و"مصباح" أراه سبق قلم أو تصحيفًا من ابن الفرات آو ممن أخذه وذلك لورود اسمه كذلك عند ابن النديم وياقوت. وقد ذكر الصديق صاحب الزهراء أنه كذلك في صورة النسخة الخطية أيضًا. قال ابن النديم وياقوت: هو كتاب كبير لم يصنف في فنه مثله اشتمالًا على فنون الهزل والمضاحك.
ومؤلّفه هو أحمد بن محمد بن علّويه أبو العباس جراب الدولة السِجْزِيّ (والشجري (1) تصحيف) قال ابن النديم (النسخة الخطية بالهند) من أهل الرَيّ وقيل من سِجزَ كان طنبوريًّا أحد الظرفاء الطُيّاب يلقَّب بالريح ويعرف بجراب الدولة قال ياقوت: لأنهم كانوا يفتخرون بالتسمية في الدولة وله ترويح الخ. ومثله ما جاء في أصل الكتاب (الزهراء 4: 562).
فقد تحقق مما سردناه أن الترويح لجراب الدولة على أنه رجل، وتبين سبب تلقيب نفسه بذلك. ولم أجد شيئًا يقوّي شبهة المحقق المذكور في أنه لقب لكتاب، والذي نقله عن ابن أبي أصيبعة فيه إضافة الكتاب إلى مؤلّفه كما تقول كتاب الله وكتاب سيبويه فمعناه كتاب المؤلف الذي يلقب جراب الدولة ليس أن كتاب جراب الدولة يكون معناه الكتاب الذي يلقَّب كذا. وجدير بالباحث أن يتأمل كلمة (قال) كيف يكون فاعله ضمير الكتاب أي كيف يقال قال الكتاب الفلاني، بل المعروف قال مؤلف الكتاب الفلاني.
وما نقله الصديق البحّاثة عن ختام الجزء الأول أرى بعد ما تحقق الأمر وبان جليّتُه أن صوابه (للملقَّب الخ) و (الملقَّب) تصحيف من الناسخ لما رأى أن الجراب أصلح بالكتاب من مؤلفه (2) -ولم يكن يعرف ترجمته وأنه كان يُلقب كذلك.
(1) في نسخة التيمورية (كما جاء في الزهراء 4: 562).
(2)
لأن الجراب هو الوعاء وقال الجاحظ (الحيوان 1: 19 ومنه الغرولي 2: 173): الكتاب وعاء مليء علمًا وظرف حشى ظرفًا. ومثله عند السهيلي 1: 3.
والعبارة قالها عمر (رضه) في ابن مسعود: وعاء مُلئ علمًا (م. ي.).
وقد صرّح المحض عن زبْده، غير أن عبارة ابن الفرات غلط لا محالة لا أجد وجهًا أو تأويلًا لتصحيحه. فإنك لو قلت أن أصله "وهو الذي صَنّف [له] كتاب كذا المنعوت بجراب الدولة" لا يصحّ أيضًا لأن جراب الدولة تقدّم ابنَ عمّار بقرنين. وأما أن يكون ابن عمار المؤلف لكتاب الترويح الذي قد تخلّص لدينا أنه لأبي العباس جراب الدولة وأن يكون الكتاب المذكور يلقّب جراب الدولة مع علمنا بأنه لقب على مؤلفه المعلوم أي أن تزيد ضِغْثا على إبّالة فهذا مما لا يمكن عادة. ولو كان شيئًا واحدًا لكان الخطب أيسر ولكن نسبة كتاب معلوم لمؤلف معلوم إلى كتاب مجهول النسبة مجهوك اللقب لمؤلف لم يثبت له مما لا يصار إلى مثله إلا ببرهان وهيهات. وإن قرأت أخبار ابن الفرات عند ابن حجر (الزهراء 2: 216) من أن الكتاب بقي مسوَّدة وأن ابن الفرات لم يكن ممّن يهمه التفادي عن اللحن أو إقامة الإعراب هان عليك الخطب. وعند الله علم الجلية.
جامعة عليكرة (الهند)
عبد العزيز الميمني