الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
المبحث الرابع: مراسيله ونسبة التدليس إليه
أولًا: إرسال الزُّهْرِيّ وموقف العلماء منه
المُرسل لغة (1) اسم مفعول، يُجمَع على: مَرَاسِيل، ومَراسِل، مأخوذ من الإرسال، وهو: الإطلاق، كقوله تَعَالَى:(إنَّا أرْسَلْنَا الشَّياطيْنَ عَلَى الْكَافِرِيْنَ). فكأنّ المُرْسِل أطلق الإسناد، ولم يقيِّدْه بجميع الرُّواة (2).
أما في اصطلاح المُحدِّثين، فهو:"ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم مما سمعه من غيره"(3).
واختلف المُحدِّثون في حد المُرسل (4): فقيل: هو ما أضافه التابعي الكبير (5) إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فيخرج بذلك ما أضافه صغار التابعين ومن بعدهم.
وقيل: هو ما أضافه التابعي إلى النبي صلى الله عليه وسلم من غير تقييد بالكبير، وهو المشهور، قال ابن حجر:"وهذا الذي عليه جمهور المحدّثين، ولم أر تقييده بالكبير صريحًا عن أحد، لكن نقله ابن عبد البر عن قوم"(6)، وقال ابن الصلاح:"وَالْمَشْهُور: التَّسْوِيَة بين التَّابعين أَجْمَعِين في ذلك رضي الله عنهم"(7).
(1) انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة (رسل).
(2)
القاضي زكريا، فتح الباقي بشرح ألفية العراقي] دار الكتب العلمية، بيروت، ط 1، 1422 هـ[، 1/ 194.
(3)
الصنعاني، توضيح الأفكار لمعاني تنقيح الأنظار، 1/ 258.
(4)
انظر: النكت على كتاب ابن الصلاح لابن حجر] عمادة البحث العلمي بالجامعة الإسلامية، المدينة المنورة، ط 1، 1404 هـ[، 2/ 543.
(5)
التابعي الكبير هو الذي يروي عن كبار الصحابة، وهذا يكون أغلب رواياته عن الصحابة. أمّا التابعي الصغير فهو الذي يروي عن صغار الصحابة، وهم الذين تأخرت وفاتهم، وهذا يكون أغلب رواياته عن التابعين (انظر: اليواقيت والدرر في شرح نخبة ابن حجر، للمناوي، تحقيق: المرتضي الزين أحمد] مكتبة الرشد، الرياض، ط 1، 1999 م [، 1/ 498).
(6)
المصدر نفسه، الصفحة نفسها.
(7)
ابن الصلاح، أنواع علوم الحديث (المعروف بمقدمة ابن الصلاح)، ص 51.
وقد أرسل الإمام الزُّهْرِيّ الحديث عن جماعة من الصحابة والتابعين رضي الله عنهم، "فحديثه عن عبادة بن الصامت ورافع بن خديج مراسيل، أخرجها النسائي، وله عن أبي هريرة في جامع التّرمذي"(1)، وقال ابن حجر:"وأرسل عن عبادة بن الصامت وأبي هريرة ورافع بن خديج وغيرهم"(2).
وقد انتقد علماء الحديث مراسيل الزُّهْرِيّ، ووصفوها بأنها لا شيء.
قال يَحْيَى بن معين: "مُرْسَل الزُّهْرِيّ ليس بشيء"(3).
وقال يَحْيَى بن سعيد الْقَطَّان: "مُرْسَل الزُّهْرِيّ شرّ من مُرْسَل غيره، لأنَّه حافظ، وكلَّما قَدِرَ أن يُسَمِّي سَمَّى، وإنَّما يترك من لا يُحبّ أن يُسَمِّيَه"(4).
وروي عن يحيى بن سعيد أيضًا أنه كان لا يرى إرسال الزُّهْرِيّ وقتادة شيئًا، ويقول هو بمنزلة الريح، ويقول هؤلاء قوم حفّاظ، كانوا إذا سمعوا الشيء عقلوه (5).
ولكن قيل لأحمد بن صالح: "قال يحيى بن سعيد: مرسل الزُّهْرِيّ يشبه لا شيء، فغضب، وقال: ما ليحيى ومعرفة علم الزُّهْرِيّ، ليس كما قال يحيى"(6).
وقال الذهبي: "مراسيل الزُّهْرِيّ كالمعضل؛ لأنه يكون قد سقط منه اثنان، ولا يسوغ أن نظن به أنه أسقط الصحابي فقط، ولو كان عنده عن صحابي لأوضحه ولما عجز عن وصله، ولو أنه يقول: عن بعض أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، ومن عد مرسل الزُّهْرِيّ كمرسل
(1) الذهبي، سير أعلام النبلاء، 5/ 327.
(2)
ابن حجر، تهذيب التهذيب، 9/ 427.
(3)
تاريخ ابن معين (رواية الدوري)، تحقيق: د. أحمد محمد نور سيف] مركز البحث العلمي وإحياء التراث الإسلامي، مكة المكرمة، ط 1، 1399 هـ[، 3/ 221.
(4)
انظر: التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد لابن عبد البر، 1/ 37، والكفاية في علم الرواية للخطيب البغدادي] المكتبة العلمية، المدينة المنورة، د. ط.، د. ت. [، ص 211.
(5)
انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر، 9/ 451.
(6)
ابن عساكر، تاريخ دمشق، 55/ 369.
سعيد بن المسيب، وعروة بن الزبير، ونحوهما، فإنه لم يدر ما يقول، نعم، مرسله كمرسل قتادة، ونحوه" (1).
وقد ورد ما يؤكد أن الزُّهْرِيّ كان يذكر من حدثه عندما يُسأل عن الإسناد، ومن هذا ما يرويه ابن عبد البر بإسناده المتصل عن مالك بن أنس قال: كنا نجلس إلى الزُّهْرِيّ وإلى محمد بن المنكدر فيقول الزُّهْرِيّ: قال ابن عمر كذا وكذا، فإذا كان بعد ذلك جلسنا إليه فقلنا له: الذي ذكرت عن ابن عمر من أخبرك به؟ قال: ابنه سالم (2).
ولذا قال ابن عبد البر: "فهكذا مراسيل الثّقات إذا سئلوا أحالوا على الثّقات"(3).
وهو ما يرجح للباحث أن الزُّهْرِيّ في إرساله للحديث كان على جانب كبير من العلم بإسناده؛ وربما لم يذكره اختصارًا.
كما يُرجع البعض السبب في عدم قبول مراسيل الزُّهْرِيّ إلى أنه كان يروى عن سليمان بن أرقم.
قال الشافعي: "إرسال الزُّهْرِيّ عندنا ليس بشيء؛ وذلك إنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم"(4)، وقال أيضا:"وابن شهاب عندنا إمام ولكن ابن أرقم واه، ويقولون أنا نحابي، ولو حابينا أحد لحابينا الزُّهْرِيّ، وإرسال الزُّهْرِيّ عندنا ليس بشيء؛ وذلك أنا نجده يروي عن سليمان بن أرقم"(5).
(1) الذهبي، سير أعلام النبلاء، 5/ 339.
(2)
ابن عساكر، تاريخ دمشق، 55/ 369.
(3)
ابن عبد البر، التمهيد لما في الموطأ من المعاني والأسانيد، 1/ 37.
(4)
ابن عساكر، تاريخ دمشق، 55/ 369.
(5)
العلائي، جامع التحصيل في أحكام المراسيل، تحقيق: حمدي عبد المجيد السلفي، ] عالم الكتب، بيروت، ط 2، 1407 هـ[، ص 43.