الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وقد دعي أساتذة جامعة الجزائر للمشاركة في لجنة النشر، ضمن لجنة التحضير للاحتفال المئوي. وخلال عشر سنوات نشرت لجنة النشر حوالي 50 كتابا يعالج كل منها موضوعا متخصصا - كالمالية والتشريع والاقتصاد السياسي، والعلوم، والاستعمار، والآثار، والتاريخ، والفنون. ومن الأساتذة من قام بعمل منفرد، ومنهم من اشترك مع غيره في عمل جماعي، مثل كتاب (التاريخ ومؤرخو الجزائر) الذي ضم بحوثا في مختلف العصور التاريخية للجزائر بأقلام متخصصة من أساتذة الجامعة. وقد كتب مقدمته ستيفان قزال. ومن الكتب المتخصصة التي صدرت أيضا عن لجنة النشر نذكر (1):
1 -
اللباس الجزائري، لجورج مارسيه.
2 -
ايكونوغرافية الجزائر، لغبريال ايسكير.
3 -
تطور الاستعمار خلال قرن، لايميل فيليكس قوتييه.
4 -
تطور الجزائر، لاسبيسن.
5 -
الشرق والرسم الفرنسي خلال القرن 19، لاليزار.
الجمعيات المتخصصة
أما الجمعيات العلمية فقد تعددت وقدمت خدمات كبيرة للبحث رغم انتمائها للإدارة الاستعمارية وأهدافها المصادرة للتطور الطبيعي للشعب الجزائري. كانت الجمعيات ضيقة الأفق منطلقة من وجهة نظر عنصرية أحيانا - سيما خلال القرن الماضي - إذ كانت تقوم على البحوث العرقية والانثروبولوجية والنظريات التي تدعو إلى التفوق الحضاري الفرنسي والانسان الأبيض على العموم. وكانت الجمعيات أيضا في البداية تحت تأثير
(1) غوستاف ميرسييه، مرجع سابق، ص 331 - 334. وبهذه المناسبة نشط المستشرقون أيضا وانجز هنري ماصيه بحثه عن (الدراسات العربية في الجزائر) الذي صدر سنة 1931، وهو العمل الذي فصل فيه جهود المستشرقين في مختلف الميادين، ووضع علامات لطريقهم في المستقل.
وإشراف العسكريين الذين كانوا في الميدان، وكانوا هم الذين يمدونها بالملاحظات ويكتبون في مجلاتها. ومن جهة أخرى اهتمت الجمعيات بالآثار الرومانية والمسيحية وأهملت تقريبا ما عداها سيما الحضارة العربية الاسلامية وآثارها. ومع ذلك فنحن نؤكد أن ما نشرته هذه الجمعيات في مجلاتها يعتبر ثروة كبيرة للبحث والمعرفة بصفة عامة. ونحن نجد بعض الجزائريين الأعضاء في الجمعيات المذكورة كانوا يقدمون نتائج بحوثهم أيضا إلى العلماء الفرنسيين خدمة للاستعمار.
وقبل أن تظهر هذه الجمعيات ظهرت في فرنسا جمعيات خصصت اهتماما كبيرا للاحتلال الفرنسي في الجزائر، ومن ذلك الجمعية الآسيوية والجمعية الشرقية والجمعية الجغرافية. فكل جمعية من هذه الجمعيات أصدرت مجلة وفتحت أعمدتها لكتاب فرنسيين حلوا بالجزائر أو جعلوا همهم الربط بين ما يجري فيها وما يجري في العالم الاسلامي على العموم. وكانت حركة الاستشراق الفرنسي يومئذ آخذة في النمو. فصادف احتلال الجزائر اهتماما خاصا بشؤون الشرق والإسلام.
لقد سبق القول إن الجمعية الآسيوية قد تأسست في باريس سنة 1822، وان رئيسها كان دي ساسي المتوفي سنة 1838 (1). وقد شارك في المجلة الآسيوية عدد غير قليل من المستشرقين الفرنسيين الذين استقروا بالجزائر، منهم بنجامين فانسان، وشيربونو. أما الجمعية الشرقية فقد تأسست في باريس سنة 1841، وأصدرت (مجلة الشرق). وجاء في قانونها الأساسي انها تنسق بين أعضاء (المعهد) الفرنسي والقناصل والرحالة، وأنها تهتم بكل ما يهم حاضر ومستقبل بلدان الشرق. وتقول الفقرة القانونية صراحة (يجب أن نبذل جهدنا للهيمنة عليها (أي بلدان الشرق) لصالح الحضارة - وكذلك الجزائر -. هذه الأرض الافريقية الواسعة التي كانت من قبل متوحشة (باربار Barbare) ومتمردة. وها هي اليوم تفتخر بقوانيننا وفنوننا وعاداتنا وصناعتنا،
(1) انظر سابقا.
وهي تحث الخطى نحو التقدم) (!). وقد اعتمدت وزارة الداخلية الفرنسية الجمعية الشرقية التي يبدو أنها جددت سنة 1856. وبالفعل فإن الذي يرجع إلى (مجلة الشرق) يجد هذا الاهتمام بالجزائر ممثلا في المقالات والأخبار والتعاليق والمشاريع. ولا غرابة بعد ذلك أن تصبح المجلة تسمى (مجلة الشرق والجزائر) فترة من الزمن. وربما أضافت إلى ذلك كلمة (والمستعمرات) أيضا (1).
وأما الجمعية الجغرافية فقد تأسست أيضا في باريس. واهتمت مبكرا بالجزائر والمغرب العربي والاستكشافات. وهي التي نشر فيها الباحث دافيزاك ترجمة لرحلة الاغواطي في وصف بعض المناطق الصحراوية الممتدة من الأغواط إلى تمبكتو ومن شنقيط إلى جربة، مع تعاليق وإضافات (2).
وهكذا فإن نشأة الجمعيات العلمية الفرنسية قد تصادف مع احتلال الجزائر، وساعد هذا الاحتلال انطلاقة الكشوفات والاهتمامات بالمشرق والعالم من جهة والتركيز على الجزائر باعتبارها مركزا للتوسع والتجارب من جهة أخرى. فاحتلال الجزائر لم يكن فاتحة عهد الامبراطورية الفرنسية الجديدة، فقط، كما هو الشائع إلى الآن، ولكنه كان يمثل انطلاقة الاستشراق والهيمنة على الشرق والاهتمام بتراثه ودراسته. وقد أعطت الجزائر المفتاح لذلك.
أقدم الجمعيات في الظهور هي الجمعية الأثرية في قسنطينة (3). فقد تأسست في ديسمبر 1852. ومن مؤسسيها العقيد كروللي والمستشرق
(1) انظر مجلة الشرق، 1856. اعتمدت جمعية الشرق رسميا في 15 مايو، 1856. ولكن ذلك يظهر أنه تجديد فقط لأن مجلة الشرق قديمة ترجع إلى 1841 - 1842 كما سبق. وكان من كتابها في الجزائر المستشرق فورتان Fortin وغيره.
(2)
انظر ترجمتنا لها في كتابنا (أبحاث وآراء) ج 2.
(3)
هذا إذا استثنينا الجمعيات الماسونية والجمعيات السرية التي ظهرت منذ أول الاحتلال، ولا سيما منذ 1848. انظر فصل مذاهب وتيارات.
شيربونو، الذي كان أستاذا لحلقة اللغة العربة في المدية، وبروسلار الذي كان رئيسا للمكتب العربي، وفينيار. ومنذ 1853 أخذت الجمعية تنشر مجلة باسم الحولية (أنوير)، ثم غيرت إسمها بعد عشر سنوات 1864 إلى مجموعة (روكاي) للبحوث والمذكرات، الخ. وكان اهتمامها متزايدا ومركزا على الآثار الرومائة، ولكن منذ الستينات ظهر من أعضائها وعلى صفحات مجلتها عدد من الكتاب المهتمين بالعهود الاسلامية أيضا، من أمثال فايسات الذي اهتم بالعهد العثماني في قسنطينة، وارنست ميرسييه الذي كتب عن المرأة والتشريع والملكية عند المسلمين وتاريخ المنطقة في العصر الاسلامي، وفيلو الذي اهتم بعادات الجزائريين. ومن مشاهير كتابها أيضا العقيد شارل فيرو.
وكانت الجمعية مؤلفة من عسكريين ومدنيين، كما لاحظنا، فيهم الجنرالات والعقداء في الجيش، وفيهم المعلمون والأطباء ورجال الكنيسة وعلماء اليهود. وكان الذي يجمعهم هو حب البحث والسيطرة، وعند إنشاء الجمعية كانت الجزائر ما تزال تعيش العهد الذي سمي بعهد (التهدئة) فالبحوث كانت تجري على عجل وعلى خوف من المقاومة الجزائرية، ولكن منذ الستينات أصبحت البحوث تجري في الميدان مع الاطمئنان على مصير الجزائر (الفرنسية).
أجرى أحد الباحثين حديثا دراسة تقييمية ونقدية لمجلة جمعية الآثار القسنطينية بين 1853 و 1876. وقد خرج منها بالنتائج الهامة التالية. إن كتابها كانوا ينظرون إلى مدينة قسنطينة نظرة نصفية، نصف حي يسكنه الفرنسيون ونصف ميت يعتبر متحفا يتردد عليه السواح والكتاب (1). وقد
(1) يمكننا أن نعمم ذلك على جميع المدن وجميع السكان الجزائريين. إن النظرية النصفية (أو النصف الحي والنصف الميت) هي التي كان يعالج بها الكتاب الفرنسيون موضوعاتهم. فالنصف الميت من كل موضوع هم السكان الجزائريون ومدنهم وأحياؤهم وتجمعاتهم وآثارهم، الخ. انظر أيضا بحث ايمانويل سيفان E. Sivan الثقافة الشعبية الاستعمارية بالجزائر في كتابنا (أبحاث وآراء) ج 4.
ركزت المجلة كما ذكرنا على الآثار الرومانية وفرنسا الرومانية أيضا والتي كانت تسير على خطى الرومان. ولكن المجلة اهتمت أيضا، ولأسباب سياسية، بالآثار البونيقية، أما الآثار الاسلامية فقد تجاهلتها ونظرت إليها نظرة احتقار، مثل تناولها لقصر أحمد باي وقصر صالح باي والقنطرة. واشتملت المجلة على قسم هام ركز على دراسة مدينة قسنطينة بالذات في خرائبها وآثارها ومبانيها التي درسها الكتاب من وجهة نظر تؤكد السيطرة الفرنسية وتخدم المصالح الاستعمارية، كما عالجت موضوع نظرة المسلمين للآثار الاسلامية والرومانية بطريقة تشجع على عملية الاحياء أو البعث الروماني.
من كتابها نجد كما أشرنا، شيربونو، فقد نشر 31 مقالة ضمن عشرين عددا، أي أنه كان يكتب في العدد الواحد أكثر من مقالة. أما فيرو فقد نشر فيها 19 مقالة. ومن بين الموضوعات المنشورة فيها خلال العشرين سنة المذكورة نجد 80? منها تتعلق بالآثار الرومانية، وبعضها فقط كان عن موضوعات بربرية - ليبية وبونيقية. وقد لاحظ هذا الباحث أن من بين ال (808) مقالات المنشورة خلال نفس الفترة نجد (15?) تتعلق بالتاريخ والاثنوغرافية، وأن ثلاثة أرباع منها تقوم على المواد العربية والتركية. وقد نشطت البحوث الميدانية منذ قانون الأرض 1863 الذي اهتم بالدواوير وأملاك الأهالي، وأصبحت البحوث ميدانية، كما قلنا، وكانت تهدف إلى إعطاء صورة على أن العربي لم يتغير منذ الفتح الاسلامي. وكان الكتاب يستعملون الجزء للكل بالنسبة للأهالي، فإذا رأوا شخصا غش فإن كل الأهالي غشاشون، وكانوا يعتبرون جميع المتعلمين (الطلبة) جهلة وغير مفيدين، أو لهم أحكام مسبقة متوارثة عن عدم احترام الآثار القديمة، وقد ركز الكتاب أيضا على جشع المسلمين، وكون الاسلام يمنع العلم ويلعنه، وينسبون الكسل الطبيعي للأهالي.
أما المجلة في حد ذاتها، فقد اعتبرها الباحث أول مجلة علمية في
المغرب العربي كله. وقد أصبحت القضايا التي أثارتها موجودة في مختلف الكتب والنشرات والصحف ودليل السواح والمقالات. وذلك كله قد ساعد على الهيمنة الاستعمارية في الجزائر ثم في المغرب العربي كله. وكان كتابها رغم اختلافهم في التكوين والمهنة، يلتقون حول إنجاح الاحتلال ودراسة التحول الاجتماعي. وكانوا يريدون التغلب على الخلافات بين المدنيين والعسكريين للإبقاء على القدر المشترك من الاتفاق للوصول إلى إنجاح الهيمنة الاستعمارية (1).
وقول غوستاف ميرسييه، حفيد ارنست، إن الجمعية الأثرية لقسنطينة قد دامت 104 سنوات، ونشرت 100 مجلد ضخم من مجلتها، وشارك فيها عدد كبير من الباحثين والكتاب، عسكريين ومدنيين، منهم غزال، مريبو، إضافة إلى من ذكرنا (2). ورأي مالركي في مجلة هذه الجمعية الذي توصل إليه بعد دراسة إضافية، يصدق أيضا على (المجلة الافريقية) وعلى المجلات العلمية الأخرى التي صدرت أثناء الاحتلال، وهي جمعيات هدفها منذ تكوينها، كان خدمة الإدارة الاستعمارية. فهناك رابط أساسي ومقدس بين أعمال المستشرقين وأعمال العلماء الآخرين والإدارة والكنيسة، كلهم كانوا متضافرين على إحكام السيطرة على الجزائر وأهلها.
فالجمعية التاريخية الجزائرية ولدت يوم 7 إبريل 1856 في العاصمة، بمبادرة من الحاكم العام المارشال راندون الذي أصبح الرئيس الشرفي للجمعية، كما أصبح من التقاليد أن كل حاكم عام للجزائر هو بالقوة الرئيس الشرفي للجمعية. أما الرئيس الفعلي الأول للجمعية فهو ادريان بيربروجر الذي تولى عدة وظائف في الإدارة المدنية الاستعمارية منذ 1835، كاتبا خاصا للمارشال كلوزيل، ومحافظا لمكتبة ومتحف الجزائر، وعضوا في
(1) جيمس مالركي (البنية الدرامية لاكتشاف علمي في الجزائر المستعمرة) في كتاب (معرفة المغرب/ العربي)، ص 137 - 160. ويبدو أن هذا البحث جزء من أطروحة مالركي عن الجزائر.
(2)
ميرسييه (مدخل)، مرجع سابق، ص 327.
اللجنة العلمية. وقد جاء في قانونها أن الهدف من إنشائها هو (دراسة كل المعلومات المتصلة بتارخ إفريقية ولا سيما المعلومات التي تهم الجزائر، من العهد اللوبي (الليبي) إلى نهاية العهد التركي). ومن أعضاء الجمعية لويس برينييه أستاذ حلقة اللغة العربية بالعاصمة، والبارون ديسلان. وكان الأول مستشرقا والثاني مترجما عسكريا ومشرفا على جريدة المبشر. وقد انضم إليها فيما بعد عدد آخر من المترجمين العسكريين والمدنيين منهم الجغرافي مكارثي والعقيد دي نوفو الذي تولى مكتب الشؤون العربية في الإدارة العامة، والمتصرف المدني رولان دي بوسيه، والعقيد هانوتو، الذي كتب عن زواوة، وبارجيس الذي كتب عن تاريخ تلمسان، والجنرال دوماس الذي تولى الشؤون العربية في عهد بوجو، وهو مؤلف كتابي: المرأة العربية، وخيول الصحراء كما عرفنا.
وقد نشرت الجمعية التاريخية مجلة (المجلة الافريقية)(1) الشهيرة التي اهتمت بنشر المخطوطات المحلية والعربية والوثائق الأصلية، وسلطت الضوء على تاريخ الجزائر في مختلف عصوره، ولكن بدرجات متفاوتة في الاهتمام. وتعتبر مجلداتها، كما يقول غوستاف ميرسييه، مكتبة تاريخية في حد ذاتها. كانت المجلة توزع مجانا على الأعضاء العاملين والمراسلين. ظهر عددها الأول في أكتوبر 1856، ثم أخذت تظهر كل شهرين ثم أصبحت مجلة فصلية تصدر كل ثلاثة أشهر منذ 1888. ومن تاريخها أنها توقفت فترة الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918 ثم رجعت برقم (294) سنة 1918. وتميزت عهودها بميزات رؤساء الجمعية وميولهم وكذلك ميول كتاب الجمعية. وقد تولاها بيربروجر إلى وفاته سنة 1869، ثم تولاها بعده آخرون مثل دي قرامون، ولويس رين، وماسكري، وأرنو، وويل، وبيزان.
(1) كانت كلمة (افريقية) تعني الجزائر عندئذ، ومن ثمة المطبعة الافريقية واللجنة الافريقية والجيش الافريقي
…
الخ.
وقد طبع بعض الرؤساء والكتاب المجلة بطابع اهتمامهم فجعلها دي قرامون ميدانا لدراسة تاريخ الجزائر لاهتمامه هو بهذا الموضوع، وكان الكاتب العام فانيان، أستاذا لكرسي الأدب العربي في مدرسة الآداب فجعل المجلة تهتم بالترجمة عن الأدب العربي والتاريخ العربي. وساهم ويل وغزال في قسم الدراسات الأثرية. وفي عهد بيزان تولى الكتابة في الجمعية كل من ادمون دوتيه وجورج ايفير على التوالي، ومع ذلك فإن الدراسات العربية والتاريخية في المجلة الافريقية لم تضعف، ولكنها تركت مكانا بارزا للآثار أيضا. وكان دوتيه من المتأثرين بالنظرية الدورخايمية في علم الاجتماع، وهو من الكتاب الذين اهتموا بالعادات والدين والمرأة في الجزائر. أما جورج ايفير فقد كان أستاذا متخصصا في التاريخ الاستعماري للجزائر. وكانت المجلة قبل دوتيه تنشر كتبا كاملة في شكل فصول، وبحوثا مطولة بصفة مجزأة، ولكن دوتيه قرر مع زملائه أن تتخصص المجلة في الدراسات والمقالات، أما البحوث المطولة في شكل كتب فتنشر دفعة واحدة منفصلة تحت عنوان بحوث (مذكرات) الجمعية التاريخية. كما أصبحت المجلة تهتم بالنشاط العلمي (من أقدم العصور إلى يومنا هذا) أي لا تتوقف عند نهاية العهد التركي (1).
وقد توالت الجمعيات العلمية ومجلاتها فتأسست في عنابة سنة 1863 جمعية للبحث العلمي، أخذت فيما بعد إسم اكاديمية هيبون. وكان أول رئيس لها هو المحامي اوليفييه. ثم تولاها سنة 1871 الضابط قنطيس ثم العقيد بابيه ثم مالتيرن. وقد أصدرت مجلة باسم نشرة أكاديمية هيبون. وكانت مهتمة بالشرق الجزائري على العموم. ويظهر عليها أيضا الطابع الأثري والديني. ومن كتابها ليكليرك الذي كتب فيها عن أحمد التيفاشي، وبلوشي الذي تناول علم الخرائط عند المسلمين، وبابيه الذي نشر عن مساجد عنابة.
(1) جان بفيا J. Bevia المجلة الافريقية، مقدمة المجلد الخاص بالفهارس لسنوات 1921 - 1882، الجزائر، 1924.
وفي 1878 كون الضابط البحري تروتاباس الجمعية الجغرافية لاقليم وهران. وقد اهتمت بالخصوص بالجنوب والغرب الجزائري والمغرب الأقصى الذي أخذت الاهتمامات الفرنسية تلتفت إليه. كما اهتمت بقضايا الصحراء. ونشرت عددا من المخطوطات مترجمة إلى الفرنسية، وكذلك بحوثا مطولة في شكل مونوغرافات. ونشطت الدوائر الاستعمارية في المنطقة إذ وجدت في الجمعية والمجلة التي كانت تسمى (نشرة)، مجالا للتعبير عن نفسها بالكتابات والبحوث. وفي 1881 غيرت الجمعية اسمها جزئيا فأصبح هو (الجمعية الجغرافية والأثرية لاقليم وهران). وأسست متحفا أصبح يدعى المتحف الأثري والفني لمدينة وهران. ومن المساهمين فيها المستشرقون رينيه باصيه، وتلميذه ألفريد بيل، وموليراس.
وكما قامت جمعية وهران بمبادرة أحد العسكريين كذلك كانت الجمعية الجغرافية لمدينة الجزائر. إذ يرجع الفضل في إنشائها سنة 1896 إلى العقيد بولينياك. وقد أنشأت هي أيضا مجلة ضمت بحوثا مختلفة المستوى، واهتمت بالصحراء وافريقيا وبالجزائر. وكتب فيها العسكريون بالدرجة الأولى عدة مونوغرافات عن تجاربهم في البلديات والبعثات العلمية. وكان من كتابها بعض المدنيين أيضا أمثال جوزيف ديبارمي الذي اختص بالانثروبولوجيا في منطقة متيجة وتطور الحركة الوطنية والنفسية الجزائرية من خلال النصوص الشعبية والفولكلور.
وهناك جمعيات علمية أخرى أقل شهرة، وقد أصدرت أيضا مجلات تضم بحوث أعضائها. ونذكر منها هنا، الجمعية الأثرية والسياحية لسوق اهراس، والجمعية الأثرية لمنطقة سطيف، وجمعية أصدقاء تلمسان القديمة بقيادة المستشرق ألفريد بيل. وفي 1909 ظهرت في العاصمة جمعية التاريخ الطبيعي للقطر الجزائري، وكانت لها نشرة شهرية، ثم الجمعية الفرنسية للفيزياء - فرع الجزائر العاصمة (1).
(1) غوستاف ميرسييه (مدخل)، مرجع سابق، ص 388 - 331. وهناك بحث موسع =
وبعد تكاثر الجمعيات وتوزع جهود الباحثين من خلالها، ظهرت فكرة جديدة لجمع الشمل والتعاون وتبادل الخبرات، وذلك بإنشاء اتحادية لهذه الجمعيات، سميت (فيدرالية الجمعيات العلمية لشمال افريقية). وواضح أن هذا العنوان لا يقتصر على الجمعيات العلمية في الجزائر، ولكن يضم الجمعيات العلمية الفرنسية على مستوى تونس والمغرب الأقصى أيضا. فالتنسيق بين الجمعيات المذكورة كان ضروريا لخدمة أهداف الاستعمار القريبة والبعيدة في منطقة المغرب العربي كلها. وكان جورج هاردي هو صاحب المبادرة لإنشاء الفيدرالية التي بدأت نشاطها الجماعي سنة 1935 بالجزائر، ثم عقدت دوراتها الأخرى سنويا في كل من تلمسان وتونس والرباط وقسنطينة. وبحلول الحرب العالمية الثانية توقف هذا النشاط. وكان يصدر عقب كل اجتماع سنوي مجلد أو مجلدات تضم البحوث التي عالجها الأعضاء، وكانت بحوثا دسمة في معظمها وفي مختلف التخصصات التي تهم المنطقة من الوجهة الفرنسية.
ونريد أن نشير أيضا إلى (لجنة ترجمة الكتب العربية) التي أسسها الحاكم العام جول كامبون سنة 1894. وكان الغرض منها هو إعداد ونقل الكتب العربية إلى اللغة الفرنسية، ولا سيما تلك الكتب المدرسية أو ذات الطابع التعليمي الذي تقرر استعماله في المدارس الشرعية - الفرنسية الثلاث بعد إعادة تنظيمها وفي دروس المساجد المراقبة من إدارة الشؤون الأهلية، وفي مدرسة الآداب وغيرها. وكان المشرف على اللجنة هو بيرسفيل، كاتب عام الحكومة العامة، وكانت اللجنة تتألف من أساتذة فرنسيين في اللغة العربية من مدرسة الآداب ومدراء المدارس الثلاث، ومن مترجمين عسكريين تابعين للحكومة العامة. وتقرر أن تترجم مجموعة من الكلاسيكيات العربية في الفلسفة والنحو والتاريخ والفقه. ومنها كتاب ابن مسكويه، وحي ابن يقظان،
= عن الجمعيات الخمس الرئيسية بقلم الضابط جوق Jugue في المجلة الافريقية، 1905، ص 463 - 485. انظر أيضا بحثنا (منهج الفرنسيين في كتابة تاريخ الجزائر فى كتابنا أبحاث وآراء .. ط. 3 ج 1. وماصيه (الدراسات العربية فى الجزائر).
وسجل سيبيس تلميذ سقراط (ترجمه عن العربية ر. باصيه)، وتاريخ المغرب لابن عذارى، وعقيدة السنوسي، وكتاب ابن تومرت، (أعز ما يطلب؟)، والخزرجية في العروض، وتاريخ بني عبد الواد ليحيى بن خلدون، والمعجم الفرنسي - التارقي لموتيلانسكي، وغير ذلك.
وكان تحقيق ونشر بعض المؤلفات من قبل محمد بن أبي شنب، وكتابة معجم التراجم (تعريف الخلف) لأبي القاسم الحفناوي، ونصوص بوليفة، داخل ضمن هذا المشروع. ولا ندري الآن إن كان بعض الجزائريين من ضمن أعضاء هذه اللجنة. وقد ترجم أيضا المترجم العسكري بالحكومة العامة، باقار، عملا لمؤلف مجهول عن مورفولوجيا الفعل في اللغة العربية - النص العربي والنص الفرنسي في 42 صفحة -، كما ترجم سيكار، وهو أيضا من العاملين في الحكومة العامة، رجزا في النحو لحسن العطار المصري، سماه بحثا في النحو العربي (34 صفحة)(1). وكان دومينيك لوسياني من المشاركين في الترجمة من جهة ومن المنشطين للمشروع من جهة أخرى.
ويجب علينا أن نعتبر البحوث التي صدرت عن مؤتمر المستشرقين الرابع عشر (الجزائر 1905) ضمن هذه الأعمال العلمية الجماعية أيضا. فقد انتهى المؤتمر بإصدار وقائع ودراسات هامة تخص الجزائر ومنطقة المغرب العربي. ومنها بحث لابن أبي شنب عن سند صحيح البخاري في الجزائر، وإجازة عبد القادر الفاسي لبعض الجزائريين. وقد شارك عبد الحليم بن سماية والمختار الحاج سعيد وغيرهما من الجزائريين في أعمال المؤتمر أيضا.
وكانت أعمال الجمعية الآسيوية في باريس والجمعية الجغرافية
(1) انظر تقرير رينيه باصيه عن العمل العلمي الفرنسي في (الميلانج) في المجلة الآسيوية، 1920، مجلد 15، ص 92. وكذلك المجلة الافريقية، 1898، ص 376.