الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لإسماعيل العربي (1)، ومجلة (هنا الجزائر) التابعة للإذاعة الفرنسية عهد لا يعنينا هنا (2).
وبالنسبة للأدب فإن أحمد رضا حوحو يعتبر من رواد حركة الترجمة من الفرنسية إلى العربية، فقد تعلم العربية والفرنسية في الجزائر ثم سافر إلى الحجاز سنة 1935، واستكمل هناك ثقافته العربية، ولكنه برصيده في اللغة الفرنسية استطاع أن يطرق باب الترجمة عن أدباء فرنسا، أمثال فيكتور هوغو، وبودلير، وفولتير، وناصر الدين دينه، وغيرهم (3).
الاتجاه الاندماجي - الاستغرابي
أعلن الفرنسيون منذ البداية، على لسان قادتهم أن هدفهم هو (تمدين) الجزائريين (المتوحشين) أو نصف المتمدنين، وأن لهم رسالة حضارية يؤدونها، وهي تتمثل في إحلال النظم الفرنسية محل النظم الإسلامية القائمة، وجعل اللغة الفرنسية هي لغة السيادة. ومن ثمة كان هدفهم هو الوصول إلى نقطة الاندماج حين يصبح المجتمع الجزائري مجتمعا متفرنسا لغة ودينا ونظما. وقد تضافرت الجهود لتحقيق هذا الهدف، فالعسكريون كانوا يحطمون المقاومة حيثما وجدت وفي جميع أشكالها. والمدنيون كانوا يحطمون النظم والمؤسسات القائمة من أوقاف وتعليم وقضاء وحتى المعالم كالمساجد والزوايا والجبانات، ومن جهتهم كان رجال الدين يسترجعون الكنيسة (الكاثوليكية) التي كانت قبل الإسلام، ويعملون على أن يتخلى
(1) ظهرت سنة 1948، ومن الترجمات التي ظهرت فيها لإسماعيل العربي: أنغام العود والمزهر (شعر) لفيكتور هوغو، وأنشودة الريح الغربية (شعر) لشيلي، وصفحات من التاريخ الدبلوماسي، الخ.
(2)
من الذين ترجموا إلى العربية أيضا في هذا العهد: المولود الطياب والطاهر البوشوشي. انظر حديثنا عن المجلات في فصل المنشآت الثقافية.
(3)
انظر كتاب صالح خرفي (أحمد رضا حوحو في الحجاز)، دار الغرب الإسلامي، بيروت 1991. وقد كتبنا عنه مراجعة نشرت في مجلة (المنهل) السعودية.
الناس عن دين محمد المزيف، كما يقول الأب بارجيس والأسقف بافي، وكان رجال الاستشراق والاستغراب يتعاونون على تحطيم اللغة العربية بإهمالها وإحياء العاميات واللهجات المحلية وتدريس كل ذلك باللغة الفرنسية وتربية الجزائريين المتصلين بهم على هذه الفكرة.
وقد تحدثنا حتى الآن عن الموقف من التعليم ومن المعالم الإسلامية وموقف الاستشراق من اللغة العربية واللهجات في فصول أخرى. أما الموقف من المقاومة فقد تناولناه في كتابنا الحركة الوطنية. ونريد الآن أن ندرس ظاهرة أخرى في هذا المخطط الاندماجي الفرنسي، وهي إنشاء نواة تكون هي الوسيلة إلى ذلك، ومن الممكن تسميتها بنواة الاستغراب والاندماج والتفرنس (1). ونحن نعتبر ذلك من الفرنسيين أمراء طبيعيا. فكل أمة تحتل أمة أخرى ترت فرض سيطرتها بإلغاء النظم التي سبقتها وتعويضها بنظمها الخاصة، ومحاولة جعل الأمة المحتلة في مستوى الأمة الغازية، أو سحقها. وقد تكون هذه العملية بالجبر والقهر وقد تكون باللين واتخاذ القدوة دون تعسف. ومن الأمم من تلجأ إلى القهر ومعاملة المحتلين معاملة العبيد أو الأندجين. وقد اتبع الفرنسيون الطريقة الأخيرة.
فإلى جانب القهر العسكري الغاشم استعمل الفرنسيون أسلوب التبشيع لكل ما هو قائم قبلهم، وقد استفظعوا السلوك الديني واللغوي والأخلاقي والاجتماعي للجزائريين بالكلام والكتابة والمعاملة. واتبعوا طريقة الاحتقار والإهانة. وبالغوا في الاعتداء على الأملاك ومصادرة الأراضي، وهكذا جعلوا من أنفسهم مستبدين طغاة، فأصبح الجزائري المغلوب معهم يتمنى إزالة ملكهم وانقراض دولتهم. وكان هذا هو رأي السكان حتى الذين أجبرهم الفرنسيون أو أجبرتهم الظروف المعاشية على العمل في إطار إدارة الاحتلال.
(1) انظر مقالتنا عن (الاستيطان والاندماج في الجزائر) في مجلة (الندوة) الأردنية، عدد 2، المجلد 8، مايو، 1997.
وفي مقابل ذلك عمل الفرنسيون على إنشاء نواة تكون هي الوسيلة للفتنة الاجتماعية واللغوية، على أن تتولى هي المناداة بالاندماج والاستغراب في الوقت المناسب. وكانت المقاومة العنيفة والمعاملة الجماعية السيئة قد أخرت ظهور هذه النواة. فنحن لم نسمع بأصوات جزائرية تصرح بتقليد الفرنسيين إلا في الستينات من القرن الماضي، أي بعد جيل من الاحتلال (1). وكانت هذه الأصوات خافتة في البداية. وكانت على لسان بعض الشيوخ الذين لم يدرسوا في المدارس الفرنسية أو الذين درسوا فيها ولكن حظهم من الثقافة العربية الإسلامية كان أقوى، وكانوا ما يزالون متحصنين. ولا ندري هل كان أولئك النفر القليل الذين ظهرت دعوتهم على صفحات جريدة المبشر الرسمية، هل كانوا يكتبون عن عقيدة وإيمان أو كانوا يكتبون مأجورين. والواقع أن أصوات هؤلاء كانت لا تخرج عن الدعوة إلى (العلم) وإلى تعلم الفرنسية باعتبارها لغة هذا العلم الجديد، والدعوة إلى تعلم التكنولوجيا الغربية (الفرنسية). وهذه الدعوة ليست جديدة في حد ذاتها، فقد دعا إليها بعض العلماء المسلمين حتى قبل الاحتلال الفرنسي، أمثال محمد بن العنابي في (السعي المحمود)(2). ولم يكن عالم متنور مثل حمدان خوجة يعارض التعلم بالفرنسية ولا تعلم العلوم الحديثة من الأوروبيين. ولكن الذي عارضه، وعارضه الجزائريون معه هو الاحتلال والاعتداء على حرمات المساجد والبيوت والمكتبات والأراضي، وهو القهر والتسلط ثم تسمية كل ذلك رسالة حضارية فرنسية.
(1) من الذين انبهروا بالفرنسيين أول مرة أحمد بوضربة سنة 1830، وقد كان معاشرا للفرنسيين في مرسيليا قبل الاحتلال. ولكنه سرعان ما خاب أمله بعد أن تبين خطأه من حسن الظن بهم، رغم مؤهلاته كمتعلم بالفرنسية، ليلعب دور الوسيط. وقد انضم إلى الأمير عبد القادر، ثم مات هو وعمه مصطفى في المنفى (طنجة). انظر عنه الحركة الوطنية ج 1. وكنا قد جمعنا عنه ملفا لنخصه بدراسة، ولكن الملف ضاع في أوراقنا سنة 1988 ضمن المحفظة المعروفة.
(2)
انظر كتابنا (رائد التجديد الإسلامي) ط. 2.