المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

رؤوس العسكريين، فاوض بنفسه في بوفاريك ممثلي الأمير، ثم أرسل - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٦

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادس

- ‌الفصل الأولالاستشراق والهيئات العلمية والتنصير

- ‌الاستشراق ومراحله

- ‌حلقات اللغة العربية

- ‌ مدرسة الآداب

- ‌أعمال المستشرقين

- ‌حياة بعض المستشرقين والمستعربين

- ‌اللجان العلمية

- ‌لجنة الاكتشاف العلمي للجزائر:

- ‌لجنة الاحتفال المئوي بالاحتلال:

- ‌الجمعيات المتخصصة

- ‌المعاهد الجامعية

- ‌البعثات العلمية ومشاركة المثقفين الجزائريين فيها

- ‌الكنيسة والتنصير

- ‌نشأة الأسقفية

- ‌الأسقف بافي:

- ‌ لافيجري

- ‌شارل دي فوكو:

- ‌النشاط التنصيري منذ 1930:

- ‌الفصل الثانيالترجمة وظهور النخبة الاندماجية

- ‌مترجمو الحملة وغداتها

- ‌تنظيم فرقة المترجمين

- ‌المترجمون الجزائريون

- ‌تعاون الجزائريين والفرنسيين في مجال الترجمة

- ‌الترجمة إلى العربية

- ‌الاتجاه الاندماجي - الاستغرابي

- ‌الزيارات المنظمة لباريس وفكرة المعهد العربي

- ‌أسر الأطفال وحملهم إلى فرنسا

- ‌دعاة التعلم باللغة الفرنسية الأوائل

- ‌نماذج من المثقفين والاندماجيين

- ‌الفصل الثالثمذاهب وتيارات

- ‌(نعمة) الاحتلال

- ‌رأي باصيه، ود. وارنييه، وطوكفيل

- ‌رأي لافيجري ولويس فينيون وآخرين

- ‌(فرق تسد)

- ‌معاداة العرب

- ‌ومعاداة البربر

- ‌التآمر على زواوة

- ‌الدعوة إلى تعلم الفرنسية ..وإلى التعلم عموما

- ‌وضع المرأة

- ‌الهجرة أو البقاء

- ‌الاندماج، التجنس، النخبة

- ‌الجزائر في الكتابات الفرنسية

- ‌اليهودية والصهيونية

- ‌الماسونية

- ‌الإسلام ووحدة الأديان

- ‌المثالية والاشتراكية

- ‌ إسماعيل عربان

الفصل: رؤوس العسكريين، فاوض بنفسه في بوفاريك ممثلي الأمير، ثم أرسل

رؤوس العسكريين، فاوض بنفسه في بوفاريك ممثلي الأمير، ثم أرسل إليه القس سوشيه إلى معسكر. واستطاع أن يتبادل معه بعض الأسرى. وقد سخط عليه بعض العسكريين لتفاوضه (مع العدو) وكادوا يعقدون له مجلسا حربيا، لولا تدخل بوجو الذي كان يحميه (1).

وفي نهاية عهده أفلس دوبوش لأن سياسة التبذير والمغامرة التي سلكها جعلته يتهرب من الدائنين له إلى أن استقال، وسجن، ثم هرب إلى إيطاليا ثم إسبانيا، كما ذكرنا. فقد أكثر من المنشآت باسم الكنيسة. ومن ذلك ملجأ الأيتام في ابن عكنون. إذ جمع فيه الأطفال المنبوذين، وجند النساء للقيام بهم، واشترى له قطيعا من الماعز للحليب، ثم دخل في صفقة عقارية، مما أدى إلى إفلاسه. وثارت ضجة للفضيحة. ونحن هنا لا يهمنا كل ذلك، ولكن يهمنا فقط أن الدولة الفرنسية بزعامة نابليون عندئذ سنة 1852 قد تدخلت وتكفلت هي بدفع الديون المترتبة على الأسقف باعتباره كان يعمل لمشاريع تخدم مصالح الدولة الفرنسية. وكان أسقف مدينة بوردو هو الذي أقنع نابليون بذلك.

‌الأسقف بافي:

أما الأسقف الثاني، وهو لويس بافي L. Pavy، فقد كان عهده أكثر اضطرابا وثورة على الدين الاسلامي. جاء الجزائر متحمسا للاستمرار في مشروع سلفه، وهو استعادة نشاط الكنيسة الكاثوليكية كما كان قبل الاسلام، واعتبار الحلقة الاسلامية مرحلة عابرة، فكان لا بد، في نظره، من تكسيرها. وقد طال عهد بافي من 1846 إلى 1866. وعرفت الجزائر خلال ذلك حياة متقلبة أيضا: تغييرات إدارية، وثورات شعبية، واستيطان الأروبيين، ومواقف من التعليم والدين الاسلامي والقضاء، وحركة هجرة جزائرية نحو المشرق، وجوائح مهولة. ومن الصعب علينا التذكير بكل ذلك هنا، ولكن نحيل إلى كتابنا الحركة الوطنية والفصول الأخرى من هذا الجزء للربط بين ما حدث

(1) انظر بيلي (عندما أصبحت الجزائر فرنسية)، مرجع سابق، ص 288.

ص: 114

وما كان يقوم به الأسقف بافي. ورغم جهود هذا الأسقف في الدعاية للكنيسة بين المسلمين وتنصيرهم عن طريق الصدقات والمداواة والورشات ونشر اللغة الفرنسية، فإنه فشل في النهاية.

كان بافي عميد الكلية الكاثوليكية بليون قبل توليه أسقفية الجزائر، وقد وجد أن دوبوش مهد له الطريق بإنشاء الكنائس وتكوين الرهبان وحلقات الدراسة والملاجئ. كما مهد له الطريق باستعادة بقايا أوغسطين، ولذلك كان على بافي أن يواصل فقط مشروع سلفه. ومن أجل ذلك سعى إلى الحصول على رضى العسكريين، وإلى تجنيدهم إلى جانبه وتفادى المواجهة معهم. ويقال عنه إنه كان خطيبا ماهرا، وله قدرة على اكتساب المستمعين إليه. وفي عهده تدعمت الكنيسة في قسنطينة، حيث استمر سوشيه في مهمته، وتحول جامع سوق الغزل فيها إلى كنيسة (1).

وفي تلمسان رجعت 1846 الكنيسة (الجامع) بعد الثورة، في طراز موريسكي، وعليه ناقوس، ولكن الأب بارجيس تمنى لو كان للكنيسة مؤذن يؤذن فيها أيضا للصلاة يوم الأحد كما يؤذن المسلمون لصلواتهم. وكانت زيارات وكتابات بارجيس تساعد بافي على ترسيخ فكرة استعادة الكنيسة الكاثوليكية إلى سالف عهدها. ولذلك قام بارجيس بتأليف كتاب صغير سنة (1848) عن (الكنيسة الافريقية) ووجهه إلى آلاف الفرنسيين، كما قال، الذين يتوجهون إلى الجزائر ليحملوا إليها حضارة فرنسا ونور المسيحية، وليذكرهم بماضي الكنيسة الذي دفنه (التعصب الاسلامي) والذي قطعت سلسلة حلقاته، حسب دعواه، بسيف أتباع النبي (محمدا ص) المزيف قطعا فادحا. وكان بارجيس، مثل بافي، يقول بأن للمسيحيين الجدد رسالة يؤدونها، وهي أن الله قد عهد إليهم باستعادة هذه الحلقة المكسورة وازدهار المسيحية من جديد في الجزائر. وقد نوه بارجيس، مثل بافي أيضا، برجال الدين القدماء أمثال: تيرتوليان، واوغسطين، وسيريان، وأوبتات،

(1) انظر فصل المعالم الاسلامية.

ص: 115

وأرنوب، الخ (1). ورغم تقدم العمل الكنسي فإن بارجيس، مثل بافي أيضا، كان يخشى على مصيره، فقد انتقد موقف الداعين إلى التسامح، وقال ان الفرنسيين إذا بقوا على هذا المنوال الذي دام ثماني عشرة سنة 1830 - 1848 فإن المسيحيين في الجزائر سيختفون ويعتنقون دين النبي (محمد) المزيف، في نظره. كما انتقد القساوسة المائة الذين كانوا بالجزائر ولم يتسربوا إلى نفوس أهل البلاد لعدم معرفتهم اللغة (2).

وخلاصة أعمال الأسقف بافي أنه أكمل مشروع الحلقات الدراسية في القبة وسانت أوجين (بلكين) بالعاصمة. وفي 1850 افتتح على حصن سانتا كروز بوهران، معبدا جديدا سماه معبد (سيدة الخلاص)، وفي 1854 وضع الحجر الأساسي لكنيسة السيدة الافريقية بالعاصمة في أعلى نقطة من جبل بوزريعة المطل على البحر. ووسع من كاتيدرالية سان فيليب (جامع كتشاوة) التي دفن فيها سلفه دوبوش سنة 1864. وأحضر مجموعة من المعلمين المعروفين باسم (أخوة المدارس المسيحية) وفتح بهم التعليم الديني ووسع منه ابتداء من 1854 (عهد المارشال راندون)، كما أحضر، باتفاق مع الحكومة، عددا من الجزويت (اليسوعيين). وبهؤلاء وأولئك فتح بعض المدارس والملاجئ في زواوة وفي غيرها باسم الأعمال الخيرية. ومما يذكر له أيضا أنه هيأ لإنشاء أسقفية في كل من وهران وقسنطينة، كما جعل أسقفية الجزائر في مستوى أسقفية فرنسا (3).

ويذهب الكتاب إلى أن بافي وسع من التعليم باللغة الفرنسية وإنشاء

(1) بارجيس Barges (موجز تاريخي عن الكنيسة الافريقية

خصوصا في تلمسان)، باريس، 1848. المقدمة، ثم ص 38 - 42. كان بارجيس أستاذا للغتين العبرية والكلدانية بكلية اللاهوت بباريس، وكان عضوا في الجمعية الآسيوية لسان حال المستشرقين. وقد زار تلمسان عدة مرات، وخصها ببعض التأليف عن تاريخها وملوكها.

(2)

نفس المصدر، ص 45.

(3)

قوانار (الجزائر)، مرجع سابق، ص 298.

ص: 116

المكتبات الشعبية. وقد وقعت محاولات التنصير على عهده في عدة أماكن منها: ميسرغين وعين الحمام والأغواط والقبة. وكانت المدارس التي أنشأها بافي تعلم تقنيات الفلاحة أيضا، وكان الهدف من تعليم الفلاحة للجزائريين هو مساعدة المستوطنين الفرنسيين على استخدام اليد العاملة بأجور ضعيفة. ومن مشاهير (الآباء) اليسوعيين الذين جندهم بافي نذكر كروزا في زواوة، وكليمانت في ميسرغين. ويذكر أحد المصادر أن بافي قد ترك 1800 تلميذ يتعلمون في المدارس الدينية، عندما غادر الجزائر. وهذا لا يعني بالضرورة تعليم الأطفال المسلمين وحدهم (1).

عندما فشل بافي في تنصير المسلمين في المدن اتجه نحو المناطق النائية والمعزولة. وطلب من الحكومة إرسال رجال الجزويت إليه (2). ويبدو أن الحكومة لم تشجعه على ذلك في أول الأمر، فاعتمد على وسائله الخاصة. وفي سنة 1853 أخذ بافي نفسه يهاجم الاسلام ونبي الاسلام. فقال عن القرآن الكريم إنه عاجز عن تلبية حاجات الانسان، واتهم الرسول صلى الله عليه وسلم بالكذب والاختلاق، وبتقليد المسيح عليه السلام وتحريف الانجيل. ويقول مارسيل ايمريت إن الحكومة خشيت من عواقب الصراع بين العرب والكولون فطلبت من بافي أن يكون معتدلا في هجومه على الاسلام. ثم اعترف بافي بفشله في حملته هذه أيضا. ولذلك ركز نشاطه على المراكز الاستيطانية الجديدة، وكان عددها 42 مركزا. وقد طلبت منه الحكومة محاربة الأفكار الاشتراكية بين الكولون والعمال الذين جاؤوا من باريس حاملين تلك الأفكار. فأخذ بافي يقول: إن هناك ما هو أسوأ من الدين الاسلامي، وهو وجود أناس بدون إله.

وقد التجاء بافي إلى نفس الوسيلة التي لجأ إليها لافيجري في وقت لاحق، وهي كسب المستوطنين (الكولون) إلى جانبه ضد العسكريين الذين

(1) نفس المصدر، وكذلك بيلي (عندما أصبحت الجزائر)، ص 283.

(2)

كانت القوانين الفرنسية تمنع الجزويت من النشاط في فرنسا نفسها.

ص: 117

كان يعتقد أنهم يقفون في طريق تنصير المسلمين. وحانت الساعة بإعلان نابليون عن مشروع المملكة العربية في رسالته إلى المارشال بيليسييه، الحاكم العام، سنة 1860. وكان المستوطنون ومؤيدوهم قد قاموا بحملة مسعورة ضد هذا المشروع، فقد رأوا فيه مخططا لرجوع الأمير عبد القادر والاستقلال الذاتي للجزائر تحت الحماية الفرنسية، كما رأوا فيه فشل مخطط الاندماج الذي كانوا يسعون إليه. فأرسلوا الوفود إلى فرنسا، وكتبوا الكتب والعرائض والرسائل والمقالات في الصحف. كل ذلك في غياب الأصوات الجزائرية. وعرض بافي على الكولون أن يكون هو المتكلم باسمهم. وكتب منشورا إلى القساوسة التابعين له جاء فيه أن رسالة فرنسا في الجزائر رسالة حضارية مقدسة، وإن قضية الكولون قضية عادلة. وأخذ بافي يركز على تكوين الموظفين للكنيسة وعلى أعمال الجمعيات الخيرية، أمام فشل الجزويت (اليسوعيين) الذين أرسلهم إلى زواوة (1).

وفي نهاية عهده سعى بافي إلى الحصول على فتح أسقفيتي وهران وقسنطينة. وقيل إن المارشال بيليسييه لم يؤيده في ذلك، لأن ثورة أولاد سيدي الشيخ كانت قائمة في الجهة الغربية منذ 1864. كما كانت الجزائر تعيش مضاعفات مرسوم 1863 الخاص بالأرض وانتزاعها من يد الأعراش وتمليكها للأفراد. لكن وفاة بيليسييه في السنة نفسها 1864 جعلت بافي يغتنم فرصة زيارة نابليون الثانية للجزائر سنة 1865 ويثير معه موضوع الأسقفية في وهران وقسنطينة. وكان البابا قد منح موافقته قبل ذلك. فوافق نابليون كذلك على طلب بافي يرفع مستوى الأسقفية، وحدثت أزمة دبلوماسية بين فرنسا والفاتيكان حول طلب بافي وموافقة البابا قبل موافقة الحكومة الفرنسية. ولكن موت بافي المفاجئ أنهى الأزمة. وترشح لمنصبه بعض القساوسة، منهم كلود بافي، أخو السابق، ولكنه أحرز على أقلية من الأصوات، وحصل قاستلتي على الأغلبية، لكن ظلت المنازعات بينهما، إلى

(1) مارسيل ايمريت (تنصير المسلمين في الجزائر) في (المجلة التاريخية) 1960، ص 66. حين مات بافي سنة 1866، دفن في كنيسة السيدة الافريقية.

ص: 118