الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لجنة الاكتشاف العلمي للجزائر:
ولنبدأ من البداية. فقد تأسست في 14 غشت 1837 لجنة علمية سميت (لجنة اكتشاف الجزائر العلمي)، وكانت على غرار لجنة دراسة مصر وسورية، وكان فيها مختلف المتخصصين، وأغلبهم كان من العسكريين. وكانت الخطة هي أن يذهب هؤلاء العلماء إلى الجزائر في مدة محددة ويكتبوا حصيلة بحوثهم، على أن تنشر هذه البحوث على نفقة الدولة الفرنسية إذا دعمتها اللجنة. وقد وقعت الاتصالات مع إدارة الجزائر لتسهيل مهمة اللجنة والتنسيق بين أعضائها والسلطات المحلية، لا سيما وأن الاحتلال ما يزال في أوله وما تزال المقاومة تمنع الأعضاء من التوغل في البلاد ومعرفة كل أجزائها. وكان على أكاديمية العلوم وأكاديمية الآداب والفنون أن تحددا طبيعة العمل وأهدافه، وأن تعد بيانات مفصلة وواضحة لإنجازه. واهتمت وزارة الحربية باختيار الأشخاص لأن عدد الراغبين في المشاركة من الأكاديميين والباحثين كان كثيرا. كما أن تعييناتهم الرسمية ورواتبهم المالية استغرق وقتا أيضا (1).
وقد صدر قراران وزاريان لتعيين أعضاء اللجنة العلمية، أحدهما في 19 غشت والثاني في 20 نوفمبر سنة 1839. في القرار الأول كان الأعضاء 21 وفي القرار الثاني وصلوا إلى 24. ولكن العدد لم يبق ثابتا فقد استقال البعض ومات آخرون بعد التعيين، ولذلك بقيت اللجنة تعمل بمعدل 20 شخصا. وبالاضافة إلى هؤلاء الأعضاء الذين سموا بالأصليين، هناك أعضاء سموا احتياطيين. وقد اشترط في هؤلاء ألا يتجاوز عددهم ربع عدد الأعضاء الأصليين. ثم التحق أعضاء آخرون باللجنة، أحدهم طبيب، والآخر رسام، والثالث خاص بالتاريخ الطبيعي. وكانت اللجنة كلها (بكل أعضائها) تعمل تحت إشراف مسؤول مكلف بالمشروع وبتوجيهه.
(1) السجل (طابلو)، سنة 1938، ص 113 - 114.
وإليك بعض التفاصيل عن هؤلاء الأعضاء: 8 منهم اختارتهم وزارة الحربية (وكانت الجزائر تتبعها) عن طريق أكاديمية العلوم. و 5 اختارتهم أكاديمية الآداب والفنون، وواحد من وزارة التعليم. ولكن أربعة أعضاء من الأصليين قدموا استقالتهم. وتوفي عضو خامس في الجزائر بعد أن باشر عمله. كما وقعت ترقية بعض الاحتياطيين إلى أصليين. وإليك أسماء بعض الأعضاء مع تخصصاتهم التي اختيروا على أساسها:
1 -
ادريان بيربروجر، وكان محافظا لمكتبة الجزائر العامة، باعتباره أثريا.
2 -
كاريت، كان ضابطا في الجيش، باعتباره في الجغرافية القديمة.
3 -
العقيد دي نوفو، ضابط في الجيش، باعتباره في الجغرافية الطبيعية.
4 -
اونفنتان، خريج مدرسة الصنائع (بوليتكنيك)، باعتباره اثنوغرافيا.
5 -
قويون، طبيب جراح في الجيش، باعتباره طبيبا وفيزيولوجيا.
6 -
بيليسييه دي رينو، وهو ضابط في الجيش، باعتباره في التاريخ الحديث والنظم والعادات.
7 -
وارنييه، طبيب جراح، كان عضوا احتياطيا مكلفا بالاحصاءات والبحث في السكان (1).
8 -
بوفيه، كان مكلفا بالزراعة. ولكنه توفي في الجزائر قبل انتهاء مهمته.
أما رئيس اللجنة فكان من الجيش أيضا، وهو العقيد بوري دي سان فانسان، وكان عضوا في المعهد (الفرنسي). وكان بوري أحد الأعضاء
(1) كان الدكتور وارنييه قنصلا لبلاده لدى الأمير في معسكر قبل استئناف الحرب. ويبدو أنه جمع مادة حول موضوع السكان استعمله لا في مشروع اللجنة التي نحن بصددها، ولكن في هجومه الكاسح على مشروع المملكة العربية، وقد حاول التفرقة ما أمكنه بين السكان. انظر عنه فصل مذاهب وتيارات.
السبعة العسكريين من السبعة عشر عضوا أصليا. وقد شملت اللجنة التخصصات التالية:
1 -
المناظر الطبيعية Paysages.
2 -
الآثار.
3 -
الجغرافية.
4 -
الرسم.
5 -
الزيولوجيا/ علم الحيوان.
6 -
النباتات.
7 -
الاثنوغرافيا/ السلا لات.
8 -
الفيزيولوجيا/ علم وظائف الأعضاء والطب.
9 -
الانتومولوجيا.
10 -
الملابس واللوحات.
11 -
التاريخ والنظم.
12 -
المعادن والتعدين.
13 -
الهندسة المعمارية.
14 -
الجيولوجيا/ طبقات الأرض.
15 -
التاريخ الطبيعي.
16 -
الفيزياء وعلم المناخ.
17 -
الاحصاء والبحث في السكان.
18 -
الصحة وأمراض السكان.
19 -
إنتاج الأنماط الانسانية (الرسومات الخ.).
وقد حلت اللجنة بأعضائها في الجزائر في خريف 1839، ولكن عملها لم يبدأ إلا في ربيع سنة 1840، لأن المطر الخريفي والشتائي حال دون الشروع فورا في العمل (1). والمعروف أن آخر سنة 1839 شهدت استئناف
(1) السجل (طابلو) سنة 1841 ص 109 - 110.
الحرب بين الأمير عبد القادر والجيش الفرنسي بقيادة المارشال فاليه بعد خرق الفرنسيين لشروط معاهدة التافنة. ولا شك أن استئناف الحرب قد أثر على بداية أعمال اللجنة كما أثر على حرية حركتها حتى في المناطق المحتلة من قبل.
أعطيت اللجنة مهلة عامين ونصف لإنجاز أعمالها، ولذلك كان عليها أن تقدم نتائجها للنشر سنة 1842. ولنذكر الآن مجالات نشاطها في تصنيفات شمولية على هذا النحو، لأن أبحاثها، مهما تعددت، كانت لا تخرج عن ثلاثة أقسام:
1 -
العلوم الفيزيائية: وهي تضم الفيزياء في حد ذاتها، وتتبعها الجيولوجيا وعلوم النبات والزراعة والطب والفيزيولوجيا، والزيولوجيا. وقد تولى هذا القسم عدد من المختصين كانوا يجمعون الملاحظات والمعلومات ويبحثونها ويعدون نتائجهم للنشر.
2 -
العلوم التاريخية: وهو قسم واسع، ويضم أيضا مجموعة من الباحثين. ويشمل التاريخ والآثار والجغرافية والاثنوغرافية. وسنذكر ما كتبه معظم أعضاء هذا القسم بد قليل.
3 -
الفنون الجميلة: وتضمن هذا القسم الهندسة المعمارية والرسم. ومن أبرز أعضائه رافوازيية الذي قام بزيارة لعدة مدن منها: سكيكدة وميلة وقسنطينة وجميلة وسطيف ووهران ومستغانم والجزائر. وسجل مختلف الآثار الرومانية فقط، لأن اللجنة لم تكن مهتمة بالآثار الاسلامية. وقام رافوازييه برسومات للآثار القديمة التي من بينها المسارح وأماكن الاستعراضات (السيركات)، ومبان ترجع إلى أزمنة مختلفة، كما رسم مساجد ومنازل عربية (موريسكية)، مع تفاصيل عن زخرفتها، وقد أنجز عمله سنة 1841، وقدمه للجنة. وقام موريلي وباكوري وديلامار برسم المناظر الطبيعية في شرق الجزائر لكي يعطوا فكرة محددة عن السحنات (الفيزيونوميا) العامة. وقد سجل موريلي بالذات مجموعة من التحف ومظاهر
الحياة الداخلية للسكان مثل الأسلحة والملابس والماعون والآلات والأثاث والحلي. ثم رسم ديلامار أكثر من مائة منظر لكتابات النصب القديمة، سيما في سطيف. كما خص هذه المدينة بمذكرة عن تاريخها القديم. وكذلك زار مستغانم ومعسكر ووهران وأرزيو وتاقدامت، واهتم هناك أيضا برسم المناظر الطبيعية والآثار الكتابية.
وقام كل من باكوي ولونقا بعدة رسومات أيضا. فالأول رسم مدينتي وهران وقسنطينة وغيرهما من مدن الساحل التي وقعت تحت الاحتلال. أما لونقا فقد اهتم برسم أشكال الأجناس البشرية التي تقطن الجزائر، ومظاهر حياتها الخاصة (1).
ونفصل الآن الحديث عن بعض ما كتبه الباحثون في ميدان التاريخ والمواد المتصلة به كالآثار والجغرافية:
1 -
ترجم بيليسييه دي رينو تاريخ القيرواني عن المغرب الاسلامي من القديم إلى عهد الموحدين، كما كتب مذكرات تاريخية عن الحملات الأوروبية ضد ساحل شمال أفريقيا وتحدث عن المنشآت التي كانت على هذا الساحل، سيما الفرنسية، ووصف جغرافية الجزائر في القديم وفي العهد الاسلامي، وحياة الكنيسة المسيحية القديمة (الافريقية) وسبب اختفاء المسيحية، ووجود الخرافات والأساطير الشائعة لدى السكان، وعن الرق، وعن عناصر السكان، والنظم والعادات عندهم.
2 -
ودرس كاريت إقليم قسنطينة واهتم بالآثار هناك، واستفاد من حملات الجيش الفرنسي في المنطقة ليجمع هو ملاحظاته. ووضع خريطة للطرق الرومانية القديمة، وكذلك بعض المدن والمراكز العسكرية. وقد كتب ملاحظاته في الجزائر، وكان قد اهتم أيضا بالتقسيم الجغرافي والاقليمي الذي وضعه الرومان لأفريقيا الشمالية أو بلاد البربر في القديم.
(1) السجل (طابلو)، سنة 1841، ص 116.
3 -
وكان بيربروجر أثريا بالمهنة فزار شرشال المسماة في القديم جوليا القيصرية، وهي إحدى المدن الأربع الكبيرة في العهد الروماني. وقد سجل ملاحظاته، ورسم الكتابات القديمة هناك ونسخ بعضها، ولا سيما الخطوط المنقوشة على الرخام والأحجار القديمة باعتبارها وثائق هامة عن كتابات ونقوش شواهد القبور (الابقرافية). ثم تجول بيبروجر في الساحل الجزائري أيضا وزار روسيكاده، ودرس تاريخ تجارة المرجان حيث كانت مدينة القالة مركزا هاما لهذه التجارة.
4 -
وتولى اونفنتان ميدان الاثنوغرافية كما ذكرنا. وتجول معظم الوقت في أقليم قسنطينة، تم تجول في غرب الجزائر. وكان مكلفا بتصنيف السلالات البشرية التي تقطن الجزائر، طبقا لاختلاف اللسان والوضع الجغرافي والتاريخي والاستعمالات الزراعية، ومرافق السكن، ودرجة التأثير المعنوي الذي يمارسه السكان على بعضهم البعض. كما قام اونفنتان بدرس الدين والتقاليد والعادات وقوانين الجزائريين. وكان عليه أيضا أن يدرس ما إذا كانت هناك نظم واتجاهات تحول بين السكان والأخذ من الثقافة الفرنسية، أو (التقدم) الذي تدعو إليه فرنسا. وفي نفس الوقت كان اونفنتان مكلفا بدراسة الدين والعادات والتقاليد والقوانين لدى المستوطنين الأروبيين في الجزائر في علاقتهم مع الاستعمار. وكان ذلك يتماشى مع اعتناقه مذهب سان سيمون.
5 -
وركز الدكتور وارنييه على سكان إقليم قسنطينة. وكان عمله يختلف عن عمل زميله اونفنتان، إذ اهتم هو بدراسة السكان من الوجهة السياسية والادارية. فدرس هجرة السكان الداخلية وأصولهم، وما بقي من تاريخهم وتقاليدهم إلى ذلك الحين، وكذلك درس العلاقات بين المدن المسكونة ومدينة قسنطينة من حيث التبعية والتأثر. واهتم بكيفية التسيير الإداري الممكن في بسكرة والمسيلة والمدن الأخرى التي كانت تحاذي الصحراء والتى كانت مستقلة إداريا. ومن مجالاته أيضا تعميق المعرفة حول
الشاوية وماذا يمكن للإدارة الفرنسية أن تفعله إزاء السكان في كل جزء من الأجزاء المذكورة (1).
وبالرجوع إلى بعض أعمال هؤلاء الأعضاء رأينا ما قام به كاريت وبيليسييه وبيربروجر، في مجالات أخرى أيضا. فقد نشر كاريت دراسة للطرق المسلوكة من قبل العرب في المناطق الجنوبية من الجزائر وإيالة تونس من أجل إنشاء شبكة جغرافية لهذين البلدين 1854. وقد وصف كاريت هنا بأنه ضابط في سلاح الهندسة، وعضو وكاتب للجنة العلمية لمدينة الجزائر. وبدأ كتابه بمدخل عن أقسام المعرفة الجغرافية، وقسم هذه إلى جغرافية رياضية وجغرافية نقدية الخ. وهو الجزء الأول من السلسلة المطبوعة بأمر من الحكومة وموافقة اللجنة الأكاديمية، والكتاب يندرج ضمن سلسلة العلوم التاريخية والجغرافية (2).
ولنفس المؤلف جزء آخر في السلسلة بعنوان (أبحاث حول أصل القبائل الرئيسية وهجراتها في أفريقيا الشمالية، وخصوصا في الجزائر (1853)، ولكاريت أيضا جزآن في نفس السلسلة أحدهما بعنوان (دراسات حول بلاد القبائل)، والآخر بعنوان (دراسة شاملة للجغرافية والسكان والانتاج الفلاحي والصناعي
…
واللغة) مع خريطة. صدرا سنة 1848.
وقد وجدنا لبيليسييه دي رينو في نفس السلسلة أيضا عمله المسمى (مذكرات تاريخية وجغرافية عن الجزائر) وهو عن الدول والشعوب الأوروبية التي احتلت الجزائر كليا أو جزئيا، مبتدئا بإسبانيا، ثم فرنسا وبريطانيا وجنوة 1844.
أما بيربروجر فقد وجدنا له عملا إضافيا في نفس السلسلة (العلوم التاريخية والجغرافيا) وقد تناول فيه بالترجمة والتعريف رحلتي العياشي والدرعي بجنوب الجزائر والدول البربرية. وكان بيربروجر لا يعرف من
(1) السجل (طابلو)، سنة 1841، ص 115 - 116.
(2)
باريس، 1844، 324 صفحة + خريطة.
العربية إلا القليل ومع ذلك أقدم على العمل المذكور، ولا ندري كيف انتهى إلى ذلك. ولكن الملاحظ أنه استعان بمعلومات قدمها إليه أحمد بن مصطفى بومزراق، ابن باي التيطري سابقا. وأيضا لا ندري لماذا أحمد بومزراق بالذات، وهو ليس عالما ولا مترجما ولا رحالة. وقد أضاف بيربروجر إلى عمله أيضا رحلة من تازة إلى تونس قام بها فرنسي يدعى (فابر).
ويذكر رينيه باصيه في تقريره عن العمل العلمي الفرنسي من بين منشورات اللجنة العلمية التي نحن بصددها، ترجمة مختصر الشيخ خليل للدكتور بيرون، وكذلك كتاب وصف المغرب لرينو. وعد أيضا من بينها رحلة دوفيرييه في الصحراء المسماة (طوارق الشمال). وقد نوه باصيه أيضا. بترجمة البارون ديسلان لتاريخ ومقدمة ابن خلدون، وهي من المشاريع التي أعلنتها حكومة الملك لويس فيليب وتبنتها، كما قال، حكومة نابليون الثالث. ونوه باصيه أيضا بكتاب الثروات المعدنية للجزائر الذي ألفه فونيل ضمن أعمال اللجنة.
ونلاحظ ان هذه الأعمال كانت تقوم حتى الآن على جهود العسكريين بالدرجة الأولى، وتعتمد الترجمة أكثر من التأليف. وكان ذلك ضروريا في مرحلة كالتي نتحدث عنها، إذ لا بد من معرفة النصوص لينطلق التأليف، وكذلك لا بد من تقدم الدراسات في المعاهد والجامعات على أيدي المدنيين المختصين. كما نلاحظ أن بعض الأعمال كانت مليئة بالحقد على العرب والمسلمين، مثل تآليف كاريت التي تكاد تخلو من الروح العلمية. وللدلالة على سيطرة العسكريين على اللجنة أن رئيسها (دي سان فانسان) هو نفسه قائد للأركان. وقد ربط غوستاف ميرسييه بين الاحتلال العسكري للجزائر والاحتلال العلمي (فقال: ان البحث العلمي سار جنبا إلى جنب مع الاحتلال (العسكري))، وان (الاحتلال العلمي قد سار إلى جنب تلقيح الأرض)(1).
(1) غوستاف ميرسييه (مدخل إلى الجزائر)، 1956، ص 326.