المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌النشاط التنصيري منذ 1930: - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٦

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء السادس

- ‌الفصل الأولالاستشراق والهيئات العلمية والتنصير

- ‌الاستشراق ومراحله

- ‌حلقات اللغة العربية

- ‌ مدرسة الآداب

- ‌أعمال المستشرقين

- ‌حياة بعض المستشرقين والمستعربين

- ‌اللجان العلمية

- ‌لجنة الاكتشاف العلمي للجزائر:

- ‌لجنة الاحتفال المئوي بالاحتلال:

- ‌الجمعيات المتخصصة

- ‌المعاهد الجامعية

- ‌البعثات العلمية ومشاركة المثقفين الجزائريين فيها

- ‌الكنيسة والتنصير

- ‌نشأة الأسقفية

- ‌الأسقف بافي:

- ‌ لافيجري

- ‌شارل دي فوكو:

- ‌النشاط التنصيري منذ 1930:

- ‌الفصل الثانيالترجمة وظهور النخبة الاندماجية

- ‌مترجمو الحملة وغداتها

- ‌تنظيم فرقة المترجمين

- ‌المترجمون الجزائريون

- ‌تعاون الجزائريين والفرنسيين في مجال الترجمة

- ‌الترجمة إلى العربية

- ‌الاتجاه الاندماجي - الاستغرابي

- ‌الزيارات المنظمة لباريس وفكرة المعهد العربي

- ‌أسر الأطفال وحملهم إلى فرنسا

- ‌دعاة التعلم باللغة الفرنسية الأوائل

- ‌نماذج من المثقفين والاندماجيين

- ‌الفصل الثالثمذاهب وتيارات

- ‌(نعمة) الاحتلال

- ‌رأي باصيه، ود. وارنييه، وطوكفيل

- ‌رأي لافيجري ولويس فينيون وآخرين

- ‌(فرق تسد)

- ‌معاداة العرب

- ‌ومعاداة البربر

- ‌التآمر على زواوة

- ‌الدعوة إلى تعلم الفرنسية ..وإلى التعلم عموما

- ‌وضع المرأة

- ‌الهجرة أو البقاء

- ‌الاندماج، التجنس، النخبة

- ‌الجزائر في الكتابات الفرنسية

- ‌اليهودية والصهيونية

- ‌الماسونية

- ‌الإسلام ووحدة الأديان

- ‌المثالية والاشتراكية

- ‌ إسماعيل عربان

الفصل: ‌النشاط التنصيري منذ 1930:

‌النشاط التنصيري منذ 1930:

فبعد الاحتفال المئوى بالاحتلال 1930، والاحتفال بمرور قرن على احتلال قسنطينة سنة 1937، انعقد في الجزائر احتفال آخر بمناسبة مرور قرن على إنشاء الأسقفية الكاثوليكية في الجزائر، سنة 1938. وقد اختيرت المناسبة لعقد المؤتمر الافخارستي سنة 1939. وهو المؤتمر الذي حضره أسقف باريس (فيردييه) ممثلا للبابا، كما حضره أسقف الجزائر الذي كان من قدماء المتعاونين مع لافيجري. وأعلنت الجرائد أيضا حضور مسيحيين ومسلمين ويهود، وأخبرت أنهم جميعا أكدوا إيمانهم وإخلاصهم لفرنسا والدولة الفرنسية. وفي هذه المناسبة أوضح أسقف باريس أهمية المؤتمر فقال إنها ترجع إلى ثلاثة أسباب:

1 -

ان الكاثوليك في الجزائر سيظهرون ان (شمالنا) الافريقي هو امتداد بسيط لفرنسا، وإن فرنسا في الجزائر إنما هي في بلادها لأن الجزائر، حسب الأسقف، مثل بوردو وبيزنسون.

2 -

إن انعقاد المؤتمر يتوافق مع مرور قرن على إنشاء أسقفية الجزائر.

3 -

إن انعقاده بالجزائر يعتبر اعترافا بالجميل لأولئك الذين ساهموا في الاحتلال سنة 1830 وضحوا بحياتهم سواء كانوا عسكريين أو مدنيين.

ثم أعلن عن احتفالات واستقبالات رافقت عقد هذا المؤتمر، منها ذلك الذي كان في مقر الآباء البيض بالسيدة الافريقية، وبلديات مدينتي الجزائر وسانت اوجين (بلكين)، والحكومة العامة، وكذلك تكريم مفتي الجزائر وحبر اليهود للمؤتمرين (1).

وتبين المصاريف التى كانت الدولة تنفقها على الكنيسة ورجالها مدى الدعم الذي تحصل عليه والانسجام والتوافق بين الطرفين، سواء قبل قانون

(1) افريقيا الفرنسية، مايو، 1939. لا ندري من هو المفتي عندئذ، ويبدو أنه هو حمدان حمود. وقد كان بالجزائر مفتيان حنفي ومالكي.

ص: 137

فصل الدين عن الدولة أو بعده. ففي سنة 1884 (عهد لافيجري) كان عدد النصارى في الجزائر 317، 500 نسمة وعدد المسلمين 2، 842، 497 نسمة، حسب الاحصاء الرسمي. ولكن عند توزيع المصاريف من ميزانية الدولة فإن النصارى حصلوا على 1، 003، 200 فرنك بينما حصل المسلمون على 216، 340 فرنك فقط (1). وبعد 1905 أي بعد فصل الدين عن الدولة، كان عدد النصارى 623، 000 نسمة والمسلمون 4، 500، 000 نسمة، وكان النصارى قد حصلوا على نفقات قدرها 884، 000 فرنك بينما حصل المسلمون على 337، 000 فرنك فقط، رغم فارق عدد السكان (2). وهذا الدعم المادي من الإدارة والحكومة ومن الجمعيات هو الذي جعل الكنيسة تزدهر وتنشط ذلك النشاط الذي جعلها تتوغل في الجبال والصحارى وتدخل البيوت والخيام، وتتحدى المشاعر والعقائد، وتقوم بدور الواعظ الديني، والمستكشف الجغرافي، والطبيب، وفاعل الخير، والمعلم، والجاسوس، الخ. وحوالي مدار القرن وصلت الكنائس في الجزائر إلى ثلاث كاتيدراليات، ومائتي كنيسة ومعبد، وحلقتي درس (3)، بالإضافة إلى عدد من الملاجئ ونحوها. بينما كانت المساجد تهدم والزوايا والمدارس الاسلامية تندثر.

حقيقة إن الإدارة في الجزائر كانت تتفادى المجاهرة بدعم حركة التنصير، ولكن كل مشاريعها تقريبا كانت تصب في نفس الاتجاه الذي تسعى إليه الكنيسة، وهو نشر التأثير الفرنسي واستعادة الرومنة والمسيحية، وتحقيق اندماج الجزائريين في البوتقة الفرنسية عن طريق اللغة والثقافة والقضاء والإدارة والجيش ونحوها. فالهدف إذن واحد ولكن الوسائل والممثلين مختلفون.

كانت (المبشر) وهي الجريدة الرسمية للادارة الفرنسية والي من

(1) لويس رين (مرابطون وإخوان)، مرجع سابق، ص 13.

(2)

أحمد توفيق المدني (كتاب الجزائر)، مرجع سابق، ص 348.

(3)

قوانار (الجزائر)، مرجع سابق، ص 305.

ص: 138

خلالها تخاطب الجزائريين، تتفادى الحديث عن الكنيسة ونشاطها والتنصير الجاري في مختلف أجزاء البلاد خلال عهد دوبوشں وبافي ولافيجري. وكانت لا تتحدث، إذا لزم الأمر، إلا عن العلاج والملاجئ وأعمال الاحسان. مثلا في أوج المجاعة سنة 1868 قالت إن مطران الجزائر (تقصد لافيجري) قد أحدث عدة ملاجئ للأيتام في ابن سحنون (ابن عكنون)، والقبة والحراش وزغارة. وإن الملجأ الأول قد ضم ألف غلام عربي، وإن ملجأ القبة كان خاصا بالبنات (1). ومن الملاحظ أن الجريدة قد ذكرت ذلك سنة 1869 أي بعد عام من قيام لافيجري بتجربته وبعد انهاء الأزمة، وكذلك قالت عنه انه تكفل بجميع المصاريف على تلك الملاجئ، مما يوحي للناس بأن الدولة الفرنسية لا دخل لها في موضوع الكنيسة ونشاط المطران الخيري.

لقد عارض الجزائريون حركة التبشير منذ البداية ورأوا فيها خطرا على هويتهم ودينهم. تحصنوا أولاد في بيوتهم فلم يرسلوا بأولادهم إلى مدارس الإدارة الفرنسية خوفا عليهم من التنصير والفرنسة المتلازمين. واحتجوا على تحويل المساجد إلى كنائس. وحين انتقل العمل الديني الفرنسي من المدن إلى الأرياف رأينا ردود فعل المناطق المعنية مثل زواوة والشلف والأغواط وورقلة. وكانت ثورة 1864 ثم 1871 ترجعان جزئيا إلى توغل حركة التنصير وتحديها لمشاعر المسلمين. فقد لجأت هذه الحركة إلى استخدام وسائل الإغراء مستغلة حاجة السكان إلى العلاج والمساعدت الخيرية والتعليم، فنصبت الورشات والمصحات وبعض المدارس التي كانت مفيدة للأهالي. ولكنها كانت أفخاخا لاصطياد الضحايا الذين كانوا قلة من الناس. وكان رجال الكنيسة أنفسهم قد اعترفوا أن الناس كانوا يأخذون منهم دون أن يقعوا في حبائلهم. وكان للمرابطين ورجال الزوايا دور في رفض التنصير وابعاد اتباعهم، فكان المتصلون منهم بالسلطة الفرنسية يحتجون لديها وينذرونها بسوء العواقب، مثل ما فعل ابن علي الشريف. وأما غير المتصلين

(1) المبشر 16 ديسمبر 1869 - والحديث عن سنة 1868. يقول الباحث إبراهيم الونيسي إن المبشر لم تتحدث عن التنصير إلا في منتصف سنة 1868. انظر رسالته.

ص: 139

بالسلطة فكانوا يقاومون بوسائلهم الخاصة بتنبيه الغافلين ووعظ الناس عن طريق المقدمين والاخوان. وقد وصلت المقاومة إلى العنف ضد القساوسة والتخلص من بعضهم جسديا في الصحراء، مثل مقتل دي فوكو.

وحين ظهرت جمعية العلماء المسلمين الجزائريين قاومت التنصير وهاجمته بقوة، وسخرت صحفها ودروس المساجد إلى كشف مخططاته. وكان كتابها يتصدون أيضا للمنحرفين الذين وقعوا ضحية التجنس. فوقفوا ضد لحمق، وبيلاح، وسعدي اواكيلي، والزناتي وغيرهم. وهاجمت جريدة (الشريعة) ما قام به الآباء البيض سنة 1933 حين استعرضوا المتنصرين الجزائريين بلباسهم المحلي وسط العاصمة، ومعظمهم كانوا من أطفال العائلات الفقيرة. واعتبرت الجريدة ذلك إهانة لمشاعر المسلمين وتحديا لها. كما هاجمت ما كانت تكتبه وسائل إعلام الكنيسة من التفريق بين المسلمين الجزائريين وادعاء (مجلة المغرب الكاثوليكي) من أن البربر قريبون من الانجيل وأنهم لذلك يقتربون من أخلاق الفرنسيين (1).

(1) جريدة الشريعة، 24 يوليو، 1933 مقالة لمحمد سعيد الزاهري تحت عنوان (ألف وسبعمائة مسلم يرتدون عن دينهم الحنيف)، وكان استعراض المتنصرين قد حصل يوم 23 مايو، 1933.

ص: 140