الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أيضا دور في تكوين هذه النخبة، ولكن بعض خريجيها سيكونون في صف الهوية الوطنية لأنهم كانوا على صلة بالقضاء الإسلامي والاتصال الدائم بالمواطنين. ومما يذكر أن النخبة كانت أيضا نتاج مدرسة الآداب (كلية) والجامعة في عمومها، ونتاج التعليم الكنسي أو التنصيري.
وسيضم الفصل أيضا مجموعة من الأفراد المنتمين للنخبة، وستلاحظ أن حماسهم للاندماج كان متفاوتا، وأن بعض أعيانهم كانوا أحيانا في صف الانتماء الوطني - مثل محمد بن رحال والحكيم ابن العربي وابن علي فخار. كما ستلاحظ أن أمثال المجاوي وابن السادات والزقاي ومحمود بن الشيخ علي وابن الحاج حمو لم يكونوا من النخبة الاندماجية ولكنهم استعملوا من قبل الإدارة لنفس الغرض أحيانا، ومع ذلك كان هؤلاء ومن سار على دربهم مثل حميدة بن باديس وابن سماية (الابن) ومحمد بن مصطفى خوجة وعمر بن قدور، هم الحصن الذي وقف ضد تيار الاندماج قبل ظهور الحركة الإصلاحية والتيار الاستقلالي بين الحربين.
مترجمو الحملة وغداتها
كانت الترجمة وسيلة أساسية للفرنسيين في الجزائر، ونعني بذلك الترجمة من العربية إلى الفرنسية، وهذا يتضمن نقل الوثائق المكتوبة، من رسائل وعقود ملكية وكراء وأوقاف وعرائض، ثم الكتب والمصادر المكتوبة عموما. كما يتضمن الترجمة الشفوية في الاتصال اليومي في المكاتب العربية والأسواق والمحاكم والمعسكرات. فالترجمة هنا تعني النقل الكتابي والشفوي من العربية المكتوبة (الفصحى أو غيرها) والدارجة الشفوية فقط. ومنذ بدأ المستشرقون نشاطهم جمعوا بين العامية والفصحى، ولكن أغلب دروسهم ومؤلفاتهم كانت عن العامية ونقلها إلى الفرنسية. ومنذ آخر القرن الماضي جاءت العناية من قبلهم باللهجات العربية واللهجات البربرية، سيما عشية احتلال المغرب الأقصى والتوغل في الصحراء. ولم تكن العربية الفصحى مترجمة إلا من الكتب التراثية لأنها ذات أهمية خاصة للمستشرقين
والإدارة الفرنسية. وكانت هذه العملية قد راجت بالخصوص بعد إنشاء المدارس العليا، ومنها مدرسة الآداب.
أول من فتح عهد الترجمة هم رجال الحملة الفرنسية (1)، ولقد استعان قادتها بعدد من التراجمة الذين كانوا في فرنسا عندئذ، سواء كانوا فرنسيين، وهم قلة، أو كانوا من عرب المشرق ويهوده الذين ارتبطوا بالفرنسيين بعد حملتهم على مصر. فقد وفرت مدرسة اللغات الشرقية الفرنسية عددا من المترجمين الذين كانوا في الحملة الفرنسية على مصر. وأورد شارل فيرو وغيره أسماء بعض الذين جندهم الجيش الفرنسي لحسابه ليشاركوا في حملة الجزائر وما بعدها، ومنهم:
1 -
جورج غروي: وهو من مواليد دمشق، وكان يتكلم العربية بطلاقة. ولا ندري متى ارتبط بالفرنسيين ولا كيف. ونحن نعرف أنه كان يعمل أمينا لمالية باشا (والي) دمشق. عرض غروي خدماته على بورمون، قائد الحملة، ورافقه إلى الجزائر. وعندما وصلت السفن إلى سيدي فرج، نزل إلى البر وأخذ يوزع البيان الذي أعده الفرنسيون بالعربية ووجهوه للجزائريين، وكان غروي يطلب من الجزائريين التفاوض مع الفرنسيين. ويقول فيرو إن غروي كان بذلك يغامر بحياته. وتذهب بعض الروايات إلى أنه اعتقل وقيد إلى الداي بالقصبة. وتقول أخرى إنه ذهب إليه مبعوثا من قبل قائد الحملة. ومهما كان الأمر، فإن غروي حاول إقناع الداي بالتفاوض وأظهر له قوة الحملة، وطلب منه الاستسلام، وقيل إن الداي قتله، وهو أمر مستغرب لأن المبعوثين عادة لا يقتلون، ولعله قتل في الطريق.
2 -
جان شارل زكار: ولد أيضا في سورية سنة 1789. وانتقل إلى
(1) لا نتكلم هنا عن الترجمة الرسمية في عهد الدايات ولا حتى في عهد الأمير عبد القادر حين كان اليهود في أغلب الأحوال هم المترجمين عن اللغات الأوروبية. وقد كان بعض الجزائريين يعرفون الفرنسية والإيطالية والأسبانية ولكننا لا نعرف أنهم تولوا الترجمة رسميا فى العهد المشار إليه.
فرنسا دون أن ندري متى ولا كيف. وأصبح قسا في كنيسة القديس نقولا في مرسيليا. وقد قام بترجمة البيان الفرنسي المذكور إلى العربية بالتعاون مع المستشرق البارز سيلفستر دي ساسي وبيانشي. ويقول بيروني إن زكار كان المحرر الرئيسي للبيان. ودون أن يتخلى عن مهمة التبشير، كما يقول فيرو، سمي مترجما للحملة. وبعد الاحتلال لم يرجع زكار إلى مرسيليا بل بقي ملحقا بشخص الحكام الفرنسيين الذين تعاقبوا على الجزائر منذ بورمون إلى بوجو (وعددهم سبعة). ويعتبر زكار أول المبشرين في الجزائر في هذا العهد. وبعد إنشاء الأسقفية الفرنسية 1838 وضع زكار تحت تصرفها سنة 1845. ولا شك أنه بهذه الصفة كان له دور في هدم المساجد الأولى، مثل جامع السيدة، والبنايات الدينية الأخرى، واختيار جامع كتشاوة ليكون الكاتيدرالية الكاثوليكية. والمعروف أن زكار هو أول من ألقى القداس الديني بعد نجاح الحملة أمام الضباط الفرنسيين برئاسة بورمون في أول يوم أحد لهم بالجزائر. وكان الفرنسيون قد أرسلوه ثلاث مرات إلى الأمير عبد القادر، وسقطت عدة أحصنة تحته. ومن أعمال زكار أيضا أنه ظل ثلاث سنوات يلقي درسا بالعربية في الجزائر (1) على الفرنسيين. وتوفي سنة 1852، وهو في حالة فقر مدقع.
3 -
أبراهام دنينوس: كان من مواليد الجزائر سنة 1797. ولعله من نسل إغريقي أو يوناني. وقد تجنس بالجنسية الفرنسية قبل الاحتلال، وأصبح يشغل وظيفة مترجم في محكمة التجارة في باريس، وسبق أن كتب معجما بالعربية والفرنسية، وزعه المسؤولون على ضباط الجيش في الجزائر. ولمعرفته بالبلاد سمي (المترجم الدليل) للحملة سنة 1830. ويقول فيرو إن الفرنسيين قد استفادوا منه معلومات عن الجزائر أثناء نزول الحملة بسيدي فرج، وهو الذي قاد السفن عند النزول. وقد بقي دنينوس في الجزائر بعد نجاح الحملة، فكان هو المترجم للجنة الإفريقية التي جاءت للتحقيق في خريف 1833. وعندما سافر المولود بن عراش إلى فرنسا سنة 1838 ليطلب
(1) شارل فيرو، (مترجمو جيش افريقية) الجزائر، 1876.
تدخل الملك الفرنسي في قضية الخلاف بين الأمير عبد القادر والمارشال فاليه (الحاكم العام) حول تفسير بعض بنود معاهدة التافنة من أقليم قسنطينة، سافر معه دنينوس. ويبدو أنه بقي بالجزائر إلى وفاته بها سنة 1872 (1).
4 -
ليون إياس (أو عياش AYAS): الذي كان من مواليد دمشق أيضا، وشارك في الحملة من مرسيليا. ومنذ معركة اسطاويلي كان يخرج للجزائريين طالبا منهم التفاوض مع الفرنسيين. ويقول بيروني إنه كان أسعد حظا من زميله غروي الذي قتل، وقد تعلم ليون العربية من التجار واليهود وغيرهم. وجرح أثناء عدة معارك. وتوفي سنة 1846 بطلقة من الرصاص أثناء معركة ضد بومعزة (محمد بن عبد الله).
5 -
جوني فرعون: سبق الحديث عنه في فصل الاستشراق. وكان أيضا ملحقا ومترجما لقادة الاحتلال (ومنهم دو روفيقو)، ومن مترجمي اللجنة الافريقية. وهو الذي افتتح دروس اللغة العربية (العامية) للفرنسيين، ونشر أول كتاب تعليمي في المطبعة الحكومية الجديدة (2). وهناك فلورين فرعون المولود سنة 1829 وقد تولى أيضا الترجمة وله تآليف عن الجزائر. واستقال سنة 1857.
6 -
شوصبوا: من المترجمين الذين التحقوا بالفرنسيين سنة 1837، وإسمه الكامل فريدريك نقولا شوصبوا، وهو من الدنمارك. وكان أبوه قنصلا لبلاده في طنجة. وقد ولد فريدريك في هذه المدينة وتربى فيها. وتعلم فيها العربية والفرنسية. وكان والده عالما نباتيا وطبيعيا أيضا. وبعد انضمامه للفرنسيين في الجزائر أصبح من المترجمين لمختلف الجنرالات. ويبدو أنه
(1) نفس المصدر، ص 190. وفي 1848 طبع ابراهام دنينوس بالجزائر مسرحية بعنوان (نزهة المشتاق). اعتبرها بعض النقاد مسرحية رائدة في الأدب العربي. وسنعرض إليها في جزء آخر.
(2)
انظر فصل الاستشراق.
بدأ عمله كعضو في فرقة اللفيف الأجنبي التي كونها الفرنسيون سنة 1834 لتضم، في معظم الأحيان، المغضوب عليهم والمحكوم عليهم بالإعدام أو الهاربين من العدالة من الأوروبيين. وقد تحصل على الجنسية الفرنسية، ورافق مختلف الحملات الفرنسية ضد الجزائريين، باعتباره مترجما. وعمل في الحكومة العامة (الإدارة) أكثر من خمسة وعشرين سنة. وتقاعد سنة 1872، وعند وفاته سنة 1876، أبنه شارل فيرو، كبير المترجمين العسكريين عندئذ. وحضر جنازته الحاكم العام، شانزي.
ومما يذكر بشأن شوصبوا أن لاموريسيير اختاره لمرافقة الأمير عبد القادر بعد هزيمته سنة 1847. وقد أمره أن لا يفارقه ولا يتركه يغيب عن عينيه حتى يركب البحر إلى فرنسا. كما نعرف أن شوصبوا قد حل في الحكومة العامة (الإدارة) محل ليون روش، سنة 1848. وكان روش قد أصبح قنصلا (وزيرا) لبلاده في طنجة بعد قيامه بدوره المحكم ضد الأمير. وبالإضافة إلى دوره في الترجمة العامة قام شوصبوا بالترجمة الخاصة حين أصبح كاتبا مترجما للجنة العلمية (لجنة الاكتشاف العلمي للجزائر) سنة 1839، وقد بقي في هذا المنصب فترة طويلة. وكان تأثيره واضحا لمعرفته أحوال البلاد الاجتماعية والثقافية. وفي 1856 أنشأ مع معاصريه المستشرقين: بيربروجر وبرينيه، الجمعية التاريخية الجزائرية التي أصدرت المجلة الأفريقية. ويبدو أنه كان مكرسا حياته لخدمة المصلحة الفرنسية العامة، ولم يجمع مالا ولا بنين. إذ يقول عنه فيرو: إنه عاش فقيرا ومات فقيرا لا يملك حتى القبر الذي دفن فيه (1). ولا نعرف أن له أعمالا مكتوبة هامة في ميدان البحث والدراسة.
7 -
مترجمون آخرون: وبالإضافة إلى هؤلاء نذكر مجموعة أخرى من المترجمين باختصار: منهم روزيتي، وهو ابن قنصل توسكانيا في مصر. ولد بالقاهرة وأصبح مملوكا في عهد نابليون، ثم مترجما في الجزائر بين 1830 -
(1) فيرو، مرجع سابق - ص 464 - 468.
1863.
وأنجب إبنين أصبحا مثله من المترجمين، أحدهما قتل في معركة إيزلي (إيسلي) ضد الجيش المغربي 1844، والآخر قتل أثناء معركة الزعاطشة 1849. ومنهم دبوسي الذي ولد أيضا بالقاهرة وكان من المماليك، وأثناء عمله مترجما في الجزائر جرح عدة مرات، ومات سنة 1840. وأما يعقوب حبيبي فقد كان مملوكا قديما. ولعله من مواليد مصر، وأصبح من المترجمين الرئيسين في جيش الحملة، ثم رجع إلى فرنسا بعدها. وهناك أيضا داود حبيبي (ولعله أخ الأول)، وقد قام بنفس الدور. ونذكر منهم لويس دي براسفيتش الذي ولد في راقوس حوالي 1772، وكان مترجما للجيش الفرنسي في مصر، وقيل إنه رافق الحملة ضد الجزائر، وفاوض الداي وتعرض للخطر، ومات في 19 يوليو 1830 ودفن في باب الواد. ولا ندري إن كان قد مات مقتولا.
وهناك عدد ممن كانوا يعرفون العربية ولهم علاقة بالمشرق، ثم تولوا الترجمة وأمورا إدارية أخرى بعد نجاح الحملة، ومنهم جيراردان، وريمبير Raimbert ودوبينيوس. فهؤلاء الفرنسيون الثلاثة تعلموا اللغة العربية، وأرسلتهم حكومتهم إلى تونس لتأمين حياد حكومتي المغرب وتونس عند الهجوم على الجزائر، وتوفير التموين، والتأثير على السكان، وكذلك التأثير على الوضع في قسنطينة من تونس، وفي وهران، والعمل على فصل قضية الجزائر (حكومة الداي) عن بقية أجزاء البلاد والجيران. وكان جيراردان يعرف الجزائر جيدا حسب الذين ترجموا له، ولذلك عينه قائد الحملة مديرا للدومين (مصلحة أملاك الدولة) حيث بقي في المنصب إلى 1833. وبعد ذلك عين مديرا للبريد بمدينة الاسكندرية (مصر). وأما دوبينيوس فقد كانت حكومته قد أرسلته في عدة مهمات إلى الشرق الأدنى، وكتب عدة مذكرات عن الجزائر وقدمها إلى بورمون. وبعد نجاح الحملة سماه هذا قائدا للشرطة في العاصمة. وقد أساء دوره وسلطته، وظن أنه يحسن التصرف. وكتب عن تجربته في الجزائر بعد أن رجع إلى بلاده سنة 1832. وكان من المتهمين بالاختلاس من خزينة الدولة الجزائرية. وأما الثالث ريمبير فقد تعين على
إدارة المركز التجاري الفرنسي بالقالة (1). وهو مركز كان لفرنسا فيه امتياز تجاري قبل الاحتلال. وكان استرجاع الجزائر له من أسباب التوتر بين الدولتين.
ومن المترجمين أيضا ديلابورت الذي تولى في الجزائر عدة وظائف رئيسية بصفته مستعربا. ولد سنة 1777، ودرس في مدرسة اللغات الشرقية، واتبع حملة نابليون على مصر، وعمل في سلك القنصليات، ومنها قنصليتا طرابلس وطنجة قبل أن يحل بالجزائر سنة 1832. وفيها أصبح مديرا للشؤون الأهلية التي منها الإشراف على رجال الدين والأوقاف. وقد وجدنا اسمه في عدد من مراسلات السلك الديني. وكان مترجما رئيسيا، وهو الذي نظم فرقة المترجمين في المرحلة الأولى. ودرس كذلك اللغة البربرية. وبعد رجوعه إلى فرنسا سنة 1841 درس أيضا القبطية. وقد مات سنة 1861 وترك ثلاثة أبناء اتبعوا سيرته في الترجمة وتعلم اللغات الشرقية (2).
وظهر مترجمون آخرون بعضهم رافقوا الحملة وبعضهم جاء إلى الجزائر بعدها. فمن المشارقة في الأصل نذكر: براهمشة، وهو من سورية ومن رجال الدين (قس) مثل شارل زكار. وقد استعمله الفرنسيون في الترجمة وفي المفاوضات السياسية. وعبد الله دزبون الذي كان رئيسا لفرقة المماليك (وهي عندئذ نوع من اللفيف الأجنبي - المشرقي). وقد عينه الفرنسيون سنة 1837 قنصلا لدى الأمير عبد القادر في معسكر. وتوماس أوربان (إسماعيل عربان بعد إسلامه)، الذي عاش في مصر ثم حل بالجزائر، وتولى الترجمة والكتابة منذ 1837. وقد تناولناه في مكان آخر (3). وعبد المالك، وهو من مصر، ودخل في خدمة الفرنسيين منذ مارس 1830 (أثناء الاستعداد للحملة على الجزائر)، وكان أيضا من المماليك. وأصبح
(1) عن هؤلاء الموظفين الثلاثة انظر Peyronnet (الكتاب الذهبي) المجلد الثاني، الجزائر 1930، ص 15.
(2)
بيروني، (الكتاب الذهبي) مرجع سابق، ص 17. تولى ديلابورت أيضا القنصلية الفرنسية في موقادور.
(3)
انظر عنه فصل مذاهب وتيارات وكتاب الحركة الوطنية، ج 1. (مخطوط).
دليلا ومترجما في الحملة، وأظهر شجاعة ضد الجزائريين استحق عليها وساما سنة 1833، ومات في عنابة سنة 1845. وسالم، وهو سوري، دخل أيضا في خدمة الفرنسيين منذ مارس 1830 (1). وكان مثل عبد المالك من المماليك. وسبق له العمل في الترجمة الفورية. وأصبح مترجما ودليلا في الحملة سنة 1830. ثم دخل فرقة تسمى بالدرك الحضري، وأصبح ضابطا في الصبائحية. وشبيه به سليمان الذي كان أيضا سوريا. والتحق بالفرنسيين في مارس 1830، وكان أيضا من الممالك، وتدرج في العمل على نفس خطى زميله سالم.
أما غبريال زكار فقد ولد بالاسكندرية سنة 1810، ورافق عمه (أو خاله) القس شارل زكار إلى الجزائر. وأصبح مترجما سنة 1830، وقد أرسله الفرنسيون إلى مدينة معسكر بتلك الصفة (مترجما،). وفي أكتوبر 1837 قتله رئيس مكتبه الذي قيل إنه أصبح مجنونا (2). ولا نعرف الآن هوية طابوني، ولكننا نعرف أنه تولى الترجمة في بجاية مع سلمون دي موزيس سنة 1832. وقد قتل في 4 غشت سنة 1836 كما قتل رئيسه في نفس الوقت من قبل المقاومين. ويبدو أن المترجم كوهين كان من يهود الجزائر (وقد يكون من غيرها). والملاحظ أنه أصبح سنة 1833 مترجما ملحقا بالجنرال براي Barail في مستغانم. وقد قتل بدوره تحت أسوار هذه المدينة سنة 1833 (3 غشت).
ولا بد من ذكر اثنين آخرين كان لهما دور في الترجمة والحرب، وهما يوسف وعبد العال. أما يوسف فهو اللقيط الذي ادعى للفرنسيين أنه ابن غير شرعي لنابليون الأول، فأدخلوه الجيش ورقوه حتى وصل إلى رتبة جنرال، وعينه كلوزيل (بايا) على قسنطينة ليزعج به الحاج أحمد. وقد خاض اللقيط يوسف حروبا طاحنة ضد الجزائريين خلال النصف الأول من القرن الماضي.
(1) وذلك يدل على أن الفرنسيين قد (جندوا) مجموعة من التراجمة استعدادا للحملة، سواء كانوا من المشرق أو من أوروبا.
(2)
بيروني، مرجع سابق، ص 870.
وتناولنا ذلك في مكان آخر (1). وأما عبد العال فقد وصل أيضا إلى رتبة جنرال، ولكنه بدأ حياته مترجما وهو في سن الخامسة عشر. وقيل إنه ابن لعبد العال آغا، وأنه ولد بمرسيليا سنة 1815، ولا ندري الآن أصوله. وشارك في الحملة ضد الجزائر باعتباره مترجما عسكريا (؟)، وفي 1831 سمي مترجما من الطبقة الثالثة. وتطوع سنة 1837 في فرقة الصبائحية وأصبح سنة 1840 ضابطا (أهليا) ثم في 1844 أصبح ضابطا فرنسيا. ومنذئذ أخذ يترقى إلى أن وصل إلى رتبة جنرال (2).
ومن تونس نجد أحمد بن محمد، فقد ولد بها سنة 1820، وعمل فارسا في الجيش منذ 1849، ثم مترجما منذ 1853. والتحق بمصلحة الشؤون الأهلية التي كلف فيها بمهمات متنوعة، ومنها الاهتمام باللغة والمسائل الزواوية. وقد عمل في سطيف 1878 (3). وفي سنة 1880 نشر كراسة عن أسباب عدم الأمن في الجزائر ووسائل استبابه، وهي في 16 صفحة. وقبله جاء أحمد الانبيري من تونس أيضا. وهو من أصل يوناني أو ألباني. وعمل في الترجمة وألف كتابا في تاريخ قسنطينة، تناولناه في غير هذا الكتاب (4).
أما من لبنان فقد ذكرت المراجع الفرنسية جان الشدياق، المولود سنة 1821، ولعله من عائلة أحمد فارس الشدياق الذي اعتنق الإسلام وأصبح من أعيان الشعراء والمؤلفين والصحافيين في الدولة العثمانية خلال القرن الماضي. أصبح جان من المترجمين في الجيش الفرنسي، وحصل على
(1) انظر عنه الحركة الوطنية، ج 1.
(2)
بيروني، مرجع سابق، ص 337.
(3)
نفس المصدر، ص 226. ومن مواليد تونس ذكر بيروني شخصا أخر هو أمير عثمان الذي ولد سنة 1893 وكان سنة 1930 يعمل في بسكرة، ص 890.
(4)
ألف كتاب (علاج السفينة) وقد درسناه في مجلة كلية الآداب، ثم نشرنا ذلك في الجزء الأول من (أبحاث واراء) ج 1. وكان الانبيري خطاطا أيضا، وله بعض اللوحات في ذلك.
وسام منه سنة 1861. وقام بمهمات عديدة لصالحه، وقد تقاعد سنة 1867.
وهكذا ترى أن الحملة قد جلبت إليها المترجمين من مختلف الأصول والأجناس والكفاءات. وكانت فرصة للمغامرين المدنيين والعسكريين. وكل ذلك يبرهن على أن الشعب الجزائري قد عانى من هؤلاء (المترجمين) الذين كان أغلبهم، سيما في البداية، غير مؤهلين، كما شهدت على ذلك دراسة فيرو، وملاحظات برينييه. لقد كانت الجزائر بالنسبة إليهم حقلا من التجارب والمغامرات.
وهناك مترجمون آخرون لا ندري إن كانوا قد رافقوا الحملة من أولها أو التحقوا بها، ومنهم بنجامين فانسان الذي كان من رجال القانون، وكان قد عين قاضيا في أكتوبر 1830، ثم أصبح أول رئيس لمحكمة الاستئناف في الجزائر. وهو خرج مدرسة اللغات الشرقية. أما أوسيد دي صال، فقد كان طبيبا وتخرج أيضا من مدرسة اللغات الشرقية، وتولى تدريس اللغة العربية في مرسيليا. وكلاهما (فانسان (1) ودي صال) تولى الترجمة. وهناك مجموعة من اليهود استعان بهم الفرنسيون أيضا، مثل أسرة أبوقية (وهم ثلاثة بهذا الاسم) ويوسف عمار، وصمويل بن باروخ. والملاحظ أن معظم المترجمين الأولين كانوا من مواليد بلدان مختلفة، سورية ومصر وتونس وطنجة، ومالطة وفرنسا.
أما من المترجمين الجزائريين فالذي تفاوض مع الفرنسيين لمعرفته لغتهم هو أحمد بوضربة. وكان بوضربة قد عاش في فرنسا وتاجر في مرسيليا، وكان من المعجبين بالفرنسيين وثقافتهم ولغتهم، وكان متزوجا من فرنسية. وقيل إنه كان يمثل تجارة الداي في مرسيليا. وقد حضر معه حسن بن حمدان خوجة الذي كان يعرف الفرنسية، ربما بحكم التجارة أيضا. ولكن الجزائريين
(1) فانسان هو الذي ترجم ونشر قصيدة محمد بن الشاهد في رثاء الجزائر عند احتلالها. انظر دراستنا عن ذلك في كتاب (تجارب في الأدب والرحلة)، ط. الجزائر 1982.