الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وكان تحت الإشرف المباشر للحكومة (1).
البعثات العلمية ومشاركة المثقفين الجزائريين فيها
بالنسبة للبعثات العلمية، قام عبر حوالي خمسين سنة، عدة رجال فرنسيين بأدلاء جزائريين، باكتشاف الصحراء، ومنها إلى افريقيا. ومن ذلك بعثة إسماعيل وضربة ودوفيرييه وفلاترز وموتيلانسكي وأطانو. وكان علماء الفرنسيين، مدنيين وعسكريين، مسلحين بالعلم واللغة وحب المعرفة والاخلاص لوطنهم، وكذلك حب السيطرة والاستعمار. وكانوا يستعملون نفوذهم المادي والمعنوي والسياسي، عن طريق إدارتهم، لتسخير الجزائريين ليكونوا لهم أدلاء ومساعدين لتحقيق أغراضهم. وقد اعترف دوفيرييه بالفضل للشيخ محمد العيد شيخ زاوية تماسين التجانية وكذلك للشيخ عثمان التارقي، واعترف أطانو سنة 1894 بالفضل للشيخ محمد العروسي شيخ ومقدم زاوية قمار التجانية في إنجاح مهمته في الهقار، وقال إنه لا يحتاج إلى برهان عن إخلاص الشيخ العروسي لفرنسا. وكان الشيخ العروسي قد استضاف (الميعاد التارقي)، وكان عبد النبي حفيد الشيخ عثمان ومقدم التجانية في الأزجر وقبيلة ايفوغاس الكبير، هو الذي قاد الميعاد التارقي نحو الجزائر سنة 1892 وهو الذي سهل مهمة أطانو يد ذلك (2). وقد أشاد موتيلانسكي أيضا بدور الشيخ العروسي في تسهيل مهمته في سوف وفي الهقار وغدامس، بين 1903 - 1905. وفعل الشيخ العروسي نفس الشيء مع الضابط فورو سنة 1898. كما كانت القادرية تنافس التجانية في ذلك التقرب من فرنسا. ولكن الفضل العلمي يظل لهذه البعثات التي كانت تدرس الطرق والقبائل والآبار واللهجات والتربة والعادات والتقاليد. ولم يكن الغرض كما ذكرنا، هو دراستها لذاتها، ولكن للاستفادة منها في التقدم نحو
(1) غوستاف ميرسييه (مدخل)، مرجع سابق، ص 336.
(2)
افريقية الفرنسية، فبراير، 1894، ومارس 1894.
افريقية والسيطرة على الصحراء وثرواتها.
والبعثات العلمية لم تكن نحو الصحراء وافريقية فقط، ولكن أيضا نحو تونس والمغرب والسينيغال ومصر. وقد أشرنا إلى ذهاب رينيه باصيه وغيره إلى السنيغال وتونس لدراسة المخطوطات واللهجات بهما، ولا شك أن ذلك كان مجرد غطاء، لأن هناك أهدافا أخرى للبعثة كالاتصال بالعلماء ومعرفة العادات والتقاليد والتجار والنفوذ الفرنسي. وأرسل الفرنسيون بعثات سرية وعلنية إلى المغرب الأقصى قبل احتلاله وبعده. وبين المبعوثين بعض الجزائريين أمثال إسماعيل حامد وابن أبي شنب وسعيد (عمر) بوليفة ومحمد نهليل وقدور بن غبريط ومحمد معمري. كما ذهبت بعثة أخرى إلى مصر لدراسة أوضاع التعليم الاسلامي والمرأة والمحاكم الاسلامية (1).
وعلى ذكر الاستعانة بالجزائريين نذكر أن بعض الجمعيات كانت تقبل في عضويتها جزائريين هم في الواقع من نوع المستغربين عادة، وإن كنا قد وجدنا آخرين ليسوا كذلك، أمثال عبد الحليم بن سماية. ولكننا لا نجد أمثال عبد القادر المجاوي فيها رغم علمه وسمعته لأنه لم يكن يتكلم الفرنسية. وقد ذكر غوستاف ميرسييه أسماء عدد من الجزائريين الذين ساهموا في أعمال الجمعيات العلمية الفرنسية. وقال إن لهم (ثقافة فرنسية - إسلامية وروحا في البحث جعلتهم أمثلة ممتازة). ومن الأسماء التي ذكرها: محمد بن أبي شنب وابنه سعد الدين، وبلقاسم بن سديرة، ومحمد صوالح، وسليمان رحماني، ومحمد الأخضر، والعربي المسعودي، وأبو بكر عبد السلام بن شعيب، وعبد الحميد حميدو، ومحمد الحاج صادق، وعبد السلام مزيان، (وغيرهم كثير)، كما قال. ولم يهمل ذكر محمد راسم صاحب المنمنمات (وعددا من الفنانين والرسامين)(2).
(1) انظر بحثنا عن دور المترجمين الجزائريين في البعثات الفرنسية نحو افريقية المنشور في مجلة الثقافة، 1996.
(2)
غوستاف ميرسييه (مدخل)، مرجع سابق، ص 331. لم يكن المجاوي يتكلم =
بعض هذه الأسماء لا نعرف مساهمتها الآن مثل محمد الأخضر، والعربي المسعودي. ولكن السيد ميرسييه أهمل ذكر بعض الذين ساهموا فعلا في ميدان الدراسات الفرنسية، أمثال عبد الرزاق الأشرف، ونور الدين عبد القادر، واحمد بن مجقان، وحفيظ بومدين ومحمد بن يوسف كسوس والمولى القاضي، وعمر قندوز، وعلي الشريف الزهار، وابن يحيى علي بن أحمد، وأحمد بن بريهمات وعبد الحليم بن سماية (1). فهؤلاء جميعا ذكروا في عضوية الجمعية الجغرافية لمدينة الجزائر وشمال افريقية التي تأسست سنة 1896 وقد سبق ذكرها. أما إسماعيل بوضربة الذي ذهب في رحلة إلى غات، فقد كان عضوا في الجمعية التاريخية التي كانت تنشر المجلة الافريقية. وكذلك محمد صوالح الذي وجدنا اسمه في أعضاء هذه الجمعية ابتداء من سنة 1900 (المجلة الافريقية، ص 96). وكان عندئذ ما يزال أستاذا في مدرسة ترشيح المعلمين (النورمال). ولعل محمد بن رحال كان عضوا في جمعية جغرافية وهران.
ورغم وجود هذه الأسماء الجزائرية في الجمعيات العلمية الفرنسية فإن مساهمتها الفردية كانت قليلة. فإذا استثنينا عائلة ابن شنب وأبو بكر عبد السلام والحاج صادق ومحمد صوالح وأسماء أخرى قليلة، فإن الانتاج الذي يحمل توقيع صاحبه من هؤلاء لا يكاد يذكر. ولكن مساهمة الجزائريين كانت بالتعاون والمشاركة مع الأعضاء البارزين من الفرنسيين في الجمعيات المذكورة. وهذه التبعية هنا أو هناك لم تسمح للجزائري أن يطور شخصيته العلمية المستقلة وأفكاره بطريقة حرة، وأن يكتشف هويته الحقيقية وسط
= الفرنسية، وقد وجدنا أن عبد الرزاق الأشرف هو الذي كان يترجم عنه في إحدى جلسات تدوين الفقه.
(1)
مجلة الجمعية الجغرافية للجزائر 1886 ص 51، وفي عدد 7 سنة 1902 أسماء ممن ذكرنا. وزيف كسوس بأنه خوجة بلدية الطاهير (كاتب)، ووصف حفيظ بومدين بأنه صيدلي في مستشفى مصطفى. وعائلة (حفيظ - حفيز) من العائلات القديمة في الجزائر العاصمة. للمزيد عن دور الجزائريين انظر فصل الترجمة والمترجمين.