الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ولكن نظرا، لضخامة هذه المهمة وعدم اعتمادها على مؤلف واحد وتعدد اختصاصاتها فلا بد من إنشاء مجموعة عمل لوضع أطلس لغوي شبيه بالأطلس الأثري الذي وضعه ستيفان قزال (1).
حياة بعض المستشرقين والمستعربين
اجتمع لدينا بالإضافة إلى من ذكرنا، عدد من تراجم مختصرة لبعض المستشرقين والمستعربين الفرنسيين الذين اشتغلوا بالدراسات الاسلامية والعربية والترجمة. نذكر منهم:
1 -
البارون بواسوني: ولد في باريس في 19 يونيو (جوان)1811. وبعد أن درس في فرنسا أصبح ضابطا في المدفعية، وتولى في قسنطينة إدارة الشؤون الأهلية (المكتب العربي)، وبدأ حياته العلمية سنة 1884. ويقول عنه لويس رين إنه أول فرنسي لفت الانتباه إلى ملامح وخصائص البربر. ونشر بواسوني في المجلة الأثرية (روكاي) بقسنطينة حروف الهجاء التي كان الطوارق يستعملونها. وفي سنة 1884 نشر بواسوني النص العربي لبعض أشعار الأمير عبد القادر، وكذلك التنظيمات العسكرية المسماة (وشاح الكتائب) التي أعدها قدور بن رويلة، كاتب الأمير. ثم نشر الفارسية في مبادئ الدولة الحفصية لابن القنفذ، وكذلك تحفة العروس لعمر الجزائري.
كان بواسوني من أصول ارستقراطية عارفا باللغة العربية، وقد رشحته حكومته لمرافقة الأمير بعد هزيمته في ديسمبر 1847. وعينه في هذه المهمة الدوق دومال الذي كان متوليا (حاكما عاما) للجزائر عند الهزيمة. رافق بواسوني الأمير في فرنسا وفي المشرق. بقي معه في حصن (لامالق) ثم في سجن (بو) تم قصر امبواز. كان لا مورسيير الذي وعد الأمير بالأمان في الجزائر آخر ديسمبر 1847، قد أصبح بد ثورة فبراير 1848 في فرنسا
(1) ستيفان قزال، تخصص في تاريخ المغرب القديم، ونشر عدة مجلدات في ذلك شملت حضارة البربر. وكان معاصرا لحركة الاستشراق. وقد توفي سنة 1932.
وزيرا للحربية، فتنكر للأمير وضيق عليه الخناق ولم يطلق سراحه ليتوجه إلى المشرق، كما وعده. وكان من المفروض أن يخفف البارون بواسوني أهوال الغربة على الأمير وأن يشرح له الأسباب السياسية التي جعلت حكومة فرنسا تسجنه بدل أن تطلق سراحه. وظل إطلاق سراح الأمير ينتظر إلى أكتوبر 1852 حين تولى نابليون الحكم بنفسه، وعندئذ توجه بواسوني مع الأمير إلى اسطنبول.
شارك بواسوني كذلك في الجمعية الأثرية بقسنطينة ومجلتها. وشجع مجموعة من المثقفين الجزائريين الذين مالوا للفرنسيين، على تأليف كتب ومذكرات حول قسنطينة، ومنهم محمد الصالح العنتري الذي كتب (الفريدة المؤنسة) و (هدية الاخوان)، بدافع منه. وكان بواسوني يراسل محمد الشاذلي الذي تولى القضاء ثم إدارة المدرسة الفرنسية - الشرعية. ودامت المراسلات بينهما طويلا حتى بعد انتقال بواسوني من قسنطينة. وكان الشاذلي قد زار قصر امبواز وبقي مع الأمير فترة لتسليته. ولعل جلب الشاذلي إلى هناك كان بإيعاز من بواسوني نفسه لأنه كان يعرفه في قسنطينة. وقد شارك بواسوني أيضا في تأسيس الجمعية التاريخية بالجزائر. وترأسها بعض الوقت. وبعد انتقاله إلى فرنسا ظل يزور الجزائر كل شتاء ليشارك في اجتماعات الجمعية التاريخية. أما الوظائف الإدارية الأخرى فقد كان بواسوني هو النائب الأول لرئيس المجلس العام (المجلس الولائي) لولاية الجزائر عند إنشاء هذا المجلس سنة 1858. وكان الأعضاء عندئذ تعينهم الحكومة وليسوا منتخبين. وكان بواسوني يسكن في فيلا أنيقة بضاحية الأبيار تسمى (لاطوس). وقد أدركه الموت على 91 سنة في 22 فبراير، 1902. فبواسوني كان من أوائل (المستشرقين) العسكريين (1).
(1) لويس رين، المجلة الافريقية، 1902، ص 133 - 136. وكان رين معاصرا له وضابطا مثله، وقد توفي بعده بقليل، انظر أيضا كتابنا (القاضي الأديب)، ط. 2، 1985.
2 -
ارنست ميرسييه: ولد في لا روشيل (فرنسا) سنة 1840. وكان أبوه (ستانيسلاس) طبيبا. وصيدليا. جاء مبكرا إلى الجزائر كطبيب عسكري. وشارك في الحملات ضد الجزائريين مع بوجو، وفي 1854 غادر الجيش واستقر كطبيب في سور الغزلان. وهناك حصل على أرض واستقر قرب عائلة. أما إبنه ارنست، فكان عمره عندئذ 13 سنة. ترك الدراسة في لاروشيل وعاش مخالطا للجزائريين فتعلم منهم العربية ودرسها. وفي 1865 نجح في مسابقة المترجم العسكري، وسمى مترجما في سبدو حيث كانت ثورة أولاد سيدي الشيخ تصل إلى هناك من الجنوب الغربي، وازدادت معرفته للعربية فتقدم لمسابقة المترجم القضائي. ثم أصبح مترجما لقاضي الصلح في محكمة الحروش، ثم في تنس. وعند وقوع ثورة 1871 كان ارنست في تنس. وقد تطوع وأصبح قائدا للميليشيا المحلية ضد الثوار هناك. وفي نوفمبر 1871 سمي مترجما محلفا في قسنطينة حيث كان الثوار يحاكمون بالجملة. وكان والده قد استقر في قسنطينة بصفته صيدليا. وكذلك استقر ارنست وكون عائلة. ودخل ميدان السياسة فتولى منصب رئيس البلدية في قسنطينة مرتين، وعضوا في المجلس الولائي العام. C.G .
كان ارنست ميرسييه مغرما بالدراسة أيضا. ومنذ 1867 أصبح عضوا في الجمعية الأثرية لقسنطينة، وساهم في تحرير مجلتها (روكاي)، وقدم إليها دراسة عن الطريقة القادرية، وأخرى عن ثورة ابن غانية، وتاريخ معارف القدماء الجغرافية عن افريقية الشمالية. وتولى نيابة رياسة الجمعية المذكورة ثم رئيسا لها سنة 1892.
درس ميرسييه التاريخ والأدب العربي واللغة والدول التي تداولت على افريقية الشمالية. وقد نشر مجموعة من البحوث منها تاريخ شمال إفريقية، سنة 1891 في ثلاثة أجزاء. وهو العمل الذي نال عليه الميدالية الذهبية من جمعية الدراسات التاريخية بباريس، كما نشر بحوثا عن الكاهنة وكسيلة، وعن فرنسا والصحراء، والملكية فى بلاد المغرب العربي طبقا لمذهب الإمام
مالك، واحتلال قسنطينة. ومن مؤلفاته وضع المرأة المسلمة في إفريقية الشمالية، وأوضاع السكان الجزائريين (الأهالي) تحت الاحتلال الروماني والوندالي والبيزنطي. ثم الملكية العقارية الاسلامية في الجزائر، وغيرها من البحوث. وله دراسة عن المقرانيين وثورة 1871، وأخرى عن فن الترجمة الكتابية والشفوية. وقد توفي سنة 1907 في مدينة قسنطينة (1).
إن ارنست ميرسييه يعتبر مثالا للعسكري - المدني الفرنسي، والمستوطن الحاقد على كل ما هو عربي ومسلم. وتشهد كتابته عن الفتح الاسلامي وعن المقرانيين على ما نقول. ومع ذلك فإنه من المساهمين البارزين في الترجمة والتأليف والبحث إلى جانب الوظائف الادارية والسياسية التي تولاها (2).
3 -
فايسيت: لا يذكر مترجموه تاريخ ميلاده. ويبدو انه ولد في فرنسا، وجاء إلى الجزائر مبكرا. واشتغل في الحياة المدنية، فتعلم العربية، وكان معلما ثم مديرا لمدرسة عربية - فرنسية في قسنطينة، ذلك النوع من المدارس الذي كان يهدف إلى بث الثقافة الفرنسية عن طريق العربية الدارجة. ولم يترك فايسيت التعليم والادارة تأخد كل وقته فانتقل من التعليم إلى الترجمة كمحلف، ربما لأسباب مادية، ولكنه بقي دائما في قسنطينة إلى تقاعده. وقد توفي سنة 1900 في (اسباليون؟) حيث كان متقاعدا مدة طويلة.
أهلته معرفته للعربية ومكثه الطويل في قسنطينة للاطلاع على الوثائق الأهلية وتاريخ الناحية. كان عضوا في الجمعية الأثرية لقسنطينة منذ 1862. وقد ساهم في مجلتها ببعض بحوثه. ومما نشره: تاريخ قسنطينة في العهد
(1) ج. ماقيلون (روكاي)، 1908، ص 15 - 19. كان ماقيلون نائبا لرئيس الجمعية الأثرية لقسنطينة.
(2)
أثناء فترة العرائض في قسنطينة كان ميرسيه هو رئيس البلدية. وكان يمثل رأي الكولون في مسائل القضاء الاسلامي، والتجنس، والتلاعب بصفوف النخبة الاندماجية. انظر الحركة الوطنية ج 1.
العثماني، وهو تاريخ سياسي، من 1517 - 1837، اعتمد فيه على كتاب العنتري، وابن العطار وابن الفكون وغيرهم. كما نشر ملاحظات على قلعة بني عباس ومدافعها ولكن فايسيت كان يترجم أكثر مما كان ينشئ، رغم استغلاله للوثائق المحلية، كما ذكرنا (1).
4 -
شارل قابو: لا يمكن عده في المستشرقين، غير أنه من المترجمين المستعربين الذين كانوا على صلة بالجزائر وزعمائها. ولد في فرنسا سنة 1831. ولا ندري أين أو كيف تعلم العربية، لأن شارل فيرو يقول عنه إنه عين مترجما ملحقا بقصر امبواز حيث كان الأمير وأسرته مسجونين أي 1848 - 1852. وعند إطلاق سراح الأمير وتوجهه إلى المشرق كلف قابو بمرافقته أيضا، لأن مهمة بواسوني قد انتهت في اسطنبول. وفي يوليو سنة 1865 زار الأمير عبد القادر فرنسا فوضع قابو تحت تصرفه كمترجم. وقد رافق أيضا ابن الأمير (وهو محمد صاحب تحفة الزائر) إلى دمشق في السنة الموالية، حسب خبير فيرو. ومنذ هذا التاريخ 1866 أصبح قابو ملحقا بوزارة الحربية في باريس مكلفا بمصالح الجزائر.
ويبدو أن قابو كان يجمع إلى الترجمة وظيفة الدبلوماسية والمخبر أيضا. فقد كلفته وزارة الحربية مرتين أخريين بمرافقة زعيمين جزائريين أحدهما، وهو شريف ورقلة (محمد بن عبد الله أو إبراهيم بن فارس). وكان هذا الثائر سجينا لدى الدولة الفرنسية بعد إلقاء القبض عليه حوالي 1861. وكان قد حمل إلى سجن عنابة (قلعة بيربينيان). أما الآخر فهو الشاب أحمد التجاني شيخ زاوية عين ماضي الذي رأت فرنسا نقله مع أخيه البشير إلى بوردو أثناء ثورة 1870 - 1871. والمعروف أن أحمد التجاني قد تزوج عندئذ من أوريلي بيكار، بنت أحد رجال الدرك الفرنسيين. ولا ندري ما دور قابو في موضوع الزواج ما دام هو المرافق والشاهد والممثل لوزارة الحربية. ومن الأكيد أن هذه الوزارة لو لم يكن لها يد في هذا الزواج لما
(1) انظر (روكاي)، 1901، ص 289 - 290.
انبرم. والظاهر أن قابو كان حيا سنة 1876 عندما ألف فيرو كتابه (1).
5 -
هنري دوفيرييه: ولد في فرنسا، وتعلم فيها. وجاء والده إلى الجزائر، وكان من الكولون ومن أصدقاء الدكتور وارنييه. بدأ هنري رحلته الشهيرة من قسنطينة حاملا توصيات دقيقة من الجنرال (ديفو) قائد القطاع العسكري بها، وذلك في شهر مايو 1859 واتجه نحو ميزاب. وكان الشريف محمد بن عبد الله (شريف ورقلة) ما يزال نشطا في جهة عين صالح. ودامت رحلة دوفيرييه ثلاث سنوات، وقد رجع إلى الجزائر مريضا، فعالجه الدكتور وارنييه صديق والده. كانت الرحلة تغطي المنطقة بين المنيعة غربا. وزويلة شرقا وبسكرة شمالا وغات جنوبا. وكان يعرف عن غات من رحلة إسماعيل بوضربة إليها سنة 1858، بل كان عرفه شخصيا، ويقول انه استفاد من رحلته.
كان دوفيرييه يحمل أيضا رسائل للتعريف به وحمايته وتقديمه للمقدمين التجانيين وغيرهم، من عدد من الجزائريين، منهم: الخليفة حمزة من كبار عائلة سيدي الشيخ، وكان حمزة يحكم الجنوب الغربي باسم فرنسا. كما كان دوفيرييه يحمل رسالة من الشيخ محمد العيد بن الحاج علي، شيخ زاوية تماسين التجانية ووارث بركتها، وذلك بتدخل من الجنرال ديفو لدى الشيخ محمد العيد، وزكاه كذلك مقدم التجانية في قبيلة ايفوغاس بشمال الهقار، وهو المرابط عثمان بن الحاج البكري، وكذلك الأمير الحاج محمد ايخنوخن رئيس طوارق الأزجر، والمرابط البكاي ابن عم شيخ تمبوكتو وهو من الطريقة القادرية، كما زكاه سليمان العزابي مدير الفشاطو (؟) بجبل طرابلس. وكان دوفيرييه قد وجد أيضا مساعدة كبيرة من السيد أحمد بن زرمة السوفي (من سوف) الذي قال عنه أنه رافقه خلال الجزء الصعب من رحلته ووصفه بالاخلاص والذكاء والحيوية، وقد اعترف له ولغيره بالجميل. وكان
(1) شارل فيرو (مترجمو جيش افريقية)، الجزائر 1876، ص 334 - 335. عن أحمد التجاني انظر فصل الطرق الصوفية. ولا نعرف أن قابو قد ترك عملا مكتوبا شأن المستعربين.
دوفيرييه متحفظا جدا من السنوسيين الذين رأى فيهم الخطر الكبير على فرنسا في المنطقة. وقد حصل كتابه الذي جمع فوائد جمة عن المنطقة المذكورة، على الميدالية الذهبية الكبيرة من الجمعية الجغرافية الفرنسية في باريس سنة 1864 (1).
ورغم اقتراب دوفيرييه من الاستشراق بمعرفته العربية والبربرية، وتقديمه نبذة عن حياة المرابطين المعاصرين الذين اختلط بهم أو سمع عنهم في المنطقة، فإنه لا يعتبر مستشرقا بالمعنى الدقيق للكلمة لأنه لم يدرس ولم يتخرج من مدرسة استشراقية. ولكن أعماله ظلت مرجعا للمستشرقين اللاحقين المهتمين بالقبائل الصحراوية والحياة اللغوية والدينية هناك. وقد تعامل دوفيريه مع أشهر الطرق الصوفية في وقته التجانية والقادرية والشيخية والطيبية.
6 -
لويس رين: ولد في باريس في 28 مارس 1838. وكان من عائلة علمية اهتمت بالحياة الأكاديمية مثل عمه وآخيه
…
أما هو فقد درس في سان سير، مدرسة الفرسان، وجاء الجزائر سنة 1864 بمناسبة ثورة أولاد سيدي الشيخ. ولكنه دخل في سبتمبر من العام نفسه في مصلحة الشؤون العربية حيث قضى فترته وخدمته العسكرية كلها تقريبا. وفي سنة 1880 أصبح هو رئيس المصلحة المركزية للشؤون الأهلية. ولكن بعد خمس سنوات ألغيت هذه المصلحة، أي في عهد الحاكم العام لويس تيرمان، وبعد ذلك تقاعد رين وأصبح مستشارا لدى الحكومة العامة. ولا شك أن عمله منذ 1864 في المصالح الأهلية قد جعله يتعرف على مشاكل الجزائريين الدقيقة لأن كل الوثائق والمراسلات كانت تمر بيده، كما جعلته يتعرف على أنماط الناس وتفكيرهم.
تولى رين رئاسة الجمعية التاريخية سبع سنوات، وظل يشارك في
(1) انظر رحلة دوفيرييه (اكتشاف الصحراء)، ط. باريس، 1864. المقدمة. وعن علاقته بالطرق الصوفية في المنطقة انظر فصل الطرق الصوفية.
أعمالها ثم رئيسها الشرفي إلى وفاته سنة 1905. وخلال أدائه لوظيفته الحساسة - الشؤون الأهلية - ألف رين عدة كتب ذات طابع إحصائي وإجمالي، ولكنها مفيدة. وقد كتبها بروح الأب الخبير الحريص في نظره على مصلحة الأهالي. وكان من موقعه يتلقى التقارير والرسائل، كما كان يراسل من يشاء من أعيان الأهالي ويطلب منهم المعلومات لكتبه، ولا ندري كيف تعلم العربية والبربرية، لأنه كان يعرفهما، وتتركز أعماله على اللغة والعادات والدين والتقاليد. وأشهر مؤلفاته: تاريخ انتفاضة 1871، ودراسة الطرق الصوفية الذي سماه (مرابطون واخوان)، وله كذلك أبحاث نشرها في المجلة الافريقية في البداية، منها: مملكة الجزائر تحت آخر الدايات، والممالك البربرية الأولى وحرب يوغرطة، وبحث في الدراسات اللغوية والاثنولوجية عن البربر. وأخبر زميله لاكروا أن رين كرس سنواته الأخيرة لكتابة موسوعة كبيرة عن تاريخ الجزائر تضم أحد عشر مجلدا، ولكننا لا نعرف ماذا أكمل منه، لأن الكتاب الأخير لم ير النور، على ما نعرف (1). غير أن آجرون رجع إليه في بعض مؤلفاته، وهو، بناء عليه، ما يزال مخطوطا.
7 -
ادريان ديلبيش: ولد في بوفاريك سنة 1848، فهو ابن مستوطن فرنسي استقر في قلب سهل متيجة الغني، ولكن ادريان تعلم العربية في مدرسة تلمسان الشرعية - الفرنسية عندما كان مديرها هو بيلار. أصبح أدريان مترجما عسكريا مثل كثير من الشبان الفرنسيين الذين وجدوا في هذه المهنة وسيلة للعيش والاستعمار أيضا. ومثل معظم المترجمين عندئذ فإن همه ليس العربية المكتوبة ولكن الدارجة المنطوقة فقط. وقد جاء إلى العاصمة ليزداد علما بالعربية على لويس برينييه، ودخل المسابقة ونجح في مهنة الترجمة العسكرية. وكان ملازما للجنرال سيريز سنة 1871 أثناء ثورة الرحمانيين
(1) ن. لاكروا، المجلة الافريقية، 1905، ص 130 - 132. توفي رين في 6 مارس، 1905 بمدينة الجزائر. وكان قد حصل على رتبة عقيد في الجيش. انظر ما كتبه أجرون عن هذا الكتاب.
والمقرانيين. وقيل انه هو الذي حرر الانذار الفرنسي قبل الهجوم على فج أولاد عزيز، وهو الانذار الموجه للثوار. كما رافق أدريان الفرقة التي كانت تحمل المؤونة عبر بوسعادة والتي كانت بقيادة العقيد تروميلي. وبعد القضاء على الثورة تفرغ أدريان ديلبيش للدراسة واستقال من الترجمة العسكرية ودخل الترجمة القضائية. وبهذه الصفة اشتغل في عدة محاكم فرنسية، منها محكمة تيزي وزو وبلعباس ومينيرفيل (الثنية) والبليدة. وأثناء ذلك حصل من مدرسة الآداب في الجزائر على دبلوم اللغة العربية. والدراسة الأخيرة هي التي قربته إلى صف المستشرقين.
فقد نشر بحوثا حول ثورة الطريقة الدرقاوية 1800 - 1813 كما وردت في كتاب مسلم بن محمد، ونشر تاريخ الأمير عبد القادر الذي كتبه ابن عمه الحسين بن علي بن أبي طالب، وهو ترجمة جزئية للأمير، كما نشر بحثا عن زاوية سيدي علي بن موسى، وآخر عن إجازة مقدم للطريقة الرحمانية، وخلاصة لكتاب البستان لابن مريم. كما توجه ديلبيش لدراسة الفقه الاسلامي، وقال مؤبنه إنه قد عهد إلى أحد أصدقائه بإخراج ما تقدم في تحريره منه. وكان ديلبيش من أعضاء الجمعية التاريخية. وهكذا يظهر أنه قد تحول من العمل العسكري إلى القضاء ثم إلى الدراسات الاستشراقية والاهتمام بترجمة النصوص العربية والتعريف بالتراث الاسلامي والطرق الصوفية والفقه. ولكن أعماله، مثل أعمال معظم المستشرقين، تبقى خفيفة ولا تساهم في تعميق المعرفة إلا قليلا. وقد أدركه الموت في سن مبكر، إذ كان في السادسة والأربعين عندما توفي سنة 1894 (1). ولعله لو عاش وظل على طريقه لأخرج أعمالا أخرى ذات أهمية.
8 -
البارون ديسلان: ولد في بيلفاست (ايرلندة) في 12 غشت 1801. وجاء إلى باريس سنة 1830 حين كان الأجانب يريدون معرفة الاستشراق
(1) ا. ف. (فانيان؟) في المجلة الافريقية، 1894، ص 374. الأعمال التي ذكرناها له كلها منشورة فى هذه المجلة.
الفرنسي ونيل السمعة منه. وأصبح من تلاميذ دي ساسي، ومن أحسن تلاميذه. ومنذ 1837 بدأ ينشر الآثار العربية، فنشر ديوان امرئ القيس ومنتخبات من كتاب الأغاني. وبالتعاون مع المستشرق (رينو) نشر جغرافية أبي الفداء على نفقة الجمعية الآسيوية، وبدأ ديسلان في نشر كتاب وفيات ابن خلكان، وكتاب النوري عن أفريقية والمغرب، وكذلك وصف أفريقية لابن حوقل، ورحلة ابن بطوطة. وهذا كله يظهر اهتمامه المبكر بالتاريخ والأدب العربي.
وبعد أن حصل ديسلان على الجنسية الفرنسية كلفته الحكومة مهمة في الجزائر سنة 1843 - 1845، فقام بأدائها، وأرسل إلى وزير المعارف العمومية تقريرا عن مجموعة المخطوطات ذات الأهمية في المكتبات الخاصة بالجزائر، مثل مكتبة حمودة الفكون بقسنطينة، ومكتبة باشتارزي في هذه المدينة أيضا. وقد وصف استقبال الأهالي بأنه كان وديا (1).
وإثر هذه المهمة الناجحة في نظر رؤسائه سمي ديسلان مترجما رئيسيا للجيش الفرنسي بالجزائر، في أول سبتمر 1846، أي في أوج عهد بوجو. كأن ديسلان، مثل معظم المستشرقين عندئذ يعرف العربية والتركية. وقد درس اللغة الأخيرة في اسطنبول أثناء بعثة لدراسة المخطوطات أيضا دامت سنة. وتولى تدريس اللغة التركية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس محل المستشرق جوبير سنة 1848، لكن حكومة الجمهورية الجديدة عزلته وعينت بدله دوبو. ولكن بوجو وأخته عملا على تصحيح وضعه لدى وزارة المعارف، وقد صحح الوضع فعلا سنة 1849 عندما أعيد ديسلان إلى الجزائر مترجما رئيسيا في الحكومة العامة (2). وبذلك أصبح هو الذي يصوغ نصوص البلاغات الرسمية والمراسلات العربية للحكومة في الجزائر مع الأهالي، وأصبح أسلوبه منهجا لمن جاء بعده. وخلال إقامته في
(1) مما يذكر أن حمودة الفكون كان مغضوبا عليه من الفرنسيين عندئذ 1843 - 1845 وقد بيعت مكتبة الفكون في المزاد. انظر فصل المنشآت الثقافية.
(2)
أصبح ديسلان صهرا للمارشال بوجو، فكان ديسلان متزوجا من ابنة أخت بوجو.
الجزائر ترجم تاريخ ومقدمة ابن خلدون، وهو العمل الذي جلب إليه تنويه زعماء مدرسة الاستشراق الفرنسي، مثل رينان.
وفي سنة 1863 أعطيت لديسلان رخصة لتدريس العامية الجزائرية في مدرسة اللغات الشرقية بباريس. وهو الوظيف الذي أصبح رسميا منذ 1871 حين عين ديسلان أستاذا للعربية العامية بالمدرسة المذكورة مكان بيرسوفال. ومنذ هذا التاريخ أيضا تفرغ ديسلان لدراسة مؤرخي الحروب الصليبية والدراسات الشرقية، وتخلى عن تدريس العامية الجزائرية التي اعتبرها بعض المستشرقين (مثل موهل) قد جنت على موهبة ديسلان في الانتاج والتأليف من الفصحى. والمعروف أن ديسلان قد أصدر كاتلوق المخطوطات العربية الموجودة في المكتبة الوطنية الفرنسية. ومات في 4 غشت، 1878 (1). ومما يذكر أن ديسلان كان أيضا هو المشرف على جريدة (المبشر) التي كانت تصدرها الحكومة العامة والموجهة بنسختها العربية إلى القراء الجزائريين، وكان أسلوبه فيها واضحا ومتميزا. وقد عمل معه فيها عدد من الجزائريين نذكر منهم أحمد البدوي (2)
9 -
دومينيك لوسياني: يمكن أن نعتبره رجلا إداريا إذ أنه ظل أكثر من عشرين سنة وهو يسير الشؤون الأهلية عن قرب. فهو الذي تولى تفتيش البلديات ونشط الإدارة المدنية على حساب الإدارة العسكرية منذ 1890. وأثناء ثورة عين التركي كان لوسياني هو الذي أمر بإقامة المحاكم الزجرية وقمع الثورة بلا رحمة. ومع ذلك يصفه مترجمه بول مارتي بأنه كان يعمل على تقريب الأهالي من الفرنسيين. وقد عمل لوسياني مع ثلاثة من الحكام العامين هم ريفوال وجونار ولوتو. وكان لوسياني قد زار عدة بلدان إسلامية لدراسة أحوالها الإدارية، في ظاهر الأمر، ومنها مصر وتونس والمغرب وسورية، وكان يريد أن يستفيد منها في إدارة شؤون الأهالي بالجزائر. وقد
(1) هنري ماصيه (الدراسات العربية في الجزائر)، 1931.
(2)
انظر ترجمتنا له في فصل آخر، وحديثنا عن المبشر في فصل المنشآت الثقافية - فقرة الصحافة.
عمل أثناء وجوده على رأس هذه الإدارة على تنظيم الحالة المدنية الجديدة التي فرضها الفرنسيون على الجزائريين قصد تغيير هويتهم وأنسابهم استعدادا لدمجهم، وعلى تطوير ما يسمى بجمعيات الاحتياط الأهلية والتي تفرض على الجزائريين من فلاحين وغيرهم الدخول في جمعيات تعاونية تقدم إليهم المساعدات عند الحاجة لحدوث الجوائح.
والأمر الثالث الذي حصل أثناء عهده هو تنشيط حركة التعليم الفرنسي في الجزائر، ابتداء من عهد كامبون، وفي هذا النطاق تدخل إعادة تنظيم المدارس الثلاث الشرعية خلال السنوات الأخيرة من القرن الماضي. وكان لوسياني يعتبر خريجي هذه المدارس ضروريين للتعليم في إفريقية العربية وفي المشرق والمغرب أيضا إذا احتاجتهم فرنسا. وقيل إنه اهتم أيضا بالمدارس المهنية الأهلية كورشات الطرز والزرابي والحدادة لفائدة المستوطنين، وكذلك العناية بالمكاتب الخيرية الاسلامية، سيما في عهد فصل الديانة المسيحية واليهودية عن الدولة، وكان لوسياني يعد لمشروعين لم يكتب لهما النجاح في عهده. وهما ترقيم الأملاك العقارية وتدوين الفقه الاسلامي.
أما عمله الاستشراقي فيقوم على تشجيعه ومساهمته في لجنة ترجمة الكتب العربية التي ذكرناها 1894. وقد سهر على نشر مجموعة من الأعمال في شكل ترجمات سواء من العربية أو من البربرية المكتوبة بالحروف العربية. وقد ذكرنا له ترجمة كتاب السلم المرونق في المنطق والدرة البيضاء في الفرائض، وكلتاهما لعبد الرحمن الأخضري كما ترجم الرحبية في الميراث، وهي لعبد الله الشنشوري، والعقيدة الصغرى (أم البراهين) لمحمد بن يوسف السنوسي، والجوهرة لإبراهيم اللقاني، وموطأ المهدي ابن تومرت. وترجم من البربرية كتاب (الحوض) في الفقه، ومجموعة من أشعار إسماعيل ازيكيو حول ثورة 1871 (1). وتقتصر أعمال لوسياني على الترجمة مع قليل من
(1) بول مارتي في (مجلة العالم الاسلامي)، 1920، ص 1 - 9 مع صورة كبيرة للوسياني راجع فانيان كتابي الرحبية والعقيدة السنوسية في المجلة الافريقية، =
الإضافات. وقد جعلته الإدارة لا يركز على الدراسات والبحوث، رغم أنه كان عنصرا فاعلا في تنشيط حركة الاستشراق، سيما أوائل هذا القرن. وفي عهده أيضا انعقد مؤتمر المستشرقين الرابع عشر 1905، وزار الشيخ محمد عبده الجزائر 1903، وغير ذلك من الأحداث الهامة التي كان له يد فيها.
10 -
لوشاتلييه: ألفريد لوشاتلييه من أعيان المستشرقين في مطلع هذا القرن. وكانت له رؤيته المستقلة، واعتداده بنفسه، وكان ماضيه عسكريا، إذ تخرج من مدرسة سان سير. ثم تحول إلى الدراسات المدنية والاستشراق ودراسة التصوف. ولد في باريس سنة 1855، ودخل الحياة العسكرية، فشارك في المكاتب العربية بالجزائر، ومنها المكتب العربي في ورقلة. وعمل في مناطق أخرى عديدة بين 1878 - 1886، منها بوسعادة، وبوغار، وغرداية. وباعتباره من خبراء المناطق الصحراوية أخذه العقيد فلاترز في أول بعثة له، وشارك في الأركان العامة بالعاصمة. وأثناء عمله في الصحراء قام بأول سبر (صونداج) للبحث عن المياه. ودرس تفاصيل الحياة في الصحراء، وكتب دراسة متميزة عن الصعاليك فيها، وهم (المدقانات) الذين ظهروا بين الستينات والثمانينات في القرن الماضي على إثر ثورات أولاد سيدي الشيخ وبوشوشة وابن عبد الله.
وفي سنة 1886 رجع لوشاتلييه إلى فرنسا مفضلا حرية العمل لترويج الفكر الاستعماري، فخرج من الجيش وأخذ يكتب المقالات والكتب لدعم أفكاره. ونشر في المجلات والجرائد، وأخذ يبدي اهتماما بالمسائل الاسلامية العامة وليس الجزائرية فقط، فألف في ذلك كتابين: الطرق الصوفية الاسلامية في الحجاز، والاسلام في القرن 19. وفي نظره أن الاسلام قد
= 1897، ص 120، وكلاهما كان مقررا على التلاميذ. انظر اوغست كور في مجلة (روكاي)، 1922، ص 322 - 324، وهي مراجعة لكتاب السلم المرونق في ترجمته الفرنسية للوسيانى.
استيقظ بقوة (حركة الجامعة الاسلامية) من المغرب الأقصى وإلى افغانستان، وأن هناك فرقا بين الاسلام الآسيوي والاسلام الافريقي، الأول متأثر بالاستعمار الانكليزي والروسي، والثاني متأثر بالاستعمار الفرنسي والاسباني. كما أن الاسلام في آسيا يتطور في مناطق عاشت فيها حضارات عديدة، أما في إفريقية فالإسلام، في نظره، يتطور في بلاد بدون حضارة، ولذلك فهو هنا بدون حدود (1).
ولكن ذلك ليس هو كل عمل لوشاتلييه. فقد أصبح أستاذا في (الكوليج دي فرانس) محتكرا حلقة جديدة في الدراسات الاسلامية سماها المجتمعات الاسلامية. وهو في ذلك متأثر بأنواع الدراسات الاجتماعية الجديدة في فرنسا وألمانيا، دورخايم وماكس فيبر، وارنست رينان. ثم أسس لوشاتلييه (البعثة المغربية) عند الاهتمام الفرنسي المركز على احتلال المغرب. ونشرت البعثة موسوعتها المعروفة باسم (الأرشيف المغربي) التي ضربت قياسا في السرعة والعمل الجماعي، بحيث ظهر منها 33 مجلدا. في ظرف 35 سنة. وكانت البعثة في أول أمرها بطنجة ثم انتقلت إلى الرباط. كما أسس لوشاتلييه (مجلة العالم الاسلامي) التي ضربت المثل أيضا في السرعة والعمل الجماعي، فأصدرت ما بين 1906 - 1925 اثنين وستين 62 مجلدا. وظهر على صفحاتها المستشرق لويس ماسينيون وآخرون. وقد قال عنها لوشاتلييه إنها مجلة غير استشراقية وغير استعمارية، ولكنها مجلة تعرف بالاسلام كما هو يتطور في الواقع وتبرز الحقائق الاجتماعية التي ترصدها في الساحة الاسلامية.
وكانت بين لوشاتلييه والمارشال ليوطي بعض الحساسيات في استراتيجية العمل. فرغم أن كليهما يرجع إلى مدرسة الجزائر العسكرية، فإن ليوطي كان يحبذ طريقة بوجو الأبوية وتطبيقها في المغرب، بينما كان لوشاتلييه يريد اتباع أسلوب جديد مستوحى من تطور الاسلام والمسلمين.
(1) بيرونى (الكتاب الذهبى)، ج 2، الجزائر 1930، ص 385 - 386.
وعلى ذلك أسس ليوطي (الأرشيف البربري) لمنافسة الأرشيف المغربي، وأسس أيضا معهد الدراسات البربرية بدل البعثة المغربية، ولكن الحكومة
الفرنسية تدخلت ونسقت بين جهودهما فتكاملت، وتعاونا على بسط النفوذ الفرنسي في المغرب وفي العالم الاسلامي (1).
11 -
شارل فيرو: لم يكن فيرو مستشرقا بالمصطلح المعروف، ولكنه خدم ميدان الاستشراق بالترجمة ونشر النصوص وتوليه رئاسة الجمعية التاريخية. فكان من المستعربين القلائل الذين اتصلوا بالمجتمع الجزائري ودرسوا تراثه، ولكنهم وجهوا نتائج أبحاثهم إلى خدمة الاستعمار الفرنسي إلى أقصى الحدود. لقد كان فيرو من العسكريين الذين استعملوا القلم أكثر من البندقية والفكر أكثر من الحرب، فكانت نتائج عمله أخطر على الشعب الجزائري من نتائج زملائه العسكريين.
اسمه لوران شارل فيرو، ولد في نيس في الخامس من فبراير 1829، وقد جاء الجزائر صغير السن، وتوظف وهو لم يتجاوز السادسة عشر (!)، وعندما بلغ التاسعة عشر كان كاتبا في العاصمة بالإدارة المدنية (الحكومة العامة) ومترجما بها، ثم أصبح مترجما احتياطيا عسكريا من الطبقة الثانية، وميدان الترجمة هو الذي قضى فيه كل حياته تقريبا. ولا ندري أين تعلم العربية، وربما كان ذلك على يد لويس برينييه الذي كان رئيسا لحلقة اللغة العربية في العاصمة. وقضى فيرو عشرين سنة من حياته وهو يشارك في الحملات العسكرية باتجاه قسنطينة (إقليم الشرق). وشارك في الحملة ضد محمد الأمجد (بوبغلة) بنواحي بجاية سنة 1852، وكذلك في الحملات ضد البابور وبجاية وذراع الأربعاء وبرباشة. وأثناء الحملة الأخيرة كان قد اندس ليلا في كوكبة من خيالة جزائريين، كان هدفها خطف مبعوث بوبغلة الذي كان يبث الدعاية لإثارة
(1) انظر ادمون بورك (الأزمة الأولى للاستشراق) في (معرفة المغرب)، مرجع سابق، ص 223.
الأهالي، كقوله إن الجيش الفرنسي قد توجه إلى المشرق 1854 بهدف عزل السلطان العثماني (1). وفي ضوء خبرته بالشؤون الأهلية أبقاه القادة العسكريون لإقليم قسنطينة إلى جانبهم، ثم أصبح منذ الحكم المدني 1871 ملحقا بالحاكم العام الأميرال ديقيدون في العاصمة، وقد أبقاه الجنرال شانزي 1873 - 1878 أيضا في نفس المنصب.
وأثناء سنواته الطويلة في إقليم قسنطينة جمع فيرو وثائق كثيرة حول تاريخ الإقليم ومدنه وأهله وآثاره. ونشر عنه في مجلتي (روكاي) التي كانت تصدر بقسنطينة، و (هيبون) التي كانت تصدر بعناية. وبعد انتقاله إلى العاصمة ساهم في الجمعية التارخية التي كانت تصدر المجلة الافريقية، وقد تولى رئاستها بين 1876 - 1879. وخلال ذلك كلفته الحكومة الفرنسية بمسؤوليات دبلوماسية في طرابلس وتونس، كما كلفته بمرافقة السفير الفرنسي المبعوث سنة 1877 إلى سلطان المغرب. وكانت مهمته تتلخص في محاربة النفوذ الانكليزي والايطالي في طرابلس وتونس. وكان الانكليز والايطاليون يريدون الحلول محل الفرنسيين هناك. وأثناء وجوده في طرابلس كتب حوليات هامة. وكان فيرو في طرابلس عندما وقع احتلال فرنسا لتونس واحتلال الانكليز لمصر، وحدثت ثورة بوعمامة بالجزائر وثورة عرابي باشا في مصر، وثورة المهدي في السودان. وفي 1884 فير عينته حكومته وزيرا مفوضا في طنجة، وبعد سنة رافق سفارة مغربية إلى فرنسا، وهي السفارة التي رجعت إلى المغرب عبر الجزائر 1885. وقد توفي فيرو في طنجة في ديسمبر 1888 (2).
أما مؤلفات فيرو فهي كثيرة، وكلها تقريبا قائمة على الترجمة من
(1) كانت فرنسا عندئذ تشترك في حرب القرم ضد روسيا التي كانت في حرب مع الدولة العثمانية. وقد شاركت فرقة جزائرية تحت العلم الفرنسي في هذه الحرب لنصرة الدولة العثمانية، واستغلتها فرنسا لصالحها في الجزائر. انظر الحركة الوطنية ج 1.
(2)
بيزان L. Paysant (المجلة الإفريقية)، 1911، ص 5 - 15. عندما تولى ديقرامون سنة 1879 رئاسة الجمعية التاريخية بقي رئيسا فيرو شرفيا لها.
الوثائق الأهلية وتوظيفها لصالح الإدارة. وكان يستعمل الرواية الشفوية كثيرا، ويلجأ إلى أعيان وشيوخ العلم والحكم للأخذ عنهم أنساب الأعراش والقبائل وأسماء العائلات وسير الأبطال والغزوات، بما في ذلك الأساطير والخرافات. ومن منشوراته وصف مدن الشرق الجزائري مثل بجاية وجيجل وتبسة وعنابة. وذلك في شكل مونوغرافات (مؤلفات خاصة). ومنها مؤلفه عن قصر الحاج أحمد الذي تحدث عنه حديث الحاقد الموتور وليس حديث الباحث المحايد.
وربط فيرو علاقات مع أعيان الجزائر وعلمائها وشيوخها. ونحن نجد ذلك في الوثائق التي كانت بحوزته (1)، وفي الاشارات إلى اسمه في المراسلات. وفي رسالة من محمد الصالح العنتري إلى فيرو تذكيره (بالصداقة) القديمة وطلب التدخل لا يجاد وظيف لابنه (العنتري)(2). وفي رسالة أخرى كتبها أحد البجائيين أنه كتب عملا في تاريخ بجاية وقدمه إلى فيرو أيام كان مع الجنرال بوثوت (؟) في قسنطينة، وهكذا. ونحن نفهم أن فيرو كان يستغل طمع العلماء والشيوخ في الوظيفة وسوء أحوالهم المادية فيطلب منهم الكتابة عن العائلات والمدن والأنساب، ثم يترجم ذلك وينسبه لنفسه. ذلك أن البجائي مثل العنتري كان يطلب أيضا. تعيينه في وظيف قضائي نظرا لخدماته السابقة (3).
فأنت ترى أن فيرو وظف علمه وفكره وعلاقاته لخدمة الإدارة الاستعمارية، وقدم خدمات جليلة للاستشراق الفرنسي، رغم أنه لم يكن هو من المستشرقين من حيث التكوين. فميدان عمله كان الترجمة والدبلوماسية (4).
(1) نشر أوغست كور جدولا مفصلا عن وثائق فيرو فبلغت أعدادا هائلة، ومعظمها ذات قيمة كبيرة. انظر كور (المجلة الافريقية)، 1914.
(2)
أرشيف ايكس 16 Mi 31. وقد نشرنا الرسالة في كتابنا أبحاث وآراء، ج 3.
(3)
بلقاسم بن سديرة (كتاب الرسائل)، ص 125.
(4)
كان له ابن خدم أيضا في الجيش وأصبح عقيدا، وكان من قواد مركز تاوريرت. انظر=