الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يستطيع الخطيب السياسي أن يكون مؤثرا إلا إذا كان فصيح اللسان نافذ البيان.
وموضوعات الخطبة عند الزواوي تدور حول الأمراض الاجتماعية والجهل وفساد الأخلاق وفساد التربية والتعليم، والحاجة إلى الإصلاح، إضافة إلى موضوعات تقليدية كالمولد النبوي والهجرة ومواقف السلف. ثم الوعظ والإرشاد، وأحاديث عن الزكاة والصوم والحج والتعليم والمعاملات الأخرى. واعتذر في كتابه عن عدم ذكر كل الخطب التي كان يلقيها لاستحالة جمع نحو الخمسين خطبة كانت هي نفسها تتغير بحسب الحال والعوارض، واكتفى بذكر نماذج من خطبه في مواضيع شتى. وهي في شكل (مختصرات)، وقد كتبت في عبارات مسجعة نظيفة تتخللها أحاديث وآيات (1). واعترف الزواوي بأنه لم يجرب الخطابة من قبل إلا مرة واحدة عندما ارتجل خطبة الجمعة في الشام زمن حكم جمال باشا. ولكنه بدأ الخطابة بعد رجوعه إلى الجزائر وتعيينه إماما لجامع سيدي رمضان، كما ذكرنا (2).
…
الروايات والقصص والمسرحيات
الروايات والقصص الشعبية المحكية ظلت نشيطة في الجزائر خلال العهد المدروس. وأمام ضعف الثقافة المكتوبة لجأ الفكر الشعبي إلى التعبير الشفوي القائم على الحفظ والذاكرة والاستمداد من التراث أو من الخيال. وقد أوحى الواقع كثيرا من الرموز والأمثال. فالأبطال والأشراف والفرسان والمرابطون والزعماء كانوا نماذج لإنشاء الروايات الخرافية أو المعتمدة على
(1) صحح الكتاب الشيخ عبد الرحمن الجيلالي الذي كان خادما (للعلم الشريف بالجامع الأعظم بالجزائر). فهل كان الشيخ الجيلالي أحد ملازمي الزواوي وأتباعه، أو كان يعمل مصححا في المطبعة المذكورة بالإضافة إلى عمله في الجامع؟.
(2)
واضح من كلام الزواوي عن الأتراك وحكم جمال باشا في سورية أنه من المؤمنين بالحركة العربية التي دعت إلى استقلال العرب عن الترك. انظر حياته.
الواقع ولكن في أسلوب خيالي جامح. والثورات التي فشلت كانت تتحول إلى آمال أخرى في النصر، والقادة الذين استشهدوا أو نفوا كانوا يتحولون إلى مهديين منتظرين سيعودون ذات يوم بالنصر. وكان الإيمان بالمكتوب والمقدر يغذى الأمل ولا يترك المكان لليأس. وهكذا كان الرواة والقصاصون يروون في المجالس والمقاهي والأسفار والندوات الحكايات على لسان أبطالهم الواقعيين أو الخياليين. ويذهب بعض النقاد إلى أن الرواية الحديثة لم تظهر في الجزائر إلا خلال السبعينات من هذا القرن (1). وهو رأي قد ينازعه فيه نقاد آخرون في ضوء الإنتاج الذي سنذكره.
ومصادر القصص الشعبية هي في العادة الحياة الشعبية نفسها وكذلك ألف ليلة وليلة، وبالخصوص القصص الهلالية. وقد حاول بعض الفرنسيين أن يجمعوا الروايات والقصص الشفوية ويكتبوها فاستطاعوا أن يجمعوا بعضها في آخر القرن الماضي وأن يترجموها إلى الفرنسية، وقد ترجم بعضها إلى لغات أخرى أيضا (2). وهي تضم أغاني عاطفية وحكايات وقصصا عربية وبربرية. ولا يمكننا الآن ذكر كل ما ترجم من هذه الآثار الشفوية، فهي كثيرة، ولكننا نذكر بعض ما توصلنا إلى معرفته:
1 -
قصة الجازية وذياب، كما راجت في تاريخ أولاد رشاش، وهي تتناول قصة الجازية الهلالية وخليفة الزناتي وغانم بن ذياب. وقد أورد أحد الكتاب الفرنسيين إن القصة أصبحت جزءا من تاريخ أولاد رشاش. وجاء بنصوص منها. (3)
2 -
مائة حكاية وحكاية (؟) وهي أثر أدبي منسوب إلى الحاج الباهي
(1) عبد الحميد بن هدوقة (علاقة الأدب بالسينما في بلد ينمو
…
) في (مظاهر من الثقافة الجزائرية)، نشر المركز الثقافي الجزائري، باريس، 1986، ص 167.
(2)
الأدب المغاربي The Moorish Literature، ط. منقحة، نيويورك، 1901.
(3)
فيسيير في (المجلة الإفريقية)، 1892، سيما ص 312 - 324. عن تغريبة بني هلال وقصة الجازية انظر مراجع تحقيقنا لكتاب (تاريخ العدواني)، ط، بيروت، دار الغرب الإسلامي، 1996.
البوني (من عنابة). وقد قيل إن البوني كان حيا سنة 1837، والأثر مطبوع بدون اسم صاحبه. وكان الحاج الباهي نساخا سنة 1248، أي بعد الاحتلال بسنتين. ولكن قسنطينة عندئذ كانت ما تزال تحت حكم الحاج أحمد. فلعل الحاج الباهي انتقل من عنابة عشية احتلالها إلى قسنطينة، ذلك أن الحاج الباهي نسخ كتابين على الأقل في السلة المذكورة (1248) للشيخ محمد العربي بن عيسى، أخ علي بن عيسى قائد جيش الحاج أحمد. وكان العربي بن عيسى من علماء قسنطينة، وله مكتبة ضخمة، وكان متوليا نظارة الأوقاف. ومن المؤلفات التي نسخها له الحاج الباهي كفاية المحتاج لأحمد بابا ونتيجة الاجتهاد للغزال المغربي. وجاء في النسخ أن الحاج الباهي هو (خديم الطلبة) - يعني العلماء - بقسنطينة. وجاء في نهاية كفاية المحتاج أنه نسخة (لسيدي الجهبذ النقاد، العالم العلامة ذى السداد، مأوى الفقراء، مولانا أبي عبد الله السيد محمد العربي ناظر النظراء، ببلد قسنطينة ذات الهواء، فما أسعده من بلد احتوى على عالم الورا)(1) إلخ.
هذه هي كل المعلومات التي نعرفها الآن عن الحاج الباهي البوني مؤلف مائة حكاية وحكاية. فهو من المعاصرين للاحتلال ومن سكان قسنطينة. ولعله عاش إلى احتلال هذه المدينة أيضا سنة 1837. ولا ندري ما موضوع حكاياته الآن. هل فيها رموز سياسية ووصف لواقع رهيب؟ إن أحمد شريبط الأستاذ بجامعة عنابة قد أخبرني ذات مرة أنه قد عثر على النسخة الخطية لهذا الأثر الأدبي، وأنه راغب في تحقيقه، وقد طلب مني معلومات عن الحاج الباهي، فلم أستطع أن أفيده. وقتها. ولا ندري ماذا فعل السيد شريبط بعد ذلك، وما تزال تسمية النص المذكور غير معروفة أيضا.
3 -
نزهة المشتاق وقصة العشاق في مدينة ترياق في العراق، ط. الجزائر 1848. وهذه الرواية ألفها أحد المترجمين الأجانب واسمه إبراهيم
(1) المكتبة الوطنية، الجزائر، مخطوط مجموع رقم 1738.
دنينوس الذي ولد بالجزائر سنة 1797 وعاش فيها. وانضم دنينوس للحملة وتجنس بالجنسية الفرنسية وأصبح من فرقة المترجمين. وكان قد عمل قبل ذلك في المحكمة التجارية بباريس. واستفاد الفرنسيون من خبرته في الترجمة ومعرفة البحر أثناء الحملة. ورافق دنينوس بعثة المولود بن عراش إلى فرنسا سنة 1838، وظل حيا إلى 1872 (1). روايته المذكورة اعتبرها بعضهم رائدة في باب المسرحيات العربية، ولم تؤلف قبلها سوى (البخيل) لمارون النقاش وربما تكون (نزهة المشتاق) سابقة للبخيل. وقد استعمل دنينوس الأساطير الشعبية، وروايته مكتوبة بأسلوب الموشحات، ولغتها تقف بين الفصحى والدارجة. وهي قسمان، وبينهما فصول صغيرة، وفيها اثنان وعشرون دور، منها ثمانية أدوار للنساء، رغم أن الذي كان يؤدي هذه الأدوار هم الرجال.
وأحداث الرواية كانت تجري في إحدى المدن العراقية وعصرها غير محدد. وبطلتها نعمة، كانت متزوجة من ابن عمها نعمان الذي كان كثير الترحال فكان يقصد الهند ويطيل السفر. وأثناء غيابه حاولت أمها إقناعها بالزواج من ابن خالتها، ولكن نعمة فضلت الوفاء لابن عمها إلى أن رجع وسامحته على غيابه. وفي المسرحية حبكة أخرى وهي وفاء آمنة أيضا لزوجها. ورغم حديث المسرحية عن المدن والأوطان فإنها لا تتعرض للجزائر. ويذهب الأستاذ فيليب سادجروف، أستاذ الدراسات العربية في جامعة أدنبرة (اسكوتلاندا) إن للمسرحية بعدا وطنيا وعربيا. وأنها تتعرض للمجتمع الجزائري بطريقة غير مباشرة. أما عرضها فليس مؤكدا، وربما لم تعرض على المسرح أصلا (2).
(1) انظر عن حياته فصل الترجمة، وكان أحمد بوضربة (الذي قد يكون هو الترجمان لابن عراش) واليهودي ابن دوران ضمن الوفد.
(2)
انظر جريدة (الشرق الأوسط) عدد 4135، 25 مارس، 1990. وقد عثر على نسخة من المسرحية في مكتبة مدرسة اللغات الشرقية بلندن. أما جزائرية هذا الأثر الأدبي فلا شك أنها غير مسلم بها بعد.
4 -
وفي هذه الأثناء نفسها كتب أحد الجزائريين رواية شعبية ذات أبطال وأحداث وطنية وشخصيات تاريخية، وهي رواية حكاية العشاق في الحب والاشتياق. ومؤلفها هو الأمير مصطفى بن إبراهيم بن مصطفى باشا. وتاريخ تأليفها هو سنة 1849. وكان جد المؤلف (مصطفى باشا) هو أحد دايات الجزائر أول القرن 19، وهو الذي بقي اسمه يطلق على ضاحية العاصمة والمستشفى المعروف بها. وكان أبو المؤلف (إبراهيم بن مصطفى) ممن تولى الدفاع عن أهل العاصمة بعد الاحتلال وألف مع حمدان خوجة وغيره لجنة وطنية لتقديم العرائض والشكاوى والاتصال بالصحافة والشخصيات الفرنسية للعمل على جلاء القوات الفرنسية واستقلال الجزائر. وانتهى به الأمر إلى السجن في عنابة والوفاة فيه. وكانت للعائلة أملاك وثروات وسمعة فضاعت كلها ونددت مع الاحتلال. فاستولى الفرنسيون على قصرهم، وحولوا بعض أملاكهم إلى مكان للمكتبة العمومية والمتحف. وكان المؤلف معروفا باسم الأمير مصطفى، وكان متميزا بمظهره التركي الكرغلي. وقد آلت بعض أملاكه سنة 1859 إلى عائلة (فيالار) الفرنسية، وفي 1863 انتقلت إلى غيره. وهكذا كانت عائلة الأمير مصطفى قد رهنت أملاكها عند الأروبيين، وعندما عجزت عن الدفع لفقرها انتزعت منها الأملاك عن طريق المحاكم (1).
كانت بطلة الرواية هي زهرة الأنس والبطل هو ابن الملك، الذي يغلب على الظن أنه هو الأمير مصطفى نفسه أو والده (2). واشتملت الرواية على عدة شخصيات أخرى ذكرناها في مكانها.
ولغة الرواية أقرب إلى الفصحى منها إلى الدارجة. وفيها النثر وهو الغالب وكذلك الشعر. وهي تستمد روحها من الأساطير الشعبية ومن ألف
(1) قافولي P. Gavaulet (تعليق حول مكتبة ومتحف الجزائر) في (المجلة الإفريقية)، 1894، ص 248.
(2)
حققنا هذه الرواية، وطبعت مرتين، آخرها سنة 1982.
ليلة وليلة. وفيها نصوص ورموز سياسية، ليس فقط عن الجزائر ولكن عن العائلة أيضا. وفيها أوصاف للحياة الاجتماعية قلما توجد في غيرها. وإلى جانب الشعر تقوم الرواية على الإنشاد والموسيقى واللهو والإدمان على الخمر ونحو ذلك من علامات اليأس والتدهور بعد الاحتلال. وتعتبر (حكاية العشاق) من المسرحيات العربية المبكرة حسب بعض النقاد (1).
5 -
حكاية في ذم الحسد، من وضع الشيخ القاضي عيسى، بوادي سوف. وقد ترجمها لارجو، ومصطفى بن الحاج موسى، كما جاء فى بعض المصادر. ولا نعرف حبكة القصة الآن ولا حجمها (2).
6 -
بين حمارين جزائري وإفرنجي (فرنسي). فقد جاء في أحد المصادر أن هناك حكاية بعنوان (ما حكاه حمار جزائري)، وهو حوار بين هذا الحمار والحمار الإفرنجي. كذلك لا نعرف الآن موضوع الحوار ولا المؤلف، إن كان (3). ولعلها في التفاضل بين الأهالي والفرنسيين ولكن على لسان الحيوان.
7 -
قصة المعراج لمحمد بن عبد الله المشرفي. وموضوعها كما هو واضح، ديني، أولها هذه قصيدة (كذا)، وهي قصة المعراج المعروفة في كتب السيرة النبوية. وبدايتها (الحمد لله السميع البصير الذي يبصر دبيب النمل على كيان الرمل تحت أفلاك الليل
…
وبعد، فقد حدثنا علي ابن الحسن، قال أخبرنا أبو علي بن عيسى إلخ
…
قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: فبينما أنا ذات ليلة نائم بين الصفا والمروة في ليلة مظلمة ذات رعد وبرق، لا يصيح فيها ديك ولا ينبح فيها كلب
…
) إلى آخر القصة. وقد انتهى منها صاحبها، إذ جاء في آخرها: كمل الحديث المبارك بحمد الله وحسن عونه
…
على يد
(1) تناولها عدد من الأدباء بالنقد والتعريف منهم عبد الله ركيبي، وعمر بن قينة، وحسن فتح الباب، انظر أعمالهم.
(2)
المبشر، 6 يناير، 1877.
(3)
نفس المصدر (؟) مايو، 1877.
عبد ربه محمد بن عبد الله بن أحمد بن أحمد بن دح المشرفي نسبا الغريسي وطنا. (1). والمعروف أن عائلة المشرفي (المشارف) من مدينة معسكر وما جاورها من سهل غريس. وقد هاجر عدد منها إلى المغرب بعد الاحتلال وفشل المقاومة. ومنهم محمد العربي المشرفي (أبو حامد).
8 -
قصة شعبية كتبها باللهجة التلمسانية عبد العزيز الزناقي ونشرت سنة 1904. ومحتوى القصة مخترع للمتعة والتشويق الأدبي. أما شكلها وإطارها فهو محلي ومن وحي الواقع بتلمسان. وهي تتناول الحياة الاجتماعية بتفاصيلها. وكان الزناقي من خريجي مدرسة تلمسان الفرنسية الرسمية، وأصبح معيدا في مدرسة اللغات الشرقية في فرنسا. ولا ندري هل كتب القصة من تلقاء نفسه أو بطلب من شيوخه المستشرقين الفرنسيين أثناء موجة اهتمامهم بالأدب الشعبي، نثرا وشعرا، وباللهجات إلخ. وقد ترجمها وعلق عليها وقدم لها السيد قودفروا - ديموبيان (2) G. Demonbeyne .
9 -
لعبة البوقالة (3)، دراسة موثقة مع النص العربي والفرنسي. وفي الدراسة أشعار شعبية ورقيقة محتوية على حكم وأمثال، مع نكهة من التقاليد القديمة للجزائر. فلعبة البوقالة تركية الأصل، وهي ذات صلة بالبلدان الواقعة على البحر مثل العاصمة ودلس وبجاية أو القريبة من البحر مثل المدية والبليدة والقليعة. وتتمثل اللعبة في حل الكتاب، قراءة الكتاب. فتح الكتاب، أي الكشف عن أسرار الحظ والتكهن. والبوقالة أصيصں فخاري صغير، واللعبة تقوم بها امرأة عجوز أو متقدمة في السن وسط حلقة من النساء، وهي تنادي على الشيخ عبد القادر الجيلاني الذي اسمه هنا (أبوعلام).
(1) المكتبة الوطنية - تونس، مجموع رقم 825، أوراق 143 - 168. وهي دون تاريخ ولا اسم لناسخ، فلعلها بخط المؤلف.
(2)
المجلة الآسيوية، 1904، النص العربي ص 46 - 63، والفرنسي 63 - 106 مع التعاليق.
(3)
سعد الدين بن شنب (طريقة جلب الحظ في لعبة البوقالة)(مجلة معهد الدراسات الشرقية)، المجلة 14، 1956، ص 19 - 111.
10 -
المجالس الأدبية، وهي قصص من وضع فلاحين هما الشيخ محمد بن إبراهيم خوجة ورابح بن قويدر. من نواحي البليدة. وقد حصل على النصين يوسف (جوزيف) ديبارمي، المستشرق الفرنسي سنة 1908. وأعطى النصين إلى أحد المتعلمين الجزائريين، وهو من أهل الحضر، ولكنه لم يذكر اسمه وإنما قال إنه غير متعصب (؟). وقام هذا الرجل الحضري بصياغة النصين. وكانوا جميعا لا يعرفون الفرنسية، ولذلك اعتبر ديبارمي رأي الحضري رأي ثالثا في الموضوع. والنصوص في شكل (مجالس) مختلفة أو لقاءات أو ندوات يحكي فيها البطل جزءا من قصة ولا ينتهي منها، ثم يلتقي في المجلس الموالي بالمستمعين فيروي لهم جزءا آخر منها، وهكذا.
ومحتوى المجالس، حسب رواية ديبارمي، يدور على المحاور التالية: المسلم (الجزائري) لا يخرج من داره إلا ذليلا ومحجبا كالمرأة لأن الشارع فيه حضارة أخرى، وهي حضارة الرومي (الفرنسي). المسلمون أهينوا على يد الكفار، أما الترك فهم، رغم استبدادهم، أخف وطأة من الفرنسيين. والقضاة الذين يعينهم الفرنسيون لا يخدمون إلا أنفسهم ولا ثقة فيهم، وكذلك الولاة (القياد) والعلماء، لأن المسلم الحقيقي لا يقبل أن يعمل عند الكفار (الفرنسيين). إن هؤلاء كانوا يغرقون البلاد ببضائعهم، وأن السكر والملابس التي يقدمها الفرنسيون للمرابطين تعتبر نجاسة. وأن الكفار يتسربون إلى صفوف المسلمين ويصلون معهم، ويذهبون معهم حتى إلى الحج لاكتشاف أسرارهم. والكفار يظهرون في البداية لينين ولكنهم قساة في النهاية، فهم يمنعون المسلمين من تعلم الدين الإسلامي والقرآن في المدارس بينما يعلمون اللغة الفرنسية لأبناء المسلمين، ليجعلوهم خارجين عن دينهم، ثم بعد المدرسة تأتي الثكنة والخدمة العسكرية. لكن سيأتي يوم يتحطم فيه النير الفرنسي (النصراني)، حسب رواية ديبارمي عن هذه القصص أو المجالس.
وذكر ديبارمي أن هناك حوالى ثمانين مجلسا (86)، لكل مجلس قصة
يدور حولها. وقد حضر في آخرها رجال التصوف البارزون في الجزائر - أغواث وأقطاب وأوتاد، أو نوابهم. وكان من بينهم غوث من مرسيليا اسمه سيدي المرسلي الذي تحدث عن خيرات فرنسا، كما حضر رئيس الديوان الصوفي. وقد اتفق هؤلاء الأولياء على تفويض الأمر إلى الله. وتلك هي نهاية الحبكة. ومن الواضح أن الموضوع الرئيسي هو الوضع في الجزائر في آخر القرن الماضي حين سيطرت الإدارة الاستعمارية ولجأ العامة إلى طلب الخلاص من رجال الطرق الصوفية (1). وهذا الإغراق في القدرية والاستسلام كان يتماشى مع سياسة فرنسا أيضا لأنها كانت تشجع عليه بدعوى أن حكمها في الجزائر إنما هو بإرادة الله وقضائه وقدره.
11 -
الفتى، وهي قصة كتبها الشاعر الأديب رمضان حمود ونشرها في تونس. وهي تعكس أيضا جوانب من حياة مؤلفها الشاب الطموح. فهي تمثل شابا كان يعمل على إسعاد شعبه في ظروف سيطر فيها الأجنبي على بلاده. وقد أهدى رمضان حمود قصته إلى والديه بعبارات حانية. ومع ذلك قال إنه لا يقصد من القصة شخصا بعينه ولا وطنا محددا .. بدأ الحديث عن قصة محمد، ذلك الطفل الذي نشأ في إحدى قرى ميزاب، وتابع المؤلف الطفل في نموه في البيئة الصحراوية. ثم سافر الطفل إلى إحدى مدن الجزائر الشمالية، وهناك دخل المدرسة. وتدخل المؤلف ليعظ ويرشد وليذكر بعض الشعر، وليشيد بالتربية وأثرها. وبعد أن عاد الطفل إلى وطنه، سافر من جديد ودخل مدرسة فرنسية، وهكذا يظل يتردد بين مسقط رأسه والمدرسة. وانتهى به الأمر إلى الزواج ودخول ميدان الإصلاح الاجتماعي. وجاء في ذلك بحديث مسهب عن العلوم والدين والفلاحة والكفاح والتجارة. وتلك هي المرحلة الأولى من حياة (الفتى). وقد وعد رمضان حمود بالجزء الثاني
(1) عن ذلك انظر فصل الطرق الصوفية وكذلك الحركة الوطية ج 1. وعن المجالس القصصية الشعبية انظر ديبارمي (أعمال فرنسا كما يراها الأهالي) في (المجلة الجغرافية للجزائر وشمال إفريقية) SGAAN، القسم الأول، ص 167 - 188، القسم الثاني 417 - 436.
من هذه القصة الشيقة، ولكنه توفي قبل أن يفي بوعده (1).
…
ونود الآن أن نتحدث عن المسرحيات وليس عن المسرح (2). كان الجزائريون قبل الاحتلال يمثلون عن طريق خيال الظل المعروف بالكركوز. كما كانوا يعرفون التمثيل بهذه الوسيلة التي كانت شائعة في المشرق العربي أيضا. وكان مسرح خيال الظل مزدهرا سنة 1830، وظل بضع سنوات بعد ذلك، وقد وصفه الكتاب الأروبيون الذين سجلوا الحياة العامة في رحلاتهم وكتاباتهم الانطباعية عن المجتمع الجزائري، وحضروا بعض الحفلات. ومن الشخصيات البارزة في مسرح خيال الظل شخصية الحاج عيواز. ولكن مع الاحتلال يبدو أن هذا المسرح قد اتخذ أساليب جديدة.
ويبدو أن السلطات الفرنسية لم ترق لها هذه الأساليب الجديدة، فمنعته تماما في بداية الأربعينات. ففي سنة 1843 كتبت (مجلة الشرق) أن مسرح خيال الظل قد أوقفته السلطات (لفظاعته) وأنها جعلت (عقوبات صارمة) ضد من يمارسه. فهل كانت هذه السلطات أكثر حرصا على الأخلاق العامة من السلطات العثمانية السابقة؟ لا نظن ذلك. وإنما الأكيد أن الممثلين قد تسيسوا وأصبح الحاج عيواز رمزا للحكم السابق الذي يريد الفرنسيون محوه من ذاكرة الناس. وكان الحاج عيواز وغيره من الممثلين يستعملون الرموز ضد الوجود الفرنسي، فحكم بوجو على المسرح كله بالإعدام. وقد قيل إن هذا المسرح كان محبوبا، وكان يحضره الشباب الجزائري وحتى الأروبي، وكان ينشط بالخصوص في ليالي رمضان (3).
ولا نعتقد أن التمثيل قد انقطع بعد إلغاء مسرح الكركوز. فقد بقيت
(1) عن رمضان حمود انظر فصل الشعر، ومحمد ناصر (رمضان حمود: حياته وآثاره)، الجزائر، 1985، ط. 2. ص 310 - 348.
(2)
عن تطور المسرح انظر فصل الفنون وأيضا فصل المنشآت الثقافية. وعن التمثيل في العهد العثماني انظر الجزء الثاني.
(3)
مجلة الشرق (بالفرنسية)، 1843، ص 247 - 248.
أشكاله ماثلة في الحفلات الصوفية، وفي مجالس اللهو والطرب، ولعله قد ظهر من جديد بعد مرحلة المقاومة العنيدة، أي منذ الخمسينات. وكانت حفلات الزنوج في العاصمة، والحفلات الشعبية في غيرها تلجأ إلى التمثيل وتستحضر الشخصيات العربية والإسلامية القديمة، مستمدة من ألف ليلة وليلة الإطار وبعض الأدوار. فكان جحا ومجنون ليلى وعنتر العبسي وغيرهم. ومع ذلك لم نقرأ عن تمثيليات جزائرية مكتوبة قبل الحرب العالمية الأولى، رغم وجود بعض الروايات التي تصلح للتمثيل مثل (نزهة المشتاق) و (حكاية العشاق)، إلخ.
أما منذ 1921 فقد ألف بعض الجزائريين مسرحيات معظمها، كما قال سعد الدين بن شنب، كانت باللغة العربية الفصحى. من ذلك مسرحيات علي الشريف الطاهر. ورغم أن اسم علي الشريف مشهور في العاصمة، فإن اسم علي الشريف الطاهر غير معروف في مجال الأدب. ومع ذلك نسب إليه الباحثون المسرحيات التالية:
1 -
الشفا بعد العنا، وهي بالعربية الفصحى، وكانت تشتمل على بعض الأغاني. وموضوعها يدور حول الخمر. وقد مثلها قدماء تلاميذ الثانوي (الليسيه) الفرنسية بالجزائر. وكانت الفرقة تسمى (المهذبة) وتأسست سنة 1921، وهي التي مثلت أيضا المسرحيتين التاليتين:
2 -
خديعة الغرام، وهي مسرحية من نوع التراجيديا، اشتملت على أربعة فصول، وقد مثلت على مسرح الأوبرا بالعاصمة سنة 1923. ويحتمل أن تكون تطويرا لموضوع المسرحية الأولى. ولا ندري إن كان ممثلوها هم أنفسهم الذين مثلوا الأولى ..
3 -
بديع، وهي مسرحية أيضا تتحدث عن الخمر وعواقبها. وقد مثلت على أحد مسارح العاصمة - المسرح الجديد - سنة 1924.
والمفهوم أن الموضوع الرئيسي الذي دارت حوله هذه المسرحيات الثلاث هو الخمر والحب، وذلك من الموضوعات الاجتماعية الهامة عندئذ،
لأن هناك سياسة مقصودة، لإغراق الشباب في النسيان عن طريق الخمر والإجرام والإفساد الاجتماعي. فكان دور المسرح هو التنبيه على ذلك محافظة على الأسرة والأخلاق والعلاقات الاجتماعية السليمة. وسيكون موضوع الخمر أيضا هو الموضوع المفضل - بعد الدعوة إلى العلم والنهضة - في عقد الثلاثينات.
4 -
في سبيل الوطن، وهي مسرحية مثلت في 29 ديسمبر 1922 بالعاصمة على المرسح الجديد الذي كان سابقا يدعى (الكورسال). وهي مسرحية في فصلين، وليس لها مؤلف معين. وقد مثلتها فرقة كانت بصدد التكوين، ولعلها كانت تتألف من الشباب المتأثر بحركة الأمير خالد وأفكار النهضة العربية، لأن الموضوع الذي تناولته موضوع حساس وسياسي، ولذلك منعت السلطات الفرنسية تمثيل المسرحية من جديد. والإقدام على تمثيلها من جديد يدل على إقبال الناس عليها، وقد تناولتها بعض الصحف اليومية. ولم يكن من العادة تمثيل المسرحية أكثر من مرة لقلة الجمهور الراغب في التمثيل، ولكن موضوع هذه المسرحية (في سبيل الوطن) جعل الممثلين يحاولون إعادة تمثيلها، فمنعتها السلطات الفرنسية. ولم يذكر ابن شنب لغة مسرحية في سبيل الوطن. والظاهر أنها كانت أيضا بالفصحى لأنه ذكر في مكان آخر أن معظم التمثيليات بين 1921 - 1924 كانت بالفصحى.
5 -
المصلح، قامت فرقة أخرى بتمثيل مسرحية المصلح سنة 1923. وكانت هذه المسرحية من تأليف أحمد فارس، وباللغة الفصحى. وقد خصص دخلها لفائدة جمعية الطلبة المسلمين في المغرب العربي. ويبدو من العنوان أن المسرحية كانت أيضا من وحي الواقع. وقد لاحظ ابن شنب أنه كان للمرأة دور واحد في هذه المسرحيات، فمثله أحد الرجال لفقدان المرأة الممثلة عندئذ (1).
(1) سعد الدين بن شنب (المسرح الجزائري) في (المجلة الإفريقية)، 1935، ص 75. وقد ذكر هذا المصدر أن صحيفة (لينوفيل) المسائية عدد أول يناير 1923 قد تناولت مسرحية في سبيل الوطن. وأن (حولية) ودادية الطلبة المسلمين لشمال إفريقية قد =
كان الموضوع الاجتماعي هو السائد في المسرحيات، كما لاحظنا. ويرجع ذلك إلى أسباب منها قطع العلاقة بين المواطن وتاريخه وثقافته الأصلية. كما أن الموضوعات التاريخية تحتاج إلى ثقافة خاصة لدى المؤلفين للمسرحيات، وهو ما كان منعدما عندئذ. ولذلك كانت الموضوعات التاريخة رغم أهميتها مضببة عند المؤلفين وعند الممثلين معا. وكانت إلى حد ما معقدة وتحتاج إلى مراجع وفهم للأحداث. ولذلك كان المؤلفون يستمدون شخصياتهم التاريخية من التراث المحفوظ في الذاكرة وليس من الكتب، وكانوا يحولون الأشخاص التاريخيين إلى أشخاص تقبلهم الذهنية العامة في أسلوب ساخر. من ذلك شخصية عنتر بن شداد، فهو عند المؤلف الجزائري ليس عنتر التاريخي، ولكنه عنتر الحشايشي الذي لم يبق منه إلا اسمه الراسب في الذاكرة. كما حول المؤلفون أسماء هارون الرشيد إلى قارون الراشي ومنصور إلى مسرور وجعفر البرمكي إلى جعفر المرخي. كما أن المؤلفين لجأوا إلى استعمال الدارجة بدل الفصحى وبالخصوص دارجة العاصمة. وبذلك تحولت المسرحيات إلى مسرحيات شعبية في لغتها وموضوعاتها وأدائها. وظهر ممثلون - مؤلفون من أمثال رشيد القسنطيني وعلالو. وكانت أول مسرحية تحرز نجاحا هي مسرحية جحا.
6 -
جحا ألفها، حسب بعض نقاد المسرح - كل من علالو ودحمون سنة 1926، ومثلت بالدارجة على المسرح الجديد، في 12 أبريل 1926. وقد مثلت ثلاث مرات متوالية لنجاحها. وجاء ذلك بعد توقف التمثيل سنتين (1924 - 1926). وكانت السنة الأخيرة قد سجلت ميلاد نجم شمال إفريقية بفرنسا وهزيمة عبد الكريم الخطابي في المغرب الأقصى، وانطلاق حركة الإصلاح في الجزائر.
= تناولت مسرحية (المصلح) في عدد ديسمبر 1928، رقم 1، ص 23. ولسعد الدين بن شب مقالة أخرى بعنوان (التمثيل وكيف يكون مستقبله) في مجلة (التلميذ) السنة الأولى، رقم 7، 8، عدد مايو - يونيو، 1932.
7 -
اللونجا الأندلسية من تأليف رشيد القسنطيني، وهي أيضا بالدارجة، وكل مسرحياته الكثيرة كانت بالدارجة. وقد مثلت (اللونجا) على مسرح الأوبرا بالعاصمة في 28 فبراير، 1928. ورغم أن موضوعها تاريخي، فإن المؤلف قد تصرف في التاريخ واستمد من الذاكرة الشعبية وليس من بطون الكتب (1).
8 -
موت كليوبترا، وهي من تأليف الشاعر أحمد شوقي، وتتناول أحداثا تاريخية، ولغتها فصيحة طبعا، وقد مثلت بالعاصمة في 2 مايو، 1932. وقيل إنها لم تنجح عند الجمهور. ولعل عدم نجاحها يرجع إلى ابتعاد أحداثها عن الذاكرة والواقع معا، وليس إلى اللغة التي كتبت بها.
كان المسرح الجزائري قد تطور أيضا خلال الثلاثينات. وقد وقع تحت عدة تأثيرات منها التأثر بالمسرح الفرنسي العريق والذي ظهرت أنشطته منذ الاحتلال. فكان في كل مدينة مسرح وتمثيل وروايات. وفي العاصمة نفسها عدد من المسارح الفرنسية. كما أن زيارات الفرق العربية من تونس ومصر قد ساهمت في تنشيط المسرح بالجزائر تقليدا أو منافسة. ومن أوائل الفرق الزائرة المعروفة فرقة الجوق التونسي التي زارت الجزائر سنة 1913 ومثلت عدة مسرحيات (2). وغداة الحرب العالمية الأولى حلت بالجزائر الفرقة المصرية بقيادة جورج أبيض ومثلت بعض التمثيليات بالفصحى. وحوالي 1932 زارت الجزائر فرقة فاطمة رشدي المصرية وأحرزت نجاحا (3). وكان ذلك أثناء ازدهار مسرح رشيد القسنطيني الشعبي. وأوائل الخمسينات زارت الجزائر فرقة مصرية بقيادة يوسف وهبي، واحتفى بها الجزائريون شعبا وقادة (4). وكان نجاحها يرجع ربما إلى انتشار التعليم بالعربية وارتفاع الذوق
(1) ابن شنب (المسرح
…
) مرجع سابق، ص 78 - 79. وفي حديثنا عن المسرح سنتناول شخصية رشيد القسنطيني ومساهمته.
(2)
انظر فصل الفنون.
(3)
نفس المصدر وكذلك مجلة التلميذ، 1932.
(4)
كتبت عنها البصائر والمنار.
الأدبي لدى الجمهور على ما كان عليه أوائل العشريات.
وإذا كان المسرح الشعبي على يد رشيد وعلالو ومحيي الدين باش تارزي قد سار في اتجاهه الباحث عن الجمهور والموضوعات الاجتماعية الساخرة، فإن المسرح الأدبي - التعليمي (إذا صح أن نسميه كذلك) قد ظهر على يد نخبة من المعلمين في مدارس جمعية العلماء أوأنصار التيار الإصلاحي الذي كانت تسير عليه. فظهر مؤلفون للمسرحيات من المعلمين أنفسهم، منهم محمد العيد، ومحمد العابد الجلالي، ومحمد النجار. وكانت الموضوعات اجتماعية وتاريخية وحتى سياسة. وكان الممثلون أحيانا هم التلاميذ أنفهسم.
9 -
عاقبة القمار والجهل. رواية البعثة التعليمية، ألفها محمد العابد الجلالي، ومثلت في شهر رمضان. وقد مثلها تلاميذ مدرسة التربية والتعليم حيث كان الجلالي معلما، على مسرح كلية الشعب بقسنطينة، وقدمها المؤلف نفسه للجمهور ولخصها له. وحضرها، حسب جريدة البصائر، جمهور غفير. وتحتوي الرواية - المسرحية على ثلاثة فصول وتسعة مناظر. الفصل الأول منها يمثل الرجل الثري الذي أرسل بعثة علمية على نفقته للدراسة في المشرق، والفصل الثاني عن المقامرين ومصيرهم بعد أن ضبطتهم الشرطة ومروا بالمحكمة، والثالث عن الاحتفال بتكريم البعثة التي رجعت غانمة بعد نجاحها العلمي. وكان للرواية هدف اجتماعي وتعليمي وسياسي واضح. فقد حضرها ابن باديس، وخطب في نهاية التمثيل وألقى نشيده المعروف: اشهدي يا سماء (1).
10 -
عاقبة الجهل ألفها بعض المعلمين أيضا ولكنه غير معروف الاسم. وهي في خمسة فصول، وقد مثلها التلاميذ أيضا في قسنطينة (؟). ووجدنا في جريدة البصائر التي تحدثت عنها باختصار أن هؤلاء التلاميذ قد تلقوا التمثيل على يد الأستاذ يوسف وهبي في مدرسة شاطودان. وحكمت
(1) انظر البصائر. عدد 91، 17 ديسمبر 1937، وعدد 92، 24 ديسمبر 1937.
الجريدة على أن الرواية (ممتازة في بابها). ولا نعرف عنها الآن أكثر مما جاء في البصائر (1).
11 -
الدجالون. مسرحية ألفها محمد النجار. ومثلتها جمعية محبي الفن في مدية قسنطينة. وجرى التمثيل في عنابة بمناسبة عودة الحجاج، وموضوعها هو العلم والخرافة، وتوجيه الرأي العام إلى اليقظة والابتعاد عن الخرافات والإقبال على العلم. وهذا هو اتجاه الحركة الإصلاحية عندئذ. وإليك ما كتبته البصائر في تعليقها على الرواية:(أبدع (المؤلف) وأفاد حيث جعلها دليلا حقيقيا على حالة الجزائري
…
ومن جهة أخرى أظهر لنا براعة قلمه في هذه الرواية، وسبكها في قالب لم يسبق إليه، ولغتها مفهومة عند جميع الطبقات) (2). فهل كانت بالدارجة القريبة من الفصيحة؟ أما الجمعية التي مثلتها فكانت تضم مجموعة من الهواة وليس التلاميذ. وسيرد اسمها.
12 -
شبان اليوم، وهي مجهولة المؤلف. ولكن مثلتها جمعية الشباب الفني لمدينة قسنطينة في 10 أبريل 1938 على المسرح البلدي. وهي تقع في ثلاثة فصول. وتقول البصائر إن الرواية تتناسب مع ذوق وعقل الجمهور، أي أنها رواية تربوية. فهي (متدرجة مع عقله، محققة لفائدته) كما قالت. والرواية تعالج موضوعا اجتماعيا و (تتخللها جريمة تحدث في ظروف غريبة وسلسلة حوادث ووقائع تأسر حواس الجمهور وتستثير مشاعره). وتتخلل الرواية فواصل موسيقية أيضا (3). وفي تعليق آخر ذكرت أن مؤلفها رجل قسنطيني وأنه أراد منها تسلية المتفرج وتهذيبهه. وعن موضوعها قالت إنه التزوج على الطريقة العصرية، هذا الموضوع الذي يمثل مشكلة خطيرة (تكاد تهدم دعائم الأسرة الجزائرية). وقد أشادت بحوارها وأداء الممثلين
(1) نفس المصدر، عدد 96، 21 يناير، 1938، ومدينة شاطودان هي شلغوم العيد اليوم. ويفهم من ذلك أن يوسف وهي قد زار الجزائر قبل الخمسينات.
(2)
البصائر، عدد 62، 9 أبريل، 1937.
(3)
البصائر 107، 8 أبريل 1938.
لأدوارهم، وحسن إخراجها، وأنها رواية ترضى الخاصة والعامة (1).
13 -
عباقرة العرب، وهي من تأليف محمد العابد الجلالي. وقد مثلها سبعة من كبار التلاميذ. وموضوعها تاريخي وسياسي أيضا. فهو هداية العرب للشعوب الأخرى بالدعوة الإسلامية، بدون تمييز لأحد ولا تقديم قبيلة على أخرى. وقد مثلت على مسرح كلية الشعب بمدينة قسنطينة. وشمل الأداء البنات والبنين. وظهر طابعها السياسي في أنها تنتهي بمصافحة الجميع على الاتحاد وسط تصفيق الجمهور (2).
14 -
النهضة الجديدة، وهي بدون مؤلف، وفيها ثلاثة فصول واثنا عشر منظرا. وقد مثلتها كثافة الرجاء بباتنة. ويشمل الفصل الأول الرجل الغني الذي يبخل بماله، والفصل الثاني في الخمر، وسجن المدمنين ومحاكمتهم أمام الجمهور، والثالث يمثل المدرسة والاحتفال بالناجحين (3). وتذكرنا هذه الرواية بأخرى سبقت، وهي (عاقبة القمار)، التي ألفها محمد بن العابد الجلالي. وكلتاهما تعالج موضوعا اجتماعيا والدعوة إلى الإصلاح والعلم.
15 -
بلال بن رباح، ألفها الشاعر محمد العيد، وهي مسرحية تاريخية وشعرية فصيحة. وموضوعها الصبر على المكاره في سبيل الدين والمبدأ. واتخذ منها محمد العيد رمزا لصبر الشعب على الاستعمار في مقابل صبر بلال على التعذيب والاضطهاد. وتلك هي رسالة المسرحية. مثلت أول مرة في قسنطينة في 4 يناير 1939 على المسرح البلدي. وكان الشاعر وقتها في العاصمة. وقد مثلها تلاميذ جمعية التربية والتعليم بمشاركة الفرع الموسيقى لجمعية الشباب الفني. وقد قالت البصائر إن الناس قد ضاق بهم المسرح (4).
(1) البصائر 116، 2 يونيو 1938.
(2)
البصائر 116، 2 يونيو، 1938.
(3)
البصائر 9، ديسمبر 1938. كاتب التعليق هو محمد الحسن الورتلاني (فضلاء؟).
(4)
البصائر، 23 ديسمبر 1938، وكذلك 27 يناير، 1939.
وبعد ذلك جرى تمثيلها في عدة مناسبات وأمكنة.
16 -
المدرسة، وهي رواية هزلية، حسب جريدة البصائر. مثلتها جمعية الشباب الفني لقسنطينة. ولا نعرف لها مؤلفا. واعتمد الممثلون على التنكيت والضحك دون الجد مما جعل البعض ينتقدون طريقة الأداء ورسالة الرواية. كما أن الجمعية المذكورة مثلت رواية أخرى حول المولد النبوي. ونعرف من بعض التعاليق أن رواية (المدرسة) أحرزت نجاحا كبيرا. غير أننا لا نعرف من هو مؤلفها ولا أين مثلت (1).
17 -
سحار بالرغم منه، من تأليف وتمثيل محيي الدين باش تارزي. وقد مثلها بمناسبة انعقاد المؤتمر الكشفي في يوليو 1939 (؟)(2).
…
ومنذ هذا التاريخ اندلعت الحرب العالمية وتوقفت البصائر والشهاب ومعظم الجرائد. وتوقفت أيضا حركة التمثيل المسرحي وتأليف الروايات. وكانت موضوعات الروايات المذكورة تعالج قضايا الدين والمجتمع والتاريخ والسياسة، كما سبق القول. وقد تعمدنا ذكر نماذج من المسرحيات التي أنشأها المعلمون ومثلها التلاميذ في أغلب الأحيان لنبرهن على أن المسرح لم يكن حكرا على هواته في العاصمة فقط، ولا على اللغة الدارجة فقط ولا على الموضوعات الساخرة التي تشوه التاريخ أحيانا ولا تربي الذوق ولا تدعو إلى الرقي الأدب والفني. فقد رأينا أن معظم لغة الروايات التعليمية كانت فصيحة، وأن الجمهور كان حاضرا بكثافة ومنسجما مع تيار المسرحيات. كما أن المسرح قد خرج من العاصمة إلى الأقاليم، ولا سيما قسنطينة حيث النهضة التعليمية والأدبية وحيث يلتقي الجمهور مع المؤلف. ومن جهة أخرى لجأنا إلى ذكر هذه النماذج لأن الذين درسوا المسرح
(1) البصائر 14 يوليو، 1939.
(2)
البصائر 11 غشت، 1939.
والمسرحيات لم يتحدثوا عن المسرح المدرسي واقتصروا في حديثهم عن المسرح على تجارب علالو ورشيد وباش تارزي، ومعظمها كانت تجارب في العاصمة التي كانت تغلب عليها اللغة الفرنسية والمزيج اللغوي والذوق الأجنبي.
وبعد الحرب العالمية الثانية ألف الأدباء الجزائريون روايات ومسرحيات، ولكنها كانت محدودة، بالنظر إلى تقدم حركة التعليم ومسيرة النهضة الوطنية. ومن ذلك:
18 -
أدباء المظهر، من تأليف أحمد رضا حوحو، سنة 1948. وهي مسرحية في فصلين (1). وموضوعها هو النقد الاجتماعي.
19 -
حنبعل، تأليف أحمد توفيق المدني. وهي مسرحية ذات فصول. وموضوعها سياسي تاريخي، إذ ربط فيها الكاتب بين مقاومة حنبعل للاستعمار الروماني ومقاومة الشعب للاستعمار الفرنسي. ووجهها المؤلف إلى الشباب الناهض. وقد مثلت عدة مرات (2).
20 -
امرأة الأب، تأليف أحمد بن ذياب. وهي رواية اجتماعية للقراءة الأدبية. ولا ندري إن كانت قد صيغت للتمثيل أيضا (3).
21 -
غادة أم القرى، تأليف أحمد رضا حوحو، وهي قصة/ رواية، عن المرأة العربية في الحجاز، ورمز بها المؤلف إلى المرأة الجزائرية أيضا. ولا نعلم أنها قد مثلت على المسرح.
22 -
كاهنة الأوراس، من تأليف الشيخ محمد البشير الإبراهيمي. وقال عنها إنه كتبها (بأسلوب مبتكر يجمع بين الحقيقة والخيال).
(1) نشرها في مجلة (إفريقية الشمالية)، مايو، سنة 1948.
(2)
أحمد توفيق المدني (حنبعل)، الجزائر 1950. انظر عنها أيضا كتابنا (دراسات في الأدب الجزائري الحديث) ط. 3، 1984.
(3)
أحمد بن ذياب (امرأة الأب)، الجزائر، 1953، وكذلك كتابنا (دراسات
…
).
23 -
خواطر مجموعة لعبد المجيد الشافعي، وقد نشرها سنة 1952. ولنفس المؤلف محاولات أخرى. ولكن بعض النقاد، مثل ابن هدوقة لا يعتبر هذه الأعمال قد اكتملت لها عناصر الرواية.
…
بالنسبة للقصة القصيرة، لقد تناولها عدد من النقاد في بحوث جامعية وغيرها. أرخوا لأوائلها، وأظهروا أنها ابتدأت في شكل حكاية قصيرة أو في شكل لوحة أدبية، أو مقالة صحفية، ثم ظهرت القصة الفنية بعد أن استكملت عناصرها على يد بعض الأدباء. ومن الذين تناولوا هذا الموضوع باستيعاب عبد الله ركيبي، وعمر بن قينة، وذهب عبد الحميد بن هدوقة (وهو قصاص وكاتب رواية) إلى أن القصة القصيرة الحقيقية لم تولد إلا خلال الثورة (1).
ورغم محاولات سابقة، فإن الكلمة تكاد تتفق على أن أحمد رضا حوحو كان أول من كتب القصة القصيرة. وكان حوحو قد هاجر إلى الحجاز وساهم في مجلة (المنهل) بمقالاته وقصصه وترجماته عن الفرنسية. وفي الكتاب الذي ألفه صالح الخرفي عن حوحو في الحجاز أضواء جديدة على حياته الأدبية هناك. ومن قصصه المبكرة ما نشرته له (المنهل) في العدد الممتاز في خاتمة سنتها الأولى. فقد نشر حوحو فيها قصة بعنوان (نبيل) وهي القصة التي أشارت إليها في حينها البصائر أيضا (2).
ومنذ رجع حوحو إلى الجزائر أخذ ينشر القصص في البصائر وغيرها، ثم جمع ما نشره في كتاب (مع حمار حكيم) و (صاحبة الوحي وقصص أخرى)، و (نماذج بشرية). وقد نشر الكتاب الأخير بعد وفاته. ونشر حوحو أيضا في مجلة (إفريقية الشمالية) التي كان يصدرها إسماعيل العربي، مثل قصة جريمة حماة، وكذلك نشر في مجلة (هنا الجزائر) حسب الظن.
(1) ابن هدوقة (علاقة الأدب بالسينما
…
)، مرجع سابق، ص 168.
(2)
البصائر، 97، 28 يناير 1938.