الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يقول أحمد الأكحل في وزير المعارف المغربي (الحجوي):
ألا أيها المولى السعيد الممجد
…
ومن هو في المعارف مفرد
هو المرتضى (الحجوي) من آل هاشم
…
بل العالم الشهم الفقيه الموحد
حللتم حلول البدر ليلة تمه
…
بمزغنة الحسناء والسعد يرصد (1)
أما الرابحي الذي كان كاتبا عاما لجامعة اتحاد الزوايا، فقد رحب بالحجوي على النحو التالي:
أهلا وسهلا ومرحبا
…
بالصدر فخر الرجال
السعد أمسى قريرا
…
مستعليا كالهلال
من مغرب قد تسامى
…
إذ نال أسنى الخصال
من حاز علما ونبلا
…
في عز وجاه وآل
ذاك الوزير المفدى بكل نفس ومال (2)
وواضح أن في هذا الشعر تكلفا كثيرا وضعفا كبيرا. ولكن الشعر الجزائري الجيد شارك في مدح رجال المغرب الذين سعوا لاستقلاله. وقد خص محمد العيد وغيره سلطان المغرب، محمد بن يوسف، بشعر جيد عند رجوعه منتصرا من المنفى ونجاحه في المفاوضات مع السلطات الفرنسية سنة 1955، ذلك شعر عبقري لا تكلف فيه، ولكن تناوله هنا يخرجنا عن موضوعنا (3).
شعر الرثاء
تشمل فقرة المراثي ما قاله الشعراء في الأفراد وحتى المدن، مثل رثاء
(1) الهاشمي بن بكار (مجموع النسب)، ص 212. ومزغنة اسم مدينة الجزائر القديمة.
(2)
نفس المصدر، ص 211 - 212.
(3)
انظر ديوان محمد العيد، ط. الجزائر، وكذلك دراستنا (صورة محمد الخامس في الصحف الوطنية الجزائرية)، في (أبحاث وآراء)، ج 4.
الجزائر لابن الشاهد، كما تشمل مراثي الجزائريين وغيرهم. وبالمقارنة سنرى أن حجم المراثي ضئيل بالنسبة إلى بعض الأغراض الأخرى. وهذا الشعر، كغيره، فيه الصادق الجيد وفيه المتكلف الضعيف، والرثاء يمكن أن يكون بابا من أبواب المدح كما أشرنا، ولكن للأموات.
وقد قيل رثاء كثير في الأمير عبد القادر عند وفاته سنة 1883. ولكن أغلب من رثاه كانوا من المشارقة. أما الجزائريون فقد رثاه منهم بعض المهاجرين، مثل محمد المبارك والطاهر السمعوني. فقال الأول من قصيدة بعثها إلى محمد بن الأمير، كبير العائلة:
الصبر أجدر في الخطوب وأليق
…
والحزم أوفق بالنفوس وأرفق
وبعث مع القصيدة رسالة تضمنت أبياتا عديدة على عادتهم في ذلك. وتعتبر من الرسائل الأدبية الرائقة (1).
أما الطاهر السمعوني فقد أرسل من بيروت قصيدة ورسالة أيضا إلى محمد بن الأمير والعائلة، وعبر عن حرقته لوفاة الأمير ومكانته في الجزائر والمشرق:
خطب جسيم عم بالأكدار
…
ما بعده لسواه من مقدار (2)
أما الجزائريون المقيمون في بلادهم فلا نعرف أنهم رثوا الأمير غير ابن عمه الطيب بن المختار، ولعل ذلك راجع إلى خوفهم من سوء معاملة فرنسا لهم أو عدم وجود وسائل النشر. أما الطيب بن المختار فقد بعث بقصيدته إلى محمد بن الأمير، وهي:
هذا هو الرزء لا الرزء الذي غبرا
…
فليتني كنت قبل اليوم تحت ثرا
ولعل هناك من رثى الأمير أيضا دون أن تصل إلينا آثارهم.
وكان الأمير عبد القادر نفسه قد رثى والدته. وكانت قد رافقته في كل
(1) تحفة الزائر، 2/ 269.
(2)
نفس المصدر، 2/ 272.
تنقلاته. وعاونته أثناء جهاده. وكان يكن لها حبا جما. وقد أدركها الموت في دمشق عن ثمانين سنة. وحضر الأمير دفنها وعبر عن حزنه بعد ذلك في قصيدة، مطلعها:
جاورت يا لحدها في الشام يحياها
…
وأنت يا روحها بشراك في طه
ولا أقول اختفى في الرمس هيكلها
…
لكن أقول سماء الشمس موطاها
وقبل ذلك كان الشيخ مصطفى الكبابطي قد رثى شيخه علي المانجلاتي بابيات قليلة وضعيفة. ولكنها تعبر عن لوعته وشدة مصابه. وكان ذلك في السنوات الأولى للاحتلال (حوالي 1835). قال الكابطي:
سهام المنايا علام تميل عن الغرض
…
فلو تقبل الأبدال كنت أنا العوض
وكان المانجلاتي من المدرسين وأصحاب الوظائف الدينية. وقد تولى الكبابطي القضاء والفتوى بعده، ثم نفاه الفرنسيون سنة 1843 إلى الإسكندرية حيث توفي.
وسبق أن ذكرنا أن الشيخ المكي بن عزوز قد رثى الشيخ المختار الجلالي، شيخ زاوية أولاد جلال الرحمانية. كما رثى غيره (1).
واشتهرت من قصائد الرثاء في المدن والوطن عامة (2)، قصيدة محمد بن الشاهد الذي بكى مدية الجزائر على إثر احتلالها. وقد كنا خصصنا لابن الشاهد دراسة في غير هذا، وذكرنا بعض نسخ القصيدة، كما عثر عليها السيد فانسان الفرنسي وترجمها إلى الفرنسية ونشرها في المجلة الآسيوية. وقد كان ابن الشاهد من كبار شعراء زمنه، وأدركه الاحتلال كبير السن، وفاقد البصر، وأصبح في حاجة إلى من يقدم له المساعدة على قوت يومه، بعد أن استولى الفرنسيون على أموال الأوقاف. وكان رثاؤه صادقا معبرا عن لوعة الحزن، ووصف فيه حالة المدينة وسكانها على إثر الغزو،
(1) انظر سابقا، وكذلك كناش الطواحني - المكتبة الوطنية، تونس، رقم 18763، ورقة 43? 44.
(2)
عن رثاء مدينة الجزائر بالعامية انظر فقرة الشعر الشعبي: في ذم الزمان.
وتفرق الناس في مختلف الاتجاهات. ولكنه مع ذلك لم يكن يائسا من إنقاذها ذات يوم، وقد علق ذلك على إرادة الله.
وقد خاطب ابن الشاهد سور الجزائر، وهو يعني بذلك القصبة أو القلعة، رمز القوة والحصانة في الماضي. وكيف أصبح السور بعد الاحتلال وقد لبس السواد وتوشح بالحزن على فقد العلماء والفرسان. ونحن نورد القطعة على طولها بعض الشيء، لأهميتها ولأنها متماسكة الأجزاء (1):
أمن صولة الأعداء سور الجزائر
…
سرى فيك رعب أم ركنت إلى الأسر
لبست سواد الحزن بعد مسرة
…
وعمت بواديك الفتون بلا حصر
رفضت بياض الحق عنك فأصبحت
…
نواحيك تشكو بالأمان إلى الجور
ولثم درس العلم، والجهل عسعس
…
ونادى بتعطيل العلوم عن النشر
وناح على الأسواق طير خرابها
…
فأصبح فأس الهدم ينبئ بالغدر
أصبت بسهم عن عيون سهامها
…
تزاد عن المعيان بالشفع والوتر
فأظهرت للأعداء وجه ملاحة
…
وأوزت للأحباب وجها من النكر
عليك لقد أجريت نهر مدامعي
…
وفيك استحق العقل سكرا بلا خمر
نقضت عهودا بالوداد تقررت
…
وواليت أقواما تمالوا على ضر
فجاسوا بروجا للحروب تشيدت
…
وداسوا ديارا بالنواهي وبالأمر
ونالوا من الأموال يسرا ميسرا
…
وفازوا بها والقلب يصلى على الجمر
ومن لطفه أن السيوف أتت لنا
…
وسلت على الأشجار تقطع بالثمر
فضجت أناسي والعقول تولهت
…
وباتوا على حر الفراق بلا فكر
فباعو انفائيس المتاع ببخسها
…
وهاموا حيارى في الفيافي وفي البحر
فآه على جهدي وما به منعة
…
وآه على داري يسود بها غيري
(1) هذا النص أخذناه من نسخة تونسية (مخطوط رقم 16511، المكتبة الوطنية، تونس) ورقة 86 - 87. وفيه بعض الاختلاف مع النص الذي نشرناه في تناولنا لحياة ابن الشاهد انظر (تجارب في الأدب والرحلة)، ط. 1، 1982. وقد عثرنا على بعض القطع الأخرى لابن الشاهد بعد ذلك، ولكنها ضاعت منا سنة 1988، ولم نستطع تعويضها لأننا نسينا المصدر.
أموت وما تدري البو اكي بقصتي
…
وكيف يطيب العيش والأنس في الكفر
فيا عين جودي بالدموع سماحة
…
ويا حزن شيد في الفؤاد ولا تسر
ويا دار تدبير الأمور لخالقي
…
فصبرا عسى عسر يبدل باليسر (1)
وفي هذا القرن بكى الشعراء بعض المدن على إثر الزلازل ونحوها، كما فعل الشاعران محمد العيد ومفدي زكريا مع مدينة الأصنام سنة 1954. ولم نعثر على شعر يرثى المدن الأخرى التي غزاها الفرنسيون عنوة، مثل قسنطينة وبجاية وتلمسان والمدية. ولعل الشعراء قد فعلوا وضاع شعرهم، لأنه يعتبر من الشعر السياسي المضاد للاحتلال، فلم يذع ولم ينشر.
أما رثاء الأعيان، فلا شك أنه قد استمر، ولكن الموجود منه قليل، كما لاحظنا. وما نعرفه الآن هو القريب من عهدنا، ولا شك أيضا أن شخصية مثل محمد بن يوسف أطفيش لا تختفي دون أن يبكيها الشعراء من التلاميذ وغيرهم، ومثله المجاوي وغيره من شيوخ العلم والتصوف. وقد رثى محمد العيد ابن باديس بأبيات ليست في مستوى مكانته ومنزلته عند الجزائريين. ولعل ذلك راجع إلى أن الوفاة حدثت خلال الحرب العالمية الثانية (16 إبريل 1940)، وكان السكوت مفروضا بالقانون ومطلوبا بالحيطة. كما رثى محمد العيد الأمير خالد سنة 1936، وكان رثاؤه أيضا دون مستوى المرثي وشاعرية الشاعر.
(1) انظر أيضا النص الذي نشره محمد الهادي الغزي في (الأدب التونسي في العهد الحسيني)، تونس 1972، ص 61 - 62. وهو لم يعرف بابن الشاهد، وقد ذكر أن القصيدة مأخوذة من كناش مخطوط بالخلدونية (تونس) رقم 3259، ص 169. هذا وقد رثى عدد من شعراء تونس الجزائر على إثر احتلالها، ومنهم أحمد القليبي الذي اعتبر احتلال الجزائر مقدمة لاحتلال تونس وغيرها، وبدأ شعره هكذا:
عظم الله أجركم في الجزائر
…
وجزاكم برزئها أجر صابر
وهي مذكورة في المصدر نفسه، وكذلك في مخطوط رقم 16511. وبكى الجزائر بالشعر الملحون محمود السيالة، في قطعتين. انظر مخطوط تونس رقم 19449.
ومن جهة أخرى رثى محمد العيد الدكتور ابن أبي شنب. وقد صدرت عن محمد العيد مرثيات عديدة لا يمكن حصرها الآن. وقد تناولنا بعضها في كتابنا عنه. كما رثاه محمد الهادي السنوسي ومحمد العلمي (1). ولعل أبا اليقظان قد خصص بعض شعره للرثاء أيضا.
…
وهناك شطر آخر من الرثاء الذي صدر عن شعراء الجزائر، ونعني به رثاء شخصيات عربية وإسلامية، لها مكانتها في الدفاع عن الحرية وفي الجهاد. ومن هؤلاء: محمد عبده، وعمر المختار، وشكيب أرسلان، والملك غازي (ملك العراق)، والشاعران شوقي وحافظ، وبعض شيوخ القرويين. ولا يمكن الإحاطة بهم جميعا.
فمما قاله مصطفى بن التهامي يرثي الشيخ محمد بن عبد الرحمن الفيلالي، شيخ القرويين:
لقد غيض عذب اليم واغتم وارده
…
وسدت على الظمآن سدا موارده
ورغم هذه البداية المثيرة، فإن الأبيات الأخرى ليست في هذا المستوى، إذ فيها تكلف ومعاناة في القافية واستدرار المعاني الغريبة، مثل:
فيا روضة السلوان يا قبلة المنى
…
سقاك سحاب الودق غيث وبارده
ضممت الجمال الكل في نظم هيكل
…
على الفرع والأسلاف تبدو أسانده
إلى عبد رحمان الأنام اشتهاره
…
أصل الأسام (؟) امتاز عنه معابده
فمن للقراوي في مزاهي محافل
…
وأعراسها علم تثنت شواهده (2)
وكانت سمعة الشيخ عبده ذائعة بين الجزائريين أوائل هذا القرن، وقد
(1) عن ذلك انظر (تقويم المنصور) للمدني، سنة 5، 1348، ص 262. وقد جرى حفل التأبين سنة 1929، وهي سنة وفاة ابن أبي شنب.
(2)
وردت في كناش العمالي (مفتي الجزائر) وقد اطلعت عليه بعد أن بعثه إلي الشيخ البوعبدلي، وصورت منه القصيدة، وهي في نحو 73 بيتا، ثم راسلني البوعبدلي نفسه في 3 ديسمبر 1971. ونقل لي بعض الأبيات منها بخطه. و (القراوي) هي القرويين.
زار بنفسه العاصمة وقسنطينة، وألقى درسا جامعا، وأقام حوالي عشرة أيام، والتقى بالعلماء الرسميين والأحرار. وبعد وفاته رثاه بعض الشعراء، منهم محمد بن القائد علي الذي لم نقرأ له شعرا آخر غير هذا الرثاء، وكان إماما بالجامع الجديد في العاصمة، أي أنه كان من رجال الدين الرسميين، وتدل عبارته على تمكنه من الشعر. قال متأثرا:
غاض بحر العلوم أين العزاء
…
وعيون الأنام سحب دماء
فبكى المسلمون حزنا عليه
…
وبكى الدين والتقى والحياء
وبكى الفضل والفضائل طرا
…
عن إمام الورى يحق البكاء
(عبده) الفيلسوف أحيا قلوبا
…
ميتات أماتها العلماء
حجة الله والرسول بعصر
…
جاء يهدي أقوامه فأساؤوا
وبعد أن ذكر ما للشيخ عبده من مؤلفات وتفسير، ومواقفه الإصلاحية، أشار إلى زيارته للجزائر سنة 1903؛ وقد اختصر رشيد رضا القصيدة الأصلية ربما لطولها:
قد سعدنا بزورة منه جاءت
…
بسعود يفسر منها الشقاء
كم سهرنا ومنه نلنا علوما
…
ما سمعنا بها ولا الآباء
لم تحط ألسن الرثاء بفضل
…
لم تسعه الغبراء والخضراء
رب انزل عليه وبل رضاء
…
في رضاء، فنعم ذاك الرضاء (1)
ولكن أبرز المعجبين بالشيخ عبده هو: عبد الحليم بن سماية ومحمد بن مصطفى خوجة. ومع ذلك لا نجد لهما شعرا في رثائه. وكان الثاني شاعرا قويا، حتى قيل إن له ديوانا ضائعا. فهل الإهمال راجع إلى الشاعرين أو إلى رشيد رضا الذي لم يضمن ذلك تاريخه عن الشيخ محمد عبده؟.
ومن أجود الرثاء ما قاله محمد العيد في الشيخ عمر المختار الذي
(1) تاريخ الأستاذ الإمام 3/ 303 - 304.