الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشدة وانضموا للفرنسيين. ومن جهة أخرى صور الكتاب الفرنسيون، ومنهم فيرو، معاملة الحاج أحمد لنسائه معاملة سيئة وتحدثوا عن إحداهن، وهي عائشة التي كانت قد اختطفت كسبية من إيطاليا. وذهب فيرو إلى أنها تحولت، بعد الاحتلال إلى النصرانية على يد الأسقف دوبوش وتزوجت فرنسيا. وربما كانت من المحظيات أو الإماء ولم تكن من النساء الحرائر للباي.
وقد احتوى القصر على رسومات كلها من رسم الفنانين الجزائريين، وكتابات عربية للزخرفة والموعظة، مثل البيتين اللذين سبقا، وعبارة (نصر من الله) وغير ذلك. وفيه غنائم وهدايا من تقرت، وهي تشمل أسلحة فاخرة، ومجموعة ملفتة للنظر من الآلات الموسيقية، ومنها طنابير من النحاس ذات الحجم الكبير. وغيطة أخذت من (السلطان) سلمان، شيخ تقرت على أثر معركة المقرين. كما احتوى القصر على خوذات واردة من تبسة تشبه الخوذات التي لبسها المسلمون أثناء الحروب الصليبية. وفيه أيضا أعلام ورايات من مختلف القبائل، وأنواع من الأسلحة. ويبدو أن بعضها مما أضافه الفرنسيون بعد حروبهم ضد المقاومين الجزائريين.
وكان الحاج أحمد قد رجع إلى قصره بضعة أيام سنة 1848، أي بعد استسلامه لعدوه القديم. فقد سمحوا له بالإقامة في القصر إلى أن حملوه من قسنطينة إلى الجزائر حيث توفي بعد بضع سنوات. وكان إحضاره إلى قسنطينة مصيدة قصدوا بها معرفة من كان ما يزال على ولائه له من المسلمين. ومن جهة أخرى أقام في نفس القصر وجوه أوروبية معروفة. فبالإضافة إلى نابليون الثالث، نزل بالقصر الأمير نابليون والأميرة كلوتيلد سنة 1861، وملك بلجيكا، ليوبولد الثاني، سنة 1862 (1).
المتاحف
في فصل المنشآت الثقافية تحدثنا عن المتاحف بصفة عامة منذ إنشائها
(1) فيرو، مرجع سابق.
حوالي 1835 (1). وفي هذه الفقرة نريد أن نتعرض للمتاحف الفنية فقط، ولا سيما تلك المتصلة بالفنون الإسلامية والتراث الوطني الذي يسميه الفرنسيون (الأهلي). ويبدو أن الاهتمام بهذا النوع من المتاحف يرجع إلى آخر القرن الماضي وبالذات إلى عهد الحاكم العام جول كامبون. ففي تلك الأثناء راجع الفرنسيون سياستهم الإسلامية عموما، وأخذوا يهتمون أيضا بالآثار الإسلامية والفنون الشعبية، احتواء للمد الإسلامي، في نظرهم. وقد كان على رأس إدارة الشؤون الأهلية عندئذ المستشرق لوسياني الذي اطلع على التراث الجزائري وترجم ونشر منه نماذج عديدة. ثم خلفه جان ميرانت، وكان أيضا عاملا في نفس الإدارة من قبل.
ففي ديسمبر 1892 أنشئ بقرار وزاري متحف الآثار الجزائرية القديمة، وخصصت له بناية كانت تقع في حي مصطفى باشا من الجهة العليا. (وكان المتحف الرئيسي أو العتيق تابعا، منذ تأسيسه سنة 1835، إلى المكتبة العمومية).
وفي سنة 1909 وهي سنة إنشاء جامعة الجزائر وازدهار عهد جونار، صدر قانون يأمر بوضع نسخة من كل ما له علاقة بالآثار لدى مصلحة الفنون الجميلة. وكانت الأبحاث عندئذ جارية في المدن الآتية: شرشال وجميلة وتيمقاد، وكلها تحتوي على آثار رومانية. ومن حسنات هذا العهد تصنيف الآثار والبنايات التي تعتبر معالم أثرية، وكذلك تحديد الأشياء التاريخية، والحفريات. وفي سنة 1927 كان مدير مصلحة الآثار القديمة هو السيد (ألبرتيني). وقد خصصت مصلحته ميزانية للحفريات وصيانة الآثار واسترجاعها. كما خصصت منحا للدراسات الأثرية. وكان ذلك عشية الاحتفال المئوي بالاحتلال حين ازداد اهتمام السلطات بالآثار وعرضها وتخصيص الميزانية لها. ففي سنة 1929 وزعت الميزانية هكذا - بزيادة معتبرة على السنوات السابقة - على المتاحف التالية:
(1) انظر فصل المنشآت الثقافية، فقرة المتاحف.
1 -
صيانة واسترجاع المعالم الأثرية .......... 525، 000 ف.
2 -
متحف تيمقاد ومتحف جميلة .......... 8، 000 ف.
3 -
معونة للمتاحف العلمية والأثرية ......... 18، 000 ف.
4 -
منح للدراسات الأثرية .......... 8، 000 ف.
5 -
متحف الآثار القديمة ومتحف الباردو .......... 12، 000 ف.
وفي سنة 1930 عندما كان الاحتفال على قدم وساق أعلن الحاكم العام (بيير بورد) عن تخصيص ميزانية لجوانب أخرى تتعلق بالآثار والفنون. ونلاحظ أن حظ المعالم الإسلامية فيها كان ضئيلا، لأن الاهتمام ظل دائما بآثار الرومان التي يعتبرها الفرنسيون من آثارهم باعتبارهم ورثة (مجد) روما وصولجانها. وهذا هو توزيع الميزانية الجديدة:
1 -
للبحوث الأثرية، 421، 000 ف. خصص منها: 20، 000 لحفريات قبر الرومية (قبر الملك يوبا وابنة كليوباترة). و 25، 000 لمتحف شرشال، و 100، 000 ف لحفريات زانة ومقابر الخروب وعنابة، و 15، 000 ف للبحث في آثار ما قبل التاريخ.
2 -
لمجموعة الآثار اللاتينية، وتعويض بعثة الآثار الإسلامية، وشراء أملاك في هيبون (عنابة): 261، 598، 90 ف (1).
وقد سبق القول أن جمعيات أثرية كانت قد أنشئت في مختلف المدن الرئيسية وكان لبعضها نشرات تنطق باسمها وتعلن عن نتائج أبحاث أعضائها. وبمناسبة الاحتفال المئوي المذكور عمدت تلك الجمعيات إلى إجراء بحوث وجرد وعرض ما توصلت إليه من بحوث، وكانت هذه الجمعيات تتعاون مع البلديات في جمع الآثار وتكوين المتاحف وتخصيص وسائل الحفظ والصيانة. وهكذا نشطت إدارة الآثار في العاصمة فجمعت لوحات عديدة من رسم وتصوير الفنانين (المحليين) ووضعتها في قاعة البلدية. ويجب التنويه
(1) جان مزار Mazard، (حفظ البنايات التاريخية في الجزائر) 1830 - 1930، في مجلة الجمعية الجغرافية SGAAN، 1930، ص 151 - 166.
بجهود جورج مارسيه الذي تولى الإشراف على مجموعات الآثار الإسلامية والعناية بمتحفها. وقد وفر من هذه الآثار ما ضاق به المكان.
ومن المتاحف الهامة في هذا المجال نذكر متحف باردو لما قبل التاريخ. وكانت لجنة الاحتفال المئوي قد خصصت له إحدى الفيلات (القصور) العربية - الإسلامية ذات الفن والزخرفة الراقية، وهي فيلا ترجع إلى العهد العثماني. وفيه وضع السيد (ريجاس) مجموعته الأثرية بعد إجرائه لعدة حفريات في الصحراء وغيرها. ثم جاء السيد (بالو) وأضاف مخبرا لما قبل التاريخ، بما في ذلك، مكان (لتين هينان) التي ترجع أسلحة عهدها وحليه إلى القرن الرابع الميلادي حسب الأخبار. وبالإضافة إلى ذلك انفصل المتحف الذي سمي على (ستيفان قزال) بناحية قصر الشعب اليوم عن المتحف القديم الذي خصص للآثار الإسلامية. فكان متحف قزال يضم المجموعات الغنية من التماثيل والمنحوتات القديمة المنقولة من شرشال التي تعبر عن الحضارة الرومانية. وكانت المجموعة تضم أيضا نماذج من الفسيفساء والحلي والمصابيح التي تدل على ما كانت عليه المدن عندئذ. بينما بقي المتحف القديم خاصا بالفن الإسلامي تحت إشراف مارسيه المذكور.
وفي ناحية حديقة التجارب (الحامة) وحيث توجد فيلا عبد اللطيف المخصصة لإقامة الفنانين الفرنسيين، أنشئ متحف الفنون الجميلة، على بعد خطوات فقط من الفيلا، وهو متحف يكاد يكون خاصا. بالآثار الفنية الفرنسية أو التي أنتجها الفنانون الفرنسيون بالجزائر. وكان السيد (ألازار) هو الذي أنشأ وأدار هذا المتحف، وقد كان أستاذا لتاريخ الفن بجامعة الجزائر. وكانت المجموعات الفنية في المتحف قد جمعها ألازار من جهات عديدة وخلال عدة سنوات. وكانت فيلا المتحف تضم عدة طوابق: فالطابقان الأسفلان مخصصان للتماثيل والمنحوتات، ومنها ما نحته تلاميذ فيلا عبد اللطيف الذين جاؤوا لينعموا بسحر الشرق، كما أشرنا. وأما الطوابق العليا في الفيلا (المتحف) فقد خصصت للرسم. وكانت تضم مجموعة لأكبر
الرسامين الاستشراقيين الفرنسيين الذين أتينا على ذكر بعضهم، مثل دي لاكروا، وفرومنتان، وشاصيريو، وقوميه. وإضافة إلى ذلك ضمت الفيلا (المتحف) مجموعة من الفنون العصرية (1).
ومن بين المتاحف التي أنشئت أيضا (متحف التاريخ العسكري) بالعاصمة، وقد أطلق عليه اسم المارشال ديسبيريه. وكان موضعه بالقصبة حيث قصر الداي. وقد قسم المتحف إلى ثلاثة أقسام: ذكريات عسكرية من كل نوع، وأسلحة جزائرية وصور وملابس، ثم قادة جزائريون، قيل عنهم إنهم (خدموا فرنسا)(2).
أما المتاحف الجهوية فهناك متحف قسنطينة ومتحف وهران. أنشئ متحف قسنطينة فوق (كدية عاتي) وهي ربوة عالية تشرف على المدينة وعلى مساحات من السهول. وقصد الفرنسيون المأخوذون بالعهد الروماني إلى أن يمثل هذا المتحف قصرا بونيقيا حتى أن الزخرفة استمدها المهندس والفنان من حضارة العهد البونيقي. كما وقعت فيه المزاوجة بين فن هذه الحضارة وصورة سيرتا (قسنطينة القديمة) في مختلف العصور، باعتبارها عاصمة الفن النوميدي. ومع ذلك يذهب غوستاف ميرسييه إلى أن المتحف كان يجمع بين اللون الإغريقي - والروماني أيضا.
ولكن متحف قسنطينة لم يكن خاصا بالفن الفينيقي ولا النوميدي ولا
(1) جان ألازار في (مدخل إلى الجزائر)، ص 357. انظر أيضا جورج هويسمان Huisman مقدمة لكاتالوق الرسومات والمنحوتات لمتحف الفنون الجميلة بالجزائر، 1936.
(2)
غوستاف ميرسييه في (مدخل إلى الجزائر) 195، ص 338 - 339. من الواضح أن المتحف العسكري غير داخل في الفنون الجميلة، ولكن وجود بعض المطروزات والملابس والصور فيه هو الذي جعلنا نذكره هنا. كما أن بعض الأسلحة كانت مطعمة بالأحجار الكريمة. ويذهب ميرسييه إلى أن (هنان) هي جدة أهل الهقار? التوارق. وتلك أساطير. كما كرر تسمية فيلا عبد اللطيف بفيلا مديشي، وذلك مخطط فرنسي داخل في محو كل الأسماء والآثار الجزائرية من الذاكرة التاريخية.
الإغريقي - الروماني، بل كان شاملا لفنون القرن التاسع عشر أيضا والعهد الاستعماري على العموم. فمن آثاره لوحات لهوراس فيرنيه وقيوميه ولازيرق الذي قيل إنه تخصص في الفن الزواوي، وكذلك ديكامب. ويشمل المتحف أيضا قاعة للمعروضات الأثرية التي ترجع إلى ما قبل التاريخ، كما يشمل آثارا إسلامية أو ترجع إلى العهد الإسلامي. وآثار العهد النوميدي غنية في هذا المتحف، وكان محافظ المتحف عندئذ (أوائل الخمسينات) هو أندري بيرتييه الذي عمل على إثراء هذه المجموعة (النوميدية). ويعتبر متحف قسنطينة صورة لتاريخها من أقدم العصور إلى العهد الاستعماري، مرورا بالمعالم الإسلامية مثل الجامع الكبير ومدرسة سيدي الكتاني وجامع سيدي الأخضر وقصر أحمد باي (1). ولكن وجهة المتحف تظل غريبة عن الهوية الوطنية.
وفي سنة 1930 دشن متحف وهران. وهو أيضا كان غريبا عن الهوية الوطنية. فقد جعله المهندس المعماري، وولف، متحفا بطابع إغريقي. وهكذا فالمتاحف لا تمثل الطابع البربري ولا العربي ولا الإسلامي. وإنما هي هجين تسيطر عليه الروح الرومانية والإغريقية ثم الفرنسية. وفي القاعة الرئيسية لهذا المتحف وضعت الرسومات والصور لمشاهير الفنانين، ومنها رسم للدوق دومال ابن ملك فرنسا. وكانت شهرته ترجع إلى أنه طارد زمالة الأمير، ثم إنه هو الذي وعده في نهاية 1847 بتركه يختار منفاه وإقامته. ومن أسماء الفنانين التي عرضت آثارهم في هذا المتحف وينترهالتر، ودايون، وليين، وهوقي، وشاتو، وغيرهم من الرسامين المعاصرين. وفي المتحف قاعات أخرى، واحدة لتعليم الفن، وأخرى للتاريخ الطبيعي. وأما الطابق الأرضي للمتحف فكان مخصصا للمنحوتات كالتماثيل، ومجموعة الاثنوغرافية، كما أن مبنى المتحف قد ضم المكتبة البلدية أيضا، وقاعة محاضرات، وقاعة عرض. وهناك حديقة تحوط بالمبنى.
(1) ميرسيه، مرجع سابق، ص 340، ومتحف قسنطينة من هندسة السيد كاستيلي.