الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الزاهري والبشير الإبراهيمي وأحمد توفيق المدني وآخرون (1). وهكذا احتل ابن شنب مكانا مرموقا في حياة الأدب واللغة والتراث. وستبقى للأجيال اللاحقة كلمة أخرى فيه.
الأدب باللغة الفرنسية
دراسة هذا الأدب غير داخلة في مخطط الكتاب، وإنما نتعرض له باعتباره جزءا من التراث الجزائري خلال مرحلة معينة وشاذة، وكنا تعرضنا قبل هذا إلى بعض آثار المستشرقين الفرنسيين. إننا هنا نسجل ما حدث لجيل من الجزائريين وقع فريسة للمدرسة الاستعمارية فحولته من تراثه إلى تراثها ونقلته من عالمه إلى عالمها. وهو جيل لعب مع ذلك، دورا في الثقافة والسياسة ونحوهما، وها هو الآن ينقرض لتعود الأمور إلى نصابها وتتصل حلقة الأجيال ببعضها وتنطلق الوحدة الثقافية بين الجزائريين، وهي الشرط الأساسي للإبداع الوطني.
ومراحل التأثر باللغة الفرنسية ثلاث على الأقل، من 1830 إلى 1880، ولا نكاد نجد فيها تأثيرا فى ميدان الكتابة، لا فى المقالة ولا فى الرواية ولا في غيرها. وخلالها وقع انفصام بين الشعبين وإهمال للمدرسة والتعليم. ولا نكاد نجد اسما جزائريا كتب أو ألف عملا بالفرنسية خلال هذه المرحلة. وما وجد من بعض الآثار كان مترجما من العربية مثل كتاب المرآة لحمدان خوجة، ومذكرات بوضربة والحاج أحمد وعبد العزيز الحداد. وهكذا مرت خمسون سنة على الجزائريين هي سنوات التجهيل بالعربية والفرنسية معا.
والمرحلة الثانية تمتد من 1880 إلى 1920، وقد شهدت ظهور كتاب
(1) بالإضافة إلى ما ذكرنا، انظر عن ابن شنب (مجلة المجمع العلمي)، دمشق، المجلد 10، 1930، ص 238 - 240. انظر أيضا (ذكرى الدكتور ابن شنب) لعبد الرحمن الجيلالي، ط. 2، 1980؟.
المقالات والعرائض والكتيبات وحتى بعض الكتب والدراسات، ولكن لم تعرف الإنتاج الأدبي أو الإبداعي باللغة الفرنسية. ويرجع ظهور بعض الكتاب إلى فتح المعهد الإمبريالي (المدرسة السلطانية) سنة 1857 في العاصمة و 1867 في قسنطينة، ثم البدء في تأسيس المدارس الأهلية الابتدائية في بعض المناطق، سيما في الزواوة، وظهور الفرع الأهلي لمدرسة المعلمين ببوزريعة، وفرنسة المدارس الثلاث الرسمية (العاصمة وتلمسان وقسنطينة) منذ 1876 وخصوصا منذ 1895. وكان التعليم كاد يقتصر على أبناء العسكريين الجزائريين المتطوعيين في الجيش الفرنسي وأبناء بعض الموظفين. فهم الذين استقبلت منهم المدرسة السلطانية، وخصصت لهم المنح، أما بعد الثمانينات فقد بدأت (المدرسة الأهلية) تخرج بعض المعلمين من غير أبناء العسكريين وأبناء الموظفين، غير أن بعض الخريجين الجدد كانوا من الأبناء الذين تكونوا على يد الآباء البيض في المدارس الكنسية التي أسسها الكاردينال لافيجري. ومهما كان الأمر فقد شهدت المرحلة ظهور الكتابات الجزائرية باللغة الفرنسية، ولا سيما المقالة والدراسة على يدي أحمد بن بريهمات، والمجوب بن قلفاط، والطيب مرسلي، ومحمد بن رحال، وابن علي فخار، وأبو بكر عبد السلام، وإسماعيل حامد.
والمرحلة الثالثة من 1920 إلى 1950، وخلالها انتشر التعليم الفرنسي والعربي، وأصبح غير مقتصر على أبناء فئة معينة في غالب الأحيان. وأدى التطور السياسي إلى ظهور الأحزاب والجمعيات، وظهور الصحف الناطقة باسم هذا الاتجاه أو ذاك. ولكن أغلب الأسماء التي شاركت في الكتابة بالفرنسية خلال هذه المرحلة ترجع إلى أسماء العائلات التي كانت في الوظيف القيادي من قبل، أو في التعليم، وكانت الصحافة هي المجال الذي شارك فيه الكتاب (1). ومن هؤلاء فرحات عباس والزناتي والفاسي بين
(1) هي العائلات التي سماها قوفيون (أعيان المغاربة) والتي ألف كتابه المشهور للتعريف بها ودورها في خدمة فرنسا.
الحربين، ثم مالك بن نبي وعبد الرحمن بن الحفاف وعمار أوزقان بعد الحرب الثانية. وفي هذه المرحلة ظهرت المحاولات الأدبية أيضا لأول مرة، ربما بدأها بعض أبناء العسكريين أو بعض العسكريين أنفسهم، ثم أخذت تنتشر، فوجدنا روايات وأشعارا قد ظهرت بين الحربين، ثم انطلقت الرواية بالفرنسية على يد جيل من الكتاب منذ مطلع الخمسينات. والأدباء الذين ظهروا بين الحربين هم: محمد ولد الشيخ، وابن الشريف، وحسن خوجة شكري، والحاج حمو المعروف بعبد القادر فكري.
أما الجيل الذي انطلق بالرواية منذ مطلع الخمسينات فلا يعنينا هنا. وقد درست آثاره وما تزال، وحظي باهتمام خلال حرب التحرير في الشرق والغرب. وكان على رأسه: محمد ديب، وكاتب ياسين ومالك حداد ومولود فرعون ومولود معمري. ومن الممكن أن نضيف إليهم، في غير مجال الرواية، مالك بن نبي ومصطفى الأشرف (1).
…
وبعد هذا التمهيد نقول إن المجال الأدبي قد احتكره الفرنسيون منذ الاحتلال. فأدباؤهم وفنانوهم قد (اكتشفوا) الجزائر، ووردوا عليها بطريقة حرة أو منظمة، فقد كانت وزارة الحربية ترسل أعيان الأدباء والفنانين الفرنسيين للاطلاع والكتابة عن مشاهداتهم لتغري بها الرأي العام والراغبين في إستيطان الجزائر، وقد كان ذلك هو حال الإسكندر دوماس وارنست فيدو Feydeau مثلا. ومهما كان الأمر، فقد شاعت صناعة نشر أدلاء السياحة منذ 1830 (les guides). فكان الراغب في السفر يجد في الدليل وصف المدن الجزائرية (2) والجبال والطرق والسكان ووسائل الإقامة والمفردات اللغوية.
(1) كتب مالك بن نبي (لبيك)، وهي رواية أدبية 1947. وكتب الأشرف مسرحية سياسية، سنة 1955، بعنوان (الباب الأخير)، وقد تناولناها في كتابنا (دراسات في الأدب
…
) ط. 3.
(2)
كتب مالك بن نبي (لبيك)، وهي رواية أدبية 1947. وكتب الأشرف مسرحية =
وهكذا ظهرت أعداد متوالية من الأدلاء، مثل دليل فرنسي الجزائر، والخلاصة الطوبوغرافية لمملكة الجزائر، وخريطة مملكة الجزائر، ودليل المسافر إلى الجزائر، والدليل التاريخي والوصفي للجزائر، والدليل الشعبي الذي ظل يطبع على التوالي بين 1862? 1893.
وإذا رجع المسافرون إلى فرنسا نشروا أعمالهم عن الجزائر، فأثرت المكتبات وأقبل القراء على القراءة. وهكذا ظهرت مؤلفات في شكل مشاهدات وذكريات ومراسلات. وكانت المبالغة طابع هذه الأعمال. وكان مؤلفوها عسكريين أحيانا وموظفين مدنيين أحيانا، حلوا بالجزائر في مهمات خاصة أو رسمية. ومعظم الكتابات على هذا العهد كانت تتحدث عن (الغرائب) الموجودة في الجزائر، غرائب أهلها، وغرائب مناخها، وغرائب أسرارها. ومن الذين تركوا آثارهم في القرن التاسع عشر فرومانتان، وثيوفيل قوتييه، وألفونس دوديه، وإدمون وجول دي قونكور، والإسكندر دوماس، والفنان هوراس فيرنيه، والفنان دو لاكروا، والفنان ثيودور شاسيرو، والكاتب فيبو، والأديب غوستاف فلوبير (1).
وكان إنتاج هؤلاء فيه الغث والسمين. وقد كتب الضابط أوسيد دي صال رواية (علي والثعلب أو قصة احتلال الجزائر)، وكان هو قد شارك في الحملة ونشر الرواية سنة 1832. ومعظم الكتاب أصبحوا - عندما يكتبون عن الجزائر - يتحدثون عن شخصيات عربية، رجالا ونساء، فكانت العنصرية والأحكام الدينية المسبقة والعداء الاستعماري هي التي تتحكم في أهوائهم. ولذلك افتقرت أعمالهم إلى الدقة والنزاهة. ومعظم أسماء النساء المستعملة في رواياتهم هي عائشة (واسم عائشة استعملوه ربما لأنها كانت أول امرأة مسلمة هربت من دارها إلى الفرنسيين سنة 1834 وتزوجت من فرنسي بعد أن
= سياسية، سنة 1955، بعنوان (الباب الأخير)، وقد تناولناها في كتابنا (دراسات في الأدب. . .). ط. 3
(1)
جاكلين بيلي (عندما أصبحت الجزائر فرنسية)، ص 262.
عمدتها الكنيسة وهربتها إلى فرنسا) (1). وكذلك اسم باية. وكانت المرأة الجزائرية في الروايات الفرنسية تظهر شهوانية تبحث عن الغرام لدى الضباط الفرنسيين. كما أن الزواج بين المسلمات والفرنسيين كان من الموضوعات المحببة في هذه الروايات. وكانوا يتحدثون عن الجزائري في شيء من السخرية كما فعل هوق لورو مع المقراني في روايته (رجل الساعة).
وهكذا كان المجال محتكرا للكتاب الفرنسيين. ومنذ عقد التسعينات بدأ الاحتكار يزول (2). فقد كتب محمد بن رحال قصة (انتقام الشيخ) ونشرها سنة 1891 (3).
وفي سنة 1912 نشر أحمد بوري رواية مسلسلة في جريدة (الحق) التي كانت تصدر بوهران، وعنوان الرواية (المسلمون والمسيحيون). ورغم أن عنوانها غير روائي، فإن بعض النقاد أكد على أنها تمثل ربما الرواية بالمعنى الحقيقي للكلمة وليست مجرد محاولة (4).
وفي فاتح هذا القرن ألف بعضهم أعمالا إبداعية في شكل روايات، ولكننا لا ندري هل المؤلف جزائري أو أجنبي، رغم أن الاسم يظهر جزائريا، وهو الصديق بن الوطا (اسم نكرة؟). وقد نسبت إليه رواية (الخيمة الكبيرة) التي رمز بها إلى الأجواد والمرابطين الذين رغم تأثرهم بالحياة الفرنسية بقوا على حالهم من العادات والتقاليد. وقد ميزهم بالطموح والبخل وحب الحياة المادية ونسب إليهم مجموعة من السيئات. والبيئة التي تصفها
(1) انظر قصتها في الحركة الوطنية 1.
(2)
نشير إلى أن محمد بن علي بن الطاهر الجباري كتب سنة 1887 شعراء ساخرا ونشره في وهران وباريس في نفس السنة مع ترجمة فرنسية. ولا نعتقد أنه هو الذي كتب الترجمة بالفرنسية لأن لغته العربية قوية وهو من أبناء المدارس الرسمية والزوايا. ولذلك لا نعد عمله ابتكارا بالفرنسية. انظر عنه فقرة المقامات. وكذلك (المجلة الآسيوية) 1913، ص 292، هامش 2.
(3)
في المجلة الجزائرية والتونسية، السنة 4، رقم 13، سنة 1891.
(4)
جغلول (عناصر
…
)، ص 133.
الرواية هي جبال زكار وثنية الحد ومنطقة الشلف. وفي الرواية شخصية امرأة شابة اسمها (تبن) تلعب دورا رئيسيا وهي معتزة بنفسها وبجمالها وتدعي أنها قادرة على الوصول إلى ما تريد لأنها جميلة. وذهب أحد النقاد إلى أن المؤلف امرأة. ونسبت إلى الصديق بن الوطا أعمال أدبية أخرى مثل (إيالة الجزائر) و (ضربة المروحة). ونترك للباحثين العثور على أصله واسمه أو اسمها الحقيقي. فإذا ثبت أنه (أنها) من الجزائريين فستكون الرواية فعلا مبكرة (1).
ولا ندري متى ألف عبد الله شعابنة روايته (العجوز والطفل) التي نسبها إليه أحد الكتاب (2). فهل هو العسكري المتقاعد الذي أشار إليه جغلول؟ (3) كما أشار هذا الكاتب إلى أن زيد بن ديب (واسمه النكرة هو عمر سمار) قد نشر في جريدة (الحق) العنابية رواية مسلسلة تحت عنوان (يا علي يا أخي) سنة 1893.
وكان الضابط ابن الشريف في آخر أيامه عندما نشر بعض الأعمال الأدبية سنة 1920. فقد نشر في باريس رواية باسم غريب وهو (أحمد بن مصطفى غومييه). وقيل إنها رواية تمثل سيرته الذاتية، وقد روى فيها مغامرات رومانتيكية لجندي جزائري في المغرب وفرنسا ووقوعه في أسر الألمان. كما تحدث فيها عن حياة الصالون والعبث في باريس، ثم المرض والوحدة في سويسرا. ويذهب جغلول إلى أنه بالرغم من التناقض الذي يظهر في الولاء للجزائر وفرنسا لدى العسكريين الذين عملوا في الجيش الفرنسي
(1) انظر شارل طيار (الجزائر في الأدب الفرنسي)، 1925، ص 494، هامش 4. وكذلك ص 511 هامش 1. ظهرت رواية (إيالة الجزائر) - مسرحية - في 1913 و (ضربة المروحة)، 1914. انظر أيضا دي فاند لبورغ (عن آخر الروايات الجزائرية) في (المجلة الإفريقية)، 1905، ص 35 - 48. وأصدر جان ديجو (بيبلوغرافية) عن الأدب الجزائري المكتوب بالفرنسية، ط. الجزائر 1977.
(2)
انظر قوانار (الجزائر)، صں 279.
(3)
عبد القادر جغلول (عناصر ثقافية)، ص 113.
فإن ابن الشريف قد ذكر أنه انتقل من مرحلة الحرب من أجل الشرف والقبيلة إلى مرحلة الوطن (1). ولكن هل هذا يكفي؟ وأي وطن يقصد؟ إن المثقفين الاندماجيين، من بلقاسم بن التهامي إلى فرحات عباس، كانوا يعتقدون عندئذ أن الوطن هو فرنسا? الوطن الأم.
وقد سبق لابن الشريف أن نشر عملا آخر سة 1919 عند هاشيت المشهورة، وهو رحلته إلى مكة لأداء فريضة الحج. وقد وصف في هذا الكتاب شعائر الحج وشعور المسلمين وسوء معاملة الحجيج من المطوفين. ولا ندري إن كانت له مهمة أخرى من حجه؟ ومن المعروف أن الذي قدم الكتاب الأخير هو الحاكم العام السابق الجزائر شارل جونار الذي أشاد بابن الشريف واعتبره من أبناء فرنسا المخلصين (2). وكان ابن الشريف قد شارك في الحرب العالمية الأولى، ثم ذهب إلى الحجاز في دور غامض حين كانت فرنسا تخطط لاحتلال سورية ولبنان، وكان الوضع في الحجاز غير مستقر للشريف حسين. ولا غرابة أن يجمع ابن الشريف عندئذ بين زيارة الحجاز وسورية وفلسطين.
وتبدو أعمال حسن خوجة شكري أكثر اتصالا بما نحن فيه. فقد ولد ودرس في العاصمة في المدارس الرسمية. ويذهب جغلول إلى أن شكري قد ولد سنة 1891، ودرس في مدرسة الجزائر حتى حصل على دبلوم اللغة العربية. ومنذ 1910 دخل الوظيف الإداري - مترجما.؟ - وقد نشر روايتين، الأولى سنة 1928 وهي (مأمون)، والثانية سنة 1930 وسماها (العلج أسير بربروس). وصدور الرواية الأخيرة أثناء فترة الاحتفال بالاحتلال بمثل في حد ذاته نقطة تحول. فقد استعمل المؤلف التاريخ لتسليطه على الحاضر. ووقع البطل المسيحي أسيرا في قبضة القراصنة، وكان عليه أن يخرج من الرق
(1) نفس المصدر.
(2)
ابن الشريف (في الأماكن المقدسة الإسلامية)، باريس، 1919، مراجعة (مجلة العالم الإسلامي) عدد 36، ص 309 - 311. عن ابن الشرف انظر أيضا فصل المشارق والمغارب وفصل التاريخ والرحلات.
باعتناق الإسلام وأن يتزوج ابنة سيده لتتم عملية الاندماج. غير أن هذه العملية لم تتم رغم أن ابنه قد أصبح مفتيا. فهل أراد حسن شكري أن يقول للفرنسيين إن الجزائري مهما اعتنق من مبادئهم وتأثر بثقافتهم وتزوج من نسائهم فإنه لا يمكنه أن يندمج فيهم؟ إن بعض النقاد يرون ذلك ويرون من الرواية إعلانا فشل سياسة الاندماج (1). أما في (مأمون) فإن شكري جعل بطله يندمج في الثقافة الفرنسية ويغرق في التمدن (؟) بشرب الخمر والتقليد، ولكنه مع ذلك أبقى على بعض الفوارق مثل لبس الطربوش. ولا ندري إن كان حسن شكري من (المطورنين) الذين تجنسوا فرفضهم الجزائريون والفرنسيون معا (2).
ولا ندري إن كان محمد ولد الشيخ من أبناء قبيلة أولاد سيدي الشيخ الشهيرة. فقد ولد في بشار في فبراير سنة 1905 ودرس في المدرسة الأهلية الفرنسية هناك ثم التحق بثانوية وهران ولكنه لم يكمل شهادته فيها لأسباب لا نعرفها أيضا. ولعله أخرج من المدرسة بسبب عنصري أو لكبر سنه أو فشله. ولما رجع إلى مسقط رأسه واصل تكوين نفسه. وكان يكتب الشعر ويراسل به الصحف، وقد نشر سنة 1930 مجموعة شعرية بعنوان (أغنى إلى ياسمينة) وكان يعاني مرضا صدريا مزمنا، فكان عليه أن يقصد بعض الأماكن للاستشفاء، مثل فيشي (فرنسا) وتلمسان. ولكن المرض قتله في فاتح سنة 1938. وخلال عمره القصير نشر رواية هي (مريم بين النخيل) سنة 1936. وقد عبر فيها عن استحالة الاندماج الذي يدعو إليه بعض الفرنسيين والجزائريين، وكان يميل إلى دعوة جمعية العلماء الإصلاحية وإلى محاربة الطرق الصوفية المنحرفة والبدع، وقد دافع عن الإسلام واللغة العربية (3).
(1) جغلول (عناصر
…
)، ص 105 - 108. وقد أحال هذا المؤلف أيضا على مقالة لجوهر موساوي في المجاهد اليومي، 21 يناير 1987.
(2)
قارن ذلك بما كتبه ماسينيون عن شخص جزائري مشابه، في أول هذا القرن. انظر (مجلة العالم الإسلامي)، RMM. يوليو - غشت، 1909.
(3)
أحمد العناصري (محمد ولد الشيخ، روائي جزائري من سنوات الثلاثينات)، =
وتأثر بالأدب الفرنسي والعربي. ويبدو أن مطالعاته بالفرنسية قد غلبت عليه.
وقصة (إدريس) لعلي الحمامي تمثل موضوعا آخر وإن كانت لغتها فرنسية. صاحبها هو علي الحمامي أحد مناضلي المغرب العربي سياسيا. ولد في تيارت سنة 1902، وبعد عهد لا ندري كم طال ذهبت أسرته إلى الحج فرافقها، وعندما رجعت لم يرجع معها، ظل مغامرا جوالا في البواخر التجارية. ويذهب أبو عمران الشيخ إلى أن الحمامي بدأ حياته مناضلا في الريف المغربي مع عبد الكريم الخطابي، وأنه شارك أيضا مع الأمير عبد المالك بن الأمير عبد القادر في ثورته ضد الفرنسيين بالمغرب. وإذا صح ذلك فإنه يكون قد شارك في النضال أثناء مرحلة متقدمة من حياته، لأن الأمير عبد المالك ثار سنة 1915 واستمر إلى مقتله سنة 1924، والأمير الخطابي اعتقل ونفي سنة 1926. ومهما كان الأمر فإن قصة (إدريس) كانت من وحي الحياة بالريف المغربي وليس الجزائر.
وقد عايش الحمامى حياة متشردة بين الحربين، اتصل خلالها بالأمير خالد في فرنسا، ثم ذهبا إلى روسيا وتكون على يد المعادين للاستعمار، ثم ظل فترة يتنقل ين البلدان الأروبية، وتعرف عليه الأمير شكيب أرسلان، وتدخل لصالحه لدى الملك عبد العزيز آل سعود وكذلك لدى السلطات العراقية. ونتيجة لذلك أقام الحمامي في العراق سنوات واشتغل مدرسا، وفي 1946 ذهب إلى القاهرة، وانضم بعد ذلك إلى مكتب تحرير المغرب العربي برئاسة الأمير الخطابي. وفي القاهرة نشر قصة إدريس سنة 1948، وقدمها بالعربية الأمير الخطابي (أخو بطل الريف؟).
وقصة إدريس تروي قصة شاب ريفي اعتنق الوطنية وذهب للدراسة في القرويين، ثم شارك في إحدى المظاهرات لكنه قتل برصاص القوات الاستعمارية. وكان والده من الجيالة يعيش على الفلاحة، وله مبادئ بسيطة
= الجزائر، 1986. والبودالي سفير (شاعر جزائري باللغة الفرنسية) في مجلة (أليجريا) مارس- أبريل 1953. وجغلول (عناصر نافية)، ص 33 - 36.
في التعليم. وقد تناول الحمامي في القصة عدة لوحات تارخية واجتماعية، ولوحات أخرى عن الاستعمار وحقوق الإنسان. وانتقد أنشطة الكاردينال لافيجري والراهب دي فوكو، كما انتقد القديس أوغسطين لأنه عارض الحركة الدوناتية التحررية في نظره. وانتقد كذلك مبادئ الرئيس ويلسون التي خيبت آمال الشعوب. وتعرض إلى ضعف أساليب التعليم في بلدان المغرب العربي، وتمجيد الأولياء، وحبذ الحمامي الحركات الإصلاحية الإسلامية، وطالب بأخذ العلوم عن الغرب (1). إن قصة إدريس نموذج جديد في تسخير الأدب لخدمة القضية الوطنية ويقظة الشعب.
…
ولنلخص الآن أهم ما عرفنا من روايات وكتابات الجزائريين بالفرنسية غير التي ذكرناها:
1 -
عبد القادر حاج حمو (المعروف باسم عبد القادر فكري) نشر سنة 1925 رواية باسم (زهرة). والظاهر أنه كان من الأوائل المتصلين كثيرا بالأدباء الفرنسيين. فقد كان عضوا في جمعية الكتاب الفرنسيين في الجزائر التي تأسست سنة 1920. وكانت هذه الجمعية تصدر مجلة بعنوان (إفريقيا) ظهرت سنة 1924 (استمرت إلى سنة 1960). وأصبح فكري هذا نائبا لرئيس الجمعية سنة 1952. ومن الجزائريين الذين كانوا أعضاء في الجمعية
(1) عن الحمامي انظر علال الفاسي (الحركات الاستقلالية)، القاهرة، 1948، وشكيب أرسلان (حاضر العالم الإسلامي)، وبحثنا عن (شكيب أرسلان والحركة الوطنية) في تذكار نقولا زيادة 1991، وكتب أبو عمران الشيخ تقديما للطبعة الثانية لقصة (إدريس)، 1977، في مجلة الثقافة، عدد 42، ديسمبر 1977 - يناير 1978، ص 75 - 79. انظر أيضا بحث محمد بلقاسم (وحدة المغرب العربي) - ماجستير، معهد التاريخ، الجزائر. وجان ديجو (بيبلوغرافية)، ص 48. ويقول ديجو إن الحمامي كتب الرواية بين ديسمبر 1941 ويوليو 1942، وإن جريدة (الشاب المسلم) الإصلاحية قد نشرت منها قطعة في 2 يناير 1953.
أيضا: جميلة دبيش ومحمد زروقي والبودالي سفير. وكان زروقي وفكري من كتاب المجلة المذكورة (1). ويبدو أنهم اختاروا فكري ليكون نائبا لرئيس الجمعية عندما أصبح في آخر أيامه إذ توفي سنة 1953. وكان فكري قد نشر مع روبير راندو عملا أدبيا تحت عنوان (أصحاب البستان) (2). كما حضر المؤتمر الذي نظمته ماري بوجيجا في قسنطينة عن المرأة الجزائرية خلال الثلاثينات.
2 -
جميلة دبيش، بالإضافة إلى ما ذكرنا عنها، نشرت رواية بعنوان (ليلى فتاة جزائرية) سنة 1947. كما نشرت أخرى بعنوان (عزيزة) سنة 1955. وجميلة دبيش من مواليد سطيف وكانت تقيم في فرنسا وتعمل في الإذاعة الفرنسية. وساهمت بمقالات عن التعليم والوضع المهني للمرأة. وترأست مجلة (العمل) المتخصصة في شؤون المرأة أيضا (3).
3 -
محمد زروقي سابق الذكر، نشر عدة أعمال منها (حي روبنسون عربي) سنة 1948، وعمر الخيام 1952، والمعري سنة 1951 وطه حسين سنة 1952، وهي مقالات كان ينشرها في مجلة البحر الأبيض، ومجلة معلمي شمال إفريقية.
4 -
سليمان بن إبراهيم بامر، وهو رفيق الفنان إتيان ديني (ناصر الدين) في رحلته إلى الحجاز ومشاركه في تأليف بعض الكتب، ومنها (خدة راقصة أولاد نائل) سنة 1910 (4).
(1) ديجو (بيبلوغرافية)، 1977، ص 7 - 18. وعن زروقي انظر فصل الفنون، فقرة الموسيقى.
(2)
باريس 1933. ويبدو أنه يتعلق بالعادات الجزائرية والحكايات الشعبية.
(3)
انظر ألف أندرو هيقوي A.A. Heggoy (القاموس التاريخي للجزائر)، 1981، ص 99.
(4)
باريس 1910، 263 ص. وهو عمل مبكر، إذ عاش ديني وسليمان بعد ذلك حوالي عقدين آخرين. انظر جغلول (تكوين المثقفين العصريين 1880 - 1930) في (مظاهر الثقافة الجزائرية)، باريس، 1986.
5 -
مالك بن نبي نشر رواية بعنوان (لبيك)، أو حج الفقراء، سنة 1948. وهي قصة رجل فحام من عنابة، كان سكيراو ولكنه أدى فريضة الحج مع طفل كان يعمل ماسح أحذية في نفس المدينة. وقد اختفى الطفل في الباخرة متبعا لركب الحج. وفي آخر القصة قبل الطفل أن يكون ابنا للفحام الذي تاب من غوايته. وقال الكاتب إنه أراد أن يشارك بروايته في جزء هام من الفولكلور الجزائري (1).
6 -
سعد الدين بن شنب، كتب مقالات وبحوثا هامة عن مختلف الموضوعات المتصلة بالأدب والثقافة والتاريخ. ولا يمكن الآن الإحاطة بها. إنما نذكر له (حكايات مدينة الجزائر) التي نشرها في وهران 1946. وهي حكايات مترجمة عن العربية. ومن مقالاته (كتاب الجزائر بالفرنسية) في الموسوعة الكولونيالية والبحرية، وقد خصص منها عدة صفحات للكتاب بالعربية أيضا (2). ومنها مقالته عن الشاعر (محمد العيد حمو علي) في (الوثائق الجزائرية) عدد 7 (1946).
7 -
رشيد بن شنب، كتب (ثلاث قصص صيد من منطقة المدية)، ونشرها في المجلة الإفريقية، م 60.
8 -
أما حمزة بو بكر فقد كتب قصة (اعتراف مسلم القرن) ونشرها في مجلة (إيقاع العالم - ريثم دي موند) رقم 3، سنة 1947، وكذلك (مذكرات صحراوي) في نفس المصدر، رقم 1، سنة 1957. وله غير ذلك من المنشورات.
9 -
مصطفى الأشرف ترجم سنة 1953 (الأغاني العربية لبنات مدينة
(1) ديجو، مرجع سابق، ص 49. والرواية في 99 صفحة، وطبعتها دار النهضة بالجزائر. وجاء في كتاب (شروط النهضة) ط. دمشق 1986 لنفس المؤلف (ابن نبي) أن لبيك هي القصة الوحيدة التي كتبها وأنه اتجه فيها اتجاها أدبيا. انظر ص 7.
(2)
Encycolopedie Coloniale et Maritime الجزء الثاني، باريس، 1946، ص 248 - 253.
الجزائر) كما أشارت إلى ذلك بعض المراجع، ولكننا لا ندري أين نشر ذلك (1). وكنا قد ذكرنا أن الأشرف نشر أوائل عهد الثورة مسرحية في مجلة (الفكر) التونسية، وقد قامت المجلة بالترجمة من الفرنسية إلى العربية.
10 -
محمد ديب عرف برواياته وقصصه، ومنها الدار الكبيرة والحريق والمنسج، وقد أصبحت أعمالا كلاسيكية. وكان كذلك كتب المقالات والتعاليق الأدبية والنقدية في جريدة (الجزائر الجمهورية)، ومنها مقالة سنة 1950 عن (المثقفين الجزائريين والحركة الوطنية)(26 أبريل). كما نال محمد ديب جائزة فرنسية عن الدار الكبيرة. وقد ترجمت معظم أعماله إلى العربية.
11 -
مولود معمري ومولود فرعون وحسن شبلي نال كل منهم جائزة فرنسية، الأول عن روايته الربوة المنسية، والثاني عن روايته الأرض والدم، والثالث عن شعره.
وكل ذلك كان قبل الثورة. ثم توالى الإنتاج والجوائز الفرنسية لأعمال أخرى لهؤلاء، وكذلك لأعمال جيل آخر من الكتاب أبرزهم كاتب ياسين وآسيا جبار ومالك حداد ومالك واري (2). والمعروف أن الجوائز كانت تعطى لتشجيع الإنتاج باللغة الفرنسية وليس لإبداع الأدبي في حد ذاته.
وهكذا يتبين أن الأدب الجزائري باللغة الفرنسية أخذ مكانا واضحا منذ
(1) أشارت إلى ذلك كريستيان عاشور في بحثها (المدرسة والمجتمع والأدب
…
) في (المظاهر الثقافية الجزائرية)، باريس 1986، ص 90.
(2)
مما يذكر أن لرابح الزناتي عملا بعنوان (بولنوار) نشرته دار الكتاب، الجزائر، 1945، ولا ندري الآن محتواه ولا شكله ولا نوعه.
وبالإضافة إلى مقالة سعد الدين بن شنب عن محمد العيد حظي هذا الشاعر بمقالات من أدباء فرنسيين منهم إيمانويل روبلس في جريدة (وهران الجمهورية) أول أبريل 1947، وفرنسوا بونيان في (التام TAM) 17 غشت 1946، وآخر مجهول (. A.E) في (مناخ - فرنسا ووراء البحار) 22 ديسمبر 1946.
مطلع الخمسينات، وأخذ ينافس الأدب العربي القديم والحديث في الجزائر، وقد زادت أحداث الثورة من بلورة هذا الأدب وظهوره على المسرح العالمي أيضا، وكادت الجزائر لا يعرفها العالم إلا به حتى بين أدباء المشرق عندئذ، تحت شعار أن الاستعمار الفرنسي قد جرد الجزائريين من لغتهم وثقافتهم الأصلية حتى أنهم اندمجوا في لغة المستعمر ذاته ونسوا لغتهم.
وقد أثمرت جهود الكنيسة والحركة الشيوعية فتولد عنهما أدب هجين ظهرت آثاره بعد الحرب الثانية. وليس هناك من سبيل إلى دراسته هنا، ولكننا ننبه إلى أن الكنيسة والحركة الشيوعية - على اختلافهما في الأيديولوجية - تمكنتا من إخراج بعض الروائيين والكتاب. فقد أخرجت الكنيسة أو مدارسها الخاصة أمثال جان عمروش وأوغسطين أيبازيزن (1)، وكان الأول قد كتب حياة يوغرطة وألف الثاني سيرة ذاتية برر فيها لماذا اختار اسم أوغسطين رغم أن عائلته عائلة إسلامية معروفة. وربما كان حسني لحمق من هذه المدرسة أيضا، وكذلك مولود فرعون صاحب المؤلفات الأدبية التي منها (الطرق الصاعدة) و (التلميذ والدرس). وكان فرعون ضحية منظمة الجيش السري سنة 1962. أما لحمق فلا نعرف له سوى (الرسائل الجزائرية) التي نشرها سنة 1933.
وعشية الثورة دخلت الرواية الجزائرية بالفرنسية عصرها الذهبي. وقد صنف النقاد الفرنسيون كتابها في مدرسة البحر الأبيض (؟) من حيث الانتماء الأقليمي، وإلى المدرسة الفرنسية من حيث اللغة، وإلى الثقافة العربية -الإسلامية من حيث الروح والتراث. أما النقاد العرب فقد اعتبروا هؤلاء الكتاب ضحايا الاستعمار، فهم يعبرون بقلب عربي وبربري وقلم فرنسي. وكان مالك حداد أكثرهم صراحة وصدقا حين اعتبر نفسه منفيا فى اللغة الفرنسية وذهب إلى المشرق ليسترد هويته.
(1) قوانار (الجزائر)، ص 279.
ومن جهة أخرى أخرجت الحركة الشيوعية كتابا وأدباء نذكر منهم، البشير حاج علي، وعمار أوزقان، والصادق هجرس، إضافة إلى كاتب ياسين الذي تألق نجمه منذ الخمسينات، وقد رجع أوزقان إلى أحضان الوطنية والعمق الحضاري، أما الآخرون فقد ظلوا على ولائهم للمذهب الشيوعي الرافض للوطنية الضيقة. وكان أدبهم يعبر على ذلك (1). ولكن الثورة استطاعت أن تصهر هذه العناصر وأن تقارب بين الجزائريين على اختلاف ميولهم وثقافتهم، رغم أن بعضهم رجع بعد الاستقلال إلى خطه القديم، ولعله لم يتحول عنه أصلا.
(1) انظر ترجماتنا للأدب الجزائري بالفرنسية في (دراسات في الأدب) ط. 3. وفي (هموم حضارية)، 1993، انظر كذلك مجلة (لا نوفيل كريتيك) سنة 1960، وعمار أوزقان (الجهاد الأفضل)، بيروت، 1962. وجريدة (الشاب المسلم) - بالفرنسية - عن إنتاج ابن نبي وأوزقان والأشرف والشريف ساحلى.