الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
يخضع لأي نظام أو انضباط، مهما كان شكله. وتلك هي روح الشرق في نظر الفرنسيين، وهي الحرية الكاملة أمام الطبيعة. ويبدو أن تأثير فيلا عبد اللطيف كان عظيما حتى أن هناك جمعيات فنية أصبحت مرتبطة بها. وقد ذكر ألازار قائمة الفنانين الذين سكنوا هذه الفيلا واستفادوا منها (1).
من الذين اشتهروا وتخرجوا من الفيلا: ألبير ماركي الذي ترك لوحات عديدة عن مرسي الجزائر، ومرسي بجاية. وهو يعتبر من الذين أقروا بتقنياتهم على جيل من الفنانين الفرنسيين بالجزائر والذين ساهموا في إنشاء المدرسة المذكورة. كذلك كان لهنري ماتيس تأثير بلوحاته المثيرة والغريبة، كما أثر في اتجاهات الرسم الجزائري - الفرنسي. وتخرج من هذه المدرسة أيضا نحاتون بارزون آخرون، أمثال هيلبير، وبول بيلماندو، وقد أصبحا في درجة النحاتين الباريسيين.
كانت فيلا عبد اللطيف تضم مجموعات من اللوحات الفنية النادرة. وكان يشرف عليها السيد ألازار. وقد تبرع لها عدد من الفنانين والعائلات، مثل عائلة لونق Lung، وبعض المستشرقين، ومن ذلك سجل فني يرجع إلى عهد دي لاكروا، ونماذج من أعماله، وأخرى لفرومانتان، ونموذجان لشاصيريو. كما وصلتها أعمال الفنانين الانطباعيين والواقعيين. وقد حمل الفرنسيون هذه اللوحات والنماذج معهم إلى بلادهم عشية استقلال الجزائر سنة 1962 (2).
معارض الفنون الإسلامية
ضمن اهتمام الفرنسيين بالسياسة الإسلامية، افتتحوا معرض باريس
(1) ألازار (الوثائق)، مرجع سابق، ص 268.
(2)
قوانار (الجزائر)، ص 283. ويقول قوانار إن فرنسا قد أعادتها إلى الجزائر في عهد الرئيس بومبيدو. انظر عن فيلا عبد اللطيف وتطورها أيضا دراسة جان ألازار في (مدخل إلى الجزائر)، مرجع سابق، ص 357. ودراسة جان بيرسييه Bersier (رسامان قديمان أقاما في فيلا عبد اللطيف) في (مجلة البحر الأبيض)، عدد 2، م. 8، 1950، ص 229 - 240، وهي عن حياة كل من بوشو Bouchoud وليفريل. Levrel
للفن الإسلامي سنة 1903، ثم سنة 1912. وفيه عرضت نماذج من الفنون. وفي كل سنة كانت تفتح قاعة للمستشرقين تجذب الكثير من الزوار وتعرض فيها الفنون ذات الصلة بالحياة العربة والإسلامية في الجزائر وغيرها. ومثل هذه القاعات والصالونات كان يتكرر في العواصم الإقليمية أيضا مثل وهران وقسنطينة. وقد تكونت جمعيات لرعاية الفنون وتشجيعها.
ومن المعارض الفنية ما حدث سنة 1905 بمناسبة انعقاد مؤتمر المستشرقين 14 في الجزائر. فقد افتتح المعرض في المدرسة العربية - الفرنسية بالعاصمة التي أصبحت تسمى الثعالبية. وسمى (معرض الفنون الإسلامية). وعرضت فيه تحف نادرة جمعت من أشهر العائلات العريقة الباقية. ومن هذه التحف مجموعة من الأسلحة والسروج والمطروزات. وكان منها سرج كله مرصع بالذهب يرجع إلى البشير التجاني هدية من باي تونس حوالي 1817. ومن العائلات التي تقدمت بما عندها من تحف عائلة الفكون، وعلي باي (بوعكاز)، والحاج الأخضر (حاكم الأرباع؟)، وابن قلفاط، وابن مرابط. وكان منهم أهل الريف وأهل المدن على السواء، وكانت الصناعات النحاسية ممثلة في المعرض أيضا. ويقول جورج مارسيه الذي وصف المعرض وصفا مطولا وغنيا، أن صناعة النحاس كانت شهيرة في العاصمة وبوسعادة والأغواط وقصر البخاري (1).
وهناك معرض آخر أقيم سنة 1924 في المدرسة الثعالبية أيضا، وكان يستهدف التعريف (بالفن الأهلي). ومما عرض فيه مصحف شريف ضخم كان موضوعا في الجامع الجديد. وكان في لون أزرق، واعتبروه تحفة فنية جميلة أخذت بالألباب لقدمه وألوانه وفخامته. وقد أشرف على المعرض
(1) جورج مارسيه (معرض الفن الإسلامي) في (المجلة الإفريقية)، 1905، 380 - 401. من بين الأسماء الأخرى التي ذكرها في إعارة تحفها إلى المعرض: أحمد بن الشريف، وبومنديل، والحاج لعيرج، وعلي الحاج مكتوت، وعلي بن بوزي. أما التاريخ 1817، فالظاهر أنه يمثل تاريخ الهدية من الباي إلى الزاوية التجانية، لأن البشير التجاني لم يعش في ذلك الوقت وكان معاصرا للمؤتمر المذكور (1905).
جان ميرانت مدير الشؤون الجزائرية (الأهلية)، ولكن أوغسطين بيرك هو الذي نظمه، وكان عندئذ في منصب الملحق الإداري بالحكومة العامة. وقد كتب بيرك كتابا كاملا تعليقا على المعرض، ولعله هو كتاب (الجزائر بلاد التاريخ والفن). وبناء عليه فإن الفن الحضري الجزائري قد مثلته العاصمة وقسنطينة والبليدة، وقد ظهر في مدارس متنوعة. وهناك أيضا الفن البربري والفن الصحراوي. وقد دام المعرض نصف شهر (إبريل - مايو). ولكي تظهر الروح الجزائرية في أحلى مظاهرها، حسب المنظمين للمعرض، غنى الشيخ عبد الكريم (؟) في القاعة الصحراوية، ورقصت (وريدة) الرقص الحضري، وعزفت جوقة إيفيل اليهودية ألحان الموسيقى (الأندلسية) فشنفت أسماع الزوار القادمين من فرنسا. وقد تساءل أحد الكتاب عن وصف الفن الجزائري (بالشرقي)، فالجزائر في نظره بلاد مسلمة ولكنها قليلة التشرق، لأن هناك الفن البربري الذي ترك عليها أيضا بصماته (1).
ومن أضخم المعارض ذلك الذي دشن سنة 1930 بمناسبة الاحتفال المئوي بالاحتلال. ثم توالت المعارض الفنية. وليس هدفنا استقصاء هذا النشاط الذي كان يخدم الإدارة الفرنسية التي تشرف عليه وتوجهه. وقد اشترك فيه في وقت لاحق بعض الجزائريين، عندما فرضوا أنفسهم على الساحة الفنية، مثل محمد راسم. ولكن الإشراف والتأطير كان دائما فرنسيا، وكان المعرض موجها سياسيا.
والواقع أنه منذ 1923 نبهت السيدة بوجيجا إلى ضرورة إنشاء متحف للفن الإسلامي في الجزائر ليكون على غرار متحف الفن الإسلامي بالقاهرة. ويبدو أن السواح كانوا يختلسون الآثار الإسلامية ونماذج الفن الوطني فدعت هذه السيدة إلى ضرورة إنقاذ الآثار الإسلامية بإنشاء المتحف وصيانة الآثار
(1) ف. ر. (كذا). F.R (الفنون الأهلية الجزائرية) في (المجلة الجزائرية) SGAAN، 1925، ص 154 - 155. ويوحي تعليق هذا الكاتب بأنه من أنصار المدرسة التي تقول إن البربر غير عرب وغير شرقييين، تحضيرا لإدماجهم في فرنسا. انظر فصل مذاهب وتيارات.