المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌عمر راسم وأخوه محمد وآخرون - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٨

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثامن

- ‌الفصل الأولاللغة والنثر الأدبي

- ‌حالة الأدب والثقافة غداة الاحتلال

- ‌التعامل مع اللغة العربية

- ‌الدراسات البربرية

- ‌الدراسات النحوية والمعاجم

- ‌بلقاسم بن سديرة

- ‌عمر بن سعيد بوليفة

- ‌النثر الأدبي

- ‌المقالة الصحفية

- ‌الأسلوب من عاشور الخنقي إلى الإبراهيمي

- ‌الرسائل

- ‌التقاريظ

- ‌الخطابة

- ‌محمد الصالح بن مهنة وكتابه

- ‌خطب أبي يعلى الزواوي

- ‌الروايات والقصص والمسرحيات

- ‌ المقامات

- ‌أدب العرائض والنداءات والنصائح

- ‌مؤلفات وشروح أدبية والتحقيق

- ‌محمد بن أبي شنب

- ‌الأدب باللغة الفرنسية

- ‌الفصل الثانيالشعر

- ‌مدخل في تطور حركة الشعر

- ‌الدواوين والمجاميع

- ‌كتاب شعراء الجزائر في العصر الحاضر

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الإسلامي والإصلاحي

- ‌شعر المدح

- ‌شعر الرثاء

- ‌الشعر الإخواني

- ‌الشعر الذاتي

- ‌مبارك جلواح

- ‌الشعر التمثيلي والأناشيد

- ‌شعر الفخر والهجاء وغيرهما

- ‌الشعر الشعبي

- ‌ثورات وشعراء

- ‌في الشكوى وذم الزمان

- ‌أغراض أخرى للشعر الشعبي

- ‌الفصل الثالثالفنون

- ‌الفنون التقليدية - الشعبية

- ‌الجزائر والشرق عند الفنانين الفرنسيين

- ‌فيلا عبد اللطيف

- ‌معارض الفنون الإسلامية

- ‌الآثار الدينية

- ‌القصور والمباني الحضرية

- ‌المتاحف

- ‌الرسام ناصر الدين (إيتيان) ديني

- ‌النقش والرسم والخطاطة

- ‌مؤلفات في الخط

- ‌عمر راسم وأخوه محمد وآخرون

- ‌مؤلفات وآراء حول المسرح ورواد التمثيل

- ‌آراء ومؤلفات في الموسيقى

- ‌تطورات أخرى في مجال الموسيقى والغناء

- ‌ محمد ايقربوشن

- ‌المحتوى

الفصل: ‌عمر راسم وأخوه محمد وآخرون

ومن رأي الزواوي أن الخطوط الشائعة في المشرق ثلاثة، وهي: الرقعي والنسخي والثلثي، واعتبر النسخي والثلثي أجودها، أما الرقعي فاعتبره أردأها، وقال فيه ما قال ابن خلدون في خط أهل المغرب بعد تغيره، إذ هو لا يكاد يقرأ إلا بصعوبة. ولاحظ أن حسن الخط مما يزيد الحق وضوحا، واستشهد بقول الإمام أبي حنيفة لأحد الكتبة: لا تقرمط الحروف فإنك إن عشت تندم وإن مت تشتم. وقد اطلعنا للزواوي على نماذج من خطه، غير الرسالة التي نحن بصددها، ومن ذلك التقييد الذي كتبه من دمشق وأرسل به إلى الشيخ طاهر الجزائري في القاهرة سنة 1332/ 1912 (1). أما مصحفه فلم نطلع عليه.

‌عمر راسم وأخوه محمد وآخرون

محمد بن سعيد راسم، أحد إخوة من عائلة واحدة اشتهرت بفن الرسم والفنون الجميلة كالخط والمنمنمات. وكان سعيد راسم نفسه فنانا. ويذهب جورج مارسيه إلى أن الأسرة قد تكون جاءت من المشرق في وقت غير معروف واستقرت أولا في بجاية، ثم انتقلت إلى العاصمة. ومهما كان الأمر فإن بجاية قد عرفت بعائلاتها الأندلسية أيضا وربما تكون عائلة راسم، مثل عائلة ابن خلدون ذات منابت عديدة.

واشتهر من هذه العائلة عمر راسم في أول هذا القرن، وقد تناولناه في الصحفيين. فقد كان مناضلا منذ زمن مبكر في ميدان الصحافة والأدب، وكان كذلك خطاطا ورساما، إذ كان قد أصدر جريدة (الجزائر) و (ذو الفقار) حافلتين بخطوط يده ورسوماته حسب رواية الرواة، وكان قد عمل في جريدة المبشر الرسمية التي استجلبته للاستفادة من معارفه وخطوطه ورسوماته (2).

(1) نشرنا ذلك في دراستنا عنه، مع صورة للتقييد، في كتابنا (أبحاث وآراء)2. وربما لجودة خطه طلب منه دومينيك لوسياني حوالي 1910 أن ينسخ له كتاب (أعز ما يطلب) لابن تومرت. وقيل إن الزواوي قد نسخ مصحفا عظيما قبل وفاته.

(2)

لا ندري كم دام عمله في جريدة المبشر، والمعروف أن السلطات الفرنسية قد اتهمته بالتعاون مع العدو، وحكمت عليه بالأشغال الشاقة. عن عمر راسم انظر محمد =

ص: 429

أما فنه فنجده في أغلفة بعض الكتب المعاصرة مثل اللوحة التي رسمها لغلاف (كتاب الجزائر) لأحمد توفيق المدني. وهو غلاف لو أتيح له أن صدر بالألوان لكان تحفة فنية. ومع ذلك فإن الذوق العربي والإسلامي بارز فيه. فالعنوان داخل في إطار من الرسم التقليدي في الفن الإسلامي، وعبارة (كتاب الجزائر) مكتوبة بخط كوفي جميل ومتداخل. وقد صممت اللوحة كاملة لتعطينا نافذة تطل على مدينة الجزائر وماضيها، ويظهر من خلالها البحر، وأمامه أبرز بناء تعلوه صومعة أو فنار، وتتحرك داخل مياه البحر سفن، وتوجد على سارية إحداها راية تخفق وهلال بهذه العبارة (حب الوطن من الإيمان). وتحت عنوان الكتاب كتابة رقيقة هي: تاريخ الجزائر إلى يومنا هذا - وجغرافيتها الطبيعية، والسياسية، وعناصر سكانها ومدنها، ونظاماتها وقوانينها، ومجالسها، وحالتها الاقتصادية والعلمية والاجتماعية، تأليف أحمد توفيق المدني. وفي وجه اللوحة، بين الصومعة والراية، كتبت العبارات التالية: الإسلام ديننا، الجزائر وطننا، العربية لغتنا. وعند التأمل ستلاحظ أن طرف الراية يكاد يلتصق بعبارة (الجزائر وطننا) بالذات، وكأن الفنان عمر راسم أراد أن تحمل الراية تلك العبارة وحدها. فاللوحة حينئذ ذات رسالة وطنية موجهة ومحتوى فني أصيل. ولا ندري كيف يزاوج الفنان في الألوان لو كانت اللوحة ملونة (1).

يذكر جورج مارسيه أن والد محمد راسم كان أيضا رساما ونقاشا

= العابد الجلالي (تقويم الأخلاق) الجزائر 1927، وأحمد توفيق المدني (حياة كفاح) 2/ 52. ومحمد شريفي (اللوحات الفنية)، وهي أطروحة دكتوراه من جامعة الجزائر. وفيها أن الأسرة عثمانية، وأن علي راسم، والد عمر، كان أيضا فنانا وخطاطا. انظر أيضا سابقا.

(1)

(كتاب الجزائر) لأحمد توفيق المدني، ط. سنة 1931، وقد أعيد طبع الغلاف القديم في ط. الجديدة، 1963، فتأمله. كما أن عمر راسم هو الذي وضع لوحة غلاف (تقويم المنصور) للشيخ المدني أيضا. وربما هو الذي رسم أغلفة أخرى له ولغيره.

ص: 430

ونحاتا. فقد كان يرسم وينقش وينحت إبداعات نادرة على الزجاج، كما كان رساما على الورق ونقاشا على الخشب، فمحمد وأخوه عمر إذن قد تلقيا الفن في ورشة العائلة عن والدهما (اسمه علي راسم). ولكننا لا نعرف إلا القليل عن أعمال هذا الوالد الموهوب. وقد عاش في النصف الثاني من القرن الماضي الذي كان عهد ظلام في العلم والفن، لولا بعض النادرين الذين أشرنا إليهم. ومهما كان الأمر فإن عمر ومحمدا قد تعودا على الإزميل منذ الطفولة ولاحظا تناسق الألوان، وقد أمدتهما الطبيعة من حولهما والموهبة بطاقات الإبداع. وكل منهما بقي وفيا لتقاليد العائلة والبلاد. ويذكر مارسيه أن عمر بالذات قد ترك صفحات من الفن الزخرفي - ديكوراتيف - وأنه مال بالخصوص إلى الخط العربي. وهذه شهادة أخرى على أن الخطاطين كانوا موجودين ولكن عددهم قليل. ولكن ما الخط الذي كان يكتب به عمر راسم؟ وفي أي مجال استعمله؟ وإذا حكمنا على لوحة (كتاب الجزائر) للمدني فربما يكون الخط الكوفي من اختياراته.

وأما محمد راسم فقد تخصص في فن المنمنمات. وهو أكبر من أخيه بعدة سنوات. والمدرسة التي تخرج منها محمد هي مدرسة العائلة والطبيعة والموهبة، رغم أنه، كما قال مارسيه، قد مر بمدرسة الفنون الجميلة الفرنسية. فلم يتأثر بما فيها. ومنذ بلغ السنة الرابعة عشر لفت إليه نظر أستاذ فرنسي، هو بروسبير ريكارد Ricard فأدخله في مكتب الرسم بأكاديمية الجزائر - وكانت مدرسة الفنون الجميلة تتبعها - فاشتغل محمد راسم بنماذج الزرابي وأنواع المطروزات، كما اشتغل في الكتب التي تحتاج إلى التصوير. ولاحظ عليه الفرنسيون أنه قد أدخل حياة الشرق في فنه، وجذب إليه بالتالي أنظار علماء الرسم. وتوسعت صلاته بدوائر الإنتاج الفني والمستفيدين منه، واستدرجوه بعيدا عن محيطه (الأهلي) كما فعلوا مع يوسف بن الحفاف. فقد عرفه (أي راسم) مدير الأكاديمية على الناشر (بيازا) فطلب منه هذا زخرفة كتاب (حياة محمد) الذي ألفه ناصر الدين

ص: 431

(إيتيان) ديني وسليمان بن إبراهيم. والمعروف أن ديني نفسه قد وضع رسومات كتابه (1).

وبعد هذه المرحلة الاستكشافية ذهب محمد راسم إلى فرنسا ونزل باريس، فاستقبله فيها المهتمون بالخطوط والفنون. ومنهم السيد بلوشيه، المحافظ بالمكتبة الوطنية بباريس. وأبقاه عنده حيث عمل في قسم المخطوطات. كما تعرف على المجموعات الفنية هناك، وفيها آثار شرقية نادرة. ومن باريس ذهب محمد راسم إلى لندن لكي يطلع على مجموعاتها الشرقية (العربية - الإسلامية)، واستقبله هناك السير دنيسون روس المختص في الدراسات الإيرانية وسهل له مهمته. ثم قصد الأندلس (اسبانيا) ممنوحا بمنحة من الحكومة العامة في الجزائر. وقد وجد راسم في الأندلس العصر الذهبي للفن العربي الإسلامي، وبالخصوص في قرطبة وغرناطة، فتعمقت معارفه واتصل بالماضي الفني، ونشطت موهبته للإبداع.

وبعد ذلك أخذ اسم محمد راسم في الظهور، وشارك في عدة معارض دولية، ونال الجوائز. شارك في معارض: القاهرة وروما وبوخاريست وباريس وفيينا واستكهولم. ويبدو أنه تزوج من سيدة سورية إذ يقول مارسيه إن راسم قد وجد فيها رفيقة حياته. ومن أعمال راسم أنه رسم كتاب ألف ليلة وليلة، ونال عدة جوائز وميداليات، منها ميدالية المستشرقين سنة 1924، والجائزة الفنية الكبرى للجزائر سنة 1933. وقد ظل مع ذلك متواضعا ومستمرا في خدماته (2).

وقد نوه مختلف الكتاب الذين تناولوا تاريخ الفن بمجهود وإبداعات محمد راسم، لا سيما في فن المنمنمات الذي يكاد يختص به. فأطلق عليه

(1) جورج مارسيه (محمد راسم ونهضة المنمنمات) في (الوثائق الجزائرية) Doc. Alg، رقم 5 تاريخ 30 يونيو، 1946، ص 265 - 266. وقد اطلعنا على كتاب (حياة محمد) في الترجمة العربية التي قام بها الشيخ عبد الحليم محمود، وليس فيها رسومات. ولعل مساهمة راسم كانت في لوحة الغلاف للطبعة الفرنسية.

(2)

مارسيه، مرجع سابق، ص 266.

ص: 432

أوغسطين بيرك اسم (أمير فن المنمنمات). وقال إنه كان يمزج في أعماله بين أصالة الفن الفارسي ونارية المزاج الجزائري (1). وقالت عنه ماري بوجيجا سنة 1923، وهو عندئذ ما يزال في بداية عطائه الفني، إنه شخص بارع في فن المنمنمات، وهو ذو موهبة، وإن حصل على ميدالية فيرماي Virmeil للفنانين الشرقيين بباريس، وإن بلدية الجزائر قد منحته منحة قيمتها 500 ف (2). ونوه به أيضا قوانار قائلا إنه تفرد بفن المنمنمات ونافس الفنانين الفرنسيين ولم يترك لهم المجال وحدهم، وقال عنه أيضا إن له تلاميذ واصلوا المهمة بعده (3).

لم يكن الأخوان راسم، ولا يوسف ابن الحفاف ولا عمر بن سماية وحدهم في الميدان. فقد نشأ جيل آخر اهتم أيضا بالرسم والتصوير والنقش. وقد ذكر قوانار منهم حيمش التلمساني الذي قيل إنه كون مدرسة خاصة في الرسم (4). ولكننا الآن لا نعرف عنه أكثر من هذه الشهادة. وقد اعتبره محمد خدة من رواد الرسم الجزائري الذين وقعوا في مصيدة الرسم الاستعماري، أو المدرسة التي تخرج منها ديني وغيره (5). وهي ملاحظة في حاجة إلى بيان وتبرير.

ولنذكر الآن نماذج أخرى من الرساميين الجزائريين في هذا القرن. وهم الذين ظهر إنتاجهم الفني غالبا بعد الحرب العالمية الثانية، فمنهم:

(1) أوغسطين بيرك (الجزائر أرض الفن والتاريخ)، 1937، ص 262.

(2)

ماري بوجيجا (نحو نهضة

) مرجع سابق، ص 391.

(3)

قوانار (الجزائر)، ص 283. كانت نهاية محمد راسم مأساوية فقد اغتيل في بيته بالجزائر خلال السبعينات في ظروف ما تزال غامضة. وربما نهبت لوحاته خلال ذلك.

(4)

نفس المصدر.

(5)

محمد خدة (الرسم الجزائري) في كتاب (مظاهر تطور الفنون والعلوم في الجزائر)، منشورات المركز الثقافي الجزائري في باريس، 1990.

ص: 433

1 -

أزواو معمري: وهو أخ لمحمد بن أرزقي معمري الذي أصبح من معلمي ووزراء سلطان المغرب. وعائلة معمري من بني يني بزواوة، وقد تولت الوظائف الرسمية لفرنسا، ومنها وظيفة القيادة على بني يني. وأرزقي كان حفيدا للحاج علي بن محمد السعيد (أمين أمناء) بني يني عند الاحتلال. ومنهم بوسعاد معمري وقانة معمري، وأزواو هو حفيد الحاج علي المذكور. ولد سنة 1890 واستفاد من وضع عائلته البرجوازية بمقاييس ذلك الوقت والقريبة في الخدمات من السلطات الفرنسية.

تلقى أزواو دروس الرسم على يد ادوارد هيرزيق Herzig . ولنا أن نتصور أن أزواو تعلم في المدرسة الفرنسية بالقرية. وقد لقى تشجيعا أيضا. من ليون كار Carre سنة 1913، وكان في سن الجندية عندئذ. ولكننا وجدناه قد ذهب إلى المغرب حيث سبقه أخوه محمد معمري لإنشاء مدرسة للغة الفرنسية في الرباط (1). ولا ندري العمل الذي قام به أزواو في المغرب بين 1914 - 1918، غير أننا وجدناه سنة 1919 قد عين أستاذا للرسم بالمدرسة الإسلامية بالرباط. وقد ظهرت أول رسوماته القماشية في فرنسا حيث ضم متحف لوكسمبورغ مجموعة منها. وفي سنة 1921 نظم آزواو معرضه الأول، وكتبت عنه الصحافة الإشهارية فاشتهر أمره كرسام مبدع. ولكن محمد خدة اعتبره من رواد الرسم الذين وقعوا أيضا في فخ المدرسة الاستعمارية (2).

والعجيب أن هذا الرسام المبدع قد سمته الإدارة الفرنسية (قايدا) على بني يني ليواصل تقاليد الأسرة في الإدارة، وذلك حوالي سنة 1927 رغم أنه لم يبق للقيادة سوى سلطات رمزية. ولا ندري ما إذا كان أزواو قد جمع بين الفن والإدارة. ذلك أننا وجدناه سنة 1924 قد رجع إلى الجزائر من المغرب

(1) تخرج محمد معمري من كلية الآداب بالجزائر، وأرسله الفرنسيون سنة 1908 ضمن من أرسلوهم (لتنظيم) المغرب. وكان ذلك قبيل الاحتلال طبعا.

(2)

محمد خدة، مرجع سابق.

ص: 434

وحصل على منحة دراسية في الأندلس (أسبانيا)، ثم رجع إلى المغرب، واشتغل من جديد أستاذا للرسم ولكن في فاس. ثم أصبح هو المفتش الإقليمي للفنون الأهلية بالرباط. ثم أصبح سنة 1929 مفتشا للفنون المغربية في مراكش، وقد ظل كذلك إلى سنة 1948 حين تقاعد. ومن لوحاته (قرية قبائلية) وهي رسم زيتي على القماش، رسمها سنة 1934 (1). ولا شك أن تاريخ الأسرة الإداري ووجود أخيه في البلاط المغربي قد ساعدا أزواو معمري على إنجاز العديد من مهماته في فن الرسم.

2 -

ميلود بوكرش: وهو رسام من سيدي بلعباس، وحياته مجهولة لدينا في معظمها، ومما نعرف عنه أنه درس في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بباريس، ربما بمنحة خاصة نظرا لمواهبه الفنية. وقد بدأ إنتاجه الفني يظهر سنة 1947 حين شارك في المعرض الذي نظمه النادي الفرنسي - الإسلامي (فرنكو- مسلم) بالجزائر العاصمة. ثم نظم بوكرش معرضا شخصيا سنة 1950، وقيل إن رسوماته وصوره تتخذ طابعا، استشراقيا - شرقيا؟. ومن لوحات ميلود بوكرش (رجل أهلي)(2). وقد نلاحظ أن الرسم في هذه الفترة، مثله مثل الأدب المكتوب بالفرنسية، قد ضيع أصالته، ما عدا إنتاج الذين احتفظوا بأصالتهم (وهو أمر صعب) مثل منمنمات محمد راسم.

3 -

حسن بن عبورة: وهو أيضا من جيل من سبقه. وحياته الأولى مجهولة لدينا. وبناء على بعض المصادر فإن نشاطه في الرسم قد بدأ في الأربعينات. وصنفه النقاد في الرسامين (السذج)، على أنه رسام عصامي، ربما لأنه لم يتلق دروس الرسم على أي معلم وفي أي مدرسة. وقد شارك

(1) أطروحة (الرسم الجزائري خلال العهد الاستعماري)، براغ 1985 - 1986، ص 271. وهناك تداخل في سنوات وظائفه وتفرغه للفن لم نستطع الآن تنسيقها. عن حياة الأسرة ودور محمد معمري في المغرب، انظر قوفيون (أعيان المغرب الأقصى). ط. الجزائر، 1934، ص 261 وشكيب أرسلان (حاضر العالم الإسلامي) 3/ 333.

(2)

نفس المصدر، ص 270.

ص: 435

ابن عبورة في الحرب العالمية الأولى 1914 - 1918، ولكننا لا ندري هل في الجبهة الأوروبية أو غيرها. وقد عرض إنتاجه لأول مرة في الجزائر سنة 1945. ثم أخذ يشارك في المعارض باستمرار، ومنها معارض النادي الفرنسي - الإسلامي بالعاصمة سنوات 1946، 1947، 1949. كما شارك في قاعة المكتبة الجديدة (الوطنية اليوم؟) سنة 1954.

تخصص حسن ابن عبورة في رسم الساحات والمناظر الطبيعية العامة، وكذلك رسم شوارع مدينة الجزائر. وقيل إنه في رسمه لهذه الشوارع قد حولها إلى شوارع مضيئة شفافة وانعكست عليها حساسيته الساذجة والمفرطة. ومن لوحاته: ساحة الحكومة (ساحة الشهداء حاليا)، وشارع الجزائر بالبليدة، وكلتاهما رسمت بالزيت على القماش (1).

ولا شك أن هناك رسامين آخرين نجهلهم الآن، أو لا نعرف عنهم إلا النزر اليسير. فقد ذكر الشيخ مبارك الميلي في مقدمة الجزء الأول من كتابه (تاريخ الجزائر) أن عمر دهينة الذي كان مدرسا بالمدارس الفرنسية في الأغواط على عهده، كان (أحد

أفذاذ نبغاء الرسامين) ولكنه لم يذكر بعض أعماله.

خلال الثمانينات من القرن الماضي ظهر اسم لأحد الجزائريين اهتم بالفنون عامة وتناولها في بعض المحاضرات وعلقت عليها الصحافة. وللأسف لا نعرف أن محاضراته قد طبعت، ولا نعرف كذلك مجموعة من آرائه في الفنون القديمة وعلاقتها بالفنون الجميلة الحديثة. كما أنه من الأسف أننا لا نعرف أين تلقى دراسته الفلسفية والفنية حتى أصبح من المشار إليهم في عهد وصفناه بأنه عهد ظلام دامس.

ذلك هو أحمد بن قدور الذي ظل كأنه اسم نكرة. وقد وجدنا في بعض الوثائق أنه أحمد بن قدور الملقب عطشى. وكان من مواليد سنة 1853،

(1) أطروحة (الرسم الجزائري)، مرجع سابق، ص 276.

ص: 436

ومن خريجي مدرسة الصنائع بباريس. وقالت عنه صحيفة (التايمز) أنه عربي تخرج من الجامعة. وقد توظف في المكتبة الوطنية بباريس، ثم حول إلى العاصمة فعمل عند رئيس المحكمة العليا، ثم التحق محررا في إدارة الحكومة العامة. ويهمنا هنا أن أحمد عطشي كان مولعا أيضا بتاريخ الفنون القديمة والحديثة، وأنه قد ألقى محاضرة عن الأديب الإيرلندي - الإنكليزي (لورانس ستيرن)، سنة 1880، وأعلنت الصحف أنه كان مهتما بالفنون القديمة والحديثة، وقد توفي أحمد عطشي مبكرا، سنة 1897. فهل ترك تراثا عن فنون قومه؟ وهل أضل بعضها وعالج الفنون الحديثة الجزائرية منها والأوروبية؟ ذلك ما بقي مجهولا عنه لدينا (1).

وفي دراسته لتاريخ الرسم الجزائري لاحظ محمد خدة، وهو من الخبراء والمنتجين في هذا الفن، أن هناك عدة مراحل له. وقد ذكر منها مرحلة الرواد الذين تأثروا بالمدرسة الاستعمارية أو وقعوا في فخها، حسب دعواه، وهي مدرسة إيتيان ديني وغيره من المستشرقين والفرنسيين التي سادت منذ أول هذا القرن إلى الحرب العالمية الثانية. ومن رأيه أن إنتاج هذه المرحلة كان متأثرا أيضا بالمدارس العالمية، بما في ذلك فن المنمنمات الذي يرجع في نظره إلى التأثير البيزنطي. ولكن هناك من يذهب إلى أن نتاج هذه المرحلة كان فنا وطنيا وأنه مصطبغ بالصبغة المحلية والموروث الشعبي. ومهما كان الأمر فإن من رواد هذه المرحلة بوكرش، وحيمش ومعمري. ولا نجد حسن بن عبورة من بينهم حسب تصنيف خدة، رغم أنه شارك في الحرب العالمية الأولى.

(1) انظر ما كتبناه عنه في فصل الترجمة تحت عنوان (أحمد بن قدور عطشي)، و (ستيرن) ولد في إيرلندا في 24 نوفمبر 1713 وتوفي في 18 مارس 1768. له مؤلفات عديدة في الأدب، منها حياة وآراء (تريسترام شاندي المهذب) في تسعة أجزاء. وهو الذي عالجه أحمد بن قدور في محاضرته. وقد أشارت إلى ذلك أيضا (التايمز) الإنكليزية في عدد 24 مارس 1880 في سطرين فقط. عن ستيرن انظر: Dictionnary of Literary Biography. vol.39 Gale Co. Detroit، Michigan، 1985، pp 471 - 499 .

ص: 437

وأما الجيل الثاني من الرسامين فهو الذي ظهر بعد الحرب العالمية الثانية، وتأثر بالحركة الاصلاحية ومختلف التيارات الفكرية والوطنية، ومنها أيضا فكرة القومية العربية، والأحلام الاشتراكية، وطموحات الشعوب إلى التحرر والاستقلال، وعبرت هذه المدرسة عن (العودة إلى الأصل) التي اتخذت منها شعارا لها، كما اهتمت بالتراث الوطني. وقد فهمنا أن من هذا الجيل: محمد راسم، وتمام، وغانم، وحميمونة. ثم تلاميذهم مثل صحراوي وعجواب وبلكحلة وكربوش. وفي عهد هؤلاء ازدهر، مع حركة الاستقلال العربية، فن التصوير الإسلامي والتجريدي، ثم ظهر فن الزخرفة العربية (الأرابسك) والتصوير العربي، وقاد هذا التيار كل من قرماز وخدة وابن عنتر. وجميع هؤلاء اهتموا بالخط العربي وحروفه. ومنهم أيضا زروقي، وزودمي، وقريشي، وشاير، وابن بلة.

وضمن دراسته لمراحل الرسم وسيرة رواده تعرض محمد خدة أيضا إلى المنمنمات فقال انها استوردت من الشرق (بلاد فارس? بيزنطة؟) ثم أصبحت من الفنون التراثية، وتطورت إلى أن أصبحت مادة في التدريس منذ سنة 1930 في المدرسة الوطنية للفنون الجميلة بالجزائر، فكان عنوانها في أول الأمر هو الفنون الأهلية. وبعد الاستقلال أصبح عنوانها هو الفنون التقليدية. والمنمنمات تشمل السفن، والقوارب العثمانية، والنشاط البحري، والأميرات، والغزلان، والأزهار ونحوها من الموضوعات. وكان محمد راسم سيد هذا النوع من الفن (1)، كما سبقت الإشارة.

ولا ندري متى بدأ الاهتمام أيضا بالوشام البربري الذي اعتبره بعضهم ظاهرة فنية في الرسم. كما أن العناية انصرفت إلى الصناعات التقليدية المستعملة كالزرابي، والفخار، والأثاث، وأنواع الحلي، والرسومات الجدارية، والمنازل، في نطاق الفنون الشعبية البربرية في رقعة تمتد على مساحة الوطن. بل إنه في وقت لاحق أخذ الاهتمام ينصب أيضا على رموز

(1) ولد محمد راسم سنة 1896، ومات سنة 1975.

ص: 438