الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
والتحف الفنية فيه. ونبهت إلى أن السيدتين: لوس (أليكس) وابن عابن كلتاهما ساهمت في إحياء التراث الفني الإسلامي و (الأهلي). وهذا التراث أصبح في حاجة إلى مساعدة مستمرة من السلطات الحاكمة، لأن الجهود الفردية لا تكفي، في نظرها (1).
الآثار الدينية
في فصل آخر تحدثنا عن المعالم الإسلامية من حيث أعدادها وأوضاعها وما آل إليه أمرها على يد الاحتلال. أما في هذا الفصل فحديثنا سيكون عن بعض الفنيات لهذه المعالم والموقف من حفظها وصيانتها كآثار إسلامية، بعد أن تعرضت للهدم ونحوه في وقت سابق. كما أننا سنتحدث عما يتصل بهذه المعالم من كتابات أثرية وأشكال هندسية، وما ألفه بعض الفرنسيين من مؤلفات حول هذا الموضوع. أما الجزائريون فلا نكاد نعثر لهم على مؤلف في الموضع خلال هذا العهد.
منذ 1897 كتب أحد الفرنسيين تعليقا على صدور كتاب بلانشيه عن (قلعة بني حماد) فنوه به وذكر قومه بأنهم لم يهتموا إلى ذلك الحين سوى بالآثار الرومانية، وكل ما هو روماني حتى استنفدوا الميدان، ولم يعد لهم ما يدرسون فيه، وقال إنهم قد أهملوا الآثار البربرية والعربية والتركية (الإسلامية). وقد دعا هذا الفرنسي إلى بحث الأمر والاستعداد له لأنه يحتاج إلى ثقافة خاصة لدراسة الآثار الإسلامية. ووجه أيضا اللوم للعرب على اهتمامهم بالورق (المخطوطات) أكثر من اهتمامهم بالأحجار (الآثار)، حسب تعبيره (2).
(1) ماري بوجيجا (نحو نهضة
…
)، في (المجلة الجزائرية) SGAAN، 1923، ص 398.
(2)
الكاتب مجهول وقد رمز إلى اسمه بالحرفين (O. H)، في نشرة أفريقية الفرنسية،. A.F سبتمبر، 1897، ص 307. ولعله هو المستشرق أوكتاف هوداس. O.Houdas
والواقع أن الأمر كما قال هذا المعقب، فالعرب اهتموا بالكتب أكثر من الآثار، والفرنسيون اهتموا منذ الاحتلال بالآثار الرومانية أكثر من الآثار الإسلامية، بل إنهم أهملوا هذه تمام الإهمال صيانة وبحثا وتدوينا. ولم يبدأ التحول قليلا إلا مع إدارة جونار في أول هذا القرن. ولكن القرن الماضي لم يخل من دارسين للمعالم الإسلامية، كما رأينا، فقد اهتم بعض المدنيين والعسكريين بالكتابة عن الآثار الدينية في مدينة الجزائر (ألبير دوفوكس وكلاين)، وفي قسنطينة وإقليمها (شيربونو، وفيرو، وفايسات، وميرسييه)، وفي تلمسان (بروسلار، ومارسيه، وبارجيس). ولكن عمليات الإحصاء والدراسة العلمية والوصف المعماري والفني بدأ مع عهد جونار، كما أشرنا.
إن ما بقي من مساجد العاصمة الـ 122 لا يعدو أربعة مساجد من النوع الذي تقام به صلاة الجمعة. ويشهد جورج ايفير سنة 1913 على أن الفرنسيين قد هدموا ستة وستين مسجدا في العاصمة وحدها. وفي تلك الأثناء (أول هذا القرن) كانت المخططات الفرنسية تعمل على هدم الجامعين الكبيرين الباقيين أيضا (الأعظم والجديد)(1) بعد أن تعرضا للتنقيص والتشويه منذ الاحتلال. وكان الجامع الأعظم يقوم مقام (الجامعة) العلمية قبل الاحتلال، وكانت أوقافه من أغنى الأوقاف ومكتبته مضرب الأمثال. فإذا بالفرنسيين قد حشروه وسط العمارات، فتآكلت أطرافه واختفت منارته التي قيل إنها كانت تشبه منارات جوامع تلمسان. وكان تحفة في بنائه إذ تتقاطع فيه العرصات، وتكثر فيه الزرابي والثريات، ويغطي حيطانه الزليج والمرمر. أما الجامع الجديد فقد وقع له ما وقع لزميله وكان من المعالم العثمانية التي تعرضت أيضا للتنقيص، واستولى الفرنسيون على أوقافه الغنية. ويقول عنه ألبير باللو سنة 1904 إنه كان معلما جميلا ورشيقا (بعد كل الذي حدث له)،
(1) كان ذلك منذ 1888، ولكن وقفوا بقيادة الحكيم محمد بن العربي ضده، ثم عادت المسألة إلى الظهور سنة 1905 بحدة. عن جورج ايفير انظر (مذكرات حمدان خوجة) في المجلة الإفريقية، 1913. انظر فصل المعالم الإسلامية.
وكان متعدد القباب، ومنبره ومحرابه من الأرابسك، مزينا بالآيات القرآنية جذابة الخطوط.
وفي حديثه عن زاوية وجامع سيدي عبد الرحمن يقول (باللو) إن المرمر قد استخدم في العرصات ذات الطراز العربي - الإسلامي. وفي المسجد فسيفساء عجيبة. والمنارة ذات جمال فائق، وهي أيضا مزينة بالفسيفساء ومربعة الشكل. وكل ذلك كان يحدث لذة في النفس وتأثيرا مدهشا إذ ينظر المرء إليها وهي (المنارة) غارقة في الإخضرار الذي يكاد يحجبها من كثرة الأشجار (1) التي حولها.
وعن فنيات المعالم الإسلامية في تلمسان يقول ألبير باللو نفسه إنها من نفس الطراز الأندلسي، ثم تأثرت بالطابع المحلي، لأن كل فن مهاجر لا بد أن يخضع للتأثيرات المحلية. فأنت في تلمسان كأنك في قرطبة أو غرناطة أو أشبيلية. ويذهب إلى أن الفنانين الذين نشروا هذا الفن في تلمسان والأندلس قد جاؤوا من القاهرة - الشرق؟ وعبروا دون توقف إلى تلمسان حيث المملكة والثروة والذوق. ولاحظ أن الفن الإسلامي واحد من القاهرة إلى تلمسان، ثم منها إلى فاس وإلى الأندلس. نفس النقوش ونفس الذوق الفني والجمالي. لكن التعديل وقع في الزخرفة وفي التفاصيل وهذا هو الطابع المحلي، غير أننا لا نجد الفن المصري، كما قال، بحذافيره في المنصورة (تلمسان) والكتبية (مراكش) ولا في الخيرالدا (أشبيلية). فالتأثير موجود ولكنه اصطبغ بالصبغة المحلية. وهكذا نجد مسجد سيدي بومدين تقابله الحمراء في الأندلس، والمنصورة تقابلها الخيرالدا، كما أن مساجد سيدي الحلوى وسيدي أبو الحسن والجامع الكبير في تلمسان يقابلها القصر في (الأندلس؟). وأخبرنا باللو أن جامع سيدي أبو الحسن قد حوله الفرنسيون إلى متحف، ومع ذلك وصف محرابه بأنه مزخرف بالأرابسك الجميل جدا
(1) ألبير باللو (الفن الإسلامي في الجزائر) في (المجلة الإفريقية) 1904، ص 170 - 174.
وكذلك ما حول المحراب. وقد وضع الفرنسيون في هذا المتحف كل القطع الأثرية والفنية العزيزة، حسب تعبيره.
أما الجامع الكبير بتلسمان فهو مبني بالآجر ومحلى بالفسيفساء الجميلة الأشكال. وممراته خشبية ذات طراز عربي متناسق، وله محراب رائع وقبة جيدة الصنع، وثريا من خشب الأرز الجيد وهي ترجع إلى عهد الملك يغمراسن إذ هو الذي أهداها إلى الجامع خلال القرن 13 ميلادي. وجامع سيدي الحلوى له منارة جميلة وغنية بالفسيفساء، بل هي أكثر غنى من منارة الجامع الكبير. ويحتوي على ثماني عرصات يظهر في أعلاها الطراز العربي الجميل، وهي محلاة بالحجر الكريم الأسود. وقد أصبح بابه الكبير مهدما، ولا يمكن التعرف على ثروته الفنية (1). أما جامع خنق النطاح بوهران فهو يرجع إلى القرن 18 م فقط، وكان يتمتع بطابع موريسكي، وله زخرفة تقليدية، حسب وصف أوغسطين يرك له. ويقول عنه إنه جامع متفتح جدا على الطبيعة، وهو من رموز الفن الإسلامي في وهران إذ تقابله من الجهة الأخرى معلمة سانتاكروز (2).
ويذهب بيرك إلى أن (الفن العظيم قد اختفى) من الجزائر. وهو لم يقل إن ذلك كان بفضل سياسة بلاده، ولكنه مفهوم. وهو يقر أن هناك (عظمة) لهذا الفن، اختفت مع الأندلس الغابرة، وتلمسان الزيانية البائدة. إنه فن كان يعطي جاذبية خاصة للمؤمنين وغموضا عبر العصور، حسب تعبيره. وكان بيرك هنا يربط بين الدين والفن. ثم سلط انتقاده اللاذع على المنارة (التركية) التي قال إنها أدت دورها في (التهدئة)، ويقصد بذلك التسلط والجبروت الذي تمثله المنارة لأنها تركية!. وربط بينها وبين السياسة، فقال إن المنارة حكومية وإدارية، ولذلك فهي أقل حدة. وتساءل هل المسألة تتعلق بغلطة تركية؛ إن الداي كان يخشى الثورة عليه من الانكشارية الذين كانوا دائما،
(1) باللو، مرجع سابق، ص 176 - 183، قارن وصفه بوصف بروسلار ومارسيه لمساجد تلمسان.
(2)
أ. بيرك، كراسات الاحتفال المئوي، ص 99.
يطالبون برفع الأجور. ومن الصعب أن يظهر خلال ذلك فن وكتابات زخرفية أو قباب جمالية أو محاريب رشيقة (1). والغريب أن بيرك الذي أدار الشؤون الأهلية في الجزائر ربع قرن يحمل هذه الأفكار العنصرية حتى في الفن. فبعد أن قضت الحكومة الفرنسية (المتحضرة) على مساجد ومنارات تعتبر آية في الفن بشهادة الفرنسيين أنفسهم، مثل جامع السيدة، جاء هو بعد قرن لينفي الذوق والإبداع ويجعل المسجد والفن صنيعة الإدارة (التركية). ثم إنه لم يضرب مثلا على الإبداع الفرنسي في مساجد الجزائر والذي يعتبره هو من علامات التحضر والحكم الإنساني.
ولنستمع إلى أحد الفرنسيين ينعي على سلطات بلاده هدم إحدى زوايا قسنطينة وغيرها من المعالم الإسلامية. فهذه زاوية يحيى بن محجوبة، هدمها الفرنسيون بعد قرنين من حياة صاحبها. كان ذلك سنة 1865 (2)، بدعوى مد طريق. وقد وصفها شيربونو المعاصر لعملية الهدم واعتبرها من النماذج الأكثر جمالا في الفن الإسلامي. وقد وصف بيقوني سنة 1903 نقيشة ترجع إلى هذه الزاوية وصفا يدل على قيمتها الفنية. وكانت النقيشة قد قدمت هدية إلى متحف الأشياء القديمة بالعاصمة، وهي مكتوبة على خشب الأرز، وذات شكل متعدد الأضلاع. ويقول بيقوني إن الكتابة قد تعود إلى ابن محجوبة نفسه لأنه كان من الأدباء والقضاة. وانتقد بيقوني عمليات الهدم العشوائية للمباني العربية الإسلامية القديمة وعدم العناية بما يخدم المعرفة التاريخية للبلاد واكتشاف الروح الفنية عند الجزائريين عبر العصور. واعتبر النقيشة إحدى الأمثلة العديدة على ذلك.
لقد قص بيقوني قصة مأساة النقيشة التي ترجع إلى زاوية ابن محجوبة وكيف عثر عليها. يقول إنه أجرى بحثا طويلا سنة 1878 في قسنطينة لمعرفة الآثار القديمة ومواقعها وما كان فيها من كتابات ورسومات فلم يجد أحدا
(1) بيرك، كراسات الاحتفال المئوي، ص 99. وبيرك هو والد المستشرق جاك بيرك.
(2)
يحيى بن محجوبة ذكره الفكون في (منشور الهداية). وهو من أهل القرن 17 م، وقد حققنا هذا الكتاب، ونشرته دار الغرب الإسلامية، بيروت 1987.
يخبره بشيء لا من المسلمين ولا من الفرنسيين، بل لم يجد أحدا يهمه الأمر منهم. وبينما هو يعاني الحيرة واليأس علم بوجود نفس المقاول الذي على يديه وقع هدم الزاوية وغيرها لمد الطريق المذكور، فقصده وسأله فوجد أن ذاكرته قد ضعفت بعد أكثر من عشر سنوات على عملية الهدم، ولكنه دله على كومة من الخرائب ترجع كلها إلى المباني التي خربت على يديه، ورخص له بالبحث فيها وأن يأخذ منها ما يريد. وقد وجد بيقوني النقيشة في حالة يرثى لها، حسب قوله، ولكن يمكن استعادتها، وقد فعل ووضعها في إحدى القاعات (بالمتحف) فكانت تمثل منظرا جميلا. وإليك النص كما وجده بيقوني في النقيشة: (أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، في بيوت أذن الله أن ترفع ويذكر فيها اسمه، يسبح له فيها بالغدو والآصال رجال. بيت مرفعة بالذكر عامرة، لله قائمة، يغفر لمن فيها
…
الخ) (1).
وفي هذا النطاق اتسع الاهتمام بالآثار الإسلامية إلى حد ما، ولكن بعد إهمال دام عقودا وبعد عمليات الهدم وتحويل المعالم نفسها عن أغراضها. ففي سنة 1905 (عهد جونار) صدر قرار يعتبر بعض المعالم جزءا من الآثار التي تجب المحافظة عليها. ومن ذلك في العاصمة بعض الأضرحة (ضريح حسن باشا بن علي، وكانت له قبة، وضريح الأميرة في الحديقة المجاورة لسيدي عبد الرحمن الثعالبي). وكذلك جامع سفير (صفر)، وجامع سيدي محمد الشريف، وبعض العيون مثل العين الواقعة بالأميرالية (2). ونفس الشيء وقع في غير العاصمة أيضا.
ولكن معظم الفرنسيين في الجزائر كانوا معارضين لهذا التوجه عندئذ. وقد كشف الأخوان (جورج وويليام) مارسيه في كتابهما عن (المعالم العربية في تلمسان) عن ذلك حين وصفا هذا الاتجاه لدى الفرنسيين القاطنين في
(1) بيقوني E. BEGONET (كتابة عربية من قسنطينة) في المجلة الإفريقية، 1903، ص 305 - 311. ذكر منها تسعة أسطر، وتوجد صورة للنقيشة نفسها، وجاء في آخر المقال أن بيقوني قد توفي قبل ظهور المقال عن 72 سنة.
(2)
المجلة الإفريقية، 1906، ص 137.
تلمسان. فقالا إنهم كانوا يريدون تخليص المدينة من أي شيء يجلب الزوار ويجعل تلمسان الملكية الزيانية منافسة لأي مركز دائرة من أم الوطن (فرنسا). وقدم الأخوان مارسيه صورة مختلطة عن مستقبل تلمسان وماضيها. فهي عندهما مثل الجزائر القديمة ستختفي بالتدرج وستسقط تحت ضربات المعاول وفؤوس المنتصرين - الفرنسيين - ولكنها ستظل إلى حين محجة لزوار الف في نظرهما (1).
لقد درس الرجلان معالم الفن المعماري لتلمسان وأجادا الوصف والتدقيق، واعتمدا على مصادر هامة سجلت أمجاد هذه المدينة الخالدة، على عكس تنبوؤهما. وبعد أن كتبا مدخلا مطولا عن الفن المعماري التلمساني وعلاقته الفن الأندلسي الخصوص، وصفا المدينة نفسها وسكانها من خلال الكتب التاريخية كإبن خلدون (يحيى وعبد الرحمن) وليون الإفريقي، والتنسي، والمقري. وكذلك المؤلفات الفرنسية عن تلمسان ومعالمها وخطوطها. ومن أولها (1846) ما كتبه عنها الأب بارجيس المستشرق المتعصب الذي جاءها زائرا ودارسا، وكان، كراهب، يعمل على استعادة الكنيسة القديمة. ومن مؤلفاته الشهيرة (تلمسان: العاصمة القديمة لمملكة بهذا الاسم) (2). وقيل إنه كتاب، رغم الأخطاء التي تضمنها، مليء بالوثائق والملاحظات الشخصية (3). وفي 1852 نشر بارجيس نفسه تاريخ بني زيان للحافظ التنسي مترجما عن العربية. وفي 1887 نشر بارجيس أيضا إضافة (ذيل) إلى تاريخ بني زيان ملوك تلمسان، كما نشر كتابا عن أبي مدين وآخر عن التجارة بين تلمسان والسودان القديم في عهد بني زيان. واعتمد الأخوان مارسيه كذلك على دراسة بروسلار الذي أطال المكث في تلمسان كرجل إداري، وكان على صلة بعلماء هذه المدينة. ومن خلال مساعداتهم أصدر دراسته عن الكتابات والخطوط في تلمسان. كما اهتم بورسلار بالآثار
(1) جورج وويليام مارسيه (المعالم العربية لتلمسان)، 1903، ص 111.
(2)
الأب بارجيس، تلمسان، باريس 1859. انظر أيضا فصل المعالم الإسلامية.
(3)
بروسلار، المجلة الآسيوية، 1878.
الأخرى لتلمسان فأصدر دراسة عن قبور أمرائها وبعض رجالها (1).
وهناك على الأقل ثلاثة فرنسيين آخرين اهتموا بآثار تلمسان، وهم ديتوا Duthoit الذي شغل منصب مفتش للبنايات الأثرية بالجزائر بين 1871 - 1880. وقد ترك تقريرا وملاحظات عن آثار تلمسان ورسوما وخطوطا ونحوها. والثاني هو بييس Piesse الذي ترك مونوغرافا (كتابا، - دراسة) والذي واصله كنال Canal ثم نشر في مجلد. وفي 1900 نشر رييه باصيه دراسة شاملة بعنوان (التطور التاريخي للفن المغاربي) في كتاب عنوانه (الجزائر من خلال معالمها الأثرية)(2).
ومع انطلاقة هذا النوع من الدراسات، وقع الاهتمام حتى بالآثار البعيدة عن المدن، مثل قلعة بني حماد المشار إليها، وجامع سيدي عقبة بن نافع، ومسجد خنقة سيدي ناجي. ففي سنة 1915 كتب غوستاف ميرسييه دراسة أثرية ووصفية لآثار الخنقة التي ترجع إلى القرن 18. وهي تضم المسجد والمدرسة والقبة أو الضريح. وما جاء عليها من كتابات ونقوش. وربط بين ذلك والأحداث التاريخية التي عرفتها الناحية على يد الحنانشة والشابية، وسيرة سيدي مبارك بن ناجي في الخنقة. وقد أعانه على جمع مادته الشيخ محمد رشيد بن حسين، شيخ الولجة، وهو من عائلة ابن ناصر المنحدرة من نسل سيدي مبارك بن ناجي الذي يعتبر المؤسس الحقيقي للخنقة (3). ولكن هذه الدراسات كانت دائما تتعثر لأسباب مالية وسياسية. ولذلك ظل الاهتمام بالآثار الإسلامية محدودا ومرتبطا بالنزوات الشخصية للحكام، فكانت النتائج غير باهرة.
(1) بروسلار، المجلة الإفريقية، 1858? 1861.
(2)
جورج وويليام مارسيه، مرجع سابق، المقدمة. وقد نشر كتابهما بعناية حكومة شارل جونار وبتوصية من مدير الفنون الجميلة.
(3)
غوستاف ميرسييه، مجلة (روكاي) 1915، ص 154 - 165. انظر أيضا مقالنا عن خنقة سيدي ناجي في (تجارب في الأدب والرحلة)، وفقرة الأنساب من فصل التاريخ.