المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الشعر الإسلامي والإصلاحي - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٨

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثامن

- ‌الفصل الأولاللغة والنثر الأدبي

- ‌حالة الأدب والثقافة غداة الاحتلال

- ‌التعامل مع اللغة العربية

- ‌الدراسات البربرية

- ‌الدراسات النحوية والمعاجم

- ‌بلقاسم بن سديرة

- ‌عمر بن سعيد بوليفة

- ‌النثر الأدبي

- ‌المقالة الصحفية

- ‌الأسلوب من عاشور الخنقي إلى الإبراهيمي

- ‌الرسائل

- ‌التقاريظ

- ‌الخطابة

- ‌محمد الصالح بن مهنة وكتابه

- ‌خطب أبي يعلى الزواوي

- ‌الروايات والقصص والمسرحيات

- ‌ المقامات

- ‌أدب العرائض والنداءات والنصائح

- ‌مؤلفات وشروح أدبية والتحقيق

- ‌محمد بن أبي شنب

- ‌الأدب باللغة الفرنسية

- ‌الفصل الثانيالشعر

- ‌مدخل في تطور حركة الشعر

- ‌الدواوين والمجاميع

- ‌كتاب شعراء الجزائر في العصر الحاضر

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الإسلامي والإصلاحي

- ‌شعر المدح

- ‌شعر الرثاء

- ‌الشعر الإخواني

- ‌الشعر الذاتي

- ‌مبارك جلواح

- ‌الشعر التمثيلي والأناشيد

- ‌شعر الفخر والهجاء وغيرهما

- ‌الشعر الشعبي

- ‌ثورات وشعراء

- ‌في الشكوى وذم الزمان

- ‌أغراض أخرى للشعر الشعبي

- ‌الفصل الثالثالفنون

- ‌الفنون التقليدية - الشعبية

- ‌الجزائر والشرق عند الفنانين الفرنسيين

- ‌فيلا عبد اللطيف

- ‌معارض الفنون الإسلامية

- ‌الآثار الدينية

- ‌القصور والمباني الحضرية

- ‌المتاحف

- ‌الرسام ناصر الدين (إيتيان) ديني

- ‌النقش والرسم والخطاطة

- ‌مؤلفات في الخط

- ‌عمر راسم وأخوه محمد وآخرون

- ‌مؤلفات وآراء حول المسرح ورواد التمثيل

- ‌آراء ومؤلفات في الموسيقى

- ‌تطورات أخرى في مجال الموسيقى والغناء

- ‌ محمد ايقربوشن

- ‌المحتوى

الفصل: ‌الشعر الإسلامي والإصلاحي

فالتاريخ يحتم علينا ذكرهم (1).

‌الشعر الإسلامي والإصلاحي

ومن الشعر السياسي أيضا ما قاله الجزائريون قاصدين به استنهاض العالم الإسلامي ومدح رجاله والمشاركة في النهضة العربية. ويدخل في ذلك توجيه الخطاب للأفراد وللشعوب والدول. ونريد الآن أن نتحدث عن الشعر الذي نظمه أصحابه وهم في الجزائر، ثم نذكر نماذج من شعراء المهجر أيضا أمثال محيي الدين بن الأمير عبد القادر وسليم الجزائري.

وخلال الستينات شارك حسن بن بريهمات في التنويه بكتاب أقوم المسالك لخير الدين باشا التونسي. وهو الكتاب الذي نوه به أيضا الأمير عبد القادر، ولكن بالنثر. أما حسن بن بريهمات فقد بعث بقصيدة إلى المؤلف أظهر فيها ما للكتاب من أهمية للعالم العربي والإسلامي، بدعوته إلى التقدم وتقليد أوروبا في غير العقيدة.

ومن أبياته في ذلك:

لله درك، خير الدين، من علم

أبدى منار الهدى للناس في القنن

نهجت نهجا قويما قل سالكه

إلى السياسة كي ينجو من الفتن

بنيت طرق السداد بل وأقومها

وقمت منتصرام للدين والوطن

حق على أمة الإسلام شكركم

ورعي تأليفكم بالقلب والأذن

ومدح شخصيات مثل أحمد فارس الشدياق ومحمد عبده وأبي الهدى الصيادي والسلطان عبد الحميد الثاني يدخل في مضمار السياسة أيضا. ولكننا فضلنا ذكر ذلك في باب المدح. أما القصيدة التي قالها عمر بن قدور في

(1) نشرت مجلة العالم الإسلامي R.M.M سنة 1916 عدد 34 تصريحات منسوبة إلى معلمين جزائريين في طنجة - المدرسة الفرنسية - وذكرت منهم مصطفى الجزائري (؟) ومحمد بن العربي التلمساني، وكلاهما كان يتغنى بالجيش الفرنسي ورايته. ظهرت المجموعة في باريس 1916، طبع أرنست لورو. والشاعران غير معروفين.

ص: 253

حرب طرابلس فهي في الشعر السياسي الذي نحن بصدده. فقد أشاد فيها بأهل طرابلس وكفاحهم المرير ضد العدو، ونوه بضفلهم على العرب والمسلمين، وبكونهم صبروا وصمدوا في وقت تخاذلت فيه القوى الأخرى. وقد اختار لقصيدته عنوان (الأسوة الحسنة) ونشرها في جريدة (الحضارة) التي كانت تصدر بإسطانبول:

رعى الله قوما من طرابلس الغرب

تبين فضل الشرق منهم على الغرب

خلاصة أسلاف كرام وأمة

تلاشت نعوت الغير في نعتها الرحب

رجال أبوا أن يضمحل فخارهم

أمام العدو النهم في طلب النهب

فأصلوه نار القهر درءا لبغيه

وأبدوا مزايا الحزم والعزم عن قلب

وصانوا ضمار الشرق والشرق مشرف

على حيرة تفضي إلى الموقف الصعب

على إثر يأس فت في ساعد المنى

لقد أطلعوا الآمال تلمع كالشهب

فهم معشر أرضوا الإله وحسبهم

مزية رفع الذل عن عاتق الشعب (1)

إنه شعر جديد في موضوعه وفي نغمته السياسية. وألفاظه غير مألوفة في أدبيات الشعر قبله. ونحن نعرف أن حرب طرابلس التي كان يتحدث عنها قد جربت بين 1911 - 1912.

ومن هذا النمط قصيدة (يا شرق) لعمر بن قدور أيضا. وهي من الشعر القومي والإسلامي في عهد النهضة. وكان الشاعر يعيش قضايا وطنه وملته وقومه، وكان يتحسر على وقوع بلاد المسلمين في قبضة الأجانب، وهو يرى أن الغرب المتمدن يستخدم الخداع والمكر لمد نفوذه، وكان على الشرق أن يعي نفسه ودوره ويثبت للغرب أنه ناهض للدفاع عن نفسه. وكانت عبارتا (الشرق والغرب) شائعتين عندئذ للدلالة على عالمين متباعدين وفي نفس الوقت واقعين في معركة حضارية كبيرة. وقد نشر ابن قدور قصيدته هذه في

(1) صالح خرفي (عمر بن قدور رائد الصحافة الوطنية الجزائرية)، مجلة الحياة الثقافية (تونس) عدد خاص 32، 1984، ص 46. وقد ترجمنا لعمر بن قدور في فقرة الصحافة، فصل المنشآت الثقافية.

ص: 254

جريدة (الحضارة) أيضا سنة 1912، ثم أعاد نشرها في جريدته (الفاروق) التي أسسها سنة 1913. وفي تلك الأثناء كانت فرنسا تفرض على الجزائريين التجنيد الإجباري للخدمة في جيشها، وكان ابن قدور من أبرز المعارضين لذلك الإجراء، وأظهر معارضته في عدة مقالات نشرها أيضا في جريدة الحضارة المذكورة. وإليك أبياتا من (يا شرق):

يا شرق ما لعقول قومك لا تعي

نصحا من الماضي إلى المستقبل

صالت عليك مطامع الغرب الذي

أرضعته لبن الترقي الأكمل

إن كان أهل الغرب قوم تمدن

فهم الثعالب سبقا بتحيل

جعلوا مواطننا حمى لذويهم

وأبوا علينا أن نقر بمعقل

يا شرقنا إني أعيذك أن ترى

متغافلا عنهم فتسقط من عل

إني أعيذك أن يسود نفوذهم

وتساق حيلتهم عليك فتنطلي (1)

وكان عمر بن قدور يؤمن بهذه الأفكار حول الإسلام والغرب والاضطهاد، ولكنه لا يستطيع أن ينشرها في الجزائر. ولذلك كان يراسل بنثره وشعره الصحف العربية والإسلامية، وكان عندئذ ما يزال في العشرينات من عمره؛ وقد نشر سنة 1909 موشحا سياسيا في جريدة (الحاضرة) التونسية، استعمل فيه السياسة بدل الغزل ووصف الطبيعة، واستعار الصيغة من ابن سهل صاحب التواشيح المشهورة، واتخذ ابن قدور ذلك وسيلة لنقد الوضع الراهن في بلاده والبلدان الإسلامية الأخرى، وأعطاه العنوان التالي (هل أباد اليأس جيش الأمل؟) وقد صور حالة النور والظلام والتسلط والاضطهاد والنهضة والرقود - ذلك الجو المتناقض الذي كان يعيشه المسلمون. والشاعر مع ذلك غير يائس، فهو مصلح ويرجو أن يجني الشعب ثمار الأمل ولو بعد حين:

كيف نبقى في ظلام بعد ما

أشرق النور بجو المجلس

لا تقولي الخير فيما قد سما

عن حضيض الذل من ذي قبس

(1) خرفي، مجلة الحياة الثقافية، مرجع سابق، ص 40.

ص: 255

ذهب الوقت متى نجني المنى

هل أباد اليأس جيش الأمل

وفي رأي ابن قدور أن العلماء المسلمين هم الذين أوصلوا العالم الإسلامي إلى ما هو عليه. ذلك أن الحضارة الإسلامية قد ازدهرت ثم ذوت، وأخذ الغرب منها ما ارتقى به. ولكن العلماء المسلمين لم يستقيظوا، وضعف دينهم وضميرهم فحللوا الحرام وحرموا الحلال. وقد بقي الشاعر متسائلا عن مصير الأمة الإسلامية، ويبدو أنه كان غير يائس، كما قلنا، فهو يقول عن العلماء:

كم حلال حرموا كم من حرا

م أحلوا حين نالوا الذهبا

من ضمير القوم زيغ يشترى

هل ضمير الوعظ عنهم ذهبا

أمة الإسلام عنها انسلخت

روح مجد بمساعي المنكر

هل يعود العلم والمجد كما

عادت الشورى لأصل المغرس (1)

إن شاعرا على هذا المبدإ لا يمكن أن يكون له من الشعر سوى ما نشره في بعض الجرائد المعاصرة. وقد عاش ابن قدور إلى أوائل الثلاثينات. والغريب أننا لا نجد شعره ضمن كتاب (شعراء الجزائر) الذي نشر في آخر العشرينات. فهل هو الذي اختار عدم الظهور فيه أو هناك خلفيات أخرى للموضوع؟.

وفي هذه الأثناء كان هناك شاعر آخر يتحرق أيضا على وضع أمته ووطنه، وهو محمد المولود الزريبي. فقد عاش نفس الظروف تقريبا، وكان في نفس السن مع ابن قدور وعمر راسم. وزاد عليهما أنه درس في الأزهر، وشهد آثار النهضة في المشرق، ولعله توقف بتونس فامتلأ أفكارا وآمالا،

(1) علي العريبي (أصداء جزائرية في جريدة الحاضرة) في مجلة (الحياة الثقافية) - تونس - عدد خاص 32، 1984، ص 73 - 74. وقد ذكر الكاتب أن الحاضرة نشرت أيضا قصيدة أخرى لابن قدور عنوانها (نفثات قلم الجزائري) في عدد 15 إبريل 1911. ويبدو أنها على نفس الوتيرة. وتلاحظ أن في الأبيات الأخيرة بعض الغموض.

ص: 256

ولكنه حين رجع إلى بلاده وجد الاستعمار جاثما والشعب نائما والأفكار جامدة والبدع تغزو المجتمع، فثارت ثائرته ودعا إلى النهضة ونبذ البدع والخرافات ومقاومة الاستعمار والطرقية بأسلوب جديد، وهو التعليم وبناء المساجد الحرة. وقد تنقل الزريبي أثناء ذلك في المناطق النائية قبل أن يستقر في العاصمة. فهو ليس مثل ابن قدور وعمر راسم من أبناء المدية، ولكنه ابن ريف (من زريبة الوادي)، وقد عاش في ليانة وباتنة وبسكرة وأريس قبل أن يحل بالعاصمة. ولا نعرف أنه نشر شعره خارج الجزائر، كما فعل ابن قدور. والقطع التي عثرنا عليها له كانت منشورة في جريدة (كوكب أفريقية) التي كانت تصدر بالعاصمة، ثم ضمنها كتابه (بدور الأفهام) الذي طبعه بتونس. وقد قال ذات مرة إن له (قصائد كثيرة) في موضوع الدعوة إلى العلم والنهي عن البدع. وجاء في قصيدة (زفرات العشي) التي تبلغ السبعين بيتا:

كأني بزفرات العشي موكل

وفي (الكوكب الإفريقي) أبدى دواها

إذا دهمتني النوائب برهة

رفعت له (1) الشكوى فأمسى مساها

سيخضع أهل السوء من كل منكب

فسيف يراعى كم أباد جباها

فأنت تراني تارة أزعج الملا

وحينا كما الخنساء ترثي أخاها

أقول، وأهل الحي مني بمسمع

وأغرق عيني في بحار بكاها

أعوذ برب العرش من فئة طغت

وما برحت في غيها وعماها

وفي القصيدة ذكر الشاعر أنه غيور على الدين ومناهض للبدع، وأنه من طلبة الأزهر، ونوه بهذا الجامع وكذلك جامع الزيتونة. وافتخر بنفسه لأنه من العلماء الأعلام وبرحلاته شرقا وغربا، وتمنى أن يقتدي به قومه في العلم وشد الرحال له (2).

ومن قصائد الزريبي الجيدة في هذا المجال تلك التي سماها (نظرات أو

(1) لعله يشير بـ (له) إلى الكوكب الإفريقي? الجريدة. وقد نقلنا البيت على ما فيه من خلل في الشطر الأول.

(2)

المولود الزريبي (بدور الأفهام) تونس، ص 62 - 65. والقصيدة نشرها سنة 1332 في كوكب إفريقية دون ذكر العدد والتاريخ المضبوط.

ص: 257

عبرات في النفس والعقل والعلم والجهل). وقد نشرها في كوكب أفريقية أيضا. وهو فيها يخاطب قومه النائمين ولا يهاجم الغرب ويتداخل في السياسة، كما فعل ابن قدور. ونحن نعلم أن جريدة كوكب افريقية كانت حكومية وكان محررها هو محمود كحول. ولو هاجم الزريبي الغرب وتداخل في السياسة لما نشرت له الجريدة شعره ولاضطر إما إلى نشره خارج الجزائر وإما إلى السكوت. ولكن الزريبي قد لف شعره الثائر بالدعوة إلى العلم (كما فعل ابن الموهوب أيضا)، وهي دعوة أصبحت مقبولة عندئذ من الفرنسيين، لأنها تبدو دعوة محايدة سياسيا. وفي مطلع هذه القصيدة نزعة رومانتيكية مجنحة وبداية جميلة:

يا بدر مالك بالأنحاء تفتخر

ألم تكن بطلوع الشمس تستتر

والقمر (البدر) والشعر رفيقان منذ القديم، والشاعر المتأمل يستهويه الليل السادر والقمر الساهر. ولكن الزريبي انتقل بسرعة إلى موضوعه الرئيسي - العلم والجهل -، وها نحن نرى تغييرا كبيرا حدث في مطلع القصائد من عهد الأمير وعهد أحمد بوطالب الذي بدأ سنة 1849 قصيدته بقوله (جاءت توفي لنا سعدى بميعاد) ثم أضاف الزريبي قوله:

والعقل تصلحه العلوم والحكم

وليس تصلحه الآصال والبكر

يا قوم ما لي أراكم في جهالتكم

كقوم موسى طغوا فهالهم صغر

هذا الذي ترك العلوم خامدة

وأفسد القطر حتى عمه الضجر

وهذه عبرات كنت أسكبها

أذاعها قالب الأنظار والخبر

لا زلت أنشدكم في خدمة الوطن

كفى شهيدا علي الصحف والطرر

إن عشت يشهد لي القرطاس والقلم

وإن أنا مت فالتاريخ والعبر (1)

ولعل الفرق بين ابن قدور والزريبي أن هذا ثائر اجتماعي وابن قدور ثائر سياسي. ولكن شعرهما معا يمثل مرحلة جديدة في تطور الحركة الشعرية من التقليد إلى التجديد، في الموضوعات والقوالب والروح والصور.

(1) الزريبي، مرجع سابق، ص 26 - 27، والقصيدة بلغت أربعين بيتا.

ص: 258

وكان ابن الموهوب معاصرا لهما أيضا، ولكنه كان أضعفهما شاعرية، وإن كانت روح الإصلاح عنده قوية. وكان ابن الموهوب موظفا رسميا، وهما أكثر منه حرية. وكان ابن قدور، على ما نعلم، يكسب من العمل في جريدة الأخبار حين تولى بها القسم العربي الجديد، ولكنه غير معين من قبل إدارة الشؤون الأهلية مثل ابن الموهوب الذي كان مدرسا في مدرسة قسنطينة الرسمية، ثم تولى منذ 1908 وظيفة الفتوى (1). فكان شعره إصلاحيا وتعليميا. ولذلك لا نستغرب أن يقوم شيخه المجاوي بشرح قصيدته التي تشبه في ثورتها الاجتماعية قصائد الزريبي. وقد آمن ابن الموهوب أيضا بالعلم والتقدم سبيلا لنهضة قومه. ولكن مجال القول كان محدودا في ذلك قبل عهد شارل جونار، فظل على صمته أو لم ينشر مشاعره على الناس، رغم أنه كان مدرسا في قسنطينة منذ حوالي 1898. ومع انطلاقة الدعوة إلى التعلم على عهد جونار انطلق ان الموهوب أيضا، فنظم الشعر في إصلاح المجتمع، ونظم الأناشيد للتلاميذ ليتغنوا بها وألقى محاضرات في نادي صالح باي حول نفس الموضوعات. وهكذا يكون ابن الموهوب قد استغل الفرصة المتمثلة في (التسامح) الفرنسي حول التعليم وناشد الجزائريين التخلي عن الكسل، ونبذ الخمور والفساد والربا والحسد والبدع، والدخول إلى معترك الحياة إلى جانب الفرنسيين لمناكبتهم ومزاحمتهم، وهي دعوة شبيهة بدعوة الشيخ محمد عبده سنة 1903 حين زار الجزائر وطلب من أهلها أن ينافسوا الفرنسيين في العلم والعمل كتفا بكتف وذراعا بذراع.

وقصيدة (المنصفة) لابن الموهوب قصيدة قوية الروح ولكنها ضعيفة الشعر. وهدفها، كما قلنا، تعليمي. وقد صاغها على قالب قصيدة عمرو بن كلثوم. وهي في نحو خمسين بيتار (2). فشكا ابن الموهوب أولا من تقلب

(1) انظر دراستنا عنه وعن خطبة توليه الفتوى في (أبحاث وآراء) ج 2.

(2)

نشرت عدة مرات، آخرها في جريدة الشعب، 13 يوليو، 1994، على يد عقبة شودار مع مقدمة. كما أن عبد الله ركيبي قد أشار إليها في (الشعر الديني)، ص 563. =

ص: 259

الأحوال حين ارتفع الأسافل وانخفض الأعلون، وأصاب الجهل كيان الشعب ودبت في أوصاله أدواء كثيرة، وما الخلاص إلا في اليقظة والعلم لنفي التهمة عن الإسلام من أنه دين التخلف. ولم يهاجم ابن الموهوب الإدارة ولم يتداخل في السياسة، بل كان لسان حاله هو شكر الإدارة على فتح مجال التعليم. وهذه أبيات من القصيدة:

صعود الأسفلين به دهينا

لأنا للمعارف ما هدينا

رمت أمواج بحر اللهو منا

أناسا للخمور ملازمينا

أضاعوا عرضهم والمال حبا

لبنت الحان فازدادوا جنونا

ألا يا دهر يكفي ما بلينا

به من نشر ذي الأمراض فينا

أليس اليسر يأتي بعد عسر

فهل كان الشقاء لنا قرينا

ينادينا الكتاب لكل خير

فهل كنا لذلك سامعينا

إن الموضوعات التي عالجها ابن قدور والزريبي وابن الموهوب قبل الحرب العالمية الأولى ستظهر بقوة في شعر محمد العيد وأبي اليقظان والعقبي والزاهري وأضرابهم بعد هذه الحرب. وقد احتل الشعر الإسلامي والإصلاحي جانبا كبيرا من شعر محمد العيد. وتناول ذلك بعض الدارسين له أمثال محمد بن سمية. كما أن موضوعات المرأة والأطفال المشردين والفقراء والأغنياء والمآسي الاجتماعية قد أخذت حظا وافرا عند الشاعر محمد العيد. ومعظم الشعراء قد عالجوا موضوع التعليم بطرق مختلفة (1). لم تعد الدعوة إلى العلم هكذا، ولكن إلى التعليم العربي والحضارة الإسلامية ونشر الماضي، وتكوين رجال ونساء الغد. وأنت ستجد في شعر أحمد سحنون والصادق خبشاش وأبي بكر بن رحمون رصيدا كبيرا من هذا

= وقد شرحها المجاوي ونشر الشرح في مطبعة فونتانة سنة 1912، وفي طبعة جريدة الشعب أخطاء يبدو أنها مطبعية.

(1)

سنة 1348 (1929) نشر محمد العلمي قصيدة في العلم والتعليم في (تقويم المنصور) لأحمد توفيق المدني، السنة الخامسة. ومطلعها:

بدا طالع الإرشاد في مشرق البدر

فأشرقت الأنوار في جنة العصر

ص: 260