الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الشعر الإصلاحي - الإسلامي. ولا نريد الآن أن نعالج ذلك لوفرة الدراسات فيه.
شعر المدح
شعر المدح كثير نسبيا، وهو يشمل مدح الأعيان والمشاريع والأفكار والمؤلفات وغيرها، والشعراء خاضوا في كل ذلك تقريبا. وقد كدنا نعتبر جانبا من الشعر السياسي في الفرنسيين مدحا أيضا، مثل مدح نابليون الثالث، ومدح جونار، لولا أننا رأيناه شعرا متسيسا إلى حد كبير، بينما شعر المدح قائم في الأساس على الإعجاب والاحترام. وسندخل في شعر المدح أيضا تقاريظ الكتب ونحوها والإشادة بأصحاب الجرائد والمواقف. وقد ذكرنا جانبا من ذلك في حديثنا عن قصيدة حسن بن بريهمات في خير الدين التونسي وكتابه وربطنا ذلك بتطور العالم الإسلامي والحضارة الغربية. وشعر الرثاء مدح أيضا، لأن الشاعر الراثي إنما يسجل أسفه على الفقيد ويعدد محامده كما لو كان حيا. وقد فضلنا الفصل بين الفقرتين، مع ذلك. والهجاء من المدح أيضا، وسنشير إلى بعض الشعر الذي استعمل للهجاء والمناسبة، إذا لزم الأمر.
ويمكن تقسيم شعر المدح، كما فعلنا مع بعض أنواع الشعر الأخرى، إلى مرحلتين: من الاحتلال إلى حوالي 1914، ومن هذا التاريخ إلى عشية الثورة. وقد ارتبطت كثرة الأمداح وقلتها بتطور حركة الشعر نفسه، كما سبقت الإشارة. ولكن قصائد المدح، كانت تظهر من وقت لآخر، سيما في عهد الأمير، وفي علاقات شعراء الجزائر بأعلام الشرق، وولائهم لرجال التصوف والمناقب، أما في المرحلة الأخيرة فقد كثر المادحون والممدوحون لتطور حركة التعليم وظهور الشعر المتأثر بالنهضة في الأسلوب والروح، وكان للحركة الإصلاحية رجالها من الشعراء والزعماء. والملاحظ أن القيادات السياسية لم تستطع أن تستدر عطف الشعراء، فباستثناء الأمير خالد
لا نجد الشعراء قالوا في زعماء الأحزاب شعراء، مثل مصالي الحاج وفرحات عباس والدكتور ابن جلول. بينما حظي ابن باديس والإبراهيمي بقسط كبير من ذلك.
ولعل كثرة التقاريظ للكتب تدل على أن الشعر لم يجد الزعماء والأعيان ليمدحهم. فاكتفى بمدح آثار بعض الكتاب. والتقريظ في الواقع مدح للكتاب وليس للمؤلف، وللأفكار لا للأشخاص. ولكن المؤلف يأخذ نصيبه القليل من ذلك، رغم أنه ليس زعيما ولا سياسيا.
وسيضم شعر المدح ما قيل في الجزائريين وفي غيرهم. وما نظمه المقيمون والمهاجرون منهم. وقد حظي الأمير عبد القادر بأمداح ذكر منها ابنه في الجزء الثاني من (تحفة الزائر) مجموعة، ولكن يلاحظ أنها في أغلبها من غير الجزائريين (1). أما هؤلاء فنعرف أن ابن عمه الطيب بن المختار، كان يقول فيه الشعر، وله فيه أكثر من قصيدة. وكان الطيب بن المختار قد عاش مع الأمير في المشرق ثم رجع إلى الجزائر وتولى فيها وظيفة القضاء. وقد اجتمع بالأمير مرة أخرى حين توجه إلى مرسيليا لمقابلته أثناء إحدى زيارات الأمير لفرنسا. ومن قصائده فيه:
بالله يا عبد القادر من مهجة
…
ألقيت بين صوارم وسهام
يا شمس علم في سماء معارف
…
يا نخبة الفضلاء والأعلام
لك في الحروب مناقب علوية
…
ووضوحها أغنى عن الأعلام
لله در نفيسة أرخصتها
…
وبذلتها في نصرة الإسلام (2)
ورغم أن الطيب بن المختار عاش خلال النصف الثاني من القرن الماضي، فإنه مدح الأمير بقصيدة بدأها باسم هند على عادة القدماء، ومطلعها:
(1) من ذلك قصيدة إبراهيم الرياحي التونسي، وهي طويلة، وأولها:
بلسان صدق في الورى لهج
…
وقلوب أهل الشرك أضحت في وجل
انظر عنها الهاشمي بن بكار (مجموع النسب)، ص 341.
(2)
نفس المصدر، ص 342. وهي قصيدة طويلة ذكر منها ابن بكار إثنى عشر ييتا فقط.
أكل خليل لا يدوم له عهد
…
أم انفردت في حل ما عقدت هند
أراها استحالت حالها وتنكرت
…
معارفها والطرف عني مرتد (1)
وقد كاد الشعر الفصيح الذي عثرنا عليه ينحصر في عائلة الأمير خلال القرن الماضي. فإلى جانب الطيب بن المختار، هناك عائلة بوطالب، وأبناء الأمير، سيما محمد ومحيي الدين وعبد المالك. فلماذا ذلك؟ إن هناك بعض العائلات قد توارثت الشعر أيضا، مثل ابن بريهمات، ولا سيما شعر المدح، ولكن ما توصلنا إليه لا يدل على قصائد كثيرة وعلى تنوع مراتع الشعراء، باستثناء الشعر الصوفي طبعا. وقد لاحظنا أن اسم الأمير قد ورد في شعر أحمد بوطالب، ولكنه جاء عرضا، فقط عند ذكر (الإحسان) الفرنسي وإطلاق سراحه. فهل كان أقارب الأمير لا يمدحونه خوفا من الفرنسيين؟ وها هو أحد متعلمي تلمسان، واسمه ابن مزيان، مدح الأمير بقصيدة لا ندري تاريخها الآن. وهي غير منشورة على ما نعلم قبل المصدر الذي نقلنا عنه؛ يقول ابن مزيان:
بشراك ما شرب كأس المجد في شرف
…
في حضرة حفها قطب وأبدال
أنت الإمام وابن الإمام وابن الذي
…
لولاه ما أرسلت للناس أرسال
هذا الذي أدب الأبطال في كبر
…
كما تؤدب أولاد وأطفال (2)
وواضح أن الشاعر يمدح الأمير بالشرف والدين والتصوف في حضرة حفها قطب وأبدال. ولكنه في البيت الأخير أعطى للأمير حقه في الجهاد وتحرير البلاد. ولا ندري ما إذا كان للشاعر قصائد أخرى على هذا النمط. ومن الملفت للنظر أن الأمير لم يدخل أدبيات الشعر إلا بعد الاستقلال. ورغم شهرته في العالم وعند الفرنسيين خاصة، فإنه قد غيب عن الجزائريين قصدا، وأصبح اسمه كأنه عنقاء مغرب.
وفي حدود 1837 (1252 هـ) كان حمدان خوجة في إسطانبول
(1) نفس المصدر، ص 143. وقد أجابه عنها الأمير بقصيدة بنفس الوزن والقافية.
(2)
نفس المصدر، ص 341.
لاجئا. وقد ألف كتابه (إتحاف المنصفين) وأهداه إلى السلطان محمود الثاني مع قصيدة في مدحه، مطلعها:
تخيرت (محمود) المعالي على الكبر
…
ويممت ساحات الندى راحة البشر
وكان خوجة قد تجاوز الستين سنة، وقد عاش حوالي عشر سنوات بعد ذلك، ووجد في العاصمة العثمانية عملا واحتراما (1).
وفي أواخر القرن اشتهر عاشور الخنقي بالأمداح. وقد ذكرنا أنه خصص شعره لمدح الأشراف والمنافحة عنهم وهجو من يتعرض لهم.
ومن تقاليد الجزائريين أن الذي يختم تفسير القرآن الكريم أو صحيح البخاري أو عقيدة السنوسي في التوحيد يتقدم إليه الشعراء ليلة الختم بالمدح في حفل مهيب يقام لهذا الغرض في أحد المساجد. ومن ذلك احتفال العلماء والشعراء بختم الأمير عبد القادر (أم البراهين) للسنوسي سنة 1837 في المدية. وكان قدور بن رويلة، وهو أحد كتاب الأمير، من الذين مدحوه شعرا (2).
وكان الشاعر أحمد بوطالب الغريسي الذي ذكرناه بالنسبة للشعر السياسي قد مدح الشيخ علي بن الحفاف، مفتي المالكية في الحزائر (ت 1307/ 1889) وهنأه بختم الحديث الشريف. وكان ابن الحفاف من أنصار الأمير عبد القادر أثناء المقاومة، فالارتباط بين عائلة بوطالب وابن الحفاف ربما يرجع إلى ذلك التاريخ. ومهما كان الأمر، فإن قصيدة أبي طالب تبدأ:
ختم الحديث له الأكوان تفتح
…
لا سيما ما ببدء الوحي مفتتح (3)
(1) انظر (إتحاف المنصفين والأدباء) تحقيق محمد بن عبد الكريم 1968. ولحمدان خوجة قصيدة أخرى في مدح أحد شيوخه (محمد بن علي الجزائري) نظمها في لندن، سنة 1814.
(2)
محمد طه الحاجري (جوانب من الحياة العقلية)، ط. القاهرة 1968، ص 78، و (تحفة الزائر)، 1/.
(3)
تعريف الخلف 2/ 93، ذكر منها 13 بيتا.
وقد اشتهر في تلمسان ونواحيها القاضي شعيب في آخر القرن وأول هذا القرن (ت. 1928). وقصده بعض الأدباء والعلماء في طلب الإجازة، وتناوله آخرون بالمدح طلبا في تدخلاته لقضاء مصالحهم. وقد عثرنا على شعر وفير في ذلك، ومنهم من كان يقرض الشعر تجريبا، ومن كان حظه فيه قليلا. ولكن الغوثي بن أبي علي (بوعلي) يظهر أنه قد تمرس على الشعر. وها هي قصيدته في مدح الشيخ المذكور تشهد بذلك. وكان الغوثي من خريجي المدارس الرسمية، وتولى القضاء أيضا فترة ثم جلبه المستشرق ألفريد بيل إلى مدرسة تلمسان الرسمية، واستعان به مستشرقون آخرون على تحقيق بعض المخطوطات (1). فكان أديبا وشاعرا لو وجد من يأخذ بيده لكان له شأن عظيم.
ومهما كان الأمر فإن الغوثي بوعلي نظم قصيدته في مدح القاضي شعيب في سبتمبر 1912. ولا نعرف أنه نشرها. وقد افتخر فيها بنفسه وبانتمائه الحضاري وعلاقته بالقاضي المذكور - أصول أندلسية؟. ويدل شعره على معارف قوية. والقصيدة ذات بداية تقليدية إذ طالعها غزلي ثقيل. وقد اعترف لشيخه بالأستاذية ولا سيما في الشعر. وإليك بعض أبيات منها:
وناعمة الخدين زاهرة البشر
…
ململمة الشديين عاطرة النشر
رضابها من شهد وخدها من ورد
…
وعرفها من ند وثغرها من در
وخذها من النسل الكريم عقيلة
…
تزف إلى مغناك باسمة الثغر
تسير بهمس الصوت للقصر عندكم
…
وحاشا علاكم أن ترد بلا مهر
فإن حرم المرغوب عندك شاعر
…
سلام على التسجيع والنثر والشعر
فلو كان هذا الشعر بالإرث يقتني
…
لما خطت الأقلام حرفا على سطر
ولو كانت الأرزاق تأتي بقوة
…
لما رزق العصفور شيئا مع النسر
(1) انظر فصل الترجمة. أما مدح القاضي شعيب لملك السويد والنروج والإشادة بمؤتمر المستشرقين، فانظر سابقا، وكذلك محمد أمين فكري باشا (إرشاد الألبا إلى محاسن أوروبا)، القاهرة 1892، ص 649.
ولكنه فضل من الله ظاهر
…
فلا زالت الأقلام تنطق بالحبر
ولازلت بالتقريض للمولى مادحا
…
أمجد ذاك الفضل حتى إلى الحشر (1)
وواضح أن في هذا الشعر تكلفا كبيرا في الألفاظ والمعاني. كما أن الموضوع تقليدي، ليس في المدح فقط ولكن في الطالع، كما ذكرنا. ويغلب على الظن أن للغوثي بوعلي أشعارا أخرى، وربما نشر في جريدة المغرب وكوب افريقية من جرائد الحكومة العامة بالعاصمة.
وكثيرا ما مدح الطلبة أساتذتهم والمقدمون شيوخهم في وقت اختفت فيه المناسبات العمومية وخفت فيه صوت الحديث عن السياسة وأهلها. ومن ذلك مدح حسن بن بريهمات لشيخه مصطفى الحرار (2). وقد أشرنا إلى عاشور وشيخه الهاملي. وها نحن نذكر قصيدة محمد الصالح القلي في شيخه أبي القاسم البوجليلي. وتبدأ هكذا:
أشجاك شوق منه دمعك سائل
…
أم أدركتك بشائر ورسائل
ثم تخلص إلى مدح شيخه فقال:
علامة العلماء والبحر الذي
…
لا ينتهي، ولكل بحر ساحل
يأتي إليه الطالبون لعلمه
…
ولفضله، ذا راكب ذا راجل
فاق الفحول فصاحة وبلاغة
…
فهم الجداول وهو بحر كامل
و (أبو جليل) قد بدا متبخترا
…
وتفجرت لذوي الفهوم مناهل (3)
ولقد حظي ابن باديس بعدة قصائد من تلاميذه وأنصاره، وفيهم المجود والمهلهل. وكان محمد العيد في طليعة المجودين. فقد كان شعره العذب المتجدد متفوقا على شعر الشعراء المعاصرين له. وكانت لمحمد العيد حوليات يأتي فيها على ذكر الأعمال التي كان يقوم بها ابن باديس من أجل
(1) من مخطوط الخزانة العامة - الرباط، ك 48، ص 48 - 49، وهي في 37 بيتا.
(2)
تعريف الخلف، 2/ 120.
(3)
من كناش عند علي أمقران السحنوني. والقصيدة بدون تاريخ، وهي في 13 بيتا. عن البوجليلي انظر فصل التصوف.
الوطن والإسلام واللغة العربية. ولعل أعظم قصيدة قالها فيه هي مدحه على ختم القرآن الكريم سنة 1938، ومطلعها:
بمثلك تعتز البلاد وتفخر
…
وتزخر بالعلم المنير وتزهر
وهي منشورة في الديوان المطبوع وفي جرائد الوقت، وقد تناولناها في دراستنا عنه. والواقع أن مناسبة الاحتفال بختم القرآن كانت فرصة نادرة لتباري الشعراء وانطلاق قرائحهم في المدح لابن باديس وأعماله. ومن الذين نظموا قصائدهم أيضا وألقوها أو ألقيت بالنيابة عنهم، الحاج أحمد البوعوني ومبارك جلواح. وكان البوعوني كبير السن فنظم قصيدة ألقيت بالنيابة عنه، وقد جاء فيها:
وإن الشعر ممن عاش قرنا
…
لكالهذيان في الطفل الصغير
ولو عاد الشباب لقمت فيها
…
مقامات الفرزدق أو جرير (1)
ولمحمد العيد عيون من الشعر في بعض أعيان جمعية العلماء كالعقبي والإبراهيمي. وقد هنأ الإبراهيمي بانتخابه عضوا مراسلا لمجمع اللغة العربية بالقاهرة. وهنأ العقبي بإطلاق سراحه وتبرئته.
وقد مدح محمد العيد المنشآت والجرائد والمؤلفات أيضا، فأشاد بالمدارس التي تبنى بأموال الشعب، لأغراض خيرية وعلمية، وبالنوادي، والجمعيات، وبجريدتي ن المنتقد وصدى الصحراء وغيرهما. كما هنأ وقرظ الكتب الآتية: تاريخ الجزائر، ورسالة الشرك للميلي، وكتاب محمد عثمان باشا للمدني، وكتاب ذكرى الدكتور ابن شنب للجيلالي، وكتاب شعراء الجزائر للسنوسي، وغيرها. ولا نريد أن نتحدث طويلا عن الشعر بعد 1919 لأنه، كما قلنا، مدروس، وإنما نريد أن نربط الحلقات بعضها ببعض.
وقد قلنا إن التقريظ صفحة أخرى من المدح. ونحن نجد ذلك شائعا
(1) البصائر 17 يونيو 1938، وقد جرى الحفل في كلية الشعب بقسنطينة، يوم 13 يونيو من نفس السنة. وكان الإبراهيمي هو الذي أشرف على الحفل. وكان البوعوني من تلاميذ ابن باديس، رغم كبر سنه.
منذ بدأت الكتب في الظهور آخر القرن الماضي (في الماضي كانت التقاريظ أيضا وكانت تحفظ ضمن المخطوطات). ومن أوائل الكتب المطبوعة التي وجدنا عليها عددا من التقاريظ كتاب (نزهة الأفكار) لأبي بكر بوطالب (1).
وعند ظهور تعريف الخلف 1906 قرظه محمد بن عبد الرحمن الديسي شعرا ونثرا. كما قرظ آخرون كتاب (سائق السعادة في الحسنى والزيادة) لأحمد الأكحل (2). وقرظ قدور بن محيي الدين تفسير الشيخ الثعالبي بقصيدة هنأ فيها المحقق الشيخ محمد بن مصطفى خوجة على جهده، ومطلعها:
أعز مغتنم تصفو مشاربه
…
يحظى به لهج بالعلم مسرور (3)
بالإضافة إلى ما ذكرنا نشير إلى تقريظ الطيب العقبي لكتاب (جماعة المسلمين) لأبي يعلى الزواوي (4). وذكر الزواوي نفسه أن بشير الرابحي قد مدحه بقصيدة على خطه في المصحف الشريف (5). وقد أشرنا في فصل النثر إلى تقريظ أحمد الأكحل لكتاب الهاشمي بكار.
…
ونتناول الآن الأمداح المتعلقة بأشخاص غير جزائريين. وقد مدح الأمير عبد القادر السلطان عبد المجيد بقصيدتين على الأقل، الأولى عند نزوله اسطانبول أول مرة ضيفا على الدولة العثمانية. والثانية عند وقوع الحرب بين هذه الدولة وروسيا. ولا داعي لذكر نماذج منهما (6). كما أن حسن بن
(1) انظر فقرة التقاريظ.
(2)
عن أحمد الأكحل انظر فصل النثر واللغة.
(3)
انظر (الجواهر الحسان) ج 4، ط. بيروت (مصورة عن ط. الجزائر) 1980، ص 461. وشارك في التقريظ نثرا ابن زكري وابن سماية، انظر فصل النثر الأدبي.
(4)
الزواوي (جماعة المسلمين)، ط. 1948، ص 75، وبلغت أبيات العقبي إثني عشر بيتا.
(5)
أشار الزواوي إلى ذلك في رسالة له في علم الخط مكتوبة سنة 1947.
(6)
انظر (تحفة الزائر)، 2/ 51.
بريهمات مدح خير الدين التونسي، وعاشور الخنقي مدح السلطان عبد الحميد الثاني وأبا الهدى الصيادي. ونحن نعلم أن المشرفي (أبا حامد) قد مدح سلطان المغرب الحسن الأول، وقد ذكرنا ذلك في الدواوين. ولا نتوقع أن نحصي ذلك النوع من الشعر هنا. فهو لا شك كثير، ولكن تعوزنا اليوم مصادره. وقد كشف أبو اليقظان على أنه قد مدح سليمان الباروني وربما مدحه غيره أيضا. واشتهر مفدي زكريا بالمدح، حتى خص سلاطين المغرب بديوان ورئيس تونس بآخر، ولكن ذلك لا يعنينا هنا لأنه جاء بعد الفترة التي نتناولها.
وكان أبو طالب الغريسي (أحمد؟) قد مدح أحمد فارس الشدياق، رئيس تحرير جريدة (الجوانب) الشهيرة في الدولة العثمانية. وكان الشدياق معروفا في الجزائر أيضا لأن له كتابا تعليميا في نحو اللغة الفرنسية كان متداولا، وربما كان الشدياق قد زار الجزائر، ومن الأكيد أنه زار فرنسا، وكان من النصارى الذين اعتنقوا الإسلام. وله قصيدة طويلة في مدح الأمير عبد القادر. اغتنم بوطالب ظهور كتاب للشدياق عنوانه (سر الليال في القلب والإبدال) وأرسل إليه قصيدة فنشرها الشدياق في (كنز الرغائب). وبوطالب كان متمسكا بطالع القصيدة التقليدية - الغزل - فهو يقول:
سنا (سر الليال) أضاء ليلا
…
فأنساني مسامرتي لليلي
وذكرني المثاني لا المباني
…
وأذهلني فرواني وعلا
وقد جاء فيها عن الشدياق خاصة:
وحيد في الفصاحة لا يجاري
…
فريد في البلاغة لا يجلى
أصاب بفهمه غرض المعاني
…
وحاز بحزمه القدح المعلى
وكم جابت (جوائبه) بلادا
…
وجاب بيانها حزنا وسهلا
بنيت لك الوداد أبا سليم
…
على عهد يدوم له محلا (1)
(1) تعريف الخلف، 2/ 93. وكان كتاب (سر الليال) قد ظهر في الآستانة، المطبعة العامرة 1284 هـ. ويشير (بجوائبه) إلى جريدة (الجوائب) التي لا نظن أن السلطات =
ولا ندري متى قال بو طالب هذا الشعر، ولكن شتان بين شعره في الفرنسيين وشعره هذا. فهو هنا شعر عذب سائغ ورقيق شائق. فهل تطور في شعره إلى هذا الحد؟ وأين ديوانه الذي قد يكون اشتمل على جميل الشعر، إذا عرفنا أنه عاش في فترة فراغ شعري كبير، وهي النصف الثاني من القرن الماضي؟.
وقد أثرت شخصية الشيخ محمد عبده على جيل العلماء في مدار القرن سواء أولئك الذين درسوا في مصر أمثال المولود الزريبي أو الذين سمعوا به وقابلوه، أمثال عمر راسم وعمر بن قدور، ومحمد بن مصطفى وعبد الحليم بن سماية، وربما كان الكمال ممن زاروا مصر أيضا، فقد ذكر عمر راسم في ترجمته له أنه كان يعرف مصر كثيرا حتى كأنه من أهلها. وكان عمر راسم قد زار مصر أيضا. أما ابن سماية وابن زكري فقد زارا بلاد الشام وربما زارا مصر أيضا. وقد تكونت (مدرسة) لأتباع الشيخ عبده في الجزائر، منهم من ذكرنا ومنهم أيضا الشيخ المولود بن الموهوب وغيره (1). ويهمنا الآن الشعر الذي قيل فيه. وكان ابن مصطفى متأثرا بتفسير سورة (والعصر) الذي نشره الشيخ عبده في مصر بعد رجوعه من الجزائر، فقرظه (شعر؟)(2).
وارتبطت علاقات وطيدة بين محمد عبده وعبد الحليم بن سماية، وظهر الإعجاب بالشيخ عبده عند ابن سماية في قصيدة (50 بيتا)، نشرت منها المنار حوالي عشرين فقط، ووعدت بنشرها كاملة. وقد عبر فيها ابن سماية عن الإعجاب الشديد بعلم وتقى الشيخ عبده، وبمجالسه المفيدة:
= الفرنسية كانت تسمح لها بدخول الجزائر، لأنها جريدة السلطنة العثمانية ولسان الجامعة الإسلامية بعض الوقت.
(1)
عن زيارته للجزائر وأثرها انظر فصل المشارق والمغارب. وكان عبده قد زار أيضا تونس مرتين. وقد درس إثر زيارته علي مراد ورشيد بن شنب بالنسبة للجزائر، والمنصف الشنوفي بالنسبة لتونس.
(2)
انظر المنار، م. 6. ص 617، وأيضا (تاريخ الأستاذ الإمام) لرشيد رضا، 1/ 872.
فأنت لنا شمس تنير على المدى
…
أتى نورها من غير أن نتطلعا
أدير بذكراك الذي منك قد مضى
…
فاشرب كأسا بالصفاء مشعشعا
يذكر فيك المجد والعلم والتقى
…
فانظر من علياك عرشا مرفعا
وتلوى إلى تلك المجالس فكرتي
…
فتنرك قلبي بالخيال ممتعا
محافل كان العلم فيها مجالسي
…
أسامر بدرا بالجلال مقنعا (1)
والقصيدة تدور على هذا النمط من الذكريات العلمية والأدبية التي قامت بين الرجلين ثم افترقا. وكان الشيخ عبده يسمى ابن سماية (ولدي). وقد راسله من صقلية ومن مصر.
وكانت للمغرب الأقصى وفود دينية وسياسية تتردد على الجزائر، ويحظى بعض رجالها بالترحيب. ومن الزيارات الدينية زيارة شريف وزان، زعيم الطريقة الطيبية في آخر القرن الماضي. ولا نعرف أن هناك من مدح شريف وزان عندئذ. ثم حل وفد مغربي رسمي أوائل هذا القرن برئاسة الوزير محمد الجباس، وجندت السلطات الفرنسية أدباء وأعيان البلاد للترحيب بالوفد المغربي، ومنهم محمد بن مصطفى خوجة الذي سبق ذكره. ولكن الشعر كان غائبا في هذه المناسبة أيضا، على ما نعلم. وكان عبد الحي الكتاني يتردد على الجزائر، فتبادل مع بعض علمائها الشعر والإجازات، كما سنعرف. أما قصائد المدح فلم تنظم إلا في الوزير محمد الحجوي الذي جاء إلى الجزائر لحضور ندوة جامعة الزوايا، التي أنشأتها الطرق الصوفية في المغرب العربي بدعم وإيعاز من السلطات الفرنسية. وكان ذلك سنة 1357 (1938). ومن الشعراء الذين شاركوا في النظم أحمد الأكحل الذي سبق ذكره، والبشير الرابحي. وكان أحمد الأكحل عندئذ رئيسا لجمعية تسمى الحياة، أما الرابحي فقد كان إماما بجامع الزحاولة غير بعيد من العاصمة. ونظن أن هذا الشعر كان أيضا بإيعاز من الفرنسيين، لأن الشاعرين لا يمكنهما تمجيد الرجل لو لم توافق الإدارة.
(1) انظر المنار، وأيضا دبوز (نهضة الجزائر)، 1/ 125، وقد جاء منها بـ 15 بيتا.