الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
محمد بن مصطفى خوجة بتحقيق تفسير الثعالبي المعروف (بالجواهر الحسان) وأشرف غيره (وربما هو عبد الرزاق الأشرف) على طبع (كشف الرموز في بيان الأعشاب) لابن حمادوش (1)، ونشر آخر (بستان الأزهار) للقلعي. وتعاون نور الدين عبد القادر مع المستشرق جاهيير على نشر (روضة السلوان) في الصيد. كما أن نور الدين أشرف بنفسه على تحقيق ونشر عملين على الأقل، الأول هو (غزوات عروج وخير الدين)(2)، والثاني هو تاريخ حاضرة قسنطينة لأحمد بن المبارك (3). وقد ذكرنا في فصل آخر نماذج لهذا (التعاون) مثل مشاركة ألفريد بيل مع الغوثي بوعلي في إصدار بغية الرواد. ولا شك أن هناك تحقيقات فردية أو بالاشتراك لم نشر إليها. كما أن بعض المهاجرين، أمثال الشيخ طاهر الجزائري، قد ساهموا في نشر التراث العربي على العموم.
محمد بن أبي شنب
وهنا نصل إلى الحديث عن محمد بن أبي شنب الذي نشر عددا من المخطوطات محققة، وشرح أيضا بعض الأعمال الأدبية مثل مثلثات نظم قطرب. وقد وضع كتابا في العروض سماه تحفة الأدب في ميزان أشعار العرب. وكانت له مراسلات مع علماء وأدباء العصر مثل محمد كرد علي. وقد تميز عن معاصريه باهتمامه بالتحقيق. وكان قد تأثر كثيرا بأسلوب المستشرقين وشاركهم في أبحاثهم ومؤتمراتهم، وقام بالتدريس معهم في
= وكان فور بيقي ولوسياني قد نشرا أعمالا في التراث استعانا فيها ببعض الجزائريين، وعن العلاقة بين الجزائريين والمستشرقين انظر فصل الاستشراق، والترجمة.
(1)
هذا الكتاب نشرته دار لبنانية (بيروت، 1996) قالت عن نفسها إنها (علمية)، ومع ذلك فإنها لم تذكر من أشرف على طبع الكتاب من جديد، ولا كيف طبعت النسخة الجزائرية. والعجب أنها كتبت داخل الكتاب العبارات المعروفة بأن حقوق الطبع محفوظة وأنه لا يجوز كذا وكذا. فأين العلمية وأين الأمانة؟.
(2)
ط. في مصر، سنة 1934.
(3)
انظر عن ابن المبارك (العطار) وكتابه فصل التاريخ.
كلية الآداب ومدرسة قسنطينة (الكتانية) ومدرسة الجزائر (الثعالبية). كما أنه درس دراسة أكاديمية منظمة إلى أن نال شهادة الدكتوراه. وبهذه الصفة التحق بركب الباحثين وخرج من قافلة الأدباء. ومع ذلك قدم ابن شنب مساهمة عظيمة في خدمة التراث الجزائري والإسلامي عموما. فقد استعمل علمه وقدرته في البحث لتسليط الضوء على آثار الماضين، من الجزائريين والعرب والمسلمين.
بدأ حياته بنشر مقالات ودراسات في المجلات حول الشؤون الاجتماعية كالفكلور والمرأة المسلمة وبعض النصوص الشعبية والرحلات والكلمات الدارجة. ومنذ عودته إلى العاصمة من قسنطينة بدأ مشروعا ضخما صادف أن كانت حكومة جونار مقبلة ومشجعة عليه، وهو تحقيق المخطوطات ونشر التراجم. وكان المستشرقون يفعلون ذلك منذ آخر القرن الماضي، ولكن تحت غطاء الحكومة وتمويلها. وكان حظ أبي القاسم بن الشيخ هو إعداد موسوعة الاعلام الجزائريين، وهي (تعريف الخلف برجال السلف). أما حظ ابن شنب فكان تحقيق جملة من الكتب تطول قائمتها لو ذكرناها جميعا. ومنها نبذة من رحلة ابن عمار، ورحلة الورتلاني، والبستان لابن مريم وعنوان الدراية للغبريني (1). وطريقة التحقيق عنده هي مقابلة أكثر من نسخة، ووضع مقدمة قصيرة في وصف طريقة التحقيق - دون ترجمة المؤلف وعصره ونحو ذلك -. وأهم جهد كان ابن شنب يقوم به في التحقيق هو وضع الفهارس، فهارس الأعلام والأماكن والكتب والموضوعات والشعر وغير ذلك. وهنا تظهر مهارته وطريقته ومساهمته. وكأن ابن شنب كان على
(1) حقق أيضا مؤلفات حول المغرب العربي والأندلس والأدب العربي عموما، واللغة العربية والفارسية والتركية. من ذلك الممتع في شرح المقنع للسوسي، وتحبير الموشين للفيروزآبادي، وطبقات علماء إفريقية، والفارسية لابن القنفذ، والذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية. انظر حياته في كتب التراجم مثل الأعلام للزركلي ومعجم أعلام الجزائر نويهض. وقد كتبنا عن حياته في (تجارب في الأدب والرحلة). كما قدمنا الطبعة الجديدة من (تحفة الأدب) في العروض.
عجل، فهو لا يهتم بالتنميق ولا بالتطويل، وإنما كان يقتصر في الأسلوب على ما قل ودل. ولذلك قلنا إن أسلوبه أقرب إلى الأسلوب العلمي منه إلى الأسلوب الأدبي.
وحياة ابن شنب معروفة إلى حد كبير ولكنها غير مرتبطة عند من ترجموا له بحوادث الزمان وظروف العمل والمحيط. أخذ معظم الذين ترجموا له من سيرته الذاتية التي كتبها بنفسه لعضوية مجمع اللغة العربية (المجمع العلمي العربي) في سورية. ولم يرجعوا حتى لكلمات التأبين التي كتبها في حقه بعض الفرنسيين أمثال ألفريد بيل. أما نحن فقد تناولناه من خلال حيان في الجزائر مع الاستعانة بكتاباته عن نفسه. ولد ابن شنب في المدية على قمة الأطلس، وحفظ بعض القرآن، فانطبع في نفسه وحفظ قلمه ولسانه من العجمة. ثم تفرغ للمدرسة الفرنسية بالمدية نفسها، ومنها انتقل إلى المدرسة النورمالية - ترشيح المعلمين - في بوزريعة بالعاصمة حيث أنشأ الفرنسيون قسما، خاصا بالأهالي تمشيا مع مبدأ العنصرية الذي طبقوه في كل المجالات. وقد لاحظ ابن شنب ذلك التمييز منذ دراسته في المدية ولكنه عاشه أكثر من ذلك في بوزريعة. وبعد عام أجيز ابن شنب للتعليم في المدارس الابتدائية الفرنسية - الأهلية. ولا ندري إن كان قد علم في هذا المستوى أو تفرغ للدراسة في مدرسة الآداب العليا حيث كان المستشرق رينيه باصيه وجماعته (1). والذي نعرفه أنه حصل على الليسانس في الآداب من هذه المدرسة. ومنها تعين في قسنطينة - المدرسة الكتانية - لتدريس النحو والصرف والعروض والأدب، مكان الشيخ المجاوي الذي استدعى إلى مدرسة الجزائر الرسمية - الثعالبية - سنة 1898. وقد بقي ابن شنب في قسنطينة حوالي ثلاث سنوات، ففي 1901 رجع إلى العاصمة وأصبح من مدرسي مدرستها إلى جانب المجاوي وابن سماية وابن زكري. وبعد حوالى
(1) من قوانين مدرسة (النورمال) أن التلميذ - المعلم يتعهد بالتعليم مدة معينة بد التخرج، فهل علم ابن شنب بعد تخرجه أو دفع ثمن الدراسة؟ أو احتاجته مدرسة الآداب؟.
أربع عشرة سنة أصبح من مدرسي القسم العالي بها، وهو القسم الذي استحدث سنة 1895. وظلت المواد التي يدرسها هي اللغة والأدب والمنطق. وقد انعكس ذلك على نوع التأليف التي صدرت عنه أو التي حققها خلال هذه الفترة.
فقد ألف في الأدب والعروض والمنطق كما ذكرنا، وظهرت علاقته بالاستشراق في مؤلفاته وبحوثه، وفي تحقيقه للنصوص والتعريف بالإجازات والتراجم، وقد شارك سنة 1905 مشاركة بارزة في مؤتمر المستشرقين 14 بالعاصمة حيث قدم بحثين، وقام بكتابة تقرير عن قسم اللغات الشرقية في المؤتمر، نشر في المجلة الإفريقية. وكان عندئذ في منتصف عقد الثلاثين. وكان طموحا في مجال العلم متمكنا من اللغات الشرقية والأروبية (سيما الفرنسية)، فكان لا ينفك عن البحث والتحقيق إلى أن حصل سنة 1922 على الدكتوراه في الأدب عن أبي دلامة من كلية الآداب (المدرسة العليا سابقا)، وكان بحثه الثاني للدكتوراه عن الألفاظ الفارسية والتركية في لهجة العاصمة. وشهدت سنة 1924 وفاة شيخه باصيه، عميد كلية الآداب، وتعيينه هو أستاذا بهذه الكلية، ولكن بصفته أهليا (أندجين) إذ كانت العنصرية الفرنسية تمنعه من أن يكون أستاذا كامل الحقوق.
في الوقت الذي كان فيه ابن شنب يتكون علميا كانت الجزائر كلها تمر بمرحلة انتقالية هامة. فإذا طرحنا سنوات طفولته في المدية - السبعينات - وجدنا العقود التالية كلها متميزة بأحداث كان لها أثر كبير على جيله. وقد ظهر ذلك في فشل الثورات، وارتماء العامة في حضن التصوف، وفتح الفرنسيين بعض المدارس (الأهلية) بما فيها قسم بمدرسة بوزريعة خاصا بتكوين المعلمين الجزائريين. وحلت بالجزائر لجنة التحقيق الفرنسية الشهيرة سنة 1892، وأعيد النظر في برنامج المدارس الرسمية الثلاث الخاصة بتخريج القضاة والمدرسين والأيمة. وراجع الفرنسيون سياستهم عن العالم الإسلامي والدولة العثمانية، وتركزت أطماعهم على المغرب الأقصى وإفريقية، وكان كل ذلك قد وقع خلال عهدي جول كامبون وشارل جونار.
وفي أوائل هذا القرن حدثت أحداث أخرى هامة، مثل التجنيد الإجباري وظهور الجرائد والنوادي والجمعيات وتأليف الوفود، واحتلال ليبيا والمغرب وزيارة الشيخ عبده. فأين كان ابن شنب من كل ذلك؟ الواقع أننا لا نعرف له أي نشاط ظاهري خارج التعليم والتأليف في هذه الأثناء، وحتى إرساله إلى المغرب في مهمة خاصة تحدث عنه ألفريد بيل، ولا نعرف متى وقع ذلك بالضبط ولا تحديد المهمة. كما أن الحرب قد غيرت موازين عديدة في داخل البلاد وخارجها، وكان من أثرها ظهور حركة الأمير خالد السياسية. وحركة ابن باديس الإصلاحية. ومع ذلك فإن اسم ابن شنب كان غير معروف لا في هذه ولا تلك.
وعند وفاة ابن شنب سنة 1929 شاه الرأي العام الجزائري والفرنسي. وكتب عنه الجزائريون والفرنسيون. فقد مشى في جنازته (النصارى والمسلمون) على حد تعبير هنري ماسيه. ومن النصارى مارتينو، عميد كلية الآداب، الذي خلف باصيه في هذه الوظيفة. وفي خطبة التأبين قال عنه مارتينو إن ابن شنب كان (صورة للأديب المسلم الذي عرف كيف يطلع على الأساليب الأروبية في العمل بدون أن ققد شيئا من صفاته وعاداته، وإن أستاذه باصيه هو الذي كان يتولى هدايته في العمل. وأن ابن شنب قد عرف لوازم النقد العلمي). وكذلك ابنه ألفريد بيل الذي كان له فيه رأي شبيه برأي مارتينو، غير أنه خالفه في أمور أساسية ومنها التركيز على ولاء ابن شنب لفرنسا وتصنعه في الاحتفاظ باللباس العربي. أما هنري ماسيه فقد قال إن ابن شنب كان مثال (التآلف) الفرنسي - الإسلامي في الجزائر وتنبأ بأن أحد المؤلفين سيكتب كتابا يجعل فيه ابن شنب رمزا لهذا التآلف والانسجام.
وقد نوه الجزائريون المعاصرون بابن شنب أيضا ونظروا إليه نظرة المعجب المفتخر، لأنه تمكن من العلم وحافظ على هندامه الوطني ووصل إلى أعلى درجات الوظيفة الأكاديمية، ونشر كتب التراث مع تواضع ووقار، وانتخب لعضوية المجامع العلمية. وشارك في ذلك التنويه محمد السعيد