المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

في سنة 1926. وهي سنة بارزة في تاريخ الوطنية والإصلاح - تاريخ الجزائر الثقافي - جـ ٨

[أبو القاسم سعد الله]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثامن

- ‌الفصل الأولاللغة والنثر الأدبي

- ‌حالة الأدب والثقافة غداة الاحتلال

- ‌التعامل مع اللغة العربية

- ‌الدراسات البربرية

- ‌الدراسات النحوية والمعاجم

- ‌بلقاسم بن سديرة

- ‌عمر بن سعيد بوليفة

- ‌النثر الأدبي

- ‌المقالة الصحفية

- ‌الأسلوب من عاشور الخنقي إلى الإبراهيمي

- ‌الرسائل

- ‌التقاريظ

- ‌الخطابة

- ‌محمد الصالح بن مهنة وكتابه

- ‌خطب أبي يعلى الزواوي

- ‌الروايات والقصص والمسرحيات

- ‌ المقامات

- ‌أدب العرائض والنداءات والنصائح

- ‌مؤلفات وشروح أدبية والتحقيق

- ‌محمد بن أبي شنب

- ‌الأدب باللغة الفرنسية

- ‌الفصل الثانيالشعر

- ‌مدخل في تطور حركة الشعر

- ‌الدواوين والمجاميع

- ‌كتاب شعراء الجزائر في العصر الحاضر

- ‌الشعر الديني

- ‌الشعر السياسي

- ‌الشعر الإسلامي والإصلاحي

- ‌شعر المدح

- ‌شعر الرثاء

- ‌الشعر الإخواني

- ‌الشعر الذاتي

- ‌مبارك جلواح

- ‌الشعر التمثيلي والأناشيد

- ‌شعر الفخر والهجاء وغيرهما

- ‌الشعر الشعبي

- ‌ثورات وشعراء

- ‌في الشكوى وذم الزمان

- ‌أغراض أخرى للشعر الشعبي

- ‌الفصل الثالثالفنون

- ‌الفنون التقليدية - الشعبية

- ‌الجزائر والشرق عند الفنانين الفرنسيين

- ‌فيلا عبد اللطيف

- ‌معارض الفنون الإسلامية

- ‌الآثار الدينية

- ‌القصور والمباني الحضرية

- ‌المتاحف

- ‌الرسام ناصر الدين (إيتيان) ديني

- ‌النقش والرسم والخطاطة

- ‌مؤلفات في الخط

- ‌عمر راسم وأخوه محمد وآخرون

- ‌مؤلفات وآراء حول المسرح ورواد التمثيل

- ‌آراء ومؤلفات في الموسيقى

- ‌تطورات أخرى في مجال الموسيقى والغناء

- ‌ محمد ايقربوشن

- ‌المحتوى

الفصل: في سنة 1926. وهي سنة بارزة في تاريخ الوطنية والإصلاح

في سنة 1926. وهي سنة بارزة في تاريخ الوطنية والإصلاح بالجزائر (1).

‌مبارك جلواح

وكانت حياة مبارك جلواح مأساة من نوع آخر. حقيقة أنه أنتج شعرا غزيرا وقام كجندي بأدوار في الجزائر والمغرب وفرنسا، ولكن حياته الذاتية تظل غامضة ومثيرة. ولد سنة 1908 (1910؟) في قلعة بني عباس قرب آقبو. وبعد أن درس على والده القرآن الكريم تعلم تعلما عصاميا في ظاهر الأمر، ربما في بعض الزوايا المحلية، لأن مدارس الإصلاح لم تؤسس بعد، ولأن المدرسة الفرنسية لم تكن متوفرة للجميع. وربما يكون قد دخل المدرسة الفرنسية الابتدائية بعض الوقت. ولا ندري مدى تأثير حياة أسرته على طفولته. فقد كان والده يمارس التجارة والترحال بحثا. عن الرزق. فهل كان ترحال والده في الجزائر فحسب أو حملته قدماه إلى فرنسا أيضا. وماذا كان مصير مبارك أثناء ذلك. وما دور أمه وأسرته في تربيته أثناء غياب والده. كل ذلك يجعلنا نعرف بعض الأسباب التي أحاطت بحياة القلق والوتر التي ظل يحياها خلال شبابه، سيما خلال الثلاثينات.

ولما بلغ الثامنة عشرة من عمره كان من المجندين في خدمة الجيش الاستعماري، شأن الشباب الجزائري. كان ذلك سنة 1928، وفي هذه السنة كان الفرنسيون يستعدون للاحتفال بالاحتلال المئوي للجزائر. وبعد التدريب وقضاء فترة لا نعلمها وجد نفسه في المغرب الأقصى في خدمة أحد الضباط المغاربة. وكانت للشاعر فرصة للمقارنة بين حياة الجزائر وحياة المغرب، فرغم أن الاستعمار واحد، فإن هناك فروقا واضحة بين البلدين. فالمغرب حديث العهد بالاستعمار وشخصيته العربية الإسلامية لم تشوه، بينما الأمر لم

(1) عن رمضان حمود انظر محمد ناصر (رمضان حمود الشاعر الثائر). وكذلك مقالة محمد الصالح الجابري (من تاريخ التواصل) في مجلة (الحياة الثقافية)، تونس. عدد خاص 1984، ص 22. وكان رمضان حشود قد ساهم في الصحافة المعاصرة، ولا سيما صحافة أبى اليقظان.

ص: 296

يكن كذلك في الجزائر. ثم إن الكولون في هذه البلاد هم الأسياد بينما المغرب لا يظهر الفرنسيون فيه إلا كإدارة وجيش (مخزن).

وبعد رجوع جلواح إلى الجزائر، ربما على إثر تأسيس جمعية العلماء (1931)، وبعد حادثة الظهير البربري التي هزت المغرب، اتصل بابن باديس، وكان هذا يبحث عمن يعتمد عليه في فتح مدارس لتعليم المهاجرين في فرنسا اللغة العربية ومبادئ الإسلام. كما يقوم بالدعوة هناك لجمعية العلماء وسط المهاجرين. فوقع اختياره على جلواح. وربما كان ذهابه إلى فرنسا سنة 1936. وكان جلواح خلال ذلك يتردد بين فرنسا والجزائر، ففي الأولى كان ينقط مدارس التهذيب، وفي الثانية كان يشارك في الندوات. ونحن نجد أخباره في قالمة وسكيكدة وعزابة والمحمدية وقلعة بني عباس ومستغانم (1). أما في فرنسا فكان جلواح هو الكاتب العام (للقلم العربي) لنادي أو جمعية أخوة آقبو (2).

ومنذ 1939 جند جلواح للحرب من جديد، وظل في الخدمة العسكرية إلى أن هزمت فرنسا واحتل الألمان باريس، فسرح من الجندية. ولا ندري ماذا حدث له بعد ذلك، أي منذ 1943. فالركيبي الذي درس حياته بالتفصيل قد رجح أن يكون قد انتحر في لحظة يأس. ودليله في ذلك كثرة حديث الشاعر عن الموت والانتحار، وكون جلواح فشل في حبه وطموحه. ولعل انتماءه إلى الحركة الإصلاحية كان يمنعه من هذا المصير إذا لم يكن قد انحرف في حياته في باريس. ويشير الركيبي إلى أن جلواح كان من المعجبين بهتلر، وكان الألمان محتلين لفرنسا، وقد أعجب جزائريون آخرون بهتلر لا لشيء إلا لكونه هزم فرنسا. وانضم بعضهم إلى الجيش الألماني على أمل تحرير بلادهم بمساعدة الألمان. فهل كان موقف جلواح هذا سببا في قتله ورميه في نهر (السين) حيث وجدت جثته؟ كما أن الركيبي

(1) انظرا مثلا البصائر 2 ديسمبر 1938. والكلمة بقلم محمد الزواوي معطى الله. وقد سماه (الأديب العبقري).

(2)

نفس المصدر، 23 سبتمبر 1938.

ص: 297

قد ذكر الصهيونية دون الربط المباشر بينها وبين موت جلواح. والغالب أن الصهيونية عندئذ كانت تحاول أن تحمي نفسها أكثر مما كانت تنتقم من خصومها. ومع ذلك فإن كل هذه الاحتمالات لا تقدم الجواب على قتل أو انتحار الشاعر جلواح.

ترك جلواح ديوانا سماه (دخان اليأس)، وهو يشمل، حسب عبد الله ركيبي، ستين قصيدة. وهي ليست كل شعره. ذلك أن له أشعارا ما تزال مفرقة في الصحف وفي أيدي الناس، ولو جمعت لاكتمل منها ديوان كبير. ونفهم من ذلك أن شعر جلواح تناول مختلف الأغراض، بما فيها الإصلاح والتحرر والذاتية والوصف. وقد رأينا له قصائد في البصائر وأخرى مما نشره له الركيبي، فإذا بها تقدم لنا شاعرا فريدا. كان جلواح في غمرة الحركة الرومانتيكية التي غزت الوطن العربي منذ الحرب الأولى تقريبا. وكان الشابي في تونس يغني لها أجمل أشعاره، وفي الجزائر اقترب منها محمد العيد ولكنه ظل أسير الدين والإصلاح والتقاليد الشعرية، وسرعان ما اختفى رمضان حمود (1926)، ولم يفرض البوشوشي نفسه كشاعر غنائي. أما جلواح فكانت الغربة (نحو المغرب ثم فرنسا)، تزيده اغترابا عن المجتمع، ولذلك انتج قصائد في غاية الروعة الجمالية والعاطفية. والاغتراب كان أحد ميزات الشاعر الرومانتيكي. ولكن المثقفين المعاصرين كانوا في أغلبهم من (المصلحين) وهم الذين كانوا يسيطرون على الصحف الحرة والنوادي والجمعيات. ولم يكن بوسع جلواح المتحرر الثائر بمحكم مزاجه واختياره الشعري، أن ينتمي إلى الصحف الرسمية أو الطرقية. ونعتقد أن بعض قصائده كانت تجد طريقها للنشر بسبب اختياره لفنه الشعري. وإن أشعاره (المرفوضة) ربما ما تزال في أوراقه، وقد تكون من أجود شعره.

ويذكر الركيبي أن جلواح قد تغنى بالطبيعة والمرأة، وأنه مجد العروبة والوطنية. وحظيت ابنته ببعض شعره. ويعتقد أن جلواح كان مجددا ومتحررا، وأنه قد خرج عن المألوف - التقاليد- مما سبب له المقاطعة أو

ص: 298

الصمت من جانب النقاد المعاصرين. ولو عاش جلواح أحداث 8 ماي 1945 وما بعدها لعرف أن مصير الجزائر أزهى ما تخيله في لحظة يأس، إن كان حقا قد انتحر. فالرجل كان يعيش مأساة نفسه ومأساة وطنه الصغير والكبير. فقد عبر عن عاطفته الثائرة نحو وديان الجزائر: وادي الرمل ووادي الشلف، وهما رمزان للخصوبة والنماء، وتحدث بلسان الجزائري في إحدى قصائده، كما أن له أخرى خاطب بها الشرق (1).

وقد كان جلواح يعيش هموم نفسه وغيره، حتى أنه كتب عن المسلم الإفريقي في باريس، وذلك من أوائل الحديث عن وضع المهاجر في الغربة، وهو الموضوع الذي شغل المثقفين الذين هاجروا بعد الحرب الثانية إلى فرنسا، مثل محمد ديب، وكاتب ياسين، وإدريس الشرايبي. ولا ندري أين قرأنا نحن أن جلواح قد سجن في باريس، وأن بعض الطلبة قد هاجمه فيها على نوعية أدبه. وكانت البصائر تكتفي بالإشارة إلى كونها اتصلت بمقالات منه دون أن تنشرها. ومع ذلك نجد له بعض المقالات عن نشاط نادي التهذيب الذي كان يديره بباريس وعن الجالية العربية فيها. وقد كانت باريس تشهد زيارات بعض الأعيان العرب، مثل شكيب أرسلان وإحسان الجابري، كما كانت تضم مجموعة من طلبة المغرب العربي، وهم زعماء تونس والمغرب والجزائر مستقبلا. وكان من النشطين فيهم مالك بن نبي وأحمد بن ميلاد ومحمد الفاسي، فأين مكانة جلواح بين هؤلاء؟ وهل تعاون مع الشيخ الفضيل الورتلاني الذي بعثه ابن باديس في نفس المهمة إلى فرنسا سنة 1936؟ ولماذا لم يعد جلواح محل ثقة الجمعية؟ والمعروف أن الورتلاني

(1) نشر عبد الله ركيبي دراسة عن شعر جلواح تحت عنوان (الشاعر جلواح من التمرد إلى الانتحار)، الجزائر، 1987 (؟). كما نشر عنه بحثا في مجلة (الحياة الثقافية)، تونس، عدد 32، 1984، بعنوان (الشاعر جلواح)، ص 64 - 68. ومقالة أخرى في جريدة (الشعب) عدد 27/ 12/ 1975. واطلعنا بدورنا له على قصائد وأخبار في البصائر في أعداد، وغيرها من الجرائد المعاصرة، انظر أيضا محمد ناصر (الشعر الجزائري الحديث).

ص: 299