الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
هذا الجزء مجموعة من التقاريظ أشرنا إليها، ومنها كلمة الشيخ مبارك الميلي التي عنوانها (الأدب الجزائري يبعث من مرقده). كما جرى احتفال كبير بالشاعر وكتابه في تونس، واشترك في التنويه به الأدباء والصحف التونسية، ومنهم جزائريون أيضا مثل الطاهر بن عبد السلام (وهو من بين الشعراء الذين شملهم الكتاب)، وعبد اللطيف سلطاني القنطري. ومن أبرز أدباء تونس عثمان الكعاك وزيد العابدين السنوسي ومصطفى بن شعبان (1).
الشعر الديني
المقصود بالشعر الديني ما تناول الدين والقضايا الإسلامية سواء في نطاق العبادات أو الأخلاق والتربية، فنظم الشعر في الحج والصوم والصلاة وما إليها، وفي سيرة السلف، وفي الدفاع عن الإسلام، وفي الأمداح النبوية، كله داخل في الشعر الديني عندنا. ونضيف إلى ذلك شعر المناقب الصوفية والتوسلات بالشيوخ والغوثيات أو الاستنجاد بالله على أمر من الأمور.
وهناك دواوين مطبوعة ومخطوطة نظمت في الشعر الديني. ودواوين أخرى اشتملت على نصيب من هذا الشعر. وقد أشرنا في فقرة الدواوين والمجاميع إلى ما ذكره عبد الله ركيبي من أعمال مطبوعة في هذا الميدان. كما أن الركيبي قد بحث الموضوع بإسهاب وسلط عليه أضواء هامة سواء من خلال الدواوين المطبوعة والمخطوطة أو من خلال القصائد المتناثرة. فكان عمله أوفى عمل حتى الآن عن هذا الموضوع. وقد درسنا نحن شعر محمد العيد الديني، ودرسه غيرنا أيضا، مثل محمد بن سمينة. وقام دارسون بدراسة الشعر الديني عند شعراء آخرين، ولا نطيل في ذلك الآن. ويكاد يكون لكل شاعر خلوته الخاصة التي يتعبد فيها من وقت لآخر، رغم ما يقال عن الشعراء بأنهم ملحدون وغواة وأنهم في كل واد يهيمون. وما يزال شعراء لم يدرس الباحثون شعرهم الديني وتأثيرهم، مثل أحمد سحنون الذي تميز
(1) الجزء الأول، تونس 1926، والثاني، تونس 1927.
بشعر تعليمي رقيق وسهل، له مسحة دينية جاءت من ورع وتقى صاحبه (1).
ولا تعنينا هنا الدواوين الخالصة بالشعر الديني وروحانية المتصوفين، ولكن تعنينا القصائد المتناثرة والتي قيلت في مناسبات دينية معينة، ونلاحظ من البداية أنها قليلة، وتكاد تنحصر في عدة قصائد. بينما نعتقد أن القصائد الدينية كثيرة، وأن مناسباتها عديدة. فلماذا لم يصلنا منها إلا القليل؟ لعل ذلك راجع إلى أن الشعر الديني في العهد الاستعماري كان للشكوى إلى الله من ظلم الحكام وسوء الحال وتقلب الزمان بأهله. وهذه الظاهرة من القول لا تسر الفرنسيين لأهم يعتبرون ذلك تعريضا بهم وبنظام حكمهم. فكان الشعراء يكتبون شعرهم ويلجأون إلى الرموز أحيانا، ويغرقون في التصوف حتى لا يفهم الآخرون ما يريدون. ويبقى شعرهم موضعا للتأويل فقط. أما الدفاع عن الإسلام ووصف حالة المسلمين من الوجهة الدينية فقلما طرقه الشعراء مباشرة أيضا. وقد هاجم محمد العيد (آشيل) دفاعا عن الدين، واعتز بدخول بعض الأوروبيين الإسلام.
ولا شك أن الطرق الصوفية قد حظيت بالنصيب الكبير من الشعر الديني، لأنها كانت تعمل برخصة من السلطات الفرنسية. فكان الشعراء يجدون الحماية في مدح شيوخ الزوايا ومقدمي الطرق. كما أن للشيوخ أنفسهم أشعارهم، التي ينظمونها للإنشاد في حلقات الذكر وترويج تعاليمهم الصوفية. ويشمل ذلك غوثية الشيخ محمد الموسوم، شيخ الشاذلية في وقته. كما يشمل الطرق الصوفية التي نشطت بالخارج أيضا، كالسنوسية والشاذلية والقادرية. ولنذكر الآن بعض الغوثيات والقصائد.
غوثية مصطفى بن التهامي: وهو مصطفى بن أحمد بن التهامي الغريسي. كان والده من علماء الوقت، وتولى الفتوى في وهران في العهد العثماني. ومن تلاميذه محمد العربي المشرفي (أبو حامد) صاحب التآليف
(1) جمع شعر أحمد سحنون بعد الاستقلال وصدر في ديوان ومن شعراء الدين أيضا محمد بن الرحمن الديسي.
العديدة. وأما مصطفى بن التهامي فقد كان صهرا للأمير عبد القادر وخليفة له على معسكر ونواحيها مما شمل، كما يقول المشرفي، قبائل بني عامر وجبال ولهاصة، والترارة، وندرومة. ووصفه المشرفي بأنه سيبويه زمانه بمعرفته بالنحو. وقد درس البلاغة والتفسير في الجامع الأموي بدمشق، بعد الهجرة إليها مع الأمير.
وأثناء سجنه مع الأمير في قلعة امبواز (فرنسا) ضاقت به، وبهم، الحال وطال عليهم الأسر وكاد يصيبهم اليأس. فنظم استغاثته التي سنذكر أبياتا منها. ويقول المهدي البوعبدلي ان هذه الغوثية كانت في حكم الضائعة إلى أن عثر عليها مفتي معسكر الشيخ الهاشمي بن بكار ونشر منها بعض الأبيات في كتابه (مجموع النسب). وقد تحصل عليها البوعبدلي، وقدم لي جزءا كبيرا منها (1).
والغوثية رجز طويل بلغ 530 بيتا. وقد وصف فيها ابن التهامي حالته في السجن ثم استغاث بالأنبياء والصحابة والتابعين والصالحين لإطلاق سراحهم وفكاك أسرهم. وشعر ابن التهامي فيه غموض أحيانا، وهو يستعمل الرموز والإشارات. وكنا قد اطلعنا على بعض شعره في مخطوط محمد الشاذلي الذي ذكرناه. وفيه أيضا أغراض دينية أخرى. قال مصطفى بن التهامي في تقديم الغوثية:(ومما قلته مع الرضى والتسليم للقدر والقضاء، متوسلا متضرعا معترفا متبرما مفصلا في الوسائل تارة وتارة مجملا، راجيا النفع لي ولكل من دعا بها (أي الغوثية)، متبذلا، ومؤملا حصول كشف الكرب والفرج).
لما جرى القدر بالخلاف
…
ووقع الخلاف بالإتلاف
ووجب الوحش بقفر اليم
…
واتحف النقص ببدر التم
واقتنص الصقر عدو صائد
…
وللنعام في القرى وصائد
وابتعدت عن العقول حيل
…
واقتعدت بالاعتراف جيل
(1) مراسلة منه بتاريخ 5 أكتوبر 1985.
لم يبق إلا الابتهال والسكن
…
للقاهر المالك كل ما سكن
هذا الذي قدمته نجواي
…
في رفع ضيمي وبلا بلواي
فامنن علينا بصلاح الحال
…
وانقذن من شدة المحال
مولاي يا ذا المد والأفضال
…
داو سقام دائم العضال
فنجمع الرفقة والأفذاذ
…
من ربقة الأسر إلى اللواذ
بمنزل رحب الجناب والسعة
…
ومسجد جماعة وجمعة (1)
ونعتقد أن هناك غوثيات أخرى على هذا النسق لغير مصطفى بن التهامي. فالعصر كان عصر ظلم واضطهاد واللجوء إلى الله لكي ينتقم من الظالم ويفرج الكرب بعد عجز الوسائل الأخرى عن الانتصار. ولعل من ذلك ما ذكره عاشور الخنقي من أن له (منفرجة) على نحو منفجرة ابن النحوي، وقد سماها عاشور الهاملية.
ومن الشعر الديني شعر التوسلات بالرسول وأصحابه وبالصالحين. وقد توسل عاشور الخنقي بأبي التقي وبالأشراف، كما ذكرنا، وذكر الحفناوي بن الشيخ أن لوالده رجزا في التوسل، سماه (القصيدة التوسلية)(2). وللديسي أيضا قصيدة في التوسل.
وهناك أشعار في الصالحين والأولياء نذكر منها قصيدة إدريس بن محفوظ الدلسي. قالها في مدح شيخ الرحمانية، محمد بن عبد الرحمن الأزهري. وقد هاجر آباء الدلسي إلى تونس وأقاموا ببنزرت، فولد بها، ودرس في هذه المدينة ثم في الزيتونة. ثم أصبح مصححا في المطبعة الرسمية بتونس. ثم انقطع عن ذلك ورجع إلى بنزرت واشتغل بالعلم. وله شعر ديني غزير في مقاصد مختلفة. منه المديح النبوي وعترة الرسول صلى الله عليه وسلم والمتصوفة، وهو
(1) مراسلة أخرى من البوعبدلي بتاريخ 3 ديسمبر 1973. وتوفي مصطفى بن التهامي في دمشق سنة 1280. انظر عنه أحمد تيمور (أعلام الفكر الإسلامي الحديث). وقد وقع فيه خلط بين ابن التهامي وبين مصطفى درغوث التونسي (والد عبد القادر المغربي)، انظر قصيدة الأمير الصوفية: ماذا على سادتنا
…
في فقرة الشعر الذاتي.
(2)
تعريف الخلف، 2/ 191.
رحماني متحمس للطريقة. وكان قد أخذ العهد على شيخها في الكاف علي بن عيسى، وكانت هناك زاوية رحمانية نشيطة بعد أن طوردت في الجزائر (1). ويقول الدلسي في الشيخ الأزهري الخلوتي:
تب وانكفف عن كل غي وامتثل
…
متوسالا بالسيد المفضال
هو ذاك مشهور الكرامات العلا
…
من صيتها قد شاع كالأمثال
بدر الكمال الأزهري محمد
…
غوث الورى في شدة الأوجال
يحمي من أهوال الحساب شفاعة
…
في الاختصار مثبتا وسؤال
في حي جرجرة مطالع شمسه
…
أكرم به قد فاق عن أمثال (2)
وكذلك مدح محمد المازري الديسي، أهل زاوية ابن أبي داود ومشائخها. ولا نعرف نماذج من شعره في ذلك. غير أن الحفناوي بن الشيخ يقول عن القصيدة انها لو نشرت لكانت أحسن. فهو غير راض عن شاعرية صاحبها وإن كان راضيا عن نبل أفكاره (3).
ومن ذلك قصيدة في مدح الشيخ محمد بن بلقاسم الهاملي، قالها فيه محمد العربي بن أحمد بن أبي داود (4). وللشيخ المكي بن عزوز قصائد في مدح شيخ زاوية الهامل أيضا، وأخرى في مدح الرجل الصالح علي السني، دفين نفطة، ومطلعها (5):
أعيدا الندا يا صاحبي فليس لي
…
قرار إذا لم تمس سلمى بمنزلي
وكان الشيخ مختار الجلالي، صاحب زاوية أولاد جلال الرحمانية،
(1) توفي الشيخ علي بن عيسى سنة 1388.
(2)
تعريف الخلف، 2/ 472.
(3)
نفس المصدر، 549.
(4)
حسب رواية علي أمقران السحنوني، وذكر أن لديه كراسا يحتوي على أشعار منها القصيدة المذكورة، وهي في 31 بيتا.
(5)
هي القطعة الخامسة من مجموع المكتبة الوطنية - تونس، رقم 18112. من صفحة 61 - 55.
كثير الإنشاد في مدح شيوخه من المتصوفة، مثل محمد بن عزوز. وقد رثاه المكي بن عزوز بقصيدة، بدايتها:
تقلد الهداة من الورى ليل دجا
…
من صدمه الإسلام أصبح مزعجا
لا سيما شيخ جليل باذخ
…
بذر الرشاد ومنه شاد الأبرجا
كالسيد المختار منشور الهدى
…
كم من رجال في الطريقة درجا
سعدت بتربته بنو جلال قد
…
أضحت منارا في البلاد مزبرجا (1)
ومدح (أحمد؟) أبو طالب الغريسي عددا من الصالحين المعروفين، منهم سيدي علي مبارك (القليعة) وسيدي أحمد الكبير (البليدة) وأحمد بن يوسف الملياني (مليانة).
والمادحون لشيوخ الصوفية معظمهم من الأتباع المتفانين سواء قربت ديارهم أو بعدت، وسواء كان الشيوخ أحياء أو أمواتا. وقد كان محمد العيد قد رضي بالإصلاح والوطنية رغم انتمائه الطرقي. فكان أبوه مقدما للتجانية في العين البيضاء ثم في بسكرة. ولا ندري إن كان محمد العيد قد تمرد بعض الوقت عن التجانية ثم رجع إليها أو أنه كان فقط يخفي انتماءه إليها. والغالب أنه كان قد انجذب كشاعر صادق لمشاعره نحو الحركة الوطنية والإصلاحية بعدما شاهد شراسة الاستعمار وتواطؤ بعض الطرق الصوفية معه. ولكنه لم يهاجم الطرق الصوفية أثناء انتمائه الإصلاحي والوطني. فهو بالرغم من صداقته وتأثره بالشيخ العقبي الذي شهر سلاحه البتار ضدها، فانه (آي محمد العيد) لم يسايره في هجوماته. وقد ظهر لنا تمرد محمد العيد في فترة ما بين الحربين على الطرق الصوفية في شعره الذي توسل به إلى شيوخ التجانية بعد ذلك، ولا سيما الشيخ الحاج علي التماسيني. وقد درسنا شعره الديني في كتابنا عنه، ولكن شعره في رجال التجانية لم نكن قد اطلعنا عليه عند صدور الطبعات الثلاث من تأليفنا (شاعر الجزائر). لذلك نسوق هنا ما قاله
(1) تعريف الخلف، 2/ 576.
محمد العيد عند زيارته لقبر الشيخ التماسيني سنة 1956 (1)(42 بيتا):
سلام وارث الختم التجاني
…
عليك مبارك سامي المعاني
أقدمه أسير الذنب مضنى
…
كسير القلب معقود اللسان
وقد رجحنا أن يكون محمد العيد قال هذا الشعر بعد أن قبض عليه وسيق إلى الموت ثم عفى عنه بتدخل محتمل من الزاوية التجانية. بينما نفذ الإعدام في غيره من المثقفين أمثال أحمد رضا حوحو والربيع بوشامة وعبد الكريم العقون والشيخ العربي التبسي، إلا من سجن أو هرب منهم مثل مفدي زكريا.
أما عن توبته فيقول محمد العيد في قصيدة لا ندري متى قالها، ولعلها ترجع إلى بداية الخمسينات أيضا. وهي موجهة إلى الحاج ابن عمر، شيخ زاوية عين ماضي. ولنتأمل هذا الشعر الغريب عن محمد العيد، فهو يطلب الشفاعة والضمانة من الشيخ التجاني، ويعترف أنه قد غوى بعض الوقت، ولكنه انتبه الآن، وبرهن على أنه كان منذ طفولته تجانيا. وقد كنا شككنا في أول الأمر أن يكون هذا الشعر صادرا من محمد العيد الذي نعرف شعره الآخر، غير أن التوقف عند معاني وألفاظ القصيدة وأسلوبها يدل على أنها لمحمد العيد:
يا ابن التجاني المضيء بنوره
…
وشبيهه في اليأس والإقدام
كن ضامنا لي عند جدك انني
…
قد همت عن واديه بعض هيام
في فترة للقلب هاروتية
…
بالسحر، إضغاثية الأحلام
ثم انتبهت فلم أزل متضرعا
…
متطلبا منا الرضى بدوام
فعساه يسعفني ببذل لبانتي
…
وعساه يسعدني بنيل مرامي
هو قائدي للصالحات وراشدي
…
وكفيل تربيتي بها وإمامي
أحببته طفلا ولذت به فتى
…
ومجاوز الخمسين في الأعوام
(1) ذكرنا هذا الشعر رغم أنه بعد الثورة لنعرف التحول الذي حدث لمحمد العيد وأسبابه.
فليشهد الكونان والثقلان لي
…
أني له أبدا من الخدام (1)
والشعر الديني الصوفي أكثر من أن نحصره في نماذج هنا. وكثير من رجال الطرق كانوا ينظمون أشعارا يروحون بها عن أنفسهم ويتقربون بها إلى خالقهم، ويعلمون بها تلاميذهم ومريديهم. وقد اشتهر الأمير عبد القادر ومحمد الموسوم وأحمد المصطفى بن عليوة وغيرهم بالشعر الصوفي ومدح مشائخهم أيضا. وقد أشرنا إلى دواوين بعضهم في ذلك.
وقد شاع أيضا شعر النصائح الذي هو باب من أبواب الشعر الديني. ومن ذلك النصيحة العزوزية، ونصيحة الشباب للطاهر العبيدي (2). وقد تكون النصيحة موجهة للأبناء، كما فعل محمد الشاذلي، أو لعامة المسلمين مثل نصيحة محمد بن آمنة ابن دوبة. وجدنا لمحمد الشاذلي قصيدة طويلة ولكنها ضعيفة النسخ، قدم فيها لإبنه نصائح لقمانية، أي ملأها بالوعظ والتوجيه التربوي والأخلاقي (3). أما ابن آمنة فنصيحته تتحدث عن خواطر النفس وعن الشباب والمشيب، وعن الهجرة الروحية وتجارب الزمن، والصلة بالناس:
ذكرني خلابه عهد خلا
…
إيماض برق سرى من سفح قبا
وفي فؤادي قدحت نيرانه
…
وحرها بين الضلوع والحشا
(1) عبد الباقي مفتاح (أضواء
…
) مخطوط. وكان ابن عمي عبد الرحيم سعد الله قد نقل لي هذه الأبيات وغيرها من شعر محمد العيد الموجود في زاوية تماسين. وعبارة (مجاوز الخمسين) تدل على أن القصيدة قيلت قبل 1959، لأن محمد العيد ولد سنة 1904. وقد أكد لنا الشيخ حمزة بوكوشة (يوم 22 مارس 1991) أنه كان رفيق الدراسة لمحمد العيد في الزاوية القادرية ببسكرة، وشيخهما عندئذ هو علي بن إبراهيم العقبي.
(2)
انظر (النصيحة العزوزية)، ط. مصر حوالي 1954.
(3)
نسخة منها في مخطوط يبدو أنه كان في ملك محمد الشاذلي، وفيه أشعار لمصطفى بن التهامي الذي سبق ذكره.
جدد لي عهدا بمن هويته
…
وما نسيت عهد أيام الصبا
والقصيدة بلغت 143 بيتا. وهي مليئة بالأدب والأمثال والتربية النفسية. وصاحبها من علماء غريس في أوائل الاحتلال وهو من خريجي الأزهر الشريف، وله إجازات من علمائه، وهو الذي كتب صك البيعة الذي بمقتضاه بايع الناس الأمير عبد القادر على الحكم والجهاد وبناء الدولة الجديدة، وكان ذلك بحضور علماء الناحية (1). وقد أفادني الشيخ البوعبدلي أن نصيحة ابن آمنة اشتملت أيضا على توجيهات دنيوية كالاقتصاد في المعيشة، وحسن استقبال الضيوف، والابتعاد عن عبدة الدرهم والدينار، وعدم مخالطة الحكام الظلمة (2).
أما بالنسبة للمديح النبوي فهناك القصائد والمقطعات وحتى الدواوين. وشعراء هذا المديح هم عادة من رجال الدين الذين كنا نتحدث عنهم. وقد يكونون من شعراء الحياة العامة ولكن في لحظة من الزمان تنتابهم مشاعر خارقة للعادة فيتذكرون أنسابهم وارتباطاتهم بالإسلام والتراث، فينظمون المدائح التي نحن بصددها. والواقع أننا لا نجد قصائد (عصماء) في ذلك على غرار البردة والهمزية وبانت سعاد ولا حتى تقليدها، كما فعل شوقي. إنما هي قصائد من شعر عادي، تقال في المناسبات الدينية، مثل المولد النبوي الشريف، والحج الذي يذكر بتاريخ الإسلام وظهور الرسالة. ومن ذلك قصيدة السعيد بن أبي داود (3). وقصائد لإدريس الدلسي والديسي (4).
ولمحمد العيد أيضا (أنشودة الوليد) التي نشرها قصيدة مستقلة سنة 1938، وهي موجهة للناشئة الجزائرية لكي تقتدي بالرسول صلى الله عليه وسلم، وتعارض تقليد الفرنسيين وترفض الاندماج، فهي من الشعر المديحي الإصلاحي، وقد
(1) عن الشاعر والقصيدة ونص البيعة انظر محمد بن الأمير (تحفة الزائر)، ط. 1، 1903، 1/ 98.
(2)
مراسلة بتاريخ 3 ديسمبر 1971.
(3)
علي أمقران السحنوني، مراسلة معه، وهي في 42 بيتا. وليس لنا نماذج منها الآن.
(4)
عن الدواوين المكرسة للشعر الديني انظر سابقا.