الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
إذَا حَاضَتْ وَطَهُرَتْ ثُمَّ أَسْلَمَتْ، وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ لِأَنَّ وُجُوبَ الْغُسْلِ بِإِرَادَةِ الصَّلَاةِ، وَهُوَ عِنْدَهَا مُخَاطَبٌ فَصَارَ كَالْوُضُوءِ، وَهَذَا لِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ إسْلَامِهِ فَدَوَامُهَا بَعْدَهُ كَإِنْشَائِهَا فَيَجِبُ الْغُسْلُ، قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا نُدِبَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ الْكَافِرُ الَّذِي أَسْلَمَ جُنُبًا نُدِبَ؛ لِأَنَّهُ «عليه السلام أَمَرَ قَيْسَ بْنَ عَاصِمٍ وَثُمَامَةَ بِذَلِكَ حِينَ أَسْلَمَا» وَحُمِلَ ذَلِكَ عَلَى النَّدْبِ فَصَارَ أَنْوَاعُ الْغُسْلِ أَرْبَعَةً فَرْضٌ وَسُنَّةٌ وَوَاجِبٌ وَمَنْدُوبٌ، وَقَدْ تَقَدَّمَ وَمِنْ الْمَنْدُوبِ الِاغْتِسَالُ لِدُخُولِ مَكَّةَ وَالْوُقُوفِ بِالْمُزْدَلِفَةِ وَدُخُولِ مَدِينَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْمَجْنُونُ إذَا أَفَاقَ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ
قَالَ رحمه الله (وَيَتَوَضَّأُ بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْعَيْنِ وَالْبَحْرِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48] وَقَوْلُهُ عليه السلام فِي الْبَحْرِ «هُوَ الطَّهُورُ مَاؤُهُ الْحِلُّ مَيْتَتُهُ» وَقَوْلِهِ عليه السلام «خُلِقَ الْمَاءُ طَهُورًا» ، وَلَوْ قَالَ يَتَطَهَّرُ بِمَاءِ السَّمَاءِ مَكَانَ قَوْلِهِ يَتَوَضَّأُ كَانَ أَوْلَى حَتَّى يَشْمَلَ الِاغْتِسَالَ مِنْ الْجَنَابَةِ وَغَيْرَهُ، وَلَكِنْ إذَا عُرِفَ الْحُكْمُ فِي الْوُضُوءِ عُرِفَ فِي غَيْرِهِ فَلَا يَضُرُّهُ، وَكَذَا تَجُوزُ الطَّهَارَةُ بِمَا ذَابَ مِنْ الثَّلْجِ وَالْبَرَدِ وَلَا تَجُوزُ بِمَاءِ الْمِلْحِ وَهُوَ يَجْمُدُ فِي الصَّيْفِ وَيَذُوبُ فِي الشِّتَاءِ عَكْسُ الْمَاءِ، وَلَا يُقَالُ قَدْ جُعِلَ مَاءُ الْعَيْنِ قَسِيمًا لِمَاءِ السَّمَاءِ، وَكَذَا الْبَحْرُ جَعَلَهُ قَسِيمًا لَهُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ الْجَمِيعُ مَاءُ السَّمَاءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَلَكَهُ يَنَابِيعَ فِي الأَرْضِ} [الزمر: 21] لِأَنَّا نَقُولُ إنَّمَا قَسَمَهَا بِاعْتِبَارِ مَا يُشَاهَدُ عَادَةً، وَمِثْلُ هَذَا لَا يُنْكَرُ قَالَ رحمه الله (وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ أَوْ أَنْتَنَ بِالْمُكْثِ) يَعْنِي يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِمَا ذَكَرَ مِنْ الْمِيَاهِ.
وَإِنْ غَيَّرَ شَيْءٌ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ لِإِطْلَاقِ اسْمِ الْمَاءِ عَلَيْهِ قَالَ رحمه الله (لَا بِمَاءٍ تَغَيَّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِأَنَّهُ زَالَ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ هَكَذَا رُوِيَ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ إبْرَاهِيمَ أَنَّ الْمَاءَ الْمُتَغَيِّرَ بِكَثْرَةِ الْأَوْرَاقِ إنْ ظَهَرَ لَوْنُهَا فِي الْكَفِّ لَا يُتَوَضَّأُ بِهِ، لَكِنْ يُشْرَبُ وَتُزَالُ بِهِ النَّجَاسَةُ لِكَوْنِهِ مُقَيَّدًا وَفِيهِ نَظَرٌ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رحمه الله (أَوْ بِالطَّبْخِ) يَعْنِي مَا تَغَيَّرَ بِالطَّبْخِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لِزَوَالِ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ وَهُوَ الْمُعْتَبَرُ فِي الْبَابِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمَاءِ الْمُطْلَقِ بِلَا وَاسِطَةٍ بَيْنَهُمَا قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (أَوْ اعْتَصَرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) أَيْ أَوْ بِمَاءٍ اعْتَصَرَ مِنْهُمَا لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَاءٍ مُطْلَقٍ قَالَ رحمه الله (أَوْ غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ أَجْزَاءً) أَيْ أَوْ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ بِالْأَجْزَاءِ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ يَجِبُ عَلَيْهِ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ قَالَ أُسْتَاذُنَا فَخْرُ الْأَئِمَّةِ الْبَدِيعُ وَقَوْلُ مَنْ قَالَ لَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُخَاطَبُونَ بِالشَّرَائِعِ غَيْرُ سَدِيدٍ فَإِنَّ سَبَبَ الْغُسْلِ إرَادَةُ الصَّلَاةِ وَزَمَانَ إرَادَتِهَا مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ صِفَةَ الْجَنَابَةِ مُسْتَدَامَةٌ بَعْدَ الْإِسْلَامِ فَيُعْطَى لَهَا حُكْمُ الْإِنْشَاءِ حَتَّى لَوْ انْقَطَعَ دَمُ الْكَافِرَةِ ثُمَّ أَسْلَمَتْ لَا غُسْلَ عَلَيْهَا لِتَعَذُّرِ اسْتِدَامَةِ الِانْقِطَاعِ. اهـ. زَاهِدِيٌّ فَلِذَا لَوْ أَسْلَمَتْ حَائِضًا ثُمَّ طَهُرَتْ وَجَبَ عَلَيْهَا الْغُسْلُ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ فَيَجِبُ الْغُسْلُ) يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ فَيُفْرَضُ الْغُسْلُ؛ لِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ كُنْتُمْ جُنُبًا فَاطَّهَّرُوا} [المائدة: 6] شَامِلٌ لَهُ لَا مَحَالَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالصَّبِيُّ إذَا بَلَغَ بِالسِّنِّ)، وَأَمَّا إذَا بَلَغَ بِالْإِنْزَالِ فَالصَّحِيحُ وُجُوبُ الِاغْتِسَالِ؛ لِأَنَّ سَبَبَهُ الصَّلَاةُ أَوْ إرَادَتُهَا فَيَكُونُ انْعِقَادُ السَّبَبِ بَعْدَ ثُبُوتِ الْأَهْلِيَّةِ وَصِفَةُ الْجَنَابَةِ بَاقِيَةٌ بِدَلِيلِ بَقَاءِ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ إجْمَاعًا. اهـ.
[أَقْسَام الْمَاء]
[طَهَارَة الْمَاء المتوضأ بِهِ]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَتَوَضَّأُ) أَيْ مُرِيدُ الصَّلَاةِ. اهـ. عَيْنِيٌّ وَلَمَّا فَرَغَ عَنْ بَيَانِ الطَّهَارَتَيْنِ شَرَعَ فِي بَيَانِ آلَةِ التَّطْهِيرِ، وَهِيَ الْمِيَاهُ بِأَقْسَامِهَا اهـ ع (قَوْلُهُ مَكَانَ قَوْلِهِ يَتَوَضَّأُ كَانَ أَوْلَى) أَقُولُ التَّوَضُّؤُ بِمَعْنَى التَّطْهِيرِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ أَحَدَ أَوْصَافِهِ) أَوْ جَمِيعَ أَوْصَافِهِ إذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ اهـ إنَّمَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِالْمَاءِ الْمُطْلَقِ وَهُوَ مَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ مِنْ الرِّقَّةِ وَالسَّيَلَانِ فَلَوْ اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ أَوْجَبَ غِلَظَهُ صَارَ مُقَيَّدًا فَلَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ لَكِنْ يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ الْحَقِيقِيَّةِ بِهِ كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى الصَّحِيحِ، وَأَمَّا الْمُطْلَقُ طَاهِرٌ أَيْ فِي نَفْسِهِ طَهُورٌ أَيْ مُطَهِّرٌ لِلنَّجَاسَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَالْمُقَيَّدُ طَاهِرٌ لَا طَهُورٌ. اهـ. يَحْيَى، وَكَتَبَ قَوْلَهُ وَإِنْ غَيَّرَ طَاهِرٌ مَا نَصُّهُ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْأَرْضِ أَمْ لَا كَالطِّينِ وَالزَّعْفَرَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي مَا يَتَغَيَّرُ بِالطَّبْخِ) كَالْبَاقِلَاءِ وَالْمَرَقِ أَعْنِي بِالتَّغَيُّرِ بِالطَّبْخِ الثَّخَانَةَ وَالْغِلَظَ حَتَّى إذَا طُبِخَ وَلَمْ يَثْخُنْ بَعْدُ وَرِقَّةُ الْمَاءِ فِيهِ بَاقِيَةٌ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ ذَكَرَهُ النَّاطِفِيُّ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ كَاكِيٌّ هَذَا إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَقْصُودُ بِالطَّبْخِ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّنْظِيفِ فَإِنْ كَانَ الْمَقْصُودُ الْمُبَالَغَةَ فِي التَّنْظِيفِ كَمَا إذَا طُبِخَ بِالْأُشْنَانِ وَالصَّابُونِ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ إلَّا أَنْ يَغْلِبَ عَلَى الْمَاءِ فَيَصِيرُ كَالسَّوِيقِ الْمَخْلُوطِ لِزَوَالِ الِاسْمِ عَنْهُ، قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ قِيلَ يَنْبَغِي أَنْ لَا يَجُوزَ بِهِ الْوُضُوءُ إذَا غَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام إلَّا مَا غَيَّرَ لَوْنَهُ أَوْ طَعْمَهُ أَوْ رَائِحَتَهُ قِيلَ مَعْنَاهُ إلَّا مَا غَيَّرَ وَالْمُغَيِّرُ نَجِسٌ فَيَكُونُ الْمَعْنَى لَا يُنَجِّسُهُ شَيْءٌ إلَّا مُغَيِّرٌ نَجِسٌ؛ لِأَنَّ النَّصَّ عِنْدَنَا وَرَدَ فِي الْمَاءِ الْجَارِي وَالْحُكْمُ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ اسْتِعْمَالُهُ حَيْثُ تُرَى فِيهِ النَّجَاسَةُ أَوْ يُوجَدُ طَعْمُهَا أَوْ رِيحُهَا فَإِنَّ هَذِهِ الْمَعَانِيَ تَدُلُّ عَلَى قِيَامِ النَّجَاسَةِ وَالْمَاءِ وَإِنْ لَمْ يَنْجُسْ بِالنَّجَاسَةِ فَالنَّجَاسَةُ بِعَيْنِهَا لَا تَطْهُرُ بِالْمَاءِ إلَّا أَنْ يَتَلَاشَى فَيَسْقُطُ حُكْمُهَا دَفْعًا لِلْحَرَجِ، كَذَا أَشَارَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ اعْتَصَرَ مِنْ شَجَرٍ أَوْ ثَمَرٍ) قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى وَالْأَشْرِبَةُ الْمُتَّخَذَةُ مِنْ الشَّجَرِ كَشَرَابِ الرِّيبَاسِ وَمِنْ الثَّمَرِ كَالرُّمَّانِ وَالْعِنَبِ اهـ.
(قَوْلُهُ أَوْ بِمَا غَلَبَ عَلَيْهِ غَيْرُهُ مِنْ الطَّاهِرَاتِ) بِأَنْ تَغَيَّرَ عَنْ أَصْلِ خِلْقَتِهِ لَا بِاللَّوْنِ اهـ. قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ التَّوَضُّؤُ بِمَاءِ الزَّعْفَرَانِ أَوْ زَرْدَجِ الْعُصْفُرِ يَجُوزُ إذَا كَانَ رَقِيقًا وَالْمَاءُ غَالِبٌ، وَإِنْ غَلَبَهُ الْحُمْرَةُ وَصَارَ مُتَمَاسِكًا لَا يَجُوزُ بِهِ التَّوَضُّؤُ، ثُمَّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ لَا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ هُوَ الصَّحِيحُ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرِّيحِ، وَقَالَ أَيْضًا قَاضِي خَانْ وَلَا بِمَاءِ الْوَرْدِ وَالزَّعْفَرَانِ وَلَا بِمَاءِ الصَّابُونِ وَالْحُرْضِ إذَا ذَهَبَتْ رِقَّتُهُ وَصَارَ ثَخِينًا فَإِنْ بَقِيَتْ رِقَّتُهُ وَلَطَافَتُهُ جَازَ التَّوَضُّؤُ بِهِ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَتُكْرَهُ الطَّهَارَةُ بِالْمَاءِ الْمُشَمَّسِ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِعَائِشَةَ حِينَ سَخَّنَتْ الْمَاءَ بِهَا لَا تَفْعَلِي يَا حُمَيْرَاءُ فَإِنَّهُ يُوَرِّثُ الْبَرَصَ» وَعَنْ
اعْلَمْ أَنَّ عِبَارَاتِ أَصْحَابِنَا مُخْتَلِفَةٌ فِي هَذَا الْبَابِ مَعَ اتِّفَاقِهِمْ أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَمَا لَيْسَ بِمُطْلَقٍ لَا يَجُوزُ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ مَاءُ الصَّابُونِ إذَا كَانَ ثَخِينًا قَدْ غَلَبَ عَلَى الْمَاءِ لَا يَتَوَضَّأُ بِهِ، وَإِنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ وَكَذَا مَاءُ الْأُشْنَانِ، ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَفِيهِ إذَا كَانَ الطِّينُ غَالِبًا عَلَيْهِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَفِي الْفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ إذَا طُرُحَ الزَّاجُ فِي الْمَاءِ حَتَّى اسْوَدَّ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَكَذَا الْعَفْصُ إذَا كَانَ الْمَاءُ غَالِبًا، وَفِيهِ أَنَّ مُحَمَّدًا اعْتَبَرَ بِلَوْنِ الْمَاءِ وَأَبَا يُوسُفَ بِالْأَجْزَاءِ وَفِي الْمُحِيطِ عَكْسُهُ وَفِي الْهِدَايَةِ الْغَلَبَةُ بِالْأَجْزَاءِ لَا بِتَغَيُّرِ اللَّوْنِ.
وَذَكَرَ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْغَلَبَةَ تُعْتَبَرُ أَوَّلًا مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ، ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الطَّعْمُ ثُمَّ مِنْ حَيْثُ الْأَجْزَاءُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ نَقَعَ الْحِمَّصَ وَالْبَاقِلَاءَ وَتَغَيَّرَ لَوْنُهُ وَطَعْمُهُ وَرِيحُهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَأَشَارَ الْقُدُورِيُّ إلَى أَنَّهُ إذَا غَيَّرَ وَصْفَيْنِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَهَكَذَا جَاءَ الِاخْتِلَافُ فِي هَذَا الْبَابِ كَمَا تَرَى فَلَا بُدَّ مِنْ ضَابِطٍ وَتَوْفِيقٍ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ فَنَقُولُ: إنَّ الْمَاءَ إذَا بَقِيَ عَلَى أَصْلِ خِلْقَتِهِ، وَلَمْ يَزُلْ عَنْهُ اسْمُ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِنْ زَالَ وَصَارَ مُقَيَّدًا لَمْ يَجُزْ وَالتَّقْيِيدُ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ أَوْ بِغَلَبَةِ الْمُمْتَزِجِ فَكَمَالُ الِامْتِزَاجِ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا بِالطَّبْخِ بَعْدَ خَلْطِهِ بِشَيْءٍ طَاهِرٍ لَا تُقْصَدُ بِهِ الْمُبَالَغَةُ فِي التَّنْظِيفِ أَوْ بِتَشَرُّبِ النَّبَاتِ الْمَاءَ بِحَيْثُ لَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا بِعِلَاجٍ، وَإِنْ كَانَ يَخْرُجُ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ لَمْ يَكْمُلْ امْتِزَاجُهُ فَجَازَ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ، وَغَلَبَةُ الْمُمْتَزِجِ تَكُونُ بِالِاخْتِلَاطِ مِنْ غَيْرِ طَبْخٍ وَلَا بِتَشَرُّبِ نَبَاتٍ، ثُمَّ هَذَا الْمُخَالِطُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ جَامِدًا أَوْ مَائِعًا فَإِنْ كَانَ جَامِدًا فَمَا دَامَ يَجْرِي عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالْمَاءُ هُوَ الْغَالِبُ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا فَلَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُخَالِفًا لِلْمَاءِ فِي الْأَوْصَافِ كُلِّهَا مِنْ اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ وَالرَّائِحَةِ أَوْ فِي بَعْضِهَا أَوْ لَا يَكُونَ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مُخَالِفًا لَهُ فِي شَيْءٍ مِنْهَا كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَقُولُ إنَّهُ طَاهِرٌ عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ الَّتِي لَا تُخَالِفُ الْمَاءَ فِي الْوَصْفِ تُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ، وَإِنْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِيهَا فَإِنْ غَيَّرَ الثَّلَاثَ أَوْ أَكْثَرَهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ وَإِنْ خَالَفَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ فِي وَصْفَيْنِ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ مِنْ ذَلِكَ الْوَجْهِ كَاللَّبَنِ مَثَلًا يُخَالِفُهُ فِي اللَّوْنِ وَالطَّعْمِ فَإِنْ كَانَ لَوْنُ اللَّبَنِ أَوْ طَعْمُهُ هُوَ الْغَالِبُ فِيهِ لَمْ يَجُزْ الْوُضُوءُ بِهِ، وَإِلَّا جَازَ وَكَذَا مَاءُ الْبِطِّيخِ يُخَالِفُهُ فِي الطَّعْمِ فَتُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ فِيهِ بِالطَّعْمِ، فَعَلَى هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ مَا جَاءَ مِنْهُمْ عَلَى مَا يَلِيقُ بِهِ فَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ كَانَ رَقِيقًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا عَلَى مَا إذَا كَانَ الْمُخَالِطُ لَهُ جَامِدًا، وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إنْ غَيَّرَ أَحَدَ أَوْصَافِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
عُمَرَ مِثْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ لَا يُكْرَهُ، وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يُكْرَهُ إنْ قَصَدَ لِتَشْمِيسِهِ وَفِي الْغَايَةِ: وَكُرِهَ بِالْمُشَمَّسِ فِي قُطْرٍ حَارٍّ فِي أَوَانٍ مُنْطَبِعَةٍ وَاعْتِبَارُ الْقَصْدِ ضَعِيفٌ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا أَشَارَ إلَى الْعِلَّةِ الطِّبِّيَّةِ كَانَ اعْتِبَارُ الْقَصْدِ وَعَدَمُهُ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَأَبَا يُوسُفَ بِالْأَجْزَاءِ) قَالَ فِي الْمَنْبَعِ الْمُرَادُ بِغَلَبَةِ الْأَجْزَاءِ أَنْ يُخْرِجَهُ الطَّاهِرُ عَنْ صِفَتِهِ الْأَصْلِيَّةِ بِأَنْ يَثْخُنَ لَا أَنْ يَكُونَ الْغَلَبَةُ بِاعْتِبَارِ الْوَزْنِ فَاعْتُبِرَ اهـ. وَذَكَرَ الْإِمَامُ الْإِسْبِيجَابِيُّ أَنَّ الْمَاءَ إنْ اخْتَلَطَ بِهِ طَاهِرٌ فَإِنْ غَيَّرَ لَوْنَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلَّوْنِ فَإِنْ كَانَ الْغَالِبُ لَوْنَ الْمَاءِ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ وَإِلَّا فَلَا، وَذَلِكَ مِثْلُ اللَّبَنِ وَالْخَلِّ وَالزَّعْفَرَانِ يَخْتَلِطُ بِالْمَاءِ وَأَنْ يُغَيِّرَ لَوْنَهُ بَلْ طَعْمَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلطَّعْمِ فَإِنْ غَلَبَ طَعْمُهُ طَعْمَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ، وَإِلَّا جَازَ مِثْلُ مَاءِ الْبِطِّيخِ وَالْأَشْجَارِ وَالثِّمَارِ وَالْأَنْبِذَةِ وَإِنْ لَمْ تُغَيِّرْ لَوْنَهُ وَطَعْمَهُ فَالْعِبْرَةُ لِلْأَجْزَاءِ فَإِنْ غَلَبَ أَجْزَاؤُهُ عَلَى أَجْزَاءِ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ كَالْمَاءِ الْمُعْتَصَرِ مِنْ الثَّمَرِ، وَإِلَّا جَازَ كَالْمَاءِ الْمُتَقَاطِرِ مِنْ الْكَرْمِ بِقَطْعِهِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ وَأَشَارَ الْقُدُورِيُّ) أَيْ حَيْثُ ذَكَرَ أَحَدَ الْأَوْصَافِ اهـ (قَوْلُهُ كَالْمَاءِ الَّذِي يَقْطُرُ مِنْ الْكَرْمِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَلَا يَتَوَضَّأُ بِمَاءٍ يَسِيلُ مِنْ الْكَرْمِ لِكَمَالِ الِامْتِزَاجِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَقِيلَ يَجُوزُ لِأَنَّهُ خَرَجَ مِنْ غَيْرِ عِلَاجٍ. (قَوْلُهُ يُعْتَبَرُ بِالْأَجْزَاءِ) حَتَّى لَوْ كَانَ الْمَاءُ رِطْلَيْنِ وَالْمُسْتَعْمَلُ رِطْلًا فَحُكْمُهُ حُكْمُ الْمُطْلَقِ وَبِالْعَكْسِ كَالْمُقَيَّدِ. اهـ. عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَيُحْمَلُ قَوْلُ مَنْ قَالَ إذَا غَيَّرَ أَحَدُ أَوْصَافِهِ) ذِكْرُ الْأَحَدِ مُشْعِرٌ بِأَنَّهُ إنْ تَغَيَّرَ وَصْفَاهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فَيُحْمَلُ عَلَى أَنَّ الْمُخَالِطَ بِهِ مُخَالِفٌ فِي الْأَوْصَافِ الثَّلَاثَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُخَالِفًا لَهُ فِي وَصْفٍ وَاحِدٍ أَوْ وَصْفَيْنِ، وَبَقِيَ وَصْفٌ وَاحِدٌ لِلْمَاءِ وَصَارَ مَغْلُوبًا يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فَلَا يَتَوَقَّفُ عَدَمُ الْجَوَازِ عَلَى تَغْيِيرِ الْوَصْفَيْنِ. اهـ. يَحْيَى.
قَالَ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ رحمه الله: اعْلَمْ أَنَّ الِاتِّفَاقَ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُطْلَقَ تُزَالُ بِهِ الْأَحْدَاثُ أَعْنِي مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ مَاءٌ، وَالْمُقَيَّدُ لَا يُزِيلُ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ مَنْقُولٌ إلَى التَّيَمُّمِ عِنْدَ فَقْدِ الْمُطْلَقِ فِي النَّصِّ وَالْخِلَافُ فِي الْمَاءِ الَّذِي خَالَطَهُ الزَّعْفَرَانُ وَنَحْوُهُ مَبْنِيٌّ عَلَى أَنَّهُ تَقَيَّدَ بِذَلِكَ أَوَّلًا، فَقَالَ الشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُ تَقَيَّدَ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الزَّعْفَرَانِ وَنَحْنُ لَا نُنْكِرُ أَنَّهُ يُقَالُ ذَلِكَ، وَلَكِنْ لَا نَمْنَعُ مَعَ ذَلِكَ مَا دَامَ الْمُخَالِطُ مَغْلُوبًا أَنْ يَقُولَ الْقَائِلُ فِيهِ هَذَا مَاءٌ مِنْ غَيْرِ زِيَادَةٍ، وَقَدْ رَوَيْنَاهُ يُقَالُ فِي مَاءِ الْمَدِّ وَالنِّيلِ حَالَ غَلَبَةِ لَوْنِ الطِّينِ عَلَيْهِ، وَيَقَعُ الْأَوْرَاقُ فِي الْحِيَاضِ زَمَنَ الْخَرِيفِ فَيَمُرُّ الرَّفِيقَانِ، وَيَقُولُ أَحَدُهُمَا لِلْآخَرِ هُنَا مَاءٌ يُقَالُ نَشْرَبُ نَتَوَضَّأُ فَيُطْلِقُهُ مَعَ تَغَيُّرِ أَوْصَافِهِ بِانْتِفَاعِهَا فَظَهَرَ لَنَا مِنْ اللِّسَانِ أَنَّ الْمُخَالِطَ الْمَغْلُوبَ لَا يَسْلُبُ الْإِطْلَاقَ فَوَجَبَ تَرْتِيبُ حُكْمِ الْمُطْلَقِ عَلَى الْمَاءِ الَّذِي هُوَ كَذَلِكَ، وَقَدْ «اغْتَسَلَ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْفَتْحِ مِنْ قَصْعَةٍ فِيهَا أَثَرُ الْعَجِينِ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالْمَاءُ بِذَلِكَ يَتَغَيَّرُ وَلَمْ يُعْتَبَرْ لِلْمَغْلُوبِيَّةِ اهـ قَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى فَإِنْ قِيلَ مِثْلُ هَذِهِ الْإِضَافَةِ يَعْنِي مَاءَ الْبَاقِلَاءِ وَأَشْبَاهَهُ مَوْجُودٌ فِيمَا ذَكَرْت مِنْ الْمِيَاهِ الْمُطْلَقَةِ لِأَنَّهُ يُقَالُ مَاءُ الْوَادِي وَمَاءُ الْعَيْنِ قُلْنَا إضَافَتُهُ إلَى الْوَادِي وَالْعَيْنِ إضَافَةُ تَعْرِيفٍ لَا تَقْيِيدٍ؛ لِأَنَّهُ تَتَعَرَّفُ مَاهِيَّتُهُ بِدُونِ هَذِهِ الْإِضَافَةِ، وَتُفْهَمُ بِمُطْلَقِ قَوْلِنَا الْمَاءُ بِخِلَافِ مَاءِ الْبَاقِلَاءِ وَأَشْبَاهِهِ فَإِنَّهُ لَا تَتَعَرَّفُ مَاهِيَّتُهُ بِدُونِ ذَلِكَ الْقَيْدِ، وَلَا يَنْصَرِفُ الْوَهْمُ إلَيْهِ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ وَلِهَذَا صَحَّ نَفْيُ اسْمِ الْمَاءِ عَنْهُ فَيُقَالُ فُلَانٌ: لَمْ يَشْرَبْ الْمَاءَ وَإِنْ كَانَ شَرِبَ الْبَاقِلَاءَ وَالْمَرَقَ وَلَوْ كَانَ مَاءً حَقِيقَةً لَمَا صَحَّ نَفْيُهُ؛ لِأَنَّ الْحَقِيقَةَ لَا تَسْقُطُ عَنْ الْمُسَمَّى أَبَدًا وَيُكَذَّبُ نَافِيهَا، وَهَذَا كَمَا يُقَالُ صَلَاةُ الْجُمُعَةِ وَلَحْمُ الْإِبِلِ وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ وَلَحْمُ السَّمَكِ تَأَمَّلْ تَفْهَمْ