المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

قَوْلِ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ١

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْوُضُوء]

- ‌[سُنَن الْوُضُوء]

- ‌ آدَابِ الْوُضُوءِ

- ‌[مُسْتَحَبَّات الْوُضُوء]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌[نَوَاقِض الْوُضُوء]

- ‌[الْغُسْل]

- ‌[سُنَن الْغُسْل]

- ‌[مُوجِبَات الْغُسْل]

- ‌[أَقْسَام الْمَاء]

- ‌[طَهَارَة الْمَاء المتوضأ بِهِ]

- ‌[الْمَاء الَّذِي لَا يتنجس بوقوع النَّجَاسَة فِيهِ]

- ‌الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ

- ‌[ مَاء الْبِئْر إذَا وقعت فِيهِ نَجَاسَة]

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)

- ‌[الْجَمْع بَيْن التَّيَمُّم وَالْغُسْل]

- ‌[مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَحِلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[كَيْفِيَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[نَوَاقِض الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ

- ‌الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ

- ‌(بَابُ الْحَيْضِ)

- ‌[مُدَّة الْحَيْض]

- ‌[الطُّهْرِ الْمُتَخَلَّل بَيْن الدَّمَيْنِ فِي مُدَّة الْحَيْض]

- ‌النِّفَاسُ

- ‌[ مُدَّة النِّفَاس]

- ‌(بَابُ الْأَنْجَاسِ)

- ‌ الِاسْتِنْجَاءُ

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[الِاسْتِنْجَاء بِالْعَظْمِ والروث]

- ‌[ مَوَاقِيت الصَّلَاة]

- ‌[الْأَوْقَات الَّتِي يُسْتَحَبّ فِيهَا الصَّلَاة]

- ‌[الْأَوْقَات الَّتِي يَكْرَه فِيهَا الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ الْأَذَانِ)

- ‌[كَيْفِيَّة الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[التأذين للفائتة]

- ‌[أَذَان الجنب وَالْمَرْأَة والمحدث والسكران]

- ‌[ بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌[سُنَن الصَّلَاة]

- ‌ آدَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[فَصْلٌ الشروع فِي الصَّلَاة وَبَيَان إحرامها وأحوالها]

- ‌(بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌[الْأَحَقّ بِالْإِمَامَةِ]

- ‌[الِاسْتِخْلَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا)

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا]

- ‌(بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)

- ‌(بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ)

- ‌[التَّرْتِيب فِي الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)

- ‌[مواضع سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌[شَرَائِط أَدَائِهَا]

- ‌[ شَرَائِط وُجُوبهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[مَنْدُوبَات عِيد الْفِطْر]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِيد وكيفيتها]

- ‌[تَكْبِير التَّشْرِيق وَقْته وعدده وَشُرُوطه]

- ‌(بَابُ الْكُسُوفِ)

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْكُسُوف]

- ‌(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)

- ‌(بَابُ الْخَوْفِ)

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْخَوْف]

- ‌(بَابُ الْجَنَائِزِ)

- ‌[فَصْلٌ السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاةِ الْجِنَازَة]

- ‌[شَرْط الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت]

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[فَصَلِّ تعزية أَهْل الْمَيِّت]

- ‌(بَابٌ الشَّهِيدُ)

- ‌(بَابٌ: الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ)

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[شُرُوط وُجُوبهَا]

- ‌ شَرْطُ صِحَّةِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ]

- ‌[بَابٌ صَدَقَةُ الْبَقَرِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْغَنَمِ

- ‌[زَكَاة الخيل]

- ‌(بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ)

- ‌(بَابُ الْعَاشِرِ)

- ‌[بَابُ الرِّكَازِ]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ)

- ‌(بَابُ الْمَصْرِفِ)

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌(كِتَابُ الصَّوْمِ)

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ)

- ‌[فَصْلٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ]

- ‌(بَابُ الِاعْتِكَافِ)

- ‌[ اعْتِكَاف الْمَرْأَة]

الفصل: قَوْلِ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ

قَوْلِ مُحَمَّدٍ عُشْرٌ وَاحِدٌ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ ذَلِكَ كَانَ فِي أَرْضٍ اسْتَقَرَّ فِيهَا الْعُشْرُ وَصَارَ وَظِيفَةً لَهَا بِأَنْ كَانَتْ فِي يَدِ مُسْلِمٍ ثُمَّ الْمَاءُ الْخَرَاجِيُّ هُوَ الْمَاءُ الَّذِي كَانَ فِي أَيْدِي الْكَفَرَةِ وَأُقِرَّ أَهْلُهَا عَلَيْهَا وَالْعُشْرِيُّ مَا عَدَا ذَلِكَ كَمَاءِ السَّمَاءِ وَالْبِحَارِ الَّتِي لَا تَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي سَيْحُونَ وَجَيْحُونَ وَدِجْلَةَ وَالْفُرَاتَ فَعِنْدَ مُحَمَّدٍ عُشْرِيٌّ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خَرَاجِيٌّ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ هَلْ يَدْخُلُ تَحْتَ وِلَايَةِ أَحَدٍ أَوْ لَا يَدْخُلُ وَهَلْ تَرِدُ عَلَيْهِ يَدُ أَحَدٍ أَمْ لَا وَهَكَذَا ذَكَرُوا وَهَذَا فِي حَقِّ الْخَرَاجِ ظَاهِرٌ لِأَنَّ لَهُ مَاءً حَقِيقَةٌ لِأَنَّ الْأَنْهُرَ الَّتِي احْتَفَرَتْهَا الْأَعَاجِمُ حَوَتْهَا أَيْدِينَا قَهْرًا كَأَرَاضِيِهِمْ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْعُشْرِ فَلَا يَظْهَرُ لِأَنَّهُ لَا مَاءَ لَهُ حَقِيقَةً وَلِهَذَا اتَّفَقُوا عَلَى وُجُوبِ الْخَرَاجِ فِي أَرْضٍ لِكَافِرٍ تُسْقَى بِمَاءِ السَّمَاءِ وَالْبِحَارِ وَلَوْ كَانَتْ هَذِهِ الْمِيَاهُ عُشْرِيَّةً لَاخْتَلَفُوا فِيهَا عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي أَرْضٍ عُشْرِيَّةٍ اشْتَرَاهَا ذِمِّيٌّ لِأَنَّ الْوَظِيفَةَ تَدُورُ مَعَ الْمَاءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا قَالَ رحمه الله (وَدَارُهُ حُرٌّ) أَيْ دَارُ الذِّمِّيِّ حُرَّةٌ لَا يَجِبُ فِيهَا شَيْءٌ لِأَنَّ عُمَرَ جَعَلَ الْمَسَاكِنَ عَفْوًا وَعَلَيْهِ إجْمَاعُ الصَّحَابَةِ وَلِأَنَّهَا لَا تُسْتَنْمَى وَوُجُوبُ الْخَرَاجِ بِاعْتِبَارِهِ وَعَلَى هَذَا الْمَقَابِرُ قَالَ رحمه الله (كَعَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ فِي أَرْضِ عُشْرٍ وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ) أَيْ لَا يَجِبُ فِي دَارِ الذِّمِّيِّ شَيْءٌ كَمَا لَا يَجِبُ فِي عَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ إذَا كَانَتْ فِي أَرْضِ عُشْرٍ وَلَوْ كَانَتْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ لِأَنَّهُمَا لَيْسَا مِنْ أَنْزَالِ الْأَرْضِ وَإِنَّمَا هُمَا عَيْنٌ فَوَّارَةٌ كَعَيْنِ الْمَاءِ غَيْرَ أَنَّهُ إنْ كَانَ حَرِيمُهُ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ فِي أَرْضِ خَرَاجٍ يَجِبُ الْخَرَاجُ. وَأَمَّا إذَا كَانَ حَرِيمُهُ لَا يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ فَلَا يَجِبُ فِيهِ الْخَرَاجُ أَيْضًا وَالْقِيرُ الزِّفْتُ وَيُقَالُ الْقَارُ وَالنِّفْطُ دُهْنٌ يَكُونُ عَلَى وَجْهِ الْمَاءِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

(بَابُ الْمَصْرِفِ)

أَيْ مَصْرِفِ الزَّكَاةِ وَالْأَصْلُ فِيهِ قَوْله تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ} [التوبة: 60] الْآيَةَ فَهَذِهِ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهَا الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِأَنَّ اللَّهَ أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْهُمْ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ إذْ لَا نَسْخَ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ رحمه الله (هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ) أَيْ الْمَصْرِفُ هُوَ الْفَقِيرُ وَالْمِسْكِينُ لِمَا تَلَوْنَا قَالَ رحمه الله (وَهُوَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ الْمِسْكِينُ أَسْوَأُ حَالًا مِنْهُ إذْ الْمِسْكِينُ مَنْ لَا شَيْءَ لَهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَالشَّافِعِيُّ بِعَكْسِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَلِكُلٍّ وَجْهٌ فَوَجْهُ مَنْ يَقُولُ إنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا قَوْله تَعَالَى {أَمَّا السَّفِينَةُ فَكَانَتْ لِمَسَاكِينَ} [الكهف: 79] فَأَثْبَتَ لِلْمَسَاكِينِ السَّفِينَةَ وَرُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مَعْلُومُ الْحُدُوثِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ وَإِمَّا مَجْهُولُ الْحَالِ أَمَّا ثُبُوتُ مَعْلُومِيَّةِ أَنَّهُ جَاهِلِيٌّ فَمُتَعَذِّرٌ إذْ أَكْثَرُ مَا كَانَ مِنْ فِعْلِهِمْ قَدْ دُثِّرَ وَسَفَّتْهُ الرِّيَاحُ وَلَمْ يَبْقَ مِنْ ثُبُوتِ ذَلِكَ الْأَقْوَالِ الْعَوَامّ غَيْرُ مُسْتَنِدِينَ فِيهِ إلَى ثَبْتٍ فَيَجِبُ الْحُكْمُ فِي كُلِّ مَا يَرَاهُ بِأَنَّهُ إسْلَامِيٌّ إضَافَةً لِلْحَادِثِ إلَى أَقْرَبِ وَقْتَيْهِ الْمُمْكِنَيْنِ وَيَكُونُ ظُهُورُ الْقِسْمَيْنِ بِالنِّسْبَةِ إلَى سَقْيِ الْمُسْلِمِ مَا لَمْ تَسْبِقْ فِيهِ وَظِيفَةٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. (قَوْلُهُ كَمَا مَرَّ مِنْ أَصْلِهِمَا) أَيْ فِي الْمُسْلِمِ إذَا بَاعَ أَرْضًا عُشْرِيَّةً مِنْ نَصْرَانِيٍّ اهـ (قَوْلُهُ كَمَاءِ السَّمَاءِ) أَيْ وَالْآبَارِ وَالْعُيُونِ اهـ هِدَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي سَيْحُونَ) أَيْ نَهْرِ التُّرْكِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَجِيحُونَ) أَيْ نَهْرِ تِرْمِذَ. اهـ. فَتْحٌ وَدِجْلَةَ هِيَ نَهْرُ بَغْدَادَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْفُرَاتَ) هُوَ نَهْرُ الْكُوفَةِ (قَوْلُهُ وَهَلْ تَرِدُ عَلَيْهِ يَدٌ إلَى آخِرِهِ) عِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ نَعَمْ فَإِنَّ السُّفُنَ يُشَدُّ بَعْضُهَا إلَى بَعْضٍ حَتَّى تَصِيرَ جِسْرًا يَمُرُّ عَلَيْهِ كَالْقَنْطَرَةِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَيْهَا فَهِيَ خَرَاجِيَّةٌ اهـ وَفِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَكَذَا النِّيلُ خَرَاجِيٌّ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لِدُخُولِهِ تَحْتَ الْحِمَايَةِ بِاِتِّخَاذِ قَنْطَرَةِ السُّفُنِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ كَعَيْنِ قِيرٍ وَنِفْطٍ) وَالنِّفْطُ بِالْفَتْحِ وَالْكَسْرِ وَهُوَ أَفْصَحُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِيَسْتَأْمِنَ أَنْزَالَ الْأَرْضِ) جَمْعُ نُزْلٍ بِسُكُونِ الزَّايِ وَضَمِّ النُّونِ وَهُوَ الرِّيعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إنْ كَانَ حَرِيمُهُ يَصْلُحُ لِلزِّرَاعَةِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا شَيْءَ فِي الْمِلْحِ فِي الْأَرْضِ الْعُشْرِيَّةِ أَوْ الْخَرَاجِيَّةِ كَالْمَاءِ وَالْجَمَدِ. اهـ. غَايَةٌ

[بَابُ الْمَصْرِفِ]

(قَوْلُهُ وَعَلَيْهِ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ) قَالَ الْحَسَنُ وَالزُّهْرِيُّ وَمُحَمَّدُ بْنُ عَلِيٍّ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَابْنُ حَنْبَلٍ وَالظَّاهِرِيَّةُ إنَّ سَهْمَ الْمُؤَلَّفَةِ بَاقٍ لَمْ يَسْقُطْ وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ مِثْلُ قَوْلِ الْجَمَاعَةِ وَقَوْلِ صَاحِبِ الْكِتَابِ وَعَلَى ذَلِكَ انْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ فِيهِ بَعْدُ مَعَ مُخَالَفَةِ مَنْ ذَكَرْنَاهُمْ إلَّا أَنْ يُرِيدَ بِهِ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ السُّكُوتِيَّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ مِنْ قَبِيلِ انْتِهَاءِ الْحُكْمِ لِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ) أَيْ كَانْتِهَاءِ النَّفِيرِ الْعَامِّ بِانْدِفَاعِ الْعَدُوِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْفَقِيرُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٌ) وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَجَابِرِ بْنِ زَيْدٍ وَمُجَاهِدٍ وَعِكْرِمَةَ وَالزُّهْرِيِّ وَالْحَسَنِ وَمَالِكٍ وَمِثْلُهُ عَنْ أَبِي زَيْدٍ وَابْنِ دُرَيْدٍ وَأَبِي عُبَيْدَةَ وَيُونُسَ وَابْنِ السِّكِّيتِ وَابْنِ قُتَيْبَةَ وَالْقُتَبِيِّ وَالْأَخْفَشِ وَثَعْلَبٍ نَقَلْته مِنْ عِدَّةِ كُتُبٍ وَقَالَ السَّفَاقِسِيُّ هُوَ قَوْلُ أَهْلِ اللُّغَةِ جَمِيعًا اهـ غَايَةٌ وَقَوْلُهُ مَنْ لَهُ أَدْنَى شَيْءٍ وَهُوَ مَا دُونَ النِّصَابِ أَوْ قَدْرَ نِصَابٍ غَيْرِ تَامٍّ وَهُوَ مُسْتَغْرِقٌ فِي الْحَاجَةِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَالشَّافِعِيُّ بِعَكْسِهِ) وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ لَا تَظْهَرُ فِي الزَّكَاةِ بَلْ تَظْهَرُ فِي الْوَصَايَا وَالْأَوْقَافِ وَالنُّذُورِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ «صلى الله عليه وسلم سَأَلَ الْمَسْكَنَةَ» إلَى آخِرِهِ) رَوَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «اللَّهُمَّ أَحْيِنِي مِسْكِينًا وَأَمِتْنِي مِسْكِينًا وَاحْشُرْنِي فِي زُمْرَةِ الْمَسَاكِينِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ وَإِسْنَادُهُ ضَعِيفٌ وَحَدِيثُ التَّعَوُّذِ مِنْ الْفَقْرِ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ اهـ غَايَةٌ

ص: 296

وَتَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ» وَلِأَنَّ اللَّهَ قَدَّمَهُمْ بِالذِّكْرِ وَالتَّقْدِيمُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ وَلِأَنَّ الْفَقِيرَ بِمَعْنَى الْمَفْقُورِ وَهُوَ الْمَكْسُورُ الْفِقَارِ فَكَانَ أَسْوَأَ حَالًا مِنْهُ قَالَ الشَّاعِرُ

هَلْ لَك مِنْ أَجْرٍ عَظِيمٍ تُؤْجَرُهْ

تُغِيثُ مِسْكِينًا كَثِيرًا عَسْكَرُهْ

عَشْرُ شِيَاهٍ سَمْعُهُ وَبَصَرُهْ

وَوَجْهُ مَنْ قَالَ إنَّ الْمِسْكِينَ أَسْوَأُ حَالًا قَوْله تَعَالَى {أَوْ مِسْكِينًا ذَا مَتْرَبَةٍ} [البلد: 16] مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِالتُّرَابِ مِنْ الْجُوعِ وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {فَإِطْعَامُ سِتِّينَ مِسْكِينًا} [المجادلة: 4] خَصَّهُمْ بِصَرْفِ الْكَفَّارَةِ إلَيْهِمْ وَلَا فَاقَةَ أَعْظَمُ مِنْ الْحَاجَةِ إلَى الطَّعَامِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ الْمِسْكِينُ الَّذِي تَرُدُّهُ اللُّقْمَةُ وَاللُّقْمَتَانِ وَالتَّمْرَةُ وَالتَّمْرَتَانِ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ وَلَا يُفْطَنُ بِهِ فَيُعْطَى وَلَا يَقُومُ فَيَسْأَلُ النَّاسَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَلَفْظَةُ الْمِسْكِينِ مِنْ سَكَنَ مُبَالَغَةٌ كَأَنَّهُ عَجَزَ عَنْ الْحَرَكَةِ مِنْ الْجُوعِ فَلَمْ يَبْرَحْ مَكَانَهُ وَقَالَ تَعَالَى فِي الْفُقَرَاءِ {يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273] وَلَوْلَا أَنَّ لَهُمْ حَالًا جَمِيلًا لَمَا حَسِبَهُمْ أَغْنِيَاءَ وَقَالَ الشَّاعِرُ

أَمَّا الْفَقِيرُ الَّذِي كَانَتْ حَلُوبَتُهُ

وَفْقَ الْعِيَالِ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ

سَمَّاهُ فَقِيرًا مَعَ أَنَّ لَهُ حَلُوبَةً وَلَا دَلَالَةَ فِيمَا تَلَا لِأَنَّ السَّفِينَةَ مَا كَانَتْ لَهُمْ وَإِنَّمَا كَانُوا فِيهَا أُجَرَاءَ وَقِيلَ لَهُمْ مَسَاكِينُ تَرَحُّمًا كَمَا يُقَالُ لِمَنْ اُبْتُلِيَ بِبَلِيَّةٍ مِسْكِينٌ أَوْ لِأَنَّهُمْ كَانُوا مَقْهُورِينَ بِقَهْرِ الْمَلِكِ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ وَالْمَسْكَنَةُ} [البقرة: 61] وَقَوْلُهُمْ الْفَقِيرُ بِمَعْنَى الْمَفْقُورِ وَهُوَ الْمَكْسُورُ الْفِقَارِ مَمْنُوعٌ فَإِنْ الْأَخْفَشَ قَالَ الْفَقِيرُ مِنْ قَوْلِهِمْ فَقَرْت لَهُ فِقْرَةً مِنْ مَالِي أَيْ أَعْطَيْته فَيَكُونُ الْفَقِيرُ مَنْ لَهُ قِطْعَةٌ مِنْ الْمَالِ لَا تُغْنِيهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا أَنْشَدَ لِأَنَّهُ لَمْ يُرِدْ بِهِ أَنَّ لَهُ عَشْرَ شِيَاهٍ بَلْ لَوْ حَصَلَتْ لَهُ عَشْرُ شِيَاهٍ لَكَانَتْ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ

قَالَ رحمه الله (وَالْعَامِلُ وَالْمُكَاتَبُ وَالْمَدْيُونُ وَمُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ وَابْنُ السَّبِيلِ) أَيْ هَؤُلَاءِ هُمْ الْمَصَارِفُ لِمَا تَلَوْنَا فَالْعَامِلُ يَدْفَعُ إلَيْهِ الْإِمَامُ إنْ عَمِلَ بِقَدْرِ عَمَلِهِ فَيُعْطِيَهُ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانُهُ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثَّمَنِ وَإِنْ اسْتَغْرَقَتْ كِفَايَتُهُ الزَّكَاةَ لَا يُزَادُ عَلَى النِّصْفِ لِأَنَّ التَّنْصِيفَ عَيْنُ الْإِنْصَافِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالثَّمَنِ لِأَنَّ الشَّرِكَةَ تَقْتَضِي الْمُسَاوَاةَ وَلَنَا أَنَّهُ يَسْتَحِقُّهُ عِمَالَةً أَلَا تَرَى أَنَّ أَصْحَابَ الْأَمْوَالِ لَوْ حَمَلُوا الزَّكَاةَ إلَى الْإِمَامِ لَا يَسْتَحِقُّ شَيْئًا وَلَوْ هَلَكَ مَا جَمَعَهُ مِنْ الزَّكَاةِ لَمْ يَسْتَحِقَّ شَيْئًا كَالْمُضَارِبِ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ إلَّا أَنَّ فِيهِ شَبْهَ الصَّدَقَةِ بِدَلِيلِ سُقُوطِ الزَّكَاةِ عَنْ أَرْبَابِ الْأَمْوَالِ فَلَا تَحِلُّ لِلْعَامِلِ الْهَاشِمِيِّ تَنْزِيهًا لِقَرَابَةِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَنْ شُبْهَةِ الْوَسَخِ وَتَحِلُّ لِلْغَنِيِّ لِأَنَّهُ لَا يُوَازِي الْهَاشِمِيَّ فِي اسْتِحْقَاقِ الْكَرَامَةِ فَلَا تُعْتَبَرُ الشُّبْهَةُ فِي حَقِّهِ وَلَا تُصْرَفُ إلَى الْإِمَامِ وَلَا إلَى الْقَاضِي لِأَنَّ كِفَايَتَهُمَا فِي الْفَيْءِ وَنَحْوِهِ مِنْ الْخَرَاجِ وَالْجِزْيَةِ وَهُوَ الْمُعَدُّ لِمَصَالِحِ الْمُسْلِمِينَ فَلَا حَاجَةَ إلَى الصَّدَقَاتِ وَفِي الرِّقَابِ الْمُكَاتَبُونَ أَيْ يُعَانُونَ فِي فَكِّ رِقَابِهِمْ وَهُوَ قَوْلُ الْجُمْهُورِ. وَقَالَ مَالِكٌ يُعْتَقُ مِنْهَا الرَّقَبَةُ وَيَكُونُ الْوَلَاءُ لِلْمُسْلِمِينَ وَلَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ عَبْدٌ مَا بَقِيَ عَلَيْهِ دِرْهَمٌ فَكَيْفَ يُعْطَى مِنْ الزَّكَاةِ وَلَنَا مَا رَوَاهُ الْبَرَاءُ بْنُ عَازِبٍ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي مِنْ الْجَنَّةِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَتَعَوَّذَ مِنْ الْفَقْرِ إلَى آخِرِهِ) وَجَوَابُهُ أَنَّ الْفَقْرَ الْمُتَعَوَّذَ مِنْهُ لَيْسَ إلَّا فَقْرَ النَّفْسِ لِمَا صَحَّ أَنَّهُ كَانَ يَسْأَلُ الْعَفَافَ وَالْغِنَى وَالْمُرَادُ بِهِ غِنَى النَّفْسِ لَا كَثْرَةُ الدُّنْيَا فَلَا دَلِيلَ فِيهِ عَلَى أَنَّ الْفَقِيرَ أَسْوَأُ حَالًا مِنْ الْمِسْكِينِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالتَّقْدِيمُ يَدُلُّ عَلَى الِاهْتِمَامِ) أَيْ بِهِمْ وَذَلِكَ مَظِنَّةُ زِيَادَةِ حَاجَتِهِمْ وَقَدْ يُمْنَعُ بِأَنَّهُ قَدَّمَ الْعَامِلِينَ عَلَى الرِّقَابِ مَعَ أَنَّ حَالَهُمْ أَحْسَنُ ظَاهِرًا وَأَخَّرَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ مَعَ الدَّلَالَةِ عَلَى زِيَادَةِ تَأْكِيدِ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حَيْثُ أَضَافَ إلَيْهِمْ بِلَفْظَةِ فِي فَدَلَّ أَنَّ التَّقْدِيمَ لِاعْتِبَارٍ آخَرَ غَيْرَ زِيَادَةِ الْحَاجَةِ وَالِاعْتِبَارَاتُ الْمُنَاسِبَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ ضَبْطٍ خُصُوصًا مِنْ عَلَّامِ الْغُيُوبِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَعْنَاهُ أَنَّهُ أَلْصَقَ بَطْنَهُ بِالتُّرَابِ إلَى آخِرِهِ) أَوْ أَنَّهُ أَلْصَقَ جِلْدَهُ بِالتُّرَابِ مُحْتَفِرًا حُفْرَةً جَعَلَهَا إزَارَهُ لِعَدَمِ مَا يُوَارِيهِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ إلَى آخِرِهِ) بِمَحَلِّ الْإِثْبَاتِ أَعْنِي قَوْلَهُ وَلَكِنَّ الْمِسْكِينَ الَّذِي لَا يُعْرَفُ فَيُعْطَى مُرَادٌ مَعَهُ وَلَيْسَ عِنْدَهُ شَيْءٌ فَإِنَّهُ نَفَى الْمَسْكَنَةَ عَمَّنْ يَقْدِرُ عَلَى لُقْمَةٍ وَلُقْمَتَيْنِ بِطَرِيقِ الْمَسْأَلَةِ وَأَثْبَتَهَا لِغَيْرِهِ فَهُوَ بِالضَّرُورَةِ مَنْ لَا يَسْأَلُ مَعَ أَنَّهُ لَا يَقْدِرُ عَلَى اللُّقْمَةِ وَاللُّقْمَتَيْنِ لَكِنَّ الْمَقَامَ مَقَامُ مُبَالَغَةٍ فِي الْمَسْكَنَةِ وَكَذَا صَرَّحَ الْمَشَايِخُ فِي غَرَضِ أَنَّ الْمُرَادَ لَيْسَ الْكَامِلُ فِي الْمَسْكَنَةِ وَعَلَى هَذَا فَالْمَسْكَنَةُ الْمَنْفِيَّةُ عَنْ غَيْرِهِ هِيَ الْمَسْكَنَةُ الْمُبَالَغُ فِيهَا لَا مُطْلَقُ الْمَسْكَنَةِ وَحِينَئِذٍ لَكِنْ لَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَمْ يُتْرَكْ لَهُ سَبَدُ) يُقَالُ لَيْسَ لَهُ سَبَدٌ وَلَا لَبَدٌ أَيْ لَا قَلِيلٌ وَلَا كَثِيرٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا كَانُوا فِيهَا أُجَرَاءَ) أَيْ أَوْ عَارِيَّةٌ مَعَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَالْعَامِلُ وَالْمُكَاتَبُ) الْمُرَادُ مُكَاتَبُ غَيْرِهِ وَمُكَاتَبُ الْهَاشِمِيِّ قَالَهُ خُوَاهَرْ زَادَهْ (قَوْلُهُ فَيُعْطِيهِ مَا يَسَعُهُ وَأَعْوَانَهُ) أَيْ كِفَايَتَهُمْ بِالْوَسَطِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مُقَدَّرٌ بِالثُّمُنِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَتَقْدِيرُ الشَّافِعِيِّ بِالثُّمُنِ بِنَاءً عَلَى وُجُوبِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى كُلِّ الْأَصْنَافِ وَهُمْ ثَمَانِيَةٌ إنَّمَا يَتِمُّ عَلَى اعْتِبَارِ عَدَمِ سُقُوطِ الْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَأَمَّا الْجَوَابُ عَنْهُ بِأَنَّ السَّاقِطَ سَهْمُ الْكَفَّارَةِ مِنْهُمْ لَا الْمُسْلِمِينَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ لِأَنَّ الْمُتَأَلَّفِينَ الْمُسْلِمِينَ كَانُوا أَغْنِيَاءَ كَسُهَيْلِ بْنِ عَمْرٍو وَغَيْرِهِ فَإِنْ أَرَادَ أَنَّهُ لَمْ يَسْقُطْ سَهْمُ الْمُتَأَلَّفِينَ الْأَغْنِيَاءَ مَنَعْنَاهُ وَإِلَّا لَمْ يُفِدْ لِأَنَّهُمْ حِينَئِذٍ دَاخِلُونَ فِي صِنْفِ الْفُقَرَاءِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ لِلنَّوَوِيِّ الْعَامِلُ يَسْتَحِقُّ قَدْرَ أَجْرِ مِثْلِهِ قَلَّ أَوْ كَثُرَ غَيْرَ مُقَدَّرٍ بِالثُّمُنِ فَيَبْدَأُ بِهِ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَشَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَمُلْتَقَى الْبِحَارِ مُقَدَّرٌ بِالثُّمُنِ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْته. اهـ. (قَوْلُهُ إذَا هَلَكَ مَالُ الْمُضَارَبَةِ) أَيْ بَعْدَ ظُهُورِ الرِّبْحِ اهـ.

(قَوْلُهُ وَتَحِلُّ لِلْغَنِيِّ) أَيْ لِأَنَّهُ يَعْمَلُ لِأَجْلِ الْفَقِيرِ فَكَأَنَّهُ يَأْخُذُ الْفَقِيرُ فِي الْحَقِيقَةِ لِأَنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهَا مِنْ حَوَائِجِ الْفَقِيرِ كَذَا سَمِعْت مِنْ شَيْخِي الْعَلَّامَةِ رحمه الله. اهـ. كَاكِيٌّ

ص: 297

وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَلَيْسَا وَاحِدًا قَالَ لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالدَّارَقُطْنِيّ وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «ثَلَاثَةٌ كُلُّهُمْ حَقٌّ عَلَى اللَّهِ عَوْنٌ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْمُكَاتَبُ الَّذِي يُرِيدُ الْأَدَاءَ وَالنَّاكِحُ الْمُتَعَفِّفُ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَغَيْرُهُمَا وَلِأَنَّ الرُّكْنَ فِي الزَّكَاةِ التَّمْلِيكُ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الْقِنِّ فَتَعَيَّنَ الْمُكَاتَبُ وَهَذَا لِأَنَّهَا لَا تَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَصْرُوفَةً إلَى مَوْلَاهُ أَوْ إلَى نَفْسِ الْعَبْدِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَكُونَ الْأَوَّلُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا وَلَا الثَّانِي لِأَنَّ الْعَبْدَ لَا يَمْلِكُ رَقَبَةَ نَفْسِهِ بِذَلِكَ وَإِنَّمَا يُتْلِفُ عَلَى مِلْكِ مَوْلَاهُ وَالدَّفْعُ إلَى عَبْدٍ لِلْغَنِيِّ كَالدَّفْعِ إلَى مَوْلَاهُ بِخِلَافِ الْمُكَاتَبِ لِأَنَّهُ حُرٌّ يَدًا وَلَا سَبِيلَ لِلْمَوْلَى عَلَى مَا فِي يَدِهِ. وَالْغَارِمُ مِنْ لَزِمَهُ دَيْنٌ وَلَا يَمْلِكُ نِصَابًا فَاضِلًا عَنْ دَيْنِهِ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ مَنْ تَحَمَّلَ غَرَامَةً فِي إصْلَاحِ ذَاتِ الْبَيْنِ وَإِطْفَاءِ النَّائِرَةِ بَيْنَ الْقَبِيلَتَيْنِ وَلَوْ كَانَ غَنِيًّا وَلَنَا أَنَّ الزَّكَاةَ لَا تَحِلُّ لِغَنِيٍّ وَالْغَرِيمُ يُطْلَقُ عَلَى الْمَدْيُونِ وَعَلَى صَاحِبِ الدَّيْنِ وَأَصْلُ الْغَرَامَةِ فِي اللُّغَةِ اللُّزُومُ وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا} [الفرقان: 65] وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ هُمْ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَعَلَ بَعِيرًا لَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَأَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِ الْحَاجَّ» قُلْنَا الطَّاعَاتُ كُلُّهَا سَبِيلُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَكِنْ عِنْدَ الْإِطْلَاقِ يُفْهَمُ مِنْهُ الْغُزَاةُ وَلَا يُصْرَفُ إلَى غَنِيِّهِمْ لِمَا يُذْكَرُ مِنْ قَرِيبٍ وَإِنَّمَا أَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ مَعَ دُخُولِهِ فِي الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ لِزِيَادَةِ حَاجَتِهِ وَهُوَ الْفَقْرُ وَالِانْقِطَاعُ وَابْنُ السَّبِيلِ هُوَ الْمُسَافِرُ سُمِّيَ بِذَلِكَ لِلُزُومِهِ الطَّرِيقَ فَجَازَ لَهُ الْأَخْذُ مِنْ الزَّكَاةِ قَدْرَ حَاجَتِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ بَعْدَ أَنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ فِي الْحَالِ وَلَا يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَأْخُذَ أَكْثَرَ مِنْ حَاجَتِهِ. وَالْأَوْلَى أَنْ يَسْتَقْرِضَ إنْ قَدَرَ عَلَيْهِ وَلَا يَلْزَمُهُ ذَلِكَ لِاحْتِمَالِ عَجْزِهِ عَنْ الْأَدَاءِ وَأُلْحِقَ بِهِ كُلُّ مَنْ هُوَ غَائِبٌ عَنْ مَالِهِ وَإِنْ كَانَ فِي بَلَدِهِ لِأَنَّ الْحَاجَةَ هِيَ الْمُعْتَبَرَةُ وَقَدْ وُجِدَتْ لِأَنَّهُ فَقِيرٌ يَدًا وَإِنْ كَانَ غَنِيًّا ظَاهِرًا ثُمَّ لَا يَلْزَمُهُ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِمَا فَضَلَ فِي يَدِهِ عِنْدَ الْقُدْرَةِ عَلَى مَالِهِ كَالْفَقِيرِ إذَا اسْتَغْنَى أَوْ الْمُكَاتَبِ إذَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ إلَى آخِرِهِ) أَخْرَجَ الطَّبَرِيُّ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ الْحَسَنِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّ مُكَاتَبًا قَامَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَهُوَ يَخْطُبُ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ لَهُ أَيُّهَا الْأَمِيرُ حُثَّ النَّاسَ عَلَيَّ فَحَثَّ عَلَيْهِ أَبُو مُوسَى فَأَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ هَذَا يُلْقِي عِمَامَةً وَهَذَا يُلْقِي مُلَاءَةً وَهَذَا يُلْقِي خَاتَمًا حَتَّى أَلْقَى النَّاسُ عَلَيْهِ سَوَادًا كَثِيرًا فَلَمَّا رَأَى أَبُو مُوسَى مَا أُلْقِي عَلَيْهِ قَالَ اجْمَعُوهُ ثُمَّ أَمَرَ بِهِ فَبِيعَ فَأَعْطَى الْمُكَاتَبَ مُكَاتَبَهُ ثُمَّ أَعْطَى الْفَضْلَ فِي الرِّقَابِ وَلَمْ يَرُدَّهُ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ إنَّ هَذَا الَّذِي أَعْطَوْهُ فِي الرِّقَابِ وَأَخْرَجَ عَنْ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالزُّهْرِيِّ وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ قَالُوا فِي الرِّقَابِ هُمْ الْمُكَاتَبُونَ وَأَمَّا مَا رُوِيَ «أَنَّ رَجُلًا جَاءَ إلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ دُلَّنِي عَلَى عَمَلٍ يُقَرِّبُنِي إلَى الْجَنَّةِ وَيُبَاعِدُنِي مِنْ النَّارِ فَقَالَ أَعْتِقْ النَّسَمَةَ وَفُكَّ الرَّقَبَةَ فَقَالَ أَوَلَيْسَا سَوَاءً قَالَ لَا عِتْقُ النَّسَمَةِ أَنْ تَنْفَرِدَ بِعِتْقِهَا وَفَكُّ الرَّقَبَةِ أَنْ تُعِينَ فِي ثَمَنِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَغَيْرُهُ فَقَالَ لَيْسَ فِيهِ مَا يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ هَذَا مَعْنَى وَفِي الرِّقَابِ الْمَذْكُورِ فِي الْآيَةِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّهُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا إلَى آخِرِهِ) وَمَا يَأْخُذُهُ عِوَضٌ عَنْ مِلْكِهِ فَلَا يَكُونُ زَكَاةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَوْ كَانَ لَهُ مَالٌ عَلَى النَّاسِ لَا يُمْكِنُهُ أَخْذُهُ) فَهُوَ غَنِيٌّ فِي الظَّاهِرِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ أَيْ الْفُقَرَاءُ مِنْهُمْ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ وَهُمْ الْفُقَرَاءُ) مِثْلُهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ وَالتُّحْفَةِ وَالْقُنْيَةِ وَفِي شَرْحِ مُخْتَصَرِ الْكَرْخِيِّ وَالْمُفِيدِ وَالتَّجْرِيدِ والمرغيناني والْوَلْوَالِجِيِّ وَعَامَّةِ كُتُبِ الْأَصْحَابِ وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْهُمْ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَدْ كَشَفْت عَنْ ذَلِكَ مِنْ نَحْوِ ثَلَاثِينَ مُصَنَّفًا فَكَيْفَ لَا يَتَكَلَّمُ الْإِمَامُ فِي مَعْرِفَةِ سَبِيلِ اللَّهِ مَعَ وُقُوعِ الْحَاجَةِ إلَى ذَلِكَ وَفِي الْوَبَرِيِّ هُمْ الْحُجَّاجُ وَالْغُزَاةُ الْمُنْقَطِعُونَ عَنْ أَمْوَالِهِمْ وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ أَرَادَ بِهِ الْفُقَرَاءَ مِنْ أَهْلِ الْجِهَادِ وَلَمْ يَحْكِيَا خِلَافًا فَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ أَيْضًا وَقَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ فِي الْأَشْرَافِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ سَبِيلُ اللَّهِ هُوَ الْغَازِي غَيْرُ الْغَنِيِّ وَحَكَى أَبُو ثَوْرٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ الْغَازِي دُونَ الْحَاجِّ وَذَكَرَ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمَالِكٍ وَالشَّافِعِيِّ وَمِثْلُهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ فَهَؤُلَاءِ نَقَلُوا قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ كَمَا ذَكَرْته ثُمَّ وَجَدْت فِي خِزَانَةِ الْأَكْمَلِ مَا يُوَافِقُ نَقْلَ هَؤُلَاءِ الْجَمَاعَةِ فَقَالَ فِيهِ سَبِيلُ اللَّهِ فُقَرَاءُ الْغَرَاةِ عِنْدَنَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ الْحَاجُّ أَيْضًا حَكَاهُ عَنْ فَتَاوَى الْبَقَّالِيِّ وَفِي الْغَزْنَوِيِّ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ مُنْقَطِعُ الْغُزَاةِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ مُنْقَطِعُ الْحَاجِّ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ رِوَايَةً عَنْ مُحَمَّدٍ خِلَافُ مَا ذَكَرَهُ الْجَمَاعَةُ. اهـ. غَايَةٌ.

وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَقِيلَ سَبِيلُ اللَّهِ طَلَبَةُ الْعِلْمِ قُلْت هَذَا بَعِيدٌ فَإِنَّ الْآيَةَ نَزَلَتْ وَلَيْسَ هُنَاكَ قَوْمٌ يُقَالُ لَهُمْ طَلَبَةُ الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَابْنُ السَّبِيلِ) وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ هُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ وَإِنْ كَانَ لَهُ مَالٌ فِي بَلَدِهِ وَمَنْ لَهُ دُيُونٌ عَلَى النَّاسِ وَلَا يَقْدِرُ عَلَى أَخْذِهَا لِغَيْبَتِهِمْ أَوْ لِعَدَمِ الْبَيِّنَةِ أَوْ لِإِعْسَارِهِ أَوْ لِتَأْجِيلِهِ يَحِلُّ لَهُ أَخْذُهَا وَقَوْلُهُ فِي الْكِتَابِ وَهُوَ فِي مَكَان لَا شَيْءَ فِيهِ وَقَوْلُ الْعَتَّابِيِّ هُوَ الْغَرِيبُ الَّذِي لَيْسَ فِي يَدِهِ شَيْءٌ لَيْسَ نَفْيُ الشَّيْءِ عَلَى إطْلَاقِهِ أَوْ عُمُومِهِ بَلْ الْمُرَادُ شَيْءٌ لَا يَكْفِيهِ لِرُجُوعِهِ إلَى وَطَنِهِ يُؤَيِّدُهُ مَا ذَكَرَهُ فِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ ابْنُ السَّبِيلِ لَهُ مَا يَكْفِيهِ فِي مَعِيشَتِهِ وَزَادٌ يَكْفِيهِ إلَى وَطَنِهِ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ

ص: 298

عَجَزَ فَهَؤُلَاءِ هُمْ الْمَصَارِفُ الْمَذْكُورُونَ فِي الْآيَةِ وَهُمْ ثَمَانِيَةُ أَصْنَافٍ وَقَدْ سَقَطَ مِنْهُمْ الْمُؤَلَّفَةُ قُلُوبُهُمْ لِمَا ذَكَرْنَا وَهُمْ كَانُوا أَصْنَافًا ثَلَاثَةً صِنْفٌ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَتَأَلَّفُهُمْ لِيُسْلِمُوا وَصِنْفٌ يُعْطِيهِمْ لِدَفْعِ شَرِّهِمْ وَصِنْفٌ كَانُوا أَسْلَمُوا وَفِي إسْلَامِهِمْ ضَعْفٌ يُرِيدُ بِذَلِكَ تَقْرِيرَهُمْ عَلَى الْإِسْلَامِ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جِهَادًا مِنْهُ عليه الصلاة والسلام لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّ الْجِهَادَ تَارَةً بِالسِّنَانِ وَتَارَةً بِالْبَنَانِ وَتَارَةً بِالْإِحْسَانِ وَكَانَ يُعْطِيهِمْ كَثِيرًا حَتَّى أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ وَصَفْوَانَ وَالْأَقْرَعَ وَعُيَيْنَةَ وَعَبَّاسَ بْنَ مِرْدَاسٍ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ مِائَةً مِنْ الْإِبِلِ وَقَالَ صَفْوَانُ بْنُ أُمَيَّةَ لَقَدْ أَعْطَانِي مَا أَعْطَانِي وَهُوَ أَبْغَضُ النَّاسِ إلَيَّ فَمَا زَالَ يُعْطِينِي حَتَّى كَانَ عليه الصلاة والسلام أَحَبَّ النَّاسِ إلَيَّ ثُمَّ فِي أَيَّامِ أَبِي بَكْرٍ جَاءَ عُيَيْنَةُ وَالْأَقْرَعُ بْنُ حَابِسٍ يَطْلُبَانِ أَرْضًا فَكَتَبَ لَهُمَا بِهَا فَجَاءَ عُمَرُ فَمَزَّقَ الْكِتَابَ. وَقَالَ إنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَعَزَّ الْإِسْلَامَ وَأَغْنَى عَنْكُمْ فَإِنْ ثَبَتُّمْ عَلَيْهِ وَإِلَّا فَبَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ السَّيْفُ فَانْصَرَفَا إلَى أَبِي بَكْرٍ وَقَالَا أَنْتَ الْخَلِيفَةُ أَمْ هُوَ فَقَالَ هُوَ إنْ شَاءَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ فَانْعَقَدَ الْإِجْمَاعُ عَلَيْهِ. قَالَ رحمه الله (فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ أَوْ إلَى صِنْفٍ) أَيْ صَاحِبُ الْمَالِ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَعْطَاهَا جَمِيعَهُمْ وَإِنْ شَاءَ اقْتَصَرَ عَلَى صِنْفٍ وَاحِدٍ وَكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَقْتَصِرَ عَلَى شَخْصٍ وَاحِدٍ مِنْ أَيْ صِنْفٍ شَاءَ وَهُوَ قَوْلُ عُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ وَحُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ وَجَمَاعَةٍ أُخَرَ وَلَمْ يُرْوَ عَنْ غَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا إذَا دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى ثَمَانِيَةِ أَصْنَافٍ مِنْ كُلِّ صِنْفٍ ثَلَاثَةُ أَنْفُسٍ إلَّا الْعَامِلُ وَكَذَا قَالَ فِي جَمِيعِ الصَّدَقَاتِ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَخُمُسِ الرِّكَازِ لَهُ مَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ زِيَادٍ قَالَ «أَمَّرَنِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى قَوْمٍ فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ أَعْطِنِي مِنْ الصَّدَقَةِ فَقَالَ إنَّ اللَّهَ لَمْ يَرْضَ فِي قِسْمَةِ الصَّدَقَاتِ بِنَبِيٍّ مُرْسَلٍ وَلَا مَلَكٍ مُقَرَّبٍ حَتَّى تَوَلَّى قِسْمَتَهَا بِنَفْسِهِ ثُمَّ جَزَّأَهَا ثَمَانِيَةَ أَجْزَاءٍ ثُمَّ قَالَ إنْ كُنْت مِنْ أَحَدِ هَذِهِ الْأَجْزَاءِ أَعْطَيْتُك» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد. وَزَعَمُوا أَنَّهُ نَصٌّ فِيهِمْ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَضَافَ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ إلَيْهِمْ فَاللَّامُ التَّمْلِيكِ وَأَشْرَكَ بَيْنَهُمْ بِوَاوِ التَّشْرِيكِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ مَمْلُوكًا لَهُمْ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَأَقَلُّهُ ثَلَاثَةٌ فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ مِنْ كُلِّ جِنْسٍ ثَلَاثَةٌ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] بَعْدَ قَوْله تَعَالَى {إِنْ تُبْدُوا الصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ} [البقرة: 271] وَقَدْ تَنَاوَلَ جِنْسَ الصَّدَقَاتِ وَبَيَّنَ أَنَّ إيتَاءَهَا إلَى الْفُقَرَاءِ لَا غَيْرُ خَيْرٌ لَنَا وَلَا يُقَالُ أَرَادَ بِهِ نَصِيبَهُمْ لِأَنَّ الضَّمِيرَ عَائِدٌ إلَى الصَّدَقَاتِ وَهُوَ عَامٌّ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ الصَّدَقَاتِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِمُعَاذٍ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَالْجَوَابُ عَمَّا ذُكِرَ أَنَّ اللَّامَ تَكُونُ لِلْعَاقِبَةِ يُقَالُ لِدُوا لِلْمَوْتِ وَابْنُوا لِلْخَرَابِ وَقَالَ تَعَالَى {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص: 8] أَيْ عَاقِبَتُهُ ذَلِكَ. وَكَذَا عَاقِبَةُ الصَّدَقَاتِ لِلْفُقَرَاءِ لَا أَنَّهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ كُلُّ ذَلِكَ كَانَ جِهَادًا إلَى آخِرِهِ) هَذَا جَوَابٌ عَمَّا يُقَالُ كَيْفَ يَجُوزُ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ إلَى الْكُفَّارِ اهـ (قَوْلُهُ حَتَّى أَعْطَى أَبَا سُفْيَانَ) وَاسْمُهُ صَخْرُ بْنُ حَرْبٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَقْرَعَ) أَيْ ابْنَ حَابِسٍ الْمُجَاشِعِيَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعُيَيْنَةَ) أَيْ ابْنَ حِصْنٍ الْفَزَارِيَّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ مَا فَعَلَ) أَيْ مَعَ مَا يَتَبَادَرُ مِنْهُ مِنْ كَوْنِهِ سَبَبًا لِإِثَارَةِ النَّائِرَةَ وَارْتِدَادِ بَعْضِ الْمُسْلِمِينَ فَلَوْلَا اتِّفَاقُ عَقَائِدِهِمْ عَلَى حَقِّيَّتِهِ وَأَنَّ مَفْسَدَةَ مُخَالَفَتِهِ أَكْثَرُ مِنْ الْمَفْسَدَةِ الْمُتَوَقَّعَةِ لَبَادَرُوا لِإِنْكَارِهِ نَعَمْ يَجِبُ أَنْ يَحْكُمَ عَلَى الْقَوْلِ بِأَنَّهُ لَا إجْمَاعَ إلَّا عَنْ مُسْتَنِدِ عِلْمِهِمْ بِدَلِيلٍ أَفَادَ نَسْخَ ذَلِكَ قَبْلَ وَفَاتِهِ أَوْ أَفَادَ تَقَيُّدَ الْحُكْمِ بِحَيَاتِهِ صلى الله عليه وسلم أَوْ عَلَى كَوْنِهِ حُكْمًا مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ وَقَدْ اتَّفَقَ انْتِهَاؤُهَا بَعْدَ وَفَاتِهِ أَوْ مِنْ آخِرِ عَطَاءٍ أَعْطَاهُمُوهُ حَالَ حَيَاتِهِ أَمَّا مُجَرَّدُ تَعْلِيلِهِ بِكَوْنِهِ مُعَلَّلًا انْتَهَتْ فَلَا يَصْلُحُ دَلِيلًا يُعْتَمَدُ فِي نَفْيِ الْحُكْمِ الْمُعَلَّلِ لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَرِيبٍ فِي مَسَائِلِ الْأَرْضِ مِنْ أَنَّ الْحُكْمَ لَا يَحْتَاجُ فِي بَقَائِهِ إلَى بَقَاءِ عِلَّتِهِ لِثُبُوتِ اسْتِغْنَائِهِ فِي بَقَائِهِ عَنْهَا شَرْعًا لِمَا عُلِمَ فِي الرِّقِّ وَالِاضْطِبَاعِ وَالرَّمَلِ فَلَا بُدَّ مِنْ خُصُوصِ مَحَلٍّ يَقَعُ فِيهِ الِانْتِفَاءُ عِنْدَ الِانْتِفَاءِ مِنْ دَلِيلٍ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ هَذَا الْحُكْمَ مِمَّا شُرِعَ مُقَيَّدًا ثُبُوتُهُ بِثُبُوتِهَا غَيْرَ أَنَّهُ لَا يَلْزَمُنَا تَعْيِينُهُ فِي مَحَلِّ الْإِجْمَاعِ بَلْ إنْ ظَهَرَ وَإِلَّا وَجَبَ الْحُكْمُ بِأَنَّهُ ثَابِتٌ عَلَى أَنَّ الْآيَةَ الَّتِي ذَكَرَهَا عُمَرُ رضي الله عنه تَصْلُحُ لِذَلِكَ وَهِيَ قَوْلُهُ {الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وَالْمُرَادُ بِالْعِلَّةِ فِي قَوْلِنَا حُكْمٌ مُغَيًّا بِانْتِهَاءِ عِلَّتِهِ الْعِلَّةُ الْغَائِبَةُ وَهَذَا لِأَنَّ الدَّفْعَ لِلْمُؤَلَّفَةِ هُوَ الْعِلَّةُ لِلْإِعْزَازِ إذْ يُفْعَلُ الدَّفْعُ لِيَحْصُلَ الْإِعْزَازُ فَإِنَّمَا انْتَهَى تَرَتُّبُ الْحُكْمِ الَّذِي هُوَ الْإِعْزَازُ عَلَى الدَّفْعِ الَّذِي هُوَ الْعِلَّةُ وَعَنْ هَذَا قِيلَ عَدَمُ الدَّفْعِ الْآنَ لِلْمُؤَلَّفَةِ تَقْرِيرٌ لِمَا كَانَ فِي زَمَنِهِ صلى الله عليه وسلم وَلَا نَسْخَ لِأَنَّ الْوَاجِبَ كَانَ الْإِعْزَازُ وَكَانَ بِالدَّفْعِ وَالْآنَ هُوَ فِي عَدَمِ الدَّفْعِ لَكِنْ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذَا لَا يَنْفِي النَّسْخَ لِأَنَّ إبَاحَةَ الدَّفْعِ إلَيْهِمْ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ ارْتَفَعَ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّهُ حُكْمٌ شَرْعِيٌّ هُوَ عِلَّةُ حُكْمٍ آخَرَ شَرْعِيٍّ فَنُسِخَ الْأَوَّلُ لِزَوَالِ عِلَّتِهِ. اهـ. كَمَالٌ.

(قَوْلُهُ فَيَدْفَعُ إلَى كُلِّهِمْ) أَيْ إلَى الْأَصْنَافِ الْمَذْكُورِينَ فِي قَوْلِهِ إنَّمَا الصَّدَقَاتُ إلَى آخِرِ الْآيَةِ قَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ رحمه الله وَالْعُدُولُ عَنْ اللَّازِمِ إلَى فِي فِي الْأَرْبَعَةِ الْأَخِيرَةِ لِلْإِيذَانِ بِأَنَّهُمْ أَرْسَخُ فِي اسْتِحْقَاقِ التَّصْدِيقِ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ فِي لِلْوِعَاءِ فَنَبَّهَ عَلَى أَنَّهُمْ أَحِقَّاءُ بِأَنْ تُوضَعَ فِيهِمْ الصَّدَقَاتُ وَتَكْرِيرُ فِي فِي قَوْله تَعَالَى {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فَضْلُ تَرْجِيحٍ لِهَذَيْنِ عَلَى الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ مِنْ جِهَةِ أَنَّ إعَادَةَ الْعَامِلِ تَدُلُّ عَلَى مَزِيدِ قُوَّةٍ وَتَأْكِيدٍ كَقَوْلِك مَرَرْت بِزَيْدٍ وَبِعَمْرٍو اهـ (فَائِدَةٌ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ الْفَقِيرُ الَّذِي يَسْأَلُ إلْحَافًا وَيَأْكُلُ إسْرَافًا يُؤْجَرُ عَلَى الصَّدَقَةِ عَلَيْهِ مَا لَمْ يُعْلَمْ أَنَّهُ يَصْرِفُهَا فِي مَعْصِيَةٍ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ {وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 271] أَيْ فَالْإِخْفَاءُ خَيْرٌ لَكُمْ قَالُوا الْمُرَادُ صَدَقَاتُ التَّطَوُّعِ وَالْجَهْرُ فِي الْفَرَائِضِ أَفْضَلُ لِنَفْيِ التُّهْمَةِ

ص: 299

مِلْكُهُمْ وَتَكُونُ لِلِاخْتِصَاصِ وَهُوَ أَصْلُهَا وَاسْتِعْمَالُهَا فِي الْمِلْكِ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ وَلِهَذَا لَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ غَيْرَ الِاخْتِصَاصِ وَجَعْلُهَا لِلتَّمْلِيكِ غَيْرُ مُمْكِنٍ هُنَا لِأَنَّهُمْ غَيْرُ مُعَيَّنِينَ وَلَا يُعْرَفُ مَالِكٌ غَيْرُ مُعَيَّنٍ فِي الشَّرْعِ وَكَذَا الْمَالُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ حَتَّى جَازَ لَهُ نَقْلُهُ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ الْمَالِ مِنْ جِنْسِهِ بِأَنْ يَشْتَرِيَ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَدْفَعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلِأَنَّهُ لَوْ كَانَتْ لِلْمِلْكِ لَمَا جَازَ لِرَبِّ الْمَالِ أَنْ يَطَأَ جَارِيَةً لَهُ لِلتِّجَارَةِ لِمُشَارَكَتِهِ الْفُقَرَاءَ فِيهَا وَهُوَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ لَيْسَ فِيهِ لَامٌ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَابْنِ السَّبِيلِ} [التوبة: 60] فَلَا يَصِحُّ دَعْوَى التَّمْلِيكِ وَقَوْلُهُ وَقَدْ ذَكَرَهُمْ بِلَفْظِ الْجَمْعِ إلَى آخِرِهِ لَا يَسْتَقِيمُ لِأَنَّ الْجَمْعَ الْمُحَلَّى بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ يُرَادُ بِهِ الْجِنْسُ وَيَبْطُلُ مَعْنَى الْجَمْعِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَحِلُّ لَكَ النِّسَاءُ مِنْ بَعْدُ} [الأحزاب: 52] حَتَّى حُرِّمَتْ عَلَيْهِ الْوَاحِدَةُ وَلِأَنَّ بَعْضَهُمْ ذُكِرَ بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ كَابْنِ السَّبِيلِ وَاشْتِرَاطُ الْجَمْعِ فِيهِ خِلَافُ الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ وَلَمْ يَشْتَرِطْ هُوَ فِي الْعَامِلِ أَنْ يَكُونَ جَمْعًا وَالْمَذْكُورُ فِيهِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ وَهَذَا خُلْفٌ

قَالَ رحمه الله (لَا إلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى ذِمِّيٍّ وَقَالَ زُفَرُ يَجُوزُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {لا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ} [الممتحنة: 8] الْآيَةَ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْإِسْلَامِ وَالتَّقْيِيدُ زِيَادَةٌ وَهُوَ نَسْخٌ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ وَلِهَذَا جَازَ صَرْفُ الصَّدَقَاتِ كُلِّهَا إلَيْهِمْ بِخِلَافِ الْحَرْبِيِّ الْمُسْتَأْمِنِ حَيْثُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الصَّدَقَةِ إلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ فَإِنْ قِيلَ حَدِيثُ مُعَاذٍ خَبَرُ الْوَاحِدِ فَلَا تَجُوزُ الزِّيَادَةُ بِهِ لِأَنَّهُ نُسِخَ قُلْنَا النَّصُّ مَخْصُوصٌ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ قَاتَلُوكُمْ فِي الدِّينِ} [الممتحنة: 9] الْآيَةَ وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ فُقَرَاءَ أَهْلِ الْحَرْبِ خَرَجُوا مِنْ عُمُومِ الْفُقَرَاءِ وَكَذَا أُصُولُ الْمُزَكِّي كَأَبِيهِ وَجَدِّهِ وَكَذَا فُرُوعُهُ وَزَوْجَتُهُ فَجَازَ تَخْصِيصُهُ بَعْدَ ذَلِكَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ مَعَ أَنَّ أَبَا زَيْدٍ ذَكَرَ أَنَّ حَدِيثَ مُعَاذٍ مَشْهُورٌ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ فَجَازَ التَّخْصِيصُ بِمِثْلِهِ

قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ غَيْرُهَا) أَيْ صَحَّ دَفْعُ غَيْرِ الزَّكَاةِ مِنْ الصَّدَقَاتِ إلَى الذِّمِّيِّ كَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْكَفَّارَاتِ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ صَرْفُ الزَّكَاةِ إلَيْهِ فَصَارَ كَالْحَرْبِيِّ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا لِزُفَرَ مِنْ الدَّلِيلِ وَلَوْلَا حَدِيثُ مُعَاذٍ لَقُلْنَا بِجَوَازِ صَرْفِ الزَّكَاةِ إلَى الذِّمِّيِّ، وَالْحَرْبِيُّ خَارِجٌ بِالنَّصِّ

قَالَ رحمه الله (وَبِنَاءُ مَسْجِدٍ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُبْنَى بِالزَّكَاةِ الْمَسْجِدُ لِأَنَّ التَّمْلِيكَ شَرْطٌ فِيهَا وَلَمْ يُوجَدْ وَكَذَا لَا يُبْنَى بِهَا الْقَنَاطِرُ وَالسِّقَايَاتُ وَإِصْلَاحُ الطُّرُقَاتِ وَكَرْيُ الْأَنْهَارِ وَالْحَجُّ وَالْجِهَادُ وَكُلُّ مَا لَا تَمْلِيكَ فِيهِ

قَالَ رحمه الله (وَتَكْفِينُ مَيِّتٍ وَقَضَاءُ دَيْنِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُكَفَّنَ بِهَا مَيِّتٌ وَلَا يُقْضَى بِهَا دَيْنُ الْمَيِّتِ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ أَمَّا التَّكْفِينُ فَظَاهِرٌ لِاسْتِحَالَةِ تَمْلِيكِ الْمَيِّتِ وَلِهَذَا لَوْ تَبَرَّعَ شَخْصٌ بِتَكْفِينِهِ ثُمَّ أَخْرَجَتْهُ السِّبَاعُ وَأَكَلَتْهُ يَكُونُ الْكَفَنُ لِلْمُتَبَرِّعِ بِهِ لَا لِوَارِثَةِ الْمَيِّتِ وَأَمَّا قَضَاءُ دَيْنِهِ فَلِأَنَّ قَضَاءَ دَيْنِ الْحَيِّ لَا يَقْتَضِي التَّمْلِيكَ مِنْ الْمَدْيُونِ بِدَلِيلِ أَنَّهُمَا لَوْ تَصَادَقَا أَنْ لَا دَيْنَ عَلَيْهِ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ وَلَيْسَ لِلْمَدْيُونِ أَنْ يَأْخُذَهُ وَذُكِرَ فِي الْغَايَةِ مَعْزِيًّا إلَى الْمُحِيطِ وَالْمُفِيدِ أَنَّهُ لَوْ قُضِيَ بِهَا دَيْنُ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِأَمْرِهِ جَازَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

حَتَّى إذَا كَانَ الْمُزَكِّي مِمَّنْ لَا يُعْرَفُ بِالْيَسَارِ كَانَ إخْفَاؤُهُ أَفْضَلَ وَالْمُتَطَوِّعُ إنْ أَرَادَ أَنْ يُقْتَدَى بِهِ كَانَ إظْهَارُهُ أَفْضَلَ. اهـ. مَدَارِكٌ.

(قَوْلُهُ لِمَا فِيهِ مِنْ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ لِأَنَّ كُلَّ مَالِكٍ مُخْتَصٌّ بِمِلْكِهِ (قَوْلُهُ لَمْ يَذْكُرْ الزَّمَخْشَرِيّ فِي الْمُفَصَّلِ غَيْرَ الِاخْتِصَاصِ) أَيْ لِعُمُومِهِ اهـ غَايَةٌ فَإِذَا ثَبَتَ أَنَّهَا لِلِاخْتِصَاصِ قُلْنَا اللَّامُ فِي الْآيَةِ فِي الِاخْتِصَاصِ يَعْنِي أَنَّهُمْ مُخْتَصُّونَ بِالزَّكَاةِ وَلَا تَكُونُ لِغَيْرِهِمْ كَقَوْلِك الْخِلَافَةُ لِقُرَيْشٍ وَالسِّقَايَةُ لِبَنِي هَاشِمٍ أَيْ لَا يُوجَدُ ذَلِكَ فِي غَيْرِهِمْ فَلَا يَلْزَمُ أَنْ تَكُونَ مَمْلُوكَةً لَهُمْ فَتَكُونُ اللَّامُ لِبَيَانِ مَحَلِّ صَرْفِهَا. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ دَفْعُ الزَّكَاةِ إلَى ذِمِّيٍّ) أَيْ وَكَذَا الْعُشْرُ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالتُّحْفَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ} [الممتحنة: 9] إلَى آخِرِهِ) بِالْإِجْمَاعِ ضَمِيرُ أَغْنِيَائِهِمْ يَنْصَرِفُ إلَى أَغْنِيَاءِ الْمُسْلِمِينَ فَكَذَا ضَمِيرُ فُقَرَائِهِمْ يَنْصَرِفُ إلَيْهِ وَأَلَّا يَخْتَلُّ الْكَلَامُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مَقْبُولٌ بِالْإِجْمَاعِ) أَيْ فَزِدْنَا هَذَا الْوَصْفَ بِهِ كَمَا زِدْنَا صِفَةَ التَّتَابُعِ عَلَى صَوْمِ الْكَفَّارَةِ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ) وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ هِدَايَةٌ وَفِي الْمُحِيطِ إلَّا فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَّا التَّطَوُّعُ فَإِنَّهُ يَجُوزُ إلَيْهِ بِالِاتِّفَاقِ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَفُقَرَاءُ الْمُسْلِمِينَ أَحَبُّ لِأَنَّهُ أَبْعَدُ عَنْ الْخِلَافِ وَلِأَنَّ الْمُسْلِمَ يَتَقَوَّى بِهِ عَلَى الطَّاعَةِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ وَالذِّمِّيُّ يَتَقَوَّى بِهِ فِي طَاعَةِ الشَّيْطَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا لِزُفَرَ مِنْ الدَّلِيلِ) وَهُوَ قَوْلُهُ عليه السلام تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا. اهـ. هِدَايَةٌ وَكَافِي قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله فِي الْغَايَةِ وَمَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْكِتَابِ تَصَدَّقُوا عَلَى أَهْلِ الْأَدْيَانِ كُلِّهَا لَمْ أَقِفْ عَلَيْهِ اهـ وَرَوَاهُ الْكَمَالُ رحمه الله فِي الْفَتْحِ عَنْ ابْنِ أَبِي شَيْبَةَ مُرْسَلًا مِنْ حَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ اهـ وَرَوَاهُ أَيْضًا الْوَاحِدِيُّ فِي أَسْبَابِ النُّزُولِ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ فِي قَوْله تَعَالَى {لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ} [البقرة: 272]. اهـ.

(قَوْلُهُ وَبِنَاءِ مَسْجِدٍ) أَيْ بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى قَوْلِهِ إلَى ذِمِّيٍّ. اهـ.

(قَوْلُهُ لِانْعِدَامِ رُكْنِهَا وَهُوَ التَّمْلِيكُ) أَيْ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى سَمَّاهَا صَدَقَةً وَحَقِيقَةُ تَمْلِيكِ الْمَالِ مِنْ الْفَقِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ يَسْتَرِدُّهُ الدَّافِعُ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَمَحَلُّ هَذَا أَنْ يَكُونَ بِغَيْرِ إذْنِ الْحَيِّ أَمَّا إذَا كَانَ بِإِذْنِهِ وَهُوَ فَقِيرٌ فَيَجُوزُ عَنْ الزَّكَاةِ عَلَى أَنَّهُ تَمْلِيكٌ مِنْهُ وَالدَّائِنُ يَقْبِضُهُ بِحُكْمِ النِّيَابَةِ عَنْهُ ثُمَّ يَصِيرُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ اهـ فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ أَوْ مَيِّتٌ بِأَمْرِهِ جَازَ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَمَعْلُومٌ إرَادَةُ قَيْدِ فَقْرِ الْمَدْيُونِ فَظَاهِرُ فَتَاوَى قَاضِي خَانْ يُوَافِقُهُ لَكِنَّ ظَاهِرَ إطْلَاقِ الْكِتَابِ وَكَذَا عِبَارَةُ صَاحِبِ الْخُلَاصَةِ حَيْثُ قَالَ لَوْ بَنَى مَسْجِدًا بِنِيَّةِ الزَّكَاةِ أَوْ حَجٍّ أَوْ عِتْقٍ أَوْ قَضَى دَيْنَ حَيٍّ أَوْ مَيِّتٍ بِغَيْرِ إذْنِ

ص: 300

قَالَ رحمه الله (وَشِرَاءُ قِنٍّ يُعْتَقُ) أَيْ لَا يَجُوزُ أَنْ يُشْتَرَى بِهَا عَبْدٌ فَيُعْتَقُ خِلَافًا لِمَالِكٍ رضي الله عنه وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ وَالْحِيلَةُ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِهَا عَلَى الْفَقِيرِ ثُمَّ يَأْمُرَهُ أَنْ يَفْعَلَ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ فَيَحْصُلَ لَهُ ثَوَابُ الصَّدَقَةِ وَيَحْصُلَ لِلْفَقِيرِ ثَوَابُ هَذِهِ الْقُرَبِ

قَالَ رحمه الله (وَأَصْلُهُ وَإِنْ عَلَا وَفَرْعُهُ وَإِنْ سَفَلَ وَزَوْجَتُهُ وَزَوْجُهَا وَعَبْدُهُ وَمُكَاتَبُهُ وَمُدَبَّرُهُ وَأُمُّ وَلَدِهِ) أَيْ لَا يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَى أُصُولِهِ وَهُمْ الْأَبَوَانِ وَالْأَجْدَادُ وَالْجَدَّاتُ مِنْ قِبَلِ الْأَبِ وَالْأُمِّ وَإِنْ عَلَوْا وَلَا إلَى فُرُوعِهِ وَهُمْ الْأَوْلَادُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا إلَى آخِرِ مَا ذُكِرَ لِأَنَّ بَيْنَ الْفُرُوعِ وَالْأُصُولِ اتِّصَالًا فِي الْمَنَافِعِ لِوُجُودِ الِاشْتِرَاكِ فِي الِانْتِفَاعِ بَيْنَهُمْ عَادَةً وَكَذَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ وَلِهَذَا لَوْ شَهِدَ لَهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِكَوْنِهَا شَهَادَةٌ لِنَفْسِهِ مِنْ وَجْهٍ فَلَمْ يَتَحَقَّقْ التَّمْلِيكُ عَلَى الْكَمَالِ وَبِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ لَمْ يَخْرُجْ عَنْ مِلْكِهِ فَلَمْ يُوجَدْ التَّمْلِيكُ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهَا وَلَهُ حَقٌّ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ وَكَذَا جَمِيعُ الصَّدَقَاتِ كَالْكَفَّارَاتِ وَصَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنُّذُورِ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا لِهَؤُلَاءِ لِمَا ذَكَرْنَا بِخِلَافِ خُمُسِ الرِّكَازِ حَيْثُ يَجُوزُ دَفْعُهُ إلَى أُصُولِهِ وَفُرُوعِهِ إذَا كَانُوا فُقَرَاءَ لِأَنَّهُ لَا يُشْتَرَطُ فِيهِ إلَّا الْفَقْرُ وَلِهَذَا لَوْ افْتَقَرَ هُوَ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ وَفِيمَا إذَا دَفَعَتْ الْمَرْأَةُ لِزَوْجِهَا خِلَافُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ الشَّافِعِيِّ لَهُمْ حَدِيثُ زَيْنَبَ امْرَأَةِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ «قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنَّك أَمَرْت الْيَوْمَ بِالصَّدَقَةِ وَكَانَ عِنْدِي حُلِيٌّ فَأَرَدْت أَنْ أَتَصَدَّقَ بِهِ فَزَعَمَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَنَّهُ هُوَ وَوَلَدُهُ أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَدَقَ ابْنُ مَسْعُودٍ زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ مَنْ تَصَدَّقْت عَلَيْهِمْ» . وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاتِّصَالِ بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا يُسْتَغْنَى كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَالِ الْآخَرِ عَادَةً قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَوَجَدَكَ عَائِلا فَأَغْنَى} [الضحى: 8] أَيْ بِمَالِ خَدِيجَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَإِذَا كَانَ الزَّوْجُ يُسْتَغْنَى بِمَالِهَا وَهِيَ لَا يَجِبُ عَلَيْهَا لَهُ شَيْءٌ فَمَا ظَنُّك بِالْمَرْأَةِ فَتَكُونُ كَأَنَّهَا لَمْ تُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهَا وَحَدِيثُ زَيْنَبَ كَانَ فِي صَدَقَةِ التَّطَوُّعِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ زَوْجُك وَوَلَدُك أَحَقُّ وَالْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ صَرْفُهُ إلَى الْوَلَدِ وَكَذَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لَا تَجِبُ فِي الْحُلِيِّ وَعِنْدَنَا لَا يَجِبُ كُلُّهُ وَهِيَ تَصَدَّقَتْ بِالْكُلِّ فَدَلَّ أَنَّهَا كَانَتْ تَطَوُّعًا وَرُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا «قَالَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إنِّي امْرَأَةٌ ذَاتُ صَنْعَةٍ أَبِيعُ مِنْهَا

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الْحَيِّ لَا يَجُوزُ عَدَمُ الْجَوَازِ فِي الْمَيِّتِ مُطْلَقًا أَلَا تَرَى إلَى تَخْصِيصِ الْحَيِّ فِي حُكْمِ عَدَمِ الْجَوَازِ بِعَدَمِ الْإِذْنِ وَإِطْلَاقِهِ فِي الْمَيِّتِ وَقَدْ يُوَجَّهُ بِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهِ تَمْلِيكًا لِلْمَدْيُونِ وَالتَّمْلِيكُ لَا يَقَعُ عِنْدَ أَمْرِهِ بَلْ عِنْدَ أَدَاءِ الْمَأْمُورِ وَقَبْضِ الدَّائِنِ وَحِينَئِذٍ لَمْ يَكُنْ الْمَدْيُونُ أَهْلًا لِلتَّمْلِيكِ لِمَوْتِهِ وَقَوْلُهُمْ الْمَيِّتُ يَبْقَى مِلْكُهُ فِيمَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ مِنْ جِهَازِهِ وَنَحْوِهِ حَاصِلُهُ بَقَاؤُهُ بَعْدَ ابْتِدَاءِ ثُبُوتِهِ حَالَ الْأَهْلِيَّةِ وَأَيْنَ هُوَ مِنْ حُدُوثِ مِلْكِهِ بِالتَّمْلِيكِ وَالتَّمَلُّكِ وَلَا يَسْتَلْزِمُهُ، وَعَمَّا قُلْنَا يُشْكِلُ اسْتِرْدَادَ الْمُزَكَّى عِنْدَ التَّصَادُقِ إذَا وَقَعَ بِأَمْرِ الْمَدْيُونِ لِأَنَّ بِالدَّفْعِ وَقَعَ الْمِلْكُ لِلْفَقِيرِ بِالتَّمْلِيكِ وَقَبْضُ النَّائِبِ أَعْنِي الْفَقِيرَ وَعَدَمُ الدَّيْنِ فِي الْوَاقِعِ إنَّمَا يَبْطُلُ بِهِ صَيْرُورَتَهُ قَابِضًا لِنَفْسِهِ بَعْدَ الْقَبْضِ نِيَابَةً لَا التَّمْلِيكُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ غَايَةَ الْأَمْرِ أَنْ يَكُونَ مَلَكَ فَقِيرًا عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ مَدْيُونٌ وَظُهُورُ عَدَمِهِ لَا يُؤَثِّرُ عَدَمُهُ بَعْدَ وُقُوعِهِ لِلَّهِ تَعَالَى وَإِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ مِنْ الْفَقِيرِ إذَا عَجَّلَ لَهُ الزَّكَاةَ ثُمَّ تَمَّ الْحَوْلُ وَلَمْ يَتِمَّ النِّصَابُ الْمُعَجَّلُ عَنْهُ لِزَوَالِ مِلْكِهِ بِالدَّفْعِ فَلَأَنْ لَا يَمْلِكَ الِاسْتِرْدَادَ هُنَا أَوْلَى بِخِلَافِ مَا إذَا عَجَّلَ لِلسَّاعِي وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا حَيْثُ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ لِعَدَمِ زَوَالِ الْمِلْكِ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَكَذَا مَا ذُكِرَ فِي الْخُلَاصَةِ وَالْفَتَاوَى وَلَوْ جَاءَ الْفَقِيرُ إلَى الْمَالِكِ بِدَرَاهِمَ سَتُّوقَةٍ لِيَرُدَّهَا فَقَالَ الْمَالِكُ رُدَّ الْبَاقِيَ فَإِنَّهُ ظَهَرَ أَنَّ النِّصَابَ لَمْ يَكُنْ كَامِلًا وَلَا زَكَاةَ عَلَيَّ لَيْسَ لَهُ أَنْ يَسْتَرِدَّ إلَّا بِاخْتِيَارِ الْفَقِيرِ فَيَكُونَ هِبَةً مُبْتَدَأً مِنْ الْفَقِيرِ حَتَّى لَوْ كَانَ الْفَقِيرُ صَبِيًّا لَمْ يَجُزْ أَنْ يَأْخُذَهُ مِنْهُ وَإِنْ رَضِيَ فَهُنَا أَوْلَى. اهـ.

(قَوْلُهُ وَأَوْلَادُ الْأَوْلَادِ وَإِنْ سَفَلُوا) أَيْ وَلَا أَوْلَادُ بِنْتِهِ. اهـ. غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ جَوَامِعِ الْفِقْهِ (قَوْلُهُ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ وَالنُّذُورُ) أَيْ وَجَزَاءُ قَتْلِ الصَّيْدِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِهَذَا لَوْ افْتَقَرَ هُوَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يُخْرِجَهُ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ جَازَ لَهُ أَنْ يَأْخُذَهُ) فَصَارَ الْأَصْلُ فِي الدَّفْعِ الْمُسْقِطِ كَوْنَهُ عَلَى وَجْهٍ تَنْقَطِعُ مَنْفَعَتُهُ عَنْ الدَّافِعِ ذَكَرُوا مَعْنَاهُ وَلَا بُدَّ مِنْ قَيْدٍ آخَرَ وَهُوَ مَعَ قَبْضٍ مُعْتَبَرٍ احْتِرَازًا عَمَّا لَوْ دَفَعَ لِلصَّغِيرِ الْفَقِيرِ غَيْرِ الْعَاقِلِ وَالْمَجْنُونِ فَإِنَّهُ لَا يُجْزِئُ وَإِنْ دَفَعَهَا الصَّبِيُّ إلَى أَبِيهِ قَالُوا كَمَا لَوْ وَضَعَ زَكَاتَهُ عَلَى دُكَّانٍ فَجَاءَ الْفَقِيرُ وَقَبَضَهَا لَا يَجُوزُ فَلَا بُدَّ فِي ذَلِكَ مِنْ أَنْ يُقْبِضَهَا لَهُمَا الْأَبُ أَوْ الْوَصِيُّ أَوْ مَنْ كَانَ فِي عِيَالِهِ مِنْ الْأَقَارِبِ أَوْ الْأَجَانِبِ الَّذِينَ يَعُولُونَهُ أَوْ الْمُلْتَقِطُ يَقْبِضُ لِلَّقِيطِ وَلَوْ كَانَ الصَّبِيُّ مُرَاهِقًا أَوْ يَعْقِلُ الْقَبْضَ بِأَنْ كَانَ لَا يَرْمِي وَلَا يُخْدَعُ عَنْهُ يَجُوزُ وَلَوْ وَضَعَ الزَّكَاةَ عَلَى يَدِهِ فَانْتَهَبَهَا الْفُقَرَاءُ جَازَ وَكَذَا إنْ سَقَطَ مَالُهُ مِنْ يَدِهِ فَرَفَعَهُ فَقِيرٌ فَرَضِيَ بِهِ جَازَ إنْ كَانَ يَعْرِفُهُ وَالْمَالُ قَائِمٌ وَالدَّفْعُ إلَى الْمَعْتُوهِ مُجْزِئٌ. اهـ. فَتْحٌ.

(فَائِدَةٌ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَلَا يُعْطِي لِمُبَانَتِهِ فِي الْعِدَّةِ بِوَاحِدَةٍ أَوْ ثَلَاثٍ وَلَا يُعْطِي الْوَلَدَ الْمَنْفِيَّ بِاللِّعَانِ وَلَا الْمَخْلُوقَ مِنْ مَائِهِ بِالزِّنَا وَقِيلَ فِي الْوَلَدِ الرَّقِيقِ وَالزَّوْجَةِ الرَّقِيقَةِ كَذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي فَتَاوَى رَشِيدِ الدِّينِ وَمَنْ زَنَى بِمَنْكُوحَةِ الْغَيْرِ وَجَاءَتْ بِوَلَدٍ فَدَفَعَ الزَّوْجُ زَكَاةَ مَالِهِ إلَى هَذَا الْوَلَدِ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ النَّسَبَ ثَابِتٌ مِنْ الزَّوْجِ بِالْإِجْمَاعِ وَالزَّانِي لَوْ دَفَعَ الزَّكَاةَ إلَى وَلَدِ الْمَزْنِيَّةِ وَلِلْمَزْنِيَّةِ زَوْجٌ مَعْرُوفٌ يَجُوزُ لِأَنَّ نَسَبَهُ يَثْبُتُ مِنْ النَّاكِحِ أَمَّا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلْمَزْنِيَّةِ زَوْجٌ لَا يَجُوزُ لِلزَّانِي دَفْعُ الزَّكَاةِ لِهَذَا الْوَلَدِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَجَمِيعُ الْقَرَابَاتِ غَيْرِ الْأَوْلَادِ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِمْ وَهُوَ أَوْلَى لِمَا فِيهِ مِنْ الصِّلَةِ مَعَ الصَّدَقَةِ كَالْإِخْوَةِ وَالْأَخَوَاتِ وَالْأَعْمَامِ وَالْعَمَّاتِ وَالْأَخْوَالِ وَالْخَالَاتِ وَلَوْ كَانَ بَعْضُهُمْ فِي عِيَالِهِ وَلَمْ يَفْرِضْ الْقَاضِي النَّفَقَةَ لَهُ عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا إلَيْهِ يَنْوِي الزَّكَاةَ جَازَ عَنْ

ص: 301

وَلَيْسَ لِزَوْجِي وَلَا لِوَلَدِي شَيْءٌ فَشَغَلُونِي فَلَا أَتَصَدَّقُ فَهَلْ لِي فِيهِمْ أَجْرٌ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَك فِي ذَلِكَ أَجْرَانِ أَجْرُ الصَّدَقَةِ وَأَجْرُ الصِّلَةِ» رَوَاهُ الطَّحْطَاوِيُّ عَنْ رَيْطَةَ بِنْتِ عَبْدِ اللَّهِ امْرَأَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ رَيْطَةُ هَذِهِ هِيَ زَيْنَبُ وَلَا يُعْلَمُ لَهُ امْرَأَةٌ غَيْرُهَا فِي زَمَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالصَّدَقَةُ مِنْ فَضْلِ صَنْعَتِهَا لَا تَكُونُ مِنْ الزَّكَاةِ

قَالَ رحمه الله (وَمُعْتَقُ الْبَعْضِ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى مُعْتَقِ الْبَعْضِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لِأَنَّهُ كَالْمُكَاتَبِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا إذَا أُعْتِقَ بَعْضُهُ عَتَقَ كُلُّهُ فَلَا تُتَصَوَّرُ الْمَسْأَلَةُ وَصُورَتُهُ أَنْ يُعْتِقَ مَالِكُ الْكُلِّ جُزْءًا شَائِعًا مِنْهُ أَوْ يُعْتِقَهُ شَرِيكُهُ فَيَسْتَسْعِيَهُ السَّاكِتُ فَيَكُونَ مُكَاتَبًا لَهُ أَمَّا إذَا اخْتَارَ التَّضْمِينَ أَوْ كَانَ أَجْنَبِيًّا عَنْ الْعَبْدِ جَازَ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ الزَّكَاةَ إلَيْهِ لِأَنَّهُ كَمُكَاتَبِ الْغَيْرِ

قَالَ رحمه الله (وَغَنِيٌّ بِمِلْكِ نِصَابٍ) أَيْ لَا يَدْفَعُ إلَى غَنِيٍّ بِسَبَبِ مِلْكِ نِصَابٍ وَإِنَّمَا قَالَ بِمِلْكِ نِصَابٍ لِأَنَّ الْغِنَى عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ الْأُولَى مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ وَالثَّانِيَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِمِقْدَارِ النِّصَابِ فَاضِلًا عَنْ حَوَائِجِهِ الْأَصْلِيَّةِ وَهُوَ الْمُرَادُ هُنَا لِأَنَّ حِرْمَانَ الزَّكَاةِ يَتَعَلَّقُ بِهِ وَالثَّالِثَةُ مَا يَحْرُمُ بِهِ السُّؤَالُ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ مَالِكًا لِقُوتِ يَوْمِهِ وَمَا يَسْتُرُ بِهِ عَوْرَتَهُ عِنْدَ عَامَّةِ الْعُلَمَاءِ وَكَذَا الْفَقِيرُ الْقَوِيُّ الْمُكْتَسِبُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ وَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى غَنِيِّ الْغُزَاةِ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذْ مِنْ الْفَيْءِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ إلَّا لِخَمْسَةٍ الْغَازِي فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالْعَامِلُ عَلَيْهَا وَالْغَارِمُ وَرَجُلٌ اشْتَرَى الصَّدَقَةَ بِمَالِهِ وَرَجُلٌ لَهُ جَارٌ مِسْكِينٌ تَصَدَّقَ عَلَيْهِ فَأَهْدَاهَا إلَى الْغَنِيِّ» وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُ قَسِيمَ الْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ بِقَوْلِهِ {وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة: 60] بَعْدَ ذِكْرِهِمَا فَكَانَ غَيْرُهُمَا ضَرُورَةً وَلَنَا مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ مُعَاذٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ اللَّهَ فَرَضَ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ وَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «لَا تَحِلُّ الصَّدَقَةُ لِغَنِيٍّ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَمَا رَوَيَاهُ لَمْ يَصِحَّ وَلَئِنْ صَحَّ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الْغَنِيِّ بِقُوَّةِ الْبَدَنِ أَوْ نَقُولُ قَدْ يَكُونُ غَنِيًّا مَا دَامَ مُقِيمًا ثُمَّ إذَا أَرَادَ الْخُرُوجَ إلَى الْغَزْوِ يَحْتَاجُ إلَى عِدَّةٍ مِنْ السِّلَاحِ وَغَيْرِهِ فَلَا يَكْفِيهِ مَا فِي يَدِهِ فَيَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الزَّكَاةِ لِذَلِكَ وَنَحْنُ نَقُولُ بِهِ وَالْحَدِيثُ مُؤَوَّلٌ بِالْإِجْمَاعِ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ فَإِنَّهُ لَيْسَ فِيهِ تَقْيِيدٌ بِأَنْ لَا يَكُونَ لَهُ شَيْءٌ فِي الدِّيوَانِ وَلَمْ يَأْخُذْ مِنْ الْفَيْءِ فَإِذَا حَمَلُوهُ عَلَى هَذَا حَمَلْنَاهُ عَلَى مَا قُلْنَا

قَالَ رحمه الله (وَعَبْدُهُ وَطِفْلُهُ)

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الزَّكَاةِ وَإِنْ فَرَضَهَا عَلَيْهِ فَدَفَعَهَا يَنْوِي الزَّكَاةَ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ أَدَاءُ وَاجِبٍ فِي وَاجِبٍ آخَرَ فَلَا يَجُوزُ إلَّا إذَا لَمْ يَحْتَسِبْهَا بِالنَّفَقَةِ لِتَحَقُّقِ التَّمْلِيكِ عَلَى الْكَمَالِ. اهـ. (قَوْلُهُ رَيْطَةُ) قَالَ فِي الْمُغْرِبِ فِي كِتَابِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ مَعَ الْيَاءِ التَّحْتِيَّةِ الرَّيْطَةُ كُلُّ مُلَاءَةٍ لَمْ تَكُنْ لِفْقَيْنِ أَيْ قِطْعَتَيْنِ مُتَضَامَّتَيْنِ وَقِيلَ كُلُّ ثَوْبٍ رَقِيقٍ لَيِّنٍ رَيْطَةٌ وَبِهَا سُمِّيَتْ رَيْطَةُ امْرَأَةُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَأَمَّا رَيْطَةُ فَهِيَ بِنْتُ سُفْيَانَ لَهَا صُحْبَةٌ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَغَنِيٌّ بِمِلْكِ نِصَابٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ أَيْ مِنْ أَيِّ مَالٍ كَانَ قَالَ الْكَمَالُ مِنْ فُرُوعِهَا قَوْمٌ دَفَعُوا الزَّكَاةَ إلَى مَنْ يَجْمَعُهَا لِفَقِيرٍ فَاجْتَمَعَ عِنْدَ الْآخِذِ أَكْثَرُ مِنْ مِائَتَيْنِ فَإِنْ كَانَ جَمَعَهُ لَهُ بِأَمْرِهِ قَالُوا كُلُّ مَنْ دَفَعَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ مَا فِي يَدِ الْجَابِي مِائَتَيْنِ جَازَتْ زَكَاتُهُ وَمَنْ دَفَعَ بَعْدَهُ لَا تَجُوزُ إلَّا أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَيُعْتَبَرُ هَذَا التَّفْصِيلُ فِي مِائَتَيْنِ تَفَضُّلٌ بَعْدَ دَيْنِهِ فَإِنْ كَانَ بِغَيْرِ أَمْرِهِ جَازَ الْكُلُّ مُطْلَقًا لِأَنَّ فِي الْأَوَّلِ هُوَ وَكِيلٌ عَنْ الْفَقِيرِ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ يَمْلِكُهُ وَفِي الثَّانِي وَكِيلُ الدَّافِعِينَ فَمَا اجْتَمَعَ عِنْدَهُ مِلْكُهُمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِيمَنْ أَعْطَى فَقِيرًا أَلْفًا وَلَا دَيْنَ عَلَيْهِ فَوَزْنُهَا مِائَةُ مِائَةٍ وَقَبْضُهَا كَذَلِكَ يَجْزِيهِ كُلُّ الْأَلْفِ مِنْ الزَّكَاةِ إذَا كَانَتْ كُلُّهَا حَاضِرَةً فِي الْمَجْلِسِ وَدَفْعُ كُلِّهَا فِيهِ بِمَنْزِلَةِ مَا لَوْ دَفَعَهَا جُمْلَةً وَلَوْ كَانَتْ غَائِبَةً وَاسْتَدْعَى بِهَا مِائَةَ مِائَةٍ كُلَّمَا حَضَرَتْ مِائَةٌ دَفَعَهَا إلَيْهِ لَا يَجُوزُ مِنْهَا إلَّا مِائَتَانِ وَالْبَاقِي تَطَوُّعٌ. اهـ. فَتْحٌ وَلَوْ اشْتَرَى قُوتَ سَنَةٍ يُسَاوِي نِصَابًا فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ لَا يُعَدُّ نِصَابًا وَقِيلَ إنْ كَانَ بِطَعَامِ شَهْرٍ يُسَاوِي نِصَابًا جَازَ الصَّرْفُ إلَيْهِ إلَّا إنْ زَادَ وَلَوْ كَانَ لَهُ كِسْوَةُ الشِّتَاءِ وَلَا يَحْتَاجُ إلَيْهَا فِي الصَّيْفِ جَازَ الصَّرْفُ وَيُعْتَبَرُ مِنْ الزَّارِعِ مَا زَادَ عَلَى ثَوْرَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ.

قَوْلُهُ أَيْ مِنْ أَيِّ مَالٍ يَعْنِي سَوَاءً كَانَ دَرَاهِمَ أَوْ دَنَانِيرَ أَوْ سَوَائِمَ أَوْ عُرُوضًا لِلتِّجَارَةِ أَوْ لِغَيْرِ التِّجَارَةِ لَكِنَّهُ فَاضِلٌ عَنْ حَاجَتِهِ فِي جَمِيعِ السَّنَةِ. اهـ. زَاهِدِيٌّ وَعَلَى هَذَا فَمَا فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَلَوْ مَلَكَ خَمْسًا مِنْ الْإِبِلِ لَا تُسَاوِي مِائَتَيْ دِرْهَمٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الزَّكَاةُ فِي الْإِبِلِ وَتَحِلُّ لَهُ الصَّدَقَةُ إنْ لَمْ يُؤَوَّلْ مُشْكِلٌ اهـ (فَرْعٌ) لَهُ دَيْنٌ مُؤَجَّلٌ حَلَّ لَهُ الْأَخْذُ مِقْدَارَ الْكِفَايَةِ وَفِي الْحَاوِي دَفْعُ زَكَاتِهِ إلَى فَقِيرٍ وَاحِدٍ أَفْضَلُ مِنْ تَفْرِيقِهِ عَلَى جَمَاعَةٍ لِحُصُولِ الْغِنَى لِلْوَاحِدِ دُونَ الْجَمَاعَةِ وَفِي قَاضِي خَانْ إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَصَدَّقَ بِدِرْهَمٍ فَالصَّدَقَةُ بِهِ عَلَى وَاحِدٍ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَشْتَرِيَ بِهِ فُلُوسًا وَيَتَصَدَّقُ بِهَا عَلَى جَمَاعَةٍ مِنْ الْفُقَرَاءِ. اهـ. غَايَةٌ.

وَالتَّصَدُّقُ عَلَى الْفَقِيرِ الْعَالِمِ أَفْضَلُ مِنْ التَّصَدُّقِ عَلَى الْجَاهِلِ وَعَنْ أَبِي حَفْصٍ الدَّفْعُ إلَى مَدْيُونٍ لِيَقْضِيَ دَيْنَهُ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ الْفَقِيرِ وَالدَّفْعُ إلَى الْوَاحِدِ أَفْضَلُ إذَا لَمْ يَكُنْ الْمَدْفُوعُ نِصَابًا. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ الزَّكَاةِ) أَيْ عَلَى مَالِكِهِ وَهُوَ النَّامِي خِلْقَةً أَوْ إعْدَادًا وَهُوَ سَالِمٌ مِنْ الدَّيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالثَّانِيَةُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهِ وُجُوبُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَحُرْمَةُ وَضْعِ الزَّكَاةِ فِيهِ وَوُجُوبُ نَفَقَةِ الْأَقَارِبِ اهـ خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ يَحْرُمُ عَلَيْهِ السُّؤَالُ) وَعَلَيْهِ الْعَامَّةُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا مَلَكَ خَمْسِينَ دِرْهَمًا لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ. اهـ. بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَلَيْسَ عَلَى ظَاهِرِهِ) كَذَا فِي نُسْخَةِ شَيْخِنَا وَعِبَارَةُ الْمُصَنِّفِ وَلَيْسَ كَظَاهِرِهِ. اهـ.

ص: 302

أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ وَوَلَدِهِ الصَّغِيرِ أَمَّا الْعَبْدُ فَلِأَنَّ الْمِلْكَ وَاقِعٌ لِلْمَوْلَى إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِرَقَبَتِهِ وَكَسْبِهِ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ يُحِيطُ بِهِمَا جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ خِلَافًا لَهُمَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمَوْلَى يَمْلِكُ أَكْسَابَهُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ وَلَا يَمْلِكُ فَصَارَ كَالْمُكَاتَبِ وَفِي الذَّخِيرَةِ إذَا كَانَ الْعَبْدُ زَمِنًا وَلَيْسَ فِي عِيَالِ مَوْلَاهُ وَلَا يَجِدُ شَيْئًا يَجُوزُ وَكَذَا إذَا كَانَ مَوْلَاهُ غَائِبًا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَأَمَّا وَلَدُهُ الصَّغِيرُ فَلِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ كَبِيرًا لِأَنَّهُ لَا يُعَدُّ غَنِيًّا بِمَالِ أَبِيهِ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الذَّكَرِ وَالْأُنْثَى وَبَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي عِيَالِ الْأَبِ أَوْ لَمْ يَكُنْ فِي الصَّحِيحِ وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ لِأَنَّهَا لَا تُعَدُّ غَنِيَّةً بِيَسَارِ الزَّوْجِ وَبِقَدْرِ النَّفَقَةِ لَا تَصِيرُ مُوسِرَةً

قَالَ رحمه الله (أَوْ هَاشِمِيٌّ) أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى بَنِي هَاشِمٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ هَذِهِ الصَّدَقَاتِ إنَّمَا أَوْسَاخُ النَّاسِ وَإِنَّهَا لَا تَحِلُّ لِمُحَمَّدٍ وَلَا لِآلِ مُحَمَّدٍ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «نَحْنُ أَهْلُ بَيْتٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَطْلَقَ الْهَاشِمِيُّ هُنَا وَفَسَّرَهُمْ الْقُدُورِيُّ فَقَالَ هُمْ آلُ عَلِيٍّ وَآلُ عَبَّاسٍ وَآلُ جَعْفَرٍ وَآلُ عَقِيلٍ وَآلُ الْحَارِثِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَفَائِدَةُ تَخْصِيصِهِمْ بِالذِّكْرِ جَوَازُ الدَّفْعِ إلَى بَعْضِ بَنِي هَاشِمٍ وَهُمْ بَنُو أَبِي لَهَبٍ لِأَنَّ حُرْمَةَ الصَّدَقَةِ كَرَامَةٌ لَهُمْ اسْتَحَقُّوهَا بِنَصْرِهِمْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَالْإِسْلَامِ ثُمَّ سَرَى ذَلِكَ إلَى أَوْلَادِهِمْ وَأَبُو لَهَبٍ آذَى النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام وَبَالَغَ فِي أَذِيَّتِهِ فَاسْتَحَقَّ الْإِهَانَةَ قَالَ أَبُو نَصْرٍ الْبَغْدَادِيُّ وَمَا عَدَا الْمَذْكُورِينَ لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ الزَّكَاةُ قَالَ رحمه الله (وَمَوَالِيهِمْ) أَيْ لَا يَحِلُّ دَفْعُهَا إلَى مَوَالِيهِمْ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام بَعَثَ رَجُلًا مِنْ بَنِي مَخْزُومٍ عَلَى الصَّدَقَةِ فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي رَافِعٍ مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم اصْحَبْنِي كَيْمَا تُصِيبَ مِنْهَا فَقَالَ لَا حَتَّى أَسْأَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَانْطَلَقَ فَسَأَلَهُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام إنَّ الصَّدَقَةَ لَا تَحِلُّ لَنَا وَإِنَّ مَوْلَى الْقَوْمِ مِنْ أَنْفُسِهِمْ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَصَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ وَكَذَا الْوَقْفُ لَا يَحِلُّ لَهُمْ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ سَمُّوا فِي الْوَقْفِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَإِنْ لَمْ يُسَمُّوا لَا يَجُوزُ فَجَعَلَهُمْ عَلَى مِثَالِ الْغَنِيِّ وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَى الْهَاشِمِيِّ فِي زَمَانِهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْهَاشِمِيَّ يَجُوزُ لَهُ أَنْ يَدْفَعَ زَكَاتَهُ إلَى الْهَاشِمِيِّ

قَالَ رحمه الله

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ أَيْ لَا يَجُوزُ دَفْعُهَا إلَى عَبْدِ الْغَنِيِّ) أَيْ وَمُدَبَّرِهِ وَأُمِّ وَلَدِهِ اهـ غَايَةٌ بِخِلَافِ مُكَاتَبِهِ فَإِنَّهُ مَصْرِفٌ بِالنَّصِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ جَازَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَإِلَى عَبْدِ نَفْسِهِ لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ) إلَى قَوْلِهِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله فِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّهُ لَا يَنْتَفِي وُقُوعُ ذَلِكَ الْمِلْكِ لِمَوْلَاهُ بِهَذَا الْعَارِضِ وَهُوَ الْمَانِعُ وَغَايَةُ مَا فِي هَذَا وُجُوبُ كِفَايَتِهِ عَلَى السَّيِّدِ وَتَأْثِيمُهُ بِتَرْكِهِ وَاسْتِحْبَابُ الصَّدَقَةِ النَّافِلَةِ عَلَيْهِ وَقَدْ يُجَابُ بِأَنَّهُ عِنْدَ غَيْبَةِ مَوْلَاهُ الْغَنِيِّ وَعَدَمِ قُدْرَتِهِ عَلَى الْكَسْبِ لَا يَنْزِلُ عَنْ ابْنِ السَّبِيلِ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي شَرْحِ بَكْرٍ لَا يَجُوزُ وَضْعُ الْعُشْرِ فِيمَنْ لَا يَجُوزُ إعْطَاؤُهُ الزَّكَاةَ اهـ (قَوْلُهُ فَلِأَنَّهُ يُعَدُّ غَنِيًّا بِيَسَارِ أَبِيهِ) وَفِي قُنْيَةٌ الْمُنْيَةِ إنْ لَمْ يَكُنْ لِلصَّغِيرِ أَبٌ وَلَهُ أُمٌّ غَنِيَّةٌ يَجُوزُ الدَّفْعُ إلَيْهِ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَتْ نَفَقَتُهُ عَلَيْهِ إلَخْ) إنْ كَانَ زَمِنًا أَوْ أَعْمَى وَنَحْوَهُ بِخِلَافِ بِنْتِ الْغَنِيِّ الْكَبِيرَةِ فَإِنَّهَا تَسْتَوْجِبُ النَّفَقَةَ عَلَى الْأَبِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا هَذِهِ الْأَعْذَارُ وَتُصْرَفُ الزَّكَاةُ إلَيْهَا لِمَا ذُكِرَ فِي الِابْنِ الْكَبِيرِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَبِخِلَافِ امْرَأَةِ الْغَنِيِّ إلَخْ) هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَسَوَاءٌ فَرَضَ لَهَا النَّفَقَةَ أَوْ لَا وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَجْزِيهِ لِأَنَّهَا مَكْفِيَّةٌ لِمَا يَسْتَوْجِبُهُ عَلَى الْغَنِيِّ فَالصَّرْفُ لَهَا كَالصَّرْفِ إلَى ابْنِ الْغَنِيِّ وَجْهُ الظَّاهِرِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالْفَرْقُ أَنَّ اسْتِحْبَابَهَا النَّفَقَةَ بِمَنْزِلَةِ الْأُجْرَةِ بِخِلَافِ وُجُوبِ نَفَقَةِ الْوَلَدِ الصَّغِيرِ لِأَنَّهُ مُسَبَّبٌ عَنْ الْجُزْئِيَّةِ فَكَانَ كَنَفَقَةِ نَفْسِهِ فَالدَّفْعُ إلَيْهِ كَالدَّفْعِ إلَى نَفْسِ الْغَنِيِّ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ إلَخْ) السِّرُّ فِي تَحْرِيمِ الصَّدَقَةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ وُجُوهٍ أَحَدُهَا دَفْعُ التُّهْمَةِ لِأَنَّهُ أَمَرَ بِهَا ثَانِيهَا أَنَّهَا طَهُورٌ لِلْمُتَصَدِّقِينَ مِنْ الذُّنُوبِ فَلَا يَلِيقُ بِذِي الشَّرَفِ الْعَظِيمِ أَنْ يَأْخُذَهَا لِكَوْنِهَا فِي مُقَابَلَةِ ذَنْبٍ أَوْ نَقِيصَةٍ ثَالِثُهَا أَنَّهَا أَوْسَاخُ النَّاسِ فَلَا يَلِيقُ أَيْضًا بِهِ أَخْذُهَا وَهَذَا أَقْوَاهَا رَابِعُهَا أَنَّ يَدَ الْمُعْطِي أَعْلَى فَلَمْ يُرِدْ اللَّهُ عز وجل أَنْ يَجْعَلَ فَوْقَ نَبِيِّهِ صلى الله عليه وسلم يَدًا وَلِهَذَا أَبَاحَ لَهُ الْغَنَائِمَ مِنْ الْأَنْفَالِ وَخُمُسَ الْخُمُسِ مِنْ الْفَيْءِ لِأَنَّهَا مَأْخُوذَةٌ بِالسَّيْفِ قَهْرًا. اهـ. ابْنُ دِحْيَةَ (فَرْعٌ) ذَكَرَ أَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ أَنَّ الْفُقَهَاءَ كَافَّةً اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَهُ عليه الصلاة والسلام لَا يَدْخُلْنَ فِي آلِهِ الَّذِينَ حُرِّمَتْ عَلَيْهِمْ الصَّدَقَةُ وَفِي الْمُغْنِي عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ إنَّا آلَ مُحَمَّدٍ لَا تَحِلُّ لَنَا الصَّدَقَةُ قَالَ صَاحِبُ الْمُغْنِي فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى تَحْرِيمِهَا عَلَى أَزْوَاجِهِ عليه الصلاة والسلام. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ الرَّجُلُ لِأَبِي رَافِعٍ) وَاسْمُهُ إبْرَاهِيمُ وَقِيلَ أَسْلَمُ وَقِيلَ ثَابِتٌ وَقِيلَ هُرْمُزُ ذَكَرَهُ الْمُنْذِرِيُّ كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَأَبُو رَافِعٍ هَذَا اسْمُهُ أَسْلَمُ وَاسْمُ ابْنِهِ عُبَيْدُ اللَّهِ وَهُوَ كَاتِبُ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ أَصْحَابِنَا يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ) عَلَيْهِ مَشْي الشَّيْخُ أَبُو نَصْرٍ حَيْثُ قَالَ كُلُّ صَدَقَةٍ وَاجِبَةٍ تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ وَلَا تَحْرُمُ عَلَيْهِمْ صَدَقَةُ النَّفْلِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَرَوَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ جَوَازَ دَفْعِ الزَّكَاةِ إلَخْ) قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ هَذِهِ الرِّوَايَةُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَيْسَتْ بِالْمَشْهُورَةِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي شَرْحِ الْآثَارِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بَأْسَ بِالصَّدَقَاتِ كُلِّهَا عَلَى بَنِي هَاشِمٍ وَالْحُرْمَةُ لِلْعِوَضِ وَهُوَ خُمُسُ الْخُمُسِ فَلَمَّا سَقَطَ ذَلِكَ بِمَوْتِهِ عليه الصلاة والسلام حَلَّتْ لَهُمْ الصَّدَقَةُ قَالَ الطَّحْطَاوِيُّ وَبِهِ نَأْخُذُ وَفِي النَّتْفِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَى بَنِي هَاشِمٍ فِي قَوْلِهِ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. كَاكِيٌّ

ص: 303

(وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ مَوْلَاهُ أَوْ كَافِرٌ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ خَطَأَهُ قَدْ ظَهَرَ بِيَقِينٍ فَصَارَ كَمَا إذَا تَوَضَّأَ بِمَاءٍ أَوْ صَلَّى فِي ثَوْبٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُ كَانَ نَجِسًا أَوْ قَضَى الْقَاضِي بِاجْتِهَادٍ ثُمَّ ظَهَرَ لَهُ نَصٌّ بِخِلَافِهِ أَوْ كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَدَفَعَهُ إلَى غَيْرِ مُسْتَحِقِّهِ بِالِاجْتِهَادِ وَلَهُمَا مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ عَنْ مَعْنِ بْنِ يَزِيدَ أَنَّهُ قَالَ كَانَ أَبِي يَزِيدُ أَخْرَجَ دَنَانِيرَ يَتَصَدَّقُ بِهَا فَوَضَعَهَا عِنْدَ رَجُلٍ فِي الْمَسْجِدِ فَجِئْت فَأَخَذْتهَا فَأَتَيْته بِهَا فَقَالَ وَاَللَّهِ مَا إيَّاكَ أَرَدْت فَخَاصَمْته إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَك مَا نَوَيْت يَا يَزِيدُ وَلَك مَا أَخَذْت يَا مَعْنُ فَإِنْ قِيلَ يُحْتَمَلُ أَنَّهُ كَانَ تَطَوُّعًا قُلْنَا كَلِمَةُ مَا فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لَك مَا نَوَيْت عَامَّةٌ وَلِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ بِالِاجْتِهَادِ دُونَ الْقَطْعِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ عَلَى مَا يَقَعُ عِنْدَهُ كَمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ. وَلَوْ أَمَرْنَاهُ بِالْإِعَادَةِ لَكَانَ مُجْتَهِدًا فِيهِ أَيْضًا فَلَا فَائِدَةَ فِيهِ بِخِلَافِ الْأَشْيَاءِ الَّتِي اسْتَدَلَّ بِهَا لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَيْهَا حَقِيقَةً وَفِي قَوْلِهِ دَفَعَ بِتَحَرٍّ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا دَفَعَ بِغَيْرِ تَحَرٍّ وَأَخْطَأَ لَا يُجْزِئُهُ فَحَاصِلُهُ أَنَّا نَقُولُ إنَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ تَنْقَسِمُ إلَى ثَلَاثَةِ أَقْسَامٍ الْأَوَّلُ أَنَّهُ إذَا تَحَرَّى وَغَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ فَهُوَ جَائِزٌ أَصَابَ أَوْ أَخْطَأَ عِنْدَهُمَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ فِيمَا إذَا تَبَيَّنَ خَطَؤُهُ وَالثَّانِي أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا وَلَمْ يَخْطِرْ بِبَالِهِ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَمْ لَا فَهُوَ عَلَى الْجَوَازِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ مَصْرِفٍ وَالثَّالِثُ أَنَّهُ إذَا دَفَعَهَا إلَيْهِ وَهُوَ شَاكٌّ وَلَمْ يَتَحَرَّ أَوْ تَحَرَّ وَلَمْ يَظْهَرْ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ أَوْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ فَهُوَ عَلَى الْفَسَادِ إلَّا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ مَصْرِفٌ وَظَنَّ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ إذَا صَرَفَ إلَيْهِ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهُ لَيْسَ بِمَصْرِفٍ ثُمَّ تَبَيَّنَ لَهُ أَنَّهُ مَصْرِفٌ لَا يَجْزِيهِ عِنْدَهُمَا قِيَاسًا عَلَى الصَّلَاةِ فِيمَا إذَا اشْتَبَهَتْ عَلَيْهِ الْقِبْلَةُ فَتَحَرَّى وَصَلَّى إلَى جِهَةٍ وَفِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِقِبْلَةٍ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا وَلَوْ أَصَابَ الْقِبْلَةَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ الْقِبْلَةَ. وَالْفَرْقُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَلَوْ دَفَعَ بِتَحَرٍّ فَبَانَ أَنَّهُ غَنِيٌّ أَوْ هَاشِمِيٌّ أَوْ كَافِرٌ) أَيْ ذِمِّيٌّ. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ حَرْبِيٌّ جَوَازُهُ فِي كِتَابِ الزَّكَاةِ مِنْ الْأَصْلِ وَتَأْوِيلُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ مُسْتَأْمِنًا فِي دِيَارِنَا وَذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي جَامِعِ الْبَرَامِكَةِ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ إذْ التَّصَدُّقُ عَلَى الْحَرْبِيِّ لَيْسَ بِقُرْبَةٍ أَصْلًا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ التَّطَوُّعُ لَهُ وَفِي التُّحْفَةِ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ حَرْبِيًّا أَوْ مُسْتَأْمِنًا لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَدْ ذَكَرْت أَنَّهَا عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ.

(تَتِمَّةٌ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله بَعْدَ أَنْ سَاقَ الْأَحَادِيثَ الدَّالَّةَ عَلَى عَدَمِ جَوَازِ الدَّفْعِ لِبَنِي هَاشِمٍ ثُمَّ لَا يَخْفَى أَنَّ هَذِهِ الْعُمُومَاتِ تَنْتَظِمُ الصَّدَقَةَ النَّافِلَةَ وَالْوَاجِبَةَ فَجَرَوْا عَلَى مُوجِبِ ذَلِكَ فِي الْوَاجِبَةِ فَقَالُوا لَا يَجُوزُ صَرْفُ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَعُشْرِ الْأَرْضِ وَغَلَّةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ فِي غَلَّةِ الْوَقْفِ إذَا كَانَ الْوَقْفُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّهُ حِينَئِذٍ بِمَنْزِلَةِ الْوَقْفِ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ فَإِنْ كَانَ عَلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يُسَمِّ بَنِي هَاشِمٍ لَا يَجُوزُ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ فِي مَنْعِ صَدَقَةِ الْأَوْقَاتِ لَهُمْ وَعَلَى الْأَوَّلِ إذَا وَقَفَ عَلَى الْأَغْنِيَاءِ يَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ وَأَمَّا الصَّدَقَةُ النَّافِلَةُ فَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَيَجُوزُ النَّفَلُ بِالْإِجْمَاعِ وَكَذَا يَجُوزُ النَّفَلُ لِلْغَنِيِّ كَذَا فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ اهـ وَصَرَّحَ فِي الْكَافِي بِدَفْعِ صَدَقَةِ الْوَقْفِ إلَيْهِمْ عَلَى أَنَّهُ بَيَانُ الْمَذْهَبِ مِنْ غَيْرِ نَقْلٍ خِلَافٌ فَقَالَ وَأَمَّا التَّطَوُّعُ وَالْوَقْفُ فَيَجُوزُ الصَّرْفُ إلَيْهِمْ لِأَنَّ الْمُؤَدَّى فِي الْوَاجِبِ يُطَهِّرُ نَفْسَهُ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ فَيَتَدَنَّسُ الْمُؤَدَّى كَالْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَفِي النَّفْلِ مُتَبَرِّعٌ بِمَا لَيْسَ عَلَيْهِ فَلَا يَتَدَنَّسُ بِهِ الْمُؤَدَّى كَمَنْ تَبَرَّدَ بِالْمَاءِ اهـ.

وَالْحَقُّ الَّذِي يَقْتَضِيهِ النَّظَرُ إجْرَاءُ صَدَقَةِ الْوَقْفِ مَجْرَى النَّافِلَةِ فَإِنْ ثَبَتَ فِي النَّافِلَةِ جَوَازُ الدَّفْعِ يَجِبُ دَفْعُ الْوَقْفِ وَإِلَّا فَلَا إذْ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الْوَاقِفَ مُتَبَرِّعٌ بِتَصَدُّقِهِ بِالْوَقْفِ إذْ لَا إيقَافَ وَاجِبٌ وَكَأَنَّ مَنْشَأَ الْغَلَطِ وُجُوبُ دَفْعِهَا عَلَى النَّاظِرِ وَبِذَلِكَ لَمْ تَصِرْ صَدَقَةً وَاجِبَةً عَلَى الْمَالِكِ بَلْ غَايَةُ الْأَمْرِ أَنَّ وُجُوبَ اتِّبَاعِ شَرْطِ الْوَاقِفِ عَلَى النَّاظِرِ فَوُجُوبُ الْأَدَاءِ هُوَ نَفْسُ هَذَا الْوُجُوبِ فَلْنَتَكَلَّمْ فِي النَّافِلَةِ ثُمَّ يُعْطَى مِثْلُ حُكْمِهِ لِلْوَقْفِ فَفِي شَرْحِ الْكَنْزِ لَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدَقَةِ الْوَاجِبَةِ وَالتَّطَوُّعِ ثُمَّ قَالَ وَقَالَ بَعْضٌ يَحِلُّ لَهُمْ التَّطَوُّعُ اهـ فَقَدْ أَثْبَتَ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ يُشْعِرُ بِتَرْجِيحِ حُرْمَةِ النَّافِلَةِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْعُمُومَاتِ فَوَجَبَ اعْتِبَارُهُ فَلَا تُدْفَعُ إلَيْهِمْ النَّافِلَةُ إلَّا عَلَى وَجْهِ الْهِبَةِ مَعَ الْأَدَبِ وَخَفْضِ الْجَنَاحِ تَكْرِمَةً لِأَهْلِ بَيْتِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَقْرَبُ الْأَشْيَاءِ إلَيْك لَحْمُ بَرِيرَةَ الَّذِي تُصُدِّقَ بِهِ عَلَيْهَا لَمْ يَأْكُلْهُ حَتَّى اعْتَبَرَهُ هَدِيَّةً فَقَالَ هُوَ لَهَا صَدَقَةٌ وَلَنَا مِنْهَا هَدِيَّةٌ وَالظَّاهِرُ أَنَّهَا كَانَتْ صَدَقَةً نَافِلَةً وَأَيْضًا لَا تَخْصِيصَ لِلْعُمُومَاتِ إلَّا بِدَلِيلٍ.

وَالْقِيَاسُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ لَا يُخَصُّ بِهِ ابْتِدَاءً بَلْ بَعْدَ إخْرَاجِ شَيْءٍ بِسَمْعِيٍّ سَلَّمْنَاهُ لَكِنْ لَا يَتِمُّ فِي الْقِيَاسِ الْمَقْصُودِ وَغَيْرِ الْمَقْصُودِ اهـ وَتَمَامُ الْكَلَامِ فِي الْفَتْحِ فَلْيَنْظُرْ ثَمَّةَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ (قَوْلُهُ أَوْ أَبُوهُ أَوْ ابْنُهُ صَحَّ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَصِحُّ أَيْ وَلَكِنْ لَا يَسْتَرِدُّ مَا أَدَّاهُ وَهَلْ يَطِيبُ لِلْقَابِضِ إذَا ظَهَرَ الْحَالُ لَا رِوَايَةَ فِيهِ وَاخْتُلِفَ فِيهِ وَعَلَى الْقَوْلِ بِأَنْ لَا يَطِيبَ يَتَصَدَّقُ بِهَا وَقِيلَ يَرُدُّهُ عَلَى الْمُعْطِي عَلَى وَجْهِ التَّمْلِيكِ مِنْهُ لِيُعِيدَ الْأَدَاءَ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ يَتَصَدَّقُ بِهَا أَيْ لِأَنَّهُ مِلْكٌ خَبِيثٌ. اهـ. دِرَايَةٌ وَفِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ لَوْ أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ لِلْفُقَرَاءِ فَأَعْطَاهُمْ الْوَصِيُّ ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ أَغْنِيَاءٌ لَمْ يَجُزْ وَهُوَ ضَامِنٌ بِالْإِنْفَاقِ لِأَنَّ الزَّكَاةَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَاعْتُبِرَ فِيهَا التَّوَسُّعُ وَالْوَصِيَّةُ حَقُّ الْعِبَادَةِ فَاعْتُبِرَ فِيهَا الْحَقِيقَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ إذَا أَتْلَفَ شَيْئًا ضَمِنَ وَلَا يَأْثَمُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا كَلِمَةُ مَا فِي قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لَك مَا نَوَيْت عَامَّةٌ) أَيْ فِي الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَلَا يَخْتَصُّ عُمُومُهَا عِنْدَنَا بِالشَّرْطِيَّةِ وَالِاسْتِفْهَامِيَّة ثُمَّ لَوْ اخْتَلَفَ الْحُكْمُ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ لَاسْتَفْصَلَ فَلِمَا عَمَّا وَأَطْلَقَ عَلِمْنَا أَنَّهُ لَا يَخْتَلِفُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهَا لَا تَجُوزُ عِنْدَهُمَا) قَوْلُهُ عِنْدَهُمَا لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ إذَا أَصَابَ وَأَلْحَقَ الِاتِّفَاقَ عَلَى الْجَوَازِ مَعْنًى اهـ فَتْحٌ

ص: 304

لَهُمَا عَلَى الصَّحِيحِ أَنَّ صَلَاةَ الْفَرْضِ لِغَيْرِ الْقِبْلَةِ لَا تَكُونُ صَلَاةً وَلَا طَاعَةً وَإِنَّمَا هِيَ مَعْصِيَةٌ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْشَى عَلَيْهِ يَعْنِي الْكُفْرَ، وَالْمَعْصِيَةُ لَا تَنْقَلِبُ طَاعَةً وَدَفْعُ الْمَالِ إلَى غَيْرِ الْفَقِيرِ قُرْبَةٌ يُثَابُ عَلَيْهَا فَإِذَا أَصَابَ صَحَّ وَنَابَ عَنْ الْوَاجِبِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ فِي غَيْرِ الْغَنِيِّ أَنَّهُ لَا يُجْزِئُهُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَيْهِ فِي الْجُمْلَةِ مُمْكِنٌ فَلَا يُعْذَرُ بِخِلَافِ الْغَنِيِّ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْغَنِيِّ مُتَعَذِّرٌ فَيُعْذَرُ وَالظَّاهِرُ هُوَ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الْوُقُوفَ عَلَى هَذِهِ الْأَشْيَاءِ مُتَعَسِّرٌ وَلَوْ كُلِّفَ الْوُقُوفَ عَلَى حَقِيقَةِ الْأَمْرِ لَحُرِجَ وَهُوَ مَدْفُوعٌ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ عَبْدُهُ أَوْ مُكَاتَبُهُ لَا) أَيْ لَوْ تَبَيَّنَ أَنَّ الْمَدْفُوعَ إلَيْهِ عَبْدُ الدَّافِعِ أَوْ مُكَاتَبَهُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّهُ بِالدَّفْعِ إلَى عَبْدِهِ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ فَلَمْ يَتِمَّ التَّمْلِيكُ

قَالَ رحمه الله (وَكُرِهَ الْإِغْنَاءُ) أَيْ يُكْرَهُ أَنْ يُغْنِيَ بِهَا إنْسَانًا بِأَنْ يُعْطِيَ لِوَاحِدٍ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ فَصَاعِدًا وَهُوَ جَائِزٌ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِأَنَّ الْغِنَى قَارَنَ الْأَدَاءَ لِأَنَّ الْغِنَى حُكْمُهُ وَالْحُكْمُ مَعَ الْعِلَّةِ يَقْتَرِنَانِ فَحَصَلَ الْأَدَاءُ إلَى الْغَنِيِّ وَلَنَا أَنَّ الْأَدَاءَ يُلَاقِي الْفَقْرَ لِأَنَّ الزَّكَاةَ إنَّمَا تُتِمُّ التَّمْلِيكَ وَحَالَةُ التَّمْلِيكِ الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ فَقِيرٌ وَإِنَّمَا يَصِيرُ غَنِيًّا بَعْدَ تَمَامِ التَّمْلِيكِ فَيَتَأَخَّرُ الْغَنِيُّ عَنْ التَّمْلِيكِ ضَرُورَةً وَلِأَنَّ حُكْمَ الشَّيْءِ لَا يَصْلُحُ مَانِعًا لَهُ لِأَنَّ الْمَانِعَ مَا يَسْبِقُهُ لَا مَا يَلْحَقُهُ وَلَوْ كَانَ مَانِعًا لَهُ لَمَا صَحَّ إيقَاعُ الطَّلَاقِ الثَّلَاثِ دَفْعَةً وَاحِدَةً لِأَنَّهَا بِالْإِيقَاعِ تَصِيرُ أَجْنَبِيَّةً وَكَذَا الْإِعْتَاقُ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِأَنَّهُ جَاوَرَ الْمُفْسِدَ فَصَارَ كَمَنْ صَلَّى وَبِقُرْبِهِ نَجَاسَةٌ قَالُوا إنَّمَا يُكْرَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ دَيْنٌ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ وَأَمَّا إذَا كَانَ عَلَيْهِ دَيْنٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطِيَهُ قَدْرَ مَا يَقْضِي بِهِ دَيْنَهُ وَزِيَادَةً دُونَ مِائَتَيْنِ لِأَنَّ قَدْرَ ذَلِكَ لَا يَمْنَعُ الدَّفْعَ وَإِنْ كَانَ فِي مِلْكِهِ وَإِنْ كَانَ لَهُ عِيَالٌ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يُعْطَى قَدْرَ مَا لَوْ فَرَّقَ عَلَيْهِمْ يُصِيبُ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ دُونَ مِائَتَيْ دِرْهَمٍ

قَالَ رحمه الله (وَنُدِبَ عَنْ السُّؤَالِ) أَيْ نُدِبَ الْإِغْنَاءُ عَنْ السُّؤَالِ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أَغْنَوْهُمْ عَنْ الْمَسْأَلَةِ فِي مِثْلِ هَذَا الْيَوْمِ» وَالسُّؤَالُ ذُلٌّ فَكَانَ فِيهِ صِيَانَةُ الْمُسْلِمِ عَنْ الْوُقُوعِ فِيهِ وَأَدَاءُ الزَّكَاةِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُجَاوِزَ الْمَانِعَ وَهُوَ الْغِنَى الْمُطْلَقُ فَكَانَ أَوْلَى

قَالَ رحمه الله (وَكُرِهَ نَقْلُهَا إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَأَحْوَجَ) أَيْ كُرِهَ نَقْلُ الزَّكَاةِ إلَى بَلَدٍ آخَرَ لِغَيْرِ قَرِيبٍ وَلِغَيْرِ كَوْنِهِمْ أَحْوَجَ فَإِنْ نَقَلَهَا إلَى قَرَابَتِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ إلَيْهَا أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَا يُكْرَهُ فَأَمَّا كَرَاهِيَةُ النَّقْلِ لِغَيْرِ هَذَيْنِ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِمُعَاذٍ حِينَ بَعَثَهُ إلَى الْيَمَنِ «أَعْلِمْهُمْ أَنَّ عَلَيْهِمْ صَدَقَةً تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتَرُدُّ فِي فُقَرَائِهِمْ» وَلِأَنَّ فِيهِ رِعَايَةَ حَقِّ الْجِوَارِ فَكَانَ أَوْلَى وَأَمَّا عَدَمُ كَرَاهِيَةِ نَقْلِهَا إلَى أَقَارِبِهِ أَوْ إلَى قَوْمٍ هُمْ أَحْوَجُ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ فَلِقَوْلِ مُعَاذٍ لِأَهْلِ الْيَمَنِ ائْتُونِي بِعَرْضِ ثِيَابِ خَمِيسٍ أَوْ لَبِيسٍ فِي الصَّدَقَةِ مَكَانَ الشَّعِيرِ وَالذُّرَةِ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ وَخَيْرٌ لِأَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِالْمَدِينَةِ وَلِأَنَّ فِيهِ صِلَةَ الْقَرِيبِ أَوْ زِيَادَةَ دَفْعِ الْحَاجَةِ فَلَا يُكْرَهُ وَإِنْ نَقَلَهُ لِغَيْرِ ذَلِكَ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ} [التوبة: 60] إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ النُّصُوصِ مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِالْمَكَانِ ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ فِي الزَّكَاةِ مَكَانُ الْمَالِ حَتَّى لَوْ كَانَ هُوَ فِي بَلَدٍ وَمَالُهُ فِي بَلَدٍ أُخْرَى يُفَرَّقُ فِي مَوْضِعِ الْمَالِ وَفِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ يُعْتَبَرُ مَكَانُهُ لَا مَكَانُ أَوْلَادِهِ الصِّغَارِ وَعَبِيدِهِ فِي الصَّحِيحِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الزَّكَاةَ مَحَلُّهَا الْمَالُ وَلِهَذَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِ وَصَدَقَةُ الْفِطْرِ فِي الذِّمَّةِ وَلِهَذَا لَا تَسْقُطُ بِهَلَاكِهِمْ وَقَالُوا الْأَفْضَلُ فِي صَرْفِ الصَّدَقَةِ أَنْ يَصْرِفَهَا إلَى إخْوَتِهِ ثُمَّ أَوْلَادِهِمْ ثُمَّ أَعْمَامِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ أَخْوَالِهِ الْفُقَرَاءِ ثُمَّ ذَوِي الْأَرْحَامِ ثُمَّ جِيرَانِهِ ثُمَّ أَهْلِ سَكَنِهِ ثُمَّ أَهْلِ مِصْرِهِ

قَالَ رحمه الله (وَلَا يَسْأَلُ مَنْ لَهُ قُوتُ يَوْمِهِ) يَعْنِي لَا يَحِلُّ لَهُ السُّؤَالُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ سَأَلَ وَعِنْدَهُ مَا يُغْنِيهِ فَإِنَّمَا يَسْتَكْثِرُ جَمْرَ جَهَنَّمَ قَالُوا يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا يُغْنِيهِ قَالَ مَا يُغَدِّيهِ وَيُعَشِّيهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ قَالَ فِي الْغَايَةِ الْقُدْرَةُ عَلَى الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ تُحَرِّمُ سُؤَالَ الْغَدَاءِ وَالْعَشَاءِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ لَمْ يُخْرِجْهُ عَنْ مِلْكِهِ وَهُوَ رُكْنٌ فِيهِ) أَيْ فَعُلِمَ مِنْ هَذَا قُوَّةُ مَرْتَبَةِ الرُّكْنِ عَلَى الشَّرْطِ مَعَ أَنَّ جَوَازَ الْأَدَاءِ يَتَوَقَّفُ عَلَيْهِمَا فَإِنَّ فِي مَسْأَلَةِ الْغَنِيِّ وَغَيْرِهِ فَاتَ شَرْطُ الْأَدَاءِ وَهُوَ الْفَقْرُ فِي الْمَدْفُوعِ إلَيْهِ وَفِي عَبْدِهِ وَمُكَاتَبِهِ فَاتَ التَّمْلِيكُ وَهُوَ الرُّكْنُ فَلِذَلِكَ جَازَ الْأَدَاءُ فِي الْأُولَى مَعَ ظُهُورِ الْغِنَى عِنْدَهُمَا وَلَمْ يَجُزْ هَاهُنَا بِالِاتِّفَاقِ كَذَا قِيلَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَهُ فِي كَسْبِ مُكَاتَبِهِ حَقٌّ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ مُكَاتَبِهِ لَا يَجُوزُ كَمَا لَوْ تَزَوَّجَ جَارِيَةَ نَفْسِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ

1 -

(فُرُوعٌ) مِنْ مَسَائِلِ الْأَمْرِ بِأَدَاءِ الزَّكَاةِ ذَكَرَهَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْجَامِعِ وَجَوَامِعِ الْفِقْهِ وَالْوَاقِعَاتِ لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ ادْفَعْ زَكَاتِي إلَى مَنْ شِئْت أَوْ أَعْطِهَا مَنْ شِئْت فَدَفَعَهَا لِنَفْسِهِ لَمْ يَجُزْ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ جَعَلَهُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَجُوزُ وَلَوْ قَالَ ضَعْهَا حَيْثُ شِئْت جَازَ وَضْعُهَا فِي نَفْسِهِ وَقَالَ فِي الْمَرْغِينَانِيِّ وَكَّلَ بِدَفْعِ زَكَاتِهِ فَدَفَعَهَا لِوَلَدِهِ الْكَبِيرِ أَوْ الصَّغِيرِ أَوْ زَوْجَتِهِ يَجُوزُ وَلَا يُمْسِكُ لِنَفْسِهِ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الصُّغْرَى أَوْصَى بِثُلُثِ مَالِهِ إلَى إنْسَانٍ يَضَعُهُ حَيْثُ شَاءَ جَازَ لَهُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ وَلَوْ قَالَ أَعْطِهِ مَنْ شِئْت لَا يَجُوزُ وَضْعُهُ فِي نَفْسِهِ عَلَّلَ فَقَالَ لِأَنَّهُ صَارَ مَعْرِفَةً بِالْإِضَافَةِ إلَيْهِ وَالْمَعْرِفَةُ لَا تَدْخُلُ تَحْتَ النَّكِرَةِ وَأَحَالَهُ إلَى الْجَامِعِ لَكِنَّ هَذَا التَّعْلِيلَ بَاطِلٌ بِمَسْأَلَةِ الْوَضْعِ وَفِي الْمَبْسُوطِ أَوْصَى إلَيْهِ بِثُلُثِهِ يَضَعُهُ أَوْ يَجْعَلُهُ حَيْثُ شَاءَ فَجَعَلَهُ فِي نَفْسِهِ أَوْ فِي وَلَدِهِ جَازَ كَالْمُوصِي وَلَيْسَ لَهُ جَعْلُهُ أَوْ وَضْعُهُ فِي وَلَدِ الْمُوصِي كَالْمُوصِي فَإِنْ وَضَعَهُ فِي بَعْضِ وَلَدِ الْمُوصِي فَهُوَ بَاطِلٌ وَيُرَدُّ عَلَى جَمِيعِ الْوَرَثَةِ وَلَيْسَ لَهُ أَنْ يُعْطِيَهُ أَحَدًا بَعْدَ ذَلِكَ لِانْتِهَائِهِ بِهِ وَصَارَ فِعْلُهُ كَفِعْلِ الْمُوصِي وَفِي الْجَامِعِ فَرَّقَ بَيْنَ الْوَضْعِ وَبَيْنَ الدَّفْعِ وَالصَّرْفِ وَالْفَرْقُ أَنَّ الدَّفْعَ وَالصَّرْفَ لِلتَّمْلِيكِ كَالْإِعْطَاءِ وَالْإِيتَاءِ وَالْوَاحِدُ لَا يَكُونُ مُمَلِّكًا وَمُتَمَلِّكًا فِي غَيْرِ الْأَبِ وَالْجَدِّ وَالْوَصِيِّ عِنْدَهُ وَلَيْسَ الْوَضْعُ لِلتَّمْلِيكِ فَافْتَرَقَا. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَكُنْ لَهُ عِيَالٌ) كَذَا بِخَطِّ الْمُصَنِّفِ وَالْوَاوُ فِيهِ بِمَعْنَى أَوْ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَالذُّرَةُ أَهْوَنُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ) وَيَجِبُ كَوْنُ

ص: 305