المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ١

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْوُضُوء]

- ‌[سُنَن الْوُضُوء]

- ‌ آدَابِ الْوُضُوءِ

- ‌[مُسْتَحَبَّات الْوُضُوء]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌[نَوَاقِض الْوُضُوء]

- ‌[الْغُسْل]

- ‌[سُنَن الْغُسْل]

- ‌[مُوجِبَات الْغُسْل]

- ‌[أَقْسَام الْمَاء]

- ‌[طَهَارَة الْمَاء المتوضأ بِهِ]

- ‌[الْمَاء الَّذِي لَا يتنجس بوقوع النَّجَاسَة فِيهِ]

- ‌الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ

- ‌[ مَاء الْبِئْر إذَا وقعت فِيهِ نَجَاسَة]

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)

- ‌[الْجَمْع بَيْن التَّيَمُّم وَالْغُسْل]

- ‌[مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَحِلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[كَيْفِيَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[نَوَاقِض الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ

- ‌الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ

- ‌(بَابُ الْحَيْضِ)

- ‌[مُدَّة الْحَيْض]

- ‌[الطُّهْرِ الْمُتَخَلَّل بَيْن الدَّمَيْنِ فِي مُدَّة الْحَيْض]

- ‌النِّفَاسُ

- ‌[ مُدَّة النِّفَاس]

- ‌(بَابُ الْأَنْجَاسِ)

- ‌ الِاسْتِنْجَاءُ

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[الِاسْتِنْجَاء بِالْعَظْمِ والروث]

- ‌[ مَوَاقِيت الصَّلَاة]

- ‌[الْأَوْقَات الَّتِي يُسْتَحَبّ فِيهَا الصَّلَاة]

- ‌[الْأَوْقَات الَّتِي يَكْرَه فِيهَا الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ الْأَذَانِ)

- ‌[كَيْفِيَّة الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[التأذين للفائتة]

- ‌[أَذَان الجنب وَالْمَرْأَة والمحدث والسكران]

- ‌[ بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌[سُنَن الصَّلَاة]

- ‌ آدَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[فَصْلٌ الشروع فِي الصَّلَاة وَبَيَان إحرامها وأحوالها]

- ‌(بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌[الْأَحَقّ بِالْإِمَامَةِ]

- ‌[الِاسْتِخْلَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا)

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا]

- ‌(بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)

- ‌(بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ)

- ‌[التَّرْتِيب فِي الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)

- ‌[مواضع سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌[شَرَائِط أَدَائِهَا]

- ‌[ شَرَائِط وُجُوبهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[مَنْدُوبَات عِيد الْفِطْر]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِيد وكيفيتها]

- ‌[تَكْبِير التَّشْرِيق وَقْته وعدده وَشُرُوطه]

- ‌(بَابُ الْكُسُوفِ)

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْكُسُوف]

- ‌(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)

- ‌(بَابُ الْخَوْفِ)

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْخَوْف]

- ‌(بَابُ الْجَنَائِزِ)

- ‌[فَصْلٌ السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاةِ الْجِنَازَة]

- ‌[شَرْط الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت]

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[فَصَلِّ تعزية أَهْل الْمَيِّت]

- ‌(بَابٌ الشَّهِيدُ)

- ‌(بَابٌ: الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ)

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[شُرُوط وُجُوبهَا]

- ‌ شَرْطُ صِحَّةِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ]

- ‌[بَابٌ صَدَقَةُ الْبَقَرِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْغَنَمِ

- ‌[زَكَاة الخيل]

- ‌(بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ)

- ‌(بَابُ الْعَاشِرِ)

- ‌[بَابُ الرِّكَازِ]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ)

- ‌(بَابُ الْمَصْرِفِ)

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌(كِتَابُ الصَّوْمِ)

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ)

- ‌[فَصْلٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ]

- ‌(بَابُ الِاعْتِكَافِ)

- ‌[ اعْتِكَاف الْمَرْأَة]

الفصل: يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ

يُسْتَغْنَى بِمَا دُونَ ذَلِكَ وَجَوَّزَ الْكَرْخِيُّ تَفْرِيقَ صَدَقَةِ شَخْصٍ وَاحِدٍ عَلَى مَسَاكِينَ لِأَنَّ الْإِغْنَاءَ يَحْصُلُ بِالْمَجْمُوعِ وَيَجُوزُ دَفْعُ مَا يَجِبُ عَلَى جَمَاعَةٍ إلَى مِسْكِينٍ وَاحِدٍ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.

(كِتَابُ الصَّوْمِ)

الصَّوْمُ فِي اللُّغَةِ هُوَ الْإِمْسَاكُ قَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ عليها السلام {إِنِّي نَذَرْتُ لِلرَّحْمَنِ صَوْمًا فَلَنْ أُكَلِّمَ الْيَوْمَ إِنْسِيًّا} [مريم: 26] أَيْ صَمْتًا وَسُكُوتًا وَكَانَ ذَلِكَ مَشْرُوعًا فِي دِينِهِمْ وَقَالَ النَّابِغَةُ

خَيْلٌ صِيَامٌ وَخَيْلٌ غَيْرُ صَائِمَةٍ

تَحْتَ الْعَجَاجِ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا

أَيْ مُمْسِكَةٌ عَنْ السَّيْرِ قَالَ رحمه الله (هُوَ تَرْكُ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ بِنِيَّةٍ مِنْ أَهْلِهِ) وَهَذَا فِي الشَّرْعِ وَهُوَ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ الْقُدُورِيِّ الصَّوْمُ هُوَ الْإِمْسَاكُ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْجِمَاعِ نَهَارًا مَعَ النِّيَّةِ لِأَنَّهُ أَشْمَلُ فَإِنَّهُ بِقَوْلِهِ مِنْ أَهْلِهِ احْتَرَزَ عَنْ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْكَافِرِ فَخَرَجُوا مِنْهُ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ وَقَالَ مِنْ الصُّبْحِ إلَى الْغُرُوبِ وَلَمْ يَقُلْ نَهَارًا كَمَا قَالَ الْقُدُورِيُّ لِأَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى غُرُوبِهَا أَلَا تَرَى إلَى قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» فَلَمْ يَكُنْ صَحِيحًا مُخْلِصًا وَإِنَّمَا اخْتَصَّ بِالْيَوْمِ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ الْوِصَالُ مُتَعَذِّرًا وَمَنْهِيًّا عَنْهُ تَعَيَّنَ الْيَوْمُ لِكَوْنِهِ عَلَى خِلَافِ الْعَادَةِ وَعَلَيْهِ مَبْنَى الْعِبَادَةِ إذْ تَرْكُ الْأَكْلِ بِاللَّيْلِ مُعْتَادٌ وَاشْتِرَاطُ النِّيَّةِ لِتَمْيِيزِ الْعِبَادَةِ مِنْ الْعَادَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَغَيْرِهَا أَيْضًا وَيَجُوزُ التَّلْفِيقُ مِنْ جِنْسَيْنِ بِأَنْ يُؤَدِّيَ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ تَمْرٍ وَنِصْفَ صَاعٍ مِنْ شَعِيرٍ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَهُوَ قَوْلُ مَالِكٍ لِأَنَّهُ لَمْ يَرِدْ بِهِ نَصٌّ وَلَنَا أَنَّ الْمُخَيَّرَ إذَا أَخْرَجَ نِصْفَ صَاعِ تَمْرٍ مَثَلًا فَقَدْ سَقَطَ عَنْهُ الْفَرْضُ فِي قَدْرِهِ وَبَقِيَ عَلَيْهِ نِصْفٌ فَوَجَبَ أَنْ يُخَيَّرَ فِي أَدَائِهِ مِنْ أَيِّ صِنْفٍ شَاءَ كَالْأَوَّلِ سُرُوجِي.

[كِتَابُ الصَّوْمِ]

الْحِكْمَةُ فِي الصَّوْمِ حُصُولُ التَّقْوَى لِمُبَاشِرِهِ إذْ لَا مَشْرُوعَ أَدَلُّ عَلَى التَّقْوَى مِنْهُ فَإِنَّ مَنْ أَدَّى هَذِهِ الْأَمَانَةَ كَانَ أَشَدَّ أَدَاءً لِغَيْرِهَا مِنْ الْأَمَانَاتِ وَأَكْثَرَ اتِّقَاءً لِمَا يُخَافُ حُلُولُهُ مِنْ النِّقْمَةِ بِمُبَاشَرَةِ شَيْءٍ مِنْ الْقَاذُورَاتِ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ} [البقرة: 183]{أَيَّامًا مَعْدُودَاتٍ} [البقرة: 184] وَفِيهِ مَعْرِفَةُ قَدْرِ النِّعَمِ وَمَعْرِفَةُ مَا عَلَيْهِ الْفُقَرَاءُ مِنْ تَحَمُّلِ مَرَارَةِ الْجُوعِ فَيَكُونُ حَامِلًا عَلَى مُوَاسَاتِهِمْ وَفِيهِ إطْفَاءُ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ الْخَدَّاعَةِ الْمُنْسِيَةِ لِلْعَوَاقِبِ وَرَدُّ جِمَاحِ النَّفْسِ الْأَمَارَةِ بِالسُّوءِ وَانْقِيَادِهَا لِطَاعَةِ مَوْلَاهَا إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ مَعَانٍ لَا تُحْصَى. اهـ. كَشْفٌ كَبِيرٌ (قَوْلُهُ هُوَ الْإِمْسَاكُ) مُطْلَقًا صَامَ عَنْ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقَالَ النَّابِغَةُ) أَيْ الذُّبْيَانِيُّ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأُخْرَى تَعْلُكُ اللُّجُمَا) الَّذِي بِخَطِّ الشَّارِحِ تَأْكُلُ (قَوْلُهُ وَالْجِمَاعُ إلَى آخِرِهِ) وَأَلْحَقَ بِالْجِمَاعِ مَا هُوَ فِي الْجِمَاعِ كَاللَّمْسِ وَالْقُبْلَةِ مَعَ الْإِنْزَالِ عَلَى مَا يَأْتِي وَكَذَا بِالْأَكْلِ مَا لَيْسَ بِأَكْلٍ كَمَا لَوْ اسْتِقَاءَ عَامِدًا أَوْ دَاوَى جَائِفَةً أَوْ آمَّةً إذَا وَصَلَ الدَّوَاءُ إلَى جَوْفِهِ عَلَى مَا يَأْتِي. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلِهِ وَلَمْ يَخْرُجُوا عَلَى مَا قَالَ الْقُدُورِيُّ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله نَقْضُ طَرْدِهِ بِإِمْسَاكِ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ يَصْدُقُ عَلَيْهِ وَلَا يَصْدُقُ الْمَحْدُودُ عَنْ إمْسَاكٍ مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ كَذَلِكَ بَعْدَمَا أَكَلَ بَعْدَ الْفَجْرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا مِنْ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَى الْغُرُوبِ وَعَكْسُهُ النَّاسِي فَإِنَّهُ يَصْدُقُ مَعَهُ الْمَحْدُودُ وَهُوَ الصَّوْمُ الشَّرْعِيُّ وَلَا يَصْدُقُ الْحَدُّ وَهَذَا فَسَادُ الْعَكْسِ وَجُعِلَ فِي النِّهَايَةِ إمْسَاكُ الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ مُفْسِدًا لِلْعَكْسِ وَجُعِلَ أَكْلُ النَّاسِي مُفْسِدًا لِلطَّرْدِ وَالتَّحْقِيقُ مَا أَسْمَعْتُك وَأُجِيبُ بِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مَوْجُودٌ مَعَ أَكْلِ النَّاسِي فَإِنَّ الشَّرْعَ اعْتَبَرَ أَكْلَهُ عَدَمًا وَالْمُرَادُ مِنْ النَّهَارِ الْيَوْمُ فِي لِسَانِ الْفُقَهَاءِ وَبِالْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ خَرَجَتْ عَنْ الْأَهْلِيَّةِ لِلصَّوْمِ شَرْعًا وَلَا يَخْفَى مَا فِي هَذِهِ الْأَجْوِبَةِ مِنْ الْعِنَايَةِ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ إمْسَاكٌ عَنْ الْمُفْطِرَاتِ مَنْوِيٌّ لِلَّهِ تَعَالَى فِي وَقْتِهِ وَمَا قَدَّمْنَاهُ فِي أَوَّلِ الْبَابِ مَعْنَاهُ وَهُوَ تَفْصِيلُهُ اهـ وَهَذِهِ عِبَارَتُهُ الَّتِي قَدَّمَهَا أَوَّلَ الْبَابِ وَفِي الشَّرْعِ إمْسَاكٌ عَنْ الْجِمَاعِ وَعَنْ إدْخَالِ شَيْءٍ بَطْنًا لَهُ حُكْمُ الْبَاطِنِ مِنْ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ عَنْ نِيَّةٍ وَنَكَّرْنَا الْبَطْنَ وَوَصَفْنَاهُ لِأَنَّهُ لَوْ وَصَلَ إلَى بَاطِنِ دِمَاغِهِ شَيْءٌ فَسَدَ أَوْ إلَى بَاطِنِ فَمِهِ أَوْ أَنْفِهِ لَا يَفْسُدُ اهـ.

وَاعْلَمْ أَنَّهُ إنَّمَا زِيدَ فِي حَدِّ الصَّوْمِ بِإِذْنِهِ حَتَّى لَا يُنْتَقَضَ بِصَوْمِ الْحَائِضِ لِأَنَّهَا مَنْهِيَّةٌ عَنْهُ وَلَيْسَتْ بِمَأْذُونَةٍ فِيهِ لَكِنْ أَوْرَدَ عَلَى هَذَا أَنَّهُ يُنْتَقَضُ حِينَئِذٍ بِصَوْمِ يَوْمِ النَّحْرِ فَإِنَّ صَوْمَهُ مُعْتَبَرٌ عِنْدَكُمْ مَعَ أَنَّ الشَّارِعَ لَمْ يَأْذَنْ فِيهِ وَأُجِيبُ بِمَنْعِ عَدَمِ وُجُودِ الْإِذْنِ فِيهِ بَلْ الْإِذْنُ مَوْجُودٌ مِنْ الشَّارِعِ فِيهِ لِأَنَّ الصَّوْمَ مَشْرُوعٌ فِيهِ وَإِنَّمَا النَّهْيُ بِاعْتِبَارِ تَرْكِ ضِيَافَةِ اللَّهِ تَعَالَى اهـ مُلَخَّصًا وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ وَالْحَدُّ الصَّحِيحُ الَّذِي ذَكَرَهُ الْكَمَالُ عَزَاهُ فِي الدِّرَايَةِ إلَى الْإِمَامِ بَدْرِ الدِّينِ الْوَرْسَكِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّهَارَ اسْمٌ لِمَا بَعْدَ طُلُوعِ الشَّمْسِ إلَخْ) قَالَ الْقُرْطُبِيُّ وَالصَّحِيحُ أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ حَكَاهُ ابْنُ فَارِسٍ فِي الْمُجْمَلِ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ حَدِيثُ مُسْلِمٍ عَنْ عَدِيِّ بْنِ حَاتِمٍ قَالَ لَهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّ وِسَادَك لَعَرِيضٌ إنَّمَا هُوَ سَوَادُ اللَّيْلُ وَبَيَاضُ النَّهَارِ» فَدَلَّ عَلَى أَنَّ النَّهَارَ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الْغُرُوبِ وَقَالَ الْجَوْهَرِيُّ النَّهَارُ ضِدُّ اللَّيْلِ وَاللَّيْلُ يَنْتَهِي بِطُلُوعِ الْفَجْرِ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَاعْلَمْ أَنَّ الصَّوْمَ ثَلَاثَةُ أَنْوَاعٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَأَقْسَامُهُ فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَمَسْنُونٌ وَمَنْدُوبٌ وَنَفْلٌ وَمَكْرُوهٌ تَنْزِيهًا وَتَحْرِيمًا فَالْأَوَّلُ رَمَضَانُ وَقَضَاؤُهُ

ص: 312

فَرْضٌ وَوَاجِبٌ وَنَفْلٌ فَالْفَرْضُ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَرَمَضَانَ وَغَيْرِ مُعَيَّنٍ كَالْكَفَّارَاتِ وَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالْوَاجِبُ نَوْعَانِ مُعَيَّنٌ كَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَغَيْرُ مُعَيَّنٍ كَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالنَّفَلُ كُلُّهُ نَوْعٌ وَاحِدٌ فَصَارَتْ الْجُمْلَةُ خَمْسَةَ أَنْوَاعٍ وَإِنَّمَا قُلْنَا صَوْمُ رَمَضَانَ فَرْضٌ لِأَنَّ فَرْضِيَّتَهُ ثَبَتَتْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ أَمَّا الْكِتَابُ فَقَوْلُهُ تَعَالَى {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ} [البقرة: 183] الْآيَةَ ثُمَّ قَالَ {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَأَمَّا السُّنَّةُ فَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ» وَذَكَرَ مِنْهَا «صَوْمَ رَمَضَانَ» وَأَمَّا الْإِجْمَاعُ فَإِنَّ الْأُمَّةَ أَجْمَعَتْ عَلَى أَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ فَرِيضَةٌ مُحْكَمَةٌ وَكَذَا قَضَاؤُهُ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ الَّتِي ثَبَتَتْ بِالْكِتَابِ كَكَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ عَلَى مَا يَجِيءُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَسَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ قِيلَ الشَّهْرُ لِمَا تَلَوْنَا وَلِهَذَا لَوْ أَفَاقَ الْمَجْنُونُ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْهُ ثُمَّ جُنَّ بَاقِيهِ يَجِبُ الْقَضَاءُ عَلَيْهِ وَيُضَافُ إلَيْهِ يُقَالُ صَوْمُ الشَّهْرِ وَيَتَكَرَّرُ بِتَكَرُّرِهِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَيَسْتَوِي فِيهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ إلَّا أَنَّهُ أُبِيحَ الْأَكْلُ بِاللَّيْلِ لِتَعَذُّرِ الْوِصَالِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَقِيلَ إنَّ كُلَّ يَوْمٍ سَبَبٌ لِصَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ الصِّيَامَ مُتَفَرِّقٌ فِي الْأَيَّامِ تَفَرُّقَ الصَّلَاةِ فِي الْأَوْقَاتِ بَلْ أَشَدَّ لِدُخُولِ وَقْتٍ لَا يَصِحُّ فِيهِ الصَّوْمُ وَهُوَ اللَّيْلُ بَيْنَ كُلِّ يَوْمَيْنِ فَوَجَبَ أَنْ يَكُونَ كُلُّ يَوْمٍ سَبَبًا عَلَى حِدَةٍ وَلِهَذَا لَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ أَوْ بَلَغَ الصَّبِيُّ عَنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ يَلْزَمُهُ صَوْمُهُ وَإِنْ لَمْ يُدْرِكْ اللَّيْلَ وَهَذَا اخْتِيَارُ عَلِيٍّ الْبَزْدَوِيِّ رحمه الله وَشَرْطُ وُجُوبِهِ الْإِسْلَامُ وَالْعَقْلُ وَالْبُلُوغُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ الصِّحَّةُ وَالْإِقَامَةُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ وَالطَّهَارَةُ عَنْ الْحَيْضِ وَالنِّفَاسِ وَرُكْنُهُ الْكَفُّ عَنْ اقْتِضَاءِ شَهْوَتَيْ الْبَطْنِ وَالْفَرْجِ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ عَنْ ذِمَّتِهِ وَالثَّوَابُ وَإِنَّمَا قُلْنَا إنَّ الْمَنْذُورَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ} [الحج: 29] وقَوْله تَعَالَى {وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ} [النحل: 91] فَإِنْ قِيلَ عَلَى هَذَا وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْذُورُ فَرْضًا لِأَنَّهُ ثَبَتَ بِالْكِتَابِ قُلْنَا الْكِتَابُ مَخْصُوصٌ خُصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ وَتَجْدِيدِ الْوُضُوءِ عِنْدَ كُلِّ صَلَاةٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا كَالْآيَةِ الْمُؤَوَّلَةِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَلِهَذَا جَازَ تَخْصِيصُ الْكِتَابِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ بَعْدَمَا خُصَّ وَلَوْ كَانَ قَطْعِيًّا لَمَا جَازَ وَبِمِثْلِهِ يَثْبُتُ الْوُجُوبُ لَا الْفَرْضِيَّةُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ النَّذْرُ وَلِهَذَا جَازَ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ تَقْدِيمُهُ لِوُجُودِ سَبَبِهِ بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَقَدْ بَيَّنَّا الشَّرْطَ وَالرُّكْنَ وَالْحُكْمَ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ فَلَا نُعِيدُهُ

قَالَ رحمه الله (وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَهُوَ فَرْضٌ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَهُوَ وَاجِبٌ وَالنَّفَلُ بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَبِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَنِيَّةِ النَّفْلِ) أَيْ جَازَتْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَالْكَفَّارَاتُ لِلظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَالْيَمِينِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَفِدْيَةِ الْأَذَى فِي الْإِحْرَامِ لِثُبُوتِ هَذِهِ بِالْقَاطِعِ سَنَدًا وَلِلْإِجْمَاعِ عَلَيْهَا، وَالْوَاجِبُ الْمَنْذُورُ وَالْمَسْنُونُ عَاشُورَاءُ مَعَ التَّاسِعِ وَالْمَنْدُوبُ صَوْمُ ثَلَاثَةِ أَيَّامٍ مِنْ كُلِّ شَهْرٍ وَيُنْدَبُ فِيهَا كَوْنُهَا الْأَيَّامَ الْبِيضَ وَكُلُّ صَوْمٍ ثَبَتَ بِالسُّنَّةِ طَلَبُهُ وَالْوَعْدُ عَلَيْهِ كَصَوْمِ دَاوُد وَنَحْوِهِ وَالنَّفَلِ مَا سِوَى ذَلِكَ مِمَّا لَمْ يَثْبُتْ كَرَاهَتُهُ وَالْمَكْرُوهُ تَنْزِيهًا عَاشُورَاءُ مُفْرَدًا عَنْ التَّاسِعِ وَنَحْوُ يَوْمِ الْمِهْرَجَانِ وَتَحْرِيمًا أَيَّامُ التَّشْرِيقِ وَالْعِيدَيْنِ وَسَنَعْقِدُ بِذَيْلِ هَذَا الْبَابِ فُرُوعًا لِتَفْصِيلِ هَذِهِ اهـ (قَوْلُهُ وَسَبَبُ صَوْمِ رَمَضَانَ إلَخْ) وَسَبَبُ صَوْمِ الْكَفَّارَاتِ أَسْبَابُهَا مِنْ الْحِنْثِ وَالْقَتْلِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَشَرْطُ وُجُوبِ أَدَائِهِ إلَخْ) قَالَ الْعَلَامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رحمه الله وَيَنْبَغِي أَنْ يُزَادَ فِي الشُّرُوطِ الْعِلْمُ بِالْوُجُوبِ أَوْ الْكَوْنُ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَيُرَادُ بِالْعِلْمِ الْإِدْرَاكُ وَهَذَا لِأَنَّ الْحَرْبِيَّ إذَا أَسْلَمَ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ عَلَيْهِ صَوْمَ رَمَضَانَ ثُمَّ عَلِمَ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَإِنَّمَا يَحْصُلُ الْعِلْمُ الْمُوجِبُ بِإِخْبَارِ رَجُلَيْنِ أَوْ رَجُلٍ وَامْرَأَتَيْنِ أَوْ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَعِنْدَهُمَا لَا تُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ وَالْبُلُوغُ وَالْحُرِّيَّةُ وَلَوْ أَسْلَمَ فِي دَارِ الْإِسْلَامِ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى بَعْدَ الْإِسْلَامِ عَلِمَ بِالْوُجُوبِ أَوْ لَا اهـ (قَوْلُهُ وَشَرْطُ صِحَّةِ أَدَائِهِ النِّيَّةُ) وَالْوَقْتُ. اهـ. غَايَةٌ.

(قَوْلُهُ وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَحُكْمُهُ سُقُوطُ الْوَاجِبِ وَنَيْلُ الثَّوَابِ إنْ كَانَ صَوْمًا لَازِمًا وَإِلَّا فَالثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ) بِالرَّفْعِ وَوَقَعَ فِي عِبَارَةِ الْمُصَنِّفِ بِالنَّصْبِ قَوْلُهُ خَصَّ مِنْهُ مَا لَيْسَ مِنْ جِنْسِهِ إلَخْ وَالنَّذْرُ بِالْمَعْصِيَةِ (قَوْلُهُ كَعِيَادَةِ الْمَرِيضِ) أَيْ أَوْ كَانَ مِنْ جِنْسٍ وَاجِبٍ لَكِنَّهُ غَيْرُ مَقْصُودٍ لِنَفْسِهِ بَلْ لِغَيْرِهِ حَتَّى لَوْ نَذَرَ الْوُضُوءَ لِكُلِّ صَلَاةٍ لَمْ يَلْزَمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَلَا يَكُونُ قَطْعِيًّا) فَإِنْ قِيلَ قَدْ خَصَّ مِنْ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ} [البقرة: 185] الْمَجَانِينَ وَالصِّبْيَانَ وَأَصْحَابَ الْأَعْذَارِ مَعَ هَذَا ثَبَتَتْ الْفَرِيضَةُ قُلْنَا خُصُّوا بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ وَهُوَ عَدَمُ الْأَهْلِيَّةِ وَالْمَخْصُوصُ بِالدَّلِيلِ الْعَقْلِيِّ لَا يُخْرِجُ النَّصَّ عَنْ الْقَطْعِ أَوْ لَمَّا دَلَّ الْعَقْلُ عَلَى عَدَمِ دُخُولِ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا دَاخِلِينَ فَلَا يَكُونُ تَخْصِيصًا. اهـ. كَاكِيٌّ.

(قَوْلُهُ وَخَبَرُ الْوَاحِدِ) أَيْ فَيُفِيدُ الْوُجُوبَ وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا ذَكَرْنَا شُرُوطُ لُزُومِ النَّذْرِ وَهِيَ كَوْنُ الْمَنْذُورِ مِنْ جِنْسِهِ وَاجِبٌ لَا لِغَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا تَضَافَرَتْ كَلِمَاتُ الْأَصْحَابِ فَقَوْلُ صَاحِبِ الْمَجْمَعِ تَبَعًا لِصَاحِبِ الْبَدَائِعِ يُفْتَرَضُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْمَنْذُورِ وَالْكَفَّارَةِ عَلَى غَيْرِ مَا يَنْبَغِي هَذَا لَكِنَّ الْأَظْهَرَ أَنَّهُ فَرْضٌ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى لُزُومِهَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَسَبَبُ وُجُوبِهِ النَّذْرُ) وَلِهَذَا قُلْنَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ لَوَجَبَ أَوْ يَوْمٍ بِعَيْنِهِ فَصَامَ عَنْهُ جُمَادَى وَيَوْمًا آخَرَ أَجْزَأَ عَنْ الْمَنْذُورِ لِأَنَّهُ تَعْجِيلٌ بَعْدَ وُجُودِ السَّبَبِ وَيَلْغُو تَعْيِينُ الْيَوْمِ لِأَنَّ صِحَّةَ النَّذْرِ وَلُزُومَهُ بِمَا بِهِ يَكُونُ الْمَنْذُورُ عِبَادَةً إذْ لَا نَذْرَ بِغَيْرِهَا وَالْمُحَقَّقُ كَذَلِكَ الصَّوْمُ لَا خُصُوصُ الزَّمَانِ وَلَا بِاعْتِبَارِهِ اهـ فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَصَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ وَهُوَ فَرْضٌ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ فَرْضٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَهُوَ وَاجِبٌ) لَيْسَ فِي خَطِّ الشَّارِحِ وَهُوَ وَاجِبٌ

ص: 313

هَذِهِ الْأَنْوَاعُ الثَّلَاثَةُ مِنْ الصَّوْمِ بِنِيَّةِ صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ بِأَنْ يُعَيِّنَ صَوْمَ ذَلِكَ الْيَوْمِ أَوْ بِنِيَّةِ مُطْلَقِ الصَّوْمِ أَوْ بِنِيَّةِ النَّفْلِ وَكَذَا يَجُوزُ أَيْضًا صَوْمُ رَمَضَانَ بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ وَالْكَلَامُ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَالثَّانِي فِي كَيْفِيَّتِهَا أَمَّا الْأَوَّلُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا مَذْهَبُنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الصَّوْمُ الْوَاجِبُ لَا يَجُوزُ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَجُوزُ الْكُلُّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا صِيَامَ لِمَنْ لَمْ يُبَيِّتْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ وَيَعْزِمْ» وَيُرْوَى «لِمَنْ لَمْ يُجَمِّعْ الصِّيَامَ مِنْ اللَّيْلِ» بِالتَّشْدِيدِ وَيَجْمَعْ بِالتَّخْفِيفِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَحَسَّنَهُ وَلِأَنَّ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ قَدْ بَطَلَ لِعَدَمِ النِّيَّةِ فَكَذَا الثَّانِي لِعَدَمِ التَّجَزِّي أَوْ لِأَنَّ الْبِنَاءَ عَلَى الْفَاسِدِ فَاسِدٌ وَقَاسَهُ عَلَى النَّذْرِ الْمُطْلَقِ وَالْكَفَّارَةِ وَالْقَضَاءِ وَأَخْرَجَ الشَّافِعِيُّ مِنْهُ النَّفَلَ لِحَدِيثِ «عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا فَقَالَ إنِّي إذًا صَائِمٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَغَيْرُهُ وَلِأَنَّهُ مُتَجَزِّئٌ عِنْدَهُ فَأَمْكَنَ أَنْ يُجْعَلَ صَائِمًا بَعْضَ النَّهَارِ لِكَوْنِهِ مَبْنِيًّا عَلَى النَّشَاطِ أَوْ لِأَنَّ النَّفَلَ مَبْنِيٌّ عَلَى التَّخْفِيفِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يَجُوزُ صَلَاةُ النَّفْلِ قَاعِدًا أَوْ رَاكِبًا إلَى غَيْرِ الْقِبْلَةِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى النُّزُولِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] أَبَاحَ الْأَكْلَ وَالشُّرْبَ إلَى طُلُوعِ الْفَجْرِ ثُمَّ أَمَرَهُ بِالصِّيَامِ بَعْدُ بِكَلِمَةِ ثُمَّ وَهِيَ لِلتَّرَاخِي فَتَصِيرُ الْعَزِيمَةُ بَعْدَ الْفَجْرِ لَا مَحَالَةَ وَرُوِيَ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ فَلْيُمْسِكْ بَقِيَّةَ يَوْمِهِ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ» وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى الصَّوْمِ اللُّغَوِيِّ لِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمَا فَرَّقَ بَيْنَ الْأَكْلِ وَغَيْرِهِ

وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى نَفْيِ الْفَضِيلَةِ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا صَلَاةَ لِجَارِ الْمَسْجِدِ إلَّا فِي الْمَسْجِدِ» أَوْ هُوَ نَهْيٌ عَنْ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى اللَّيْلِ فَإِنَّهُ لَوْ نَوَى قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَنْ يَصُومَ غَدًا لَا يَصِحُّ أَوْ مَعْنَاهُ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ اللَّيْلِ بَلْ نَوَى أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ وَقْتِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ أَوْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْمُعَيَّنِ مِنْ الصِّيَامِ كَالْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَاتِ وَلِأَنَّهُ خَصَّ مِنْهُ النَّفَلَ فَكَذَا مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ فِي التَّعَيُّنِ وَلِأَنَّهُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ فَيَتَوَقَّفُ الْإِمْسَاكُ فِي أَوَّلِهِ عَلَى النِّيَّةِ الْمُتَأَخِّرَةِ الْمُقْتَرِنَةِ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد إلَخْ) وَاخْتَلَفُوا فِي رَفْعِهِ وَوَقْفِهِ وَلَمْ يَرَوْهُ مَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ إلَّا مِنْ كَلَامِ ابْنِ عُمَرَ وَعَائِشَةَ وَحَفْصَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ وَالْأَكْثَرُ عَلَى وَقْفِهِ وَقَدْ رَفَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ يَبْلُغُ بِهِ حَفْصَةَ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ رَجُلًا أَنْ أَذِّنْ فِي النَّاسِ إلَخْ) فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ أَمْرًا يُجَابُ قَبْلَ نَسْخِهِ بِرَمَضَانَ إذْ لَا يُؤْمَرُ مَنْ أَكَلَ بِإِمْسَاكِ بَقِيَّةِ الْيَوْمِ إلَّا فِي يَوْمٍ مَفْرُوضِ الصَّوْمِ بِعَيْنِهِ ابْتِدَاءً بِخِلَافِ قَضَاءِ رَمَضَانَ إذَا أَفْطَرَ فِيهِ فَعُلِمَ أَنَّ مَنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ صَوْمُ يَوْمٍ وَلَمْ يَنْوِهِ لَيْلًا أَنَّهُ يُجْزِئُهُ فِيهِ نَهَارًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَاشُورَاءَ كَانَ وَاجِبًا وَقَدْ مَنَعَهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ مُعَاوِيَةَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «هَذَا يَوْمُ عَاشُورَاءَ لَمْ يُفْرَضْ عَلَيْنَا صِيَامُهُ فَمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَصُومَ فَلْيَصُمْ فَإِنِّي صَائِمٌ فَصَامَ النَّاسُ» قَالَ وَبِدَلِيلِ أَنَّهُ لَمْ يَأْمُرْ مَنْ أَكَلَ بِالْقَضَاءِ وَيُدْفَعُ بِأَنَّ مُعَاوِيَةَ مِنْ مُسْلِمَةِ الْفَتْحِ فَإِنْ كَانَ سَمِعَ هَذَا بَعْدَ إسْلَامِهِ فَإِنَّمَا يَكُونُ سَمْعُهُ سَنَةَ تِسْعٍ أَوْ عَشْرٍ فَيَكُونُ ذَلِكَ بَعْدَ نَسْخِهِ بِإِيجَابِ رَمَضَانَ وَيَكُونُ الْمَعْنَى لَمْ يُفْرَضْ بَعْدَ إيجَابِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَدِلَّةِ الصَّرِيحَةِ فِي وُجُوبِهِ وَإِنْ كَانَ سَمْعُهُ قَبْلَهُ فَيَجُوزُ كَوْنُهُ قَبْلَ افْتِرَاضِهِ وَنَسْخُ عَاشُورَاءَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «كَانَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ يَوْمًا تَصُومُهُ قُرَيْشٌ فِي الْجَاهِلِيَّةِ وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَصُومُهُ فَلَمَّا قَدِمَ الْمَدِينَةَ صَامَهُ وَأَمَرَ بِصِيَامِهِ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ قَالَ مَنْ شَاءَ صَامَهُ وَمَنْ شَاءَ تَرَكَهُ» انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ.

قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ نَسْخِ فَرْضِيَّةِ صَوْمِ يَوْمِ عَاشُورَاءَ النَّسْخُ دَلَالَتُهُ عَلَى شَرَائِطَ كَالتَّوَجُّهِ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ قَدْ نُسِخَ وَلَمْ يُنْسَخْ سَائِرُ أَحْكَامِ الصَّلَاةِ وَشَرَائِطِهَا انْتَهَى وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ لَمَّا شَهِدَ عِنْدَهُ بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ وَالرَّجُلُ مِنْ أَسْلَمَ (قَوْلُهُ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ أَكَلَ فَلْيَصُمْ) فَإِنَّ الْيَوْمَ يَوْمُ عَاشُورَاءَ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ غَايَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَ بِصِيَامِ عَاشُورَاءَ فَلَمَّا فُرِضَ رَمَضَانُ كَانَ مَنْ شَاءَ صَامَ وَمَنْ شَاءَ أَفْطَرَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ (قَوْلُهُ بَلْ نَوَى أَنَّهُ صَوْمٌ مِنْ وَقْتِ نَوَى مِنْ النَّهَارِ إلَخْ) فَيَكُونُ الْجَارُّ وَهُوَ مِنْ اللَّيْلِ مُتَعَلِّقًا بِصِيَامِ الثَّانِي لَا بِبَيْتٍ وَيُجْمَعُ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ الْمُقْتَرِنَةُ بِأَكْثَرِهِ كَالنَّفْلِ إلَخْ) يُرَدُّ عَلَيْهِ أَنَّهُ قِيَاسٌ مَعَ الْفَارِقِ إذْ لَا يَلْزَمُ مِنْ التَّخْفِيفِ فِي النَّفْلِ بِذَلِكَ ثُبُوتُ مِثْلِهِ فِي الْفَرْضِ أَلَا تَرَى إلَى جَوَازِ النَّافِلَةِ جَالِسًا بِلَا عِلَّةٍ وَعَلَى الدَّابَّةِ بِلَا عُذْرٍ مَعَ عَدَمِهِ فِي الْفَرْضِ وَالْحَقُّ أَنَّ صِحَّتَهُ فَرْعُ ذَلِكَ النَّصِّ فَإِنَّهُ لَمَّا ثَبَتَ جَوَازُ الصَّوْمِ فِي الْوَاجِبِ الْمُعَيَّنِ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِالنَّصِّ عُلِمَ عَدَمُ اعْتِبَارِ فَرْضٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ النَّفْلِ فِي هَذَا الْحُكْمِ انْتَهَى فَتْحٌ.

وَمِنْ فُرُوعِ النِّيَّةِ أَنَّ الْأَفْضَلَ مِنْ اللَّيْلِ فِي الْكُلِّ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمَيْنِ مِنْ رَمَضَانَ وَاحِدٌ الْأَوْلَى أَنْ يَنْوِيَ أَوَّلَ يَوْمٍ وَجَبَ عَلَيَّ قَضَاؤُهُ مِنْ هَذَا الرَّمَضَانِ وَإِنْ لَمْ يُعَيِّنْ الْأَوَّلَ جَازَ وَكَذَا لَوْ كَانَا مِنْ رَمَضَانَيْنِ عَلَى الْمُخْتَارِ حَتَّى لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ لَا غَيْرُ جَازَ وَلَوْ وَجَبَتْ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ فِطْرٍ فَصَامَ أَحَدًا وَسِتِّينَ يَوْمًا عَنْ الْقَضَاءِ وَالْكَفَّارَةِ وَلَمْ يُعَيِّنْ يَوْمَ الْقَضَاءِ جَازَ وَهَلْ يَجُوزُ تَقْدِيمُ الْكَفَّارَةِ عَلَى الْقَضَاءِ قِيلَ يَجُوزُ وَهُوَ ظَاهِرٌ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا فَصَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ الشَّهْرِ الَّذِي عَلَيْهِ غَيْرَ أَنَّهُ نَوَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ سَنَةَ كَذَا لِغَيْرِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله يُجْزِئُهُ وَلَوْ صَامَ شَهْرًا يَنْوِي الْقَضَاءَ عَنْ سَنَةِ كَذَا عَلَى الْخَطَإِ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ أَفْطَرَ ذَلِكَ قَالَ لَا يَجُوزُ بِهِ وَإِذَا اشْتَبَهَ عَلَى الْأَسِيرِ الْمُسْلِمِ فِي دَارِ الْحَرْبِ رَمَضَانُ تَحَرَّى وَصَامَ فَإِنْ ظَهَرَ صَوْمُهُ قَبْلَهُ لَمْ يُجْزِهِ لِأَنَّ الْإِسْقَاطَ لَا يَسْبِقُ الْوُجُوبَ وَإِنْ ظَهَرَ بَعْدَهُ جَازَ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ كَانَ شَوَّالًا فَعَلَيْهِ قَضَاءُ يَوْمٍ فَلَوْ كَانَ نَاقِصًا فَقَضَاءُ يَوْمَيْنِ أَوْ ذَا الْحِجَّةِ قَضَى أَرْبَعَةً لِمَكَانِ أَيَّامِ النَّحْرِ وَالتَّشْرِيقِ فَإِنْ اتَّفَقَ كَوْنُهُ نَاقِصًا عَنْ ذَلِكَ الرَّمَضَانِ قَضَى

ص: 314

الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ لَا عَلَى صَوْمٍ آخَرَ وَلِأَنَّ الْأَصْلَ أَنْ تَكُونَ مُقَارِنَةً لِلْأَدَاءِ وَإِنَّمَا جُوِّزَ التَّقْدِيمُ لِلضَّرُورَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي جِنْسِ الصَّائِمِينَ كَمَا فِي يَوْمِ الشَّكِّ وَكَالْمَجْنُونِ أَوْ الْمُغْمَى عَلَيْهِ إذَا أَفَاقَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ الْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ فِيهِ فَلَا تَنْدَفِعُ إلَّا بِجَوَازِ الْمُتَأَخِّرَةِ وَلَا يَلْزَمُنَا الْحَجُّ مَرَّةً وَالصَّلَاةُ حَيْثُ لَا يَجُوزُ تَأْخِيرُ النِّيَّةِ فِيهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ رُكْنٌ وَاحِدٌ وَهُمَا أَرْكَانٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ النِّيَّةِ عَلَى الْعَقْدِ كَيْ لَا يَمْضِيَ بَعْضُ الرُّكْنِ بِلَا نِيَّةٍ ثُمَّ قَالَ فِي الْمُخْتَصَرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ وَهُوَ الْمَذْكُورُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ

وَذَكَرَ الْقُدُورِيُّ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الزَّوَالِ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ وَنِصْفِهِ مِنْ طُلُوعِ الْفَجْرِ إلَى الضَّحْوَةِ الْكُبْرَى لَا وَقْتِ الزَّوَالِ فَتُشْتَرَطُ النِّيَّةُ قَبْلَهَا لِتَتَحَقَّقَ فِي الْأَكْثَرِ وَلَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمُقِيمِ وَالصَّحِيحِ وَالسَّقِيمِ لِأَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيمَا ذَكَرْنَا مِنْ الدَّلِيلِ وَكَذَا لَا فَرْقَ فِيهِ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ النَّفَلُ بِنِيَّةٍ بَعْدَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ يَتَجَزَّأُ عِنْدَهُ فَيَصِحُّ مِنْ أَيِّ وَقْتٍ كَانَ وَنَحْنُ نَقُولُ الصَّوْمُ عِبَادَةً قَهْرُ النَّفْسِ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجُوزُ لِلْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ لِأَنَّ الْأَدَاءَ غَيْرُ مُسْتَحَقٍّ عَلَيْهِمَا فِي هَذَا الْوَقْتِ فَصَارَ كَالْقَضَاءِ قُلْنَا هُمَا يُخَالِفَانِ الْغَيْرَ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ وَهَذَا لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ مُتَعَيَّنٌ بِنَفْسِهِ وَإِنَّمَا جَازَ لَهُمَا تَأْخِيرُهُ تَحْقِيقًا لِلرُّخْصَةِ فَإِذَا صَامَاهُ الْتَحَقَا بِالصَّحِيحِ الْمُقِيمِ وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ الْكَلَامُ فِي كَيْفِيَّةِ النِّيَّةِ فَصَوْمُ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ النَّفْلِ وَبِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ

وَكَذَلِكَ يَتَأَدَّى النَّذْرُ الْمُعَيَّنُ بِجَمِيعِ ذَلِكَ إلَّا بِنِيَّةِ وَاجِبٍ آخَرَ فَإِنَّهُ إذَا نَوَى فِيهِ وَاجِبًا آخَرَ يَكُونُ عَمَّا نَوَى وَلَا يَكُونُ عَنْ النَّذْرِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالتَّعْيِينِ عَنْ فَرْضِ الْوَقْتِ لِأَنَّ الْمَأْمُورَ بِهِ صَوْمٌ مَعْلُومٌ فَلَا بُدَّ مِنْ تَعْيِينِهِ لِيَخْرُجَ عَنْ الْعُهْدَةِ كَمَا فِي الصَّلَاةِ وَلَنَا أَنَّ رَمَضَانَ لَمْ يُشْرَعْ فِيهِ صَوْمٌ آخَرُ فَكَانَ مُتَعَيَّنًا لِلْفَرْضِ وَالْمُتَعَيَّنُ لَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فَيُصَابُ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةِ غَيْرِهِ بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ بِلَا نِيَّةٍ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرَ رحمه الله لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ مُتَرَدِّدٌ بَيْنَ الْعَادَةِ وَالْعِبَادَةِ فَكَانَ مُتَرَدِّدًا بِأَصْلِهِ مُتَعَيَّنًا بِوَصْفِهِ فَيَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ فِي الْمُتَرَدِّدِ لَا فِي الْمُتَعَيَّنِ فَيُصَابُ بِالْمُطْلَقِ وَمَعَ الْخَطَإِ فِي الْوَصْفِ كَالْمُتَوَحِّدِ فِي الدَّارِ يُصَابُ بِاسْمِ جِنْسِهِ وَمَعَ الْخَطَإِ فِي الْوَصْفِ وَهَذَا فِي حَقِّ الْمُقِيمِ الصَّحِيحِ وَأَمَّا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ فَكَذَلِكَ عِنْدَهُمَا لِأَنَّ الرُّخْصَةَ كَيْ لَا تَلْزَمَهُ الْمَشَقَّةُ فَإِذَا تَحَمَّلَهَا الْتَحَقَ بِغَيْرِ الْمَعْذُورِ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ يَكُونُ عَمَّا نَوَى لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ وَرُخْصَتُهُ مُتَعَلِّقَةٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

خَمْسَةً ثُمَّ قَالَتْ طَائِفَةٌ مِنْ الْمَشَايِخِ هَذَا إذَا نَوَى أَنْ يَصُومَ مَا عَلَيْهِ مِنْ رَمَضَانَ أَمَّا إذَا نَوَى صَوْمَ غَدٍ أَدَاءً لِصِيَامِ رَمَضَانَ فَلَا يَصِحُّ إلَّا أَنْ يُوَافِقَ رَمَضَانَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَطْلَقَ الْجَوَازَ وَهُوَ حَسَنٌ انْتَهَى فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ كَيْ لَا يَمْضِيَ بَعْضُ الرُّكْنِ) عِبَارَةُ الْفَتْحِ الْأَرْكَانُ (قَوْلُهُ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ فَلَمْ يَقَعْ ذَلِكَ الرُّكْنُ عِبَادَةً انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّ الشَّرْطَ أَنْ تَكُونَ النِّيَّةُ فِي أَكْثَرِ الْيَوْمِ إلَخْ) فَإِنْ قِيلَ فَمِنْ أَيْنَ اخْتَصَّ اعْتِبَارَهَا بِوُجُودِهَا فِي أَكْثَرِ النَّهَارِ وَمَا رَوَيْتُمْ لَا يُوجِبُهُ قُلْنَا لَمَّا كَانَ مَا رَوَيْنَاهُ وَاقِعَةَ حَالٍ لَا عُمُومَ لَهَا فِي جَمِيعِ أَجْزَاءِ النَّهَارِ وَاحْتَمَلَ كَوْنَ إجَازَةِ الصَّوْمِ فِي تِلْكَ الْوَاقِعَةِ لِوُجُودِ النِّيَّةِ فِيهَا فِي أَكْثَرِهِ بِأَنْ يَكُونَ أَمْرُهُ صلى الله عليه وسلم الْأَسْلَمِيَّ بِالنِّدَاءِ كَانَ وَالْبَاقِي مِنْ النَّهَارِ أَكْثَرُهُ وَاحْتَمَلَ كَوْنَهَا لِلتَّجْوِيزِ مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا فِي الْوَاجِبِ فَقُلْنَا بِالِاحْتِمَالِ الْأَوَّلِ لِأَنَّهُ أَحْوَطُ خُصُوصًا وَمَعَنَا نَصٌّ يَمْنَعُهَا مِنْ النَّهَارِ مُطْلَقًا وَعَضَّدَهُ الْمَعْنَى وَهُوَ أَنَّ لِلْأَكْثَرِ مِنْ الشَّيْءِ الْوَاحِدِ حُكْمَ الْكُلِّ فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَعَلَى اعْتِبَارِ هَذَا يَلْزَمُ اعْتِبَارُ كُلِّ النَّهَارِ بِلَا نِيَّةٍ لَوْ اكْتَفَى بِهَا فِي أَقَلِّهِ فَوَجَبَ الِاعْتِبَارُ الْآخَرُ. اهـ. فَتْحٌ.

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ النَّفَلُ) قَالَ فِي الدَّارِيَةِ وَفِي النِّيَّةِ بَعْدَ الزَّوَالِ لَهُ قَوْلَانِ ثُمَّ إذَا نَوَى قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَجَوَّزْنَاهُ فَهُوَ صَائِمٌ مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي الْأَصَحِّ وَقِيلَ مِنْ وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْقَفَّالِ. اهـ. قَالَ السُّرُوجِيُّ التَّجَزِّي فِي النَّفْلِ لَيْسَ قَوْلًا لِلشَّافِعِي بَلْ يُنْسَبُ ذَلِكَ لِلْمَرْوَزِيِّ مِنْ أَصْحَابِهِ قَالَ النَّوَوِيُّ اتَّفَقُوا عَلَى تَضْعِيفِهِ قَالَ الْمَاوَرْدِيُّ وَأَبُو الطَّيِّبُ فِي الْمُجَرَّدِ وَهُوَ خَطَأٌ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَبَعَّضُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَلَا يَتَحَقَّقُ بِغَيْرِ الْمُقَدَّرِ شَرْعًا) وَهُوَ الْيَوْمَ لَيْسَ لَفْظًا شَرْعًا فِي الشَّارِحِ (قَوْلُهُ يَكُونُ عَمَّا نَوَى) أَيْ مِنْ الْوَاجِبِ إذَا كَانَتْ النِّيَّةُ مِنْ اللَّيْلِ ذَكَرَهُ فِي أُصُولِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ حَيْثُ لَا يَكُونُ عَنْهُ خِلَافًا لِزُفَرِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ قَالَ زُفَرُ يَصِحُّ صَوْمُ رَمَضَانَ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيم بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَهُوَ مَذْهَبُ عَطَاءٍ وَمُجَاهِدٍ ذَكَرَهَا النَّوَوِيُّ قَالُوا لِأَنَّهُ لَا يَصِحُّ فِيهِ صَوْمُ غَيْرِ رَمَضَانَ لِتَعَيُّنِهِ فَلَا يَفْتَقِرُ إلَى النِّيَّةِ كَمَا لَوْ دَفَعَ نِصَابَ الزَّكَاةِ جَمِيعَهُ إلَى الْفُقَرَاءِ وَلَمْ يَنْوِ شَيْئًا وَهَذَا لِأَنَّ الزَّمَانَ مِعْيَارٌ لَهُ وَلَا يُتَصَوَّرُ فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ إلَّا صَوْمٌ وَاحِدٌ وَإِذَا كَانَ صَوْمُ رَمَضَانَ مُسْتَحَقًّا فِيهِ انْتَفَى غَيْرُهُ فَلَمْ يَكُنْ لَهُ فِيهِ مُزَاحِمٌ وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يُنْكِرُ أَنْ يَكُونَ هَذَا مَذْهَبًا لِزُفَرَ وَيَقُولُ مَذْهَبُهُ تَأْدِيَةُ جَمِيعِ صَوْمِ رَمَضَانَ بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ وَأَلْزَمَ الشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ زُفَرَ بِأَنْ يَجْعَلَ الْمُغْمَى عَلَيْهِ فِي رَمَضَانَ أَيَّامًا صَائِمًا إذَا لَمْ يَأْكُلْ وَلَمْ يَشْرَبْ لِوُجُودِ الْإِمْسَاكِ بِغَيْرِ نِيَّةٍ قَالَ فَإِنْ الْتَزَمَهُ مُلْتَزِمٌ كَانَ مُسْتَبْشَعًا. اهـ. سَرُوجِيٌّ

وَقَالَ مَالِكٌ وَاللَّيْثُ وَابْنُ الْمُبَارَكِ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ ابْنِ حَنْبَلٍ يُكْتَفَى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ فِي رَمَضَانَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنْ نَوَى الْمُسَافِرُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ) كَقَضَاءِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ وَالْكَفَّارَةِ (قَوْلُهُ يَكُونُ عَمَّا نَوَى) أَيْ بِلَا اخْتِلَافٍ فِي الرِّوَايَةِ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ شَغَلَ الْوَقْتَ بِالْأَهَمِّ) أَيْ لِتَحَتُّمِ الْوَاجِبِ فِي الْحَالِ وَغَيْرُهُ فِي صَوْمِ رَمَضَانَ إلَى إدْرَاكِ الْعِدَّةِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَلِأَنَّهُ لَوْ مَاتَ فِي رَمَضَانَ فِي سَفَرِهِ أَوْ فِي مَرَضِهِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَا إثْمَ وَيَأْثَمُ بِتَرْكِ الْوَاجِبِ الْآخَرِ الَّذِي نَوَاهُ لَوْ مَاتَ فِيهِ وَكَانَ الْإِتْيَانُ بِهِ آكَدَ وَأَحَقَّ فَصُرِفَ إلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ

ص: 315

بِمُطْلَقِ السَّفَرِ وَقَدْ وُجِدَ وَإِنْ نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ

وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمُسَافِرِ عَلَى إحْدَاهُمَا أَنَّ رُخْصَةَ الْمُسَافِرِ مُتَعَلِّقَةٌ بِالسَّفَرِ وَرُخْصَةَ الْمَرِيضِ بِالْعَجْزِ فَإِذَا صَامَ تَبَيَّنَ أَنَّهُ غَيْرُ عَاجِزٍ فَالْتَحَقَ بِالصَّحِيحِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنْ نَوَيَا النَّفَلَ فَفِيهِ رِوَايَتَانِ وَالْفَرْقُ عَلَى إحْدَاهُمَا فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ أَنَّهُ لَمْ يَصْرِفْ الْوَقْتَ إلَى الْأَهَمِّ وَوَجْهُ الْجَوَازِ أَنَّهُ لَمَّا جَازَ تَرْكُ صَوْمِ رَمَضَانَ لِأَجْلِ بَدَنِهِ فَأَوْلَى أَنْ يَجُوزَ لِأَجْلِ زِيَادَةِ دِينِهِ وَلَوْ نَوَى فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ صَحَّ عَمَّا نَوَى بِخِلَافِ رَمَضَانَ وَالْفَرْقُ أَنَّ رَمَضَانَ تَعَيَّنَ بِتَعْيِينِ الشَّارِعِ وَلَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّتِهِ لِغَيْرِهِ مِنْ الصِّيَامِ وَفِي النَّذْرِ تَعَيَّنَ بِتَعْيِينِ النَّاذِرِ وَلَهُ وِلَايَةُ إبْطَالِ صَلَاحِيَّةِ مَا لَهُ وَهُوَ النَّفَلُ لَا مَا عَلَيْهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ وَنَحْوُهُ وَجَوَازُ النَّفْلِ بِمُطْلَقِ النِّيَّةِ وَبِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ ظَاهِرٌ لِمَا بَيَّنَّا قَالَ رحمه الله (وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ) أَيْ مَا عَدَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَنْوَاعِ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ مُبَيَّتَةٍ مِنْ اللَّيْلِ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرِ الْمُطْلَقِ إذْ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُتَعَيَّنٌ لَهَا فَلَمْ يَتَعَيَّنْ لَهَا إلَّا بِنِيَّةٍ مِنْ اللَّيْلِ أَوْ بِنِيَّةٍ مُقَارِنَةٍ لِطُلُوعِ الْفَجْرِ فَلَمْ تَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ بِخِلَافِ صَوْمِ رَمَضَانَ وَالنَّذْرِ الْمُعَيَّنِ وَالنَّفَلِ لِأَنَّ الْوَقْتَ مُتَعَيَّنٌ لَهَا وَهَذَا لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ إنَّمَا يَتَوَقَّفُ عَلَى صَوْمِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَهُوَ النَّفَلُ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ فَلَمْ يَتَوَقَّفْ الْإِمْسَاكُ عَلَيْهَا أَيْ النِّيَّةِ

قَالَ رحمه الله (وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ أَوْ بَعْدَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ) يَوْمًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ فَإِنْ غُمَّ الْهِلَالُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَإِنْ نَوَى الْمَرِيضُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ فَعَنْهُ رِوَايَتَانِ إلَخْ) قَالَ فِي الْمَجْمَعِ وَالْمَرِيضُ فِي النِّيَّةِ كَالصَّحِيحِ فِي الْأَصَحِّ اهـ وَفِي الْبَدَائِعِ الْكَرْخِيُّ سَوَّى بَيْنَ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَقَالَ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ التَّسْوِيَةُ هِيَ الصَّحِيحُ

وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ نَوَى بِهِ الْمَرِيضُ وَاجِبًا آخَرَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ صَوْمَهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِخِلَافِ الْمُسَافِرِ وَهَكَذَا قَالَ فَخْرُ الْإِسْلَامِ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَقَوْلُ الْكَرْخِيِّ سَهْوٌ أَوْ مُؤَوَّلٌ وَمُرَادُهُ مَرِيضٌ يُطِيقُ الصَّوْمَ وَيَخَافُ مِنْهُ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَفِي الْبَدَائِعِ إنْ أَطْلَقَ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ بِلَا خِلَافٍ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ قُلْت وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِلْفِقْهِ وَفِي الْمُحِيطِ لَا يَقَعُ عَنْهُ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ وَقِيلَ لَا رِوَايَةَ فِي إطْلَاقِ النِّيَّةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ رَمَضَانَ وَإِنْ نَوَى النَّفَلَ فَفِي رِوَايَةِ ابْنِ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقَعُ عَنْ فَرْضِ رَمَضَانَ قَالَ فِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَكَذَا الْمَرِيضُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَقَعُ نَفْلًا هَكَذَا فِي الْمَبْسُوطِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى أَيْ الْمَرِيضُ فِي النَّذْرِ الْمُعَيَّنِ إلَخْ) أَيْ لِأَنَّ التَّعْيِينَ إنَّمَا حَصَلَ لِوِلَايَةِ النَّاذِرِ فَلَا يَعْدُو النَّاذِرَ فَصَحَّ تَعْيِينُهُ فِيمَا لَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّهِ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى النَّفَلُ مَشْرُوعًا فَأَمَّا فِيمَا يَرْجِعُ إلَى حَقِّ صَاحِبِ الشَّرْعِ وَهُوَ أَنْ لَا يَبْقَى مُحْتَمَلًا بِحَقِّهِ أَعْنِي الْقَضَاءَ وَالْكَفَّارَةَ فَلَا فَاعْتُبِرَ فِي احْتِمَالِهِمَا بِمَا لَوْ لَمْ يَنْذُرْ كَذَا فِي الْكَافِي وَبِهِ يَظْهَرُ تَعْلِيلُ الشَّارِحِ

(قَوْلُهُ وَهُوَ الْقَضَاءُ) وَنَحْوُهُ الْكَفَّارَةُ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَا بَقِيَ لَمْ يَجُزْ إلَّا بِنِيَّةٍ) فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ أَنْوَاعُ الصَّوْمِ سِتَّةٌ ثَلَاثَةٌ مِنْهَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ انْتِصَافِ النَّهَارِ وَهِيَ صَوْمُ رَمَضَانَ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ وَالنَّفَلُ وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَ ذَلِكَ وَثَلَاثَةٌ لَا تَجُوزُ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَصَوْمُ الْكَفَّارَاتِ وَالنَّذْرُ الْمُطْلَقُ وَالنِّيَّةُ فِيهَا لِتَعْيِينِ الْوَقْتِ لَهَا لِأَنَّهُ غَيْرُ مُتَعَيَّنٍ لَهَا وَعِنْدَ عَدَمِ النِّيَّةِ فِي أَوَّلِ الْوَقْتِ تَقَعُ نَفْلًا فَلَا يُمْكِنُ بَعْدَ ذَلِكَ تَحْوِيلُهُ إلَى الْوَاجِبِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ لَوْ أَصْبَحَ لَمْ يَنْوِ فِطْرًا وَلَا غَيْرَهُ وَهُوَ صَحِيحٌ مُقِيمٌ وَصَامَ يُجْزِئُهُ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ وَلَوْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ مُسَافِرًا أَوْ مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْفِطْرَ لَا يُجْزِئْهُ بِغَيْرِ نِيَّةٍ وَالتَّسَحُّرُ مِنْهُ نِيَّةٌ وَلَا يَجُوزُ بِنِيَّةٍ قَبْلَ الْغُرُوبِ لِلْيَوْمِ الْأَوَّلِ وَلَا لِلثَّانِي ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَالْمُحِيطِ وَهُوَ عَامٌّ فِي جَمِيعِ أَنْوَاعِ الصَّوْمِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ والمرغيناني إذَا نَوَى الْإِفْطَارَ بَعْدَ شُرُوعِهِ فِي الصَّوْمِ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ فِطْرًا حَتَّى يَأْكُلَ وَكَذَا لَوْ نَوَى الرُّجُوعَ لَا يَكُونُ رُجُوعًا وَكَذَا لَوْ نَوَى الْكَلَامَ فِي الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ حَتَّى يَتَكَلَّمَ وَفِي اللَّيْلِ لَوْ نَوَى الْإِفْطَارَ مِنْ الْغَدِ بَعْدَ نِيَّتِهِ يَكُونُ رُجُوعًا ذَكَرَهُ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ

وَلَوْ أَكَلَ أَوْ شَرِبَ أَوْ جَامَعَ أَوْ نَامَ بَعْدَ النِّيَّةِ لَا تَبْطُلُ نِيَّتُهُ وَحَكَى الْأَكْثَرُونَ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ الْمَرْوَزِيِّ أَنَّهَا تَبْطُلُ وَيَجِبُ تَجْدِيدُهَا قَالَ إمَامُ الْحَرَمَيْنِ رَجَعَ الْمَرْوَزِيِّ عَنْ هَذَا عَامَ حَجَّ وَقَالَ الْإِصْطَخْرِيُّ هَذَا خَرْقٌ لِلْإِجْمَاعِ وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ قَالَ نَوَيْت أَنْ أَصُومَ غَدًا إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّ النِّيَّةَ عَمَلُ الْقَلْبِ دُونَ اللِّسَانِ فَلَا يَعْمَلُ فِيهِ الِاسْتِثْنَاءُ وَفِي الذَّخِيرَةِ ذَكَرَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ أَنَّهُ لَا رِوَايَةَ لِهَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَفِيهَا قِيَاسٌ وَاسْتِحْسَانُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَصِيرَ صَائِمًا كَالطَّلَاقِ وَالْعَتَاقِ وَالْبَيْعِ وَفِي الِاسْتِحْسَانِ يَصِيرُ صَائِمًا لِأَنَّهُ لَا يُرَادُ الْإِبْطَالُ بَلْ هُوَ لِلِاسْتِعَانَةِ وَطَلَبًا لِلتَّوْفِيقِ وَالْفَرْقُ مَا ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ هُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَالشَّافِعِيُّ فِي وَجْهٍ انْتَهَى غَايَةٌ مُلَخَّصًا (قَوْلُهُ وَهِيَ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَالْكَفَّارَاتِ) أَيْ كَفَّارَةِ الْيَمِينِ وَالظِّهَارِ وَالْقَتْلِ وَجَزَاءِ الصَّيْدِ وَالْمُتْعَةِ وَالْحَلْقِ وَكَفَّارَةِ رَمَضَانَ انْتَهَى كَاكِيٌّ

وَمِنْ فُرُوعِ لُزُومِ التَّبْيِيتِ فِي غَيْرِ الْمُعَيَّنِ لَوْ نَوَى الْقَضَاءَ مِنْ النَّهَارِ فَلَمْ يَصِحَّ هَلْ يَقَعُ عَنْ النَّفْلِ فِي فَتَاوَى النَّسَفِيِّ نَعَمْ وَلَوْ أَفْطَرَ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ قِيلَ هَذَا إذَا عَلِمَ أَنَّ صَوْمَهُ عَنْ الْقَضَاءِ لَمْ يَصِحَّ بِنِيَّةٍ مِنْ النَّهَارِ وَأَمَّا إذَا لَمْ يَعْلَمْ فَلَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ كَمَا فِي الْمَضْمُونِ انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَثْبُتُ رَمَضَانُ بِرُؤْيَةِ هِلَالِهِ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَإِذَا ثَبَتَ فِي مِصْرٍ لَزِمَ سَائِرَ النَّاسِ فَيَلْزَمُ أَهْلَ الْمَشْرِقِ رُؤْيَةُ أَهْلِ الْمَغْرِبِ فِي ظَاهِرِ الْمَذْهَبِ وَقِيلَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ لِأَنَّ السَّبَبَ الشَّهْرُ وَانْعِقَادُهُ فِي حَقِّ قَوْمٍ لِرُؤْيَةٍ لَا يَسْتَلْزِمُ انْعِقَادَهُ فِي حَقِّ آخَرِينَ مَعَ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَصَارَ كَمَا لَوْ زَالَتْ أَوْ غَرَبَتْ الشَّمْسُ عَلَى قَوْمٍ دُونَ آخَرِينَ وَجَبَ عَلَى الْأَوَّلِينَ الظُّهْرُ وَالْمَغْرِبُ دُونَ أُولَئِكَ وَجْهُ الْأَوَّلِ عُمُومُ الْخِطَابِ فِي قَوْلِهِ صُومُوا مُعَلَّقًا لِمُطْلَقِ الرُّؤْيَةِ فِي قَوْلِهِ لِرُؤْيَتِهِ وَبِرُؤْيَةِ قَوْمٍ يَصْدُقُ اسْمُ الرُّؤْيَةِ فَيَثْبُتُ مَا تَعَلَّقَ بِهِ مِنْ عُمُومِ الْحُكْمِ فَيَعُمُّ الْوُجُوبُ بِخِلَافِ الزَّوَالِ وَأَخِيهِ فَإِنَّهُ لَمْ يَثْبُتْ تَعَلُّقُ عُمُومِ الْوُجُوبِ بِمُطْلَقِ مُسَمَّاهُ فِي خِطَابٍ

ص: 316

عَلَيْكُمْ فَأَكْمِلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا» وَهَذَا بِالْإِجْمَاعِ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ لِأَنَّ الشَّهْرَ قَدْ يَكُونُ تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا يُشِيرُ بِأَصَابِعِ يَدَيْهِ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ فِي الثَّالِثَةِ يَعْنِي تِسْعَةً وَعِشْرِينَ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ يَعْنِي ثَلَاثِينَ يَوْمًا فَيَجِبُ طَلَبُهُ لِإِقَامَةِ الْوَاجِبِ» قَالَ رحمه الله (وَلَا يُصَامُ يَوْمُ الشَّكِّ إلَّا تَطَوُّعًا) وَوَقَعَ الشَّكُّ بِأَحَدِ أَمْرَيْنِ إمَّا أَنْ يُغَمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ رَمَضَانَ أَوْ هِلَالُ شَعْبَانَ فَيَقَعُ الشَّكُّ أَنَّهُ أَوَّلُ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ آخَرُ يَوْمٍ مِنْ شَعْبَانَ وَإِنَّمَا كُرِهَ غَيْرُ التَّطَوُّعِ لِمَا رَوَى حُذَيْفَةُ بْنُ الْيَمَانِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا تَقَدَّمُوا الشَّهْرَ حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ ثُمَّ صُومُوا حَتَّى تَرَوْا الْهِلَالَ أَوْ تُكْمِلُوا الْعِدَّةَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَرَوَى عِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لِرَجُلٍ هَلْ صُمْت مِنْ سُرَرِ شَعْبَانَ قَالَ لَا قَالَ فَإِذَا أَفْطَرْت فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَفِي لَفْظٍ فَصُمْ يَوْمًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «أَفْضَلُ الصِّيَامِ صِيَامُ أَخِي دَاوُد» وَهُوَ مُطْلَقٌ فَيَدْخُلُ فِيهِ الْكُلُّ وَهُوَ مَذْهَبُ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَمُعَاوِيَةَ وَعَائِشَةَ وَأَسْمَاءَ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ سُمِّيَ بِهِ لِاسْتِسْرَارِ الْقَمَرِ فِيهِ قَالَهُ الْمُنْذِرِيُّ فَعُلِمَ بِهَذَا أَنَّ الْمُرَادَ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ حَتَّى لَا يُزَادَ عَلَى صَوْمِ رَمَضَانَ كَمَا زَادَ أَهْلُ الْكِتَابِ عَلَى صَوْمِهِمْ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يُكْرَهُ التَّطَوُّعُ إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلَا تَصُومُوا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَاشْتَهَرَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ كَانَ يَصُومُ شَعْبَانَ كُلَّهُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ مَحْفُوظٍ قَالَهُ أَحْمَدُ ثُمَّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى وُجُوهٍ أَحَدُهُمَا أَنْ يَنْوِيَ رَمَضَانَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِمَا بَيَّنَّا ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ صَحَّ عَنْهُ لِأَنَّهُ شَهِدَ الشَّهْرَ وَصَامَهُ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ كَانَ تَطَوُّعًا وَإِنْ أَفْطَرَ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ ظَانٌّ وَالثَّانِي أَنْ يَنْوِيَ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ أَيْضًا لِمَا رَوَيْنَا إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ يُجْزِئُهُ لِوُجُودِ أَصْلِ النِّيَّةِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَقَدْ قِيلَ يَكُونُ تَطَوُّعًا لِأَنَّهُ مَنْهِيٌّ عَنْهُ فَلَا يَتَأَدَّى بِهِ الْكَامِلُ مِنْ الْوَاجِبِ وَقِيلَ يُجْزِئُهُ عَنْ الَّذِي نَوَاهُ وَهُوَ الْأَصَحُّ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ عَنْهُ هُوَ التَّقَدُّمُ بِصَوْمِ رَمَضَانَ عَلَى مَا بَيَّنَّا بِخِلَافِ يَوْمِ الْعِيدِ لِأَنَّ النَّهْيَ لِأَجْلِ تَرْكِ إجَابَةِ الدَّعْوَةِ وَهُوَ يُلَازِمُ كُلَّ صَوْمٍ وَالْكَرَاهِيَةُ هُنَا لِصُورَةِ النَّهْيِ لَا غَيْرُ

وَقَدْ بَيَّنَّا أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ التَّطَوُّعِ وَالثَّالِثُ أَنْ يَنْوِيَ التَّطَوُّعَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

مِنْ الشَّارِعِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ ثُمَّ إنَّمَا يَلْزَمُ مُتَأَخِّرِي الرُّؤْيَةِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُمْ رُؤْيَةُ أُولَئِكَ بِطَرِيقٍ مُوجِبٍ حَتَّى لَوْ شَهِدَ جَمَاعَةٌ أَهْلُ بَلَدِ كَذَا رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَكُمْ فَصَامُوا وَهَذَا الْيَوْمُ ثَلَاثُونَ بِحِسَابِهِمْ وَلَمْ يَرَ هَؤُلَاءِ الْهِلَالَ لَا يُبَاحُ فِطْرُ غَدٍ وَلَا تُتْرَكُ التَّرَاوِيحُ هَذِهِ اللَّيْلَةَ لِأَنَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةَ لَمْ يَشْهَدُوا بِالرُّؤْيَةِ وَلَا عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِمْ.

وَإِنَّمَا حَكَوْا رُؤْيَةَ غَيْرِهِمْ وَلَوْ شَهِدُوا أَنَّ قَاضِيَ بَلَدٍ شَهِدَ عِنْدَهُ اثْنَانِ لِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِي لَيْلَةِ كَذَا وَقَضَى بِشَهَادَتِهِمَا جَازَ لِهَذَا الْقَاضِي أَنْ يَحْكُمَ بِشَهَادَتِهِمَا لِأَنَّ قَضَاءَ الْقَاضِي حُجَّةٌ وَقَدْ شَهِدُوا بِهِ وَمُخْتَارُ صَاحِبِ التَّحْرِيرِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَشَايِخِ اعْتِبَارُ اخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَعُورِضَ لَهُمْ بِحَدِيثِ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ قَالَ قَدِمْت الشَّامَ فَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ رَمَضَانُ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمُوهُ فَقُلْت رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْته فَقُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَوَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصَوْمِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَشَكَّ أَحَدُ رُوَاتِهِ فِي نَكْتَفِي بِالنُّونِ أَوْ بِالتَّاءِ وَلَا شَكَّ أَنَّ هَذَا أَوْلَى لِأَنَّهُ نَصٌّ وَذَاكَ مُحْتَمَلُ الْمُرَادِ أَنَّ كُلَّ أَهْلِ مَطْلَعٍ مُكَلَّفُونَ بِالصَّوْمِ لِرُؤْيَتِهِمْ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَقَدْ قَالَ إنَّ الْإِشَارَةَ فِي قَوْلِهِ هَكَذَا إلَى نَحْوِ مَا جَرَى بَيْنَهُ وَبَيْنَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَحِينَئِذٍ لَا دَلِيلَ فِيهِ لِأَنَّ مِثْلَ مَا وَقَعَ مِنْ كَلَامِهِ لَوْ وَقَعَ لَنَا لَمْ نَحْكُمْ بِهِ لِأَنَّهُ لَمْ يَشْهَدْ عَلَى شَهَادَةِ غَيْرِهِ وَلَا عَلَى حُكْمِ غَيْرِ الْحَاكِمِ فَإِنْ قِيلَ إخْبَارُهُ عَنْ صَوْمِ مُعَاوِيَةَ يَتَضَمَّنُهُ لِأَنَّهُ الْإِمَامُ يُجَابُ بِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَلَوْ سَلَّمَ فَهُوَ وَاحِدٌ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهِ وُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَى الْقَاضِي وَاَللَّهُ أَعْلَمُ

وَالْأَخْذُ بِظَاهِرِ الرِّوَايَةِ أَحْوَطُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَجِبُ الْتِمَاسُ الْهِلَالِ إلَخْ) هُوَ وَاجِبٌ عَلَى الْكِفَايَةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ شَعْبَانَ) تَسَاهُلٌ فَإِنَّ التَّرَائِيَ إنَّمَا يَجِبُ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ لَا فِي الْيَوْمِ الَّتِي هِيَ عَشِيَّتُهُ نَعَمْ لَوْ رُئِيَ فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَانَ كَرُؤْيَتِهِ فِي لَيْلَةِ الثَّلَاثِينَ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي رُؤْيَتِهِ قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الثَّلَاثِينَ انْتَهَى فَتْحٌ وَسَيَأْتِي الْخِلَافُ آخِرَ الْبَابِ (قَوْلُهُ وَخَنَسَ إبْهَامَهُ) خَنَسَ بِالْخَاءِ وَالنُّونِ أَجْوَدُ مِمَّنْ قَالَ حَبَسَ الْإِبْهَامَ بِمَعْنَى عَطَفَهُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّهْرُ هَكَذَا وَهَكَذَا مِنْ غَيْرِ خَنْسٍ) مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ) وَالدَّارَقُطْنِيّ وَغَيْرُهُ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ) اسْتَدَلَّ بِهِ الْإِمَامُ أَحْمَدُ عَلَى وُجُوبِ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ (قَوْلُهُ وَفِي لَفْظِ فَصُمْ يَوْمًا) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَاعْلَمْ أَنَّ السُّرَرَ قَدْ يُقَالُ عَلَى الثَّلَاثَةِ الْأَخِيرَةِ مِنْ لَيَالِي الشَّهْرِ لَكِنْ دَلَّ قَوْلُهُ صُمْ يَوْمًا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ صُمْ آخِرَهَا لَا كُلَّهَا وَإِلَّا قَالَ صُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مَكَانَهَا

وَكَذَا قَوْلُهُ مِنْ سُرَرِ الشَّهْرِ لِإِفَادَةِ التَّبْعِيضِ وَعِنْدَنَا هَذَا يُفِيدُ اسْتِحْبَابَ صَوْمِهِ لَا وُجُوبَهُ لِأَنَّهُ مُعَارَضٌ بِنَهْيِ التَّقَدُّمِ بِصِيَامِ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ فَيُحْمَلُ عَلَى كَوْنِ الْمُرَادِ التَّقَدُّمَ بِصَوْمِ رَمَضَانَ جَمْعًا بَيْنَ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ وَاجِبٌ مَا أَمْكَنَ وَيَصِيرُ حَدِيثُ السُّرَرِ لِلِاسْتِحْبَابِ (قَوْلُهُ فَيَدْخُلُ فِيهِ) أَيْ فِي صَوْمِ دَاوُد الْكُلَّ أَيْ يَوْمَ الشَّكِّ وَغَيْرِهِ (قَوْلُهُ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُهُ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ وَسُرَرُ الشَّهْرِ آخِرُ لَيْلَةٍ مِنْهُ وَكَذَلِكَ سِرَارُهُ وَهُوَ مُشْتَقٌّ مِنْ قَوْلِهِمْ اسْتَسَرَّ الْقَمَرُ أَيْ خَفِيَ لَيْلَةَ السِّرَارِ فَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَةً وَرُبَّمَا اسْتَسَرَّ لَيْلَتَيْنِ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ دُونَ الْأَوَّلِ فِي الْكَرَاهِيَةِ) أَيْ لِأَنَّ الْأَوَّلَ نَصٌّ فِي زِيَادَةِ يَوْمٍ مِنْ

ص: 317

وَهُوَ غَيْرُ مَكْرُوهٍ لِمَا بَيَّنَّا وَمَا رَوَاهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ مِنْ قَوْلِهِ مَنْ صَامَ يَوْمَ الشَّكِّ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ وَمِنْ قَوْلِهِ لَا يُصَامُ الْيَوْمُ الَّذِي يُشَكُّ فِيهِ إلَّا تَطَوُّعًا لَا أَصْلَ لَهُ وَيُرْوَى الْأَوَّلُ مَوْقُوفًا عَلَى عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ وَهُوَ فِي مِثْلِهِ كَالْمَرْفُوعِ ثُمَّ إنْ صَامَ ثَلَاثَةً مِنْ آخِرِ شَعْبَانَ أَوْ وَافَقَ صَوْمًا كَانَ يَصُومُهُ فَالصَّوْمُ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِنْ كَانَ خِلَافَ ذَلِكَ فَقَدْ قِيلَ الْفِطْرُ أَفْضَلُ احْتِرَازًا عَنْ ظَاهِرِ النَّهْيِ

وَقِيلَ الصَّوْمُ أَفْضَلُ اقْتِدَاءً بِعَلِيٍّ وَعَائِشَةَ كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ لِأَنَّهُمَا كَانَا يَصُومَانِهِ بِنِيَّةِ رَمَضَانَ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ رَادًّا عَلَى صَاحِبِ الْهِدَايَةِ أَنَّ عَلِيًّا مَذْهَبُهُ خِلَافُ ذَلِكَ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ غَيْمٌ يَصُومُ وَإِلَّا فَلَا وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي بِنَفْسِهِ أَخْذًا بِالِاحْتِيَاطِ وَيَأْمُرُ الْعَامَّةَ بِالتَّلَوُّمِ إلَى أَنْ يَذْهَبَ وَقْتَ النِّيَّةِ ثُمَّ يَأْمُرَهُمْ بِالْإِفْطَارِ نَفْيًا لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ ثُمَّ فِي هَذَا الْفَصْلِ وَهُوَ مَا إذَا نَوَى التَّطَوُّعَ إنْ أَفْسَدَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ كَيْفَمَا كَانَ لِأَنَّهُ شَرَعَ فِيهِ مُلْتَزِمًا

وَالرَّابِعُ أَنْ يَضَّجِعَ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ أَنْ يَصُومَ غَدًا إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا يَصُومَهُ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ لَا يَصِيرُ صَائِمًا لِعَدَمِ الْجَزْمِ فِي الْعَزِيمَةِ فَصَارَ كَمَا إذَا نَوَى أَنَّهُ إنْ لَمْ يَجِدْ غَدَاءً فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ أَوْ نَوَى إنْ وَجَدَ سَحُورًا فَهُوَ صَائِمٌ وَإِلَّا فَمُفْطِرٌ وَالْخَامِسُ أَنْ يَضْجَعَ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ بِأَنْ يَنْوِيَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْ رَمَضَانَ أَنْ يَصُومَ عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَعَنْ وَاجِبٍ آخَرَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ لِتَرَدُّدِهِ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَكْرُوهَيْنِ ثُمَّ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانِ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِوُجُودِ الْجَزْمِ فِي أَصْلِ النِّيَّةِ وَإِنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ لَا يُجْزِئُهُ عَنْ وَاجِبٍ آخَرَ لِلتَّرَدُّدِ فِي وَصْفِ النِّيَّةِ وَتَعْيِينُ الْجِهَةِ شَرْطٌ فِيهِ لَكِنَّهُ يَكُونُ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ بِالْقَضَاءِ لِشُرُوعِهِ مُسْقِطًا

وَالسَّادِسُ أَنْ يَنْوِيَ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ غَدٌ مِنْهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ فَيُكْرَهُ لِأَنَّهُ نَاوٍ لِلْفَرْضِ مِنْ وَجْهٍ ثُمَّ إنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَجْزَأَهُ عَنْهُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ صَارَ تَطَوُّعًا غَيْرَ مَضْمُونٍ عَلَيْهِ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ

قَالَ رحمه الله (وَمَنْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ أَوْ الْفِطْرِ وَرَدَّ قَوْلَهُ صَامَ) أَمَّا إذَا رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» وَقَدْ رَآهُ ظَاهِرًا فَيَجِبُ عَلَيْهِ الْعَمَلُ بِهِ وَأَمَّا هِلَالُ الْفِطْرِ فَالِاحْتِيَاطُ فِيهِ أَنْ يَصُومَ وَلَا يُفْطِرَ إلَّا مَعَ النَّاسِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» وَرَوَى أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «الصَّوْمُ يَوْمَ تَصُومُونَ وَالْفِطْرُ يَوْمَ تُفْطِرُونَ» وَالنَّاسُ لَمْ يُفْطِرُوا فِي هَذَا الْيَوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يُفْطِرَ وَلِأَنَّ اتِّفَاقَ الْخَلْقِ الْكَثِيرِ وَالْجَمِّ الْغَفِيرِ عَلَى عَدَمِ رُؤْيَتِهِ يَدُلُّ عَلَى خَطَإِ هَذَا الرَّائِي مَعَ اسْتِوَائِهِمْ فِي قُوَّةِ النَّظَرِ وَحِدَّةِ الْبَصَرِ وَمَعْرِفَةِ مَنَازِلِ الْقَمَرِ وَالْحِرْصِ مِنْهُمْ عَلَى طَلَبِهِ وَلَعَلَّهُ رَأَى شَعْرَةً طَوِيلَةً قَائِمَةً بِحَاجِبِهِ أَوْ جُفُونِهِ وَقِيلَ لَا يَصُومُ بَلْ يَأْكُلُ سِرًّا

وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ مَعْنَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ لَا يُفْطِرُ أَيْ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَكِنْ لَا يَنْوِي الصَّوْمَ وَلَا يَتَقَرَّبُ بِهِ إلَى اللَّهِ تَعَالَى لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي ثَبَتَتْ عِنْدَهُ قَالَ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - (فَإِنْ أَفْطَرَ قَضَى فَقَطْ) أَيْ إنْ أَفْطَرَ بَعْدَمَا رَدَّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَالْمَسْأَلَةُ بِحَالِهَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

رَمَضَانَ بِخِلَافِ الثَّانِي. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فَقَدْ عَصَى أَبَا الْقَاسِمِ) يَعْنِي إذَا صَامَ عَلَى أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا دَلَالَةَ فِيهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَعَلَّ الْمُصَنِّفَ يُنَازِعُ فِيمَا ذَكَرَهُ شَارِحُ الْكَنْزِ لِأَنَّ الْمَنْقُولَ مِنْ قَوْلِ عَائِشَةَ فِي صَوْمِهَا لَأَنْ أَصُومَ يَوْمًا مِنْ شَعْبَانَ أَحَبُّ إلَيَّ مِنْ أَنْ أُفْطِرَ يَوْمًا مِنْ رَمَضَانَ فَهَذَا الْكَلَامُ يُفِيدُ أَنَّهَا تَصُومُهُ عَلَى أَنَّهُ يَوْمٌ مِنْ شَعْبَانَ كَيْ لَا تَقَعَ فِي إفْطَارِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ وَيَبْعُدُ أَنْ تَقْصِدَ بِهِ رَمَضَانَ بَعْدَ حُكْمِهَا بِأَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ وَكَوْنُهُ مِنْ رَمَضَانَ احْتِمَالٌ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَصُومَ الْمُفْتِي) لَيْسَ بِقَيْدٍ بَلْ كُلُّ مَنْ كَانَ مِنْ الْخَاصَّةِ وَهُوَ مَنْ يَتَمَكَّنُ مِنْ ضَبْطِ نَفْسِهِ عَنْ الْإِضْجَاعِ فِي النِّيَّةِ وَمُلَاحَظَةِ كَوْنِهِ عَنْ الْفَرْضِ إنْ كَانَ غَدًا مِنْ رَمَضَانَ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ

(قَوْلُهُ لِتُهْمَةِ ارْتِكَابِ النَّهْيِ) أَيْ فَإِنَّهُ لَوْ أَفْتَى الْعَامَّةُ بِالنَّفْلِ عَسَى يَقَعُ عِنْدَهُمْ أَنَّهُ خَالَفَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم حَيْثُ نَهَى عَنْ صَوْمِ يَوْمِ الشَّكِّ وَهُوَ أَطْلَقَهَا. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَالرَّابِعُ أَنْ يُضَجِّعَ) وَالتَّضْجِيعُ فِي النِّيَّةِ هُوَ التَّرَدُّدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَفِي هَذَا الْوَجْهِ إلَخْ) رَأَيْت عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ حَاشِيَةً بِغَيْرِ خَطِّهِ نَصُّهَا أَوْرَدَ شِهَابُ الدِّينِ بْنُ مَالِكٍ فِي الدَّرْسِ عَلَى هَذَا وَقَالَ يَنْبَغِي أَنْ يُقَالَ بِجَوَازِ صَوْمِهِ لِأَنَّ قَوْلَهُ نَوَيْت صِيَامَهُ عَنْ رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ صَحِيحٌ

وَالْكَلَامُ الْآخَرُ لَا يَصْلُحُ لِلْإِبْطَالِ بِنَاءً عَلَى أَنَّهُ جُمْلَةٌ أُخْرَى وَهَذَا إعْرَاضٌ عَنْ الْمَسْأَلَةِ لِأَنَّ الْمَسْأَلَةَ فِي نِيَّةِ ذَلِكَ لَا التَّلَفُّظُ بِهِ اهـ مَا رَأَيْته (قَوْلُهُ وَعَنْ التَّطَوُّعِ إنْ كَانَ مِنْ شَعْبَانَ إلَخْ) رَأَيْت عَلَى هَامِشِ نُسْخَةِ الشَّارِحِ حَاشِيَةً بِغَيْرِ خَطِّهِ نَصُّهَا وَقَعَ بَيْنِي وَبَيْنَ فُقَهَاءِ الدَّرْسِ تَرَدُّدٌ فِيمَا إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ هَلْ يَكُونُ مَكْرُوهًا أَوْ لَا وَاَلَّذِي ظَهَرَ لِي أَنَّ وَصْفَ الْكَرَاهَةِ عَامٌّ لِلْوَجْهَيْنِ لِلْعِلَّةِ الْمَذْكُورَةِ هُنَا وَكَذَا لَفْظُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ فَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ فَوَجْهُ الْكَرَاهَةِ أَنَّهُ لَمْ يَنْوِ الْفَرْضَ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَإِنْ ظَهَرَ أَنَّهُ مِنْ شَعْبَانَ فَلِأَنَّهُ نَوَى الْفَرْضَ مِنْ وَجْهٍ وَنِيَّةُ الْفَرْضِ فِي هَذَا الْيَوْمِ بِسَبَبِ الْكَرَاهَةِ اهـ مَا رَأَيْته وَاَللَّهُ الْمُوَفِّقُ قَوْلُهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ أَيْ عِبَارَةُ الشَّارِحِ كَعِبَارَةِ الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ لِدُخُولِ الْإِسْقَاطِ فِي عَزِيمَتِهِ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ حَيْثُ نَوَى رَمَضَانَ إنْ كَانَ مِنْ رَمَضَانَ وَالنَّفَلُ إنَّمَا يَلْزَمُ بِالشُّرُوعِ إنْ كَانَ مُلْتَزِمًا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ

(قَوْلُهُ وَرُدَّ قَوْلَهُ) أَيْ وَرَدَّهُ لِتُهْمَةِ الْفِسْقِ إنْ كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ أَوْ لِتَفَرُّدِهِ إنْ لَمْ يَكُنْ بِهَا عِلَّةٌ وَإِنْ كَانَ عَدْلًا. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْمَبْسُوطِ وَإِنَّمَا يَرُدُّ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً وَهُوَ مِنْ أَهْلِ الْمِصْرِ فَأَمَّا إذَا كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ جَاءَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ مِنْ مَكَان مُرْتَفِعٍ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صَوْمُكُمْ يَوْمَ تَصُومُونَ وَفِطْرُكُمْ يَوْمَ تُفْطِرُونَ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ مَعْنَاهُ وَقْتُ

ص: 318

وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ أَمَّا الْفِطْرُ فِي هِلَالِ الْفِطْرِ فَظَاهِرٌ لِأَنَّهُ يَوْمُ عِيدٍ عِنْدَهُ فَيَكُونُ شُبْهَةً وَأَمَّا فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فَلِأَنَّ الْإِمَامَ لَمَّا رَدَّ شَهَادَتَهُ صَارَ مُكَذَّبًا شَرْعًا وَلِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ الِاشْتِبَاهَ عَلَيْهِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَرُوِيَ أَنَّ رَجُلًا أَخْبَرَ عُمَرُ رضي الله عنه بِرُؤْيَةِ الْهِلَالِ فَمَسَحَ عُمَرُ عَلَى حَاجِبِهِ ثُمَّ قَالَ أَيْنَ الْهِلَالُ فَقَالَ فَقَدْته يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ فَعَلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ شَعْرَةً مِنْ حَاجِبِهِ أَوْ جَفْنِهِ تَقَوَّسَتْ فَظَنَّهَا هِلَالًا وَقِيلَ تَجِبُ الْكَفَّارَةُ فِيهِمَا لِلظَّاهِرِ الَّذِي هُوَ بَيْنَ النَّاسِ فِي الْفِطَرِ وَلِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ فِي رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي ذَكَرْنَاهَا وَلِأَنَّ رَدَّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ حُكْمٌ مِنْهُ بِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ رَمَضَانَ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَضَى بِالْقِصَاصِ بِالشَّهَادَةِ فَقَتَلَهُ الْوَلِيُّ ثُمَّ جَاءَ الْمَقْتُولُ حَيًّا لَا يَجِبُ عَلَى الْوَلِيِّ الْقِصَاصُ لِأَنَّ قَضَاءَهُ بِهِ يَصِيرُ شُبْهَةً وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ فَمِنْهُمْ مَنْ أَوْجَبَهَا فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ فِيهِمَا لِمَا ذَكَرْنَا وَأَوْجَبَ الشَّافِعِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - الْكَفَّارَةَ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ مُطْلَقًا إنْ أَفْطَرَ بِالْوِقَاعِ لِأَنَّهُ أَفْطَرَ فِي رَمَضَانَ حَقِيقَةً لِتَيَقُّنِهِ بِهِ وَحُكْمًا لِوُجُوبِ الصَّوْمِ عَلَيْهِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا بَيَّنَّا وَالْإِمَامُ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ لَا يُفْطِرُ وَلَا يَخْرُجُ لِصَلَاةِ الْعِيدِ لِمَا مَرَّ وَلَوْ رَأَى هِلَالَ رَمَضَانَ رَجُلٌ وَاحِدٌ فَرُدَّتْ شَهَادَتُهُ فَصَامَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا لَمْ يُفْطِرْ إلَّا مَعَ الْإِمَامِ لِأَنَّا إنَّمَا أَوْجَبْنَا عَلَيْهِ الصَّوْمَ احْتِيَاطًا وَالِاحْتِيَاطُ بَعْدَ ذَلِكَ مَعَ مُوَافَقَةِ النَّاسِ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِلْحَقِيقَةِ الَّتِي عِنْدَهُ قَالَ رحمه الله

(وَقُبِلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ وَلَوْ قِنًّا أَوْ أُنْثَى لِرَمَضَانَ وَحُرَّيْنِ أَوْ حُرٍّ وَحُرَّتَيْنِ لِلْفِطْرِ) أَيْ إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ يُقْبَلُ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ خَبَرُ وَاحِدٍ عَدْلٍ وَلَوْ كَانَ عَبْدًا أَوْ امْرَأَةً وَفِي هِلَالِ الْفِطْرِ تُقْبَلُ شَهَادَةُ رَجُلٍ حُرٍّ وَامْرَأَتَيْنِ حُرَّتَيْنِ وَالْعِلَّةُ الْغَيْمُ أَوْ الْغُبَارُ وَنَحْوُهُمَا أَمَّا هِلَالُ رَمَضَانَ فَلِأَنَّهُ أَمْرٌ دِينِيٌّ فَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ ذَكَرًا كَانَ أَوْ أُنْثَى حُرًّا كَانَ أَوْ عَبْدًا كَرِوَايَةِ الْأَخْبَارِ وَلِهَذَا لَا يَخْتَصُّ بِلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَتُشْتَرَطُ الْعَدَالَةُ لِأَنَّ قَوْلَ الْفَاسِقِ فِي الدِّيَانَاتِ الَّتِي يُمْكِنُ تَلَقِّيهَا مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ غَيْرُ مَقْبُولٍ كَرِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِطَهَارَةِ الْمَاءِ وَنَجَاسَتِهِ وَنَحْوِهِ حَيْثُ يُتَحَرَّى فِي قَبُولِ الْفَاسِقِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَلَقِّيهِ مِنْ جِهَةِ الْعُدُولِ لِأَنَّهُ وَاقِعَةٌ خَاصَّةً لَا يُمْكِنُ اسْتِصْحَابُ الْعُدُولِ فِيهَا وَفِي هِلَالِ رَمَضَانَ مُمْكِنٌ لِأَنَّ الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ مُتَشَوِّقُونَ إلَى رُؤْيَةِ الْهِلَالِ فِيهِ وَفِي عُدُولِهِمْ كَثْرَةٌ فَلَا حَاجَةَ إلَى قَبُولِ خَبَرِ الْفَاسِقِ فِيهِ كَمَا فِي رِوَايَاتِ الْأَخْبَارِ، وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ عَدْلًا كَانَ أَوْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

صَوْمِكُمْ الْمَفْرُوضِ يَوْمَ صَوْمِكُمْ لِأَنَّ نَفْسَ الصَّوْمِ فِعْلُنَا وَهُوَ أَمْرٌ حِسِّيٌّ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْبَيَانِ وَإِنَّمَا لَا يَحْتَاجُ لِلْحُكْمَيَّ وَهُوَ شَهْرُ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ ثَبَتَ شَرْعًا لَا بِفِعْلِ النَّاسِ فَبَيَّنَ عليه الصلاة والسلام أَنَّ شَهْرَ الصَّوْمِ يَوْمُ صَوْمِهِمْ يَعْنِي أَنَّهُ لَا يَتَجَزَّأُ ثُبُوتُهُ فِي حَقِّ الْبَعْضِ دُونَ الْبَعْضِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِيمَا إذَا أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّ الْإِمَامِ شَهَادَتَهُ) أَيْ فَإِنْ أَفْطَرَ قَبْلَ رَدِّهِ فَلَا رِوَايَةَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْإِمَامُ إذَا رَأَى هِلَالَ الْفِطْرِ وَحْدَهُ) أَيْ حُكْمُهُ حُكْمُ غَيْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَوْ أَفْطَرَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ) أَيْ فِي الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ. اهـ. غَايَةٌ وَالْحَاصِلُ أَنَّ رُؤْيَتَهُ مُوجِبَةٌ عَلَيْهِ الصَّوْمَ وَعَدَمُ صَوْمِ النَّاسِ الْمُتَفَرِّعُ عَنْ تَكْذِيبِ الشَّرْعِ إيَّاهُ قَامَ شُبْهَةً فِيهِ مَانِعَةً مِنْ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إنْ أَفْطَرَ بِحُكْمِ النَّصِّ بِالصَّوْمِ يَوْمَ يَصُومُ النَّاسُ وَعَدَمُ فِطْرِ النَّاسِ الْيَوْمَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ مِنْ صَوْمِهِ مُوجِبٌ لِلصَّوْمِ عَلَيْهِ بِذَلِكَ النَّصِّ أَيْضًا وَالْحَقِيقَةُ الَّتِي عِنْدَهُ وَهُوَ شُهُودُ الشَّهْرِ وَكَوْنُهُ لَا يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ ثَلَاثِينَ بِالنَّصِّ شُبْهَةً فِيهِ مَانِعَةً مِنْ الْكَفَّارَةِ عَلَيْهِ إذَا أَفْطَرَ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَبِلَ الْإِمَامُ شَهَادَتَهُ وَهُوَ فَاسِقٌ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَأَفْطَرَ هُوَ أَوْ وَاحِدٌ مِنْ أَهْلِ بَلَدِهِ لَزِمَتْهُ الْكَفَّارَةُ وَبِهِ قَالَ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ خِلَافًا لِلْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ لِأَنَّهُ يَوْمُ صَوْمِ النَّاسِ وَلَوْ كَانَ عَدْلًا يَنْبَغِي أَنْ لَا يَكُونَ فِي وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ خِلَافٌ لِأَنَّ وَجْهَ النَّفْيِ كَوْنُهُ بِمَا لَا يَجُوزُ الْقَضَاءُ بِشَهَادَتِهِ وَهُوَ مُتَّفَقٌ هُنَا. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقِيلَ بِعِلَّةِ خَبَرِ عَدْلٍ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ هَاهُنَا فَائِدَةً جَلِيلَةً لَا بُدَّ مِنْ التَّنْبِيهِ عَلَيْهَا هِيَ أَنَّ الرَّمَضَانِيَّةَ إذَا ثَبَتَتْ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ فِي حَدِّ الْأَمْرِ الدِّينِيِّ وَهُوَ الصَّوْمُ يَثْبُتُ جَمِيعُ مَا يَتَعَلَّقُ بِهَا مِنْ الطَّلَاقِ الْمُعَلَّقِ وَالْعِتْقِ وَالْأَيْمَانِ وَحُلُولِ الْآجَالِ وَغَيْرِهَا تَبَعًا وَضِمْنًا وَإِنْ كَانَ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ لَا يَثْبُتُ ابْتِدَاءً بِقَوْلِ الْوَاحِدِ فَكَمْ مِنْ شَيْءٍ يَثْبُتُ ضِمْنًا وَلَا يَثْبُتُ قَصْدًا كَمَا فِي شَهَادَةِ الْقَابِلَةِ عَلَى النَّسَبِ فَإِنَّهَا تَكُونُ مَقْبُولَةً ثُمَّ يُفْضِي ذَلِكَ إلَى اسْتِحْقَاقِ الْمِيرَاثِ وَالْمِيرَاثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ ابْتِدَاءً قَالَ فِي شَرْحِ الْقُدُورِيِّ الْمُسَمَّى بِالْمُضْمَرَاتِ مَا نَصُّهُ فِي الْمُحِيطِ الْوَاحِدِ إذَا شَهِدَ عَلَى هِلَالِ رَمَضَانَ عِنْدَ الْقَاضِي وَالسَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةٌ وَقَبِلَ الْقَاضِي شَهَادَتَهُ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَلَمَّا أَتَمُّوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا غُمَّ عَلَيْهِمْ هِلَالُ شَوَّالٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَصُومُونَ مِنْ الْغَدِ وَإِنْ غُمَّ يَوْمَ الْحَادِي وَالثَّلَاثِينَ فَلَا يُفْطِرُونَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُفْطِرُونَ قَالَ الشَّيْخُ الْإِمَامُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ هَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ وَالسَّمَاءُ مُصْحِيَةٌ

أَمَّا إذَا كَانَتْ السَّمَاءُ مُتَغَيِّمَةً فَإِنَّهُمْ يُفْطِرُونَ بِلَا خِلَافٍ وَالْحُجَّةُ لَهُمَا أَنَّ شَهَادَةَ الْوَاحِدِ لَا تُقْبَلُ فِي الْفِطْرِ فَلَا يُفْطِرُونَ وَلِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْفِطْرَ مِنْ أَحْكَامِ قَبُولِ شَهَادَةِ الْوَاحِدِ فِي هِلَالِ رَمَضَانَ فَيَجُوزُ كَمَا قُلْنَا فِي حِلِّ الْآجَالِ وَحِنْثِ الْأَيْمَانِ انْتَهَى فَقَوْلُهُ كَمَا قُلْنَا إلَى آخِرِهِ شَاهِدٌ لِمَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ مِنْ رَدِّ الْمُخْتَلِفِ إلَى الْمُتَّفِقِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ قِنًّا) أَيْ رَقِيقًا وَاخْتَارَ هَذَا اللَّفْظَ لِيَشْمَلَ الْمُكَاتَبَ وَالْمُدَبَّرَ وَمُعْتَقَ الْبَعْضِ وَكَذَلِكَ قَالَ أَوْ أُنْثَى لِيَشْمَلَ الْأَمَةَ وَالْمُكَاتَبَةَ وَالْمُدَبَّرَةَ وَأُمَّ الْوَلَدِ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَتَأْوِيلُ قَوْلِ الطَّحَاوِيِّ إلَخْ) الْمُرَادُ أَنَّهُ بِهَذَا التَّأْوِيلِ يَرْجِعُ قَوْلُهُ إلَى إحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ فِي الْمَذْهَبِ لَا أَنَّهُ يَرْتَفِعُ بِهِ الْخِلَافُ فَإِنَّ الْمُرَادَ بِالْعَدْلِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ مَنْ ثَبَتَتْ عَدَالَتُهُ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِقَوْلِهِ فَرْعُ ثُبُوتِهَا وَلَا ثُبُوتَ فِي الْمَسْتُورِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَهِيَ الْمَذْكُورَةُ تُقْبَلُ شَهَادَةٌ الْمَسْتُورِ وَبِهِ أَخَذَ الْحَلْوَانِيُّ فَصَارَ بِهَذَا التَّأْوِيلِ أَنَّ الْخِلَافَ الْمُتَحَقِّقَ فِي الْمَذْهَبِ هُوَ اشْتِرَاطُ ظُهُورِ الْعَدَالَةِ أَوْ الِاكْتِفَاءُ بِالسِّتْرِ

ص: 319

غَيْرَ عَدْلٍ أَنْ يَكُونَ مَسْتُورًا وَهُوَ الَّذِي لَمْ يُعْرَفْ بِالْعَدَالَةِ وَلَا بِالدَّعَارَةِ وَيُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْمَحْدُودِ فِي الْقَذْفِ بَعْدَمَا تَابَ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ لَا يُقْبَلُ لِأَنَّهُ شَهَادَةٌ مِنْ وَجْهٍ أَلَا تَرَى أَنَّهُ يُشْتَرَطُ فِيهِ الْحُضُورُ إلَى مَجْلِسِ الْقَاضِي وَلَا يَكُونُ مُلْزَمًا إلَّا بَعْدَ الْقَضَاءِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ لِأَنَّهُ مِنْ بَابِ الْإِخْبَارِ وَالصَّحَابَةُ كَانُوا يَقْبَلُونَ أَخْبَارَ أَبِي بَكْرَةَ بَعْدَمَا حُدَّ فِي الْقَذْفِ لِكَوْنِهِ عَدْلًا وَلِهَذَا يُقْبَلُ فِيهِ خَبَرُ الْوَاحِدِ

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ قَوْلَيْهِ يُشْتَرَطُ الْمُثَنَّى اعْتِبَارًا بِسَائِرِ الشَّهَادَاتِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «جَاءَ أَعْرَابِيٌّ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنِّي رَأَيْت الْهِلَالَ فَقَالَ أَتَشَهَّدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ قَالَ نَعَمْ قَالَ أَتَشَهَّدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ قَالَ نَعَمْ قَالَ يَا بِلَالُ أَذِّنْ فِي النَّاسِ فَلْيَصُومُوا غَدًا» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَلِأَنَّهُ خَبَرٌ دِينِيٌّ وَلَيْسَ بِشَهَادَةٍ حَتَّى لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ لَفْظُهَا فَلَا يُشْتَرَطُ فِيهِ الْعَدَدُ كَسَائِرِ الْأَخْبَارِ ثُمَّ إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَأَكْمَلُوا ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ لَا يُفْطِرُونَ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِلِاحْتِيَاطِ وَلِأَنَّ الْفِطْرَ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِالْوَاحِدِ وَإِنْ كَانَ لَا يَثْبُتُ بِهِ الْفِطْرُ ابْتِدَاءً كَاسْتِحْقَاقِ الْإِرْثِ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ وَإِنْ كَانَ الْإِرْثُ لَا يَثْبُتُ بِشَهَادَتِهَا ابْتِدَاءً وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُقَالَ إنْ كَانَتْ السَّمَاءُ مُصْحِيَةً لَا يُفْطِرُونَ لِظُهُورِ غَلَطِهِ وَإِنْ كَانَتْ مُتَغَيِّمَةً يُفْطِرُونَ لِعَدَمِ ظُهُورِ الْغَلَطِ وَأَمَّا هِلَالُ الْفِطْرِ فَلِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ نَفْعُ الْعِبَادِ وَهُوَ الْفِطْرُ فَأَشْبَهَ سَائِرَ حُقُوقِهِمْ فَيُشْتَرَطُ فَهِيَ مَا يُشْتَرَطُ فِي سَائِرِ حُقُوقِهِمْ مِنْ الْعَدَالَةِ وَالْحُرِّيَّةِ وَالْعَدَدِ وَلَفْظِ الشَّهَادَةِ وَيَنْبَغِي أَنْ لَا يُشْتَرَطَ فِيهِ الدَّعْوَى كَعِتْقِ الْأَمَةِ وَطَلَاقِ الْحُرَّةِ وَلَا تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْمَحْدُودِ فِي قَذْفٍ لِكَوْنِهِ شَهَادَةً

قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا فَجَمْعٌ عَظِيمٌ لَهُمَا) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ فِيهِمَا يُشْتَرَطُ أَنْ يَكُونَ الشُّهُودُ جَمَاعَةً كَثِيرَةً بِحَيْثُ يَقَعُ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ فِي مِثْلِ هَذِهِ الْحَالَةِ يُوهِمُ الْغَلَطَ فَوَجَبَ التَّوَقُّفُ فِي خَبَرِهِ حَتَّى يَكُونَ جَمْعًا كَثِيرًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْشَقُّ الْغَيْمُ مِنْ مَوْضِعِ الْهِلَالِ فَيَتَّفِقُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

هَذَا وَتُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ عَلَى شَهَادَةِ الْوَاحِدِ

أَمَّا مَعَ تَبَيُّنِ الْفِسْقِ فَلَا قَائِلَ بِهِ عِنْدَنَا وَعَلَى هَذَا تَفَرَّعَ مَا لَوْ شَهِدُوا فِي التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُمْ رَأَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَبْلَ صَوْمِهِمْ بِيَوْمٍ إنْ كَانُوا فِي هَذَا الْمِصْرِ لَا تُقْبَلُ شَهَادَتُهُمْ لِأَنَّهُمْ تَرَكُوا الْحِسْبَةَ وَإِنْ جَاءُوا مِنْ خَارِجٍ قُبِلَتْ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلَا بِالدِّعَارَةِ) قَالَ فِي الصِّحَاحِ فِي فَصْلِ الدَّالِ الْمُهْمَلَةِ مِنْ بَابِ الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالدَّعَارَةُ الْفِسْقُ وَالْخُبْثُ يُقَالُ هُوَ خَبِيثٌ دَاعِرٌ بَيِّنُ الدَّعَرِ وَالدَّعَارَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رحمه الله وَهَذَا الْحَدِيثُ قَدْ يُتَمَسَّكُ بِهِ لِرِوَايَةِ النَّوَادِرِ فِي قَبُولِ الْمَسْتُورِ لَكِنَّ الْحَقَّ أَنْ لَا مُتَمَسَّكَ بِهِ بِالنِّسْبَةِ إلَى هَذَا الزَّمَانِ لِأَنَّ ذِكْرَ الْإِسْلَامِ بِحَضْرَتِهِ صلى الله عليه وسلم حِينَ سَأَلَهُ عَنْ الشَّهَادَتَيْنِ إنْ كَانَ هُوَ أَوَّلَ إسْلَامِهِ فَلَا شَكَّ فِي ثُبُوتِ عَدَالَتِهِ لِأَنَّ الْكَافِرَ إذَا أَسْلَمَ أَسْلَمَ عَدْلًا إلَّا أَنْ يَظْهَرَ خِلَافُهُ مِنْهُ وَإِنْ كَانَ إخْبَارًا عَنْ حَالِهِ السَّابِقِ فَكَذَلِكَ لِأَنَّ عَدَالَتَهُ قَدْ ثَبَتَتْ بِإِسْلَامِهِ فَيَجِبُ الْحُكْمُ بِبَقَائِهَا مَا لَمْ يَظْهَرْ الْخِلَافُ وَلَمْ يَكُنْ الْفِسْقُ غَالِبًا عَلَى أَهْلِ الْإِسْلَامِ فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم لِتَعَارُضِ غَلَبَةِ ذَلِكَ الْحَاصِلِ فَيَجِبُ التَّوْقِيفُ إلَى ظُهُورِهَا انْتَهَى (قَوْلُهُ ثُمَّ إذَا صَامُوا بِشَهَادَةِ الْوَاحِدِ) قَالَ الْكَمَالُ هَكَذَا الرَّاوِيَةُ عَلَى الْإِطْلَاقِ سَوَاءٌ قَبِلَهُ بِغَيْمٍ أَوْ فِي صَحْوٍ وَهُوَ مِمَّنْ يَرَى ذَلِكَ وَلَا يَخْفَى أَنَّ الْمُرَادَ مَا إذَا لَمْ يَرَ الْهِلَالَ لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ ثُمَّ خَصَّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَالْكَافِي وَالْفَتَاوَى أَضَافُوا مَعَهُ أَبَا يُوسُفَ وَمِنْهُمْ مَنْ اسْتَحْسَنَ ذَلِكَ فِي قَبُولِهِ فِي صَحْوٍ وَفِي قَبُولِهِ بِغَيْمٍ أَخَذَ يَقُولُ مُحَمَّدٌ انْتَهَى

فَرْعٌ إذَا صَامَ أَهْلُ مِصْرٍ رَمَضَانَ عَلَى غَيْرِ رُؤْيَةٍ بِإِكْمَالِ شَعْبَانَ ثَمَانِيَةً وَعِشْرِينَ ثُمَّ رَأَوْا هِلَالَ شَوَّالٍ إنْ كَانُوا أَكْمَلُوا عِدَّةَ شَعْبَانَ عَنْ رُؤْيَةِ هِلَالِهِ إنْ لَمْ يَرَوْا هِلَالَ رَمَضَانَ قَضَوْا يَوْمًا وَاحِدًا حَمْلًا عَلَى نُقْصَانِ شَعْبَانَ غَيْرَ أَنَّهُ اتَّفَقَ أَنَّهُمْ لَمْ يَرَوْا لَيْلَةَ الثَّلَاثِينَ وَإِنْ أَكْمَلُوا شَعْبَانَ عَنْ غَيْرِ رُؤْيَةٍ قَضَوْا يَوْمَيْنِ احْتِيَاطًا انْتَهَى لِاحْتِمَالِ نُقْصَانِ شَعْبَانَ مَعَ مَا قَبْلِهِ فَإِنَّهُمْ لَمَّا لَمْ يَرَوْا هِلَالَ شَعْبَانَ كَانُوا بِالضَّرُورَةِ مُكَمِّلِينَ رَجَبٍ انْتَهَى كَمَالٌ (قَوْلُهُ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُفْطِرُونَ) أَيْ وَهُوَ الْأَصَحُّ انْتَهَى غَايَةٌ الْأَتْقَانِيِّ (قَوْلُهُ وَيَثْبُتُ الْفِطْرُ) أَيْ تَبَعًا وَضِمْنًا انْتَهَى (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى ثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ بِالْوَاحِدِ) مَثَّلَ بِثُبُوتِ الرَّمَضَانِيَّةِ لَا بِثُبُوتِ الْفِطْرِ فَهُوَ مَعْنَى مَا أَجَابَ بِهِ مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ حُسَيْنًا قَالَ لَهُ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بِشَهَادَةِ وَاحِدٍ فَقَالَ لَا بَلْ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ بِثُبُوتِ رَمَضَانَ فَإِنَّهُ لَمَّا حَكَمَ بِثُبُوتِهِ وَأَمَرَ النَّاسَ بِالصَّوْمِ فَبِالضَّرُورَةِ يَثْبُتُ الْفِطْرُ بَعْدَ ثَلَاثِينَ يَوْمًا انْتَهَى فَتْحٌ وَلَوْ صَامُوا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ أَفْطَرُوا بِتَمَامِ الْعِدَّةِ اتِّفَاقًا انْتَهَى كَافِي وَعَنْ الْقَاضِي أَبِي عَلِيٍّ السُّغْدِيِّ لَا يُفْطِرُونَ وَهَكَذَا فِي مَجْمُوعِ النَّوَازِلِ وَصَحَّحَ الْأَوَّلَ فِي الْخُلَاصَةِ وَلَوْ قَالَ قَائِلٌ إنْ قَبِلَهَا فِي صَحْوٍ لَا يُفْطِرُونَ أَوْ فِي غَيْمٍ أَفْطَرُوا لِتَحَقُّقِ زِيَادَةِ الْقُوَّةِ فِي الثُّبُوتِ فِي الثَّانِي وَلَا اشْتِرَاكَ فِي عَدَمِ الثُّبُوتِ أَصْلًا فِي الْأَوَّلِ فَصَارَ كَالْوَاحِدِ لَمْ يَبْعُدْ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ بِنَاءً عَلَى النَّسَبِ الثَّابِتِ بِشَهَادَةِ الْقَابِلَةِ) وَهَذَا الِاسْتِشْهَادُ عَلَى قَوْلِهِمَا وَأَمَّا عَلَى قَوْلِهِ لَا يُتَصَوَّرُ ذِكْرُهُ فِي الْإِيضَاحِ قُلْنَا يُتَصَوَّرُ عِنْدَهُ فِي الْفِرَاشِ انْتَهَى مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ (قَوْلُهُ وَطَلَاقُ الْحُرَّةِ) أَيْ عِنْدَ الْكُلِّ وَعِتْقُ الْعَبْدِ فِي قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَأَمَّا عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ الدَّعْوَى فِي هِلَالِ الْفِطْرِ وَهِلَالِ رَمَضَانَ انْتَهَى فَتْحٌ نَقْلًا عَنْ قَاضِي خَانْ

(قَوْلُهُ يُوهِمُ الْغَلَطَ) الْأَوْلَى أَنْ يُقَالَ ظَاهِرٌ فِي اللَّفْظِ فَإِنَّ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ مُتَحَقِّقٌ فِي الْبَيِّنَاتِ الْمُوجِبَةِ لِلْحُكْمِ وَلَا يَمْنَعُ ذَلِكَ قَبُولَهَا بَلْ التَّفَرُّدُ مِنْ بَيْنِ الْجَمِّ الْغَفِيرِ بِالرُّؤْيَةِ مَعَ تَوَجُّهِهِمْ طَالِبِينَ لِمَا تَوَجَّهَ هُوَ إلَيْهِ مَعَ فَرْضِ عَدَمِ الْمَانِعِ وَسَلَامَةِ الْإِبْصَارِ وَإِنْ تَفَاوَتَتْ الْأَبْصَارُ فِي الْحِدَّةِ ظَاهِرٌ فِي غَلَطِهِ كَتَفَرُّدِ نَاقِلِ زِيَادَةٍ مِنْ بَيْنِ سَائِرِ أَهْلِ مَجْلِسٍ مُشَارِكِينَ لَهُ فِي السَّمَاعِ فَإِنَّهَا تُرَدُّ وَإِنْ كَانَ ثِقَةً مَعَ أَنَّ التَّفَاوُتَ فِي حِدَّةِ السَّمْعِ أَيْضًا وَاقِعٌ كَمَا فِي الْإِبْصَارِ مَعَ أَنَّهُ لَا نِسْبَةَ لِمُشَارِكَيْهِ

ص: 320

لِلْبَعْضِ النَّظَرُ فَيَسْتَدُّ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ أَهْلُ الْمَحَلَّةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خَمْسُونَ رَجُلًا اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ وَعَنْ خَلَفِ بْنِ أَيُّوبَ خَمْسُمِائَةٍ بِبَلْخٍ قَلِيلٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَهْلِ الْمِصْرِ وَبَيْنَ مَنْ وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ ذَكَرَهُ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَ فِي كِتَابِ الِاسْتِحْسَانِ فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَيُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ كَمَا إذَا كَانَ بِالسَّمَاءِ عِلَّةٌ وَنَصَّ الطَّحْطَاوِيُّ أَنَّهُ إذَا وَرَدَ مِنْ خَارِجِ الْمِصْرِ تُقْبَلُ شَهَادَتُهُ لِقِلَّةِ الْمَوَانِعِ مِنْ غُبَارٍ وَدُخَانٍ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ فِي الْمِصْرِ قَالَ رحمه الله (وَالْأَضْحَى كَالْفِطْرِ) أَيْ هِلَالُ الْأَضْحَى كَهِلَالِ الْفِطْرِ حَتَّى لَا يَثْبُتَ إلَّا بِمَا يَثْبُتُ بِهِ هِلَالُ الْفِطْرِ لِأَنَّهُ تَعَلَّقَ بِهِ حَقُّ الْعِبَادِ وَهُوَ التَّوَسُّعُ بِلُحُومِ الْأَضَاحِيِّ فَصَارَ كَالْفِطْرِ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ كَرَمَضَانَ لِأَنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرٌ دِينِيٌّ وَهُوَ ظُهُورُ وَقْتِ الْحَجِّ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ

قَالَ رحمه الله (وَلَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ) وَقِيلَ يُعْتَبَرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ إذَا رَأَى الْهِلَالَ أَهْلُ بَلَدٍ وَلَمْ يَرَهُ أَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى يَجِبُ أَنْ يَصُومُوا بِرُؤْيَةِ أُولَئِكَ كَيْفَمَا كَانَ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ لَا عِبْرَةَ بِاخْتِلَافِ الْمَطَالِعِ وَعَلَى قَوْلِ مَنْ اعْتَبَرَهُ يَنْظُرُ فَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَقَارُبٌ بِحَيْثُ لَا تَخْتَلِفُ الْمَطَالِعُ يَجِبُ وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ تَخْتَلِفُ لَا يَجِبُ وَأَكْثَرُ الْمَشَايِخِ عَلَى أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ حَتَّى إذَا صَامَ أَهْلُ بَلْدَةٍ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَأَهْلُ بَلْدَةٍ أُخْرَى تِسْعَةً وَعِشْرِينَ يَوْمًا يَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ يَوْمٍ وَالْأَشْبَهُ أَنْ يُعْتَبَرَ لِأَنَّ كُلَّ قَوْمٍ مُخَاطَبُونَ بِمَا عِنْدَهُمْ وَانْفِصَالُ الْهِلَالِ عَنْ شُعَاعِ الشَّمْسِ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ كَمَا أَنَّ دُخُولَ الْوَقْتِ وَخُرُوجَهُ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ الْأَقْطَارِ حَتَّى إذَا زَالَتْ الشَّمْسُ فِي الْمَشْرِقِ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ تَزُولَ فِي الْمَغْرِبِ

وَكَذَا طُلُوعُ الْفَجْرِ وَغُرُوبُ الشَّمْسِ بَلْ كُلَّمَا تَحَرَّكَتْ الشَّمْسُ دَرَجَةً فَتِلْكَ طُلُوعُ فَجْرٍ لِقَوْمٍ وَطُلُوعُ شَمْسٍ لِآخَرَيْنِ وَغُرُوبُ لِبَعْضٍ وَنِصْفُ لَيْلٍ لِغَيْرِهِمْ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الضَّرِيرَ الْفَقِيهَ صَاحِبَ الْمُخْتَصَرِ قَدِمَ الْإِسْكَنْدَرِيَّة فَسُئِلَ عَمَّنْ صَعِدَ عَلَى مَنَارَةِ الْإِسْكَنْدَرِيَّةِ فَيَرَى الشَّمْسَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ بَعْدَمَا غَرَبَتْ عِنْدَهُمْ فِي الْبَلَدِ أَيَحِلُّ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فَقَالَ لَا وَيَحِلُّ لِأَهْلِ الْبَلَدِ لِأَنَّ كُلًّا مُخَاطَبٌ بِمَا عِنْدَهُ وَالدَّلِيلُ عَلَى اعْتِبَارِ الْمَطَالِعِ مَا رُوِيَ عَنْ كُرَيْبٌ أَنَّ أُمَّ الْفَضْلِ بَعَثَتْهُ إلَى مُعَاوِيَةَ بِالشَّامِ فَقَالَ فَقَدِمْت الشَّامَ وَقَضَيْت حَاجَتَهَا وَاسْتَهَلَّ عَلَيَّ شَهْرُ رَمَضَانَ وَأَنَا بِالشَّامِ فَرَأَيْت الْهِلَالَ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ ثُمَّ قَدِمْت الْمَدِينَةَ فِي آخِرِ الشَّهْرِ فَسَأَلَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ ثُمَّ ذَكَرَ الْهِلَالَ فَقَالَ مَتَى رَأَيْتُمْ الْهِلَالَ فَقُلْت رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ الْجُمُعَةِ فَقَالَ أَنْتَ رَأَيْته فَقُلْت نَعَمْ وَرَآهُ النَّاسُ وَصَامُوا وَصَامَ مُعَاوِيَةُ فَقَالَ لَكِنَّا رَأَيْنَاهُ لَيْلَةَ السَّبْتِ فَلَا نَزَالُ نَصُومُ حَتَّى نُكْمِلَ ثَلَاثِينَ أَوْ نَرَاهُ فَقُلْت أَوَلَا نَكْتَفِي بِرُؤْيَةِ مُعَاوِيَةَ وَصِيَامِهِ فَقَالَ لَا هَكَذَا أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ فِي الْمُنْتَقَى رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ وَلَوْ رَأَوْا الْهِلَالَ فِي يَوْمِ الشَّكِّ نَهَارًا فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ سَوَاءٌ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْيَوْمُ مِنْ رَمَضَانَ وَلَا مِنْ شَوَّالٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ قَالَ إنْ كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبَلَةِ وَقِيلَ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

فِي السَّمَاعِ بِمُشَارَكَتِهِ فِي التَّرَائِي كَثْرَةً وَالزِّيَادَةُ الْمَقْبُولَةُ مَا عُلِمَ فِيهِ تَعَدُّدُ الْمَجْلِسِ أَوْ جُهِلَ فِيهِ الْحَالُ مِنْ الِاتِّحَادِ وَالتَّعَدُّدِ وَقَوْلُهُ لِأَنَّ التَّفَرُّدَ لَا يُرِيدُ تَفَرُّدَ الْوَاحِدِ وَإِلَّا لَأَفَادَ قَبُولَ الِاثْنَيْنِ وَهُوَ مُنْتَفٍ بَلْ الْمُرَادُ تَفَرُّدُ مَنْ لَمْ يَقَعْ الْعِلْمُ بِخَبَرِهِمْ مِنْ بَيْنِ أَضْعَافِهِمْ مِنْ الْخَلَائِقِ انْتَهَى فَتْحٌ

(قَوْلُهُ ثُمَّ قِيلَ فِي حَدِّ الْكَثْرَةِ) أَيْ فِي خُصُوصِ هَذِهِ الْحَالَةِ انْتَهَى فَتْحٌ وَالْحَقُّ مَا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ وَأَبِي يُوسُفَ أَيْضًا أَنَّ الْعِبْرَةَ لِتَوَاتُرِ الْخَبَرِ وَمَجِيئِهِ مِنْ كُلِّ جَانِبٍ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ اعْتِبَارًا بِالْقَسَامَةِ) وَالْجَامِعُ كَوْنُ كُلِّ وَاحِدٍ أَمْرًا عَظِيمًا وَلِأَنَّ الْقَسَامَةَ حَقُّ الْعَبْدِ فَلَمَّا جُعِلَ خَمْسُونَ مُعَرَّفًا لَحِقَهُ مَعَ احْتِيَاجِهِ فَلَأَنْ يُجْعَلَ فِي حَقِّهِ تَعَالَى مَعَ اسْتِغْنَائِهِ وَهُوَ الصَّوْمُ أَوْلَى انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَنَصَّ الطَّحْطَاوِيُّ إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَمَا عَنْ الطَّحَاوِيِّ مِنْ الْفَرْقِ خِلَافُ ظَاهِرِ الرِّوَايَة وَكَذَا مَا يُشِيرُ إلَيْهِ كِتَابُ الِاسْتِحْسَانِ حَيْثُ قَالَ فَإِنْ كَانَ الَّذِي شَهِدَ بِذَلِكَ فِي الْمِصْرِ وَلَا عِلَّةَ فِي السَّمَاءِ لَمْ تُقْبَلْ شَهَادَتُهُ لِأَنَّ الَّذِي يَقَعُ فِي الْقَلْبِ مِنْ ذَلِكَ أَنَّهُ بَاطِلٌ فَإِنَّ الْقُيُودَ الْمَذْكُورَةَ تُفِيدُ بِمَفْهُومَاتِهَا الْمُخَالِفَةِ الْجَوَازَ عِنْدَ عَدَمِهَا انْتَهَى

(قَوْلُهُ وَذَكَرَ فِي النَّوَادِرِ إلَخْ) وَفِي التُّحْفَةِ رَجَّحَ رِوَايَةَ النَّوَادِرِ فَقَالَ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ تُقْبَلُ فِيهِ شَهَادَةُ الْوَاحِدِ لِأَنَّ هَذَا مِنْ بَابِ الْخَبَرِ فَإِنَّهُ يَلْزَمُ الْمُخْبِرَ أَوَّلًا ثُمَّ يَتَعَدَّى مِنْهُ إلَى غَيْرِهِ انْتَهَى وَأَيْضًا فَإِنَّهُ يَتَعَلَّقُ بِهِ أَمْرُ دِينٍ وَهُوَ وُجُوبُ الْأُضْحِيَّةِ وَهُوَ حَقُّ اللَّهِ تَعَالَى فَصَارَ كَهِلَالِ رَمَضَانَ فِي تَعَلُّقِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى فَيُقْبَلُ فِيهِ فِي الْغَيْمِ الْوَاحِدِ الْعَدْلُ وَلَا يُقْبَلُ فِي الصَّحْوِ إلَّا التَّوَاتُرُ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ أَبَا مُوسَى الضَّرِيرَ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ الضَّرِيرِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى مِنْهُ رَجُلٌ إسْكَنْدَرِيٌّ إلَخْ وَقَالَ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَحُكِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي مُوسَى الضَّرِيرِ أَنَّهُ اسْتَفْتَى مِنْهُ رَجُلٌ إسْكَنْدَرِيٌّ اهـ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ) أَيْ فَيَجِبُ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَفِطْرُهُ إنْ كَانَ ذَلِكَ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ إلَخْ) وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُوَ لِلْمُسْتَقْبِلَةِ هَكَذَا حُكِيَ الْخِلَافُ فِي الْإِيضَاحِ وَحَكَاهُ فِي الْمَنْظُومَةِ بَيْنَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ فَقَطْ وَفِي التُّحْفَةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا كَانَ قَبْلَ الزَّوَالِ أَوْ بَعْدَهُ إلَى الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمَاضِيَةِ وَإِنْ كَانَ بَعْدَ الْعَصْرِ فَهُوَ لِلَّيْلَةِ الْمُسْتَقْبِلَةِ بِلَا خِلَافٍ وَفِيهِ خِلَافٌ بَيْنَ الصَّحَابَةِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَأَنَسٍ كَقَوْلِهِمَا وَعَنْ عُمَرَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَعَائِشَةَ مِثْلُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ اهـ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ لَا يُرَى قَبْلَ الزَّوَالِ إلَّا وَهُوَ لِلثَّلَاثِينَ فَيُحْكَمُ بِوُجُوبِ الْفِطْرِ وَالصَّوْمِ عَلَى اعْتِبَارِ ذَلِكَ وَلَهُمَا قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ» فَوَجَبَ سَبْقُ الرُّؤْيَةِ عَلَى الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ وَالْمَفْهُومُ الْمُتَبَادَرُ مِنْهُ الرُّؤْيَةُ عِنْدَ عَشِيَّةِ آخِرِ كُلِّ شَهْرٍ عِنْدَ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ وَمَنْ بَعْدَهُمْ بِخِلَافِ مَا قَبْلَ الزَّوَالِ مِنْ الثَّلَاثِينَ وَالْمُخْتَارُ

ص: 321