الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَيْ لَيْسَ فِيهِ قَلْبُ رِدَاءٍ، وَهَذَا عِنْد أَبِي حَنِيفَةَ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَقْلِبُ الْإِمَامُ رِدَاءَهُ دُونَ الْقَوْمِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ لِمُحَمَّدٍ مَا رَوَيْنَا مِنْ قَبْلُ.
وَمَا رُوِيَ أَنَّ الْقَوْمَ فَعَلُوهُ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُمْ فَعَلُوا ذَلِكَ مُوَافَقَةً لَهُ عليه الصلاة والسلام كَخَلْعِ النِّعَالِ، وَلَمْ يَعْلَمْ بِهِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ رضي الله عنه؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيُعْتَبَرُ بِسَائِرِ الْأَدْعِيَةِ، وَمَا رَوَاهُ مُحَمَّدٌ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَهُ تَفَاؤُلًا أَوْ لِيَكُونَ الرِّدَاءُ أَثْبَتَ عَلَى عَاتِقِهِ عِنْدَ رَفْعِ يَدَيْهِ فِي الدُّعَاءِ أَوْ عَرَفَ بِالْوَحْيِ تَغَيُّرَ الْحَالِ عِنْدَ تَغْيِيرِهِ الرِّدَاءَ، وَكَيْفِيَّةُ الْقَلْبِ عَلَى قَوْلِ مَنْ يَرَاهُ أَنْ يَجْعَلَ أَعْلَاهُ أَسْفَلَهُ مَا أَمْكَنَ، وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْ كَالْجُبَّةِ جَعَلَ يَمِينَهُ عَلَى يَسَارِهِ، وَلَا يَخْطُبُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا تَبَعٌ لِلْجَمَاعَةِ، وَلَا جَمَاعَةَ عِنْدَهُ، وَعِنْدَهُمَا يَخْطُبُ لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خُطْبَةٌ وَاحِدَةٌ، وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ خُطْبَتَيْنِ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَيَسْتَقْبِلُ بِالدُّعَاءِ الْقِبْلَةَ قَائِمًا وَالنَّاسُ قَاعِدُونَ مُسْتَقْبِلُونَ الْقِبْلَةَ. قَالَ رحمه الله:(وَحُضُورُ ذِمِّيٍّ) أَيْ لَا تَحْضُرُ أَهْلُ الذِّمَّةِ الِاسْتِسْقَاءَ {وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ} [الرعد: 14]؛ وَلِأَنَّهُ لَا يَتَقَرَّبُ إلَى اللَّهِ تَعَالَى بِأَعْدَائِهِ وَالدُّعَاءُ لِاسْتِنْزَالِ الرَّحْمَةِ، وَإِنَّمَا تَنْزِلُ عَلَيْهِمْ اللَّعْنَةُ قَالَ رحمه الله (وَإِنَّمَا يَخْرُجُونَ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ) يَعْنِي مُتَتَابِعَاتٍ؛ لِأَنَّهَا مُدَّةٌ ضُرِبَتْ لِإِبْلَاءِ الْأَعْذَارِ وَيَخْرُجُونَ مُشَاةً فِي ثِيَابٍ خَلِقَةٍ غَسِيلَةٍ أَوْ مُرَقَّعَةٍ مُتَذَلِّلِينَ مُتَوَاضِعِينَ خَاشِعِينَ لِلَّهِ تَعَالَى نَاكِسِي رُءُوسِهِمْ وَيُقَدِّمُونَ الصَّدَقَةَ فِي كُلِّ يَوْمٍ قَبْلَ خُرُوجِهِمْ وَيُجَدِّدُونَ التَّوْبَةَ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلْمُسْلِمِينَ وَيَتَرَاضَوْنَ بَيْنَهُمْ وَيَسْتَسْقُونَ بِالضَّعَفَةِ وَالشُّيُوخِ وَالصِّبْيَانِ، وَفِي الْحَدِيثِ «لَوْلَا صِبْيَانٌ رُضَّعٌ وَبَهَائِمُ رُتَّعٌ، وَعِبَادُ اللَّهِ الرُّكَّعُ لَصُبَّ عَلَيْكُمْ الْعَذَابُ صَبًّا» .
(بَابُ الْخَوْفِ)
قَالَ رحمه الله: (إذَا اشْتَدَّ الْخَوْفُ مِنْ عَدُوٍّ أَوْ سَبُعٍ وَقَفَ الْإِمَامُ طَائِفَةً بِإِزَاءِ الْعَدُوِّ) بِحَيْثُ لَا يَلْحَقُهُمْ أَذَاهُمْ (وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً لَوْ) كَانَ الْإِمَامُ (مُسَافِرًا) أَوْ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ أَوْ الْجُمُعَةِ أَوْ الْعِيدِ (وَرَكْعَتَيْنِ لَوْ مُقِيمًا، وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَتْ تِلْكَ وَصَلَّى بِهِمْ مَا بَقِيَ وَسَلَّمَ وَذَهَبُوا إلَيْهِمْ) أَيْ إلَى الْعَدُوِّ (وَجَاءَتْ الْأُولَى، وَأَتَمُّوا) بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ لَاحِقُونَ (وَسَلَّمُوا، وَمَضَوْا ثُمَّ الْأُخْرَى) أَيْ ثُمَّ جَاءَتْ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: فَعَلَهُ تَفَاؤُلًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَاعْلَمْ أَنَّ كَوْنَ التَّحْوِيلِ كَانَ تَفَاؤُلًا جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي الْمُسْتَدْرَكِ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ وَصَحَّحَهُ قَالَ «وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ لِيَتَحَوَّلَ الْقَحْطُ» ، وَفِي الْمُطَوَّلَاتِ الطَّبَرَانِيِّ مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ «، وَقَلَبَ رِدَاءَهُ لِكَيْ يَنْقَلِبَ الْقَحْطُ إلَى الْخِصْبِ» ، وَفِي مُسْنَدِ إِسْحَاقَ لِتَتَحَوَّلَ السَّنَةُ مِنْ الْجَدْبِ إلَى الْخِصْبِ ذَكَرَهُ مِنْ قَوْلِ وَكِيعٍ. اهـ. وَاخْتَلَفُوا فِي وَقْتِ التَّحْوِيلِ قِيلَ فِي الْخُطْبَتَيْنِ، وَقِيلَ فِي أَثْنَاءِ الثَّانِيَةِ، وَقِيلَ بَعْدَ انْقِضَائِهِمَا وَفِي بَعْضِ الْأَحَادِيثِ «أَنَّهُ كَانَ يُحَوِّلُ إذَا اسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ لِلدُّعَاءِ». اهـ. ابْنُ الْمُلَقِّنِ شَرْحُ عُمْدَةٍ (قَوْلُهُ: لَكِنْ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ)؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ الدُّعَاءُ فَلَا يَقْطَعُهَا بِالْجِلْسَةِ. اهـ كَافِي.
[بَابُ الْخَوْفِ]
[كَيْفِيَّة صَلَاة الْخَوْف]
(بَابُ الْخَوْفِ).
قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله وَجْهُ الْمُنَاسَبَةِ بَيْنَ الْبَابَيْنِ أَنَّ شَرْعِيَّةَ كُلٍّ مِنْهُمَا بِعَارِضِ خَوْفٍ، وَقُدِّمَ الِاسْتِسْقَاءُ؛ لِأَنَّ الْعَارِضَ ثَمَّ وَهُوَ انْقِطَاعُ الْمَطَرِ سَمَاوِيٌّ وَهُنَا اخْتِيَارِيٌّ، وَهُوَ الْجِهَادُ الَّذِي سَبَبُهُ كُفْرُ الْكَافِرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا اشْتَدَّ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ إنْ كَانَ الْقَوْمُ بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ فَخَافُوا إنْ اشْتَغَلُوا بِالصَّلَاةِ أَنْ يَحْمِلَ عَلَيْهِمْ فَأَرَادُوا أَنْ يُصَلُّوا الْفَجْرَ بِالْجَمَاعَةِ صَلَاةَ الْخَوْفِ فَلَمْ يُشْتَرَطْ اشْتِدَادُ الْخَوْفِ كَمَا تَرَى ثُمَّ قَالَ، وَلَوْ نَزَلُوا أَرْضًا مَخُوفًا يَخَافُونَ مِنْ الْعَدُوِّ، وَلَا يَرَوْنَهُ فَصَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ انْتَهَى. قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: اشْتِدَادُهُ لَيْسَ بِشَرْطٍ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ وَسَبُعٍ فَلَوْ رَأَوْا سَوَادًا ظَنُّوهُ عَدُوًّا صَلَّوْهَا فَإِنْ تَبَيَّنَ كَمَا ظَنُّوا جَازَتْ لِتَبَيُّنِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ، وَإِنْ ظَهَرَ خِلَافُهُ لَمْ تَجُزْ إلَّا إنْ ظَهَرَ بَعْدَ أَنْ انْصَرَفَتْ الطَّائِفَةُ مِنْ نَوْبَتِهَا فِي الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ تَتَجَاوَزَ الصُّفُوفَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا كَمَنْ انْصَرَفَ عَلَى ظَنِّ الْحَدَثِ يَتَوَقَّفُ الْفَسَادُ إذَا ظَهَرَ أَنَّهُ لَمْ يُحْدِثْ عَلَى مُجَاوَزَةِ الصُّفُوفِ، وَلَوْ شَرَعُوا بِحَضْرَةِ الْعَدُوِّ فَذَهَبَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِانْحِرَافُ وَالِانْصِرَافُ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَلَوْ شَرَعُوا فِي صَلَاتِهِمْ ثُمَّ حَضَرَ جَازَ الِانْحِرَافُ لِوُجُودِ الْمُبِيحِ. انْتَهَى. وَهَذِهِ الْفُرُوعُ سَتَأْتِي فِي كَلَامِ الشَّارِحِ انْتَهَى.
قَوْلُهُ: لَيْسَ بِشَرْطٍ عِنْدَ عَامَّةِ الْمَشَايِخِ كَمَا يُفِيدُهُ الْمُحِيطُ وَالْمَبْسُوطُ وَغَيْرُهُمَا، وَقَوْلُهُ بَلْ الشَّرْطُ حُضُورُ عَدُوٍّ إلَى آخِرِهِ تَبِعَ فِيهِ شَيْخَ الْإِسْلَامِ فِي مَبْسُوطِهِ حَيْثُ قَالَ: الْمُرَادُ بِالْخَوْفِ حَضْرَةُ الْعَدُوِّ لَا حَقِيقَةُ الْخَوْفِ؛ لِأَنَّ حَضْرَةَ الْعَدُوِّ أُقِيمَ مَقَامَ الْخَوْفِ عَلَى مَا عُرِفَ مِنْ أَصْلِنَا فِي تَعْلِيقِ الرُّخَصِ بِنَفْسِ السَّفَرِ. انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى بِطَائِفَةٍ رَكْعَةً) أَيْ وَسَجْدَتَيْنِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، وَإِنَّمَا قَالَ رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ إنَّهُ إذَا سَجَدَ سَجْدَةً وَاحِدَةً يَجُوزُ الِانْصِرَافُ عَمَلًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا سَجَدُوا فَلْيَكُونُوا مِنْ وَرَائِكُمْ} [النساء: 102]، وَقُلْنَا السَّجْدَةُ تَنْصَرِفُ إلَى الْكَمَالِ الْمَعْهُودِ، وَهُوَ السَّجْدَتَانِ كَذَا قَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ. وَقِيلَ قَوْلُهُ: سَجْدَتَيْنِ تَأْكِيدٌ، وَإِلَّا قَوْلُهُ رَكْعَةً كَافٍ إذْ الرَّكْعَةُ تَتِمُّ بِسَجْدَةٍ فَرُفِعَ هَذَا الِاحْتِمَالُ، وَهَذَا حَسَنٌ. انْتَهَى. (قَوْلُهُ: وَمَضَتْ هَذِهِ إلَى الْعَدُوِّ) مُشَاةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَرْكَبُوا دَوَابَّهُمْ وَمِنْ غَيْرِ أَنْ يَتَكَلَّمُوا
(وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ)؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ وَيَدْخُلُ تَحْتَ هَذَا الْمُقِيمُ خَلْفَ الْمُسَافِرِ حَتَّى يَقْضِيَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ بِلَا قِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى وَبِقِرَاءَةٍ إنْ كَانَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَالْمَسْبُوقُ إنْ أَدْرَكَ رَكْعَةً مِنْ الشَّفْعِ الْأَوَّلِ فَهُوَ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَإِلَّا فَهُوَ مِنْ الثَّانِيَةِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: رحمه الله إذَا صَلَّى الْإِمَامُ بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَسَجْدَتَيْنِ، وَقَفَ حَتَّى تُتِمَّ هَذِهِ الطَّائِفَةُ صَلَاتَهُمْ وَيُسَلِّمُونَ وَيَذْهَبُونَ إلَى وَجْهِ الْعَدُوِّ وَتَأْتِي الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فَيُصَلِّي بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَإِذَا قَامُوا لِقَضَاءِ مَا سُبِقُوا انْتَظَرَهُمْ لِيُسَلِّمَ بِهِمْ لِحَدِيثِ سَهْلٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَ كَذَلِكَ فِي غَزْوَةِ ذَاتِ الرِّقَاعِ» ، وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى صَلَاةَ الْخَوْفِ بِإِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ رَكْعَةً وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى مُوَاجِهَةَ الْعَدُوِّ ثُمَّ انْصَرَفُوا فَقَامُوا مَقَامَ أَصْحَابِهِمْ مُقْبِلِينَ عَلَى الْعَدُوِّ وَجَاءَ أُولَئِكَ ثُمَّ صَلَّى بِهِمْ رَكْعَةً ثُمَّ سَلَّمَ ثُمَّ قَضَى هَؤُلَاءِ رَكْعَةً، وَهَؤُلَاءِ رَكْعَةً» وَالْأَخْذُ بِهَذَا أَوْلَى لِمُوَافَقَةِ الْأُصُولِ، وَمَا رَوَاهُ يُخَالِفُ مِنْ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ يَرْكَعُ وَيَسْجُدُ قَبْلَ الْإِمَامِ، وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَنَا إمَامُكُمْ فَلَا تَسْبِقُونِي بِالرُّكُوعِ، وَلَا بِالسُّجُودِ» ، وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَا يَأْمَنُ الَّذِي يَرْفَعُ رَأْسَهُ قَبْلَ الْإِمَامِ أَنْ يُحَوِّلَ اللَّهُ صُورَتَهُ صُورَةَ حِمَارٍ» وَالثَّانِي أَنَّ فِيهِ انْتِظَارَ الْإِمَامِ لِلْمَأْمُومِ الْمَسْبُوقِ، وَهُوَ خِلَافُ مَوْضُوعِ الْإِمَامَةِ.
وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَجْعَلُهُمْ صَفَّيْنِ إذَا كَانَ الْعَدُوُّ فِي جَانِبِ الْقِبْلَةِ فَيُحْرِمُونَ كُلُّهُمْ مَعَهُ وَيَرْكَعُونَ فَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ مَعَهُ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَالصَّفُّ الثَّانِي يَحْرُسُونَهُمْ مِنْ الْعَدُوِّ فَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ تَأَخَّرَ الصَّفُّ الْأَوَّلُ وَتَقَدَّمَ الثَّانِي فَإِذَا سَجَدَ سَجَدُوا مَعَهُ، وَهَكَذَا يَفْعَلُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ إطْلَاقُ مَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ وقَوْله تَعَالَى {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا فَلْيُصَلُّوا مَعَكَ} [النساء: 102] وَرُوِيَ عَنْهُ أَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَشْرُوعَةٍ بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ فَأَقَمْتَ لَهُمُ الصَّلاةَ} [النساء: 102] الْآيَةَ، شَرَطَ لِإِقَامَتِهَا أَنْ يَكُونَ هُوَ عليه الصلاة والسلام مَعَهُمْ؛ وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ يَأْبَى جَوَازَهَا لِمَا فِيهَا مِنْ الْمَنَافِي، وَإِنَّمَا جُوِّزَتْ لِإِحْرَازِ فَضِيلَةِ الصَّلَاةِ خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَقَدْ انْعَدَمَ هَذَا الْمَعْنَى بَعْدَهُ، وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا بَعْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّاهَا عَلِيٌّ يَوْمَ صِفِّينَ وَصَلَّاهَا أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ وَحُذَيْفَةُ وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ وَغَيْرُهُمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ فَصَارَ إجْمَاعًا وَجَوَازُهَا خَلْفَ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَكُنْ لِاسْتِدْرَاكِ الْفَضِيلَةِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَتَرْكُ الْمَشْيِ وَاجِبٌ فَلَا يَجُوزُ ارْتِكَابُ مَا لَا يَجُوزُ فِعْلُهُ لِتَحْصِيلِ مَا لَيْسَ بِوَاجِبٍ، وَإِنَّمَا جَازَ ذَلِكَ لِقَطْعِ الْمُنَازَعَةِ عِنْدَ قَوْلِ كُلِّ طَائِفَةٍ مِنْهُمْ نَحْنُ نُصَلِّي مَعَ الْإِمَامِ وَلِهَذَا إذَا لَمْ يَتَنَازَعُوا، كَانَ الْأَفْضَلُ أَنْ يَجْعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَيُصَلِّيَ هُوَ بِطَائِفَةٍ وَيَأْمُرَ مَنْ يُصَلِّي بِالْأُخْرَى قَالَ رحمه الله:(وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً)؛ لِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ شَطْرٌ فِي الْمَغْرِبِ، وَلِهَذَا شُرِعَ الْقُعُودُ عَقِيبَهُمَا؛ وَلِأَنَّ الْوَاحِدَةَ لَا تَتَجَزَّأُ فَكَانَتْ الطَّائِفَةُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَأَتَمُّوا بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ) أَيْ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ إنَّهُمْ لَا يَنْصَرِفُونَ رُكْبَانًا حَتَّى إذَا رَكِبُوا فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّ الرُّكُوبَ مِنْهُ بُدٌّ فَلَمْ يَكُنْ عَفْوًا، وَالْمَشْيُ لَا بُدَّ مِنْهُ فَيَكُونُ عَفْوًا. انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ، وَلَوْ كَانَ الْعَدُوُّ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ هُمْ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءُوا صَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْمَجِيءِ عَلَى مَا بَيَّنَّا، وَإِنْ شَاءُوا صَلَّوْا صَفَّيْنِ فَيَفْتَتِحُ الْإِمَامُ الصَّلَاةَ بِهِمْ جَمِيعًا وَكُلُّهُمْ مُسْتَعِدُّونَ بِالسِّلَاحِ فَإِذَا رَكَعَ رَكَعُوا جَمِيعًا، وَإِذَا سَجَدَ سَجَدَ الصَّفُّ الَّذِي يَلِيهِ وَالصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ يَحْرُسُونَهُمْ فَإِذَا رَفَعُوا رُءُوسَهُمْ سَجَدَ الصَّفُّ الْمُؤَخَّرُ وَالْأَوَّلُ يَحْرُسُونَهُمْ ثُمَّ سَجَدَ الْإِمَامُ وَالصَّفُّ الْأَوَّلُ السَّجْدَةَ الثَّانِيَةَ وَالْآخَرُ يَحْرُسُونَهُمْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ صَلَّوْا هَكَذَا جَازَتْ صَلَاتُهُمْ، وَإِنْ صَلَّوْا بِالذَّهَابِ وَالْإِيَابِ لَا تَجُوزُ لَهُمْ الصَّلَاةُ فَعَلَى هَذَا قَوْلُ الشَّارِحِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إلَى آخِرِهِ غَيْرُ مُنَاسِبٍ هَكَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئِ الْهِدَايَةِ رحمه الله فَلْيُتَأَمَّلْ.
(قَوْلُهُ: وقَوْله تَعَالَى {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ} [النساء: 102] إلَى آخِرِهِ) وَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ الْآيَتَيْنِ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ بِقَوْلِهِ {فَلْتَقُمْ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ مَعَكَ} [النساء: 102] وَصَرَّحَ بِأَنَّ بَعْضَهُمْ فَاتَهُ شَيْءٌ مِنْ الصَّلَاةِ بِقَوْلِهِ {وَلْتَأْتِ طَائِفَةٌ أُخْرَى لَمْ يُصَلُّوا} [النساء: 102]، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ هُمْ كُلُّهُمْ لَمْ يَفُتْهُمْ شَيْءٌ. انْتَهَى مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ. (قَوْلُهُ: وَلَنَا أَنَّ الصَّحَابَةَ صَلَّوْهَا إلَى آخِرِهِ) وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ الْأَصْلَ فِي الشَّرَائِعِ أَنْ تَكُونَ عَامَّةَ الْأَوْقَاتِ كُلِّهَا إلَّا إذَا قَامَ الدَّلِيلُ عَلَى التَّخْصِيصِ فَإِنْ قَالَ قَدْ وُجِدَ التَّخْصِيصُ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى شَرَطَ كَوْنَ الرَّسُولِ فِيهِمْ فَقَالَ {وَإِذَا كُنْتَ فِيهِمْ} [النساء: 102] قُلْنَا الشَّرْطُ يُوجِبُ الْوُجُودَ عِنْدَ الْوُجُودِ، وَلَا يَقْتَضِي الْعَدَمَ عِنْدَ الْعَدَمِ أَوْ مَعْنَاهُ إذَا كُنْت أَنْتَ فِيهِمْ أَوْ مَنْ يَقُومُ مَقَامَك فِي الْإِمَامَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ} [التوبة: 103]. انْتَهَى مُصَفَّى. (قَوْلُهُ: وَصَلَّى فِي الْمَغْرِبِ بِالْأُولَى رَكْعَتَيْنِ) أَيْ تَشَهَّدَ بِهِمْ وَيَنْصَرِفُونَ ثُمَّ يُصَلِّي بِالثَّانِيَةِ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُ الْإِمَامُ، وَلَا يُسَلِّمُونَ مَعَهُ بَلْ يَرُوحُونَ مَقَامَهُمْ فَتَجِيءُ الطَّائِفَةُ الْأُولَى فَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ ثُمَّ تَأْتِي الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ فَيُصَلُّونَ الرَّكْعَتَيْنِ، وَعَلَيْهِمْ أَيْضًا أَنْ يَتَشَهَّدُوا فِيمَا بَيْنَ الرَّكْعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَسْبُوقَ فِيمَا أَدْرَكَ أَوَّلُ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ التَّشَهُّدِ وَآخِرُهَا فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ، وَاَلَّذِي يُوَضِّحُ ذَلِكَ أَنَّ مَنْ أَدْرَكَ مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الْأَخِيرَةَ وَسَبَقَهُ الْإِمَامُ بِالْأُولَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى الْقَضَاءِ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَإِنَّهُ يَقْضِي رَكْعَةً وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً وَيَتَشَهَّدُ لِأَنَّهُ قَدْ صَلَّى مَعَ الْإِمَامِ رَكْعَةً، وَهَذِهِ ثَانِيَتُهُ فَالْقَعْدَةُ فِي الثَّانِيَةِ سُنَّةٌ فِي الْمَغْرِبِ ثُمَّ يَقُومُ وَيُصَلِّي رَكْعَةً أُخْرَى وَيَقْرَأُ فِيهَا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَسُورَةً، وَإِذَا تَرَكَ الْقِرَاءَةَ فِيهَا فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَا يُقْضَى أَوَّلُ صَلَاتِهِ فِي حَقِّ الْقِرَاءَةِ ثُمَّ يَتَشَهَّدُ وَيُسَلِّمُ، وَهَذَا التَّشَهُّدُ فَرْضٌ عَلَيْهِ. انْتَهَى طَحَاوِيٌّ.
قَوْلُهُ: وَهَذَا التَّشَهُّدُ أَيْ الْقُعُودُ
الْأُولَى أَوْلَى بِهَا لِلسَّبْقِ وَلِكَوْنِ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ مِثْلَ الْأُولَى فِي الْحُكْمِ. وَلَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَةً وَبِالثَّانِيَةِ رَكْعَتَيْنِ فَسَدَتْ صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ أَمَّا الْأُولَى فَلِانْصِرَافِهِمْ فِي غَيْرِ أَوَانِهِ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِأَنَّهُمْ لَمَّا أَدْرَكُوا الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ صَارُوا مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى لِإِدْرَاكِهِمْ الشَّفْعَ الْأَوَّلَ، وَقَدْ انْصَرَفُوا فِي أَوَانِ رُجُوعِهِمْ فَتَبْطُلُ.
وَالْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ مَنْ انْصَرَفَ فِي أَوَانِ الْعَوْدِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ، وَإِنْ عَادَ فِي أَوَانِ الِانْصِرَافِ لَا تَبْطُلُ؛ لِأَنَّهُ مُقْبِلٌ وَالْأَوَّلُ مُعْرِضٌ فَلَا يُعْذَرُ إلَّا فِي الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ، وَهُوَ الِانْصِرَافُ فِي أَوَانِهِ، وَإِنْ أَخَّرَ الِانْصِرَافَ ثُمَّ انْصَرَفَ قَبْلَ أَوَانِ عَوْدِهِ صَحَّ؛ لِأَنَّهُ أَوَانُ انْصِرَافِهِ مَا لَمْ يَجِئْ أَوَانُ عَوْدِهِ، وَلَوْ جَعَلَهُمْ ثَلَاثَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَصَلَاةُ الْأُولَى فَاسِدَةٌ، وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ صَحِيحَةٌ، وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ، وَعَلَى هَذَا لَوْ جَعَلَهُمْ فِي الرُّبَاعِيَّةِ أَرْبَعَ طَوَائِفَ وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأُولَى وَالثَّالِثَةِ، وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ لِمَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْمَعْنَى، وَلَوْ جَعَلَهُمْ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى بِالطَّائِفَةِ الْأُولَى رَكْعَتَيْنِ فَانْصَرَفُوا إلَّا رَجُلًا مِنْهُمْ فَصَلَّى الثَّالِثَةَ مَعَ الْإِمَامِ ثُمَّ انْصَرَفَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الطَّائِفَةِ الْأُولَى، وَمَا بَعْدَ الشَّطْرِ الْأَوَّلِ إلَى الْفَرَاغِ أَوَانُ انْصِرَافِهِمْ، وَصَلَاةُ الْإِمَامِ صَحِيحَةٌ عَلَى كُلِّ حَالٍّ لِعَدَمِ الْمُفْسِدِ فِي حَقِّهِ قَالَ رحمه الله (وَمَنْ قَاتَلَ بَطَلَتْ صَلَاتُهُ)؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَلَوْ قَاتَلَهُمْ بِعَمَلٍ قَلِيلٍ كَالرَّمْيَةِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَقَدْ بَيَّنَّا الْفَرْقَ بَيْنَ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ مِنْ الْعَمَلِ فِيمَا تَقَدَّمَ.
قَالَ رحمه الله (فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ صَلَّوْا رُكْبَانًا فُرَادَى بِالْإِيمَاءِ إلَى أَيِّ جِهَةٍ قَدَرُوا) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِنْ خِفْتُمْ فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239] وَالتَّوَجُّهُ إلَى الْقِبْلَةِ يَسْقُطُ لِلضَّرُورَةِ عَلَى مَا تَقَدَّمَ فِي بَابِ الشُّرُوطِ، وَلَا تَجُوزُ بِجَمَاعَةٍ لِعَدَمِ الِاتِّحَادِ فِي الْمَكَانِ إلَّا إذَا كَانَ رَاكِبًا مَعَ الْإِمَامِ عَلَى دَابَّةٍ وَاحِدَةٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ تَجُوزُ اسْتِحْسَانًا إحْرَازًا لِفَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَقَدْ جَوَّزَ لَهُمْ مَا هُوَ أَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ، وَهُوَ الذَّهَابُ وَالْمَجِيءُ لِأَجْلِ إحْرَازِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ، وَنَحْنُ نَقُولُ ذَلِكَ ثَبَتَ بِالنَّصِّ، وَلَيْسَ لِلرَّأْيِ مَدْخَلٌ فِي إثْبَاتِ الرُّخَصِ فَيَقْتَصِرُ عَلَى مَوْرِدِهِ، وَلَا تَجُوزُ رَاكِبًا فِي الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ التَّطَوُّعَ لَا يَجُوزُ فِيهِ فَكَذَا الْفَرْضُ لِلضَّرُورَةِ، وَلَا مَاشِيًا فِي غَيْرِ الْمِصْرِ؛ لِأَنَّ الْمَشْيَ عَمَلٌ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ كَالْغَرِيقِ السَّابِحِ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ السَّبْحَ عَمَلٌ كَثِيرٌ. قَالَ رحمه الله:(وَلَمْ تَجُزْ بِلَا حُضُورِ عَدُوٍّ) لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ حَتَّى لَوْ رَأَوْا سَوَادًا فَظَنُّوا أَنَّهُ عَدُوٌّ فَصَلَّوْا صَلَاةَ الْخَوْفِ ثُمَّ بَانَ أَنَّهُ لَيْسَ بِعَدُوٍّ أَعَادُوهَا لِمَا قُلْنَا إلَّا إذَا بَانَ لَهُمْ قَبْلَ أَنْ يَتَجَاوَزُوا الصُّفُوفَ فَإِنَّ لَهُمْ أَنْ يَبْنُوا اسْتِحْسَانًا، وَلَوْ شَرَعُوا فِيهَا، وَالْعَدُوُّ حَاضِرٌ ثُمَّ ذَهَبَ لَا يَجُوزُ لَهُمْ الِانْحِرَافُ عَنْ الْقِبْلَةِ لِزَوَالِ سَبَبِ الرُّخْصَةِ وَبِعَكْسِهِ لَوْ شَرَعُوا فِيهَا ثُمَّ حَضَرَ الْعَدُوُّ جَازَ لَهُمْ الِانْحِرَافُ فِي أَوَانِهِ لِوُجُودِ الضَّرُورَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالثَّالِثَةِ صَحِيحَةٌ) قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ لِانْصِرَافِهِمْ فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ صَارُوا مِنْ عِدَادِ الطَّائِفَةِ الْأُولَى فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَقْضُوا أَوَّلًا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ، وَإِذَا عَادَتْ الطَّائِفَةُ الثَّالِثَةُ يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِقِرَاءَةٍ. اهـ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِالْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: وَصَلَّى بِكُلِّ طَائِفَةٍ رَكْعَةً فَسَدَتْ صَلَاةُ الْأُولَى إلَخْ) لَوْ جَعَلَ الْإِمَامُ الْقَوْمَ فِي الْمَغْرِبِ طَائِفَتَيْنِ فَصَلَّى بِالْأُولَى رَكْعَةً وَانْصَرَفُوا وَصَلَّى بِالثَّانِيَةِ رَكْعَةً وَانْصَرَفُوا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْقِرَاءَةَ تُقْسَمُ بَيْنَ الطَّائِفَتَيْنِ ثُمَّ جَاءَتْ الْأُولَى فَصَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ؛ لِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا قَبْلَ وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ وَقْتَ انْصِرَافِهِمْ بَعْدَمَا يُصَلِّي الْإِمَامُ بِهِمْ رَكْعَتَيْنِ، وَلَا تَفْسُدُ صَلَاةُ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ بِالِانْصِرَافِ؛ لِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ؛ لِأَنَّ الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ مِنْ عِدَادِ الْأُولَى غَيْرَ أَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ بِرَكْعَةٍ فَلَمَّا انْصَرَفُوا بَعْدَمَا صَلَّى بِهِمْ الرَّكْعَةَ الثَّانِيَةَ وَتَشَهَّدَ فَقَدْ انْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ ثُمَّ الطَّائِفَةُ الْأُولَى لَمَّا عَادُوا وَصَلَّوْا مَعَ الْإِمَامِ الثَّالِثَةِ لَمْ تَعُدْ صَلَاتُهُمْ إلَى الْجَوَازِ إلَّا أَنْ يُجَدِّدُوا التَّكْبِيرَةَ فِيهَا فَحِينَئِذٍ تَجُوزُ وَصَارُوا الطَّائِفَةَ الثَّانِيَةَ فَإِذَا انْصَرَفُوا بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ إلَى الْعَدُوِّ لَمْ تَفْسُدْ صَلَاتُهُمْ، وَعَلَى الطَّائِفَةِ الْأُخْرَى إذَا عَادُوا أَنْ يَقْضُوا الرَّكْعَةَ الثَّالِثَةَ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُوا، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ، وَالطَّائِفَةُ الْأُخْرَى إذَا عَادُوا يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِقِرَاءَةٍ. اهـ مِنْ شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ بِالْمَعْنَى.
(قَوْلُهُ: وَصَلَاةُ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ صَحِيحَةٌ) أَمَّا الْأُولَى فَلِأَنَّهُمْ انْصَرَفُوا فِي غَيْرِ أَوَانِهِ وَكَذَا الثَّالِثَةُ؛ لِأَنَّهُمْ مِنْ عِدَادِ الطَّائِفَةِ الثَّانِيَةِ وَوَقْتُ انْصِرَافِهِمْ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَلَمَّا انْصَرَفُوا قَبْلَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ، وَأَمَّا عَدَمُ فَسَادِ الثَّانِيَةِ وَالرَّابِعَةِ فَلِأَنَّ الثَّانِيَةَ مِنْ الْأُولَى وَانْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ وَالرَّابِعَةُ مِنْ الثَّانِيَةِ وَانْصَرَفُوا فِي وَقْتِهِ أَيْضًا فَإِذَا عَادَتْ الطَّائِفَةُ الثَّانِيَةُ يَقْضُونَ الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ وَيَتَشَهَّدُونَ، وَلَا يُسَلِّمُونَ ثُمَّ يَقُومُونَ وَيَقْضُونَ الْأُولَى بِقِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُمْ مَسْبُوقُونَ فِيهَا وَيَتَشَهَّدُونَ وَيُسَلِّمُونَ فَإِذَا عَادَتْ الرَّابِعَةُ يَقْضُونَ ثَلَاثَ رَكَعَاتٍ الْأُولَيَانِ بِقِرَاءَةٍ وَالثَّالِثَةُ بِغَيْرِ قِرَاءَةٍ، وَإِنْ شَاءُوا قَرَءُوا فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَيَتَشَهَّدُونَ عَقِيبَ الرَّكْعَةِ الْأُولَى ثُمَّ يَتَشَهَّدُونَ بَعْدَ الثَّالِثَةِ. اهـ طَحَاوِيٌّ.
(قَوْلُهُ: فَإِنْ اشْتَدَّ الْخَوْفُ إلَخْ) بِأَنْ لَا يَدَعُهُمْ الْعَدُوُّ يُصَلُّونَ نَازِلِينَ بَلْ يُهَاجِمُونَهُمْ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: صَلَّوْا رُكْبَانًا إلَخْ) وَيَجْعَلُونَ السُّجُودَ أَخْفَضَ مِنْ الرُّكُوعِ، وَهَذَا لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَقْصُرُوا مِنَ الصَّلاةِ إِنْ خِفْتُمْ} [النساء: 101] وَالْمُرَادُ بِهِ الْقَصْرُ فِي الصِّفَاتِ، وَهُوَ الْإِيمَاءُ لَا الْقَصْرُ فِي أَعْدَادِ الرَّكَعَاتِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ لَيْسَ مُتَعَلِّقًا بِالْخَوْفِ وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَرِجَالا أَوْ رُكْبَانًا} [البقرة: 239]، وَقَالَ تَعَالَى {فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ} [البقرة: 115] وَالْمُرَادُ مِنْهُ حَالَ الْعُذْرِ وَالْخَوْفُ عُذْرٌ فَيَجُوزُ لَهُ تَرْكُ الْقِبْلَةِ، وَهَذَا جَوَابُ ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُمْ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً رُكْبَانًا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ ثُمَّ إذَا صَلَّوْا بِإِيمَاءٍ وَزَالَ الْخَوْفُ فِي الْوَقْتِ أَوْ بَعْدَهُ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِمْ الْإِعَادَةُ وَالْخَوْفُ مِنْ الْعَدُوِّ وَالسَّبُعِ سَوَاءٌ. اهـ. شَرْحُ الْمَجْمَعِ لِأَبِي الْبَقَاءِ (قَوْلُهُ: وَجَازَ لَهُمْ الِانْحِرَافُ فِي أَوَانِهِ) أَيْ فَإِنْ انْحَرَفُوا فِي غَيْرِ أَوَانِ انْحِرَافِهِمْ فَسَدَتْ صَلَاتُهُمْ. اهـ. .