الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ رحمه الله (وَشُرُوعُ الْإِمَامِ مُذْ قِيلَ قَدْ قَامَتْ الصَّلَاةُ) وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ يَشْرَعُ إذَا فَرَغَ مِنْ الْإِقَامَةِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى الشُّرُوعِ مَعَهُ لَهُمَا أَنَّ الْمُؤَذِّنَ أَمِينٌ وَقَدْ أَخْبَرَ بِقِيَامِ الصَّلَاةِ فَيَشْرَعُ عِنْدَهُ صَوْنًا لِكَلَامِهِ عَنْ الْكَذِبِ وَفِيهِ مُسَارَعَةٌ إلَى الْمُنَاجَاةِ وَقَدْ تَابَعَ الْمُؤَذِّنَ فِي الْأَكْثَرِ فَيَقُومُ مَقَامَ الْكُلِّ عَلَى أَنَّهُمْ قَالُوا الْمُتَابَعَةُ فِي الْأَذَانِ دُونَ الْإِقَامَةِ
(فَصْلٌ) قَالَ رحمه الله (وَإِذَا أَرَادَ الدُّخُولَ فِي الصَّلَاةِ كَبَّرَ) لِمَا تَلَوْنَا وَلِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا قُمْت إلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغْ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلْ الْقِبْلَةَ فَكَبِّرْ» وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَنْ يَقُولُ يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَحْدَهَا وَفِي الْمَبْسُوطِ وَلَوْ نَوَى الْأَخْرَسُ وَالْأُمِّيُّ الَّذِي لَا يُحْسِنُ شَيْئًا يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ قَالَ رحمه الله (وَرَفْعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَا وَهَذَا اللَّفْظُ لَا يَقْتَضِي الْمُقَارَنَةَ وَلَا الْمُفَارَقَةَ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لِمُطْلَقِ الْجَمْعِ وَقَالَ الصَّفَّارُ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ الْمَعْرُوفُ بِخُوَاهَرْ زَادَهْ يَرْفَعُ يَدَيْهِ مُقَارِنًا لِلتَّكْبِيرِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّ رَفْعَ الْيَدَيْنِ سُنَّةُ التَّكْبِيرِ فَيُقَارِنُهُ كَتَكْبِيرَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا، ثُمَّ يُكَبِّرُ؛ لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ نَفْيُ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ كَمَا فِي كَلِمَةِ الشَّهَادَةِ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَرْفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ وَبِرُؤْسِ الْأَصَابِعِ فُرُوعَ أُذُنَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَعَلَى هَذَا تَكْبِيرَةُ الْقُنُوتِ وَالْأَعْيَادُ لَهُ مَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَفَعَ يَدَيْهِ إلَى مَنْكِبَيْهِ» وَلَنَا حَدِيثُ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ وَأَنَسٍ وَالْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ «إذَا كَبَّرَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ»؛ وَلِأَنَّ رَفْعَ الْيَدِ لِإِعْلَامِ الْأَصَمِّ وَهُوَ بِمَا قُلْنَا وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الْعُذْرِ؛ لِأَنَّ وَائِلًا قَالَ: ثُمَّ أَتَيْته مِنْ الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَعَلَيْهِمْ الْأَكْسِيَةُ وَالْبَرَانِسُ فَكَانُوا يَرْفَعُونَ فِيهَا إلَى مَنَاكِبِهِمْ فَعُلِمَ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ لِعُذْرِ الْبَرْدِ وَلَوْ كَبَّرَ وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ حَتَّى فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ لَمْ يَأْتِ بِهِ لِفَوَاتِ مَحَلِّهِ وَإِنْ ذَكَرَهُ فِي أَثْنَاءِ التَّكْبِيرِ رَفَعَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَفُتْ مَحَلُّهُ وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ إلَى الْمَوْضِعِ الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا قَدْرَ مَا يُمْكِنُ وَإِنْ أَمْكَنَهُ رَفْعُ إحْدَاهُمَا دُونَ الْأُخْرَى رَفَعَهَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا أَمَرْتُكُمْ بِأَمْرٍ فَأْتُوا مِنْهُ مَا اسْتَطَعْتُمْ» وَإِنْ لَمْ يُمْكِنْهُ الرَّفْعُ إلَّا بِالزِّيَادَةِ عَلَى الْمَسْنُونِ رَفَعَهُمَا؛ لِأَنَّهُ أَتَى بِالْمَسْنُونِ وَلَا يَسْتَطِيعُ الِامْتِنَاعَ عَمَّا زَادَ وَالْمَرْأَةُ كَالرَّجُلِ فِي الرَّفْعِ فِيمَا رَوَاهُ الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّ يَدَهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَرْفَعُ إلَى مَنْكِبَيْهَا؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّسْبِيحِ أَوْ بِالتَّهْلِيلِ أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ صَحَّ كَمَا لَوْ قَرَأَ بِهَا عَاجِزًا) أَيْ لَوْ قَرَأَ الْقُرْآنَ بِالْفَارِسِيَّةِ عَاجِزًا عَنْ الْقِرَاءَةِ بِالْعَرَبِيَّةِ شَرَطَ الْعَجْزَ لِتَصِحَّ بِالْإِجْمَاعِ أَمَّا الِافْتِتَاحُ فَالْمَذْكُورُ هُنَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَكِنَّ الْأَوْلَى أَنْ يَشْرَعَ بِالتَّكْبِيرِ وَهَلْ يُكْرَهُ الشُّرُوعُ بِغَيْرِهِ أَمْ لَا ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الْأَصَحِّ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ يُحْسِنُ التَّكْبِيرَ لَمْ يَجُزْ إلَّا اللَّهُ أَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ الْأَكْبَرُ أَوْ اللَّهُ كَبِيرٌ أَوْ اللَّهُ الْكَبِيرُ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا تَجُوزُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: فَيَشْرَعُ) أَيْ الْمُصَلِّي وَهُوَ الْإِمَامُ. اهـ. (قَوْلُهُ: لَهُمَا إلَى آخِرِهِ) هَذَا كُلُّهُ جَوَابٌ عَنْ قَوْلِهِ مُحَافَظَةً عَلَى فَضِيلَةِ مُتَابَعَةِ الْمُؤَذِّنِ وَبَقِيَ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ وَإِعَانَةً لِلْمُؤَذِّنِ عَلَى الشُّرُوعِ. اهـ.
[فَصْلٌ الشروع فِي الصَّلَاة وَبَيَان إحرامها وأحوالها]
(فَصْلٌ) أَيْ فِي بَيَانِ الشُّرُوعِ فِي الصَّلَاةِ وَبَيَانِ إحْرَامِهَا وَأَحْوَالِهَا. اهـ. عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَإِذَا أَرَادَ) أَيْ الْمُكَلَّفُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ فِي الصَّلَاةِ) أَيْ أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: كَبَّرَ) إلَّا أَنْ يَكُونَ أَخْرَسَ أَوْ أُمِّيًّا لَا يُحْسِنُ شَيْئًا كَمَا يَأْتِي قَرِيبًا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: حُجَّةً عَلَى مَنْ يَقُولُ يَكُونُ شَارِعًا بِالنِّيَّةِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَهُوَ الزُّهْرِيُّ وَإِسْمَاعِيلُ بْنُ عُلَيَّةَ وَأَبُو بَكْرٍ الْأَصَمُّ وَالْأَوْزَاعِيُّ وَطَائِفَةٌ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَلَا يَصِحُّ الِافْتِتَاحُ إلَّا فِي حَالَةِ الْقِيَامِ حَتَّى لَوْ كَبَّرَ قَاعِدًا، ثُمَّ قَامَ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَلَوْ جَاءَ إلَى الْإِمَامِ فَحَنَى، ثُمَّ كَبَّرَ فَإِنْ كَانَ إلَى الْقِيَامِ أَقْرَبَ يَصِحُّ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَا يَلْزَمُهُ التَّحْرِيكُ بِاللِّسَانِ) أَيْ لِأَنَّ الْوَاجِبَ حَرَكَةٌ بِلَفْظٍ مَخْصُوصٍ فَإِذَا تَعَذَّرَ نَفْسُ الْوَاجِبِ لَا يُحْكَمُ بِوُجُوبِ غَيْرِهِ إلَّا بِدَلِيلٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَرَفَعَ يَدَيْهِ) أَيْ يَجْعَلُ بَاطِنَ كَفَّيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَرْفَعُ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ) وَظَاهِرُ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ أَنْ يُكَبِّرَ أَوَّلًا، ثُمَّ يَرْفَعَ لَكِنْ قَدْ يُقَالُ: إنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَحِينَئِذٍ فَيُحْمَلُ كَلَامُ الْمُصَنِّفِ عَلَى الْأَصَحِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ فِي فِعْلِهِ نَفْيَ الْكِبْرِيَاءِ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى) أَيْ رَفْعُ الْيَدِ فِي الْعُرْفِ يُفِيدُ الْإِنْكَارَ وَالنَّفْيَ فَالْمُصَلِّي بِفِعْلِهِ يَنْفِي الْكِبْرِيَاءَ عَنْ غَيْرِ اللَّهِ تَعَالَى وَبِقَوْلِهِ يُثْبِتُهُ لَهُ تَعَالَى وَالنَّفْيُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْإِثْبَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُحَاذِيَ بِإِبْهَامَيْهِ شَحْمَتِي أُذُنَيْهِ) قَالَ قَاضِيخَانْ فِي فَتَاوَاهُ وَيَرْفَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ أُذُنَيْهِ وَيَمَسُّ طَرَفَ إبْهَامَيْهِ شَحْمَةَ أُذُنَيْهِ بِأَصَابِعِهِ فَوْقَ أُذُنَيْهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا تَرْفَعُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِشَرْحِ الْبَقَّالِيِّ تَرْفَعُ الْمَرْأَةُ يَدَيْهَا فِي التَّكْبِيرِ إلَى مَنْكِبَيْهَا حِذَاءَ ثَدْيَيْهَا قِيلَ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْحُرَّةِ فَأَمَّا الْأَمَةُ فَكَالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ كَفَّهَا لَيْسَتْ بِعَوْرَةٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَوْ شَرَعَ بِالتَّسْبِيحِ إلَخْ) أَيْ بِأَنْ قَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ عِوَضَ اللَّهُ أَكْبَرُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِالتَّهْلِيلِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِالْفَارِسِيَّةِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ خداي بذرك بِمَعْنَى اللَّهُ أَكْبَرُ، وَكَذَا سَائِرُ لُغَاتِ الْعَجَمِ مِثْلُ السُّرْيَانِيَّةِ وَالْعِبْرَانِيَّةِ وَالتُّرْكِيَّةِ وَالْهِنْدِيَّةِ كَمَا سَيَأْتِي. اهـ. (قَوْلُهُ: ذَكَرَ صَاحِبُ الذَّخِيرَةِ أَنَّهُ يُكْرَهُ) أَيْ لِتَرْكِهِ السُّنَّةَ الْمُتَوَاتِرَةَ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْكَمَالُ وَهُوَ الْأَوْلَى. اهـ. (قَوْلُهُ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) أَيْ لِمَا رُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ الْأَنْبِيَاءُ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يَفْتَتِحُونَ الصَّلَاةَ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَنَبِيُّنَا مِنْ جُمْلَتِهِمْ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَوْ اللَّهُ كَبِيرٌ إلَى آخِرِهِ) فِيهِ أَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ تَقْدِيمِ الْجَلَالَةِ وَأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْ هَذِهِ الْأَلْفَاظِ، وَقَدْ رُوِيَ الْأَوَّلُ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فَلَوْ قَالَ أَكْبَرُ اللَّهُ لَا يَجُوزُ وَالثَّانِي لَيْسَ بِلَازِمٍ
إلَّا بِالْأَوَّلَيْنِ.
وَقَالَ مَالِكٌ: لَا تَجُوزُ إلَّا بِالْأَوَّلِ؛ لِأَنَّهُ الْمَنْقُولُ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام وَالتَّعْلِيلُ لِلتَّعْدِيَةِ يُؤَدِّي إلَى تَعْطِيلِ الْمَنْقُولِ فَلَا يَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ أَنَّ زِيَادَةَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا تُزِيدُهُ إلَّا تَأْكِيدًا فَيَجُوزُ وَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ أَفْعَلَ تَقْتَضِي الزِّيَادَةَ بَعْدَ مُشَارَكَةِ غَيْرِهِ إيَّاهُ فِي الصِّفَةِ وَفِي صِفَاتِ اللَّهِ لَا يُمْكِنُ فَكَانَ بِمَعْنَى فَعِيلٍ إذْ لَا يُشَارِكُهُ فِيهَا أَحَدٌ وَقَدْ جَاءَ فِي كَلَامِهِمْ بِمَعْنَى فَعِيلٍ قَالَ الشَّاعِرُ
إنَّ الَّذِي سَمَكَ السَّمَاءَ بَنَى لَنَا
…
بَيْتًا دَعَائِمُهُ أَعَزُّ وَأَطْوَلُ
أَيْ عَزِيزٌ طَوِيلٌ وَقَالَ تَعَالَى {لا يَصْلاهَا إِلا الأَشْقَى} [الليل: 15] أَيْ الشَّقِيُّ وَقَالَ عز وجل {وَسَيُجَنَّبُهَا الأَتْقَى} [الليل: 17] أَيْ التَّقِيُّ وَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ {وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ} [الروم: 27] أَيْ هَيِّنٌ عَلَيْهِ وَمُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْعَرَبِيَّةِ حَتَّى يَكُونَ شَارِعًا بِأَيِّ لَفْظٍ كَانَ مِنْ الْعَرَبِيَّةِ إذَا كَانَ يُرَادُ بِهِ التَّعْظِيمُ وَمَعَ أَبِي يُوسُفَ فِي الْفَارِسِيَّةِ حَتَّى لَا يَكُونَ شَارِعًا فِي الصَّلَاةِ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ لِلْعَرَبِيَّةِ مَزِيَّةً عَلَى غَيْرِهَا وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] أَيْ فَعَظِّمْ وَهُوَ يَحْصُلُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّلَةً لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَلَا يَعْدِلُ عَنْهُ إلَّا بِدَلِيلٍ وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْبِيرِ وَالصَّلَاةِ التَّعْظِيمُ وَقَدْ حَصَلَ فَلَا مَعْنَى لِإِيجَابِ الْمُعَيَّنِ مَعَ عِلْمِنَا أَنَّهُ لَمْ يَجِبْ لِعَيْنِهِ فَصَارَ نَظِيرَ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «أُمِرْتُ أَنْ أُقَاتِلَ النَّاسَ حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ» فَلَوْ آمَنَ بِغَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ جَازَ إجْمَاعًا لِحُصُولِ الْمَقْصُودِ.
وَكَذَا التَّلْبِيَةُ فِي الْحَجِّ وَالتَّسْمِيَةُ عِنْدَ الذَّبْحِ يَجُوزُ بِهَا بِالْإِجْمَاعِ فَكَذَا هَذَا، وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْخُطْبَةُ وَالْقُنُوتُ وَالتَّشَهُّدُ وَفِي الْأَذَانِ يُعْتَبَرُ الْمُتَعَارَفُ، ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا أَنَّ مَا تَجَرَّدَ لِلتَّعْظِيمِ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَعَالَى جَازَ الِافْتِتَاحُ بِهِ نَحْوَ اللَّهُ إلَهٌ وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَمَا كَانَ خَبَرًا لَمْ يَجُزْ نَحْوَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ أَوْ مَا شَاءَ اللَّهُ كَانَ وَمَا لَمْ يَشَأْ لَمْ يَكُنْ وَلَوْ قَالَ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ لَا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّهُ لِلتَّبَرُّكِ فَكَأَنَّهُ قَالَ اللَّهُمَّ بَارِكْ لِي وَقِيلَ يَصِيرُ شَارِعًا وَلَوْ ذَكَرَ الِاسْمَ دُونَ الصِّفَةِ بِأَنْ قَالَ اللَّهُ أَوْ الرَّحْمَنُ أَوْ الرَّبُّ أَوْ الْكَبِيرُ أَوْ أَكْبَرُ أَوْ الْأَكْبَرُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ وَمُرَادُهُ الْمُبْتَدَأُ وَالْخَبَرُ، وَفِي الْيَنَابِيعِ لَوْ قَالَ أَجَلُّ أَوْ أَعْظَمُ لَا يَصِيرُ شَارِعًا إجْمَاعًا وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ شَارِعًا وَبِالرَّحِيمِ لَا؛ لِأَنَّهُ مُشْتَرَكٌ.
وَلَوْ افْتَتَحَ بِاللَّهُمَّ لَا يَصِيرُ شَارِعًا فِي رِوَايَةٍ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ أَمِنَّا بِخَيْرٍ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ فَيَكُونُ تَعْظِيمًا خَالِصًا، وَأَمَّا الْقِرَاءَةُ بِالْفَارِسِيَّةِ فَجَائِزَةٌ فِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا تَجُوزُ إذَا كَانَ يُحْسِنُ الْعَرَبِيَّةَ؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ اسْمٌ لِمَنْظُومٍ عَرَبِيٍّ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [الزخرف: 3] وَقَالَ تَعَالَى {إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا} [يوسف: 2].
وَالْمُرَادُ نَظْمُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الأَوَّلِينَ} [الشعراء: 196] وَلَمْ يَكُنْ فِيهَا بِهَذَا النَّظْمِ وقَوْله تَعَالَى {إِنَّ هَذَا لَفِي الصُّحُفِ الأُولَى} [الأعلى: 18]{صُحُفِ إِبْرَاهِيمَ وَمُوسَى} [الأعلى: 19] فَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ بِالسُّرْيَانِيَّةِ وَصُحُفُ مُوسَى بِالْعِبْرَانِيَّةِ فَدَلَّ عَلَى كَوْنِ ذَلِكَ قُرْآنًا وَمَا تَلَيَاهُ لَا يَنْفِي كَوْنَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بَلْ لَوْ قَالَ كَبِيرٌ أَوْ الْكِبَارُ جَازَ عِنْدَهُ أَيْضًا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَجْهُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه أَنَّ زِيَادَةَ الْأَلِفِ وَاللَّامِ لَا تَزِيدُ إلَّا تَأْكِيدًا) أَيْ لِأَنَّهُ يُفِيدُ الْحَصْرَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ جَاءَ) أَيْ أَفْعَلُ (قَوْلُهُ: وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْله تَعَالَى {وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ} [المدثر: 3] أَيْ وقَوْله تَعَالَى {وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى: 15]. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَصْلُ فِي النُّصُوصِ أَنْ تَكُونَ مُعَلَّلَةً) أَيْ وَالتَّعَبُّدُ عَلَى خِلَافِ الْأَصْلِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَالْمَقْصُودُ مِنْ التَّكْبِيرِ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى يَقْتَصِرَ عَلَى لَفْظِ " أَكْبَرُ " بَلْ الْوَاجِبُ تَعْظِيمُ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ كَبَّرَ مُتَعَجِّبًا وَلَمْ يُرِدْ بِهِ التَّعْظِيمَ لَمْ يَجُزْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: حَتَّى يَقُولُوا لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) ثُمَّ لَوْ قَالَ لَا إلَهَ إلَّا الرَّحْمَنُ أَوْ الْعَزِيزُ كَانَ مُسْلِمًا فَإِذَا جَازَ ذَلِكَ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ أَصْلٌ فَفِي فُرُوعِهِ أَوْلَى. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: ثُمَّ الْأَصْلُ عِنْدَهُمَا) أَيْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَنْ مَا تَجَرَّدَ لِلتَّعْظِيمِ) أَيْ لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ آخَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمَا كَانَ خَبَرًا) أَيْ عَنْ أَمْرٍ غَيْرِ التَّعْظِيمِ. اهـ. (قَوْلُهُ: يَصِيرُ شَارِعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ) وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْبَدَائِعِ أَنَّ صِحَّةَ الشُّرُوعِ بِالِاسْمِ وَحْدَهُ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَبِشْرٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا وَاعْتُبِرَ الِاسْمُ مَعَ الصِّفَةِ فِيهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إلَّا بِالِاسْمِ وَالصِّفَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ بِشَيْءٍ عَلَى شَيْءٍ إنَّمَا يَتِمُّ بِالْخَبَرِ وَالتَّعْظِيمُ حُكْمٌ عَلَى الْمُعَظَّمِ فَلَا بُدَّ مِنْ لَفْظٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفَائِدَةُ الْخِلَافِ عَلَى تِلْكَ الرِّوَايَةِ تَظْهَرُ فِي حَائِضٍ طَهُرَتْ وَفِي الْوَقْتِ مَا يَسَعُ الِاسْمَ فَقَطْ تَجِبُ الصَّلَاةُ عِنْدَهُ خِلَافًا لَهُمَا. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْعَيْنِيُّ رحمه الله وَلَوْ أَبْدَلَ الْكَافَ قَافًا يَصِيرُ شَارِعًا؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ تَفْعَلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَفِي فَتَاوَى الْفَضْلِيِّ بِالرَّحْمَنِ يَصِيرُ شَارِعًا) أَيْ لِأَنَّهُ لَمْ يُسْتَعْمَلْ فِي غَيْرِهِ فِي كَلَامِ الْمُسْلِمِينَ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي أُخْرَى إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ مَعْنَاهُ يَا اللَّهُ) لِأَنَّ الْمِيمَ بَدَلٌ مِنْ حَرْفِ النِّدَاءِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخِي رحمه الله وَالْأَصَحُّ قَوْلُ أَهْلِ الْبَصْرَةِ بِدَلِيلِ قَوْله تَعَالَى {وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ} [الأنفال: 32] إلَى قَوْلِهِ {بِعَذَابٍ أَلِيمٍ} [الأنفال: 32] فَلَوْ كَانَ مَعْنَاهُ اللَّهُمَّ اقْصِدْنَا بِالْخَيْرِ لَفَسَدَ مَعْنَى الْآيَةِ؛ لِأَنَّ سُؤَالَ الْعَذَابِ مَعَ قَوْلِهِمْ اقْصِدْنَا بِالْخَيْرِ مُتَنَاقِضٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَصُحُفُ إبْرَاهِيمَ كَانَتْ بِالسُّرْيَانِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ سَلَّامٍ إنَّمَا سُمِّيَتْ اللُّغَةُ سُرْيَانِيَّةً؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى حِينَ عَلَّمَ آدَمَ الْأَسْمَاءَ عَلَّمَهُ سِرًّا مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَأَنْطَقَهُ بِهَا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ حَزْمٍ إنَّمَا نَطَقَ إبْرَاهِيمُ بِالْعِبْرَانِيَّةِ حِينَ عَبَرَ النَّهْرَ فَارًّا مِنْ نُمْرُودَ وَقَدْ كَانَ نُمْرُودُ قَالَ لِلَّذِينَ أَرْسَلَهُمْ خَلْفَهُ إذَا رَأَيْتُمْ فَتًى يَتَكَلَّمُ بِالسُّرْيَانِيَّةِ فَرُدُّوهُ فَلَمَّا أَدْرَكُوهُ اسْتَنْطَقُوهُ فَحَوَّلَ اللَّهُ لِسَانَهُ عِبْرَانِيًّا وَذَلِكَ حِينَ عَبَرَ النَّهْرَ فَسُمِّيَتْ لِذَلِكَ عِبْرَانِيَّةً أَوَّلُ ش بُخَارِيٌّ لِلْعَيْنِيِّ
غَيْرِ الْعَرَبِيَّةِ قُرْآنًا؛ لِأَنَّهُ مَسْكُوتٌ عَنْهُ وَيَجُوزُ بِأَيِّ لِسَانٍ كَانَ سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْمُنَزَّلَ هُوَ الْمَعْنَى عِنْدَهُ وَهُوَ لَا يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ اللُّغَاتِ وَالصَّحِيحُ أَنَّ الْقُرْآنَ هُوَ النَّظْمُ وَالْمَعْنَى جَمِيعًا عِنْدَهُ؛ لِأَنَّهُ مُعْجِزَةٌ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَالْإِعْجَازُ وَقَعَ بِهِمَا جَمِيعًا إلَّا أَنَّهُ لَمْ يَجْعَلْ النَّظْمَ رُكْنًا لَازِمًا فِي حَقِّ جَوَازِ الصَّلَاةِ خَاصَّةً رُخْصَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِحَالَةِ الْإِعْجَازِ وَقَدْ جَاءَ التَّخْفِيفُ فِي حَقِّ التِّلَاوَةِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ» فَكَذَا هُنَا.
وَالْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ إذَا اكْتَفَى بِهِ وَلَا خِلَافَ فِي عَدَمِ الْفَسَادِ حَتَّى إذَا قَرَأَ مَعَهُ بِالْعَرَبِيَّةِ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى قَوْلِهِمَا وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَلَا يَجُوزُ بِالتَّفْسِيرِ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ قَالَ رحمه الله (أَوْ ذَبَحَ وَسَمَّى بِهَا) أَيْ بِالْفَارِسِيَّةِ وَهُوَ جَائِزٌ بِالِاتِّفَاقِ؛ لِأَنَّ الشَّرْطَ فِيهِ الذِّكْرُ وَهُوَ حَاصِلٌ بِأَيِّ لُغَةٍ كَانَ قَالَ رحمه الله (لَا بِاَللَّهُمِ اغْفِرْ لِي) أَيْ لَا يَكُونُ شَارِعًا بِقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي؛ لِأَنَّهُ مَشُوبٌ بِحَاجَتِهِ فَلَمْ يَكُنْ تَعْظِيمًا خَالِصًا وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ وَلَمْ يُرِدْ عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ وَقَدْ بَيَّنَّاهُ.
قَالَ رحمه الله (وَوَضْعُ يَمِينِهِ عَلَى يَسَارِهِ تَحْتَ سُرَّتِهِ مُسْتَفْتِحًا) لِمَا رَوَيْنَا وَهُوَ سُنَّةُ الْقِيَامِ الَّذِي فِيهِ ذِكْرٌ حَتَّى يَضَعَ كَمَا فَرَغَ مِنْ التَّكْبِيرِ وَفِي الْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْجَنَائِزِ وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِيَامِ مُطْلَقًا حَتَّى يَضَعَ فِي الْكُلِّ وَقِيلَ سُنَّةُ الْقِرَاءَةِ فَقَطْ حَتَّى لَا يَضَعَ حَالَةَ الثَّنَاءِ وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الْوَضْعِ قِيلَ يَضَعُ الْكَفَّ عَلَى الْكَفِّ وَاخْتَارَ بَعْضُهُمْ وَضْعَهَا عَلَى الْمِفْصَلِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَقْبِضُ بِيَدِهِ الْيُمْنَى عَلَى رُسْغِ يَدِهِ الْيُسْرَى وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَضَعُهَا كَذَلِكَ وَيَكُونُ الرُّسْغُ وَسَطَ الْكَفِّ وَاخْتَارَ الْهِنْدُوَانِيُّ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَقَالَ صَاحِبُ الْمُفِيدِ يَأْخُذُ رُسْغَهَا بِالْخِنْصَرِ وَالْإِبْهَامِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ؛ لِأَنَّهُ يَلْزَمُ مِنْ الْأَخْذِ الْوَضْعُ وَلَا يَنْعَكِسُ.
وَقَوْلُهُ مُسْتَفْتِحًا هُوَ حَالٌ مِنْ الْوَاضِعِ أَيْ يَضَعُ قَائِلًا سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك وَتَبَارَكَ اسْمُك وَتَعَالَى جَدُّك وَلَا إلَهَ غَيْرُك وَلَا يَزِيدُ عَلَيْهِ فِي الْفَرْضِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَضُمُّ إلَيْهِ وَجَّهْت وَجْهِي لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَوَاتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفًا وَمَا أَنَا مِنْ الْمُشْرِكِينَ إنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ وَيَبْدَأُ بِأَيِّهِمَا شَاءَ لِمَا رَوَى جَابِرٌ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَأْتِي بِالتَّوَجُّهِ فَقَطْ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ كَبَّرَ، ثُمَّ قَالَ وَجَّهْت وَجْهِي» إلَى آخِرِهِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ قَالَ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَهُوَ مَذْهَبُ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ؛ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَجُمْهُورِ التَّابِعِينَ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَيْهِمَا وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّهَجُّدِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ، ثُمَّ نُسِخَ وَعَنْ أَصْحَابِهِ فِي قَوْله تَعَالَى {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ حِينَ تَقُومُ} [الطور: 48] قَالُوا يَقُولُ حِينَ يَقُومُ لِلصَّلَاةِ سُبْحَانَك اللَّهُمَّ وَبِحَمْدِك إلَى آخِرِهِ؛ وَلِأَنَّ مَا قُلْنَا ثَنَاءٌ لِلَّهِ تَعَالَى فَكَانَ أَوْلَى مِنْ إخْبَارِ حَالِهِ كَمَا فِي حَالَةِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ حَيْثُ لَا يَشْتَغِلُ بِإِخْبَارِ حَالِهِ فَيَقُولُ اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت أَوْ سَجَدْت وَإِنَّمَا يَشْتَغِلُ بِالتَّسْبِيحِ وَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَأْتِيَ بِالتَّوَجُّهِ قَبْلَ التَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إلَى تَطْوِيلِ الْقِيَامِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ وَهُوَ مَذْمُومٌ شَرْعًا قَالَ عليه الصلاة والسلام «مَا لِي أَرَاكُمْ سَامِدِينَ» أَيْ مُتَحَيِّرِينَ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ بَيْنَ النِّيَّةِ وَالتَّكْبِيرِ؛ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي الْعَزِيمَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَتَعَوَّذَ سِرًّا لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ الْمَسْبُوقُ لَا الْمُقْتَدِي وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: سِوَى الْفَارِسِيَّةِ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ تَخْصِيصِ الْبَرْدَعِيِّ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: «أُنْزِلَ الْقُرْآنُ عَلَى سَبْعَةِ أَحْرُفٍ») أَيْ لُغَاتٍ (قَوْلُهُ: جَازَتْ صَلَاتُهُ) أَيْ بِالِاتِّفَاقِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيُرْوَى رُجُوعُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ رحمه الله: وَأَمَّا الشُّرُوعُ بِالْفَارِسِيَّةِ أَوْ الْقِرَاءَةُ بِهَا فَهُوَ جَائِزٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُطْلَقًا وَقَالَا لَا يَجُوزُ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ وَبِهِ قَالَتْ الثَّلَاثَةُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَصَحَّ رُجُوعُ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى قَوْلِهِمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ غَيْرُ مَقْطُوعٍ بِهِ) لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مُرَادُهُ تَعَالَى غَيْرَ ذَلِكَ التَّفْسِيرِ؛ وَلِأَنَّهُ كَلَامُ النَّاسِ وَالِاخْتِلَافُ فِيمَا إذَا بَدَّلَ لَفْظًا عَرَبِيًّا بِلَفْظٍ عَجَمِيٍّ يُمَاثِلُهُ وَزْنًا وَمَعْنًى. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَلَا يَضَعُ فِي الْقَوْمَةِ) أَيْ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ الْإِرْسَالُ فِي الْقَوْمَةِ بِنَاءً عَلَى الضَّابِطِ الْمَذْكُورِ يَقْتَضِي أَنَّ لَيْسَ فِيهَا ذِكْرٌ مَسْنُونٌ وَإِنَّمَا يَتِمُّ إذَا قِيلَ بِأَنَّ التَّحْمِيدَ وَالتَّسْمِيعَ لَيْسَ سُنَّةً فِيهَا بَلْ فِي نَفْسِ الِانْتِقَالِ إلَيْهَا لَكِنَّهُ خِلَافُ ظَاهِرِ النُّصُوصِ وَالْوَاقِعُ أَنَّهُ قَلَّمَا يَقَعُ التَّحْمِيدُ إلَّا فِي الْقِيَامِ حَالَةَ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ سُنَّةٌ) وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: عَلَى الْمِفْصَلِ) أَيْ مِفْصَلِ الْأَصَابِعِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَقَوْلُهُ: مُسْتَفْتِحًا إلَى آخِرِهِ) الْمُقْتَدِي هَلْ يَأْتِي بِالثَّنَاءِ إذَا أَدْرَكَ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ أَوْ الرُّكُوعِ ذَكَرَ الْكَرْخِيُّ أَنِّي لَا أَحْفَظُ فِيهِ رِوَايَةً عَنْ أَصْحَابِنَا إلَّا أَنِّي أُثْنِي مَا لَمْ يَبْدَأْ الْإِمَامُ بِالْقِرَاءَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا كَانَتْ الصَّلَاةُ لَا يُجْهَرُ فِيهَا أَثْنَى وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ يَقْرَأُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجَهْرِ وَقَالَ عِيسَى بْنُ النَّضْرِ الصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّهُ يُثْنِي وَإِنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْقِرَاءَةِ أَوْ فِي الرُّكُوعِ مَا لَمْ يَخَفْ فَوْتَ الرُّكُوعِ، وَعَنْ ابْنِ الْمُبَارَكِ أَنَّهُ لَا يَأْتِي وَعَنْ الْجَصَّاصِ أَنَّهُ يَأْتِي. اهـ. صَفَوِيٌّ (قَوْلُهُ: رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) كَذَا فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا مَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ رَوَاهُ الْأَرْبَعَةُ فَمِنْ الْكَاتِبِ وَهُوَ الصَّوَابُ لَا مَا وَقَعَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ إذْ لَمْ يَرْوِهِ الْبُخَارِيُّ وَلَا مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مَرْفُوعًا وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ مُسْلِمٌ عَنْ عُمَرَ مِنْ قَوْلِهِ وَهُوَ مُنْقَطِعٌ فَإِنَّ عَبْدَةَ بْنَ أَبِي لُبَابَةَ يَرْوِيهِ عَنْ عُمَرَ وَلَمْ يُدْرِكْهُ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرِوَايَةُ جَابِرٍ مَحْمُولَةٌ عَلَى التَّهَجُّدِ) أَيْ التَّنَفُّلِ؛ لِأَنَّهُ مَبْنِيٌّ عَلَى الْمُسَاهَلَةِ فَيُؤْتِي فِيهِ بِمَا شَاءَ، وَأَمَّا الْفَرَائِضُ فَيُقْتَصَرُ فِيهَا عَلَى مَا اُشْتُهِرَ وَلِذَا لَمْ يُؤْتَ بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُك فِيهَا؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَذْكُرْ فِي الْمَشَاهِيرِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَتَعَوَّذَ سِرًّا) وَانْتِصَابُ سِرًّا عَلَى الْحَالِ أَوْ عَلَى أَنَّهُ صِفَةٌ لِمَصْدَرٍ مَحْذُوفٍ أَيْ تَعَوَّذَ تَعَوُّذًا سِرًّا. اهـ. ع
لِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ} [النحل: 98] أَيْ إذَا أَرَدْت قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ كَمَا تَقُولُ إذَا دَخَلْت عَلَى السُّلْطَانِ فَتَأَهَّبْ أَيْ إذَا أَرَدْت الدُّخُولَ عَلَيْهِ وَقَالَتْ الظَّاهِرِيَّةُ يَتَعَوَّذُ بَعْدَ الْقِرَاءَةِ لِظَاهِرِ النَّصِّ وَقَدْ بَيَّنَّا مَعْنَاهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يَتَعَوَّذُ، وَكَذَا لَا يَأْتِي بِالثَّنَاءِ لِحَدِيثِ أَنَسٍ «كُنَّا نُصَلِّي خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَكَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَفِي رِوَايَةٍ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَحَدِيثُ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «إذَا قَامَ إلَى الصَّلَاةِ اسْتَفْتَحَ، ثُمَّ يَقُولُ أَعُوذُ بِاَللَّهِ السَّمِيعِ الْعَلِيمِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ» وَعَلَيْهِ الْإِجْمَاعُ وَالْمُرَادُ بِالصَّلَاةِ فِيمَا رُوِيَ الْقِرَاءَةُ بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَنَسٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام وَأَبَا بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ كَانُوا يَسْتَفْتِحُونَ الصَّلَاةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَالْقِرَاءَةُ تُسَمَّى صَلَاةً كَمَا قَالَ عليه الصلاة والسلام قَالَ اللَّهُ تَعَالَى «قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ» أَيْ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ بِدَلِيلِ سِيَاقِهِ وَقَالَ عَطَاءٌ وَالثَّوْرِيُّ يَجِبُ التَّعَوُّذُ عِنْدَ الْقِرَاءَةِ مُطْلَقًا رُجُوعًا إلَى ظَاهِرِ الْأَمْرِ وَهُوَ مُخَالِفٌ لِلْإِجْمَاعِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمَا فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ وَإِنَّمَا يُسِرُّ بِهِ لِقَوْلِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَذَكَرَ مِنْهَا التَّعَوُّذَ وَقَوْلُهُ لِلْقِرَاءَةِ هُوَ قَوْلُهُمَا وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ لِدَفْعِ وَسْوَسَةِ الشَّيْطَانِ فِيهَا فَيَكُونُ تَبَعًا لِلثَّنَاءِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ جِنْسِهِ لَا لِلْقِرَاءَةِ فَيَتَعَوَّذُ عِنْدَهُ كُلُّ مَنْ يُثْنِي كَالْمُقْتَدِي وَيُقَدَّمُ عَلَى تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ لِكَوْنِهِ تَبَعًا لِلثَّنَاءِ وَعِنْدَهُمَا تَبَعًا لِلْقِرَاءَةِ فَيَأْتِي بِهِ كُلُّ مَنْ يَقْرَأُ كَالْمَسْبُوقِ إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ وَيُؤَخَّرُ عَنْ تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ؛ لِأَنَّهُ تَبَعٌ لِلْقِرَاءَةِ وَلَا يَأْتِي بِهِ الْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ لَا يَقْرَأُ وَكَيْفِيَّتُهُ أَنْ يَقُولَ أَسْتَعِيذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ عَلَى مَا اخْتَارَهُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ اخْتِيَارُ حَمْزَةَ مِنْ الْقُرَّاءِ لِمُوَافَقَتِهِ الْقُرْآنَ وَاخْتَارَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَقُولَ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ وَهُوَ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَبِي عَمْرٍو وَعَاصِمٍ وَابْنِ كَثِيرٍ مِنْ الْقُرَّاءِ.
قَالَ رحمه الله (وَسَمَّى سِرًّا فِي كُلِّ رَكْعَةٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجْهَرُ بِالتَّسْمِيَةِ عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِمَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» وَكَانَ عُمَرُ وَعُثْمَانُ وَعَلِيٌّ يَجْهَرُونَ بِهَا وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَخَلْفَ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ فَلَمْ أَسْمَعْ أَحَدًا مِنْهُمْ يَجْهَرُ بِبَسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَجْهَرُ بِهَا» ذَكَرَهُ أَبُو عُمَرَ فِي الْإِنْصَافِ وَمَا رَوَاهُ لَيْسَ فِيهِ دَلَالَةٌ عَلَى الْجَهْرِ أَوْ يُحْمَلُ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَجْهَرُ بِهَا أَحْيَانًا لِلتَّعْلِيمِ كَمَا كَانَ يَجْهَرُ أَحْيَانًا بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ تَعْلِيمًا وَمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ وَعُثْمَانَ وَعَلِيٍّ قَالَ عُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ الطُّرُقُ عَنْهُمْ لَيْسَتْ بِالْقَوِيَّةِ فَالْحَاصِلُ أَنَّ أَحَادِيثَ الْجَهْرِ لَمْ تَثْبُتْ عِنْدَ أَهْلِ النَّقْلِ وَقَوْلُهُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَيْ فِي أَوَّلِ كُلِّ رَكْعَةٍ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ وَرِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَلَا يَأْتِي بِهَا إلَّا فِي الْأُولَى فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى عَنْهُ فَجَعَلَهَا كَالتَّعَوُّذِ وَلَا يَأْتِي بِهَا بَيْنَ السُّورَةِ وَالْفَاتِحَةِ إلَّا عِنْدَ مُحَمَّدٍ فَإِنَّهُ يَأْتِي بِهَا فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ وَلَا يَأْتِي بِهَا فِي الْجَهْرِيَّةِ لِئَلَّا يَلْزَمَ الْإِخْفَاءُ بَيْنَ الْجَهْرَيْنِ وَهُوَ شَنِيعٌ قَالَ رحمه الله (وَهِيَ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ بَيْنَ السُّوَرِ لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَلَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ) أَيْ الْبَسْمَلَةُ آيَةٌ مِنْ الْقُرْآنِ لَيْسَتْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ آخِرِهَا وَإِنَّمَا أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ.
وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ إلَّا فِي النَّمْلِ فَإِنَّهَا بَعْضُ آيَةٍ فِيهَا؛ لِأَنَّ الْقُرْآنَ لَا يَثْبُتُ إلَّا بِالْقَطْعِ وَذَلِكَ بِالتَّوَاتُرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها مِثْلُهُ وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هِيَ مِنْ الْفَاتِحَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِدَلِيلِ رِوَايَةِ أَنَسٍ إلَى آخِرِهِ) لَا يَخْفَى أَنَّهُ اسْتِدْلَالٌ بِالشَّيْءِ عَلَى نَفْسِهِ. اهـ. يَحْيَى وَلَعَلَّ الشَّارِحَ أَرَادَ الرِّوَايَةَ الْأُخْرَى عَنْ أَنَسٍ الْآتِيَةِ فِي دَلِيلِ مَالِكٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَحِينَئِذٍ يَصِحُّ الِاسْتِدْلَال عَلَى الْحَمْلِ الْمَذْكُورِ كَمَا ذَكَرَ هُنَا مِنْ سَبْقِ الْيَرَاعِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لِلصَّلَاةِ) وَهُوَ الْأَصَحُّ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، ثُمَّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ يَسْتَعِيذُ الْمَسْبُوقُ مَرَّتَيْنِ إذَا افْتَتَحَ وَإِذَا قَرَأَ فِيمَا يَقْضِي ذِكْرَهُ فِي الْخُلَاصَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ قَرِيبٌ مِنْ الْأَوَّلِ) لِأَنَّهُ طَلَبُ الْإِعَاذَةِ مِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى وَالْمَزِيدُ قَرِيبٌ فِي الْمَعْنَى مِنْ الثُّلَاثِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَاشْتَرَاكَهُمَا فِي الْحُرُوفِ الْأُصُولِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: إلَّا فِي الْأُولَى فِي رِوَايَةٍ إلَى آخِرِهِ) هِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْهُ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي شَرْحِ الزَّاهِدِيِّ وَالْأَحْسَنُ أَنْ يُسَمِّيَ فِي أَوَّلِ الْفَاتِحَةِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ فِي قَوْلِ أَصْحَابِنَا كُلِّهِمْ لَا تَخْتَلِفُ الرِّوَايَةُ عَنْهُمْ وَمَنْ قَالَ مَرَّةً فَقَدْ غَلِطَ إنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي وُجُوبِهَا فَعِنْدَهُمَا تَجِبُ فِي الثَّانِيَةِ كَالْأُولَى وَفِي رِوَايَةِ هِشَامٍ وَالْمُعَلَّى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا لَا تَجِبُ إلَّا مَرَّةً، ثُمَّ قَالَ الْحَسَنُ وَالصَّحِيحُ هُوَ الْوُجُوبُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ. اهـ. وَرَأَيْت حَاشِيَةً بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ نَصُّهَا وَغَلِطَ الْمُغَلِّطُ بِأَنَّ الْإِتْيَانَ بِهَا إمَّا أَنْ يَكُونَ عَلَى أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ الْوَاجِبِ فِي الصَّلَاةِ أَوْ مِنْ غَيْرِهِ فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ فَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ قُرْآنٌ قَبْلَ الْفَاتِحَةِ وَأَجْمَعَ عُلَمَاؤُنَا عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ وَعَلَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ فِي الصَّلَاةِ ذِكْرٌ غَيْرَ التَّشَهُّدِ وَالْقُنُوتِ وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ وَتَكْبِيرَةِ الْقُنُوتِ، وَأَمَّا النَّصُّ عَلَى أَنَّهَا سُنَّةٌ فَفِي عَامَّةِ الْكُتُبِ كَالْمُفِيدِ وَالْبَدَائِعِ وَغَيْرِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مَالِكٌ لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ إلَى آخِرِهِ) مَنْ أَنْكَرَ كَوْنَهَا مِنْ الْقُرْآنِ لَا يَكْفُرُ عِنْدَنَا وَبَيَانُهُ فِي أَوَّلِ الْكَشْفِ الْكَبِيرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ يَفْتَتِحُ الْقِرَاءَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) قَوْلُهُ: رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَتْ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ. اهـ.
قَوْلًا وَاحِدًا، وَكَذَا مِنْ غَيْرِهَا عَلَى الصَّحِيحِ لِإِجْمَاعِهِمْ عَلَى كِتَابَتِهَا فِي الْمَصَاحِفِ مَعَ الْأَمْرِ بِتَجْرِيدِ الْمَصَاحِفِ وَهُوَ مِنْ أَقْوَى الْحُجَجِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ لَا يَعْرِفُ فَصْلَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمْ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ فِي الْمُسْتَدْرَكِ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما كَانَ الْمُسْلِمُونَ لَا يَعْلَمُونَ انْقِضَاءَ السُّورَةِ حَتَّى يَنْزِلَ عَلَيْهِمْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
وَهَذَا نَصٌّ عَلَى أَنَّهَا أُنْزِلَتْ لِلْفَصْلِ وَأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ أَوَّلِ كُلِّ سُورَةٍ وَلَا مِنْ آخِرِهَا بَلْ هِيَ آيَةٌ مُنْفَرِدَةٌ وَعَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ «إنَّ جِبْرِيلَ عليه السلام أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ} [العلق: 1] وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ فِي أَوَّلِهَا» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «إنَّ سُورَةً مِنْ الْقُرْآنِ ثَلَاثِينَ آيَةً شَفَعَتْ لِرَجُلٍ حَتَّى غُفِرَ لَهُ وَهِيَ تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ» وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّهَا ثَلَاثُونَ آيَةً مِنْ غَيْرِ الْبَسْمَلَةِ وَمِنْ الدَّلِيلِ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْفَاتِحَةِ مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «قَالَ اللَّهُ تَعَالَى قَسَمْت الصَّلَاةَ بَيْنِي وَبَيْنَ عَبْدِي نِصْفَيْنِ نِصْفُهَا لِي وَنِصْفُهَا لِعَبْدِي وَلِعَبْدِي مَا سَأَلَ يَقُولُ الْعَبْدُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى حَمِدَنِي عَبْدِي» الْحَدِيثُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ فَابْتَدَأَ الْقِسْمَةَ بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ فَلَوْ كَانَتْ الْبَسْمَلَةُ مِنْهَا لَابْتَدَأَ بِهَا.
وَقَالَ عليه الصلاة والسلام لِأَبِي بَكْرٍ «كَيْفَ تَقْرَأُ أُمَّ الْقُرْآنِ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ» وَلَمْ يَذْكُرْ الْبَسْمَلَةَ وَلَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهِ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وَقَوْلُ أَنَسٍ وَعَائِشَةَ فِيمَا رَوَاهُ مَالِكٌ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «يَفْتَتِحُ الصَّلَاةَ بِالْحَمْدِ لِلَّهِ» مَحْمُولٌ عَلَى الْجَهْرِ أَيْ كَانَ يَفْتَتِحُ جَهْرًا بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَمْ يَجْهَرْ بِالْبَسْمَلَةِ وَتَرْكُ الْجَهْرِ لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ لِقِرَاءَةِ الْفَاتِحَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَكِتَابَتُهَا فِي الْمَصَاحِفِ لَا تَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا مِنْ أَوَّلِ السُّورَةِ أَوْ مِنْ آخِرِهَا وَلِهَذَا طَوَّلُوا بَاءَهَا لِيَعْلَمَ أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْهَا، أَلَا تَرَى أَنَّ كُتَّابَ الْمَصَاحِفِ كُلَّهُمْ عَدُّوا آيَاتِ السُّوَرِ فَأَخْرَجُوهَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ، وَكَذَا الْقُرَّاءُ وَقَالَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ وَمَنْ جَعَلَهَا مِنْ كُلِّ سُورَةٍ فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فَقَدْ خَرَقَ الْإِجْمَاعَ؛ لِأَنَّهُمْ لَمْ يَخْتَلِفُوا فِي غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي أَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ السُّورَةِ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَاتِحَةِ فَإِنْ قِيلَ لَوْ كَانَتْ آيَةً مِنْ الْقُرْآنِ لَجَازَتْ الصَّلَاةُ بِهَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ إذْ لَا يُشْتَرَطُ أَكْثَرُ مِنْ آيَةٍ قُلْنَا إنَّمَا لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ بِهَا لِاشْتِبَاهِ الْآثَارِ وَاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِي كَوْنِهَا آيَةً لَا؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ مِنْ الْقُرْآنِ قَالَ رحمه الله (وَقَرَأَ الْفَاتِحَةَ وَسُورَةً أَوْ ثَلَاثَ آيَاتٍ) أَمَّا الْفَاتِحَةُ وَالسُّورَةُ فَوَاجِبَتَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا لَكِنَّ الْفَاتِحَةَ أَوْجَبَ حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ وَثَلَاثُ آيَاتٍ تَقُومُ مَقَامَ السُّورَةِ فِي الْإِعْجَازِ فَكَذَا هُنَا، وَكَذَا الْآيَةُ الطَّوِيلَةُ تَقُومُ مَقَامَهَا وَهَذَا لِبَيَانِ الْوَاجِبِ، وَأَمَّا لِبَيَانِ الْفَرْضِ وَالْمُسْتَحَبِّ فَيَأْتِي فِي فَصْلِ الْقِرَاءَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ رحمه الله (وَأَمَّنَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ تَأْمِينَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ وَمَالِكٌ فِي الْمُوَطَّإِ وَقَالَتْ الْمَالِكِيَّةُ فِي رِوَايَةٍ لَا يَأْتِي الْإِمَامُ بِالتَّأْمِينِ وَهُوَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا آمِينَ» قُسِمَ بَيْنَهُمَا وَهِيَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ؛ وَلِأَنَّ سُنَّةَ الدُّعَاءِ تَأْمِينُ السَّامِعِ لَا الدَّاعِي وَآخِرُ الْفَاتِحَةِ دُعَاءٌ فَلَا يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ؛ لِأَنَّهُ دَاعٍ.
وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رَوَيْنَاهُ وَقَوْلُهُمْ سُنَّةُ الدُّعَاءِ تَأْمِينُ السَّامِعِ لَا الدَّاعِي غَلَطٌ؛ لِأَنَّ التَّأْمِينَ لَيْسَ فِيهِ إلَّا زِيَادَةُ الدُّعَاءِ وَالدَّاعِي أَوْلَى بِهِ وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِيمَا رَوَوْهُ فَإِنَّهُ قَالَ فِي آخِرِهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا وَقَوْلُهُ سِرًّا هُوَ مَذْهَبُنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَجْهَرُ بِهَا عِنْدَ الْجَهْرِ بِالْقِرَاءَةِ لِحَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «يَقْرَأُ غَيْرَ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ فَقَالَ آمِينَ وَمَدَّ بِهَا صَوْتَهُ» وَلَنَا حَدِيثُ وَائِلٍ أَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام قَالَ آمِينَ خَفَضَ بِهَا صَوْتَهُ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: قَسَمْت الصَّلَاةَ) أَيْ الْفَاتِحَةَ (قَوْلُهُ: يَفْتَتِحُ جَهْرًا بِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ) رَبِّ الْعَالَمِينَ لَيْسَ فِي نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسُورَةٍ أَوْ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَى آخِرِهِ) فِي فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ سُئِلَ عَنْ الْقِرَاءَةِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَفْضَلُ أَمْ قِرَاءَةُ سُورَةٍ بِتَمَامِهَا قَالَ إنْ كَانَ آخِرَ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا أَكْثَرَ مِنْ السُّورَةِ الَّتِي أَرَادَ قِرَاءَتَهَا فَالْقِرَاءَةُ مِنْ آخِرِ السُّورَةِ أَفْضَلُ وَإِنْ كَانَتْ السُّورَةُ أَكْثَرَ آيَةٍ فَقِرَاءَتُهَا أَفْضَلُ وَفِي الذَّخِيرَةِ مَعْزِيًّا إلَى فَتَاوَى أَبِي اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ آخِرَ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ آخِرَ سُورَةٍ عَلَى حِدَةٍ فَإِنَّ ذَلِكَ مَكْرُوهٌ عِنْدَ أَكْثَرِ مَشَايِخِنَا قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْحَلْوَانِيُّ الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَوَاجِبَتَانِ عَلَى مَا بَيَّنَّا) أَيْ فِي قَوْلِهِ وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: حَتَّى يُؤْمَرَ بِالْإِعَادَةِ) أَيْ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ لَا بِإِعَادَةِ الْفَاتِحَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْإِعَادَةِ بِتَرْكِهَا دُونَ السُّورَةِ) قَالَ فِي الْقُنْيَةِ فِي بَابِ الْقِرَاءَةِ بَعْدَ أَنْ رَقَّمَ لِمَجْدِ الْأَئِمَّةِ التَّرْجُمَانِيِّ: قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ، ثُمَّ السُّورَةُ وَاجِبَةٌ لَكِنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ أَوْجَبُ حَتَّى لَوْ تَرَكَهَا فِي الصَّلَاةِ يُؤْمَرُ بِإِعَادَةِ الصَّلَاةِ وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ لَا يُؤْمَرُ. اهـ. وَقَدْ نَقَلْت هَذِهِ الْعِبَارَةَ عِنْدَ قَوْلِهِ فِيمَا تَقَدَّمَ وَوَاجِبُهَا قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ وَضَمُّ سُورَةٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَأَمَّنَ الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ سِرًّا) وَفِي الْمُحِيطِ وَفَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ لَوْ سَمِعَ الْمُقْتَدِي مِنْ الْإِمَامِ وَلَا الضَّالِّينَ فِي صَلَاةٍ لَا يُجْهَرُ فِيهَا هَلْ يُؤَمِّنُ قَالَ مَشَايِخُنَا لَا يُؤَمِّنُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْجَهْرَ لَغْوٌ فَلَا يَنْبَغِي وَعِنْدَ الْهِنْدُوَانِيُّ يُؤَمِّنُ لِظَاهِرِ الْحَدِيثِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الدِّرَايَةِ أَنَّهُ مَسْنُونٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ وَالْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِ وَالْقَارِئِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ تَأْمِينُهُ) أَيْ فِي الْإِخْلَاصِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَهِيَ تُنَافِي الشَّرِكَةَ) وَحَمَلُوا قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا أَمِنَ» عَلَى بُلُوغِ مَوْضِعِ التَّأْمِينِ. اهـ. غَايَةٌ
عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ رضي الله عنه يُخْفِي الْإِمَامُ أَرْبَعًا: التَّعَوُّذَ وَالْبَسْمَلَةَ وَآمِينَ وَرَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيُرْوَى مِثْلُ قَوْلِهِ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ الصَّحَابَةِ بَعْضُهُمْ يَقُولُ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ خَمْسَةٌ وَبَعْضُهُمْ يَقُولُ ثَلَاثَةٌ، وَكُلُّهُمْ بَعْدَ التَّأْمِينِ مِنْهَا؛ وَلِأَنَّهُ دُعَاءٌ فَيَكُونُ مَبْنَاهُ عَلَى الْإِخْفَاءِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِهَا عَقِيبَ الْجَهْرِ بِالْقُرْآنِ لَأَوْهَمَ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَيُمْنَعُ مِنْهُ دَفْعًا لِلْإِيهَامِ وَلِهَذَا لَمْ تُكْتَبْ فِي الْمَصَاحِفِ وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ فَلَا يَلْزَمُ حُجَّةً وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ الْمَدُّ وَالْقَصْرُ وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ وَالتَّشْدِيدُ خَطَأٌ فَاحِشٌ وَهُوَ مِنْ لَحْنِ الْعَوَامّ حَكَاهُ ابْنُ السِّكِّيتِ حَتَّى لَوْ قَالَ آمِينَ بِالْمَدِّ وَالتَّشْدِيدِ، قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَقِيلَ لَا تَفْسُدُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى؛ لِأَنَّ بَعْضَ أَهْلِ الْعِلْمِ قَالَ فِيهَا لُغَةً بِالتَّشْدِيدِ مِنْهُمْ الْوَاحِدِيُّ؛ وَلِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْ قَالَ: آمِنُ بِالْمَدِّ وَحَذْفِ الْيَاءِ لَا تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ وَلَوْ قَالَ أَمِنَ بِالْقَصْرِ وَحَذْفِ الْيَاءِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُوجَدْ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَى هَذَا لَوْ قَالَ أَمَّنَ بِالْقَصْرِ وَالتَّشْدِيدِ يَنْبَغِي أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ لِمَا ذَكَرْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ) لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبْزَى أَنَّهُ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ لَا يُتِمُّ التَّكْبِيرَ» أَيْ لَا يَمُدُّ وَكَانَ إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ يَقُولُ التَّكْبِيرُ جَزْمٌ وَيُرْوَى خَذْمٌ بِالْخَاءِ وَالذَّالِ أَيْ سَرِيعٌ؛ وَلِأَنَّ الْمَدَّ إنْ كَانَ فِي أَوَّلِهِ وَهِيَ هَمْزَةُ اللَّهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ اسْتِفْهَامٌ وَإِنْ تَعَمَّدَهُ يَكْفُرُ لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي الْكِبْرِيَاءِ وَإِنْ كَانَ فِي هَمْزَةِ أَكْبَرَ فَكَذَلِكَ الْجَوَابُ لِمَا ذَكَرْنَا وَإِنْ كَانَ فِي بَاءِ أَكْبَرَ فَقَدْ قِيلَ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ خَطَأٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةُ؛ لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ لُغَةً؛ وَلِأَنَّ أَكِبَارَ جَمْعُ كِبْرٍ وَهُوَ الطَّبْلُ فَيَخْرُجُ مِنْ مَعْنَى التَّكْبِيرِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ الْأَلْفَ نَشَأَتْ مِنْ الْإِشْبَاعِ وَهَذَا بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْإِشْبَاعَ لَا يَجُوزُ إلَّا فِي ضَرُورَةِ الشَّعْرِ وَإِنْ كَانَ الْمَدُّ فِي لَامِ اللَّهِ فَحَسَنٌ مَا لَمْ تَخْرُجْ عَنْ حَدِّهَا.
قَالَ رحمه الله (وَرَكَعَ وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ وَفَرَّجَ أَصَابِعَهُ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ وَالصَّحَابَةِ مِنْ التَّطْبِيقِ وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ إحْدَى كَفَّيْهِ إلَى الْأُخْرَى وَيُرْسِلَهُمَا بَيْنَ فَخِذَيْهِ مَنْسُوخٌ بِمَا رَوَيْنَا بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْ مُصْعَبِ بْنِ سَعْدِ بْنِ أَبِي وَقَّاصٍ أَنَّهُ قَالَ جَعَلْت يَدَيَّ بَيْنَ رُكْبَتَيْ فَنَهَانِي أَبِي وَقَالَ كُنَّا نَفْعَلُ هَذَا فَنُهِينَا وَلَا يُنْدَبُ إلَى التَّفْرِيجِ إلَّا فِي هَذِهِ الْحَالَةِ؛ لِأَنَّهُ أَمْكَنُ مِنْ الْأَخْذِ بِالرُّكَبِ وَآمَنُ مِنْ السُّقُوطِ وَلَا إلَى ضَمِّ الْأَصَابِعِ إلَّا فِي حَالَةِ السُّجُودِ لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْإِدْغَامِ أَيْ الِاتِّكَاءِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ قُوَّتَهَا تَزْدَادُ بِالضَّمِّ وَفِيمَا عَدَا ذَلِكَ يُتْرَكُ عَلَى الْعَادَةِ وَلَا يَتَكَلَّفُ شَيْئًا؛ لِأَنَّهُ لَا حَاجَةَ لَهُ إلَيْهَا وَمَا رُوِيَ مِنْ نَشْرِ الْأَصَابِعِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ التَّحْرِيمَةِ مَحْمُولٌ عَلَى النَّشْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّيِّ قَالَ رحمه الله (وَبَسَطَ ظَهْرَهُ وَسَوَّى رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ وَابِصَةَ بْنِ مَعْبَدٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَكَانَ إذَا رَكَعَ سَوَّى ظَهْرَهُ حَتَّى لَوْ صُبَّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَاسْتَقَرَّ» وَرُوِيَ أَنَّهُ كَانَ «إذَا رَكَعَ لَوْ كَانَ قَدَحُ مَاءٍ عَلَى ظَهْرِهِ لَمَا تَحَوَّلَ لِاسْتِوَاءِ ظَهْرِهِ» وَعَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إذَا رَكَعَ لَمْ يُشْخِصْ رَأْسَهُ وَلَمْ يُصَوِّبْهُ» أَيْ لَمْ يَرْفَعْ رَأْسَهُ وَلَمْ يَخْفِضْهُ.
قَالَ رحمه الله (وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي الرُّكُوعِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِمَا رُوِيَ عَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ أَنَّهُ قَالَ «لَمَّا أُنْزِلَتْ فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّك الْعَظِيمِ قَالَ عليه الصلاة والسلام اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ وَلَمَّا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لَأَوْهَمَ أَنَّهَا مِنْ الْقُرْآنِ فَيُمْنَعُ إلَى آخِرِهِ) حَتَّى قَالُوا بِارْتِدَادِ مَنْ قَالَ إنَّهُ مِنْهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَفِي آمِينَ لُغَتَانِ الْمَدُّ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ مُخْتَارُ الْفُقَهَاءِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَالْقَصْرُ) أَيْ وَهُوَ اخْتِيَارُ أَهْلِ اللُّغَةِ. اهـ. عِ أَيْ وَمُخْتَارُ الْأُدَبَاءِ أَيْضًا. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَمَعْنَاهُ اسْتَجِبْ) أَيْ دُعَاءَنَا (قَوْلُهُ: وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ لَهُ وَجْهٌ؛ لِأَنَّ مَعْنَاهُ نَدْعُوك قَاصِدِينَ إجَابَتَك؛ لِأَنَّ مَعْنَى آمِينَ قَاصِدِينَ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ الْمُصَلِّي إذَا فَرَغَ مِنْ قِرَاءَةِ فَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَقَالَ آمِّينَ بِتَشْدِيدِ الْمِيمِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ وَقِيلَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي الْقُرْآنِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَيَقُولُ آمِينَ بِغَيْرِ مَدٍّ وَلَا تَشْدِيدٍ أَوْ آمِينَ بِالْمَدِّ دُونَ التَّشْدِيدِ وَمَعْنَاهُ يَا أَمِينُ اسْتَجِبْ لَنَا إلَّا أَنَّهُ أُسْقِطَتْ يَاءُ النِّدَاءِ وَأُدْخِلَتْ الْمَدَّةُ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ قَالَ آمَنَ بِالْمَدِّ وَحَذْفِ الْيَاءِ) يُشِيرُ إلَى قَوْله تَعَالَى {وَيْلَكَ آمِنْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ} [الأحقاف: 17]. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكَبَّرَ بِلَا مَدٍّ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ «يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ» . اهـ. (قَوْلُهُ: بِالْخَاءِ وَالذَّالِ) أَيْ الْمُعْجَمَةُ (قَوْلُهُ: لِأَجْلِ الشَّكِّ فِي الْكِبْرِيَاءِ) وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْهَمْزَةَ يَجُوزُ أَنْ تَكُونَ لِلتَّقْرِيرِ فَلَا يَكُونُ هُنَاكَ كُفْرٌ وَلَا فَسَادٌ قَالَهُ فِي الْعِنَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ أَفْعَلَ التَّفْضِيلِ لَا يَحْتَمِلُ الْمَدَّ) أَيْ حَتَّى قَالَ مَشَايِخُنَا لَوْ أَدْخَلَ الْمَدَّ بَيْنَ الْبَاءِ وَالرَّاءِ فِي لَفْظِ " أَكْبَرُ " عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ لَا يَصِيرُ شَارِعًا بِخِلَافِ مَا لَوْ فَعَلَ الْمُؤَذِّنُ حَيْثُ لَا تَجِبُ إعَادَةُ الْآذَانِ وَإِنْ كَانَ خَطَأً؛ لِأَنَّ أَمْرَهُ أَوْسَعُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: نَشَأَتْ مِنْ الْإِشْبَاعِ) أَيْ إشْبَاعِ فَتْحَةِ الْبَاءِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى رُكْبَتَيْهِ) أَيْ نَاصِبًا سَاقَيْهِ وَحَنْيِهِمَا شِبْهَ الْقَوْسِ كَمَا يَفْعَلُهُ عَامَّةُ النَّاسِ مَكْرُوهٌ ذَكَرَهُ فِي رَوْضَةِ الْعُلَمَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَنَسٍ) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ وَأَخَذَ رُكْبَتَيْهِ بِيَدَيْهِ. اهـ. وَقَالَ الْكَمَالُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بَيْنَ رِجْلَيْهِ حَالَةَ الْقِيَامِ قَدْرُ أَرْبَعِ أَصَابِعَ. اهـ. وَفِي الْوَاقِعَاتِ مِنْ أَصَابِعِ الْيَدِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِيَكُونَ أَمْكَنَ مِنْ الْإِدْغَامِ) أَيْ وَلِيَقَعَ رُءُوسُ الْأَصَابِعِ مُوَاجِهَةً إلَى الْقِبْلَةِ فَقَدْ قَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ فَلْيُوَجِّهْ مِنْ أَعْضَائِهِ إلَى الْقِبْلَةِ مَا اسْتَطَاعَ» . اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ عَلَى النَّشْرِ الَّذِي هُوَ ضِدُّ الطَّيِّ) أَيْ لَا التَّفْرِيجُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسَوَّى رَأْسَهُ بِعَجُزِهِ) أَيْ وَهُوَ نِصْفُهُ الْمُؤَخَّرُ اهـ ع وَالْعَجُزُ يُذَكَّرُ وَيُؤَنَّثُ وَهُوَ لِلرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ وَالْعَجِيزَةُ لِلْمَرْأَةِ خَاصَّةً ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَفِي الْمُغْرِبِ الْعَجِيزَةُ تُسْتَعَارُ لِلرَّجُلِ. اهـ. غَايَةٌ.
نَزَلَتْ سَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى قَالَ: اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ» وَيُكْرَهُ أَنْ يُنْقِصَ التَّسْبِيحَ عَنْ الثَّلَاثِ أَوْ يَتْرُكَهُ كُلَّهُ وَقَالَ أَبُو مُطِيعٍ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ لِأَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِذَلِكَ عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَلَنَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَلَّمَ الْأَعْرَابِيَّ الصَّلَاةَ وَلَمْ يَذْكُرْهُ لَهُ وَلَوْ كَانَ وَاجِبًا لَذَكَرَهُ لَهُ وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَتَنَاوَلُ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ دُونَ تَسْبِيحَاتِهِمَا فَلَا يُزَادُ عَلَيْهِ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ فَيُحْمَلُ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا يُكْرَهُ أَنْ يَنْقُصَ عَنْ الثَّلَاثِ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْحَدِيثِ، وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ رَأْسَهُ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمُقْتَدِي ثَلَاثًا أَتَمَّ ثَلَاثًا فِي رِوَايَةٍ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَكُلَّمَا زَادَ فَهُوَ أَفْضَلُ لِلْمُنْفَرِدِ بَعْدَ أَنْ يَكُونَ الْخَتْمُ عَلَى وِتْرٍ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَلَا يَزِيدُ عَلَى وَجْهٍ يَمَلُّ الْقَوْمُ مِنْهُ وَلَا يَأْتِي فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ بِغَيْرِ التَّسْبِيحِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَزِيدُ فِي الرُّكُوعِ اللَّهُمَّ لَك رَكَعْت وَلَك خَشَعْت وَلَك أَسْلَمْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَفِي السُّجُودِ سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ وَصَوَّرَهُ وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ ذَلِكَ وَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ عِنْدَنَا قَالَ رحمه الله (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي فَصْلِ الْوَاجِبَاتِ.
قَالَ رحمه الله (وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ وَالْمُؤْتَمُّ وَالْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ) وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ يَجْمَعُ الْإِمَامَيْنِ الذِّكْرَيْنِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا؛ وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ فَلَا يَنْسَى نَفْسَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَأْتِي الْإِمَامُ وَالْمَأْمُومُ بِالذِّكْرَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمُؤْتَمَّ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِيمَا يَفْعَلُ وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو هُرَيْرَةَ وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ قَسَمَ بَيْنَهُمَا وَالْقِسْمَةُ تُنَافِي الشَّرِكَةَ وَلَا يَلْزَمُنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا قَالَ الْإِمَامُ وَلَا الضَّالِّينَ فَقُولُوا: آمِينَ» حَيْثُ يُؤَمِّنُ الْإِمَامُ مَعَ الْقِسْمَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: عُرِفَ ذَلِكَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «فَإِنَّ الْإِمَامَ يَقُولُهَا» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا أَمَّنَ الْإِمَامُ فَأَمِّنُوا» فَإِنْ قِيلَ: قَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ يُخْفِيهِنَّ الْإِمَامُ وَقَدْ عَدَّ مِنْهَا التَّحْمِيدَ فَقَدْ عُرِفَ التَّحْمِيدُ أَيْضًا مِنْ خَارِجٍ فَوَجَبَ أَنَّهُ لَا يَأْتِي بِهِ قُلْنَا مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْقِسْمَةِ مَرْفُوعٌ وَحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْقُوفٌ عَلَيْهِ فَلَا يُعَارِضُ الْمَرْفُوعَ وَمَا ذَكَرَهُ الشَّافِعِيُّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: قَالَ أَبُو مُطِيعٍ) هُوَ الْبَلْخِيّ تِلْمِيذُ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ عِنْدَهُ الثَّلَاثَ فَرْضٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ قَدْ يَكُونُ لِلِاسْتِحْبَابِ) أَيْ بِدَلِيلِ حَدِيثِ الْأَعْرَابِيِّ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ) أَيْ وَعَلَيْهِ عَامَّةُ الْمَشَايِخِ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: هَذَا هُوَ الْأَشْبَهُ بِمَذْهَبِ أَصْحَابِنَا؛ لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ وَتَسْبِيحَاتُ الرُّكُوعِ سُنَّةٌ. اهـ.
وَفِي الذَّخِيرَةِ سَمِعَ الْإِمَامُ فِي الرُّكُوعِ خَفْقَ النِّعَالِ هَلْ يَنْتَظِرُ أَمْ لَا قَالَ أَبُو يُوسُفَ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ وَابْنَ أَبِي لَيْلَى عَنْ ذَلِكَ فَكَرِهَاهُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَخْشَى عَلَيْهِ أَمْرًا عَظِيمًا يَعْنِي الشِّرْكَ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ كَرِهَ ذَلِكَ مِقْدَارَ التَّسْبِيحَةِ وَالتَّسْبِيحَتَيْنِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ يُطَوِّلُ التَّسْبِيحَاتِ وَلَا يَزِيدُ فِي الْعَدَدِ وَقَالَ أَبُو الْقَاسِمِ الصَّفَّارُ إنْ كَانَ الْجَائِي غَنِيًّا لَا يَجُوزُ وَإِنْ كَانَ فَقِيرًا جَازَ انْتِظَارُهُ وَقَالَ أَبُو اللَّيْثِ إنْ كَانَ الْإِمَامُ عَرَفَ الْجَائِيَ لَا يَنْتَظِرُهُ وَإِنْ لَمْ يَعْرِفْهُ فَلَا بَأْسَ بِهِ إذْ فِيهِ إعَانَةٌ عَلَى الطَّاعَةِ. اهـ.
وَقِيلَ إنْ أَطَالَ الرُّكُوعَ لِإِدْرَاكِ الْجَائِي خَاصَّةً وَلَا يُرِيدُ إطَالَةَ الرُّكُوعِ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ فَهَذَا مَكْرُوهٌ إذَا كَانَ أَوَّلَ رُكُوعِهِ لِلَّهِ وَآخِرُهُ لِلْجَائِي فَقَدْ أَشْرَكَ فِي صَلَاتِهِ غَيْرَ اللَّهِ تَعَالَى وَكَانَ أَمْرًا عَظِيمًا وَلَا يَكْفُرُ؛ لِأَنَّ إطَالَةَ الرُّكُوعِ لَمْ تَكُنْ عَلَى وَجْهِ الْعِبَادَةِ لِلْقَوْمِ وَإِنَّمَا كَانَتْ لِأَجْلِ إدْرَاكِ الرُّكُوعِ وَإِنْ أَطَالَهُ لِلتَّقَرُّبِ إلَى اللَّهِ كَمَا شُرِعَ فِيهِ وَيُدْرِكُ الْجَائِي الرَّكْعَةَ كَانَ الرُّكُوعُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى آخِرِهِ خَالِصًا لِلَّهِ تَعَالَى فَلَا بَأْسَ بِهِ أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ يُطِيلُ الرَّكْعَةَ الْأُولَى مِنْ الْفَجْرِ عَلَى الثَّانِيَةِ لِيُدْرِكَ الْقَوْمُ الرَّكْعَةَ. اهـ. غَايَةٌ، ثُمَّ قَالَ وَيُكْرَهُ قِرَاءَةُ الْقُرْآنِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَالتَّشَهُّدِ بِإِجْمَاعِ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «نُهِيتُ أَنْ أَقْرَأَ الْقُرْآنَ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. كَاكِيٌّ.
قَوْلُهُ: لِأَنَّ مُتَابَعَةَ الْإِمَامِ وَاجِبَةٌ قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَإِذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ قَبْلَ فَرَاغِ الْمُقْتَدِي يُتِمُّ قِرَاءَةَ التَّشَهُّدِ وَلَا يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي الْقِيَامِ إنْ كَانَ فِي الْقَعْدَةِ الْأُولَى وَإِنْ كَانَ فِي الْأَخِيرَةِ وَلَمْ يَفْرُغْ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ فَقَدْ قِيلَ يُتَابِعُهُ وَقِيلَ يُتِمُّ مَا بَقِيَ قَالَ الْفَقِيهُ أَبُو اللَّيْثِ فِي النَّوَازِلِ إذَا تَرَكَ الْإِمَامُ التَّشَهُّدَ وَقَامَ أَوْ سَلَّمَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ الْمُخْتَارُ عِنْدِي أَنَّهُ يُتِمُّ تَشَهُّدَهُ وَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ أَجْزَأَهُ وَرَأَيْت فِي مَوْضِعٍ آخَرَ الْمَسْبُوقُ إذَا فَرَغَ الْإِمَامُ مِنْ قِرَاءَةِ التَّشَهُّدِ وَلَمْ يَفْرُغْ هُوَ قِيلَ يُتِمُّ التَّشَهُّدَ وَقِيلَ لَا يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يَأْتِي بِالتَّشَهُّدِ هُنَا مُتَابَعَةً لِلْإِمَامِ وَقَدْ انْقَطَعَتْ الْمُتَابَعَةُ بِسَلَامِ الْإِمَامِ وَقَدْ قِيلَ يُتِمُّ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ ذِكْرٍ وَاحِدٍ فَلَوْ قَطَعَهُ تَبْطُلُ بِخِلَافِ تَسْبِيحَاتِ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّ كُلَّ تَسْبِيحَةٍ ذِكْرٌ عَلَى حِدَةٍ. اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَاكْتَفَى الْإِمَامُ بِالتَّسْمِيعِ إلَى آخِرِهِ) لَكِنْ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ فِي نَفْسِهِ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالَا يَقُولُهَا فِي نَفْسِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّهُ حَرَّضَ غَيْرَهُ) أَيْ عَلَى أَنَّهُ يَحْمَدُ بِقَوْلِهِ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَيَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا قَالَ الْإِمَامُ سَمِعَ اللَّهُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قَبِلَ اللَّهُ حَمْدَ مَنْ حَمِدَهُ وَالسَّمَاعُ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْقَبُولُ مَجَازًا كَمَا يُقَالُ سَمِعَ الْأَمِيرُ كَلَامَ فُلَانٍ إذَا قَبِلَ وَيُقَالُ مَا سَمِعَ كَلَامَهُ أَيْ رَدَّهُ فَلَمْ يَقْبَلْهُ وَإِنْ سَمِعَهُ حَقِيقَةً وَفِي الْحَدِيثِ أَعُوذُ بِك مِنْ دُعَاءٍ لَا يُسْمَعُ أَيْ لَا يُسْتَجَابُ وَفِي الْفَوَائِدِ الْحَمِيدِيَّةِ الْهَاءُ فِي حَمِدَهُ لِلسَّكْتَةِ وَالِاسْتِرَاحَةِ لَا لِلْكِنَايَةِ كَذَا نُقِلَ عَنْ الثِّقَاتِ وَفِي الْمُسْتَصْفَى الْهَاءُ لِلْكِنَايَةِ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {وَاشْكُرُوا لَهُ} [العنكبوت: 17]. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: فَقُولُوا رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ) تَتِمَّتُهُ «فَإِنَّهُ مَنْ وَافَقَ قَوْلُهُ قَوْلَ الْمَلَائِكَةِ غُفِرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ» . اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ قَالَ أَرْبَعٌ) قَالَ فِي الْأَسْرَارِ إنَّهُ غَرِيبٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: مَا رَوَيْنَاهُ مِنْ حَدِيثِ الْقِسْمَةِ مَرْفُوعٌ) أَيْ بِرِوَايَةِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ
بَعِيدٌ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَحُثُّ مَنْ خَلْفَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ فَلَا مَعْنَى لِمُقَابَلَةِ الْقَوْمِ لَهُ عَلَى الْحَثِّ بَلْ يَشْتَغِلُونَ بِالتَّحْمِيدِ لَا غَيْرُ؛ لِأَنَّ اللَّائِقَ لِلْمُحَرِّضِ أَنْ يَأْتِيَ بِالْإِجَابَةِ طَاعَةً دُونَ الْإِعَادَةِ؛ لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ وَمَا رَوَيَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الِانْفِرَادِ، وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِمَا رَوَيْنَا أَنَّ الْمُؤْتَمَّ لَا يَخْتَصُّ بِالذِّكْرِ دُونَ الْإِمَامِ وَقَدْ يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ كَالْقِرَاءَةِ وَقَوْلُهُ وَالْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ أَيْ اكْتَفَى الْمُنْفَرِدُ بِالتَّحْمِيدِ وَهُوَ الَّذِي عَلَيْهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ.
وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيعَ حَثٌّ لِمَنْ هُوَ مَعَهُ عَلَى التَّحْمِيدِ وَلَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُ لِيَحُثَّهُ عَلَيْهِ؛ وَلِأَنَّهُ لَوْ جَمَعَ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ وَقَعَ الثَّانِي فِي حَالِ الِاعْتِدَالِ وَهُوَ لَمْ يَشْرَعْ إلَّا فِي الِانْتِقَالِ، وَقَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ إمَامُ نَفْسِهِ وَالْإِمَامُ يَقْتَصِرُ عَلَى التَّسْمِيعِ عِنْدَهُ وَهُوَ رِوَايَةُ النَّوَادِرِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ، وَقَالَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ هُوَ الْأَصَحُّ وَوَجْهُهُ أَنَّهُ إمَامُ نَفْسِهِ فَيَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ، ثُمَّ بِالتَّحْمِيدِ لِعَدَمِ مَنْ يَمْتَثِلُ بِهِ خَلْفَهُ وَقَدْ اخْتَلَفَتْ الْأَخْبَارُ فِي لَفْظِ التَّحْمِيدِ فَقَالَ فِي بَعْضِهَا يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ، وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ: رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ أَفْضَلُ لِزِيَادَةِ الثَّنَاءِ. وَقَالَ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ: لَا فَرْقَ بَيْنَ قَوْلِك رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَبَيْنَ قَوْلِك رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. وَاخْتَلَفُوا فِي هَذِهِ الْوَاوِ قِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ وَقِيلَ هِيَ عَاطِفَةٌ تَقْدِيرُهُ رَبَّنَا حَمِدْنَاك وَلَك الْحَمْدُ قَالَ رحمه الله (ثُمَّ كَبَّرَ) لِمَا رَوَيْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَوَضَعَ رُكْبَتَيْهِ، ثُمَّ يَدَيْهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ وَائِلٍ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا سَجَدَ وَضَعَ رُكْبَتَيْهِ قَبْلَ يَدَيْهِ وَإِذَا نَهَضَ رَفَعَ يَدَيْهِ قَبْلَ رُكْبَتَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد قَالَ رحمه الله (ثُمَّ وَجْهَهُ بَيْنَ كَفَّيْهِ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَضَعُ يَدَيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَنَحَّى يَدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ وَوَضَعَ كَفَّيْهِ حِذَاءَ مَنْكِبَيْهِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «يَضَعُ وَجْهَهُ إذَا سَجَدَ بَيْن كَفَّيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ. وَرَوَى الْأَثْرَمُ بِإِسْنَادِهِ عَنْ وَائِلٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «سَجَدَ فَجَعَلَ كَفَّيْهِ بِحِذَاءِ أُذُنَيْهِ» قَالَ وَرُوِيَ ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ وَلَعَلَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ مَبْنِيٌّ عَلَى الِاخْتِلَافِ فِي رَفْعِ الْيَدَيْنِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ قَالَ رحمه الله (بِعَكْسِ النُّهُوضِ) أَيْ الْهُبُوطِ بِعَكْسِ النُّهُوضِ حَتَّى قَالُوا: إذَا أَرَادَ السُّجُودَ يَضَعُ أَوَّلًا مَا كَانَ أَقْرَبَ إلَى الْأَرْضِ فَيَضَعُ رُكْبَتَيْهِ أَوَّلًا ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ أَنْفَهُ ثُمَّ جَبْهَتَهُ، وَكَذَا إذَا أَرَادَ الرَّفْعَ يَرْفَعُ أَوَّلًا جَبْهَتَهُ، ثُمَّ أَنْفَهُ، ثُمَّ يَدَيْهِ، ثُمَّ رُكْبَتَيْهِ قَالُوا هَذَا إذَا كَانَ حَافِيًا، وَأَمَّا إذَا كَانَ مُتَخَفِّفًا فَلَا يُمْكِنُهُ وَضْعُ الرُّكْبَتَيْنِ أَوَّلًا فَيَضَعُ الْيَدَيْنِ قَبْلَ الرُّكْبَتَيْنِ وَيُقَدِّمُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى.
قَالَ رحمه الله (وَسَجَدَ بِأَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ) أَيْ عَلَى أَنْفِهِ وَجَبْهَتِهِ لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ إذَا سَجَدَ مَكَّنَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ مِنْ الْأَرْضِ وَقَالَ صَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي» وَهُوَ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ وَعَنْ عِكْرِمَةَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَلَا يُصِيبُ أَنْفَهُ الْأَرْضَ فَقَالَ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يُصِيبُ أَنْفُهُ الْأَرْضَ» وَهِيَ نَفْيُ الْفَضِيلَةِ وَالْكَمَالِ دُونَ الْجَوَازِ قَالَ رحمه الله (وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا) أَيْ وَكُرِهَ الِاقْتِصَارُ عَلَى أَحَدِهِمَا لِمَا رَوَيْنَا مِنْ حَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ وَقَوْلُهُ وَكُرِهَ بِأَحَدِهِمَا يَقْتَضِي كَرَاهِيَةَ الِاقْتِصَارِ عَلَى أَحَدِهِمَا أَيُّهُمَا كَانَ وَهَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ أَيْضًا فَقَالَ وَوَضْعُ الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا أَوْ الْأَنْفَ وَحْدَهُ يُكْرَهُ وَيُجْزِي عِنْدَهُ وَعِنْدَ صَاحِبَيْهِ لَا يَتَأَدَّى إلَّا بِوَضْعِهِمَا إلَّا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ وَفِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ إنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ وَحْدَهَا مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بِلَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا تُشْبِهُ الْمُحَاكَاةَ) أَيْ كَمَا قُلْنَا فِي جَوَابِ الْمُؤَذِّنِ فِي قَوْلِهِ حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ حَيَّ عَلَى الْفَلَاحِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَمَا رَوَيَاهُ) أَيْ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: مَحْمُولٌ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْجَوَابُ الْمَذْكُورُ ضَعِيفٌ؛ لِأَنَّهُ لَمْ تُرْوَ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى النَّفْلِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: وَكَانَ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله يَخْتَارُ قَوْلَهُمَا) أَيْ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْفَضْلِيُّ وَجَمَاعَةٌ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقَدْ يَخْتَصُّ الْإِمَامُ بِهِ كَالْقِرَاءَةِ) أَيْ فَبِكَذَا يَجُوزُ أَنْ يَخْتَصَّ بِالْجَمْعِ بَيْنَ الْمَذْكُورَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَهُوَ لَمْ يُشْرَعْ إلَّا فِي الِانْتِقَالِ) أَيْ وَلَوْ جَمَعَ بَيْنَ ذِكْرَيْنِ كَانَ الذِّكْرُ الْأَوَّلُ لِلِانْتِقَالِ مِنْ الرُّكُوعِ، وَأَمَّا الِانْتِقَالُ مِنْ الْقِيَامِ إلَى السُّجُودِ فَلَهُ ذِكْرٌ وَهُوَ التَّكْبِيرُ فَالذِّكْرُ الثَّانِي يَقَعُ لِمُجَرَّدِ اعْتِدَالِ الْقِيَامِ لَا لِلِانْتِقَالِ وَالذِّكْرُ لَمْ يُسَنَّ إلَّا لِلِانْتِقَالِ وَلِذَا لَمْ يُسَنَّ ذِكْرٌ فِي حَالَةِ الْقَعْدَةِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ: يَنْبَغِي أَنْ يَأْتِيَ بِالتَّسْمِيعِ لَا غَيْرُ عَلَى قِيَاسِ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَلَا رِوَايَةَ فِيهِ نَصًّا عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ قَالَ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يَأْتِي بِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: إنَّ الْمُنْفَرِدَ يَجْمَعُ بَيْنَ الذِّكْرَيْنِ إلَى آخِرِهِ) وَأَمَّا الْمُقْتَدِي لَا يَأْتِي بِالتَّسْمِيعِ بِلَا خِلَافٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي بَعْضِهَا رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ إلَى آخِرِهِ) أَيْ وَفِي بَعْضِهَا اللَّهُمَّ رَبَّنَا وَلَك الْحَمْدُ. اهـ. كَاكِيٌّ وَغَايَةٌ وَفِي الْبَدَائِعِ الْأَشْهَرُ هُوَ الْأَوَّلُ. اهـ. وَفِي الْعِنَايَةِ وَهُوَ أَظْهَرُ الرِّوَايَاتِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ فِي الْمُحِيطِ) أَيْ وَالذَّخِيرَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: قِيلَ هِيَ زَائِدَةٌ إلَى آخِرِهِ) تَقُولُ الْعَرَبُ بِعْنِي هَذَا الثَّوْبَ فَيَقُولُ الْمُخَاطَبُ نَعَمْ وَهُوَ لَك بِدِرْهَمٍ فَالْوَاوُ زَائِدَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ هِيَ عَاطِفَةٌ) أَيْ عَلَى مَحْذُوفٍ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: بِعَكْسِ النُّهُوضِ) أَيْ الْقِيَامِ. اهـ. عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إلَّا إذَا كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْبُوَيْرِيِّ لَوْ كَانَ بِأَحَدِهِمَا عُذْرٌ جَازَ السُّجُودُ عَلَى الْآخَرِ بِغَيْرِ كَرَاهَةٍ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا وَلَوْ تَرَكَ السُّجُودَ عَلَى الْمَقْدُورِ مِنْهُمَا وَأَوْمَأَ لَا يَجُوزُ اتِّفَاقًا وَإِنْ كَانَ بِهِمَا عُذْرٌ يُومِئُ وَلَا يَسْجُدُ عَلَى غَيْرِهِمَا كَالْخَدِّ وَالذَّقَنِ. اهـ. غَايَةٌ
كَرَاهِيَةٍ وَفِي الْأَنْفِ وَحْدَهُ يَجُوزُ مَعَ الْكَرَاهِيَةِ وَفِيمَا ذَكَرَهُ فِي الْمُفِيدِ وَالْمَزِيدِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ لَمْ يَجُزْ الِاقْتِصَارُ عَلَى الْجَبْهَةِ عِنْدَهُمَا وَهُوَ خِلَافُ الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا حَتَّى حَكَى السِّغْنَاقِيُّ فِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ أَنَّ وَضْعَ الْجَبْهَةِ تَتَأَدَّى بِهِ الصَّلَاةُ بِإِجْمَاعِ الثَّلَاثَةِ، وَكَذَا ذَكَرَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْخِلَافَ فِي الِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَنْفِ فَعِنْدَهُ يَجُوزُ وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُمَا.
قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعَةِ أَعْظُمَ وَعَدَّ مِنْهَا الْجَبْهَةَ» وَلَوْ كَانَ الْأَنْفُ مَحَلًّا لِلسُّجُودِ لَذَكَرَهُ فَصَارَ كَالْخَدِّ وَالذَّقَنِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أُمِرْت أَنْ أَسْجُدَ عَلَى سَبْعٍ وَلَا أَكْفُفَ الشَّعْرَ وَلَا الثِّيَابَ الْجَبْهَةِ وَالْأَنْفِ وَالْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَالْقَدَمَيْنِ» وَقَالَ الْبُخَارِيُّ «الْجَبْهَةُ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ» هَكَذَا ذَكَرَهُ عَبْدُ الْحَقِّ فِي الْأَحْكَامِ؛ وَلِأَنَّهُ مَحَلٌّ لِلسُّجُودِ إجْمَاعًا فَوَجَبَ أَنْ يَجُوزَ الِاقْتِصَارُ عَلَيْهِ كَالْجَبْهَةِ بِخِلَافِ الذَّقَنِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَحَلٍّ لِلسُّجُودِ وَلِهَذَا لَا يَلْزَمُهُ السُّجُودُ عَلَى الذَّقَنِ عِنْدَ الْعَجْزِ عَنْ الْجَبْهَةِ وَعَلَى الْأَنْفِ يَلْزَمُهُ وَمِنْ فُرُوعِ هَذَا سُئِلَ نُصَيْرٌ رحمه الله عَمَّنْ وَضَعَ جَبْهَتَهُ عَلَى حَجَرٍ صَغِيرٍ فَقَالَ إنْ وَضَعَ أَكْثَرَ جَبْهَتِهِ يَجُوزُ، وَإِلَّا فَلَا فَقِيلَ لَهُ إنْ وَصَلَ قَدْرَ الْأَنْفِ مِنْهَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عَلَى قَوْلِهِ فَقَالَ الْأَنْفُ عُضْوٌ كَامِلٌ قَالَ رحمه الله (أَوْ بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ كُرِهَ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ وَيَجُوزُ عِنْدَنَا.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله: لَا يَجُوزُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَمَكِّنْ جَبْهَتَك وَأَنْفَك مِنْ الْأَرْضِ» وَلِحَدِيثِ خَبَّابُ بْنِ الْأَرَتِّ أَنَّهُ قَالَ «شَكَوْنَا إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَرَّ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا» أَيْ لَمْ يُزِلْ شَكْوَانَا وَلَنَا حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي شِدَّةِ الْحَرِّ فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ جَبْهَتَهُ مِنْ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ فَسَجَدَ عَلَيْهِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَالْبُخَارِيُّ؛ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ إنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «صَلَّى فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ يَتَّقِي بِفُضُولِهِ حَرَّ الْأَرْضِ وَبَرْدِهَا» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ قَالَ الْحَسَنُ كَانَ الْقَوْمُ يَسْجُدُونَ عَلَى الْعِمَامَةِ وَالْقَلَنْسُوَةِ؛ وَلِأَنَّهُ حَائِلٌ لَا يَمْنَعُ مِنْ السُّجُودِ فَيَجُوزُ كَالْخُفِّ وَالنَّعْلِ وَمَا رَوَاهُ لَا يُنَافِي مَا قُلْنَا؛ لِأَنَّ التَّمْكِينَ يُوجَدُ مَعَهُ إذْ لَا يُشْتَرَطُ مُمَاسَّةُ الْأَرْضِ بِهَا إجْمَاعًا وَالْجَوَابُ عَنْ الْحَدِيثِ قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي أَوْقَاتِ الصَّلَاةِ.
وَمِنْ فُرُوعِهِ لَوْ سَجَدَ عَلَى كَفِّهِ وَهِيَ عَلَى الْأَرْضِ جَازَ عَلَى الْأَصَحِّ وَلَوْ بَسَطَ كُمَّهُ عَلَى النَّجَاسَةِ فَسَجَدَ عَلَيْهِ يَجُوزُ وَقِيلَ: لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّ الْكُمَّ تَبَعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ كَمَا لَوْ حَلَفَ لَا يَجْلِسُ عَلَى الْأَرْضِ فَجَلَسَ عَلَيْهَا حَنِثَ وَإِنْ كَانَ ثَوْبُهُ حَائِلًا بَيْنَهُمَا وَلِهَذَا لَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ بِهِ أَيْضًا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى فَخِذِهِ مِنْ غَيْرِ عُذْرٍ لَا يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَبِعُذْرٍ يَجُوزُ عَلَى الْمُخْتَارِ وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْوَجْهَيْنِ لَكِنَّ الْإِيمَاءَ يَكْفِيهِ إذَا كَانَ بِهِ عُذْرٌ وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ هُوَ فِي صَلَاتِهِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ وَعَلَى ظَهْرِ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةً أُخْرَى أَوْ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَجُوزُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ.
وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى التُّرَابِ وَإِنْ بَسَطَ كُمَّهُ لِيَتَّقِيَ التُّرَابَ عَنْ وَجْهِهِ يُكْرَهُ لِلتَّكَبُّرِ وَعَنْ ثِيَابِهِ لَا لِعَدَمِهِ وَإِنْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُلْقِي حَجْمَهُ لَا يَجُوزُ كَالْقُطْنِ الْمَحْلُوجِ وَالثَّلْجِ وَالتِّبْنِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَفِي الْأَنْفِ وَحْدَهُ إلَى آخِرِهِ)، ثُمَّ الْمُعْتَبَرُ وَضْعُ مَا صَلُبَ مِنْ الْأَنْفِ لَا مَا لَانَ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَلَا أَكْفُفَ) أَيْ عَنْ الِاسْتِرْسَالِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَأَشَارَ بِيَدِهِ إلَى أَنْفِهِ) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَمَّا ذَكَرَ الْجَبْهَةَ أَشَارَ إلَى الْأَنْفِ إلَى أَنَّهُمَا فِي حُكْمِ عُضْوٍ وَاحِدٍ وَلِذَا كَانَ أَعْضَاءُ السُّجُودِ سَبْعَةً، وَإِلَّا كَانَتْ ثَمَانِيَةً. اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ الْأَنْفُ عُضْوٌ كَامِلٌ) أَيْ وَقَدْرُهُ مِنْ الْجَبْهَةِ لَيْسَ بِعُضْوٍ كَامِلٍ فَلَا يَجُوزُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ بِكَوْرِ عِمَامَتِهِ) أَيْ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ. اهـ.
وَمَا ذُكِرَ فِي التَّجْنِيسِ فِي عَلَامَةِ الْمِيمِ أَنَّهُ يُكْرَهُ السُّجُودُ عَلَى كَوْرِ الْعِمَامَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّعْظِيمِ لَا يُرَادُ بِهِ أَصْلُ التَّعْظِيمِ، وَإِلَّا لَمْ يَصِحَّ بَلْ نِهَايَتُهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الرُّكْنَ فِعْلٌ وُضِعَ لِلتَّعْظِيمِ؛ وَلِأَنَّ الْمُشَاهَدَ مِنْ وَضْعِ الرَّجُلِ الْجَبْهَةَ فِي الْعِمَامَةِ عَلَى الْأَرْضِ نَاكِسًا لِغَيْرِهِ عَدَّهُ تَعْظِيمًا أَيْ تَعْظِيمٌ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى كَوْرِ عِمَامَتِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى آخِرِهِ) وَالْخِلَافُ فِيمَا إذَا وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ أَمَّا بِدُونِهِ فَلَا يَجُوزُ إجْمَاعًا وَتَفْسِيرُ وُجِدَ أَنَّ الْحَجْمَ مَا قَالُوا أَنَّهُ لَوْ بَالَغَ لَا يَتَسَفَّلُ رَأْسَهُ أَبْلَغُ مِنْ ذَلِكَ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: خَبَّابُ بْنُ الْأَرَتِّ) بِالتَّاءِ الْمُثَنَّاةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَجُوزُ) لِأَنَّ الْكُمَّ تَبَعٌ لَهُ فَكَأَنَّهُ سَجَدَ عَلَى النَّجَاسَةِ فِي الْأَصَحِّ وَإِنْ كَانَ الْمَرْغِينَانِيُّ صَحَّحَ الْجَوَازَ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَعَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَجُوزُ وَلَمْ نَعْلَمْ فِيهِ خِلَافًا لَكِنْ إنْ كَانَ بِعُذْرٍ كَفَاهُ بِاعْتِبَارِ مَا فِي ضِمْنِهِ مِنْ الْإِيمَاءِ كَأَنْ عَدِمَ الْخِلَافَ فِيهِ لِكَوْنِ السُّجُودِ يَقَعُ عَلَى جُزْءِ الرُّكْبَةِ وَهُوَ لَا يَأْخُذُ قَدْرَ الْوَاجِبِ مِنْ الرُّكْبَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَنْ هُوَ فِي صَلَاتِهِ يَجُوزُ لِلضَّرُورَةِ) وَقِيلَ إنَّمَا يَجُوزُ إذَا كَانَ سُجُودُ الثَّانِي عَلَى الْأَرْضِ. اهـ. مُجْتَبَى (قَوْلُهُ: وَالْمُسْتَحَبُّ أَنْ يَسْجُدَ عَلَى التُّرَابِ إلَى آخِرِهِ).
(مَسْأَلَةٌ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَوْ مَسَحَ جَبْهَتَهُ مِنْ التُّرَابِ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ لِإِزَالَةِ شُبْهَةِ الْمُثْلَةِ وَلَوْ مَسَحَ بَعْدَمَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السَّجْدَةِ الْأَخِيرَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ مِنْ غَيْرِ خِلَافٍ وَقَبْلَهُ لَا بَأْسَ بِهِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ قَالَ: أَحَبُّ إلَيَّ تَرْكُهُ؛ لِأَنَّهُ يَتَلَوَّثُ ثَانِيًا وَثَالِثًا فَلَا يُفِيدُهُ وَإِنْ مَسَحَ لِكُلِّ مَرَّةٍ يَكْثُرُ الْعَمَلُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَإِنْ سَجَدَ عَلَى شَيْءٍ لَا يُلْقِي حَجْمَهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَى الْحَشِيشِ وَالتِّبْنِ وَالْقُطْنِ وَالطَّنْفَسَةِ إنْ وُجِدَ حَجْمُ الْأَرْضِ، وَكَذَا الثَّلْجُ الْمُلَبَّدُ فَإِنْ كَانَ بِحَالٍ يَغِيبُ فِيهِ وَجْهُهُ وَلَا يَجِدُ الْحَجْمَ أَوْ عَلَى الْعَجَلَةِ عَلَى الْأَرْضِ يَجُوزُ كَالسَّرِيرِ لَا إنْ كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ بَيْنَ الْأَشْجَارِ وَعَلَى الْعِرْزَالِ وَالْحِنْطَةِ وَالشَّعِيرِ يَجُوزُ لَا عَلَى الدَّخَنِ وَالْأُرْزِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ وَلَوْ ارْتَفَعَ مَوْضِعُ السُّجُودِ عَنْ مَوْضِعِ الْقَدَمَيْنِ قَدْرَ لَبِنَةٍ أَوْ لَبِنْتَيْنِ مَنْصُوبَتَيْنِ جَازَ لَا إنْ زَادَ. اهـ.
وَالدُّخْنِ وَنَحْوِ ذَلِكَ قَالَ رحمه الله (وَأَبْدَى ضَبْعَيْهِ) لِحَدِيثِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ حَتَّى يُرَى وَضَحُ إبِطَيْهِ» أَيْ بَيَاضُهُمَا وَقِيلَ إذَا كَانَ فِي الصَّفِّ ازْدِحَامٌ لَا يُجَافِي حَتَّى لَا يُؤْذِيَ جَارَهُ بِخِلَافِ مَا إذَا لَمْ يَكُنْ فِيهِ ازْدِحَامٌ قَالَ رحمه الله (وَجَافَى بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ) لِحَدِيثِ مَيْمُونَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ إذَا سَجَدَ جَافَى بَيْنَ يَدَيْهِ حَتَّى إنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ» قَالَ رحمه الله (وَوَجَّهَ أَصَابِعَ رِجْلَيْهِ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) لِحَدِيثِ أَبِي حُمَيْدٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «إذَا سَجَدَ وَضَعَ يَدَيْهِ غَيْرَ مُفْتَرِشٍ وَلَا قَابِضَهُمَا وَاسْتَقْبَلَ بِأَطْرَافِ أَصَابِعِ رِجْلَيْهِ الْقِبْلَةَ» قَالَ رحمه الله (وَسَبَّحَ فِيهِ ثَلَاثًا) أَيْ فِي السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا قَالَ رحمه الله (وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا بِفَخِذَيْهَا) لِمَا رُوِيَ عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «مَرَّ عَلَى امْرَأَتَيْنِ تُصَلِّيَانِ فَقَالَ إذَا سَجَدْتُمَا فَضُمَّا بَعْضَ اللَّحْمِ إلَى بَعْضٍ فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ فِي ذَلِكَ كَالرَّجُلِ» ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ الْمَرْأَةَ تُخَالِفُ الرَّجُلَ فِي عَشْرِ خِصَالٍ: تَرْفَعُ يَدَيْهَا إلَى مَنْكِبَيْهَا، وَتَضَعُ يَمِينَهَا عَلَى شِمَالِهَا تَحْتَ ثَدْيِهَا، وَلَا تُجَافِي بَطْنَهَا عَنْ فَخِذَيْهَا، وَتَضَعُ يَدَيْهَا عَلَى فَخِذَيْهَا تَبْلُغُ رُءُوسُ أَصَابِعِهَا رُكْبَتَيْهَا، وَلَا تَفْتَحُ إبْطَيْهَا فِي السُّجُودِ، وَتَجْلِسُ مُتَوَرِّكَةً فِي التَّشَهُّدِ، وَلَا تُفَرِّجُ أَصَابِعَهَا فِي الرُّكُوعِ، وَلَا تَؤُمُّ الرِّجَالَ وَتُكْرَهُ جَمَاعَتُهُنَّ وَيَقُومُ الْإِمَامُ وَسَطَهُنَّ قَالَ رحمه الله (ثُمَّ رَفَعَ رَأْسَهُ مُكَبِّرًا) أَيْ مِنْ السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَجَلَسَ مُطْمَئِنًّا) يَعْنِي بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ لِمَا رُوِيَ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ رُكُوعُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَسُجُودُهُ وَبَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَإِذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ مَا خَلَا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ» ، ثُمَّ الْجِلْسَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا وَالْقَوْمَةُ وَالطُّمَأْنِينَةُ فِيهَا سُنَّةٌ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَاخْتَلَفُوا فِي الطُّمَأْنِينَةِ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ عَلَى قَوْلِهِمَا، فَقَالَ الْكَرْخِيُّ: إنَّهَا وَاجِبَةٌ وَقَالَ الْجُرْجَانِيُّ سُنَّةٌ وَقَدْ ذَكَرْنَا الْوَجْهَ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَخِلَافُ أَبِي يُوسُفَ فِي تَعْدِيلِ الْأَرْكَانِ وَلَيْسَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ ذِكْرٌ مَسْنُونٌ، وَكَذَا بَعْدَ الرَّفْعِ مِنْ الرُّكُوعِ وَمَا وَرَدَ فِيهِمَا مِنْ الدُّعَاءِ مَحْمُولٌ عَلَى التَّهَجُّدِ، قَالَ يَعْقُوبُ سَأَلْت أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الرَّجُلِ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ فِي الْفَرِيضَةِ يَقُولُ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي قَالَ يَقُولُ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَيَسْكُتُ وَكَذَلِكَ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ يَسْكُتُ فَقَدْ أَحْسَنَ الْجَوَابَ حَيْثُ لَمْ يُنْهَ عَنْ الِاسْتِغْفَارِ صَرِيحًا مِنْ قُوَّةِ احْتِرَازِهِ، وَقَدْ حَصَلَ مَقْصُودُهُ بِإِيثَارِ التَّحْمِيدِ فِيهِ وَالسُّكُوتِ بَعْدَهُ وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ قَاعِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْأَرْضِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَقَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ بِحَيْثُ لَا يُشْكِلُ عَلَى النَّاظِرِ أَنَّهُ قَدْ رَفَعَ يَجُوزُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا تَمُرُّ الرِّيحُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْأَرْضِ جَازَ، وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْهُ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِقْدَارَ مَا يُسَمَّى بِهِ رَافِعًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَذَكَرَ فِي الْمُجْتَبَى لَوْ سَجَدَ عَلَى ظَهْرِ مَيِّتٍ عَلَيْهِ لِبْدٌ إنْ لَمْ يَجِدْ حَجْمَهُ جَازَ، وَإِلَّا فَلَا وَقِيلَ إنْ كَانَ مَغْسُولًا جَازَ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عَلَيْهِ إزَارٌ. اهـ. قَوْلُهُ: كَالْبِسَاطِ الْمَشْدُودِ إلَى آخِرِهِ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْمُجْتَبَى نَقْلًا عَنْ النَّظْمِ وَلَمْ يُعَلِّلْهُ وَكَأَنَّهُ لِعَدَمِ وُجُودِ حَجْمِ الْأَرْضِ حَالَ السُّجُودِ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ عَلَى الْعَجَلَةِ إذَا كَانَتْ عَلَى الْبَقَرِ فَإِنَّمَا هُوَ فِي حَقِّ الْفَرِيضَةِ لَا النَّافِلَةِ وَسَيَأْتِي فِي الْكَلَامِ عَلَى الصَّلَاةِ عَلَى الدَّابَّةِ مَا يُفْصِحُ بِذَلِكَ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: ضَبْعَيْهِ) وَالضَّبُعُ بِسُكُونِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ الْعَضُدُ وَبِضَمِّهَا الْحَيَوَانُ الْمُفْتَرِسُ الْمَعْرُوفُ وَالسَّنَةُ الْمُجْدِبَةُ ذَكَرَهُ فِي الصِّحَاحِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ وَفِي الْمُحِيطِ بِضَمِّ الْبَاءِ وَسُكُونِهَا لُغَتَانِ وَالصَّوَابُ مَا ذَكَرْته قَالَ فِي الْمَنَافِع الضَّبُعُ بِالسُّكُونِ لَا غَيْرُ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَالِكٍ) أَيْ ابْنُ بُحَيْنَةَ. اهـ. (قَوْلُهُ: «إذَا سَجَدَ يُجَنِّحُ» إلَى آخِرِهِ) فِي حَدِيثِ الْبَرَاءِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ «إذَا سَجَدَ جَخَّ» بِجِيمٍ، ثُمَّ خَاءٍ مَشْدُودَةٍ وَيُرْوَى جَخَّى بِالْيَاءِ فِي آخِرِهِ وَهُوَ الْأَشْهَرُ أَيْ فَتَحَ عَضُدَيْهِ وَجَافَاهُمَا مِنْ جَنْبَيْهِ وَرَفَعَ بَطْنَهُ عَنْ الْأَرْضِ. اهـ. نِهَايَةُ ابْنِ الْأَثِيرِ (قَوْلُهُ: حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً) بِفَتْحِ الْبَاءِ وَسُكُونِ الْهَاءِ الْأُنْثَى مِنْ صِغَارِ الْغَنَمِ بَعْدَ السَّخْلَةِ فَإِنَّهَا أَوَّلُ مَا يَضَعُهُ أُمُّهُ، ثُمَّ يَصِيرُ بَهْمَةً. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْبَهِيمَةُ بِزِيَادَةِ الْيَاءِ وَهُوَ تَحْرِيفٌ. اهـ. (قَوْلُهُ:«حَتَّى أَنَّ بَهْمَةً لَوْ أَرَادَتْ أَنْ تَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ مَرَّتْ» ) رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَالَا فِيهِ بُهَيْمَةٌ وَعَلَى الْبَاءِ ضَمَّةٌ بِخَطِّ بَعْضِ الْحُفَّاظِ عَلَى تَصْغِيرِ بَهْمَةٍ قِيلَ وَهُوَ الصَّوَابُ وَفَتْحُهَا خَطَأٌ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ سِبْطُ بْنِ الْجَوْزِيِّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْمَرْأَةُ تَنْخَفِضُ) أَيْ تَضُمُّ نَفْسَهَا اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَتُلْزِقُ بَطْنَهَا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ ذَلِكَ أَسْتَرُ لَهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: عَلَى فَخِذَيْهَا تَبْلُغُ) فِي نُسْخَةٍ بِحَيْثُ تَبْلُغُ (قَوْلُهُ: مِنْ السُّجُودِ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ مِنْ أَنَّهُ كَانَ يُكَبِّرُ عِنْدَ كُلِّ خَفْضٍ وَرَفْعٍ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ) أَيْ كَانَ لُبْثُهُ فِي هَذِهِ الْأَحْوَالِ قَرِيبًا مِنْ التَّسَاوِي إلَّا الْقِيَامَ وَالْقُعُودَ فَإِنَّ اللُّبْثَ فِيهِمَا لَا يَقْرُبُ اللُّبْثَ فِي تِلْكَ الْأَحْوَالِ بَلْ كَانَ أَطْوَلَ مِنْهُ وَقَوْلُهُ: قَرِيبًا مِنْ السَّوَاءِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهَا لَمْ تَكُنْ مُتَسَاوِيَةً بَلْ كَانَ بَيْنَهُمَا تَفَاوُتٌ يَسِيرٌ وَلَمَّا كَانَ الْجُلُوسُ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ وَالْقِيَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَرِيبَيْنِ مِنْ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ كَانَا مُشْتَمِلَيْنِ عَلَى الِاطْمِئْنَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي مِقْدَارِ الرَّفْعِ إلَى آخِرِهِ) فِيهِ شَيْءٌ تَقَدَّمَ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ وَهُوَ أَنَّهُ جَعَلَ الرَّفْعَ مِنْ السُّجُودِ سُنَّةً. اهـ. وَتَقَدَّمَ فِي آخِرِ الصَّفْحَةِ السَّابِقَةِ أَنَّ الْجِلْسَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ وَالْقَوْمَةَ وَالطُّمَأْنِينَةَ فِيهَا سُنَّةٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: إنْ كَانَ إلَى الْقُعُودِ أَقْرَبَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي التَّجْنِيسِ إذَا رَفَعَ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ قَلِيلًا، ثُمَّ سَجَدَ أُخْرَى فَإِنْ كَانَ إلَى السُّجُودِ أَقْرَبَ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ سَاجِدًا وَإِنْ كَانَ إلَى الْجُلُوسِ أَقْرَبَ جَازَ؛ لِأَنَّهُ يُعَدُّ جَالِسًا. اهـ. وَلَمْ يُحْكَ غَيْرُهُ. اهـ. .
جَازَ لِوُجُودِ الْفَصْلِ بَيْنَ السَّجْدَتَيْنِ قَالَ صَاحِبُ الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَجَعَلَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الرِّوَايَةَ الْأُولَى أَصَحَّ قَالَ رحمه الله (وَكَبَّرَ وَسَجَدَ مُطْمَئِنًّا) لِمَا رَوَيْنَا.
قَالَ رحمه الله (وَكَبَّرَ لِلنُّهُوضِ بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودٍ) أَيْ كَبَّرَ لِلنُّهُوضِ وَنَهَضَ بِلَا اعْتِمَادٍ وَقُعُودٍ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَعْتَمِدُ بِيَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَيَجْلِسُ جِلْسَةً خَفِيفَةً لِحَدِيثِ مَالِكِ بْنِ الْحُوَيْرِثِ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فَإِذَا كَانَ فِي وِتْرٍ مِنْ صَلَاتِهِ لَمْ يَنْهَضْ حَتَّى يَسْتَوِيَ جَالِسًا» وَلَنَا مَا رَوَاهُ أَبُو هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ يَنْهَضُ عَلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَالْبَيْهَقِيُّ؛ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ «نَهَى عليه الصلاة والسلام أَنْ يَعْتَمِدَ الرَّجُلُ عَلَى يَدَيْهِ إذَا نَهَضَ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا نَهَضَ اعْتَمَدَ عَلَى فَخِذَيْهِ» وَمَا رَوَاهُ الشَّافِعِيُّ مَحْمُولٌ عَلَى حَالَةِ الضَّعْفِ بِسَبَبِ الْكِبَرِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ ابْنَ عُمَرَ فَعَلَ ذَلِكَ، ثُمَّ اعْتَذَرَ فَقَالَ إنَّ رِجْلَيَّ لَا تَحْمِلَانِي؛ وَلِأَنَّهَا لَوْ كَانَتْ مَشْرُوعَةً لَشُرِعَ التَّكْبِيرُ عِنْدَ الِانْتِقَالِ مِنْهَا إلَى الْقِيَامِ كَمَا فِي سَائِرِ الِانْتِقَالَاتِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ حَالَةٍ إلَى حَالَةٍ؛ وَلِأَنَّهَا جِلْسَةُ اسْتِرَاحَةٍ وَفِي الصَّلَاةِ شُغْلٌ عَنْ الرَّاحَةِ وَيُكْرَهُ تَقْدِيمُ إحْدَى رِجْلَيْهِ عِنْدَ النُّهُوضِ وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ وَالنُّهُوضُ بِالشِّمَالِ قَالَ رحمه الله (وَالثَّانِيَةُ كَالْأُولَى) أَيْ الرَّكْعَةُ الثَّانِيَةُ كَالرَّكْعَةِ الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ تَكْرَارُ الْأَرْكَانِ فَلَا يَخْتَلِفُ قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنَّهُ لَا يُثْنِي) لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْعِبَادَةِ دُونَ أَثْنَائِهَا قَالَ رحمه الله (وَلَا يَتَعَوَّذُ)؛ لِأَنَّهُ شُرِعَ فِي أَوَّلِ الْقِرَاءَةِ لِدَفْعِ الْوَسْوَسَةِ فَلَا يَتَكَرَّرُ إلَّا بِتَبَدُّلِ الْمَجْلِسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَوَّذَ وَقَرَأَ، ثُمَّ سَكَتَ قَلِيلًا، ثُمَّ قَرَأَ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَرْفَعُ يَدَيْهِ إلَّا فِي فقعس صمعج) أَيْ إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ: وَهِيَ عِنْدَ الِافْتِتَاحِ، وَالْقُنُوتِ، وَتَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ، وَاسْتِلَامِ الْحَجَرِ الْأَسْوَدِ وَالْمَرُوتَيْنِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ. فَالْفَاءُ فِيهِ عَلَامَةٌ لِلِافْتِتَاحِ وَالْقَافُ لِلْقُنُوتِ وَالْعَيْنُ لِلْعِيدِ وَالسِّينُ لِلِاسْتِلَامِ وَالصَّادُ لِلصَّفَا وَالْمِيمُ لِلْمَرْوَةِ وَالْعَيْنُ لِعَرَفَةَ وَجَمْعٍ وَهُوَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: بِسَبَبِ الْكِبَرِ) فَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «قَدْ بَدَّنْتُ أَيْ كَبُرْت فَلَا تُبَادِرُونِي بِرُكُوعٍ وَسُجُودٍ» اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الرَّوْضَةِ قَالَ إذَا كَانَ شَيْخًا أَوْ رَجُلًا بَدِينًا لَا يَقْدِرُ عَلَى النُّهُوضِ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَعْتَمِدَ بِهِ عَلَى الْأَرْضِ مَنْصُوصٌ عَلَيْهِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَيُسْتَحَبُّ الْهُبُوطُ بِالْيَمِينِ) أَيْ مُبْتَدِئًا بِالْيَمِينِ. اهـ. (قَوْلُهُ: إلَّا أَنَّهُ) أَيْ الْمُصَلِّي اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَرْفَعُ) أَيْ الْمُكَلَّفُ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: وَالْجَمْرَتَيْنِ) وَالْمُرَادُ الْوُقُوفُ عِنْدَ الْجَمْرَتَيْنِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى. اهـ. بَاكِيرٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ، ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّهُ يَنْبَغِي أَنْ يَجْعَلَ بَاطِنَ كَفِّهِ إلَى الْقِبْلَةِ فِي التَّكْبِيرَاتِ الَّتِي فِي الصَّلَاةِ وَفِي الَّتِي فِي الْحَجِّ بَاطِنُ كَفِّهِ إلَى السَّمَاءِ إلَّا عِنْدَ اسْتِلَامِ الْحَجَرِ فَإِنَّهُ يَسْتَقْبِلُ بِبَاطِنِ كَفِّهِ إلَى الْحَجَرِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالصَّادُ لِلصَّفَا وَالْمِيمُ لِلْمَرْوَةِ) وَجَعَلَهُمَا الْمُصَنِّفُ شَيْئًا وَاحِدًا نَظَرًا إلَى السَّعْيِ. اهـ. مُسْتَصْفًى فَوَائِدُ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا نَصُّهُ وَفِي الْخُلَاصَةِ الْمُقْتَدِي إذَا أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ هَذِهِ عَلَى خَمْسَةِ أَوْجُهٍ: إمَّا إذَا أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ أَوْ بَعْدَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ مَعَهُ وَسَجَدَ قَبْلَهُ أَوْ بِالرُّكُوعِ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ أَوْ أَتَى بِهِمَا قَبْلَهُ وَيُدْرِكُهُ الْإِمَامُ فِي آخِرِ رَكَعَاتِهِ فَإِنْ أَتَى بِالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ قَبْلَ الْإِمَامِ فِي كُلِّهَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَكْعَتَيْنِ وَإِذَا رَكَعَ قَبْلَهُ وَسَجَدَ مَعَهُ يَقْضِي أَرْبَعًا بِلَا قِرَاءَةٍ وَإِنْ رَكَعَ بَعْدَ الْإِمَامِ وَسَجَدَ بَعْدَهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ. اهـ. وَأَنْتَ إذَا عَلِمْت أَنَّ مُدْرِكَ أَوَّلِ صَلَاةِ الْإِمَامِ لَاحِقٌ وَهُوَ يَقْضِي قَبْلَ فَرَاغِ الْإِمَامِ فَفِي الصُّورَةِ الْأُولَى فَاتَتْهُ الرَّكْعَةُ الْأُولَى فَرُكُوعُهُ وَسُجُودُهُ فِي الثَّانِيَةِ قَضَاءٌ عَنْ الْأُولَى وَفِي الثَّالِثَةِ عَنْ الثَّانِيَةِ وَفِي الرَّابِعَةِ عَنْ الثَّالِثَةِ وَيَقْضِي بَعْدَ فَرَاغِ الْإِمَامِ رَكْعَةً بِلَا قِرَاءَةٍ؛ لِأَنَّهُ لَاحِقٌ وَفِي الثَّانِيَةِ يَلْتَحِقُ سَجْدَتَاهُ فِي الثَّانِيَةِ بِرُكُوعِهِ فِي الْأُولَى؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُعْتَبَرًا وَيَلْغُو رُكُوعُهُ فِي الثَّانِيَةِ لِوُقُوعِهِ عَقِبَ رُكُوعِهِ الْأَوَّلِ بِلَا سُجُودٍ وَبَقِيَ عَلَيْهِ رَكْعَةٌ، ثُمَّ رُكُوعُهُ وَالثَّالِثَةُ مَعَ الْإِمَامِ مُعْتَبَرٌ وَيُلْتَحَقُ بِهِ سُجُودُهُ فِي رَابِعَةِ الْإِمَامِ فَيَصِيرُ عَلَيْهِ الثَّانِيَةُ وَالرَّابِعَةُ فَيَقْضِي رَكْعَتَيْنِ وَقَضَاءُ الْأَرْبَعِ فِي الثَّالِثَةِ ظَاهِرٌ.
(تَتِمَّةٌ فِيمَا يُتَابِعُ الْإِمَامُ فِيهِ وَفِيمَا لَا يُتَابِعُهُ).
إذَا رَفَعَ الْمُقْتَدِي رَأْسَهُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ الْإِمَامِ يَنْبَغِي أَنْ يَعُودَ وَلَا يَصِيرَ رُكُوعَيْنِ، وَكَذَا فِي السُّجُودِ وَلَوْ رَفَعَ الْإِمَامُ مِنْ الرُّكُوعِ قَبْلَ أَنْ يَقُولَ الْمُقْتَدِي سُبْحَانَ رَبِّي الْعَظِيمِ ثَلَاثًا الصَّحِيحُ أَنَّهُ يُتَابِعُهُ وَلَوْ أَدْرَكَهُ فِي الرُّكُوعِ يُسَبِّحُ وَيَتْرُكُ الثَّنَاءَ وَفِي صَلَاةِ الْعِيدِ يَأْتِي بِالتَّكْبِيرَاتِ فِي الرُّكُوعِ وَلَوْ قَامَ إلَى الثَّالِثَةِ قَبْلَ أَنْ يُتِمَّ الْمَأْمُومُ التَّشَهُّدَ يُتِمُّهُ وَإِنْ لَمْ يُتِمَّ وَقَامَ جَازَ وَفِي الْقَعْدَةِ الثَّانِيَةِ إذَا سَلَّمَ أَوْ تَكَلَّمَ الْإِمَامُ وَهُوَ فِي التَّشَهُّدِ يُتِمُّهُ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ الصَّلَاةِ أَوْ الدُّعَاءِ سَلَّمَ مَعَهُ وَلَوْ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَفْرُغَ مِنْ التَّشَهُّدِ لَا يُسَلِّمُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَبْقَى بَعْدَ حَدَثِ الْإِمَامِ عَمْدًا فِي الصَّلَاةِ بَلْ يَفْسُدُ ذَلِكَ الْجُزْءُ وَيَبْقَى بَعْدَ سَلَامِهِ وَكَلَامِهِ وَلَوْ سَلَّمَ قَبْلَ الْإِمَامِ وَتَأَخَّرَ حَتَّى طَلَعَتْ الشَّمْسُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَحْدَهُ وَيُتَابِعُهُ فِي الْقُنُوتِ وَقَدَّمْنَا مَا لَوْ تَرَكَ الْإِمَامُ الْقُنُوتَ فِي بَابِ الْوِتْرِ أَنَّهُ إنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَقْنُتَ وَيُدْرِكَ الرُّكُوعَ قَنَتَ، وَإِلَّا تَابَعَ وَفِي نَظْمِ الزندويستي خَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ الْقُنُوتُ وَتَكْبِيرَاتُ الْعِيدِ وَالْقَعْدَةُ الْأُولَى وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَسُجُودُ السَّهْوِ إذَا تَلَا فِي الصَّلَاةِ وَلَمْ يَسْجُدْ أَوْ سَهَا وَلَمْ يَسْجُدْ.
وَأَرْبَعَةٌ إذَا فَعَلَهَا لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ: إذَا زَادَ سَجْدَةً مَثَلًا أَوْ زَادَ فِي تَكْبِيرَاتِ الْعِيدِ مَا يَخْرُجُ بِهِ عَنْ أَقْوَالِ الصَّحَابَةِ وَسَمِعَ التَّكْبِيرَ مِنْ الْإِمَامِ لَا مِنْ الْمُؤَذِّنِ عَلَى مَا نَذْكُرُهُ فِي صَلَاةِ الْعِيدِ أَوْ خَامِسَةٍ فِي تَكْبِيرَاتِ الْجِنَازَةِ أَوْ قَامَ إلَى الْخَامِسَةِ سَاهِيًا. اهـ. سَنَذْكُرُ مَا يَصْنَعُ الْمُقْتَدِي فِي هَذِهِ فِي بَابِ السَّهْوِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَخَمْسَةٌ إذَا لَمْ يَفْعَلْهَا الْإِمَامُ لَا يَفْعَلُهَا الْقَوْمُ إذَا لَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ فِي الِافْتِتَاحِ وَإِذَا لَمْ يُثْنِ مَا دَامَ فِي الْفَاتِحَةِ وَإِنْ كَانَ فِي السُّورَةِ فَكَذَا عِنْدَ س خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ وَقَدْ عُرِفَ أَنَّهُ إذَا أَدْرَكَهُ فِي جَهْرِ الْقِرَاءَةِ لَا يُثْنِي إذَا لَمْ يُكَبِّرْ لِلِانْتِقَالِ أَوْ لَمْ يُسَبِّحْ فِي الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَإِذَا لَمْ يَسْمَعْ أَوْ لَمْ يَقْرَأْ التَّشَهُّدَ وَإِذَا لَمْ يُسَلِّمْ الْإِمَامُ يُسَلِّمُ الْقَوْمُ
الْمُزْدَلِفَةُ وَالْجِيمُ لِلْجَمْرَةِ الْأُولَى وَالْوُسْطَى وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: يَرْفَعُ فِي الرُّكُوعِ، وَالرَّفْعُ مِنْهُ لِحَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إذَا افْتَتَحَ التَّكْبِيرَ فِي الصَّلَاةِ حِينَ يُكَبِّرُ رَفَعَ يَدَيْهِ حَتَّى يَجْعَلَهُمَا حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ وَإِذَا كَبَّرَ لِلرُّكُوعِ فَعَلَ مِثْلَهُ وَإِذَا قَالَ سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ فَعَلَ مِثْلَهُ وَقَالَ رَبَّنَا لَك الْحَمْدُ وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ حِينَ يَسْجُدُ وَلَا حِينَ يَرْفَعُ رَأْسَهُ مِنْ السُّجُودِ» وَلَنَا مَا رَوَى أَبُو دَاوُد بِإِسْنَادِهِ عَنْ الْبَرَاءِ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَرْفَعُ يَدَيْهِ حِينَ افْتَتَحَ الصَّلَاةَ، ثُمَّ لَمْ يَرْفَعْهُمَا حَتَّى انْصَرَفَ» ؛ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ قَالَ «خَرَجَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ مَا لِي أَرَاكُمْ رَافِعِي أَيْدِيَكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلِ شَمْسٍ اُسْكُنُوا فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ «أَلَا أُصَلِّي بِكُمْ صَلَاةَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى وَلَمْ يَرْفَعْ يَدَيْهِ إلَّا فِي أَوَّلِ مَرَّةٍ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ أَيْضًا «صَلَّيْت مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَأَبِي بَكْرٍ؛ وَعُمَرَ فَلَمْ يَرْفَعُوا أَيْدِيَهُمْ إلَّا عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ» وَرُوِيَ عَنْ مُجَاهِدٍ أَنَّهُ قَالَ خَدَمْت ابْنَ عُمَرَ عَشْرَ سِنِينَ فَمَا رَأَيْته يَرْفَعُ يَدَيْهِ فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَّا فِي التَّكْبِيرَةِ الْأُولَى وَالرَّاوِي إذَا فَعَلَ بِخِلَافِ مَا رَوَى تُتْرَكُ رِوَايَتُهُ عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ وَابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُمَا قَالَا: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «تُرْفَعُ الْأَيْدِي فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ عِنْدَ افْتِتَاحِ الصَّلَاةِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالصَّفَا وَالْمَرْوَةِ وَالْمَوْقِفَيْنِ وَالْجَمْرَتَيْنِ» وَيُرْوَى «لَا تُرْفَعُ الْأَيْدِي إلَّا فِي سَبْعِ مَوَاطِنَ» مَكَانَ قَوْلِهِ تُرْفَعُ وَحُكِيَ أَنَّ الْأَوْزَاعِيَّ لَقِيَ أَبَا حَنِيفَةَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ فَقَالَ مَا بَالُ أَهْلِ الْعِرَاقِ لَا يَرْفَعُونَ أَيْدِيَهُمْ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ الرَّفْعِ مِنْهُ وَقَدْ حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ عَنْ سَالِمٍ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَعِنْدَ رَفْعِ الرَّأْسِ مِنْهُ» فَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ رحمه الله حَدَّثَنِي حَمَّادٌ عَنْ إبْرَاهِيمَ عَنْ عَلْقَمَةَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ «يَرْفَعُ يَدَيْهِ عِنْدَ تَكْبِيرَةِ الِافْتِتَاحِ، ثُمَّ لَا يَعُودَ» فَقَالَ عَجَبًا مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ أُحَدِّثُهُ بِحَدِيثِ الزُّهْرِيِّ عَنْ سَالِمٍ وَهُوَ يُحَدِّثُنِي بِحَدِيثِ حَمَّادٍ عَنْ إبْرَاهِيمَ النَّخَعِيّ فَرَجَّحَ بِعُلُوِّ إسْنَادِهِ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ أَمَّا حَمَّادٌ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنْ الزُّهْرِيِّ، وَأَمَّا إبْرَاهِيمُ النَّخَعِيّ فَكَانَ أَفْقَهَ مِنْ سَالِمٍ وَلَوْلَا سَبْقُ ابْنِ عُمَرَ لَقُلْت عَلْقَمَةُ أَفْقَهُ مِنْهُ، وَأَمَّا عَبْدُ اللَّهِ فَعَبْدُ اللَّهِ فَرَجَّحَ أَبُو حَنِيفَةَ بِفِقْهِ رُوَاتِهِ وَهُوَ الْمَذْهَبُ لَا بِعُلُوِّ الْإِسْنَادِ
قَالَ رحمه الله (وَإِذَا فَرَغَ مِنْ سَجْدَتِي الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ افْتَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى وَجَلَسَ عَلَيْهَا وَنَصَبَ يُمْنَاهُ وَوَجَّهَ أَصَابِعَهُ نَحْوَ الْقِبْلَةِ) هَكَذَا وَصَفَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها قُعُودَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ رحمه الله (وَوَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى فَخِذَيْهِ وَبَسَطَ أَصَابِعَهُ) لِمَا رُوِيَ عَنْ نُمَيْرٍ الْخُزَاعِيِّ أَنَّهُ «رَأَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَاعِدًا فِي الصَّلَاةِ وَاضِعًا يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى رَافِعًا إصْبَعَهُ السَّبَّابَةَ وَقَدْ حَنَاهَا شَيْئًا وَهُوَ يَدْعُو» وَفِي حَدِيثِ وَائِلٍ «وَضَعَ عليه الصلاة والسلام كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ وَرُكْبَتِهِ الْيُسْرَى» وَذَكَرَ فِيهِ التَّحْلِيقَ.
وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى ذَكَرَ أَبُو يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي أَنَّهُ يَعْقِدُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَتَقَدَّمَ أَنَّهُ إذَا أَحْدَثَ لَا يُسَلِّمُونَ بِخِلَافِ مَا إذَا تَكَلَّمَ لِمَا قَدَّمْنَا مِنْ أَنَّهُ بِالْحَدَثِ يَفْسُدُ مِنْ صَلَاتِهِمْ مَحَلُّهُ فَيَنْتَفِي مَحَلُّ السَّلَامِ وَإِذَا نَسِيَ تَكْبِيرَ التَّشْرِيقِ.
1 -
(فَرْعٌ) صَلَّى الْكَافِرُ بِجَمَاعَةٍ حُكِمَ بِإِسْلَامِهِ وَمُنْفَرِدًا لَا لِأَنَّ الْجَمَاعَةَ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ صَلَاةِ دِينِنَا وَوُجُودُ اللَّازِمِ الْمُسَاوِي يَسْتَلْزِمُ الْمَلْزُومَ الْمُعَيَّنَ وَلَا يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ بِحَجٍّ وَلَا صَوْمِ رَمَضَانَ وَفِي كَوْنِ الصَّلَاةِ جَمَاعَةً مِنْ الْخُصُوصِيَّاتِ نَظَرٌ. اهـ. وَوَجْهُ النَّظَرِ هُوَ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يُصَلُّونَ جَمَاعَةً كَمَ. اهـ. هُوَ مُشَاهَدٌ وَعَلَّلَ غَيْرُ وَاحِدٍ مِنْ الْمَشَايِخِ كَرَاهَةَ وُقُوفِ الْإِمَامِ بِطَاقِ الْمَسْجِدِ لِكَوْنِهَا شَبِيهَةً بِصُنْعِهِمْ وَتَقَدَّمَ أَيْضًا فِي بَابِ الْإِمَامِ مِنْ فَتْحِ الْقَدِيرِ مَا يُفِيدُ شَرْعِيَّةَ الصَّلَاةِ بِجَمَاعَةٍ فِي دِينِهِمْ. اهـ.
(أَقُولُ) يُمْكِنُ النَّظَرُ بِأَنَّ الْمُرَادَ مِنْ قَوْلِهِمْ الْجَمَاعَةُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِ دِينِنَا الْجَمَاعَةُ عَلَى هَذِهِ الْهَيْئَةِ الْمَخْصُوصَةِ مِنْ كَوْنِهَا بِقِيَامٍ، ثُمَّ رُكُوعٍ، ثُمَّ سُجُودٍ إلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْهَيْئَاتِ وَيُرْشِدُ إلَى مَا قُلْنَا قَوْلُ الْإِمَامِ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ فِي بَابِ مَا يَكُونُ إسْلَامًا مِنْ الْكَافِرِ مَا نَصُّهُ كَافِرٌ لَمْ يُقِرَّ بِالْإِسْلَامِ إلَّا أَنَّهُ صَلَّى مَعَ الْمُسْلِمِينَ بِجَمَاعَةٍ يُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ؛ لِأَنَّ الْمُشْرِكِينَ لَا يُصَلُّونَ بِالْجَمَاعَةِ عَلَى هَيْئَةِ جَمَاعَةِ الْمُسْلِمِينَ فَيُحْكَمُ بِإِسْلَامِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ: أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمْسٍ) قَالَ الْإِمَامُ وَشُمْسٌ بِضَمِّ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَبَعْدَهَا سِينٌ مُهْمَلَةٌ جَمْعُ شُمُوسٍ وَهُوَ النُّفُورُ مِنْ الدَّوَابِّ الَّذِي لَا يَسْتَقِرُّ لِسَغَبِهِ وَحِدَّتِهِ (قُلْت) يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ بِضَمِّ الْمِيمِ مَعَ الشِّينِ؛ لِأَنَّ مَا زِيَادَتُهُ مَدَّةٌ ثَالِثَةٌ مِنْ الْأَسْمَاءِ وَالصِّفَاتِ يُجْمَعُ كَذَلِكَ وَهِيَ خَمْسَةُ أَمْثِلَةٍ فِي الْأَسْمَاءِ، وَكَذَا فِي الصِّفَاتِ الْأَسْمَاءُ نَحْوُ قَذَالٍ وَجِرَابٍ وَغُرَابٍ وَرَغِيفٍ وَعَمُودٍ وَالصِّفَاتُ نَحْوَ صَنَّاعٍ وَكَنَّازٍ وَشُجَاعٍ وَنَذِيرٍ وَصَبُورٍ وَالْجَمِيعُ بِضَمِّ الْفَاءِ وَالْعَيْنِ وَذُبَّ فِي جَمْعِ ذُبَابٍ نَادِرٌ وَإِنَّمَا الْجَمْعُ عَلَى فُعْلٍ بِضَمِّ الْفَاءِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ نَحْوَ أَحْمَرَ وَحَمْرَاءَ فَإِنَّهُمَا يُجْمَعَانِ عَلَى حُمْرٍ بِسُكُونِ الْمِيمِ ذَكَرَهُ ابْنُ الْحَاجِبِ فِي تَعْرِيفِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فِي شَيْءٍ مِنْ صَلَاتِهِ إلَى آخِرِهِ) دَخَلَ فِي هَذَا الْقُنُوتُ وَالْعِيدُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ وَضْعِ الْيَدِ الْيُمْنَى إلَى آخِرِهِ) وَفِي مُسْلِمٍ «كَانَ صلى الله عليه وسلم إذَا جَلَسَ فِي الصَّلَاةِ وَضَعَ كَفَّهُ الْيُمْنَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُمْنَى وَقَبَضَ أَصَابِعَهُ كُلَّهَا وَأَشَارَ بِأُصْبُعِهِ الَّتِي تَلِي الْإِبْهَامَ وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى» وَلَا شَكَّ بِأَنَّ وَضْعَ الْكَفِّ مَعَ قَبْضِ الْأَصَابِعِ لَا يَتَحَقَّقُ حَقِيقَةً أَيْ فَالْمُرَادُ - وَاَللَّهُ أَعْلَمُ - وَضَعَ الْكَفَّ، ثُمَّ قَبَضَ الْأَصَابِعَ بَعْدَ ذَلِكَ عِنْدَ الْإِشَارَةِ وَهُوَ الْمَرْوِيُّ عَنْ مُحَمَّدٍ فِي كَيْفِيَّةِ الْإِشَارَةِ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ الْمُسَبِّحَةَ، وَكَذَا عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْأَمَالِي. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ يُقِيمُ الْأُصْبُعَ عِنْدَ لَا إلَهَ وَيَضَعُهَا عِنْدَ إلَّا اللَّهُ لِيَكُونَ الرَّفْعُ لِلنَّفْيِ وَالْوَضْعُ لِلْإِثْبَاتِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ أَطْرَافُ
الْخِنْصَرَ وَيُحَلِّقَ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ وَذَكَرَ مُحَمَّدٌ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُشِيرُ وَنَحْنُ نَصْنَعُ بِصُنْعِهِ عليه الصلاة والسلام قَالَ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَكَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي وَقَالَ فِي الْفَتَاوَى لَا إشَارَةَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا عِنْدَ الشَّهَادَةِ فِي التَّشَهُّدِ وَهُوَ حَسَنٌ، قَالَ رحمه الله (وَهِيَ تَتَوَرَّكُ) أَيْ الْمَرْأَةُ تَتَوَرَّكُ؛ لِأَنَّهُ أَسْتَرُ لَهَا قَالَ رحمه الله (وَقَرَأَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه) وَهُوَ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَالصَّلَوَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله الْأَخْذُ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ أَوْلَى وَهُوَ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ سَلَامٌ عَلَيْك أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ سَلَامٌ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ؛ لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَكَانَ يَقُولُ التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ» إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُد وَلَكِنْ قَالَا: " السَّلَامُ " بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ فِي الْمَوْضِعَيْنِ وَزِيَادَةُ أَشْهَدُ فِي «قَوْلِهِ أَشْهَدُ أَنْ لَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ بِتَنْكِيرِ سَلَامٍ وَزِيَادَةِ أَشْهَدُ فِي قَوْلِهِ «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ» وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ كَمَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ لَكِنْ قَالَ «وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَرَوَاهُ النَّسَائِيّ كَمُسْلِمٍ لَكِنَّهُ نَكَّرَ السَّلَامَ وَقَالَ «وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ» وَهَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ كَثِيرٌ كَمَا تَرَاهُ وَكُلُّهُمْ رَوَوْهُ خِلَافَ مَا يَقُولُهُ الشَّافِعِيُّ مَعَ ضَعْفِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْ الرِّوَايَاتِ وَشَرَطَ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ أَيْضًا أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ التَّشَهُّدِ وَهِيَ لَيْسَ فِي تَشَهُّدِ أَحَدٍ مِنْهُمْ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ قَالَ أَخَذَ حَمَّادُ بْنُ أَبِي سُلَيْمَانَ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ حَمَّادٌ أَخَذَ إبْرَاهِيمُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ إبْرَاهِيمُ أَخَذَ عَلْقَمَةُ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ. وَقَالَ عَلْقَمَةُ أَخَذَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ وَقَالَ ابْنُ مَسْعُودٍ «أَخَذَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِيَدَيْ وَعَلَّمَنِي التَّشَهُّدَ كَمَا كَانَ يُعَلِّمُنِي السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ» وَكَانَ يَأْخُذُ عَلَيْنَا بِالْوَاوِ وَالْأَلِفِ وَقَدْ اتَّفَقَ أَهْلُ النَّقْلِ عَلَى نَقْلِ تَشَهُّدِهِ وَصِحَّتِهِ حَتَّى قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَالْخَطَّابِيُّ وَابْنُ الْمُنْذِرِ وَابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ: تَشَهُّدُ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ حَدِيثٍ فِي التَّشَهُّدِ.
وَعَنْ جَمَاعَةٍ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ أَصَحُّ مَا يُرْوَى وَعَلَيْهِ عَمَلُ أَكْثَرِ أَهْلِ الْعِلْمِ مِنْ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ حَتَّى قَالَ ابْنُ عُمَرَ كَانَ أَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ يُعَلِّمُنَا التَّشَهُّدَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَمَا يُعَلِّمُونَ الصِّبْيَانَ فِي الْكُتَّابِ فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ كُنَّا نَتَعَلَّمُ التَّشَهُّدَ كَمَا نَتَعَلَّمُ السُّورَةَ مِنْ الْقُرْآنِ فَذَكَرَ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ وَقَالَ أَبُو الْفَضْلِ مُحَمَّدُ بْنُ طَاهِرٍ الْمَقْدِسِيَّ اعْلَمْ أَنَّ كُلَّ مَنْ جَهَرَ بِالْبَسْمَلَةِ وَقَنَتَ فِي الصُّبْحِ وَتَشَهَّدَ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ مِنْ الْمَسَائِلِ الَّتِي صَحَّ النَّقْلُ بِخِلَافِهَا فَإِنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْأَصَابِعِ عَلَى حَرْفِ الرُّكْبَةِ لَا مُبَاعَدَةً عَنْهَا. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقَدْ نَصَّ مُحَمَّدٌ فِي كِتَابِ الْمَشْيَخَةِ فِي حَدِيثِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَفْعَلُ ذَلِكَ أَيْ يُشِيرُ، ثُمَّ قَالَ مُحَمَّدٌ أَصْنَعُ كَمَا صَنَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ كَيْفَ يُشِيرُ قَالَ يَقْبِضُ خِنْصَرَهُ وَاَلَّتِي تَلِيهَا وَيُحَلِّقُ الْوُسْطَى وَالْإِبْهَامَ وَيُقِيمُ السَّبَّابَةَ وَيُشِيرُ بِهَا هَكَذَا رَوَى الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام هَكَذَا يُشِيرُ وَهُوَ أَحَدُ وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ فِي الْإِشَارَةِ وَقَالَ أَهْلُ الْمَدِينَةِ يَعْقِدُ ثَلَاثًا وَخَمْسِينَ وَيُشِيرُ بِالسَّبَّابَةِ وَهُوَ أَيْضًا أَحَدُ وُجُوهِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ مَا ذَهَبَ إلَيْهِ عُلَمَاؤُنَا أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ يُوَافِقُ الْحَدِيثَ وَلَا يُشْبِهُ اسْتِعْمَالَ الْأَصَابِعِ لِلْحِسَابِ الَّذِي لَا يَلِيقُ بِحَالِ الصَّلَاةِ فَكَانَ أَوْلَى، كَذَا فِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لَا يَرَوْنَ الْإِشَارَةَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَهُوَ خِلَافُ الدِّرَايَةِ وَالرِّوَايَةِ. اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يُشِيرَ بِالسَّبَّابَةِ مِنْ الْيَدَيْنِ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام أَحَدٌ أَحَدٌ» . اهـ. وَفِي الْمُجْتَبَى لَمَّا كَثُرَتْ الْأَخْبَارُ وَالْآثَارُ وَاتَّفَقَتْ الرِّوَايَاتُ عَنْ أَصْحَابِنَا جَمِيعًا فِي كَوْنِ الْإِشَارَةِ سُنَّةً، وَكَذَا عَنْ الْكُوفِيِّينَ وَالْمَدَنِيِّينَ كَانَ الْعَمَلُ بِهَا أَوْلَى مِنْ تَرْكِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَرِهَهَا فِي مُنْيَةِ الْمُفْتِي إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُنْيَةِ وَالْوَاقِعَاتِ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ التَّحِيَّاتُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ ابْنُ قُتَيْبَةَ إنَّمَا جُمِعَتْ التَّحِيَّاتُ؛ لِأَنَّ كُلَّ مَلِكٍ مِنْ مُلُوكِهِمْ كَانَ لَهُ تَحِيَّةٌ يُحَيَّا بِهَا فَجَمِيعُ الْجَمِيعِ لِلَّهِ قَالَ الْفَرَّاءُ التَّحِيَّةُ الْمُلْكُ وَقِيلَ الْبَقَاءُ الدَّائِمُ يُقَالُ حَيَّاك اللَّهُ أَيْ أَبْقَاك حَيًّا دَائِمًا وَقِيلَ الْعَظَمَةُ وَالسَّلَامَةُ مِنْ جَمِيعِ الْآفَاتِ حَكَاهُ الْأَزْهَرِيُّ وَالصَّلَوَاتُ قِيلَ هِيَ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ وَقِيلَ الصَّلَوَاتُ الشَّرْعِيَّةُ وَقِيلَ الرَّحْمَةُ وَقِيلَ الْأَدْعِيَةُ وَعَنْ الْأَزْهَرِيِّ الْعِبَادَاتُ وَالطَّيِّبَاتُ قِيلَ الطَّيِّبَاتُ مِنْ الْكَلَامِ الَّذِي هُوَ ثَنَاءٌ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى نُقِلَ هَذَا عَنْ الْأَزْهَرِيِّ وَذَلِكَ مِثْلُ التَّوْحِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّهْلِيلِ وَالتَّمْجِيدِ، وَقَالَ أَبُو الْمُنْذِرِ وَأَبُو الْحَسَنِ بْنُ بَطَّالٍ: الْأَعْمَالُ الصَّالِحَةُ السَّلَامُ عَلَيْك أَيْ سَلَّمَ اللَّهُ عَلَيْك تَسْلِيمًا وَسَلَامًا، ثُمَّ رُفِعَ لِيَدُلَّ عَلَى الثُّبُوتِ بِالِابْتِدَاءِ وَفِي الْمَنَافِعِ يَعْنِي ذَلِكَ السَّلَامُ الَّذِي سَلَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْك لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ وَالْبَرَكَةُ الْخَيْرُ كُلُّهُ قَالَ النَّوَوِيُّ لَمْ أَرَ لِأَحَدٍ كَلَامًا فِي الضَّمِيرِ فِي عَلَيْنَا قَالَ وَفَاوَضْت فِيهِ كِبَارًا فَحَصَلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ الْحَاضِرُونَ مِنْ الْإِمَامِ وَالْمَأْمُومِينَ وَالْمَلَائِكَةِ وَغَيْرِهِمْ وَفِي الْمَنَافِعِ التَّحِيَّاتُ الْعِبَادَاتُ الْقَوْلِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ} [النساء: 86] وَالصَّلَوَاتُ الْعِبَادَاتُ الْفِعْلِيَّةُ؛ لِأَنَّهَا مِنْ تَحْرِيكِ الصَّلَوَيْنِ وَالطَّيِّبَاتُ الْعِبَادَاتُ الْمَالِيَّةُ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ} [البقرة: 57]. اهـ. غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ (قَوْلُهُ: وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْبَدْرِيَّةِ وَإِنَّمَا قَدَّمَ عُبُودِيَّتَهُ عَلَى رِسَالَتِهِ فِي قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ إظْهَارًا بِأَنَّا لَا نَقُولُ مِثْلَ مَا قَالَتْ الْيَهُودُ عُزَيْرُ ابْنُ اللَّهِ وَالنَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ. اهـ. كَاكِيٌّ
مُتَّبِعٌ هَوًى مُخَالِفٌ لِلسُّنَّةِ وَإِنْ كَانَ وَقَعَ عَلَيْهِ الِاسْمُ مَجَازًا فَعُذْرُهُ عُذْرُ الْمُقَلِّدِ وَرَجَّحُوا مَذْهَبَهُمْ بِتَعْلِيمِهِ عليه الصلاة والسلام لِابْنِ عَبَّاسٍ وَهُوَ حَدَثٌ فَيَكُونُ مُتَأَخِّرًا عَنْ تَعْلِيمِ ابْنِ مَسْعُودٍ قُلْنَا هَذَا بَاطِلٌ؛ لِأَنَّهُ ذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّهُ لَمْ يَقُلْ أَحَدٌ مِنْ أَهْلِ النَّقْلِ وَالْفِقْهِ بِتَرْجِيحِ رِوَايَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ وَالْعَبَادِلَةُ صِغَارُ الصَّحَابَةِ وَأَحْدَاثُهُمْ عَلَى رِوَايَةِ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ أَجْمَعِينَ عِنْدَ التَّعَارُضِ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ كِبَرِ سِنِّهِ تَقَدُّمُ تَعْلِيمِهِ بَلْ يَجُوزُ أَنْ يُعَلِّمَهُ بَعْدَ الصِّغَارِ وَالْعَجَبُ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ التَّرْجِيحُ بِصِغَرِ السِّنِّ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَقَدْ أَخَذُوا بِرِوَايَةِ غَيْرِهِ فِي عِدَّةٍ مِنْ الْمَسَائِلِ وَتَرَكُوا رِوَايَتَهُ فِيهَا مِنْهَا أَنَّهُمْ أَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ بِالْقِرَاءَةِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالُوا يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ أَكْبَرُ وَأَقْدَمُ صُحْبَةً وَأَكْثَرُ اخْتِلَاطًا بِالنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ فِي شَرْحِ الْمُهَذَّبِ، ثُمَّ التَّرْجِيحُ لِتَشَهُّدِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَلَى تَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ مِنْ وُجُوهٍ: الْأَوَّلُ - أَنَّ تَشَهُّدَ ابْنِ مَسْعُودٍ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ ثَابِتٌ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَغَيْرِهِمَا وَتَشَهُّدَ ابْنِ عَبَّاسٍ لَمْ يُخَرِّجْهُ أَحَدٌ مِمَّنْ الْتَزَمَ الصِّحَّةَ كَمَا قَالَهُ الشَّافِعِيُّ.
وَالثَّانِي - أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ وَافَقَهُ جَمَاعَةٌ مِنْ الصَّحَابَةِ فِيهِ بِخِلَافِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالثَّالِثُ - تَعْلِيمُ الصِّدِّيقِ النَّاسَ عَلَى الْمِنْبَرِ كَتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ.
وَالرَّابِعُ - حَدِيثُهُ لَيْسَ فِيهِ اضْطِرَابٌ بِخِلَافِ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ.
وَالْخَامِسُ - أَنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ وَالنَّقْلِ عَمِلُوا بِهِ وَلَمْ يَعْمَلْ بِتَشَهُّدِ ابْنِ عَبَّاسٍ غَيْرُ الشَّافِعِيِّ وَأَتْبَاعِهِ.
وَالسَّادِسُ - فِيهِ وَاوُ الْعَطْفِ فِي مَقَامَيْنِ فَيَكُونُ ثَنَاءً مُسْتَقِلًّا بِفَائِدَتِهِ لِكَوْنِهِ عَطْفَ جُمْلَةٍ عَلَى جُمْلَةٍ كَمَا فِي الْقَسَمِ إذَا قَالَ وَاَللَّهِ وَالرَّحْمَنِ وَالرَّحِيمِ كَانَتْ أَيْمَانًا ثَلَاثًا حَتَّى إذَا حَنِثَ تَلْزَمُهُ ثَلَاثُ كَفَّارَاتٍ وَلَوْ كَانَتْ بِلَا وَاوٍ تَكُونُ يَمِينًا وَاحِدَةً فَيَلْزَمُهُ كَفَّارَةٌ وَاحِدَةٌ.
وَالسَّابِعُ - أَنَّ السَّلَامَ مُعَرَّفٌ فِي مَوْضِعَيْنِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَهُوَ يُفِيدُ الِاسْتِغْرَاقَ وَالْعُمُومَ وَمُنَكَّرٌ فِي الْآخَرِ.
وَالثَّامِنُ - أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ ابْنَ مَسْعُودٍ أَنْ يُعَلِّمَهُ النَّاسَ فِيمَا رَوَاهُ أَحْمَدُ وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ. وَالتَّاسِعُ - «أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَخَذَ بِكَفِّ ابْنِ مَسْعُودٍ بَيْنَ كَفَّيْهِ وَعَلَّمَهُ» فَفِيهِ زِيَادَةُ اهْتِمَامٍ فِي أَمْرِ التَّشَهُّدِ وَاسْتِثْبَاتٌ وَلَيْسَ ذَلِكَ فِيمَا ذَهَبَ إلَيْهِ. وَالْعَاشِرُ - تَشْدِيدُ عَبْدِ اللَّهِ عَلَى أَصْحَابِهِ حِينَ أَخَذَ عَلَيْهِمْ الْوَاوَ وَالْأَلِفَ حَتَّى قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ كُنَّا نَحْفَظُ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ التَّشَهُّدَ كَمَا نَحْفَظُ حُرُوفَ الْقُرْآنِ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى ضَبْطِهِ وَلَا يُوجَدُ مِثْلُهُ فِي غَيْرِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ) لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا» وَهَذَا بَيَانُ الْأَفْضَلِ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ حَتَّى يَجِبَ سُجُودُ السَّهْوِ بِتَرْكِهَا وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ عَلَى مَا يَجِيءُ فِي بَابِ النَّوَافِلِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَقَوْلُ الْمُصَنِّفِ وَفِيمَا بَعْدَ الْأُولَيَيْنِ اكْتَفَى بِالْفَاتِحَةِ أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ غَيْرِهِ وَهُوَ قَوْلُهُمْ وَقَرَأَ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا؛ لِأَنَّهُ شَامِلٌ لِلْجَمِيعِ وَمَا ذَكَرَهُ غَيْرُهُ لَا يَشْمَلُ الْمَغْرِبَ إذْ لَا أَخِيرَتَيْنِ لَهَا.
قَالَ رحمه الله (وَالْقُعُودُ الثَّانِي كَالْأَوَّلِ) يَعْنِي فِي افْتِرَاشِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى وَنَصْبِ الْيُمْنَى كَالْقُعُودِ الْأَوَّلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ يَتَعَقَّبُهُ التَّسْلِيمُ يَتَوَرَّكُ فِيهِ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ مَالِكٌ يَتَوَرَّكُ فِي الْجَمِيعِ وَقَالَ أَحْمَدُ يَتَوَرَّكُ فِي كُلِّ تَشَهُّدٍ ثَانٍ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِمْ مَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ الْإِقْعَاءِ وَالتَّوَرُّكِ فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَرُوِيَ عَنْ رِفَاعَةَ بْنِ رَافِعٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لِلْأَعْرَابِيِّ: فَإِذَا جَلَسْت فَاجْلِسْ عَلَى رِجْلِك الْيُسْرَى» رَوَاهُ أَحْمَدُ عَنْ وَائِلِ بْنِ حُجْرٍ قَالَ «صَلَّيْت خَلْفَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقُلْت لَأَحْفَظَنَّ صَلَاةَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَلَمَّا قَعَدَ لِلتَّشَهُّدِ فَرَشَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى فَقَعَدَ عَلَيْهَا وَوَضَعَ كَفَّهُ الْيُسْرَى عَلَى فَخِذِهِ الْيُسْرَى وَوَضَعَ مِرْفَقَهُ الْأَيْمَنَ عَلَى فَخِذِهِ الْأَيْمَنِ، ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ وَجَعَلَ حَلْقَةَ الْإِبْهَامِ وَالْوُسْطَى، ثُمَّ جَعَلَ يَدْعُو بِالْأُخْرَى» وَيُرْوَى بِالْمُسَبِّحَةِ وَيُرْوَى بِالسَّبَّابَةِ قَالَ أَبُو جَعْفَرٍ فِي قَوْلِ وَائِلٍ، ثُمَّ عَقَدَ أَصَابِعَهُ يَدْعُو دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَكَذَا التَّشَهُّدُ الثَّانِي كَالتَّشَهُّدِ الْأَوَّلِ.
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: أَخَذُوا بِحَدِيثِ أَبِي قَتَادَةَ) أَيْ حَيْثُ قَالَ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُسْمِعُنَا الْآيَةَ وَالْآيَتَيْنِ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ» أَحْيَانًا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَرَجَّحُوهُ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ) فِي قَوْلِهِ لَا قِرَاءَةَ فِيهِمَا أَصْلًا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «صَلَاةُ النَّهَارِ عَجْمَاءُ» أَيْ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّ مَعْنَاهُ لَيْسَ فِيهَا قِرَاءَةٌ مَسْمُوعَةٌ كَمَا فَسَّرَهُ كَذَلِكَ فِي الْهِدَايَةِ وَقَالُوا: إنَّ ذَلِكَ احْتِرَازٌ عَنْ تَفْسِيرِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَالْأَمْرُ لِلْوُجُوبِ فَلَا يَنْزِلُ عَنْ الِاسْتِحْبَابِ) أَيْ وَإِذَا لَمْ يَجِبْ فَفِيهِ زِيَادَةُ اسْتِحْبَابٍ وَحَثٌّ وَتَأْكِيدٌ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فِي حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: لِقَوْلِ أَبِي قَتَادَةَ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَنْوِي بِالْفَاتِحَةِ الذِّكْرَ وَالثَّنَاءَ لَا الْقِرَاءَةَ وَقَالَ أَبُو جَعْفَرٍ يَنْوِي الدُّعَاءَ وَسَأَلَ رَجُلٌ عَائِشَةَ عَنْهَا فِي الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَالَتْ اقْرَأْ وَلَكِنْ عَلَى وَجْهِ الثَّنَاءِ وَرَوَى أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ هَذَا مَذْهَبُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ) أَيْ فَضِيلَةُ الْقِرَاءَةِ عَلَى السُّكُوتِ لَا وُجُوبُهَا. اهـ. قَالَ الْعَيْنِيُّ بَعْدَ أَنْ حَكَى تَصْحِيحَ الشَّارِحِ قُلْت الصَّحِيحُ هُوَ الثَّانِي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَيَقْرَأُ فِي الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَحْدَهَا إلَى آخِرِهِ) وَقَدْ تَكُونُ الْقِرَاءَةُ فَرْضًا فِي الْأَرْبَعِ وَذَلِكَ فِيمَنْ سَبَقَ بِرَكْعَتَيْنِ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ فَاسْتَخْلَفَ هَذَا الْمَسْبُوقُ وَأَشَارَ إلَيْهِ أَنَّهُ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ فَالْمَسْبُوقُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُخْرَيَيْنِ؛ لِأَنَّهُ قَائِمٌ مَقَامَ الْإِمَامِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَرَأَ فِيهِمَا أُلْحِقَتْ قِرَاءَتُهُ هَذِهِ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الْأُخْرَيَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَصَارَ كَأَنَّ الْخَلِيفَةَ لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَإِذَا قَامَ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَهُ يَلْزَمُهُ أَنْ يَقْرَأَ فِيمَا سَبَقَ وَهِيَ الرَّكْعَتَانِ. اهـ. سِرَاجٌ وَهَّاجٌ
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: هُوَ فَرْضٌ فِي الْقُعُودِ الثَّانِي لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ «كُنَّا نَقُولُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا التَّشَهُّدُ: السَّلَامُ عَلَى اللَّهِ وَالسَّلَامُ عَلَى جِبْرِيلَ وَالسَّلَامُ عَلَى مِيكَائِيلَ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام لَا تَقُولُوا هَكَذَا وَلَكِنْ قُولُوا: التَّحِيَّاتُ» إلَى آخِرِهِ أَمَرَهُمْ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ لِلْوُجُوبِ وَقَوْلُهُ قَبْلَ أَنْ يُفْرَضَ عَلَيْنَا دَلِيلٌ أَيْضًا عَلَى أَنَّهُ فُرِضَ عَلَيْهِمْ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» عَلَّقَ التَّمَامَ بِالْقُعُودِ عَلَى مَا بَيَّنَّا وَلَا حُجَّةَ لَهُ فِيمَا رُوِيَ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ هُوَ التَّقْدِيرُ لُغَةً أَيْ قَبْلَ أَنْ يُقَدَّرَ لَنَا وَعَلَى تَجِيءُ بِمَعْنَى اللَّامِ كَمَا تَجِيءُ اللَّامُ بِمَعْنَى عَلَى قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا} [الإسراء: 7] أَيْ فَعَلَيْهَا؛ وَلِأَنَّهُ لَمْ يَأْخُذْ بِهَذَا التَّشَهُّدِ فَكَانَ مَتْرُوكًا عِنْدَهُ؛ وَلِأَنَّ هَذَا قَوْلُ ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَعَلَّهُ قَالَهُ اجْتِهَادًا وَقَوْلُ الصَّحَابِيِّ لَيْسَ بِحُجَّةٍ عِنْدَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَتَشَهَّدَ وَصَلَّى عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم) وَهُوَ سُنَّةٌ عِنْدَنَا، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: فَرْضٌ. وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي بَيَانِ السُّنَنِ وَسُئِلَ مُحَمَّدٌ رحمه الله عَنْ كَيْفِيَّةِ الصَّلَاةِ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ يَقُولُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ وَبَارِكْ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ كَمَا بَارَكْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ إنَّك حَمِيدٌ مَجِيدٌ. وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ: اللَّهُمَّ ارْحَمْ مُحَمَّدًا؛ لِأَنَّهُ يُوهِمُ تَقْصِيرَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - إذْ الرَّحْمَةُ تَكُونُ بِإِتْيَانِ مَا يُلَامُ عَلَيْهِ وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِمْ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَهُوَ مَذْهَبُ الْمُتَكَلِّمِينَ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ مِنْ أَشْوَقِ الْعِبَادِ إلَى مَدِيدِ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يَسْتَغْنِي أَحَدٌ عَنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما تَوْقِيرًا لِلْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ عَلَى كُلِّ مُسْلِمٍ.
قَالَ رحمه الله (وَدَعَا بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ) أَيْ دَعَا لِنَفْسِهِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ) فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ قَالَ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَالْمُشَبَّهُ دُونَ الْمُشَبَّهِ بِهِ وَهُوَ أَكْرَمُ عَلَى اللَّهِ مِنْ إبْرَاهِيمَ قِيلَ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ أَنْ يُبَيِّنَ اللَّهُ وَمَنْزِلَتَهُ إذْ قَالَ لَهُ رَجُلٌ يَا خَيْرَ الْبَرِّيَّةِ فَقَالَ ذَلِكَ إبْرَاهِيمُ فَلَمَّا أَعْلَمَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِمَنْزِلَتِهِ وَكَشَفَ لَهُ عَنْ مَرْتَبَتِهِ أَبْقَى الدَّعْوَةَ وَإِنْ كَانَ قَدْ أَظْهَرَ الْمَزِيَّةَ.
الْقَوْلُ الثَّانِي: إنَّ ذَلِكَ تَشْبِيهٌ لِأَصْلِ الصَّلَاةِ بِأَصْلِ الصَّلَاةِ لَا الْقَدْرِ بِالْقَدْرِ وَهُوَ كَمَا اخْتَارُوا فِي قَوْله تَعَالَى {كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ} [البقرة: 183] أَنَّ الْمُرَادَ أَصْلُ الصِّيَامِ لَا عَيْنُهُ وَلَا وَقْتُهُ. الْقَوْلُ الثَّالِثُ: سُؤَالُ التَّسْوِيَةِ مَعَ إبْرَاهِيمَ فِيهَا وَيَزِيدُ عَلَيْهِ فِي غَيْرِهَا الرَّابِعُ أَنَّ التَّشْبِيهَ وَقَعَ فِي الصَّلَاةِ عَلَى الْآلِ لَا عَلَيْهِ صلى الله عليه وسلم فَكَانَ قَوْلُهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ مَقْطُوعًا عَنْ التَّشْبِيهِ وَقَوْلُهُ: وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ مُتَّصِلًا بِقَوْلِهِ كَمَا صَلَّيْت عَلَى إبْرَاهِيمَ وَعَلَى آلِ إبْرَاهِيمَ.
الْخَامِسُ: أَنَّ الْمُشَبَّهَ الصَّلَاةُ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ بِالصَّلَاةِ عَلَى إبْرَاهِيمَ وَآلِ إبْرَاهِيمَ الْمَجْمُوعُ بِالْمَجْمُوعِ وَمُعْظَمُ الْأَنْبِيَاءِ آلُ إبْرَاهِيمَ عليهم السلام فَإِذَا تَقَابَلَتْ الْجُمْلَةُ بِالْجُمْلَةِ وَتَعَذَّرَ أَنْ يَكُونَ لِآلِ الرَّسُولِ مَا لِآلِ إبْرَاهِيمَ الَّذِينَ هُمْ أَنْبِيَاءٌ فَمَا تَوَفَّرَ مِنْ ذَلِكَ يَكُونُ حَاصِلًا لِلرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام فَيَكُونُ زَائِدًا عَلَى الْحَاصِلِ لِإِبْرَاهِيمَ. كَذَا فِي الْغَايَةِ وَالدِّرَايَةِ لَكِنْ زَادَ فِي الْغَايَةِ خَمْسَةَ أَجْوِبَةٍ أُخْرَى فَلْتُرَاجَعْ وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ. اهـ.
فَإِنْ قِيلَ مَا الْحِكْمَةُ لِمَ خُصَّ إبْرَاهِيمَ صلى الله عليه وسلم مِنْ بَيْنِ سَائِرِ الْأَنْبِيَاءِ بِذِكْرِنَا فِي الصَّلَاةِ؟ فَقِيلَ: لِوَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا - أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَأَى لَيْلَةَ الْمِعْرَاجِ جَمِيعَ الْأَنْبِيَاءِ وَالْمُرْسَلِينَ وَسَلَّمَ عَلَى كُلِّ نَبِيٍّ وَلَمْ يُسَلِّمْ أَحَدٌ مِنْهُمْ عَلَى أُمَّتِهِ غَيْرَ إبْرَاهِيمَ فَأُمِرْنَا صلى الله عليه وسلم أَنْ نُصَلِّيَ عَلَيْهِ فِي آخِرِ كُلِّ صَلَاةٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مُجَازَاةً عَلَى إحْسَانِهِ. وَالثَّانِي - أَنَّ إبْرَاهِيمَ لَمَّا فَرَغَ مِنْ بِنَاءِ الْكَعْبَةِ جَلَسَ مَعَ أَهْلِهِ فَبَكَى إبْرَاهِيمُ وَدَعَا وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شُيُوخِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ آمِينَ، ثُمَّ قَالَ إِسْحَاقُ عليه السلام اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ كُهُولِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالَ أَهْلُ بَيْتِهِ: آمِينَ، ثُمَّ دَعَا إسْمَاعِيلُ عليه السلام وَقَالَ اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ شَبَابِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا: آمِينَ، ثُمَّ دَعَتْ سَارَةُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتِ مِنْ نِسْوَانِ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا: آمِينَ، ثُمَّ دَعَتْ هَاجَرُ فَقَالَتْ: اللَّهُمَّ مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْتَ مِنْ الْمَوَالِي وَالْمُوَالَيَاتِ مِنْ أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم فَهَبْهُ مِنِّي السَّلَامَ فَقَالُوا: آمِينَ فَلَمَّا سَبَقَ مِنْهُمْ السَّلَامُ أُمِرْنَا بِذِكْرِهِمْ فِي الصَّلَاةِ مُجَازَاةً لَهُمْ عَلَى حُسْنِ صَنِيعِهِمْ. اهـ. مِنْ الظَّهِيرِيَّةِ مِنْ كِتَابِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فِي آخِرِهَا. اهـ.
وَرَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنْ فَضَالَةَ بْنِ عُبَيْدٍ قَالَ «سَمِعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَدْعُو فِي صَلَاتِهِ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَجَّلَ هَذَا، ثُمَّ دَعَاهُ فَقَالَ لَهُ وَلِغَيْرِهِ إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَبْدَأْ بِتَحْمِيدِ اللَّهِ تَعَالَى وَالثَّنَاءِ عَلَيْهِ، ثُمَّ لِيُصَلِّ عَلَيَّ، ثُمَّ لِيَدْعُ بَعْدَمَا شَاءَ» قَالَ: هَذَا حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَكَرِهَ بَعْضُهُمْ أَنْ يَقُولَ) أَيْ الْمُصَلِّي. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَدْ أُمِرْنَا بِتَعْظِيمِهِمْ) وَلِهَذَا لَوْ ذُكِرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يُقَالُ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ بَلْ يُصَلَّى عَلَيْهِ. اهـ. كَاكِيٌّ، وَكَذَا إذَا ذُكِرَ الصَّحَابِيَّ لَا يُقَالُ رحمه الله بَلْ يُقَالُ رضي الله عنه. اهـ. ذَخِيرَةٌ (قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ) وَفِي مَبْسُوطِ السَّرَخْسِيِّ لَا بَأْسَ بِهِ؛ لِأَنَّ الْأَثَرَ وَرَدَ بِهِ مِنْ طَرِيقِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَا عَتْبَ عَلَى مَنْ اتَّبَعَ الْأَثَرَ. اهـ. كَاكِيٌّ وَهَكَذَا قَالَ الْإِمَامُ الرُّسْتُغْفَنِيُّ وَقَالَ مَعْنَى وَارْحَمْ مُحَمَّدًا رَاجِعٌ إلَى أُمَّتِهِ إمَّا بِطَرِيقِ حَذْفِ الْمُضَافِ وَإِقَامَةِ الْمُضَافِ إلَيْهِ مَقَامَهُ أَوْ بِطَرِيقِ الِاسْتِعْطَافِ بِوَاسِطَةٍ كَشَخْصٍ جَنَى وَأَبُوهُ شَيْخٌ يُقَالُ لِلْمُعَاقِبِ ارْحَمْ هَذَا الشَّيْخَ الْكَبِيرَ وَالرَّحْمَةُ رَاجِعَةٌ إلَى الِابْنِ فِي الْحَقِيقَةِ فَكَذَا هُنَا. اهـ. (قَوْلُهُ: وَمِنْهُمْ مَنْ أَجَازَ ذَلِكَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يُصَلِّي عَلَى أَحَدٍ غَيْرَ نَبِيٍّ إلَّا أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ أَنْ يُصَلِّيَ عَلَى آلِ النَّبِيِّ عَلَى إثْرِ ذِكْرِهِ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالسُّنَّةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفًا عَلَى أَلْفَاظِ الْقُرْآنِ وَالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى بِمَا. اهـ. غَايَةٌ
وَلِغَيْرِهِ مِنْ الْمُؤْمِنِينَ وَهَذَا أَحْسَنُ مِنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ وَدَعَا لِنَفْسِهِ؛ لِأَنَّ مِنْ السُّنَّةِ أَنْ لَا يَخُصَّ نَفْسَهُ بِالدُّعَاءِ وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا فَرَغْتَ فَانْصَبْ} [الشرح: 7] أَيْ فَاجْتَهِدْ فِي الدُّعَاءِ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ وَمَعْنَاهُ فَإِذَا فَرَغْت مِنْ أَرْكَانِ الصَّلَاةِ أَوْ قَارَبْت الْفَرَاغَ مِنْهَا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ} [الطلاق: 2] أَيْ قَارَبْنَ بُلُوغَ الْأَجَلِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا فَرَغَ أَحَدُكُمْ مِنْ التَّشَهُّدِ الْأَخِيرِ فَلْيَتَعَوَّذْ بِاَللَّهِ مِنْ أَرْبَعٍ مِنْ عَذَابِ جَهَنَّمَ وَمِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَمِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ وَمِنْ شَرِّ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ» قَالَ رحمه الله (لَا كَلَامَ النَّاسِ) أَيْ لَا يَدْعُو بِكَلَامِ النَّاسِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ بِكُلِّ مَا جَازَ خَارِجَهَا مِنْ الدُّنْيَا فَيَقُولُ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي دَرَاهِمَ وَجَارِيَةً صِفَتُهَا كَذَا وَخَلِّصْ فُلَانًا مِنْ السِّجْنِ وَأَهْلِكْ فُلَانًا؛ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَدْعُو عَلَى رَعْلٍ وَذَكْوَانَ وَعَلَى قَبَائِلَ مِنْ الْعَرَبِ» وَرُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ إنِّي لَأَدْعُو فِي صَلَاتِي حَتَّى بِشَعِيرِ حِمَارِي وَمِلْحِ بَيْتِي وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إنَّ صَلَاتَنَا هَذِهِ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَإِنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّهْلِيلُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَمَا رَوَاهُ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْكَلَامُ مُبَاحًا فِيهَا؛ وَلِأَنَّ مَا ذَكَرْنَا مُحَرَّمٌ وَمَا ذَكَرَهُ مُبِيحٌ وَالْمُحَرَّمُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْمُبِيحِ؛ وَلِأَنَّ مَا رَوَيْنَا قَوْلٌ وَمَا رَوَاهُ فِعْلٌ وَالْقَوْلُ مُقَدَّمٌ عَلَى الْفِعْلِ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ، وَأَمَّا ابْنُ عُمَرَ فَيُحْتَمَلُ أَنَّهُ مَا بَلَغَهُ هَذَا الْحَدِيثُ أَوْ تَأَوَّلَهُ فَإِنْ قِيلَ هَذَا الدُّعَاءُ لَا يَدْخُلُ فِي كَلَامِ النَّاسِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخِطَابٍ لِآدَمِيٍّ قُلْنَا لَا يُشْتَرَطُ فِي كَلَامِ النَّاسِ الْمُخَاطَبَةُ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ قَالَ قَرَأْت الْفَاتِحَةَ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ خِطَابًا لِآدَمِيٍّ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ بِحَضْرَتِهِ أَحَدٌ يُخَاطِبُهُ، ثُمَّ الْأَصْلُ فِيهِ أَنَّ كُلَّ مَا لَا يَسْتَحِيلُ سُؤَالُهُ مِنْ الْعِبَادِ فَهُوَ كَلَامُهُمْ وَمَا يَسْتَحِيلُ فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ وَقِيلَ كُلُّ مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ أَوْ مَعْنَاهُ لَا يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ: اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَمَا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ يُفْسِدُ كَقَوْلِهِ اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِزَيْدٍ وَعَمْرٍو وَلِعَمِّي وَخَالِي، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي مِنْ بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مَوْجُودٌ فِي الْقُرْآنِ، وَلَوْ قَالَ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي بَقْلًا وَقِثَّاءً وَفُوَمًا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ وَكُلُّ مَا ذَكَرْنَاهُ أَنَّهُ يُفْسِدُ إنَّمَا يُفْسِدُ إذَا لَمْ يَقْعُدْ قَدْرَ التَّشَهُّدِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، وَأَمَّا إذَا قَعَدَ فَصَلَاتُهُ تَامَّةٌ وَيَخْرُجُ بِهِ مِنْ الصَّلَاةِ عَلَى مَا يَأْتِي فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.
قَالَ رحمه الله (وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ نَاوِيًا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَهُوَ سُنَّةٌ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ فِي سُنَنِ الصَّلَاةِ اهـ.
(فَرْعٌ) الْمَسْبُوقُ يُتَابِعُ الْإِمَامَ فِي التَّشَهُّدِ إلَى قَوْلِهِ عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ بِلَا خِلَافٍ وَفِي الزِّيَادَةِ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ لَا يُتَابِعُ وَإِلَيْهِ مَالَ الْكَرْخِيُّ وَخُوَاهَرْ زَادَهْ؛ لِأَنَّ الدُّعَاءَ مُؤَخَّرٌ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ وَهَذِهِ قَعْدَةٌ أُولَى فِي حَقِّهِ وَرَوَى إبْرَاهِيمُ بْنُ رُسْتُمَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَدْعُو بِدَعَوَاتِ الْقُرْآنِ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْهُ أَنَّهُ يَدْعُو بِذَلِكَ وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَسْكُتُ وَعَنْ هِشَامٍ وَمُحَمَّدِ بْنِ شُجَاعٍ الْبَلْخِيّ أَنَّهُ يُكَرِّرُ التَّشَهُّدَ إلَى أَنْ يُسَلِّمَ الْإِمَامُ وَقَالَا لَا مَعْنَى لِلسُّكُوتِ فِي الصَّلَاةِ بِلَا اسْتِمَاعٍ فَيَنْبَغِي لَهُ أَنْ يُكَرِّرَ التَّشَهُّدَ مَرَّةً بَعْدَ مَرَّةٍ قُلْت يُشْكِلُ عَلَيْهِمَا الْقِيَامُ فَإِنَّ الْمُقْتَدِيَ يَسْكُتُ فِيهِ مِنْ غَيْرِ اسْتِمَاعٍ وَرَوَى أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْبَلْخِيّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَأْتِي بِالدَّعَوَاتِ وَبِهِ كَانَ يُفْتِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْفَضْلِ الْخَزَاخَزِيُّ؛ لِأَنَّ فِي الِاشْتِغَالِ بِهَا فِي التَّشَهُّدِ تَأْخِيرَ الْأَرْكَانِ وَهَذَا الْمَعْنَى لَا يُوجَدُ هُنَا، ثُمَّ إذَا سَلَّمَ الْإِمَامُ لَا يُعَجِّلُ بِالْقِيَامِ وَيَنْظُرُ هَلْ يَشْتَغِلُ الْإِمَامُ بِقَضَاءِ مَا نَسِيَهُ فَإِذَا تَيَقَّنَ فَرَاغُهُ يَقُومُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ وَلَا يُسَلِّمُ مَعَ الْإِمَامِ وَفِيهِ حِكَايَةٌ وَهِيَ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ كَانَ عَلَى مَائِدَةِ الرَّشِيدِ فَقَالَ لِزُفَرَ مَا تَقُولُ يَا أَبَا هُذَيْلٍ مَتَى يَقُومُ الْمَسْبُوقُ إلَى قَضَاءِ مَا سَبَقَ بِهِ فَقَالَ زُفَرُ بَعْدَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَالَ لَهُ أَبُو يُوسُفَ أَخْطَأْت فَقَالَ زُفَرُ بَعْدَمَا يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً فَقَالَ أَخْطَأْت فَقَالَ زُفَرُ قَبْلَ سَلَامِ الْإِمَامِ فَقَالَ أَخْطَأْت، ثُمَّ قَالَ أَبُو يُوسُفَ إنَّمَا يَقُومُ بَعْدَ تَيَقُّنِهِ أَنَّ الْإِمَامَ فَرَغَ مِنْ صَلَاتِهِ فَقَالَ زُفَرُ أَحْسَنْت أَيَّدَ اللَّهُ الْقَاضِيَ قَالَ الزَّنْدَوَسْتِيُّ فِي نَظْمِهِ يَمْكُثُ حَتَّى يَقُومَ الْإِمَامُ إلَى تَطَوُّعِهِ إنْ كَانَ بَعْدَهَا تَطَوُّعٌ وَيَسْتَنِدُ إلَى الْمِحْرَابِ إنْ كَانَ لَا تَطَوُّعَ بَعْدَهَا وَلَوْ قَامَ قَبْلَ سَلَامِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ وَيَكُونُ مُسِيئًا حَتَّى قَالُوا لَوْ كَانَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ يُصَلِّي فِي الطَّرِيقِ فَخَافَ أَنْ تُفْسِدُ الْمَارَّةُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ فَقَامَ بَعْدَمَا قَعَدَ الْإِمَامُ قَدْرَ التَّشَهُّدِ جَازَ. اهـ. غَايَةٌ مَعَ حَذْفٍ.
قَالَ الْكَمَالُ فِي الْفَصْلِ الَّذِي عَقَدَهُ لِلْمَسْبُوقِ وَلَا يَقُومُ الْمَسْبُوقُ قَبْلَ السَّلَامِ بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ إلَّا فِي مَوَاضِعَ إذَا خَافَ وَهُوَ مَاسِحٌ تَمَامَ الْمُدَّةِ لَوْ انْتَظَرَ سَلَامَ الْإِمَامِ أَوْ خَافَ الْمَسْبُوقُ فِي الْجُمُعَةِ وَالْعِيدِ وَالْفَجْرِ أَوْ الْمَعْذُورِ خُرُوجَ الْوَقْتِ أَوْ خَافَ أَنْ يَبْتَدِرَهُ الْحَدَثُ أَوْ أَنْ يَمُرَّ النَّاسُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ قَامَ فِي غَيْرِهَا بَعْدَ قَدْرِ التَّشَهُّدِ صَحَّ وَيُكْرَهُ تَحْرِيمًا؛ لِأَنَّ الْمُتَابَعَةَ وَاجِبَةٌ بِالنَّصِّ قَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا جُعِلَ الْإِمَامُ لِيُؤْتَمَّ بِهِ» فَلَا تَخْتَلِفُوا عَلَيْهِ وَهَذَا مُخَالَفَةٌ لَهُ فِي غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ الْأَحَادِيثِ الْمُفِيدَةِ لِلْوُجُوبِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: فَهُوَ كَلَامُهُمْ) كَقَوْلِك أَعْطِنِي مَالًا وَأَطْعِمْنِي وَاقْضِ دَيْنِي وَزَوِّجْنِي امْرَأَةً وَمَا يُقْصَدُ بِهِ مَلَاذُ الدُّنْيَا وَشَهَوَاتُهَا فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَلَيْسَ بِكَلَامِهِمْ إلَى آخِرِهِ) هَذَا تَفْسِيرُ أَكْثَرِ الْأَصْحَابِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ ابْنُ بَطَّالٍ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَا يَجُوزُ أَنْ يَدْعُوَ فِي الصَّلَاةِ إلَّا بِمَا يُوجَدُ فِي الْقُرْآنِ وَأَوْرَدَ عَلَيْهِ «قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام فِي سُجُودِهِ أَعُوذُ بِرِضَاك مِنْ سَخَطِك وَبِمُعَافَاتِك مِنْ عُقُوبَتِك وَبِك مِنْك لَا أُحْصِي ثَنَاءً عَلَيْك أَنْتَ كَمَا أَثْنَيْت عَلَى نَفْسِك» قَالَ وَهَذَا مِمَّا لَيْسَ فِي الْقُرْآنِ فَسَقَطَ قَوْلُ الْمُخَالِفِ قُلْت مَا أَجْهَلَهُ بِالْفِقْهِ وَنَقَلَهُ وَمَا أَقَلَّ وَرَعَهُ وَأَبُو حَنِيفَةَ لَا يَشْتَرِطُ أَنْ يُوجَدَ مَا يَدْعُو بِهِ فِي الْقُرْآنِ بَلْ يَشْتَرِطُ أَنْ يَدْعُوَ بِمَا يُشْبِهُ أَلْفَاظَهُ وَبِالْأَدْعِيَةِ الْمَأْثُورَةِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْته فِي الْمُخْتَصَرَاتِ الَّتِي يَحْفَظُهَا الْمُبْتَدِئُ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ مُحَمَّدٌ لَوْ قَالَ اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لِي أَمْرِي وَأَكْرِمْنِي اللَّهُمَّ أَنْعِمْ عَلَيَّ اللَّهُمَّ عَافَنِي مِنْ النَّارِ وَسَدِّدْنِي
الْقَوْمَ وَالْحَفَظَةَ وَالْإِمَامَ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا لَوْ مُحَاذِيًا) وَهَذَا الْكَلَامُ شَامِلٌ لِأَحْكَامٍ كَثِيرَةٍ يُحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ فَنَقُولُ: أَمَّا السَّلَامُ فَلِلنَّقْلِ الْمُسْتَفِيضِ مِنْ لَدُنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَهُوَ لَيْسَ بِفَرْضٍ عِنْدَنَا حَتَّى يَصِحَّ الْخُرُوجُ بِغَيْرِهِ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُوَ فَرْضٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «تَحْرِيمُهَا التَّكْبِيرُ وَتَحْلِيلُهَا التَّسْلِيمُ» وَلَنَا حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ لَهُ حِينَ عَلَّمَهُ التَّشَهُّدَ «إذَا قُلْت هَذَا أَوْ فَعَلْت هَذَا فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُك» الْحَدِيثُ، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «إذَا قَعَدَ الْإِمَامُ فِي آخِرِ صَلَاتِهِ، ثُمَّ أَحْدَثَ قَبْلَ أَنْ يَتَشَهَّدَ تَمَّتْ صَلَاتُهُ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يُسَلِّمَ» وَفِي رِوَايَةٍ «قَبْلَ أَنْ يَتَكَلَّمَ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَالتِّرْمِذِيُّ؛ وَالْبَيْهَقِيُّ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه إذَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ، ثُمَّ أَحْدَثَ فَقَدْ تَمَّتْ صَلَاتُهُ وَمَا رَوَاهُ إنْ صَحَّ لَا يُفِيدُ الْفَرْضِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا لَا تَثْبُتُ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَإِنَّمَا يُفِيدُ الْوُجُوبَ. وَقَدْ قُلْنَا بِوُجُوبِهِ وَقَوْلُهُ وَسَلَّمَ مَعَ الْإِمَامِ كَالتَّحْرِيمَةِ أَيْ سَلَّمَ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ كَمَا أَنَّهُ يَحْرُمُ مُقَارِنًا لِتَحْرِيمَةِ الْإِمَامِ وَهَذَا مَذْهَبُ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا يُسَلِّمُ بَعْدَ تَسْلِيمِ الْإِمَامِ وَيُكَبِّرُ لِلتَّحْرِيمَةِ بَعْدَمَا أَحْرَمَ الْإِمَامُ فِي التَّحْرِيمَةِ لَهُمَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا كَبَّرَ الْإِمَامُ فَكَبِّرُوا» وَالْفَاءُ لِلتَّعْقِيبِ فَيَكُونُ أَمْرًا بِالتَّكْبِيرِ بَعْدَ تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَإِذَا أَتَى بِهِ مُقَارِنًا فَقَدْ أَتَى بِهِ قَبْلَ أَوَانِهِ فَلَا يَجُوزُ كَالصَّلَاةِ قَبْلَ وَقْتِهَا؛ وَلِأَنَّ الِاقْتِدَاءَ بِنَاءُ صَلَاتِهِ عَلَى صَلَاةِ الْإِمَامِ فَلَا بُدَّ مِنْ شُرُوعِ الْإِمَامِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى يَتَحَقَّقَ الْبِنَاءُ عَلَى صَلَاتِهِ، وَإِلَّا لَزِمَ الْبِنَاءُ عَلَى الْمَعْدُومِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ الْمُؤْتَمِّينَ بِالتَّكْبِيرِ فِي زَمَانٍ يُكَبِّرُ فِيهِ الْإِمَامُ بِقَوْلِهِ «إذَا كَبَّرَ فَكَبِّرُوا» ؛ لِأَنَّ إذَا لِلْوَقْتِ حَقِيقَةً كَالْحِينِ فَيَكُونُ تَقْدِيرُهُ فَكَبِّرُوا فِي زَمَانٍ فِيهِ يُكَبِّرُ الْإِمَامُ وَالْفَاءُ وَإِنْ كَانَتْ لِلتَّعْقِيبِ فَقَدْ تُسْتَعْمَلُ لِلْقِرَانِ كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» ، وَكَذَا قَوْله تَعَالَى {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] يَجِبُ الِاسْتِمَاعُ وَالْإِنْصَاتُ فِي زَمَانِ الْقِرَاءَةِ لَا بَعْدَهُ وَقَوْلُهُمَا الِاقْتِدَاءُ بِنَاءً إلَى آخِرِهِ قُلْنَا نَعَمْ لَكِنْ عَلَى سَبِيلِ الْمُوَافَقَةِ وَهِيَ بِالْقِرَانِ وَإِنَّمَا يَكُونُ بِنَاءً عَلَى الْمَعْدُومِ أَنْ لَوْ كَانَ شُرُوعُ الْمُقْتَدِي سَابِقًا عَلَى شُرُوعِ الْإِمَامِ فَإِذَا كَانَ مُقَارِنًا لَهُ لَا تَكُونُ صَلَاةُ الْإِمَامِ مَعْدُومَةً وَقْتَ وُجُودِ صَلَاةِ الْمُقْتَدِي، ثُمَّ قِيلَ هَذَا الْخِلَافُ فِي الْجَوَازِ يَعْنِي عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ مُقَارِنًا وَعِنْدَهُمَا لَا يَجُوزُ وَقَدْ بَيَّنَّا الْوَجْهَ فِيهِ. وَقِيلَ لَا اخْتِلَافَ فِي الْجَوَازِ بَلْ يَجُوزُ بِالْإِجْمَاعِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَإِنَّمَا الْخِلَافُ فِي الْأَوْلَوِيَّةِ يَعْنِي الْأَوْلَى أَنْ يَكُونَ مَعَ الْإِمَامِ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا أَنْ يَكُونَ بَعْدَهُ؛ لِأَنَّ فِي الْقِرَانِ احْتِمَالَ وُقُوعِ تَكْبِيرِ الْمُؤْتَمِّ سَابِقًا عَلَى تَكْبِيرِ الْإِمَامِ فَيَقَعُ فَاسِدًا فَيَكُونُ التَّأْخِيرُ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الْفَسَادِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الِاقْتِدَاءَ عَقْدُ مُوَافَقَةٍ وَأَنَّهَا فِي الْقِرَانِ لَا فِي التَّأْخِيرِ فَكَانَ أَوْلَى احْتِرَازًا عَنْ الِاخْتِلَافِ الْمَنْهِيِّ عَنْهُ وَمَا ذَكَرَاهُ مِنْ احْتِمَالِ السَّبْقِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ؛ لِأَنَّ كَلَامَنَا فِيمَا إذَا تَيَقَّنَ فِي عَدَمِ السَّبْقِ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ فِي رِوَايَةٍ يُسَلِّمُ مُقَارِنًا لِتَسْلِيمِ الْإِمَامِ فَعَلَى هَذَا لَا يَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ التَّحْرِيمَةِ وَفِي رِوَايَةٍ أَنَّهُ يُسَلِّمُ بَعْدَ الْإِمَامِ مِثْلَ قَوْلِهِمَا فَيَحْتَاجُ إلَى الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا وَالْفَرْقُ أَنَّ التَّكْبِيرَ شُرُوعٌ فِي الْعِبَادَةِ فَيُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَمَّا السَّلَامُ فَتَرْكٌ لِلْعِبَادَةِ وَخُرُوجٌ مِنْهَا فَلَا تُسْتَحَبُّ فِيهِ الْمُبَادَرَةُ، وَأَمَّا التَّسْلِيمُ عَنْ يَمِينِهِ وَيَسَارِهِ فَهُوَ قَوْلُ كَافَّةِ الْعُلَمَاءِ وَقَالَتْ طَائِفَةٌ يُسَلِّمُ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ وَيَمِيلُ قَلِيلًا إلَى الْيَمِينِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ وَأَنَسٍ وَعَائِشَةَ وَبِهِ أَخَذَ مَالِكٌ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ يُسَلِّمُ فِي الصَّلَاةِ تَسْلِيمَةً وَاحِدَةً تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يَمِيلُ إلَى الشِّقِّ الْأَيْمَنِ شَيْئًا» وَلِعَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» . وَمَا رَوَاهُ مَالِكٌ ضَعَّفَهُ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ وَلَئِنْ صَحَّ فَالْأَخْذُ بِرِوَايَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَوْلَى لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ عَلَى النِّسَاءِ وَتَأَخُّرِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
ارْفَعْنِي وَاصْرِفْ عَنِّي شَرَّ كُلِّ ذِي شَرٍّ أَعُوذُ بِاَللَّهِ مِنْ شَرِّ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ وَارْزُقْنِي الْحَجَّ إلَى بَيْتِك وَجِهَادًا فِي سَبِيلِك وَاشْغَلْنِي بِطَاعَتِك وَطَاعَةِ رَسُولِك وَاجْعَلْنَا عَابِدِينَ شَاكِرِينَ وَارْزُقْنَا وَأَنْتَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ فَهَذَا كُلُّهُ حَسَنٌ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ وَلَوْ قَالَ فِي صَلَاتِهِ اللَّهُمَّ اُرْزُقْنِي الْحَجَّ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ وَإِنْ قَالَ اللَّهُمَّ اقْضِ دَيْنِي تَفْسُدُ؛ لِأَنَّ هَذَا يُشْبِهُ كَلَامَ النَّاسِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ إلَى آخِرِهِ) رَوَى النَّسَائِيّ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْمَنِ وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ حَتَّى يُرَى بَيَاضُ خَدِّهِ الْأَيْسَرِ» . اهـ. قَوْلُهُ: وَعَنْ يَسَارِهِ السَّلَامُ عَلَيْكُمْ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ وَالسُّنَّةُ فِي السَّلَامِ أَنْ تَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِتَقَدُّمِ الرِّجَالِ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ) وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ هَذَا إنَّمَا يَتِمُّ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمَكْتُوبَةِ الْمُؤَدَّاةِ بِالْجَمَاعَةِ وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلًّا مِنْ صَلَاتِهِ وَحُضُورِهِ إيَّاهَا لَيْسَ بِمَقْصُورٍ عَلَى ذَلِكَ فَإِنَّهُ كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهَا النَّوَافِلَ لَيْلًا وَنَهَارًا وَغَيْرَهَا فِي بَعْضِ الْأَحْيَانِ فَهِيَ تَعْلَمُ ذَلِكَ وَغَيْرَهُ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْأَذْكَارِ بِلَا اشْتِبَاهٍ إنْ لَمْ تَكُنْ أَكْمَلَ عِلْمًا مِنْ غَيْرِهَا بِهِ فَكَمِثْلِهِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ رَوَى ذَلِكَ مَعَهَا سَلَمَةُ بْنُ الْأَكْوَعِ وَسَهْلُ بْنُ سَعْدٍ وَسَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ فَالْأَوْلَى فِي الْجَوَابِ أَنَّ فِي أَحَادِيثِ التَّسْلِيمِ مَرَّةً وَاحِدَةً ضَعْفًا إذْ فِي حَدِيثِ عَائِشَةَ زُهَيْرُ بْنُ مُحَمَّدٍ ضَعَّفَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ الْبُخَارِيُّ يَرْوِي مَنَاكِيرَ وَفِي حَدِيثِ سَلَمَةَ يَحْيَى بْنِ رَاشِدٍ قَالَ ابْنُ مَعِينٍ لَيْسَ بِالْقَوِيِّ وَقَالَ النَّسَائِيّ ضَعِيفٌ
النِّسَاءِ وَالتَّسْلِيمَةُ الثَّانِيَةُ أَخْفَضُ مِنْ الْأُولَى وَهُوَ الْأَحْسَنُ فَلَعَلَّهَا خُفِيَتْ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا يُسَلِّمُ عَنْ يَمِينِهِ مَا لَمْ يَتَكَلَّمْ وَلَا يُعِيدُ السَّلَامَ عَنْ يَسَارِهِ وَلَوْ سَلَّمَ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ يُسَلِّمُ عَنْ يَسَارِهِ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه، وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي بِكُلِّ تَسْلِيمَةٍ مَنْ فِي تِلْكَ الْجِهَةِ مِنْ الرِّجَالِ وَالنِّسَاءِ وَالْحَفَظَةِ الْحَاضِرِينَ الَّذِينَ لَهُمْ شَرِكَةٌ فِي صَلَاتِهِ؛ لِأَنَّ الْأَعْمَالَ بِالنِّيَّاتِ وَهُوَ لَمَّا اشْتَغَلَ بِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ صَارَ بِمَنْزِلَةِ الْغَائِبِ عَنْهُمْ فَيُسَلِّمُ عَلَيْهِمْ عِنْدَ التَّحَلُّلِ؛ لِأَنَّهُ صَارَ حَاضِرًا وَقَالُوا لَا يَنْوِي النِّسَاءَ فِي زَمَانِنَا لِعَدَمِ حُضُورِهِنَّ الْجَمَاعَةَ وَلِكَرَاهِيَتِهِ وَإِنَّمَا خُصَّ الْحَاضِرُونَ؛ لِأَنَّهُ لَا يَصْلُحُ خِطَابًا لِلْغَائِبَيْنِ وَقِيلَ يَنْوِي بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ جَمِيعَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْحَاكِمِ الشَّهِيدِ؛ لِأَنَّهُ بِالتَّحْرِيمَةِ حَرُمَ عَلَيْهِ الْكَلَامُ مَعَ جَمِيعِ النَّاسِ فَصَارَ كَالْغَائِبِ عَنْ جَمِيعِهِمْ قَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ هَذَا عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ، أَمَّا فِي سَلَامِ التَّحْلِيلِ فَيَخُصُّ الْحَاضِرِينَ لِأَجْلِ الْخِطَابِ هُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ قَالَ: إنْ كَانَ الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ نَوَاهُ فِيهِ وَإِنْ كَانَ يُحَاذِيهِ نَوَاهُ فِيهِمَا وَهُوَ الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ وَالْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ أَوْ فِيهِمَا أَيْ نَوَى الْإِمَامُ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْ فِي الْأَيْسَرِ إنْ كَانَ فِيهِمْ أَوْ فِيهِمَا فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ بِحِذَائِهِ؛ لِأَنَّهُ ذُو حَظٍّ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَنْوِيهِ فِي الْجَانِبِ الْأَيْمَنِ تَرْجِيحًا لِلْأَيْمَنِ وَلِلسَّبْقِ قَالَ رحمه الله (وَالْإِمَامُ يَنْوِي الْقَوْمَ بِالتَّسْلِيمَتَيْنِ) وَقِيلَ: لَا يَنْوِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ وَقِيلَ: يَنْوِي بِالْأُولَى لَا غَيْرُ وَالصَّحِيحُ الْأَوَّلُ؛ لِأَنَّ التَّسْلِيمَةَ الْأُولَى لِلتَّحِيَّةِ وَالْخُرُوجِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالثَّانِيَةَ لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ وَالْمُنْفَرِدُ يَنْوِي الْحَفَظَةَ فَقَطْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مَعَهُ غَيْرُهُمْ وَلَا يَنْوِي فِي الْمَلَائِكَةِ عَدَدًا مَحْصُورًا؛ لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اُخْتُلِفَتْ فَأَشْبَهَ الْإِيمَانَ بِالْأَنْبِيَاءِ - صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ -، ثُمَّ قَدَّمَ الْقَوْمَ بِالذِّكْرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ فِي الْمُخْتَصَرِ كَمَا هُوَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ. وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ بِعَكْسِهِ وَلَا يَتَعَلَّقُ بِذَلِكَ حُكْمٌ؛ لِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِي التَّرْتِيبَ وَمِنْهُمْ مَنْ ظَنَّ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ الْأَوَّلِ فِي تَفْضِيلِ الْمَلَائِكَةِ عَلَى الْبَشَرِ وَهُوَ قَوْلُ الْمُعْتَزِلَةِ وَالْفَلَاسِفَةِ وَاخْتَارَهُ الْبَاقِلَّانِيُّ وَالْحَلِيمِيُّ وَمَا ذَكَرَهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ الْأَخِيرِ فِي تَفْضِيلِ الْبَشَرِ عَلَى الْمَلَائِكَةِ وَهُوَ قَوْلُ أَهْلِ السُّنَّةِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا وَيُرْوَى عَنْهُ التَّوَقُّفُ فِيهِ. وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ الْمُخْتَارُ عِنْدَنَا أَنَّ خَوَاصَّ بَنِي آدَمَ وَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامُّ بَنِي آدَمَ مِنْ الْأَتْقِيَاءِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصُّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ بَنِي آدَمَ وَشَرَحَهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ.
قَالَ رحمه الله (وَجَهَرَ بِقِرَاءَةِ الْفَجْرِ) أَيْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَفِي حَدِيثِ سَهْلٍ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَيَّاشٍ قَالَ ابْنُ حِبَّانَ بَطَلَ الِاحْتِجَاجُ بِهِ وَضَعَّفَهُ أَيْضًا غَيْرُهُ وَفِي حَدِيثِ سَمُرَةَ رَوْحِ بْنِ عَطَاءٍ تَرَكَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَقَالَ أَحْمَدُ مُنْكَرُ الْحَدِيثِ. اهـ. نَقَلَ مِنْ حَاشِيَةٍ بِخَطِّ الْعَلَّامَةِ ابْنِ أَمِيرِ حَاجٍّ الْحَلَبِيِّ رحمه الله (قَوْلُهُ: فَلَعَلَّهَا خَفِيَتْ إلَى آخِرِهِ) وَلِأَنَّ فِي أَحَادِيثِنَا زِيَادَةً صَحِيحَةً وَهِيَ مَقْبُولَةٌ مِنْ الْعَدْلِ؛ وَلِأَنَّ الْمُثْبِتَ أَوْلَى مِنْ النَّافِي لِلزِّيَادَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَلَوْ سَلَّمَ عَنْ يَسَارِهِ أَوَّلًا إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: وَأَمَّا النِّيَّةُ فَيَنْوِي) لِأَنَّ السَّلَامَ قُرْبَةٌ مِنْ وَجْهٍ فَلَا بُدَّ فِيهِ مِنْ النِّيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْمُحِيطِ والمرغيناني وَالْمُخْتَارُ أَنْ يَكُونَ السَّلَامُ فِي التَّشَهُّدِ وَالتَّسْلِيمِ بِالْأَلِفِ وَاللَّامِ وَتَكُونَ الثَّانِيَةُ أَخْفَضَ مِنْ الْأُولَى وَلِهَذَا خَفِيَتْ عَلَى مَنْ كَانَ بَعِيدًا عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: هَذَا عِنْدَنَا فِي سَلَامِ التَّشَهُّدِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا قَالَ الْعَبْدُ السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ أَصَابَ كُلَّ عَبْدٍ صَالِحٍ مِنْ أَهْلِ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ» . اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ لَا يَنْوِيهِمْ؛ لِأَنَّهُ يُشِيرُ إلَيْهِمْ بِالسَّلَامِ) وَالْإِشَارَةُ فَوْقَ النِّيَّةِ فَلَا حَاجَةَ إلَى النِّيَّةِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِلتَّسْوِيَةِ بَيْنَ الْقَوْمِ فِي التَّحِيَّةِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْحَاوِي لَوْ اقْتَدَى بِهِ بَعْدَ قَوْلِ الْإِمَامِ السَّلَامُ قَبْلَ قَوْلِهِ عَلَيْكُمْ لَا يَصِيرُ دَاخِلًا فِي صَلَاتِهِ قَالَ فِي التُّحْفَةِ هَذَا فِي حَقِّ الْإِمَامِ وَالْمُقْتَدِي وَالْمُنْفَرِدِ وَفِي الْقُنْيَةِ هَذَا عِنْدَ الْعَامَّةِ وَقِيلَ لَا يَخْرُجُ إلَّا بِهِمَا حَتَّى لَوْ أَدْرَكَ الْإِمَامَ بَعْدَ الْأُولَى قَبْلَ الثَّانِيَةِ فَقَدْ أَدْرَكَ الصَّلَاةَ مَعَهُ هَكَذَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ فِيهَا بَعْدَ هَذَا بِأَسْطُرٍ مَا نَصُّهُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ يَخْرُجُ مِنْ الصَّلَاةِ بِالتَّسْلِيمَةِ الْأُولَى كَقَوْلِنَا فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ. اهـ. وَمَا نَقَلَهُ فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَاوِي نَقَلَهُ فِي الدِّرَايَةِ عَنْ النَّوَازِلِ، ثُمَّ قَالَ فَثَبَتَ بِهَذَا أَنَّ الْخُرُوجَ لَا يَتَوَقَّفُ عَلَى عَلَيْكُمْ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ ثُمَّ قِيلَ الثَّانِيَةُ سُنَّةٌ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا وَاجِبَةٌ كَالْأُولَى. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَخْبَارَ فِي عَدَدِهِمْ قَدْ اخْتَلَفَتْ) فَفِي بَعْضِهَا مَا كَانَ وَهْمًا الْكَاتِبَانِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ مَعَ كُلِّ مُؤْمِنٍ خَمْسٌ مِنْ الْحَفَظَةِ وَاحِدٌ عَنْ يَمِينِهِ يَكْتُبُ الْحَسَنَاتِ وَوَاحِدٌ عَنْ يَسَارِهِ يَكْتُبُ السَّيِّئَاتِ وَوَاحِدٌ أَمَامَهُ يُلْقِيهِ إلَى الْخَيْرَاتِ وَوَاحِدٌ وَرَاءَهُ يَدْفَعُ عَنْهُ الْمَكَارِهَ وَآخَرُ عِنْدَ نَاصِيَتِهِ يَكْتُبُ مَا يُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَيُبَلِّغُهُ إلَى الرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام وَقِيلَ سِتُّونَ وَقِيلَ مِائَةٌ وَسِتُّونَ. اهـ. وَأَنَّ عَدَدَهُمْ لَيْسَ بِمَعْلُومٍ لَنَا قَطْعًا فَيَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ آمَنْت بِجَمِيعِ الْأَنْبِيَاءِ أَوَّلِهِمْ آدَم عليه السلام وَآخِرُهُمْ مُحَمَّدٌ عليه الصلاة والسلام. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَمَا زَعَمُوا لِمَا قُلْنَا إلَى آخِرِهِ) وَفِي جَامِعِ الْكُرْدِيِّ خَلَقَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآدَمِيِّ الْعَقْلَ وَالشَّهْوَةَ وَفِي الْمَلَائِكَةِ الْعَقْلَ دُونَ الشَّهْوَةِ وَفِي الْبَهَائِمِ الشَّهْوَةَ دُونَهُ فَمَنْ سَلَّطَ مِنَّا عَقْلَهُ عَلَى شَهْوَتِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى عَقْلِهِ وَتَرَكَ الْعَمَلَ بِمُوجِبِ شَهْوَتِهِ فَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْمَلَائِكَةِ وَإِنْ سَلَّطَ شَهْوَتَهُ عَلَى عَقْلِهِ وَعَمِلَ بِمُقْتَضَى شَهْوَتِهِ لَا عَقْلِهِ فَهُوَ مِنْ الْبَهَائِمِ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى {أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ} [الأعراف: 179] فَكَانَ الْمُؤْمِنُ الْمُتَّقِي أَفْضَلَ مِنْهَا عِنْدَ أَهْلِ السُّنَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَشَرْحُهُ فِي عِلْمِ الْكَلَامِ) قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَعِنْدَ أَكْثَرِ الْمَشَايِخِ مِنْ أَهْلِ السُّنَّةِ أَنَّ خَوَاصَّ الْبَشَرِ
الْإِمَامُ (وَأُولَى الْعِشَاءَيْنِ وَلَوْ قَضَاءً وَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا كَمُتَنَفِّلٍ بِالنَّهَارِ)؛ لِأَنَّهُ الْمَأْثُورُ الْمُتَوَارَثُ مِنْ لَدُنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم إلَى يَوْمِنَا هَذَا وَلَا يُجْهِدُ نَفْسَهُ فِي الْجَهْرِ، وَكَذَا يَجْهَرُ فِي التَّرَاوِيحِ وَالْوِتْرِ إذَا كَانَ إمَامًا لِلتَّوَارُثِ قَالَ رحمه الله (وَخُيِّرَ الْمُنْفَرِدُ فِيمَا يَجْهَرُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ) أَيْ إنْ شَاءَ جَهَرَ وَهُوَ أَفْضَلُ لِيَكُونَ الْأَدَاءُ عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ وَلِهَذَا كَانَ أَدَاؤُهُ بِأَذَانٍ وَإِقَامَةٍ أَفْضَلُ وَرُوِيَ فِي الْخَبَرِ أَنَّ «مَنْ صَلَّى عَلَى هَيْئَةِ الْجَمَاعَةِ صَلَّتْ بِصَلَاتِهِ صُفُوفٌ مِنْ الْمَلَائِكَةِ» وَلَكِنْ لَا يُبَالِغُ فِي الْجَهْرِ مِثْلَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسْمِعُ غَيْرَهُ وَإِنْ شَاءَ خَافَتَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ خَلْفَهُ مَنْ يَسْمَعُهُ وَقَوْلُهُ فِيمَا يَجْهَرُ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ لَا يُخَيَّرُ فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ فِيهِ حَتْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ يَتَحَتَّمُ عَلَيْهِ الْمُخَافَتَةُ فَالْمُنْفَرِدُ أَوْلَى، وَذَكَرَ عِصَامُ بْنُ يُوسُفَ فِي مُخْتَصَرِهِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ يُخَيَّرُ فِيمَا يُخَافِتُ أَيْضًا اسْتِدْلَالًا بِعَدَمِ وُجُوبِ سُجُودِ السَّهْوِ عَلَيْهِ إنْ جَهَرَ وَلَيْسَ بِشَيْءٍ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ إنَّمَا وَجَبَ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ؛ لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ؛ لِأَنَّهُ ارْتَكَبَ الْجَهْرَ وَالْإِسْمَاعَ بِخِلَافِ الْمُنْفَرِدِ وَالْمُرَادُ بِقَوْلِهِ فِيمَا يَجْهَرُ جَهْرُ الْإِمَامِ وَفِيهِ إشَارَةٌ إلَى أَنَّهُ إذَا فَاتَتْهُ صَلَاةٌ يَجْهَرُ فِيهَا يُخَيَّرُ الْمُنْفَرِدُ كَمَا كَانَ فِي الْوَقْتِ وَالْجَهْرُ أَفْضَلُ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ فَلَا يُخَالِفُهُ فِي الْوَصْفِ وَهُوَ اخْتِيَارُ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ؛ وَفَخْرِ الْإِسْلَامِ وَجَمَاعَةٍ مِنْ الْمُتَأَخِّرِينَ وَقَالَ قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَهُوَ الْأَصَحُّ وَاخْتَارَ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ الْإِخْفَاءَ فِيهِ حَتْمًا بِخِلَافِ مَا اخْتَارُوهُ وَقَوْلُهُ كَمُتَنَفِّلٍ بِاللَّيْلِ يَعْنِي بِهِ الْمُنْفَرِدَ؛ لِأَنَّ النَّوَافِلَ أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا فَيُخَيَّرُ فِيهَا الْمُنْفَرِدُ كَمَا يُخَيَّرُ فِي الْفَرَائِضِ وَإِنْ كَانَ إمَامًا جَهَرَ لِمَا ذَكَرْنَا أَنَّهَا أَتْبَاعُ الْفَرَائِضِ وَلِهَذَا يُخْفِي فِي نَوَافِلِ النَّهَارِ وَلَوْ كَانَ إمَامًا، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي حَدِّ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ فَقَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ غَيْرَهُ وَالْمُخَافَتَةُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَقَالَ الْكَرْخِيُّ الْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ نَفْسَهُ وَالْمُخَافَتَةُ تَصْحِيحُ الْحُرُوفِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ فِعْلُ اللِّسَانِ دُونَ الصِّمَاخِ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مُجَرَّدَ حَرَكَةِ اللِّسَانِ لَا تُسَمَّى قِرَاءَةً بِدُونِ الصَّوْتِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالنُّطْقِ كَالتَّسْمِيَةِ عَلَى الذَّبِيحَةِ وَوُجُوبِ السَّجْدَةِ بِالتِّلَاوَةِ وَالْعَتَاقِ وَالطَّلَاقِ وَالِاسْتِثْنَاءِ.
قَالَ رحمه الله (وَلَوْ تَرَكَ السُّورَةَ فِي أُولَيَيْ الْعِشَاءِ)(قَرَأَهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ مَعَ الْفَاتِحَةِ جَهْرًا وَلَوْ تَرَكَ الْفَاتِحَةَ لَا) أَيْ لَا يَقْضِيهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ فَصَارَ كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ وَرَمْيِ الْجِمَارِ وَالْأُضْحِيَّةِ؛ وَلِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعَةٍ فَلَا يُمْكِنُ الْإِتْيَانُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَهُمْ الْمُرْسَلُونَ أَفْضَلُ مِنْ جَمِيعِ الْمَلَائِكَةِ وَخَوَاصَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَاطِ الْبَشَرِ وَأَوْسَاطَ الْبَشَرِ أَفْضَلُ مِنْ أَوْسَاطِ الْمَلَائِكَةِ وَعَوَامَّ الْمَلَائِكَةِ أَفْضَلُ مِنْ عَوَامِّ الْبَشَرِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَيُسِرُّ فِي غَيْرِهَا) وَلَوْ قَضَاءً فَإِنَّهُمْ قَالُوا إنَّ صَلَاةَ اللَّيْلِ إذَا قُضِيَتْ فِي النَّهَارِ بِجَمَاعَةٍ يَجْهَرُ فِيهَا وَصَلَاةُ النَّهَارِ إذَا قُضِيَتْ فِي اللَّيْلِ بِجَمَاعَةٍ يُخَافِتُ فِيهَا. اهـ. مُسْتَوْفَى ش بَزْدَوِيٌّ وَالثَّانِي فِي قَاضِي خَانْ إنْ أَمَّ لَيْلًا فِي صَلَاةِ النَّهَارِ يُخَافِتُ وَلَا يَجْهَرُ وَإِنْ جَهَرَ سَاهِيًا عَلَيْهِ السَّهْوُ. اهـ. خُلَاصَةٌ فِي السَّهْوِ وَلَوْ أَمَّ فِي التَّطَوُّعِ فِي اللَّيْلِ فَخَافَتَ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ أَسَاءَ وَإِنْ كَانَ سَاهِيًا فَعَلَيْهِ السَّهْوُ. اهـ. قَاضِي خَانْ (قَوْلُهُ: فِيمَا لَا يَجْهَرُ فِيهِ بَلْ يُخَافِتُ إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ فِي الْكِفَايَةِ أَنَّ الْمُنْفَرِدَ إذَا جَهَرَ فِيمَا يُخَافِتُ لَا سَهْوَ عَلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَتْرُكْ وَاجِبًا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمُخَافَتَةَ إنَّمَا وَجَبَتْ لِنَفْيِ الْمُغَالَطَةِ وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى هَذَا فِي صَلَاةٍ تُؤَدَّى عَلَى سَبِيلِ الشُّهْرَةِ وَالْمُنْفَرِدُ يُؤَدِّي عَلَى سَبِيلِ الْخَفِيَّةِ فَلَمْ تَكُنْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَيْهِ، وَكَذَا ذَكَرَ فِي النِّهَايَةِ وَفِيهَا أَنَّ فِي رِوَايَةِ النَّوَادِرِ يَجِبُ عَلَيْهِ سُجُودُ السَّهْوِ (قَوْلُهُ: حَتْمًا وَهُوَ الصَّحِيحُ) أَيْ وَلَوْ جَهَرَ يَكُونُ مُسِيئًا كَذَا ذَكَرَهُ الْحَسَنُ بْنُ زِيَادٍ فِي كِتَابِ الصَّلَاةِ. اهـ.
قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي رِوَايَةِ الْأَصْلِ قَالَ الْمُنْفَرِدُ يُخَافِتُ لَا مَحَالَةَ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْأَفْضَلُ فِي نَوَافِلِ اللَّيْلِ أَنْ تَكُونَ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّ جِنَايَتَهُ أَعْظَمُ إلَى آخِرِهِ) وَفِي هَذَا الدَّفْعِ نَظَرٌ ظَاهِرٌ إذْ لَا يُنْكَرُ أَنَّ وَاجِبًا قَدْ يَكُونُ آكَدَ مِنْ وَاجِبٍ لَكِنْ لَمْ يُنَطْ وُجُوبُ السَّهْوِ إلَّا بِتَرْكِ الْوَاجِبِ لَا بِآكَدِ الْوَاجِبَاتِ أَوْ بِرُتْبَةٍ مَخْصُوصَةٍ مِنْهُ فَحَيْثُ كَانَتْ الْمُخَافَتَةُ وَاجِبَةً عَلَى الْمُنْفَرِدِ يَنْبَغِي أَنْ يَجِبَ بِتَرْكِهَا السُّجُودُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: لِكَوْنِهَا مُكَمِّلَاتٍ لَهَا إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ فِي مَعْنَى التَّكْمِيلِ وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ لِلْمَتْرُوكَاتِ مِنْ الْفَرَائِضِ عَلَى مَا وَرَدَ أَنَّ الْعَبْدَ أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ عَلَى الصَّلَوَاتِ فَإِنْ كَانَ تَرَكَ مِنْهَا شَيْئًا يُقَالُ اُنْظُرُوا إلَى عَبْدِي هَلْ تَجِدُونَ لَهُ نَافِلَةً فَإِنْ وُجِدَتْ كَمَّلَتْ الْفَرَائِضَ مِنْهَا وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ وَالثَّانِي أَنَّهَا مُكَمِّلَاتٌ لِمَا دَخَلَهَا مِنْ النَّقْصِ بِالسَّهْوِ وَالْغَفْلَةِ بِتَرْكِ سُنَنِهَا وَوَاجِبَاتِهَا وَتَرْكِ الْخُشُوعِ فِيهَا فَهَذَا تَكْمِيلٌ لِنَقْصِ الصِّفَةِ دُونَ الْعَدَدِ الْأَصْلِيِّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: الْهِنْدُوَانِيُّ) بِكَسْرِ الْهَاءِ قَلْعَةٌ بِبَلْخٍ وَالشَّيْخُ الْفَقِيهُ أَبُو جَعْفَرٍ يُنْسَبُ إلَيْهَا. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالْعَتَاقُ وَالطَّلَاقُ) أَيْ فَلَا يَقَعُ الطَّلَاقُ وَالْعَتَاقُ وَلَا يَصِحُّ الِاسْتِثْنَاءُ مَا لَمْ يَكُنْ مَسْمُوعًا لَهُ اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ، وَكَذَا الْإِيلَاءُ وَالْبَيْعُ عَلَى الْخِلَافِ وَقِيلَ الصَّحِيحُ فِي الْبَيْعِ أَنْ يُسْمِعَ الْمُشْتَرِيَ وَفِي النِّصَابِ سُئِلَ الْفَضْلِيُّ عَنْ الْإِمَامِ يُسْمِعُ قِرَاءَتَهُ رَجُلًا أَوْ رَجُلَيْنِ فِي صَلَاةِ الْمُخَافَتَةِ قَالَ لَا يَكُونُ جَهْرًا وَالْجَهْرُ أَنْ يُسْمِعَ الْكُلَّ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: لَا يَجِبُ إلَّا بِدَلِيلٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ كَالْجَهْرِ فِي الْقَضَاءِ بِجَمَاعَةٍ لِقِيَامِ الدَّلِيلِ عَلَيْهِ وَهُوَ جَهْرُهُ عليه الصلاة والسلام فِي قَضَاءِ الْفَجْرِ وَكَالْوِتْرِ يُقْضَى بَعْدَ خُرُوجِ وَقْتِهِ فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَضَاهُ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالدَّلِيلُ شَرْعِيَّةُ مَالِهِ لِيَصْرِفَهُ إلَى مَا عَلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ صَرْفُ مَالِهِ إلَى مَا عَلَيْهِ وَالسُّورَةُ فِي الْأُخْرَيَيْنِ غَيْرُ مَشْرُوعٍ فَلَمْ يُوجَدْ الدَّلِيلُ فَلَا يَقْضِي كَمَا إذَا فَاتَ تَكْبِيرَاتُ التَّشْرِيقِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: كَالْجُمُعَةِ وَالْعِيدَيْنِ) أَيْ وَتَكْبِيرَاتُ التَّشْرِيقِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَالْأُضْحِيَّةُ) أَيْ بَعْدَ خُرُوجِ أَيَّامِهَا. اهـ. غَايَةٌ
بِهَا وَلَهُمَا وَهُوَ الْفَرْقُ بَيْنَ الْوَجْهَيْنِ أَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ فِي الشَّفْعِ الثَّانِي مَشْرُوعَةٌ فَإِذَا قَرَأَهَا مَرَّةً وَقَعَتْ عَنْ الْأَدَاءِ؛ لِأَنَّهَا أَقْوَى لِكَوْنِهَا فِي مَحَلِّهَا وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ بِخِلَافِ السُّورَةِ فَإِنَّ الشَّفْعَ الثَّانِيَ لَيْسَ مَحَلًّا لَهَا أَدَاءً فَجَازَ أَنْ يَقَعَ قَضَاءً؛ لِأَنَّهُ مَحَلُّ الْقَضَاءِ؛ وَلِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ شُرِعَتْ عَلَى وَجْهٍ يَتَرَتَّبُ عَلَيْهَا السُّورَةُ فَلَوْ قَضَاهَا فِي الْأُخْرَيَيْنِ تَتَرَتَّبُ الْفَاتِحَةُ عَلَى السُّورَةِ وَهَذَا خِلَافُ الْمَشْرُوعِ بِخِلَافِ مَا إذَا تَرَكَ السُّورَةَ؛ لِأَنَّهُ أُمْكِنَ قَضَاؤُهَا عَلَى الْوَجْهِ الْمَشْرُوعِ، ثُمَّ ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ كَمَا ذَكَرَ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ قَوْلُهُ قَرَأَهَا وَقَوْلُهُ جَهْرًا؛ لِأَنَّ الْجَهْرَ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ وَفِي الْأَصْلِ ذَكَرَ بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يَقْضِيَهَا؛ لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ وَاجِبَةً فِي أَصْلِ الْوَضْعِ فَغَيْرُ مَوْصُولَةٍ بِالْفَاتِحَةِ الْوَاجِبَةِ فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ. وَيَجْهَرُ الْإِمَامُ بِالسُّورَةِ دُونَ الْفَاتِحَةِ فِيمَا يُرْوَى عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهُ مُؤَدٍّ فِي الْفَاتِحَةِ قَاضٍ فِي السُّورَةِ فَتُرَاعَى صِفَةُ كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا فِي أَصْلِ وَضْعِهِ وَلَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْمُخَافَتَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ؛ لِأَنَّ الْقَضَاءَ يَلْتَحِقُ بِمَحَلِّ الْأَدَاءِ فَتَخْلُو الْأُخْرَتَانِ عَنْ قِرَاءَةِ السُّورَةِ فِي الْحُكْمِ، أَلَا تَرَى أَنَّ الْإِمَامَ إذَا لَمْ يَقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ وَاقْتَدَى بِهِ رَجُلٌ فِي الْأُخْرَيَيْنِ وَجَبَ عَلَى الرَّجُلِ أَنْ يَقْرَأَ إذَا قَامَ لِلْقَضَاءِ حَتَّى لَوْ لَمْ يَقْرَأْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّ مَا أَدْرَكَهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا الْتَحَقَ بِالْأُولَيَيْنِ فَخَلَتْ الرَّكْعَتَانِ عَنْ الْقِرَاءَةِ فَكَذَا هَذَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَا يَجْهَرُ أَصْلًا؛ لِأَنَّهُ لَوْ جَهَرَ بِالسُّورَةِ وَحْدَهَا لَا يَكُونُ جَمْعًا بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ حَقِيقَةً وَهُوَ شَنِيعٌ فَتَغْيِيرُ السُّورَةِ أَوْلَى؛ لِأَنَّ الْفَاتِحَةَ فِي مَحَلِّهَا وَهِيَ أَسْبَقُ أَيْضًا وَلَيْسَتْ بِتَبَعٍ لِلسُّورَةِ بِخِلَافِ السُّورَةِ وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا؛ لِأَنَّ السُّورَةَ وَاجِبَةٌ وَالْفَاتِحَةَ فِيهِمَا نَفْلٌ فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ لِمَا بَيَّنَّا كَانَ تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى، ثُمَّ يُقَدِّمُ السُّورَةَ عَلَى الْفَاتِحَةِ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهَا مُلْحَقَةٌ بِالْأُولَيَيْنِ فَكَانَ تَقْدِيمُهَا أَوْلَى وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ يُقَدِّمُ الْفَاتِحَةَ وَهُوَ الْأَشْبَهُ وَأَقَلُّ تَغْيِيرًا. وَلَهُ أَنْ يَتْرُكَ الْفَاتِحَةَ وَيَقْرَأَ السُّورَةَ عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ فِي الْأُخْرَيَيْنِ فَبِتَرْكِ السُّورَةِ فِي الْأُولَيَيْنِ لَا تَنْقَلِبُ وَاجِبَةً وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَيْسَ لَهُ ذَلِكَ لِتَقَعَ السُّورَةُ بَعْدَ الْفَاتِحَةِ عَلَى سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ وَلَوْ قَرَأَ السُّورَةَ فِي الْأُولَى أَوْ الثَّانِيَةِ وَنَسِيَ الْفَاتِحَةَ فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ، ثُمَّ يَقْرَأُ السُّورَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَتْرُكُ الْفَاتِحَةَ وَيَرْكَعُ؛ لِأَنَّ فِيهِ نَقْضَ الْفَرْضِ بَعْدَ التَّمَامِ لِأَجْلِ الْوَاجِبِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ السُّورَةِ وَقَعَتْ فَرْضًا وَالْفَاتِحَةُ وَاجِبَةٌ وَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّ نَقْضَ الْفَرْضِ لِأَجْلِ الْفَرْضِ جَائِزٌ وَالْفَاتِحَةُ إذَا قُرِئَتْ تَصِيرُ فَرْضًا فَصَارَ كَمَا لَوْ تَذَكَّرَ السُّورَةَ وَهُوَ فِي الرُّكُوعِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ.
قَالَ رحمه الله (وَفَرْضُ الْقِرَاءَةِ آيَةٌ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا ثَلَاثُ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٌ طَوِيلَةٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يُسَمَّى قَارِئًا عُرْفًا بِدُونِهِ فَأَشْبَهَ مَا دُونَ الْآيَةِ وَلَهُ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ} [المزمل: 20] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ إلَّا أَنَّ مَا دُونَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَلَوْ كَرَّرَهَا خَالَفَ الْمَشْرُوعَ) أَيْ؛ لِأَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي قِيَامٍ وَاحِدٍ غَيْرُ مَشْرُوعٍ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ لَكِنْ ذَكَرَ فِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ أَنَّ تَكْرَارَ الْفَاتِحَةِ فِي التَّطَوُّعِ لَا يُكْرَهُ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِي مِثْلِهِ. اهـ. قَالَ ابْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ رحمه الله وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِثُبُوتِ ذَلِكَ. اهـ.
(قَوْلُهُ: ذَكَرَ هُنَا مَا يَدُلُّ عَلَى الْوُجُوبِ) أَيْ وُجُوبِ قَضَاءِ السُّورَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْجَهْرَ صِفَةُ الْقِرَاءَةِ الْوَاجِبَةِ) أَيْ أَوْ لِأَنَّهُ إخْبَارٌ وَنَصٌّ فِي الرِّوَايَةِ فَيَكُونُ كَالْوُجُوبِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِلَفْظِ الِاسْتِحْبَابِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ أَصْرَحُ فَيَجِبُ التَّعْوِيلُ عَلَيْهِ فِي الرِّوَايَةِ. اهـ. قَالَ الْعَلَّامَةُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَمْ يَقَعْ الْجَوَابُ عَنْ قَوْلِهِ إذَا فَاتَتْ عَنْ مَحَلِّهِ لَا يَقْضِي إلَّا بِدَلِيلٍ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْمَسْأَلَةَ مُرَبَّعَةٌ وَظَاهِرُ الرِّوَايَةِ مَا ذُكِرَ وَعَكْسُهُ قَوْلُ عِيسَى بْنِ أَبَانَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا يَقْضِي وَاحِدَةً مِنْهُمَا وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ يَقْضِيهِمَا. اهـ.
قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ عِيسَى بْنُ أَبَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ الْجَوَابُ فِي الْمَسْأَلَةِ عَلَى الْعَكْسِ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْفَاتِحَةِ وَاجِبَةٌ وَقِرَاءَةَ السُّورَةِ غَيْرُ وَاجِبَةٍ وَالْوَاجِبُ أَوْلَى بِالْقَضَاءِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَقَالَ أَحَبُّ إلَيَّ) أَيْ إذَا تَرَكَ السُّورَةَ فِي الْأُولَيَيْنِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: أَنْ يَقْضِيَهَا) أَيْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ بِلَفْظَةِ أَفْعَلِ التَّفْضِيلِ فِي الْمَحَبَّةِ عِنْدَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا وَإِنْ كَانَتْ) هَذَا وَجْهُ الْأَحَبِّيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَلَمْ يُمْكِنْ مُرَاعَاةُ مَوْضُوعِهَا إلَى آخِرِهِ) وَاَلَّذِي يُقَوِّي عَدَمَ الْوُجُوبِ أَنَّ قَوْلَهُ أَحَبُّ إلَيَّ ظَاهِرٌ فِي نَفْيِ الْوُجُوبِ وَقَوْلُهُ: وَجَهَرَ مُحْتَمَلٌ فَيَنْبَغِي أَنْ يُحْمَلَ الْمُحْتَمَلُ عَلَى الظَّاهِرِ لِمَا عُرِفَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: دُونَ الْفَاتِحَةِ) أَيْ وَهَكَذَا رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سِمَاعَةَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ. اهـ. غَايَةٌ وَصَحَّحَ هَذَا الْقَوْلَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَجَعَلَهُ شَيْخُ الْإِسْلَامِ الظَّاهِرَ مِنْ الْجَوَابِ. اهـ. كَمَالٌ (قَوْلُهُ: فَيُرَاعِي صِفَةَ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ هَذَا الْكَلَامُ أَخَذَهُ الشَّارِحُ رحمه الله مِنْ الْغَايَةِ وَقَدْ أَسْقَطَ مِنْ الْبَيْنِ قَبْلَ قَوْلِهِ جَمْعًا شَيْئًا لَا يَتَّضِحُ الْكَلَامُ إلَّا بِهِ وَهُوَ لَا يَكُونُ فَتَنَبَّهْ لِذَلِكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. قُلْت وَقَدْ وَقَفْت عَلَى نُسْخَةٍ قُوبِلَتْ عَلَى نُسْخَةِ الْمُصَنِّفِ وَقَدْ أَثْبَتَ فِيهَا قَوْلَهُ وَلَا يَكُونُ وَقَدْ أَثْبَتَهَا عَلَى الْهَامِشِ وَكَتَبْت عَلَيْهَا صَحَّ. اهـ. (قَوْلُهُ: فَخَلَتْ الرَّكْعَتَانِ) أَيْ اللَّتَانِ اقْتَدَى بِهِ فِيهِمَا. اهـ.
(قَوْلُهُ: بِخِلَافِ السُّورَةِ) أَيْ فَإِنَّهَا تَبَعٌ وَالتَّبَعُ لَا يُخَالِفُ الْأَصْلَ فَيُخَافِتُ بِالسُّورَةِ تَبَعًا لِلْفَاتِحَةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَفِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ يَجْهَرُ بِهِمَا) وَفِي الْهِدَايَةِ وَيَجْهَرُ بِهِمَا هُوَ الصَّحِيحُ (قَوْلُهُ: وَالْفَاتِحَةُ فِيهِمَا نَفْلٌ) أَيْ فِي الْأُخْرَيَيْنِ (قَوْلُهُ: فَلَمَّا تَعَذَّرَ الْجَمْعُ) أَيْ بَيْنَ الْجَهْرِ وَالْإِخْفَاءِ فِي رَكْعَةٍ. اهـ. (قَوْلُهُ: كَانَ تَغْيِيرُ النَّفْلِ أَوْلَى) لِأَنَّ النَّفَلَ قَابِلٌ لِلتَّغْيِيرِ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ شَرَعَ خَلْفَ إمَامٍ يُصَلِّي الظُّهْرَ فِي رَكْعَتَيْنِ تَلْزَمُهُ أَرْبَعٌ، وَكَذَا لَوْ اقْتَدَى بِالْإِمَامِ فِي الْمَغْرِبِ يُصَلِّي أَرْبَعًا وَيَضُمُّ إلَيْهَا رَكْعَةً أُخْرَى حَتَّى لَا يَتَنَفَّلَ بِالثَّلَاثِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَإِنَّهُ يَبْدَأُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ) أَيْ فِي تِلْكَ الرَّكْعَةِ. اهـ. .
الْآيَةِ خَارِجٌ وَالْآيَةُ لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّ الْآيَةَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً وَحُكْمًا أَمَّا حَقِيقَةً فَظَاهِرٌ، وَأَمَّا حُكْمًا فَإِنَّهَا تَحْرُمُ عَلَى الْجُنُبِ وَالْحَائِضِ قِرَاءَتُهَا بِخِلَافِ مَا دُونَ الْآيَةِ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ وَهُوَ أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ عِنْدَهُ أَوْلَى مِنْ الْمَجَازِ الْمُتَعَارَفِ وَعِنْدَهُمَا الْمَجَازُ الْمُتَعَارَفُ أَوْلَى وَلَوْ كَانَتْ الْآيَةُ كَلِمَةً مِثْلُ مُدْهَامَّتَانِ أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلَ " ص " وَ " ق " وَ " ن " اُخْتُلِفَ فِيهَا وَقَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ: الْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ يُسَمَّى عَادًّا لَا قَارِئًا وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ طَوِيلَةٍ مِثْلَ آيَةِ الْكُرْسِيِّ فِي رَكْعَةٍ وَنِصْفَهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَجُوزُ؛ لِأَنَّهُ مَا قَرَأَ آيَةً تَامَّةً فِي كُلِّ رَكْعَةٍ وَعَامَّتُهُمْ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ؛ لِأَنَّ بَعْضَ هَذِهِ الْآيَاتِ يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ يَعْدِلُهَا فَلَا يَكُونُ أَدْنَى مِنْ آيَةٍ وَلَوْ قَرَأَ نِصْفَ آيَةٍ مَرَّتَيْنِ أَوْ قَرَأَ كَلِمَةً وَاحِدَةً مِرَارًا حَتَّى تَبْلُغَ قَدْرَ آيَةٍ تَامَّةٍ لَا يَجُوزُ وَقَالَ الْقُدُورِيُّ إنَّ الصَّحِيحَ مِنْ مَذْهَبِ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ يَجُوزُ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَإِنَّهُ قَالَ اقْرَأْ بِمَا مَعَكَ مِنْ الْقُرْآنِ فَلَيْسَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ بِقَلِيلٍ وَهَذَا أَقْرَبُ إلَى الْقَوَاعِدِ الشَّرْعِيَّةِ فَإِنَّ الْمُطْلَقَ يَنْصَرِفُ إلَى الْأَدْنَى عَلَى مَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَسُنَنُهَا فِي السَّفَرِ الْفَاتِحَةَ وَأَيُّ سُورَةٍ شَاءَ) لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه السلام «قَرَأَ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ فِي سَفَرِهِ بِالْمُعَوِّذَتَيْنِ وَقَرَأَ فِي إحْدَى الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ الْعِشَاءِ الْآخِرَةِ بِالتِّينِ» ؛ وَلِأَنَّ السَّفَرَ مَظِنَّةُ الْمَشَقَّةِ فَنَاسَبَ التَّخْفِيفَ وَهَذَا إذَا كَانَ عَلَى عَجَلَةٍ مِنْ السَّيْرِ فَإِنْ كَانَ عَلَى إقَامَةٍ وَقَرَأَ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ نَحْوَ الْبُرُوجِ؛ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ مُرَاعَاةُ السُّنَّةِ مَعَ التَّخْفِيفِ قَالَ رحمه الله (وَفِي الْحَضَرِ طِوَالُ الْمُفَصَّلِ لَوْ فَجْرًا أَوْ ظُهْرًا وَأَوْسَاطُهُ لَوْ عَصْرًا أَوْ عِشَاءً وَقِصَارُهُ لَوْ مَغْرِبًا) لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعَصْرِ وَالْعِشَاءِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ؛ وَلِأَنَّ مَبْنَى الْمَغْرِبِ عَلَى الْعَجَلَةِ فَكَانَ التَّخْفِيفُ أَلْيَقَ بِهَا وَالْعَصْرُ وَالْعِشَاءُ اُسْتُحِبَّ فِيهِمَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: وَهَذَا رَاجِعٌ إلَى أَصْلٍ إلَى آخِرِهِ) مَعْنَاهُ أَنَّ كَوْنَهُ غَيْرُ قَارِئٍ مَجَازٌ مُتَعَارَفٌ وَكَوْنَهُ قَارِئًا بِذَلِكَ حَقِيقَةٌ مُسْتَعْمَلَةٌ فَإِنَّهُ لَوْ قِيلَ هَذَا قَارِئٌ لَمْ يُخْطِئْ الْمُتَكَلِّمُ نَظَرًا إلَى الْحَقِيقَةِ اللُّغَوِيَّةِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّهُ مَنَعَ مَا دُونَ الْآيَةِ بِنَاءً عَلَى عَدَمِ كَوْنِهِ قَارِئًا عُرْفًا وَأَجَازَ الْآيَةَ الْقَصِيرَةَ؛ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ فِي مَعْنَاهُ أَيْ فِي أَنَّهُ لَا يُعَدُّ بِهِ قَارِئًا بَلْ يُعَدُّ قَارِئًا عُرْفًا وَالْحَقُّ أَنْ يَبْنِيَ عَلَى الْخِلَافِ فِي قِيَامِ الْعُرْفِ فِي عَدِّهِ قَارِئًا بِالْقَصِيرَةِ قَالَا: لَا يُعَدُّ وَهُوَ يُمْنَعُ نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ عَلَى رِوَايَةِ مَا يَتَنَاوَلُهُ اسْمُ الْقُرْآنِ وَفِي الْأَسْرَارِ مَا قَالَاهُ احْتِيَاطًا فَإِنَّ قَوْلَهُ لَمْ يَلِدْ، ثُمَّ نَظَرَ لَا يُتَعَارَفُ قُرْآنًا وَهُوَ قُرْآنٌ حَقِيقَةً فَمِنْ حَيْثُ الْحَقِيقَةُ حَرُمَ عَلَى الْحَائِضِ وَالْجُنُبِ وَمِنْ حَيْثُ الْعَدَمُ لَمْ تَجُزْ الصَّلَاةُ بِهِ احْتِيَاطًا فِيهِمَا. اهـ. كَمَالٌ قَوْلُهُ: نَعَمْ ذَلِكَ مَبْنَاهُ إلَى آخِرِهِ أَيْ بِنَاءُ الْخِلَافِ عَلَى أَنَّ الْحَقِيقَةَ الْمُسْتَعْمَلَةَ إلَى آخِرِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: أَوْ حَرْفًا وَاحِدًا مِثْلُ ص إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ وَكَوْنُ نَحْوِ ص حَرْفًا غَلَطٌ بَلْ الْحَرْفُ مُسَمَّى ذَلِكَ وَهُوَ لَيْسَ الْمَقْرُوءَ، وَالْمَقْرُوءُ وَهُوَ الِاسْمُ صَارَ كَلِمَةً فَالصَّوَابُ فِي التَّقْسِيمِ أَنْ يُقَالَ هِيَ كَلِمَتَانِ أَوْ كَلِمَةٌ. اهـ.
(فَرْعٌ) الْقِرَاءَةُ أَنْوَاعٌ فَرِيضَةٌ وَوَاجِبَةٌ وَسُنَّةٌ وَمَكْرُوهَةٌ فَالْفَرِيضَةُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي رِوَايَةٍ قَدْرُ مَا يُطْلَقُ عَلَيْهِ اسْمُ الْقِرَاءَةِ مَقْصُودَةً لَا يَشُوبُهَا قَصْدُ خِطَابِ أَحَدٍ وَلَا جَوَابُهُ وَلَا قَصْدُ التَّلْقِينِ مِنْ غَيْرِهِ وَفِي رِوَايَةٍ عَنْهُ آيَةٌ وَاحِدَةٌ وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَحْمَدَ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهَا يَجْرِي فِي كَلَامِ النَّاسِ وَفِي رِوَايَةٍ كَقَوْلِهِمَا وَالْوَاجِبَةُ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ مَعَ ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ أَوْ آيَةٍ طَوِيلَةٍ، وَالْمَسْنُونَةُ تَتَنَوَّعُ إلَى قِرَاءَةٍ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ وَيُعْلَمُ مِنْ كَلَامِ الْمُصَنِّفِ، وَأَمَّا الْمَكْرُوهُ فَالْقِرَاءَةُ خَلْفَ الْإِمَامِ وَالْقِرَاءَةُ فِي الصَّلَاةِ فِي غَيْرِ حَالَةِ الْقِيَامِ وَتَعْيِينُ شَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ وَالْقِرَاءَةِ فِي الصَّلَاةِ مِنْ الْمُصْحَفِ عِنْدَهُمَا. اهـ. مِنْ الدِّرَايَةِ بِاخْتِصَارٍ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الْأَقْسَامُ ثَابِتَةً فِي نَفْسِ الْأَمْرِ فَمَا قِيلَ لَوْ قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَنَحْوَهَا وَقَعَ الْكُلُّ فَرْضًا، وَكَذَا إذَا أَطَالَ الرُّكُوعَ وَالسُّجُودَ مُشْكِلٌ إذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَمْ يَتَحَقَّقْ قَدْرُ الْقِرَاءَةِ إلَّا فَرْضًا فَأَيْنَ بَاقِي الْأَقْسَامِ وَجْهُ الْقَيْلِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ قَوْلُ الْأَكْثَرِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ قَوْله تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] يُوجِبُ أَحَدَ الْأَمْرَيْنِ مِنْ الْآيَةِ وَمَا فَوْقَهَا مُطْلَقًا لِصِدْقِ مَا تَيَسَّرَ عَلَى كُلِّ مَا قُرِئَ فَمَهْمَا قُرِئَ يَكُونُ الْفَرْضُ وَمَعْنَى قَسَّمَ السُّنَّةَ مِنْ الْأَقْسَامِ الْمَذْكُورَةِ أَنْ تَجْعَلَ الْفَرْضَ عَلَى الْوَجْهِ الْمَذْكُورِ وَهُوَ مَا كَانَ صلى الله عليه وسلم يَجْعَلُهُ عَلَيْهِ وَهُوَ جَعْلُهُ بِعَدَدِ أَرْبَعِينَ مَثَلًا إلَى الْمِائَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَنِصْفُهَا فِي أُخْرَى اخْتَلَفُوا فِيهِ) أَيْ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: يَزِيدُ عَلَى ثَلَاثِ آيَاتٍ قِصَارٍ إلَى آخِرِهِ) قُلْت: إنْ اُعْتُبِرَ هَذَا يَنْبَغِي أَنْ يَجُوزَ عِنْدَهُمَا أَيْضًا. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: لِمَا رُوِيَ عَنْ عُمَرَ إلَى آخِرِهِ) هَذَا الْمَرْوِيُّ عَلَى مَا ذَكَرَهُ الشَّارِحُ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْهِدَايَةِ مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْغَايَةِ فَقَدْ ذَكَرَ فِيهَا مَا نَصُّهُ وَكَتَبَ عُمَرُ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ رضي الله عنهما أَنْ اقْرَأْ فِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ رَوَاهُ أَبُو حَفْصِ بْنُ شَاهِينِ بِإِسْنَادِهِ وَبِمَعْنَاهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ رَوَى عَبْدُ الرَّزَّاقِ فِي مُصَنَّفِهِ أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ عَنْ الْحَسَنِ وَغَيْرِهِ قَالَ كَتَبَ عُمَرُ رضي الله عنه إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الْمَغْرِبِ بِقِصَارِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الْعِشَاءِ بِوَسَطِ الْمُفَصَّلِ وَفِي الصُّبْحِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ. اهـ. وَأَمَّا فِي الظُّهْرِ بِطِوَالِ الْمُفَصَّلِ فَلَمْ أَرَهُ بَلْ قَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي الْبَابِ الَّذِي يَلِي بَابَ الْقِرَاءَةِ فِي الصُّبْحِ وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَتَبَ إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ أَنْ اقْرَأْ فِي الظُّهْرِ بِأَوْسَاطِ الْمُفَصَّلِ وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ غَيْرَ أَنَّ فِي الدِّرَايَةِ مَا يُفِيدُ الْمَطْلُوبَ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ مِنْ حَدِيثِ الْخُدْرِيِّ رضي الله عنه أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَتَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ» آيَةً. اهـ. فَتْحٌ
التَّأْخِيرُ فَيُخْشَى بِالتَّطْوِيلِ أَنْ يَقَعَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ فَيُوَقَّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ بِخِلَافِ الْفَجْرِ وَالظُّهْرِ؛ لِأَنَّ مُدَّتَهُمَا مَدِيدَةٌ وَسُمِّيَ الْمُفَصَّلُ مُفَصَّلًا لِكَثْرَةِ الْفُصُولِ فِيهِ وَقِيلَ لِقِلَّةِ الْمَنْسُوخِ فِيهِ، ثُمَّ آخِرَ الْمُفَصَّلِ {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ} [الناس: 1] بِلَا خِلَافٍ. وَاخْتَلَفُوا فِي أَوَّلِهِ فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ وَغَيْرُهُ مِنْ أَصْحَابِنَا مِنْ الْحُجُرَاتِ وَهُوَ السَّبْعُ الْأَخِيرُ وَقِيلَ مِنْ " ق " وَحَكَى الْقَاضِي عِيَاضٌ مِنْ الْجَاثِيَةِ وَهُوَ غَرِيبٌ فَالطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى {وَالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ} [البروج: 1] وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى لَمْ يَكُنْ وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَقِيلَ الطِّوَالُ مِنْ أَوَّلِهِ إلَى عَبَسَ وَالْأَوْسَاطُ مِنْهَا إلَى وَالضُّحَى وَالْقِصَارُ مِنْهَا إلَى آخِرِ الْقُرْآنِ وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ فِي الْحَضَرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ بِأَرْبَعِينَ آيَةً أَوْ خَمْسِينَ آيَةً سِوَى فَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَيُرْوَى مِنْ أَرْبَعِينَ آيَةً إلَى سِتِّينَ وَمِنْ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ، وَهَكَذَا ذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ أَيْضًا وَمُرَادُهُ أَنْ يُوَزِّعَ الْأَرْبَعِينَ أَوْ الْخَمْسِينَ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى خَمْسًا وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِمَا بَقِيَ إلَى تَمَامِ الْأَرْبَعِينَ لَا أَنْ يَقْرَأَ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ أَرْبَعِينَ أَوْ خَمْسِينَ، ثُمَّ قِيلَ الْمِائَةُ أَكْثَرُ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا وَالْأَرْبَعُونَ أَقَلُّ مَا يُقْرَأُ فِيهِمَا وَقِيلَ بِالتَّوْفِيقِ بَيْنَ الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَاخْتُلِفَ فِي وَجْهِ التَّوْفِيقِ فَقِيلَ إنَّهُ يَقْرَأُ بِالرَّاغِبِينَ إلَى مِائَةٍ وَبِالْكَسَالَى إلَى أَرْبَعِينَ وَبِالْأَوْسَاطِ إلَى السِّتِّينَ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ اللَّيَالِيِ وَقِصَرِهَا فَفِي الشِّتَاءِ يَقْرَأُ مِائَةً وَفِي الصَّيْفِ أَرْبَعِينَ وَفِي الْخَرِيفِ وَالرَّبِيعِ خَمْسِينَ إلَى سِتِّينَ. وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى طُولِ الْآيَاتِ وَقِصَرِهَا فَيَقْرَأُ أَرْبَعِينَ إذَا كَانَتْ طِوَالًا كَسُورَةِ الْمُلْكِ وَيَقْرَأُ خَمْسِينَ إذَا كَانَتْ أَوْسَاطًا وَمَا بَيْنَ سِتِّينَ إلَى مِائَةٍ إذَا كَانَتْ قِصَارًا كَسُورَةِ الْمُزَّمِّلِ وَالْمُدَّثِّرِ وَالرَّحْمَنِ وَقِيلَ يَنْظُرُ إلَى قِلَّةِ الْأَشْغَالِ وَكَثْرَتِهَا وَقِيلَ يَعْتَبِرُ حَالَ نَفْسِهِ فَإِذَا كَانَ حَسَنَ الصَّوْتِ يَقْرَأُ مِائَةً وَإِلَّا فَأَرْبَعِينَ وَأَصْلُ اخْتِلَافِ الرِّوَايَاتِ فِيهَا اخْتِلَافُ الْآثَارِ فِي ذَلِكَ فَرُوِيَ عَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ ب ق وَالْقُرْآنِ الْمَجِيدِ» وَنَحْوِهَا وَكَانَتْ صَلَاتُهُ بَعْدُ إلَى تَخْفِيفٍ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي بَرْزَةَ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ مَا بَيْنَ السِّتِّينَ إلَى الْمِائَةِ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ أَلَمْ تَنْزِيلُ الْكِتَابِ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ» وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَاللَّيْلِ إذَا يَغْشَى» وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَقْرَأُ فِي الْعِشَاءِ الْأَخِيرَةِ وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا وَنَحْوِهَا وَفِي الظُّهْرِ بِسَبِّحْ اسْمَ رَبِّك الْأَعْلَى وَفِي الْمَغْرِبِ قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ» . وَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا الِاخْتِلَافَ لِاخْتِلَافِ الْأَحْوَالِ قَالَ رحمه الله (وَيُطَالُ أُولَى الْفَجْرِ فَقَطْ) هَذَا قَوْلُهُمَا وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ الرَّكْعَةَ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ فِي الصَّلَوَاتِ كُلِّهَا لِمَا رَوَى أَبُو قَتَادَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ فِي الْأُولَيَيْنِ بِأُمِّ الْقُرْآنِ وَسُورَةٍ مَعَهَا وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيُطِيلُ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مَا لَا يُطِيلُ فِي الثَّانِيَةِ وَهَكَذَا فِي الْعَصْرِ وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ وَلَهُمَا مَا رَوَاهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ «يَقْرَأُ فِي صَلَاةِ الظُّهْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ ثَلَاثِينَ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً أَوْ قَالَ نِصْفَ ذَلِكَ وَفِي الْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ قَدْرَ خَمْسَ عَشْرَةَ آيَةً وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ قَدْرَ نِصْفِ ذَلِكَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَعَنْ جَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِالسَّمَاءِ ذَاتِ الْبُرُوجِ وَالطَّارِقِ» وَنَحْوِهِمَا مِنْ السُّوَرِ وَهُمَا مُتَقَارِبَانِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ «وَكَانَ يَقْرَأُ فِي الْجُمُعَةِ بِسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ» وَهُمَا سَوَاءٌ؛ وَلِأَنَّ الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ اسْتَوَيَا فِي وُجُوبِ الْقِرَاءَةِ وَوَصْفِهَا فَيَسْتَوِيَانِ فِي مِقْدَارِهَا بِخِلَافِ صَلَاةِ الْفَجْرِ فَإِنَّهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَيُطِيلُ الْأُولَى إعَانَةً لَهُمْ عَلَى إدْرَاكِ فَضِيلَةِ الْجَمَاعَةِ وَالظُّهْرِ وَالْعَصْرِ وَإِنْ كَانَتَا فِي وَقْتِ الِاشْتِغَالِ لَكِنْ بَعْدَ سَمَاعِ النِّدَاءِ يَتَعَيَّنُ الْإِجَابَةُ فَالتَّقْصِيرُ مِنْ جِهَتِهِ فَلَا يُعْتَبَرُ.
وَمَا رَوَاهُ مِنْ إطَالَةِ الْأُولَى عَلَى الثَّانِيَةِ مَحْمُولٌ عَلَى إطَالَتِهَا بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: أَنْ يَقَعَا فِي وَقْتٍ غَيْرِ مُسْتَحَبٍّ إلَى آخِرِهِ) وَالْوَقْتُ الْمُسْتَحَبُّ أَعَمُّ مِنْ الْمَكْرُوهِ وَقَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ التَّأْخِيرَ إلَى النِّصْفِ فِي الْعِشَاءِ مُبَاحٌ وَبَعْدَهُ مَكْرُوهٌ وَهَذَا قَرِيبٌ فِي الْعَصْرِ بَعِيدٌ فِي الْعِشَاءِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: فَيُوَقِّتُ فِيهِمَا بِالْأَوْسَاطِ) قُلْت هَذَا التَّعْلِيلُ مَاشٍ فِي الْعَصْرِ غَيْرُ ظَاهِرٍ فِي الْعِشَاءِ إذْ بِتَطْوِيلِ الْقِرَاءَةِ فِيهَا لَا تَقَعُ فِي وَقْتٍ مَكْرُوهٍ؛ لِأَنَّ تَأْخِيرَهَا مُبَاحٌ إلَى نِصْفِ اللَّيْلِ بَلْ التَّعْلِيلُ الصَّحِيحُ أَنَّ وَقْتَهَا وَقْتُ النَّوْمِ فَبِالتَّأْخِيرِ وَالتَّطْوِيلِ فِي الْقِرَاءَةِ يَحْصُلُ التَّغْيِيرُ وَالتَّقْلِيلُ لِلْجَمَاعَةِ بِغَلَبَةِ النَّوْمِ عَلَيْهِمْ حِينَئِذٍ. اهـ. غَايَةٌ
(قَوْلُهُ: فَقِيلَ مِنْ سُورَةِ الْقِتَالِ إلَى آخِرِهِ) السُّورَةُ تُهْمَزُ وَلَا تُهْمَزُ لُغَتَانِ وَتَرْكُ هَمْزِهَا أَشْهَرُ وَأَصَحُّ وَبِهِ جَاءَ الْقُرْآنُ الْعَزِيزُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ) أَيْ وَفِي بَعْضِ النُّسَخِ الْجَلَّابِيُّ بَدَلُ الْحَلْوَانِيِّ. اهـ. (قَوْلُهُ: وَقَالَ مُحَمَّدٌ أَحَبُّ إلَيَّ أَنْ يُطِيلَ إلَى آخِرِهِ) وَاتَّفَقُوا عَلَى كَرَاهَةِ إطَالَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى إلَّا مَالِكًا فَإِنَّهُ قَالَ: لَا بَأْسَ أَنْ يُطِيلَ الثَّانِيَةَ عَلَى الْأُولَى. اهـ. كَذَا فِي الْغَايَةِ وَفِي الدِّرَايَةِ وَإِطَالَةُ الرَّكْعَةِ الثَّانِيَةِ عَلَى الْأُولَى بِثَلَاثِ آيَاتٍ فَصَاعِدًا فِي الْفَرَائِضِ مَكْرُوهٌ وَفِي السُّنَنِ وَالنَّوَافِلِ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّ أَمْرَهَا أَسْهَلُ كَذَا فِي جَامِعِ الْمَحْبُوبِيِّ وَفِي الْقَنِيَّةِ الْقِرَاءَةُ الْمَسْنُونَةُ يَسْتَوِي فِيهَا الْإِمَامُ وَالْمُنْفَرِدُ وَالنَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ: بِالثَّنَاءِ وَالِاسْتِعَاذَةِ) أَيْ وَعَلَى هَذَا فَيُحْمَلُ قَوْلُ الرَّاوِي وَهَكَذَا فِي الصُّبْحِ عَلَى التَّشْبِيهِ فِي أَصْلِ الْإِطَالَةِ لَا فِي قَدْرِهَا فَإِنَّ تِلْكَ الْإِطَالَةَ مُعْتَبَرَةٌ شَرْعًا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَالْمُعْتَبَرَةُ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ الْقَدْرِ وَقَدْ قُدِّرَتْ بِأَنْ يَقْرَأَ فِي الْأُولَى مَثَلًا بِخَمْسٍ وَعِشْرِينَ وَفِي الثَّانِيَةِ بِتَمَامِ الْأَرْبَعِينَ؛ وَلِأَنَّ الْإِطَالَةَ فِي الصُّبْحِ لَمَّا كَانَتْ؛ لِأَنَّ وَقْتَهُ وَقْتُ نَوْمٍ وَغَفْلَةٍ فَلَا بُدَّ مِنْ كَوْنِهَا بِحَيْثُ تُعَدُّ إطَالَةً لَكِنْ كَوْنُ التَّشْبِيهِ فِي ذَلِكَ غَيْرَ الْمُتَبَادَرِ وَلِذَلِكَ قَالَ فِي الْخُلَاصَةِ فِي قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّهُ أَحَبُّ. اهـ. فَتْحٌ
قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ التَّطْوِيلُ يُعْتَبَرُ بِالْآيِ إنْ كَانَتْ مُتَقَارِبَةً وَإِنْ كَانَتْ الْآيَاتُ مُتَفَاوِتَةً مِنْ حَيْثُ الطُّولُ وَالْقِصَرُ يُعْتَبَرُ الْكَلِمَاتُ وَالْحُرُوفُ وَلَا يُعْتَبَرُ بِالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ وَقِيلَ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ التَّفَاوُتُ بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ وَلَا بَأْسَ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً فِي الْأُولَى، ثُمَّ يُعِيدَهَا فِي الثَّانِيَةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَرَأَ فِي الرَّكْعَةِ الْأُولَى مِنْ الْمَغْرِبِ إذَا زُلْزِلَتْ الْأَرْضُ، ثُمَّ قَامَ وَقَرَأَهَا فِي الثَّانِيَةِ» .
قَالَ رحمه الله (وَلَمْ يَتَعَيَّنْ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِصَلَاةٍ) لِإِطْلَاقِ مَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ تَتَعَيَّنُ الْفَاتِحَةُ لِجَوَازِ الصَّلَاةِ وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي بَيَانِ الْوَاجِبَاتِ وَيُكْرَهُ أَيْضًا أَنْ يُؤَقِّتَ شَيْءٌ مِنْ الْقُرْآنِ لِشَيْءٍ مِنْ الصَّلَوَاتِ مِثْلُ أَنْ يَقْرَأَ أَلَمْ السَّجْدَةُ وَهَلْ أَتَى عَلَى الْإِنْسَانِ فِي صَلَاةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ وَسُورَةِ الْجُمُعَةِ وَالْمُنَافِقِينَ فِي صَلَاةِ الْجُمُعَةِ قَالَ الطَّحَاوِيُّ والإسبيجابي هَذَا إذَا رَآهُ حَتْمًا وَاجِبًا بِحَيْثُ لَا يَجُوزُ غَيْرُهُمَا أَوْ رَأَى قِرَاءَةَ غَيْرِهِمَا مَكْرُوهًا أَمَّا لَوْ قَرَأَ لِأَجْلِ التَّيْسِيرِ عَلَيْهِ أَوْ تَبَرُّكًا بِقِرَاءَتِهِ عليه الصلاة والسلام فَلَا كَرَاهِيَةَ فِي ذَلِكَ لَكِنْ يُشْتَرَطُ أَنْ يَقْرَأَ غَيْرَهُمَا أَحْيَانًا لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ أَنَّ غَيْرَهُمَا لَا يَجُوزُ.
قَالَ رحمه الله (وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ) بَلْ يَسْتَمِعُ وَيُنْصِتُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَجِبُ عَلَى الْمُؤْتَمِّ قِرَاءَةُ الْفَاتِحَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا صَلَاةَ إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ» وَحَدِيثُ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لِلْمَأْمُومِينَ الَّذِينَ قَرَءُوا خَلْفَهُ لَا تَفْعَلُوا إلَّا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ فَإِنَّهُ لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَمْ يَقْرَأْ بِهَا» ؛ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ كَسَائِرِ الْأَرْكَانِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى «{وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا} [الأعراف: 204] قَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ كَانُوا يَقْرَءُونَ خَلْفَ الْإِمَامِ فَنَزَلَتْ» وَقَالَ أَحْمَدُ أَجْمَعَ النَّاسُ عَلَى أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ فِي الصَّلَاةِ وَفِي حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَأَبِي مُوسَى «وَإِذَا قَرَأَ فَأَنْصِتُوا» قَالَ مُسْلِمٌ هَذَا الْحَدِيثُ صَحِيحٌ؛ وَعَنْ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «لَا يَقْرَأَنَّ أَحَدٌ مِنْكُمْ شَيْئًا مِنْ الْقُرْآنِ إذَا جَهَرْت بِالْقُرْآنِ» قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ رِجَالُهُ كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ قَالَ أَحْمَدُ مَا سَمِعْنَا أَحَدًا مِنْ أَهْلِ الْإِسْلَامِ يَقُولُ إنَّ الْإِمَامَ إذَا جَهَرَ بِالْقِرَاءَةِ لَا تُجْزِي صَلَاةُ مَنْ لَمْ يَقْرَأْ وَفِي مُسْلِمٍ عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ أَنَّهُ سَأَلَ زَيْدَ بْنَ ثَابِتٍ عَنْ الْقِرَاءَةِ يَعْنِي خَلْفَ الْإِمَامِ فَقَالَ لَا قِرَاءَةَ مَعَ الْإِمَامِ فِي شَيْءٍ وَعَنْ جَابِرٍ بِمَعْنَاهُ وَهُوَ قَوْلُ عَلِيٍّ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَكَثِيرٍ مِنْ الصَّحَابَةِ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ؛ وَلِأَنَّ الْمَأْمُومَ مُخَاطَبٌ بِالِاسْتِمَاعِ إجْمَاعًا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ مَا يُنَافِيهِ إذْ لَا قُدْرَةَ لَهُ عَلَى الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَصَارَ نَظِيرَ الْخُطْبَةِ فَإِنَّهُ لَمَّا أَمَرَ بِالِاسْتِمَاعِ لَا يَجِبُ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ أَنْ يَخْطُبَ لِنَفْسِهِ بَلْ لَا يَجُوزُ فَكَذَا هَذَا فَإِنْ قَالُوا يَتْبَعُ سَكَتَاتِ الْإِمَامِ قُلْنَا يُشْكِلُ عَلَيْكُمْ فِيمَا إذَا لَمْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
فُرُوعٌ مَنْقُولَةٌ مِنْ الْغَايَةِ) كُرِهَ الْجَمْعُ بَيْنَ سُورَتَيْنِ غَيْرِ الْفَاتِحَةِ فِي رَكْعَةٍ وَاحِدَةٍ جَمَاعَةً وَعِنْدَنَا لَا يُكْرَهُ ذَلِكَ وَإِنْ جَمَعَ بَيْنَ سُورَتَيْنِ فِي رَكْعَةٍ وَبَيْنَهُمَا سُوَرٌ أَوْ سُورَةٌ يُكْرَهُ وَإِنْ قَرَأَ بَعْضَ السُّورَةِ فِي رَكْعَةٍ وَبَعْضَهَا فِي الثَّانِيَةِ الصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يُكْرَهُ وَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَقْرَأَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ مِنْ وَسَطِ السُّورَةِ وَمِنْ آخِرِهَا وَلَوْ فَعَلَ لَا بَأْسَ بِهِ نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَقْرَأَ سُورَةً أَوْ آيَةً فِي رَكْعَةٍ، ثُمَّ يَقْرَأَ فِي الثَّانِيَةِ مَا فَوْقَهَا وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ أَنَّهُ سُئِلَ عَمَّنْ يَقْرَأُ الْقُرْآنَ مَنْكُوسًا فَقَالَ ذَلِكَ مَنْكُوسُ الْقَلْبِ وَهُوَ بِأَنْ يَقْرَأَ سُورَةً، ثُمَّ يَقْرَأَ بَعْدَهَا سُورَةً قَبْلَهَا فِي النَّظْمِ وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَلَمْ يَكْرَهْهُ مَالِكٌ. اهـ. (قَوْلُهُ: فِيمَا دُونَ ثَلَاثِ آيَاتٍ إلَى آخِرِهِ) فَإِنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَرَأَ الْمُعَوِّذَتَيْنِ فِي الْمَغْرِبِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ وَالثَّانِيَةُ أَطْوَلُ مِنْ الْأُولَى» . اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: بِالثُّلُثِ وَالثُّلُثَيْنِ) أَيْ وَالثُّلُثَانِ فِي الْأُولَى وَالثُّلُثُ فِي الثَّانِيَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لَكِنْ يُشْتَرَطُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَا تَحْرِيرَ فِي هَذِهِ الْعِبَارَةِ بَعْدَ الْعِلْمِ بِأَنَّ الْكَلَامَ فِي الْمُدَاوَمَةِ وَالْحَقُّ أَنَّ الْمُدَاوَمَةَ مُطْلَقًا مَكْرُوهَةٌ سَوَاءٌ رَآهُ حَتْمًا يُكْرَهُ غَيْرُهُ أَمْ لَا؛ لِأَنَّ دَلِيلَ الْكَرَاهَةِ لَا يُفَصِّلُ وَهُوَ إيهَامُ التَّفْصِيلِ وَهَجْرُ الْبَاقِي لَكِنَّ الْهِجْرَانَ إنَّمَا يَلْزَمُ لَوْ لَمْ يَقْرَأْ الْبَاقِيَ فِي صَلَاةٍ أُخْرَى فَالْحَقُّ أَنَّهُ إيهَامُ التَّعْيِينِ، ثُمَّ مُقْتَضَى الدَّلِيلِ عَدَمُ الْمُدَاوَمَةِ لَا الْمُدَاوَمَةُ عَلَى الْعَدَمِ كَمَا يَفْعَلُهُ حَنَفِيَّةُ الْعَصْرِ بَلْ يُسْتَحَبُّ أَنْ يَقْرَأَ بِذَلِكَ أَحْيَانًا تَبَرُّكًا بِالْمَأْثُورِ فَإِنَّ لُزُومَ الْإِيهَامِ يَنْتَفِي بِالتَّرْكِ أَحْيَانًا وَلِذَا قَالُوا السُّنَّةُ أَنْ يَقْرَأَ فِي سُنَّةِ الْفَجْرِ بِقُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ وَقُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وَظَاهِرُ هَذَا إفَادَةُ الْمُوَاظَبَةِ عَلَى ذَلِكَ وَذَلِكَ؛ لِأَنَّ الْإِيهَامَ الْمَذْكُورَ مُنْتَفٍ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَلِّي نَفْسِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: لِئَلَّا يَظُنَّ الْجَاهِلُ إلَى آخِرِهِ) وَلِهَذَا ذَكَرَ الْحَلْوَانِيُّ يُكْرَهُ تَخْصِيصُ الْمَكَانِ فِي الْمَسْجِدِ لِلصَّلَاةِ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ إنْ فَعَلَ ذَلِكَ تَصِيرُ الصَّلَاةُ طَبْعًا وَالْعِبَادَةُ مَتَى صَارَتْ طَبْعًا فَسَبِيلُهَا التَّرْكُ وَلِهَذَا كُرِهَ صَوْمُ الْأَبَدِ. اهـ. كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَلَا يَقْرَأُ الْمُؤْتَمُّ) أَيْ سَوَاءٌ جَهَرَ الْإِمَامُ أَوْ أَسَرَّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ رُكْنٌ مِنْ الْأَرْكَانِ فَيَشْتَرِكَانِ فِيهِ) أَمَّا الْأُولَى فَظَاهِرَةٌ، وَأَمَّا الثَّانِيَةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ} [المزمل: 20] وَهُوَ عَامٌّ فِي الْمُصَلِّينَ، وَكَذَا قَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم «لَا صَلَاةَ إلَّا بِقِرَاءَةٍ» . اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَأَنْصِتُوا إلَى آخِرِهِ) فَأَكْثَرُ أَهْلِ التَّفْسِيرِ عَلَى أَنَّ هَذَا خِطَابٌ لِلْمُقْتَدِينَ وَمِنْهُمْ مَنْ حَمَلَ الْآيَةَ عَلَى حَالَةِ الْخَطِّيَّةِ وَلَا تَنَافِي بَيْنَهُمَا فَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِمَا فِيهَا لِمَا فِيهَا مِنْ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَمَا رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ عُبَادَةَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ فِي الِابْتِدَاءِ فَعَنْ أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ رضي الله عنه لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ تَرَكُوا الْقِرَاءَةَ خَلْفَ الْإِمَامِ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمَّا «سَمِعَ رَجُلًا يَقْرَأُ خَلْفَهُ فَقَالَ مَا لِي أُنَازَعُ فِي الْقُرْآنِ» وَقِيلَ مَحْمُولٌ عَلَى غَيْرِ الْإِمَامِ وَقَدْ جَاءَ مُصَرَّحًا بِهِ فِي رِوَايَةِ الْخَلَّالِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُقْرَأُ فِيهَا بِأُمِّ الْكِتَابِ فَهِيَ خِدَاجٌ إلَّا أَنْ يَكُونَ وَرَاءَ الْإِمَامِ» وَرُوِيَ أَيْضًا مَوْقُوفًا عَلَى جَابِرٍ وَفِيهِ نَوْعُ تَأَمُّلٍ. اهـ.