الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
لَا يَتَكَلَّمَ فِيهِ بِكَلَامِ النَّاسِ وَيَنْثُرَ الْمَاءَ عَلَى وَجْهِهِ مِنْ غَيْرِ لَطْمٍ وَالْجُلُوسُ فِي مَكَان مُرْتَفِعٍ وَجَعْلُ الْإِنَاءِ الصَّغِيرِ عَلَى يَسَارِهِ وَالْكَبِيرِ الَّذِي يَغْتَرِفُ مِنْهُ عَلَى يَمِينِهِ، وَالْجَمْعُ بَيْنَ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَفِعْلِ اللِّسَانِ وَتَسْمِيَةُ اللَّهِ تَعَالَى عِنْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ، وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ الْقُرْآنِ وَذِكْرِك وَشُكْرِك وَحُسْنِ عِبَادَتِك وَعِنْدَ الِاسْتِنْشَاقِ اللَّهُمَّ أَرِحْنِي رَائِحَةَ الْجَنَّةِ وَلَا تُرِحْنِي رَائِحَةَ النَّارِ وَعِنْدَ غَسْلِ وَجْهِهِ اللَّهُمَّ بَيِّضْ وَجْهِي يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ، وَعِنْدَ غَسْلِ يَدِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ أَعْطِنِي كِتَابِي بِيَمِينِي وَحَاسِبْنِي حِسَابًا يَسِيرًا، وَعِنْدَ غَسْلِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ لَا تُعْطِنِي كِتَابِي بِشِمَالِي وَلَا مِنْ وَرَاءِ ظَهْرِي، وَعِنْدَ مَسْحِ رَأْسِهِ اللَّهُمَّ أَظِلَّنِي تَحْتَ ظِلِّ عَرْشِك يَوْمَ لَا ظِلَّ إلَّا ظِلُّ عَرْشِك، وَعِنْدَ مَسْحِ أُذُنَيْهِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ، وَعِنْدَ مَسْحِ عُنُقِهِ اللَّهُمَّ أَعْتِقْ رَقَبَتِي مِنْ النَّارِ، وَعِنْدَ غَسْلِ قَدَمِهِ الْيُمْنَى اللَّهُمَّ ثَبِّتْ قَدَمِي عَلَى الصِّرَاطِ يَوْمَ تَزِلُّ الْأَقْدَامُ، وَعِنْدَ غَسْلِ رِجْلِهِ الْيُسْرَى اللَّهُمَّ اجْعَلْ ذَنْبِي مَغْفُورًا وَسَعْيِي مَشْكُورًا وَتِجَارَتِي لَنْ تَبُورَ، وَيُصَلِّي عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ غَسْلِ كُلِّ عُضْوٍ، وَيَقُولُ بَعْدَ الْفَرَاغِ اللَّهُمَّ اجْعَلْنِي مِنْ التَّوَّابِينَ وَاجْعَلْنِي مِنْ الْمُتَطَهِّرِينَ، وَيَشْرَبُ شَيْئًا مِنْ فَضْلِ وَضُوئِهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ قَائِمًا قِيلَ لَا يَشْرَبُ قَائِمًا إلَّا فِي هَذَا الْمَوْضِعِ وَعِنْدَ زَمْزَمَ، وَيُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَلَا يُنْقِصُ مَاؤُهُ أَيْ مَاءَ وُضُوئِهِ عَنْ مُدٍّ.
وَمَكْرُوهَاتُهُ لَطْمُ الْوَجْهِ بِالْمَاءِ وَالْإِسْرَافُ فِيهِ وَتَثْلِيثُ الْمَسْحِ بِمَاءٍ جَدِيدٍ وَلَا بَأْسَ بِالتَّمَسُّحِ بِالْمِنْدِيلِ بَعْدَ الْوُضُوءِ، رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ عُثْمَانَ وَأَنَسٍ وَمَسْرُوقٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ
قَالَ رحمه الله (وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ مِنْهُ) أَيْ وَيَنْقُضُ الْوُضُوءَ خُرُوجُ نَجِسٍ فَدَخَلَ تَحْتَ هَذِهِ الْكَلِمَةِ جَمِيعُ النَّوَاقِضِ الْحَقِيقِيَّةِ، وَإِنْ كَانَ طَاهِرًا فِي نَفْسِهِ كَالدُّودَةِ مِنْ الدُّبُرِ؛ لِأَنَّهَا تَسْتَصْحِبُ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ وَتِلْكَ هِيَ النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ فَصَدَقَ قَوْلُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ، وَهُوَ مُجْمَلٌ فَيَحْتَاجُ فِيهِ إلَى التَّفْصِيلِ مِنْ بَيَانِ الْمَخْرَجِ وَمَا يَخْرُجُ مِنْهُ.
اعْلَمْ أَنَّ الْمَخْرَجَ عَلَى نَوْعَيْنِ سَبِيلَيْنِ وَغَيْرِهِمَا، أَمَّا السَّبِيلَانِ فَخُرُوجُ كُلِّ شَيْءٍ مِنْهُمَا نَاقِضٌ لِلْوُضُوءِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ} [النساء: 43] وَهُوَ اسْمٌ لِلْمَوْضِعِ الْمُطْمَئِنِّ مِنْ الْأَرْضِ فَاسْتُعِيرَ لِمَا يَخْرُجُ إلَيْهِ، فَيَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ، وَلِقَوْلِهِ عليه السلام حِينَ سُئِلَ عَنْ الْحَدَثِ مَا يَخْرُجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَكَلِمَةُ مَا عَامَّةٌ تَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ خِلَافًا لِمَالِكٍ رحمه الله فِي غَيْرِ الْمُعْتَادِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا تَلَوْنَاهُ وَمَا رَوَيْنَاهُ وَقَوْلُهُ عليه السلام لِلْمُسْتَحَاضَةِ «تَوَضَّئِي لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ» وَدَمُ الِاسْتِحَاضَةِ لَيْسَ بِمُعْتَادٍ، ثُمَّ خُرُوجُهُ يَكُونُ بِالظُّهُورِ حَتَّى لَا يَنْتَقِضُ بِنُزُولِ الْبَوْلِ إلَى قَصَبَةِ الذَّكَرِ، وَلَوْ نَزَلَ إلَى الْقُلْفَةِ انْتَقَضَ، وَهُوَ مُشْكِلٌ لِأَنَّهُمْ قَالُوا لَا يَجِبُ عَلَى الْجُنُبِ إيصَالُ الْمَاءِ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ خِلْقَةٌ كَالْقَصَبَةِ عَلَى مَا يَجِيءُ بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى وَإِنْ حَشَا إحْلِيلَهُ بِقُطْنٍ فَخُرُوجُهُ بِابْتِلَالِ خَارِجِهِ، وَإِنْ حَشَتْ الْمَرْأَةُ فَرْجَهَا بِهِ فَإِنْ كَانَ دَاخِلَ الْفَرْجِ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهَا خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الصَّبَّ مِنْ غَيْرِهِ فَيَأْمُرُهُ بِهِ فَيُقَالُ لَهُ نَعَمْ لِمَا رَوَيْنَا مِنْ عِنْدِ التِّرْمِذِيِّ مُحْسِنًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَقِيلٍ عَنْ الرَّبِيعِ أَنَّهَا قَالَتْ «أَتَيْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم بِمِيضَأَةٍ فَقَالَ اُسْكُبِي فَسَكَبْت» وَالِاسْتِعَانَةُ جَائِزَةٌ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ لِمَا فِي حَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ مِنْ عِنْدِ ابْنِ مَاجَهْ بِسَنَدٍ صَحِيحٍ عَلَى شَرْطِ ابْنِ حِبَّانَ قَالَ «صَبَبْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم الْمَاءَ فِي السَّفَرِ وَالْحَضَرِ فِي الْوُضُوءِ» ، وَأَمَّا فِي حَدِيثِ «إنَّا لَا نَسْتَعِينُ عَلَى الْوُضُوءِ بِأَحَدٍ» فَقَدْ ذَكَرَ فِيهِ النَّوَوِيُّ أَنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ، لَكِنْ صَحَّ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام مَا كَانَ يَسْتَعِينُ عَلَى الْوُضُوءِ بِأَحَدٍ فَيُحْمَلُ الْأَوَّلُ عَلَى الْجَوَازِ وَالثَّانِي عَلَى الِاسْتِحْبَابِ، كَذَا قَالَهُ السُّرُوجِيُّ قَالَ فِي الْقُنْيَةِ: وَالْوُضُوءُ بِنَفْسِهِ أَوْلَى مِنْ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِ كَالصَّلَاةِ فِي الْأَرْضِ الطَّاهِرَةِ أَوْلَى مِنْهَا عَلَى الطَّنَافِسِ انْتَهَى.
وَذَكَرَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رحمه الله مِنْ جِهَةِ الْآدَابِ اسْتِقَاءَ مَائِهِ بِنَفْسِهِ وَأَنْ يَمْلَأَ الْإِنَاءَ بَعْدَ فَرَاغِهِ اسْتِعْدَادًا لِصَلَاةٍ أُخْرَى، وَأَنْ لَا يُكَلِّمَ النَّاسَ فِي الْوُضُوءِ انْتَهَى. زَادُ الْفَقِيرِ (قَوْلُهُ وَأَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْمَضْمَضَةِ اللَّهُمَّ أَعِنِّي عَلَى تِلَاوَةِ ذِكْرِك إلَى آخِرِهِ) ذَكَرَ النَّوَوِيُّ أَنَّ هَذِهِ الْأَدْعِيَةَ مَأْثُورَةٌ عَنْ السَّلَفِ، وَلَيْسَتْ بِمَنْقُولَةٍ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى
[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]
. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِالتَّمَسُّحِ بِالْمِنْدِيلِ) وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَأَحْمَدُ انْتَهَى كَاكِيٌّ، وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ التَّجْفِيفُ قَبْلَ غَسْلِ الْقَدَمَيْنِ بِالْمِنْدِيلِ لَا يُفْعَلُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَلَاءِ انْتَهَى كَاكِيٌّ
[نَوَاقِض الْوُضُوء]
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ) أَشَارَ بِالْخُرُوجِ إلَى أَنَّ الْمَخْرَجَ لَا يَنْقُضُ، وَالْخُرُوجُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ فِي السَّبِيلَيْنِ وَفِي غَيْرِهِمَا بِالسَّيَلَانِ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ النَّوَاقِضُ الْحَقِيقِيَّةُ) احْتِرَازًا عَنْ النَّوَاقِضِ الْحُكْمِيَّةِ كَالنَّوْمِ وَالْإِغْمَاءِ وَالسُّكْرِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ فَتِلْكَ هِيَ النَّاقِضَةُ لِلْوُضُوءِ) وَعَلَى هَذَا فَإِضَافَتُهُمْ النَّقْضَ إلَى الدُّودَةِ مَجَازٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ فَيَتَنَاوَلُ الْمُعْتَادَ وَغَيْرَهُ) كَالْحَصَاةِ وَالدُّودَةِ وَالْمُعْتَادُ قَدْ لَا يَكُونُ عَلَى الْوَجْهِ الْمُعْتَادِ كَالْبَوْلِ وَالدَّمِ وَدَمِ الِاسْتِحَاضَةِ، وَلَفْظُ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةَ يَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ. (قَوْلُهُ وَلَوْ نَزَلَ إلَى الْقُلْفَةِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَإِلَى الْقُلْفَةِ فِيهِ خِلَافٌ وَالصَّحِيحُ النَّقْضُ فِيهِ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ؛ لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ الْمَرْأَةِ إذَا خَرَجَ مِنْ فَرْجِهَا بَوْلٌ وَلَمْ يَظْهَرْ (قَوْلُهُ بِابْتِلَالِ خَارِجِهِ) وَلَوْ نَفَذَ إلَى طَاقٍ وَلَمْ يَنْفُذْ إلَى الْآخَرِ نَقَضَ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فَلَا وُضُوءَ عَلَيْهَا) فَلَوْ أَخْرَجَتْهُ وَعَلَيْهِ بَلَّةٌ كَانَ حَدَثًا حَالَةَ الْإِخْرَاجِ، وَإِنْ كَانَتْ الْقُطْنَةُ فِي الشَّفَتَيْنِ نَقَضَ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ فِيمَا تَقَدَّمَ وَيَنْقُضُهُ خُرُوجُ نَجِسٍ) ظَاهِرُهُ أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الْخُرُوجُ لَا الْخَارِجُ النَّجِسُ وَعِبَارَتُهُ فِي الْوَافِي وَيَنْقُضُهُ مَا خَرَجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ وَهِيَ كَمَا تَرَى صَرِيحَةٌ فِي أَنَّ النَّاقِضَ هُوَ الْخَارِجُ النَّجِسُ، وَقَدْ قَالَ الْمُصَنِّفُ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى - فِي الْمُسْتَصْفَى عِنْدَ قَوْلِهِ فِي النَّافِعِ وَالدَّمُ وَالْقَيْحُ إذَا خَرَجَا مِنْ الْبَدَنِ شُرِطَ الْخُرُوجُ؛ لِأَنَّ نَفْسَ النَّجَاسَةِ غَيْرُ نَاقِضٍ مَا لَمْ تُوصَفْ بِالْخُرُوجِ إذْ لَوْ كَانَ نَفْسُهَا نَاقِضًا لَمَا حَصَلَتْ الطَّهَارَةُ لِشَخْصٍ مَا
فِيمَا إذَا عَلِمَتْ أَنَّهَا لَوْ لَمْ تَحْبِسْهُ لَخَرَجَ.
وَلَوْ أَدْخَلَتْ فِي فَرْجِهَا أَوْ دُبُرِهَا يَدَهَا أَوْ شَيْئًا آخَرَ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهَا إذَا أَخْرَجَتْهُ؛ لِأَنَّهُ يَسْتَصْحِبُ النَّجَاسَةَ، وَالرِّيحُ الْخَارِجُ مِنْ قُبُلِ الْمَرْأَةِ، وَذَكَرِ الرَّجُلِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ اخْتِلَاجٌ وَلَيْسَ بِرِيحٍ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ حَدَثٌ مِنْ قُبُلِهَا قِيَاسًا عَلَى الدُّبُرِ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ قُبُلِهَا، وَإِنْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُفْضَاةً وَهِيَ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ الْبَوْلِ وَالْغَائِطِ مِنْهَا وَاحِدًا أَوْ الَّتِي صَارَ مَسْلَكُ بَوْلِهَا وَوَطْئِهَا وَاحِدًا فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ احْتِيَاطًا وَلَا يَجِبُ؛ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ بِالشَّكِّ، وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ: يَجِبُ وَقِيلَ إنْ كَانَتْ الرِّيحُ مُنْتِنَةً يَجِبُ وَإِلَّا فَلَا، وَالْخُنْثَى إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ فَالْفَرْجُ الْآخَرُ مِنْهُ بِمَنْزِلَةِ الْقُرْحَةِ فَلَا يَنْقُضُ الْخَارِجُ مِنْهُ الْوُضُوءَ مَا لَمْ يَسِلْ، وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ عَلَيْهِ، وَأَمَّا غَيْرُهُمَا أَيْ غَيْرُ السَّبِيلَيْنِ إذَا خَرَجَ مِنْهُ شَيْءٌ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهِ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ لِحَدِيثِ صَفْوَانَ بْنِ عَسَّالٍ لَكِنْ مِنْ بَوْلٍ الْحَدِيثَ، وَلَمْ يَذْكُرْ الْخَارِجَ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ وَلَوْ كَانَ حَدَثًا لَذَكَرَهُ، وَلِأَنَّ تَرْكَ مَوْضِعٍ أَصَابَهُ نَجَسٌ وَغَسْلَ مَوْضِعٍ لَمْ يُصِبْهُ مِمَّا لَا يُعْقَلُ فَيُقْتَصَرُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه السلام «الْوُضُوءُ مِنْ كُلِّ دَمٍ سَائِلٍ» .
وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ، وَلِأَنَّ خُرُوجَ النَّجَسِ مُؤَثِّرٌ فِي زَوَالِ الطَّهَارَةِ، أَمَّا مَوْضِعُ الْخُرُوجِ فَظَاهِرٌ وَأَمَّا غَيْرُهُ فَلِأَنَّ بَدَنَ الْإِنْسَانِ بِاعْتِبَارِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ لَا يَتَجَزَّأُ فِي الْوَصْفِ فَإِذَا وُصِفَ مَوْضِعٌ مِنْهُ بِالنَّجَاسَةِ وَجَبَ وَصْفُ كُلِّهِ بِذَلِكَ كَالْإِيمَانِ وَالْكُفْرِ وَالْكَذِبِ وَالصِّدْقِ وَنَحْوِ ذَلِكَ فَإِنَّهُ يُوصَفُ بِهِ كُلُّهُ، وَإِنْ كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْ هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فِي مَحَلٍّ مَخْصُوصٍ فَإِذَا صَارَ كُلُّهُ نَجِسًا وَجَبَ تَطْهِيرُ كُلِّهِ، لَكِنْ وَرَدَ الشَّرْعُ بِالِاقْتِصَارِ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ فِي السَّبِيلَيْنِ لِلْحَرَجِ لِتَكَرُّرِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُمَا فَأَلْحَقْنَا بِهِ مَا هُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، وَمَا رَوَاهُ لَا يُنَافِي غَيْرَهُ أَلَا تَرَى أَنَّ اللَّمْسَ عِنْدَهُ حَدَثٌ مَعَ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ فِي هَذَا الْحَدِيثِ، ثُمَّ الْخُرُوجُ إنَّمَا يَتَحَقَّقُ بِوُصُولِهِ إلَى مَا ذَكَرْنَا؛ لِأَنَّ مَا تَحْتَ الْجِلْدَةِ مَمْلُوءٌ دَمًا فَبِالظُّهُورِ لَا يَكُونُ خَارِجًا بَلْ بَادِيًا وَهُوَ فِي مَوْضِعِهِ بِخِلَافِ السَّبِيلَيْنِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْمَوْضِعَ لَيْسَ بِمَوْضِعِ النَّجَاسَةِ فَيُسْتَدَلُّ بِالظُّهُورِ عَلَى الِانْتِقَالِ عَنْ مَوْضِعِهِ، وَكَذَا لَوْ عَلَا عَلَى رَأْسِ الْجُرْحِ مَا لَمْ يَنْحَدِرْ لَمْ يَنْقُضْ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِسَائِلٍ وَبِهِ يَتَحَقَّقُ الْخُرُوجُ.
وَقَالَ مُحَمَّدٌ يَنْتَقِضُ وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الصَّدِيدِ وَالدَّمِ وَالْقَيْحِ وَالْمَاءِ خِلَافًا لِلْحَسَنِ فِي غَيْرِ الدَّمِ، هُوَ يَجْعَلُهُ كَالْعَرَقِ وَاللَّبَنِ وَالْمُخَاطِ وَلَنَا أَنَّهُ دَمٌ تَمَّ نُضْجُهُ؛ لِأَنَّ الدَّمَ يَنْضَجُ فَيَصِيرُ صَدِيدًا، ثُمَّ يَزْدَادُ نُضْجًا فَيَصِيرُ قَيْحًا، ثُمَّ يَزْدَادُ نُضْجًا فَيَصِيرُ مَاءً فَإِذَا تَمَّ نُضْجُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ فَصَارَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، كَذَا ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ قَاضِي خَانْ خِلَافَ الْحَسَنِ فِي الْمَاءِ لَا غَيْرُ وَلَوْ نَزَلَ الدَّمُ مِنْ الْأَنْفِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ إذَا وَصَلَ إلَى مَا لَانَ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ يَجِبُ تَطْهِيرُهُ وَإِنْ خَرَجَ مِنْ نَفْسِ الْفَمِ تُعْتَبَرُ الْغَلَبَةُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الرِّيقِ، وَإِنْ تَسَاوَيَا انْتَقَضَ الْوُضُوءُ؛ لِأَنَّ الْبُصَاقَ سَائِلٌ بِقُوَّةِ نَفْسِهِ فَكَذَا مُسَاوِيهِ بِخِلَافِ الْمَغْلُوبِ لِأَنَّهُ سَائِلٌ بِقُوَّةِ الْغَالِبِ، وَيُعْتَبَرُ ذَلِكَ مِنْ حَيْثُ اللَّوْنُ فَإِنْ كَانَ أَحْمَرَ انْتَقَضَ، وَإِنْ كَانَ أَصْفَرَ لَا يَنْتَقِضُ، وَذَكَرَ الْإِمَامُ عَلَاءُ الدِّينِ أَنَّ مَنْ أَكَلَ خُبْزًا وَرَأَى أَثَرَ الدَّمِ فِيهِ مِنْ أُصُولِ أَسْنَانِهِ يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ إصْبَعَهُ أَوْ طَرَفَ كُمِّهِ عَلَى ذَلِكَ الْمَوْضِعِ فَإِنْ وَجَدَ فِيهِ أَثَرَ الدَّمِ انْتَقَضَ وُضُوءُهُ وَإِلَّا فَلَا.
وَالْقَيْحُ الْخَارِجُ مِنْ الْأُذُنِ أَوْ الصَّدِيدُ إنْ كَانَ بِدُونِ الْوَجَعِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَمَعَ الْوَجَعِ يَنْقُضُ لِأَنَّهُ دَلِيلُ الْجُرْحِ رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَلَوْ كَانَ فِي عَيْنَيْهِ رَمَدٌ أَوْ عَمَشٌ يَسِيلُ مِنْهُمَا الدُّمُوعُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ لِوَقْتِ كُلِّ صَلَاةٍ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ يَدُهَا) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله مَنْ أَدْخَلَ إصْبَعَهُ عِنْدَ الِاسْتِنْجَاءِ فِي الدُّبُرِ يَنْقُضُ وُضُوءُهُ وَيَفْسُدُ صَوْمُهُ؛ لِأَنَّ إصْبَعَهُ لَا يَخْلُو عَنْ الْبَلَّةِ السَّائِلَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَذَكَرِ الرَّجُلِ لَا يَنْقُضُ) أَيْ فِي أَصَحِّ الرِّوَايَتَيْنِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ احْتِيَاطًا) لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهَا مِنْ الدُّبُرِ انْتَهَى هِدَايَةٌ.
وَأَثَرُ هَذَا الِاحْتِمَالِ يَظْهَرُ فِي مَسْأَلَةٍ أُخْرَى وَهِيَ أَنَّ الْمُفْضَاةَ إذَا طَلَّقَهَا زَوْجُهَا ثَلَاثًا وَتَزَوَّجَتْ بِآخَرَ، وَدَخَلَ بِهَا الزَّوْجُ الثَّانِي لَا تَحِلُّ لِلْأَوَّلِ مَا لَمْ تَحْبَلْ لِاحْتِمَالِ أَنَّ الْوَطْءَ كَانَ فِي دُبُرِهَا لَا فِي قُبُلِهَا انْتَهَى كَاكِيٌّ. وَفِي حُرْمَةِ جِمَاعِهَا عَلَى الزَّوْجِ قَالَ فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ إلَّا أَنْ يَعْلَمَ أَنَّهُ يُمْكِنُهُ إتْيَانُهَا فِي قُبُلِهَا مِنْ غَيْرِ تَعَدٍّ انْتَهَى كَمَالٌ. وَكَتَبَ أَيْضًا عَلَى قَوْلِهِ فَيُسْتَحَبُّ لَهَا الْوُضُوءُ إلَى آخِرِهِ مَا نَصُّهُ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله: وَفِي التَّعْلِيلِ وَهُوَ قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ خُرُوجِهِ مِنْ الدُّبُرِ إشَارَةً إلَى الْأَوَّلِ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو حَفْصٍ يَجِبُ) وَهُوَ رِوَايَةُ هِشَامٍ عَنْ مُحَمَّدٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ رَجُلٌ أَوْ امْرَأَةٌ) وَإِنْ كَانَ مُشْكِلًا فَكُلٌّ مِنْهُمَا فِي حُكْمِ الْفَرْجِ الْمُعْتَادِ حَتَّى انْتَقَضَ وُضُوءُهُ بِمُجَرَّدِ الظُّهُورِ، وَلَا يُشْتَرَطُ السَّيَلَانُ إلَى مَوْضِعٍ يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ وَأَكْثَرُهُمْ عَلَى إيجَابِ الْوُضُوءِ) يَعْنِي سَالَ أَوْ لَمْ يَسِلْ احْتِيَاطًا لِاحْتِمَالِ أَنَّهُ فَرْجٌ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَأَمَّا غَيْرُهُمَا) أَيْ غَيْرُ السَّبِيلَيْنِ (قَوْلُهُ وَوَصَلَ إلَى مَوْضِعٍ) أَيْ وَهُوَ ظَاهِرُ الْبَدَنِ (قَوْلُهُ فِي الْجَنَابَةِ وَنَحْوِهِ) أَيْ الْحَدَثِ الْأَصْغَرِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ عَلَى مَوْرِدِ الشَّرْعِ) أَيْ وَهُوَ الْخَارِجُ مِنْ السَّبِيلَيْنِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ) كَالْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَالثَّوْرِيِّ، وَالْحَاصِلُ أَنَّ الْخَارِجَ مِنْ السَّبِيلَيْنِ إنَّمَا كَانَ حَدَثًا لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا، وَهَذَا الْمَعْنَى مُتَحَقِّقٌ فِي الْخَارِجِ النَّجِسِ مِنْ غَيْرِ السَّبِيلَيْنِ فَهُوَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَيَلْحَقُ بِهِ دَلَالَةً فَيَكُونُ حَدَثًا يَحْيَى (قَوْلُهُ خِلَافَ الْحَسَنِ فِي الْمَاءِ) قَالَ الْحَلْوَانِيُّ: وَفِيهِ تَوْسِعَةٌ لِمَنْ بِهِ جَرَبٌ أَوْ جُدَرِيٌّ أَوْ مَجَلَتْ يَدُهُ مُجْتَبَى (قَوْلُهُ قَالُوا يُؤْمَرُ بِالْوُضُوءِ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ وَهَذِهِ مَسْأَلَةٌ النَّاسُ عَنْهَا غَافِلُونَ قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ فِي فَصْلِ الْمُسْتَحَاضَةِ وَقَوْلُ هَذَا التَّعْلِيلِ يَقْتَضِي أَنَّهُ أَمْرُ اسْتِحْبَابٍ فَإِنَّ الشَّكَّ وَالِاحْتِمَالَ فِي كَوْنِهِ نَاقِضًا لَا يُوجِبُ الْحُكْمَ بِالنَّقْضِ إذْ الْيَقِينُ لَا يَزُولُ بِالشَّكِّ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ نَعَمْ إذَا عَلِمَ مِنْ طَرِيقِ غَلَبَةِ الظَّنِّ بِإِخْبَارِ الْأَطِبَّاءِ أَوْ عَلَامَةٍ تُغَلِّبُ ظَنَّ الْمُبْتَلَى يَجِبُ انْتَهَى
لِاحْتِمَالِ أَنْ يَكُونَ صَدِيدًا أَوْ قَيْحًا، وَلَوْ كَانَ الدَّمُ فِي الْجُرْحِ فَأَخَذَهُ بِخِرْقَةٍ أَوْ أَكَلَهُ الذُّبَابُ فَازْدَادَ فِي مَكَانِهِ فَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يَزِيدُ وَيَسِيلُ لَوْ لَمْ يَأْخُذْهُ بَطَلَ وُضُوءُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ خَرَجَ بِالْعَصْرِ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْرَجٌ، وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ يَنْقُضُ وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ عِنْدَهُ. قَالَ رحمه الله
(وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ وَلَوْ مِرَّةً أَوْ عَلَقًا أَوْ طَعَامًا أَوْ مَاءً)، وَإِنَّمَا أَفْرَدَ الْقَيْءَ بِالذِّكْرِ وَإِنْ كَانَ يَدْخُلُ تَحْتَ قَوْلِهِ خُرُوجُ نَجِسٍ لِمَا أَنَّهُ يُخَالِفُ فِي حَدِّ الْخُرُوجِ عَلَى مَا يَأْتِي، وَهُوَ حَدَثٌ عِنْدَنَا لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ أَوْ قَلَسَ فَلْيَنْصَرِفْ وَلْيَتَوَضَّأْ» الْحَدِيثَ، وَهُوَ مَذْهَبُ الْعَشَرَةِ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَمَنْ تَابَعَهُمْ، وَعَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه حِينَ عَدَّ الْأَحْدَاثَ قَالَ أَوْ دَسْعَةٌ تَمْلَأُ الْفَمَ وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ مِثْلُهُ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ؛ لِأَنَّهَا نَجِسَةٌ خِلَافًا لِلْحَسَنِ فِي الْمَاءِ وَالطَّعَامِ إذَا لَمْ يَتَغَيَّرَا، وَلَوْ قَاءَ دَمًا إنْ نَزَلَ مِنْ الرَّأْسِ نَقَضَ قَلَّ أَوْ كَثُرَ بِإِجْمَاعِ أَصْحَابِنَا وَإِنْ صَعِدَ مِنْ الْجَوْفِ فَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ مِثْلُهُ، وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْهُ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ، وَهُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَالْمُخْتَارُ إنْ كَانَ عَلَقًا يُعْتَبَرُ مِلْءُ الْفَمِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ وَإِنَّمَا هُوَ سَوْدَاءُ احْتَرَقَتْ، وَإِنْ كَانَ مَائِعًا نَقَضَ وَإِنْ قَلَّ لِأَنَّهُ مِنْ قُرْحَةٍ فِي الْجَوْفِ، وَقَدْ وَصَلَ إلَى مَا يَلْحَقُهُ حُكْمُ التَّطْهِيرِ، وَشَرْطٌ أَنْ يَكُونَ مِلْءَ الْفَمِ؛ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الْخَارِجِ حَتَّى لَا يُفْطِرُ الصَّائِمُ بِالْمَضْمَضَةِ، وَلَهُ حُكْمُ الدَّاخِلِ حَتَّى لَا يُفْطِرُ بِابْتِلَاعِ شَيْءٍ مِنْ بَيْنِ أَسْنَانِهِ مِثْلُ الرِّيقِ فَلَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الْخَارِجِ مَا لَمْ يَمْلَأْ الْفَمَ، وَاخْتَلَفُوا فِي حَدِّ مِلْءِ الْفَمِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ مَا لَا يُمْكِنُ ضَبْطُهُ إلَّا بِكُلْفَةٍ، وَقِيلَ مَا لَا يُمْكِنُ الْكَلَامُ مَعَهُ، وَبَعْضُهُمْ قَدَّرَهُ بِالزِّيَادَةِ عَلَى نِصْفِ الْفَمِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ قَالَ رحمه الله (لَا بَلْغَمًا) أَيْ الْبَلْغَمُ الصِّرْفُ لَا يَنْقُضُ، وَهَذَا عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ الصَّاعِدَ مِنْ الْجَوْفِ دُونَ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّهُ نَوْعٌ مِنْ أَنْوَاعِ الْقَيْءِ فَصَارَ كَسَائِرِ أَنْوَاعِهِ، وَلِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ فِي الْمَعِدَةِ بِخِلَافِ النَّازِلِ مِنْ الرَّأْسِ؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ لَيْسَ بِمَحَلِّ النَّجَاسَةِ وَالْمَعِدَةُ مَحَلُّ النَّجَاسَةِ وَلَهُمَا أَنَّهُ لَزِجٌ لَا يَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ فَصَارَ كَمَا قَاءَ بُصَاقًا، وَلَوْ كَانَ الْبَلْغَمُ مَخْلُوطًا بِالطَّعَامِ فَإِنْ كَانَ الطَّعَامُ هُوَ الْغَالِبُ نَقَضَ إجْمَاعًا.
قَالَ رحمه الله: (أَوْ دَمًا غَلَبَ عَلَيْهِ الْبُصَاقُ)؛ لِأَنَّ الْحُكْمَ لِلْغَالِبِ فَصَارَ كَأَنَّهُ كُلُّهُ بُصَاقٌ، وَقَدْ بَيَّنَّا تَفْسِيرَ الْغَلَبَةِ فِيمَا تَقَدَّمَ هَذَا إذَا خَرَجَ مِنْ نَفْسِ الْفَمِ، وَإِنْ خَرَجَ مِنْ الْجَوْفِ فَقَدْ ذَكَرْنَا تَفَاصِيلَهُ وَاخْتِلَافَ الرِّوَايَاتِ فِيهِ قَالَ رحمه الله (وَالسَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَهُ) أَيْ السَّبَبُ يَجْمَعُ مُتَفَرِّقَ الْقَيْءِ، وَتَفْسِيرُهُ أَنْ يَكُونَ الْقَيْءُ الثَّانِي قَبْلَ سُكُونِ النَّفْسِ مِنْ الْغَثَيَانِ؛ لِأَنَّ لِاتِّحَادِ السَّبَبِ أَثَرًا فِي جَمِيعِ الْمُتَفَرِّقَاتِ فَإِنَّ الْعَبْدَ الْمَبِيعَ لَوْ مَرِضَ فِي يَدِ الْمُشْتَرِي بِالسَّبَبِ الَّذِي كَانَ فِي يَدِ الْبَائِعِ يَرُدُّهُ، وَيَجْعَلُ الثَّانِيَ عَيْنَ الْأَوَّلِ، وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ اتَّحَدَ الْمَجْلِسُ يَجْمَعُ وَإِلَّا فَلَا؛ لِأَنَّ الْمَجْلِسَ جَامِعٌ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ أَيْضًا كَالْعُقُودِ أَيْ حَتَّى يَرْتَبِطُ الْإِيجَابُ بِالْقَبُولِ وَكَالْإِقْرَارِ وَالتِّلَاوَةِ الْمُتَكَرِّرَةِ، وَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الدَّقَّاقُ يَجْمَعُ كَيْفَمَا كَانَ
قَالَ رحمه الله (وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِخَارِجٍ، وَإِنَّمَا هُوَ مُخْرَجٌ) قَالَ الْكَمَالُ لَا تَأْثِيرَ يَظْهَرُ لِلْإِخْرَاجِ وَعَدَمِهِ فِي هَذَا الْحُكْمِ بَلْ النَّقْضُ لِكَوْنِهِ خَارِجًا نَجِسًا، وَذَلِكَ يَتَحَقَّقُ مَعَ الْإِخْرَاجِ كَمَا يَتَحَقَّقُ مَعَ عَدَمِهِ فَصَارَ كَالْفَصْدِ وَقِشْرِ النَّفْطَةِ، فَلِذَا اخْتَارَ السَّرَخْسِيُّ فِي جَامِعِهِ النَّقْضَ وَفِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْمُخْرَجَ نَاقِضٌ، وَكَيْفَ وَجَمِيعُ الْأَدِلَّةِ الْمُورَدَةِ مِنْ السُّنَّةِ وَالْقِيَاسِ تُفِيدُ تَعَلُّقَ النَّقْضِ بِالْخَارِجِ النَّجِسِ وَهُوَ ثَابِتٌ فِي الْمُخْرَجِ انْتَهَى.
وَفِي النَّوَازِلِ وَفَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ عُصِرَتْ الْقُرْحَةُ فَخَرَجَ مِنْهَا شَيْءٌ كَثِيرٌ وَلَوْ لَمْ يَعْصِرْ لَا يَخْرُجُ لَا يَنْقُضُ، وَلَكِنْ قَالَ وَفِيهِ نَظَرٌ وَفِي الْجَامِعِ لِلْإِمَامِ السَّرَخْسِيِّ إذَا عَصَرَهَا فَخَرَجَ الدَّمُ بِعَصْرِهَا انْتَقَضَ وَهُوَ حَدَثٌ عَمْدٌ كَالْفَصْدِ وَالْحِجَامَةِ وَلَا يَبْنِي عَلَى صَلَاتِهِ وَفِي الْكَافِي الْأَصَحُّ أَنَّ الْمُخْرَجَ نَاقِضٌ وَفِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ مِثْلُ مَا ذَكَرَ فِي الْكِتَابِ، وَقِيلَ فِي الْفَرْقِ إنَّ فِيهِمَا بَعْدَ قَطْعِ الْجِلْدَةِ يَخْرُجُ الدَّمُ بِنَفْسِهِ وَكَذَلِكَ الْمُخْرَجُ انْتَهَى كَاكِيٌّ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَيْءٌ مَلَأَ فَاهُ) أَيْ فَمَ الْمُتَوَضِّئِ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ مِرَّةً) بِكَسْرِ الْمِيمِ أَيْ صَفْرَاءَ انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ أَوْ عَلَقًا) أَيْ دَمًا جَامِدًا انْتَهَى عَيْنِيٌّ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا قَاءَ أَحَدُكُمْ» إلَى آخِرِهِ) قِيلَ الْمُدَّعَى وَهُوَ كَوْنُ الْقَيْءِ مِلْءَ الْفَمِ حَدَثًا أَخَصُّ مِنْ الدَّلِيلِ لِأَنَّهُ مُطْلَقٌ، أَقُولُ الْمُدَّعَى هَاهُنَا كَوْنُ الْقَيْءِ حَدَثًا، وَأَمَّا اشْتِرَاطُ مِلْءِ الْفَمِ فَبِدَلِيلٍ آخَرَ سَيَأْتِي انْتَهَى يَحْيَى. (قَوْلُهُ أَوْ قَلَسَ) الْمَضْبُوطُ أَوْ رَعَفَ يَحْيَى. (قَوْلُهُ تَمْلَأُ الْفَمَ) وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ قَالَهُ سَمَاعًا مِنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم انْتَهَى كَاكِيٌّ، وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ وَصَاحِبُ الْمُحِيطِ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ نَوْمٍ غَالِبٍ وَقَيْءٍ ذَارِعٍ وَتَقَاطُرِ بَوْلٍ وَدَمٍ سَائِلٍ وَدَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ وَالْحَدَثِ وَالْقَهْقَهَةِ فِي الصَّلَاةِ» انْتَهَى كَاكِيٌّ قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ، وَأَمَّا قَوْلُ عَلِيٍّ أَوْ دَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ يُعْرَفُ وَرَوَى الْبَيْهَقِيُّ فِي الْخِلَافِيَّاتِ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «يُعَادُ الْوُضُوءُ مِنْ سَبْعٍ مِنْ إقْطَارِ الْبَوْلِ وَالدَّمِ السَّائِلِ وَالْقَيْءِ وَمِنْ دَسْعَةٍ تَمْلَأُ الْفَمَ وَنَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَقَهْقَهَةِ الرَّجُلِ فِي الصَّلَاةِ وَخُرُوجِ الدَّمِ» ، وَفِيهِ سَهْلُ بْنُ عَفَّانَ وَالْجَارُودُ بْنُ يَزِيدَ وَهُمَا ضَعِيفَانِ. (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ لِلْفَمِ حُكْمَ الْخَارِجِ) قِيلَ هَذَا تَعْلِيلٌ فِي مُقَابَلَةِ النَّصِّ فَلَا يُقْبَلُ أَقُولُ هَذَا تَعْلِيلُ النَّصِّ كَمَا هُوَ الْأَصْلُ لَا تَعْلِيلَ يُقَابِلُهُ انْتَهَى يَحْيَى.
(قَوْلُهُ وَهَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي وَالْأَصَحُّ قَوْلُ مُحَمَّدٍ رحمه الله؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ إضَافَةُ الْأَحْكَامِ إلَى الْأَسْبَابِ، وَإِنَّمَا تَدُلُّ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ إذْ لَوْ اُعْتُبِرَ السَّبَبُ لَانْتَفَى التَّدَاخُلُ؛ لِأَنَّ كُلَّ تِلَاوَةٍ سَبَبٌ وَفِي الْأَقَارِيرِ اُعْتُبِرَ الْمَجْلِسُ لِلْعُرْفِ وَالْإِيجَابِ وَالْقَبُولِ لِدَفْعِ الضَّرُورَةِ. (قَوْلُهُ لِلْمُتَفَرِّقَاتِ أَيْضًا) يَعْنِي كَالسَّبَبِ (قَوْلُهُ وَكَالْإِقْرَارِ) أَيْ الْإِقْرَارِ إذَا تَكَرَّرَ فَهُوَ وَاحِدٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَنَوْمُ مُضْطَجِعٍ وَمُتَوَرِّكٍ) حُكِيَ عَنْ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ وَعَمْرِو بْنِ دِينَارٍ وَالْإِمَامِيَّةِ أَنَّ النَّوْمَ لَيْسَ بِحَدَثٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ: وَكَانَ
لِقَوْلِهِ عليه السلام «إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ مُضْطَجِعًا فَإِنَّ مَنْ اضْطَجَعَ اسْتَرْخَتْ مَفَاصِلُهُ» أَيْ اسْتَرْخَتْ غَايَةَ الِاسْتِرْخَاءِ، وَإِلَّا فَأَصْلُ الِاسْتِرْخَاءِ مَوْجُودٌ حَالَةَ الْقِيَامِ وَنَحْوِهِ فَلَا يُفِيدُ التَّخْصِيصُ بِحَالَةِ الِاضْطِجَاعِ ثُمَّ النَّائِمُ لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ يَكُونَ مُضْطَجِعًا، وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ أَوْ مُتَوَرِّكًا وَهُوَ مُلْحَقٌ بِهِ لِزَوَالِ الْمَقْعَدَةِ عَنْ الْأَرْضِ أَوْ مُسْتَنِدًا إلَى شَيْءٍ لَوْ أُزِيلَ عَنْهُ لَسَقَطَ، فَهَذَا لَا يَخْلُو إمَّا أَنْ تَكُونَ مَقْعَدَتُهُ زَائِلَةً عَنْ الْأَرْضِ أَوْ لَا، فَإِنْ كَانَتْ زَائِلَةً نَقَضَ بِالْإِجْمَاعِ، وَإِنْ كَانَتْ غَيْرَ زَائِلَةٍ فَقَدْ ذَكَرَ الْقُدُورِيُّ أَنَّهُ يَنْقُضُ، وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ الطَّحَاوِيِّ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَنْتَقِضُ رَوَاهُ أَبُو يُوسُفَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَوْ يَكُونُ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا فَإِنَّهُ إنْ كَانَ فِي الصَّلَاةِ لَا يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ لِقَوْلِهِ عليه السلام «لَا وُضُوءَ عَلَى مَنْ نَامَ قَائِمًا أَوْ رَاكِعًا أَوْ سَاجِدًا» ، وَإِنْ كَانَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَذَلِكَ فِي الصَّحِيحِ إنْ كَانَ عَلَى هَيْئَةِ السُّجُودِ بِأَنْ كَانَ رَافِعًا بَطْنَهُ عَنْ فَخِذَيْهِ مُجَافِيًا عَضُدَيْهِ عَنْ جَنْبَيْهِ، وَإِلَّا انْتَقَضَ وُضُوءُهُ، وَاخْتَلَفُوا فِي الْمَرِيضِ إذَا كَانَ يُصَلِّي مُضْطَجِعًا فَنَامَ فَالصَّحِيحُ أَنَّ وُضُوءَهُ يَنْتَقِضُ لِمَا رَوَيْنَا، وَالنُّعَاسُ نَوْعَانِ ثَقِيلٌ وَهُوَ حَدَثٌ فِي حَالَةِ الِاضْطِجَاعِ وَخَفِيفٌ وَهُوَ لَيْسَ بِحَدَثٍ فِيهَا، وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّهُ إنْ كَانَ يَسْمَعُ مَا قِيلَ عِنْدَهُ فَهُوَ خَفِيفٌ وَإِلَّا فَهُوَ ثَقِيلٌ وَلَوْ نَامَ قَاعِدًا أَوْ قَائِمًا فَسَقَطَ عَلَى وَجْهِهِ أَوْ جَنْبِهِ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ سُقُوطِهِ أَوْ حَالَةَ سُقُوطِهِ أَوْ سَقَطَ نَائِمًا وَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ لَا يَنْتَقِضُ، وَإِنْ اسْتَقَرَّ بَعْدَ السُّقُوطِ نَائِمًا ثُمَّ انْتَبَهَ نَقَضَ لِوُجُودِ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ يَنْقُضُ بِالسُّقُوطِ لِزَوَالِ الِاسْتِمْسَاكِ حَيْثُ سَقَطَ، وَعَنْ مُحَمَّدٍ إنْ انْتَبَهَ قَبْلَ أَنْ تُزَايِلَ مَقْعَدَتُهُ الْأَرْضَ لَمْ يَنْتَقِضْ، وَإِنْ زَايَلَهَا وَهُوَ نَائِمٌ انْتَقَضَ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ، وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ ثُمَّ النَّوْمُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ، وَإِنَّمَا الْحَدَثُ مَا لَا يَخْلُو النَّائِمُ عَنْهُ فَأُقِيمَ السَّبَبُ الظَّاهِرُ مَقَامَهُ كَمَا فِي السَّفَرِ وَنَحْوِهِ.
قَالَ: رحمه الله (وَإِغْمَاءٌ وَجُنُونٌ وَسُكْرٌ) فَهَذِهِ الْأَشْيَاءُ تَكُونُ حَدَثًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا أَيْ حَالَةَ الْقِيَامِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ؛ لِأَنَّهَا فَوْقَ النَّوْمِ مُضْطَجِعًا؛ لِأَنَّ النَّائِمَ إذَا نُبِّهَ انْتَبَهَ بِخِلَافِ مَنْ قَامَ بِهِ هَذِهِ الْأَشْيَاءُ، وَلِأَنَّ لِلْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ أَثَرًا فِي سُقُوطِ الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ النَّوْمِ، وَلِأَنَّ الْقِيَاسَ أَنْ يَكُونَ النَّوْمُ حَدَثًا فِي الْأَحْوَالِ كُلِّهَا فَتُرِكَ بِالنَّصِّ وَلَا نَصَّ فِي هَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَبَقِيَتْ عَلَى الْأَصْلِ، ثُمَّ الْإِغْمَاءُ مَا يَصِيرُ الْعَقْلُ بِهِ مَغْلُوبًا وَالْجُنُونُ مَا يَصِيرُ بِهِ مَسْلُوبًا، وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مَنْ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَعَنْ الْحَلْوَانِيِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ إذَا نَامَ أَجْلَسَ عِنْدَهُ مَنْ يَحْفَظُهُ فَإِذَا انْتَبَهَ سَأَلَهُ فَإِنْ أَخْبَرَهُ بِظُهُورِ شَيْءٍ مِنْهُ أَعَادَ الْوُضُوءَ انْتَهَى. وَفِي أَمَالِي قَاضِي خَانْ نَامَ جَالِسًا وَهُوَ يَتَمَايَلُ فَتَزُولُ مَقْعَدَتُهُ عَنْ الْأَرْضِ، قَالَ الْحَلْوَانِيُّ ظَاهِرُ الْمَذْهَبِ أَنَّهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ انْتَهَى كَاكِيٌّ وَمُجْتَبَى قَالَ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ وَلَوْ نَامَ مُحْتَبِيًا وَرَأْسُهُ عَلَى رُكْبَتَيْهِ لَا يَنْتَقِضُ انْتَهَى وَفِي الْقُنْيَةِ وَنَوْمُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم لَيْسَ بِحَدَثٍ وَهُوَ مِنْ خَصَائِصِهِ، وَذَكَرَ أَنَّهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه وَقَدْ نَظَمَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ الطَّرَسُوسِيُّ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -
نَوْمُ النَّبِيِّ عِنْدَ الْإِمَامِ الْأَعْظَمِ
…
لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ حَتْمًا فَاعْلَمْ
وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ «تَنَامُ عَيْنَايَ وَلَا يَنَامُ قَلْبِي» وَفِي الصَّحِيحِ «أَنَّهُ نَامَ حَتَّى سُمِعَ لَهُ غَطِيطٌ ثُمَّ قَامَ فَصَلَّى وَلَمْ يَتَوَضَّأْ» انْتَهَى.
(قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّمَا الْوُضُوءُ عَلَى مَنْ نَامَ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ فَخْرُ الدِّينِ الرَّازِيّ إنَّمَا لِحَصْرِ الشَّيْءِ فِي الْحُكْمِ أَوْ لِحَصْرِ الْحُكْمِ فِي الشَّيْءِ؛ لِأَنَّ إنَّ لِلْإِثْبَاتِ وَمَا لِلنَّفْيِ فَيَقْتَضِي إثْبَاتَ الْمَذْكُورِ وَنَفْيَ مَا عَدَاهُ وَلَا يُقَالُ الْحُكْمُ لَمْ يَنْحَصِرْ هَاهُنَا لِانْتِقَاضِهِ بِغَيْرِ النَّوْمِ قُلْنَا حَصْرُ الْوُضُوءِ الْمُتَعَلِّقِ بِالنَّوْمِ فِي النَّوْمِ بِصِفَةِ الِاضْطِجَاعِ، وَإِنَّمَا أَوْجَبُوا الْوُضُوءَ عَلَى الْمُسْتَنِدِ وَالْمُتَّكِئِ لِاسْتِوَائِهِمَا الْمَنْصُوصِ عَلَيْهِ فِي الْمَعْنَى الْمَنْصُوصِ، وَهُوَ اسْتِرْخَاءُ الْمَفَاصِلِ فَيَثْبُتُ الْحُكْمُ فِيهِمَا بِدَلَالَةِ النَّصِّ هَكَذَا قَالَ أُسْتَاذُنَا رضي الله عنه انْتَهَى مُسْتَصْفَى (قَوْلُهُ حَالَةَ الْقِيَامِ وَنَحْوِهِ) أَيْ مِنْ الْقُعُودِ وَالرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ. (قَوْلُهُ وَانْتَبَهَ مِنْ سَاعَتِهِ) أَيْ قَبْلَ أَنْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ بِوَضْعِ الْجَنْبِ عَلَيْهَا انْتَهَى يَحْيَى (قَوْلُهُ حَيْثُ سَقَطَ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَسْتَقِرَّ عَلَى الْأَرْضِ.
(فَائِدَةٌ) سُئِلْت عَنْ شَخْصٍ بِهِ انْفِلَاتُ رِيحٍ هَلْ يَنْتَقِضُ وُضُوءُهُ بِالنَّوْمِ (فَأَجَبْت) بِعَدَمِ النَّقْضِ بِنَاءً عَلَى مَا هُوَ الصَّحِيحُ أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ لَيْسَ بِنَاقِضٍ، وَإِنَّمَا النَّاقِضُ مَا يَخْرُجُ وَمَنْ ذَهَبَ إلَى أَنَّ النَّوْمَ نَفْسَهُ نَاقِضٌ لَزِمَهُ نَقْضُ وُضُوءِ مَنْ بِهِ انْفِلَاتُ الرِّيحِ بِالنَّوْمِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(قَوْلُهُ النَّوْمُ نَفْسُهُ لَيْسَ بِحَدَثٍ) ذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ فِي كَوْنِ نَوْمِ الْمُضْطَجِعِ طَرِيقَانِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَيْنَهُ حَدَثٌ بِالسُّنَّةِ الْمَرْوِيَّةِ؛ لِأَنَّ كَوْنَهُ طَاهِرًا ثَابِتٌ بِيَقِينٍ وَلَا يُزَالُ الْيَقِينُ إلَّا بِيَقِينٍ مِثْلِهِ وَخُرُوجُ شَيْءٍ مِنْهُ لَيْسَ بِيَقِينٍ فَعَرَفْنَا أَنَّ عَيْنَهُ حَدَثٌ وَالثَّانِي أَنَّ الْحَدَثَ مَا لَا يَخْلُو عَنْهُ النَّائِمُ عَادَةً فَإِنَّ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ مُسْتَحْكِمٌ فَتَسْتَرْخِي مَفَاصِلُهُ فَيَخْرُجُ شَيْءٌ مِنْهُ عَادَةً، وَمَا ثَبَتَ مِنْهُ عَادَةً كَالْمُتَيَقِّنِ بِهِ فَيَثْبُتُ الْحَدَثُ تَقْدِيرًا لِقِيَامِ النَّوْمِ مَقَامَ الْخُرُوجِ انْتَهَى كَاكِيٌّ
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَجُنُونٌ) وَفِي مَبْسُوطِ شَيْخِ الْإِسْلَامِ لَمْ يَنْقُضْ لِغَلَبَةِ الِاسْتِرْخَاءِ؛ لِأَنَّ الْمَجْنُونَ أَقْوَى مِنْ الصَّحِيحِ بَلْ لِعَدَمِ تَمْيِيزِ الْحَدَثِ مِنْ غَيْرِهِ انْتَهَى فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَالْجُنُونُ مَا بِهِ يَصِيرُ مَسْلُوبًا) فَعَنْ هَذَا صَحَّ الْإِغْمَاءُ عَلَى الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - دُونَ الْجُنُونِ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَالْمُرَادُ بِالسُّكْرِ مَا لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ) قَالَ شَيْخُنَا الْعَلَّامَةُ سَرِيِّ الدِّينِ أَمْتَعَ اللَّهُ بِحَيَاتِهِ فِي شَرْحِهِ عَلَى قَيْدِ الشَّرَائِدِ مَا نَصُّهُ وَحَدُّ السُّكْرِ النَّاقِضِ فِيهِ خِلَافٌ فَقِيلَ هُوَ حَدُّهُ فِي الْحَدِّ، وَهُوَ أَنْ لَا يَعْرِفَ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ عِنْدَ بَعْضِ الْمَشَايِخِ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الصَّدْرِ الشَّهِيدِ وَالصَّحِيحُ مَا قِيلَ عَنْ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ الْحُلْوَانِيُّ أَنَّهُ دَخَلَ فِي مِشْيَتِهِ تَحَرُّكٌ فَهَذَا سُكْرٌ يَنْتَقِضُ بِهِ الْوُضُوءُ، وَكَذَا الْجَوَابُ فِي حُكْمِ الْحِنْثِ إذَا حَلَفَ أَنَّهُ لَيْسَ بِسَكْرَانَ وَكَانَ عَلَى هَذِهِ الْكَيْفِيَّةِ يَحْنَثُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ بِحَالٍ لَا يَعْرِفُ الرَّجُلَ مِنْ الْمَرْأَةِ كَذَا فِي
إذَا دَخَلَ فِي مَشْيِهِ اخْتِلَالٌ نَقَضَ، وَلِذَا يَحْنَثُ بِهِ فِي يَمِينِهِ أَنْ لَا يَسْكَرَ.
قَالَ رحمه الله: (وَقَهْقَهَةُ مُصَلٍّ بَالِغٍ) اُحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ مُصَلٍّ مِمَّا لَيْسَ بِمُصَلٍّ، وَيَنْصَرِفُ قَوْلُهُ مُصَلٍّ إلَى الصَّلَاةِ الْكَامِلَةِ الْأَرْكَانِ لِأَنَّهَا هِيَ الْمَعْهُودَةُ، وَإِنْ كَانَ يُصَلِّي بِالْإِيمَاءِ أَوْ عَلَى الدَّابَّةِ حَيْثُ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ أَوْ فِي سُجُودِ السَّهْوِ أَوْ بَعْدَمَا تَوَضَّأَ لِحَدَثٍ قَبْلَ أَنْ يَبْنِيَ بَعْدَ أَنْ كَانَتْ الصَّلَاةُ مُطْلَقَةً بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ، وَاحْتُرِزَ بِقَوْلِهِ بَالِغٍ مِمَّنْ لَيْسَ بِبَالِغٍ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِجِنَايَةٍ فِي حَقِّهِ وَقِيلَ يَنْقُضُ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُقَهْقِهَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا فَالْكُلُّ نَاقِضٌ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَنْقُضُ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ حَدَثًا لَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي الصَّلَاةِ أَوْ خَارِجَهَا كَسَائِرِ الْأَحْدَاثِ، وَلَنَا مَا رُوِيَ «أَنَّ أَعْمَى تَرَدَّى فِي بِئْرٍ وَالنَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِأَصْحَابِهِ فَضَحِكَ بَعْضُ مَنْ كَانَ يُصَلِّي مَعَهُ عليه السلام فَأَمَرَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ كَانَ ضَحِكَ مِنْهُمْ أَنْ يُعِيدَ الْوُضُوءَ وَيُعِيدَ الصَّلَاةَ» ، وَالْقِيَاسُ بِمُقَابَلَةِ الْمَنْقُولِ مَرْدُودٌ، وَلِأَنَّ الْفَرْقَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ سَائِرِ الْأَحْدَاثِ ظَاهِرٌ وَهُوَ أَنَّ الْمَقْصُودَ بِالصَّلَاةِ إظْهَارُ الْخُشُوعِ، وَالضِّحْكُ يُنَافِيهِ فَنَاسَبَ الْمُجَازَاةَ بِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ زَجْرًا لَهُ كَالْإِرْثِ وَالْوَصِيَّةِ يَبْطُلَانِ بِالْقَتْلِ، وَلِأَنَّ مَنْ بَلَغَ هَذِهِ الْغَايَةَ مِنْ الضِّحْكِ فِي هَذِهِ الْحَالَةِ رُبَّمَا غَابَ حِسُّهُ فَأَشْبَهَ نَوْمَ الْمُضْطَجِعِ وَالْجُنُونَ.
فَإِنْ قِيلَ لَيْسَ فِي مَسْجِدِهِ عليه الصلاة والسلام بِئْرٌ وَلَا يُتَصَوَّرُ مِنْ الصَّحَابَةِ ضَحِكٌ خُصُوصًا خَلْفَهُ عليه السلام فَلَا يَثْبُتُ، قُلْنَا: لَيْسَ الْمُرَادُ بِمَنْ ضَحِكَ الْخُلَفَاءَ الرَّاشِدِينَ وَلَا الْعَشَرَةَ الْمُبَشَّرِينَ بِالْجَنَّةِ وَلَا الْكِبَارَ مِنْ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ بَلْ لَعَلَّ الضَّاحِكَ كَانَ مِنْ بَعْضِ الْأَحْدَاثِ أَوْ الْمُنَافِقِينَ أَوْ بَعْضِ الْأَعْرَابِ لِغَلَبَةِ الْجَهْلِ عَلَيْهِمْ كَمَا بَالَ أَعْرَابِيٌّ فِي مَسْجِدِهِ عليه السلام وَهُوَ نَظِيرُ قَوْله تَعَالَى {وَتَرَكُوكَ قَائِمًا} [الجمعة: 11] فَإِنَّهُ لَمْ يَتْرُكْهُ كِبَارُ الصَّحَابَةِ بِاللَّهْوِ، وَكَذَا الْمُرَادُ بِالْبِئْرِ بِئْرٌ حُفِرَتْ لِأَجْلِ الْمَطَرِ عِنْدَ بَابِ الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهَا تُسَمَّى بِئْرًا وَيَبْطُلُ التَّيَمُّمُ بِالْقَهْقَهَةِ وَلَا يَبْطُلُ الْغُسْلُ وَقِيلَ تَبْطُلُ طَهَارَةُ الْأَعْضَاءِ الْأَرْبَعَةِ، فَيُعِيدُ الْوُضُوءَ دُونَ الْغُسْلِ وَلَوْ قَهْقَهَ نَائِمًا فِي الصَّلَاةِ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَوُضُوءُهُ، أَمَّا الصَّلَاةُ فَلِأَجْلِ أَنَّهُ كَلَامٌ وَأَمَّا الْوُضُوءُ فَلِلنَّصِّ إذْ هُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَقِيلَ يَبْطُلُ الْوُضُوءُ دُونَ الصَّلَاةِ كَغَيْرِهَا مِنْ الْأَحْدَاثِ إذَا سَبَقَهُ الْحَدَثُ، وَقِيلَ تَبْطُلُ الصَّلَاةُ دُونَ الْوُضُوءِ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِقَبِيحٍ فِي حَقِّهِ فَلَا تَكُونُ جِنَايَةً، وَبُطْلَانُ الصَّلَاةِ لِأَجْلِ أَنَّهَا كَلَامٌ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهَا لَا تُبْطِلُ الْوُضُوءَ وَلَا الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّ النَّوْمَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ كَمَا فِي سَائِرِ الْأَحْكَامِ، وَلَيْسَتْ الْقَهْقَهَةُ بِقَبِيحَةٍ فِي حَقِّهِ فَلَا يَثْبُتُ بِهِ حُكْمٌ، ثُمَّ الْقَهْقَهَةُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ وَلِجِيرَانِهِ بَدَتْ أَسْنَانُهُ أَوْ لَا، وَقَدْ تَقَدَّمَ حُكْمُهَا، وَالضَّحِكُ مَا يَكُونُ مَسْمُوعًا لَهُ دُونَ جِيرَانِهِ، وَهُوَ مُبْطِلٌ لِلصَّلَاةِ دُونَ الْوُضُوءِ، وَالتَّبَسُّمُ مَا لَا صَوْتَ فِيهِ وَلَا تَأْثِيرَ لَهُ فِي وَاحِدٍ مِنْهُمَا
قَالَ رحمه الله (وَمُبَاشَرَةٌ فَاحِشَةٌ) وَهِيَ أَنْ يُبَاشِرَ امْرَأَتَهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الذَّخِيرَةِ وَفِي عُرُوضِ هَذَا فِي الصَّلَاةِ نَظَرٌ اللَّهُمَّ إلَّا أَنْ يُحْمَلَ عَلَى أَنَّهُ شَرِبَ الْمُسْكِرَ فَقَامَ إلَى الصَّلَاةِ قَبْلَ أَنْ يَصِيرَ إلَى هَذِهِ الْحَالَةِ، ثُمَّ صَارَ فِي أَثْنَائِهَا إلَى حَالَةٍ لَوْ مَشَى فِيهَا لَتَحَرَّكَ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ انْتَهَى.
(قَوْلُهُ إذَا دَخَلَ فِي مَشْيِهِ اخْتِلَالٌ نَقَضَ) قَالَ الزَّاهِدِيُّ هُوَ الْأَصَحُّ وَقَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ هُوَ الصَّحِيحُ انْتَهَى
(قَوْلُهُ وَكَذَا لَوْ قَهْقَهَ بَعْدَمَا قَعَدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ) خِلَافًا لِزُفَرَ لِأَنَّهَا لَا تُفْسِدُ الْوُضُوءَ وَقُلْنَا الْقَهْقَهَةُ حَدَثٌ فِي الصَّلَاةِ، وَلَا تَفْصِيلَ فِي الْأَخْبَارِ وَحُرْمَةُ الصَّلَاةِ بَاقِيَةٌ انْتَهَى كَافِي.
(قَوْلُهُ بِخِلَافِ صَلَاةِ الْجِنَازَةِ) أَيْ وَسَجْدَةُ التِّلَاوَةِ حَتَّى لَوْ قَهْقَهَ فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ أَوْ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ بَلْ يَبْطُلُ مَا قَهْقَهَ فِيهِ شَرْحُ الْوِقَايَةِ انْتَهَى هَذَا إذَا قَهْقَهَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ خَارِجَ الصَّلَاةِ، أَمَّا لَوْ قَهْقَهَ فِي سَجْدَةِ التِّلَاوَةِ فِي الصَّلَاةِ تَنْتَقِضُ طَهَارَتُهُ ذَكَرَهُ فِي النِّهَايَةِ فِي سُجُودِ التِّلَاوَةِ وَنَحْنُ نَقُولُ الضَّحِكُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ لَيْسَ كَالضَّحِكِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ حَالَةُ الْمُنَاجَاةِ مَعَ اللَّهِ تَعَالَى فَتَعْظُمُ الْجِنَايَةُ مِنْهُ بِالضَّحِكِ فِي حَالَةِ الْمُنَاجَاةِ، وَصَلَاةُ الْجِنَازَةِ لَيْسَتْ بِصَلَاةٍ مُطْلَقَةٍ فَلَا تَكُونُ مُنَاجَاةً، وَكَذَلِكَ سَجْدَةُ التِّلَاوَةِ وَالْمَخْصُوصُ عَنْ الْقِيَاسِ لَا يَلْحَقُ بِهِ مَا لَيْسَ فِي مَعْنَاهُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَلَا يَكُونُ مُنَاجَاةً انْتَهَى مُسْتَصْفَى. (قَوْلُهُ بِانْتِقَاضِ الطَّهَارَةِ) وَبَعْضُ الْمَشَايِخِ جَعَلَهَا حَدَثًا فَلَا يَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا، وَبَعْضُهُمْ أَوْجَبَ الْوُضُوءَ عُقُوبَةً فَيَجُوزُ مَسُّ الْمُصْحَفِ مَعَهَا انْتَهَى كَاكِيٌّ.
(قَوْلُهُ وَيُبْطِلُ التَّيَمُّمَ الْقَهْقَهَةُ) أَيْ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْوُضُوءِ قَالَهُ فِي التَّجْنِيسِ وَلَمْ يَحْكِ خِلَافًا وَفِي الْمُحِيطِ وَلَا يُبْطِلُ الْغُسْلَ وَهَلْ يُبْطِلُ الْوُضُوءَ فِي حَقِّ الْمُغْتَسِلِ حَتَّى لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ بَعْدَهُ بِلَا تَجْدِيدِ وُضُوئِهِ؟ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ قِيلَ لَا يُبْطِلُهُ فَلَا يُعِيدُ الْوُضُوءَ لِأَنَّهُ ثَابِتٌ فِي ضِمْنِ الْغُسْلِ فَإِذَا لَمْ يَبْطُلْ الْمُتَضَمِّنُ لَا يَبْطُلُ الْمُتَضَمَّنُ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُبْطِلُهُ وَيُعِيدُهُ؛ لِأَنَّ إعَادَةَ الْوُضُوءِ وَاجِبَةٌ بِطَرِيقِ الْعُقُوبَةِ عِنْدَ الْقَهْقَهَةِ لَا أَنَّهَا حَدَثٌ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهَا لَيْسَ بِخَارِجٍ نَجِسٍ بَلْ هِيَ كَالْبُكَاءِ وَالْكَلَامِ انْتَهَى كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ لِأَنَّ النَّوْمَ يُبْطِلُ حُكْمَ الْكَلَامِ) الْمُخْتَارُ أَنَّ كَلَامَ النَّائِمِ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ انْتَهَى يَحْيَى (قَوْلُهُ وَلَيْسَتْ الْقَهْقَهَةُ إلَى آخِرِهِ) وَعَلَّلَهُ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ بِأَنَّهَا إنَّمَا جُعِلَتْ حَدَثًا بِشَرْطِ كَوْنِهَا جِنَايَةً وَلَا جِنَايَةَ مِنْ النَّائِمِ بِخِلَافِ السَّهْوِ لِأَنَّهُ جِنَايَةٌ فَيُؤَاخَذُ بِهِ، وَلَا يَغْلِبُ وُجُودُ الْقَهْقَهَةِ سَاهِيًا؛ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ تُذَكِّرُهُ فَلَا يُعْذَرُ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله فِي كِتَابِهِ زَادِ الْفَقِيرِ وَيَنْقُضُهُ الْقَهْقَهَةُ فِي الصَّلَاةِ الْمُطْلَقَةِ إلَّا إذَا كَانَ نَائِمًا فِي صَلَاتِهِ وَقَهْقَهَ فِي نَوْمِهِ لَا يَنْتَقِضُ، وَلَكِنْ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ فِي الْمُخْتَارِ، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ أُحْجِيَّةٌ وَضَحِكُ الصَّبِيِّ وَالْبَالِغِ سَوَاءٌ قَالَ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ لِلْمُصَنِّفِ رحمه الله وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الضِّحْكَ يَنْقُضُ الصَّلَاةَ وَلَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمُبَاشَرَةُ فَاحِشَةٍ) تُوجِبُ الْوُضُوءَ عَلَى الرَّجُلِ وَالْمَرْأَةِ انْتَهَى قُنْيَةٌ.
(فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْفَتْحِ مُحْدِثٌ غَسَلَ بَعْضَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ فَفَنِيَ الْمَاءُ فَتَيَمَّمَ وَشَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَقَهْقَهَ، ثُمَّ وَجَدَ الْمَاءَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ يَغْسِلُ بَاقِيَ الْأَعْضَاءِ وَيُصَلِّي وَعِنْدَهُمَا يَغْسِلُ جَمِيعَهَا بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْقَهْقَهَةَ هَلْ تُبْطِلُ مَا غَسَلَ مِنْ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ
مِنْ غَيْرِ حَائِلٍ، وَيَنْتَشِرَ ذَكَرُهُ لَهَا وَيَضَعَ فَرْجُهُ عَلَى فَرْجِهَا، وَلَمْ يَشْتَرِطْ بَعْضُهُمْ مُمَاسَّةَ الْفَرْجِ لِلْفَرْجِ، وَالْأَوَّلُ الظَّاهِرُ وَقَالَ مُحَمَّدٌ لَا يَنْتَقِضُ الْوُضُوءُ إلَّا بِخُرُوجِ مَذْيٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ لِأَنَّهُ يُمْكِنُهُ الْوُقُوفُ عَلَى حَقِيقَتِهِ بِخِلَافِ الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ، وَجْهُ الِاسْتِحْسَانِ أَنَّ الْمُبَاشَرَةَ الْفَاحِشَةَ لَا تَخْلُو عَنْ خُرُوجِ مَذْيٍ غَالِبًا وَهُوَ كَالْمُتَحَقِّقِ وَلَا عِبْرَةَ بِالنَّادِرِ
قَالَ رحمه الله (لَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) أَيْ الدُّودَةُ الْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ لَا تَنْقُضُ الْوُضُوءَ بِخِلَافِ الْخَارِجَةِ مِنْ الدُّبُرِ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ الْخَارِجَةَ مِنْ الدُّبُرِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ الطَّعَامِ، وَهُوَ لَوْ خَرَجَ بِنَفْسِهِ نَقَضَ الْوُضُوءَ فَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ، وَالْخَارِجَةُ مِنْ الْجُرْحِ مُتَوَلِّدَةٌ مِنْ اللَّحْمِ وَهُوَ لَوْ سَقَطَ لَا يَنْقُضُ فَكَذَا مَا تَوَلَّدَ مِنْهُ وَالثَّانِي أَنَّهَا تَسْتَصْحِبُ قَلِيلًا مِنْ الرُّطُوبَةِ وَهُوَ حَدَثٌ فِي السَّبِيلَيْنِ دُونَ غَيْرِهِمَا.
قَالَ رحمه الله (وَمَسُّ ذَكَرٍ) أَيْ مَسُّهُ لَا يَنْقُضُ الْوُضُوءَ، وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرِ النَّاقِضِ، وَهُوَ مَذْهَبُ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ وَعَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَزَيْدِ بْنِ ثَابِتٍ وَغَيْرِهِمْ مِنْ كِبَارِ الصَّحَابَةِ وَصُدُورِ التَّابِعِينَ مِثْلُ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ وَسَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ وَالثَّوْرِيِّ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَمْ نَعْلَمْ أَحَدًا مِنْ الصَّحَابَةِ أَفْتَى بِالْوُضُوءِ مِنْهُ غَيْرَ ابْنِ عُمَرَ، وَقَدْ خَالَفَهُ أَكْثَرُهُمْ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِحَدِيثِ بُسْرَةَ بْنِ صَفْوَانَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ مَسَّ ذَكَرَهُ فَلْيَتَوَضَّأْ» ، وَلِأَنَّهُ سَبَبٌ لِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَذْيِ فَصَارَ كَالْمَذْيِ، وَكَمَا فِي الْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ لَمَّا كَانَ سَبَبًا لِاسْتِطْلَاقِ الْمَنِيِّ جُعِلَ كَالْمَنِيِّ، وَلَنَا حَدِيثُ قَيْسِ بْنِ طَلْقٍ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ رَجُلٌ كَأَنَّهُ بَدَوِيٌّ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا تَرَى فِي رَجُلٍ مَسَّ ذَكَرَهُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ هَلْ هُوَ إلَّا مُضْغَةٌ مِنْك أَوْ بَضْعَةٌ مِنْك»، قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ أَحْسَنُ شَيْءٍ فِي هَذَا الْبَابِ وَأَصَحُّ، وَقَدْ رَوَاهُ غَيْرُهُ مِنْ الْأَكَابِرِ وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم سُئِلَ عَنْ مَسِّ الذَّكَرِ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ جُزْءٌ مِنْك» وَحَدِيثُ بُسْرَةَ ضَعَّفَهُ جَمَاعَةٌ حَتَّى قَالَ يَحْيَى بْنُ مَعِينٍ ثَلَاثَةُ أَحَادِيثَ لَمْ تَصِحَّ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم حَدِيثُ مَسِّ الذَّكَرِ «وَلَا نِكَاحَ إلَّا بِوَلِيٍّ» «وَكُلُّ مُسْكِرٍ حَرَامٌ» ، ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو الْفَرَجِ وَمِثْلُهُ عَنْ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقَ بْنِ رَاهْوَيْهِ وَأَمَّا قَوْلُهُمْ سَبَبٌ لِاسْتِطْلَاقِ وِكَاءِ الْمَذْيِ قُلْنَا الْإِقَامَةُ لَهَا قَاعِدَتَانِ: إحْدَاهُمَا أَنْ يَتَعَذَّرَ الِاطِّلَاعُ عَلَى حَقِيقَةِ الشَّيْءِ فَيُقَامُ السَّبَبُ مَقَامَهُ كَمَا فِي نَوْمِ الْمُضْطَجِعِ وَالْتِقَاءِ الْخِتَانَيْنِ أُقِيمَا مَقَامَ الْخَارِجِ.
وَالثَّانِيَةُ أَنْ يَكُونَ الْغَالِبُ وُجُودَهُ عِنْدَ سَبَبِهِ مَعَ إمْكَانِ الِاطِّلَاعِ فَيُجْعَلُ النَّادِرُ كَالْمَعْدُومِ كَمَا قُلْنَا فِي الْمُبَاشَرَةِ الْفَاحِشَةِ، وَلَمْ يُوجَدْ وَاحِدٌ مِنْهُمَا هُنَا وَلِأَنَّهُمْ قَالُوا إذَا مَسَّ ذَكَرَ غَيْرِهِ يَنْتَقِضُ وُضُوءُ الْمَاسِّ دُونَ الْمَمْسُوسِ، وَهُوَ مِمَّا لَا يُعْقَلُ مَعْنَاهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَتَنَاوَلُهُ لَفْظُ الْحَدِيثِ وَلَا وُجِدَ الْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرُوهُ فِي الْمَاسِّ بَلْ كَانَ الْمَمْسُوسُ أَوْلَى بِالنَّقْضِ عَلَى اعْتِبَارِ الشَّهْوَةِ، وَأَبْعَدُ مِنْهُ مَسُّ الذَّكَرِ الْمَقْطُوعِ أَوْ مَوْضِعُ الْجَبِّ فَإِنَّهُ عِنْدَهُمْ يَنْقُضُ بِلَا دَلِيلٍ نَقْلِيٍّ وَلَا عَقْلِيٍّ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ مَسُّ فَرْجِ الْبَهِيمَةِ قَالَ رحمه الله (وَامْرَأَةٍ) أَيْ وَمَسُّ امْرَأَةٍ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى غَيْرِ النَّاقِضِ.
وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَنْقُضُ الْوُضُوءَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: 43] وَلِأَنَّ مَسَّهَا سَبَبُ خُرُوجِ الْمَذْيِ فَيُدَارُ الْحُكْمُ عَلَيْهِ، وَلَنَا حَدِيثُ «عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ كُنْت أَنَامُ بَيْنَ يَدَيْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَرِجْلَايَ فِي قِبْلَتِهِ فَإِذَا سَجَدَ غَمَزَنِي فَقَبَضْت رِجْلِي، وَإِذَا قَامَ بَسَطْتهمَا» وَعَنْهَا «أَنَّهُ عليه السلام كَانَ يُقَبِّلُ بَعْضَ نِسَائِهِ ثُمَّ يَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ وَلَا يَتَوَضَّأُ» وَلَا حُجَّةَ لَهُمْ فِي الْآيَةِ؛ لِأَنَّ الْمُرَادَ بِهَا الْجِمَاعُ؛ لِأَنَّ اللَّمْسَ يُذْكَرُ وَيُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، وَفَسَّرَ الْآيَةَ ابْنُ عَبَّاسٍ بِالْجِمَاعِ وَهُوَ تُرْجُمَانُ الْقُرْآنِ وَهُوَ مُوَافِقٌ لِمَا قَالَهُ أَهْلُ اللُّغَةِ حَتَّى قَالَ ابْنُ السِّكِّيتِ اللَّمْسُ إذَا قُرِنَ بِالْمَرْأَةِ يُرَادُ بِهِ الْجِمَاعُ، تَقُولُ الْعَرَبُ لَمَسْت الْمَرْأَةَ أَيْ جَامَعْتهَا فَكَانَ الْحَمْلُ عَلَى الْجِمَاعِ أَوْلَى، وَيُؤَيِّدُهُ أَنَّ الْمُلَامَسَةَ مُفَاعَلَةٌ مِنْ اللَّمْسِ، وَذَلِكَ يَكُونُ بَيْنَ اثْنَيْنِ وَعِنْدَهُمْ لَا يُشْتَرَطُ اللَّمْسُ مِنْ الطَّرَفَيْنِ فَكَانَتْ الْآيَةُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذَكَرَ الْمَسَّ وَأَرَادَ بِهِ الْجِمَاعَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى حِكَايَةً عَنْ مَرْيَمَ {وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ} [آل عمران: 47]، وَكَذَا الْمُبَاشَرَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَالظَّاهِرُ أَنَّ هَذَا مِثْلُهُ؛ لِأَنَّ الْمَسَّ وَاللَّمْسَ بِمَعْنًى وَاحِدٍ فِي اللُّغَةِ حَتَّى قَالَ الْجَوْهَرِيُّ اللَّمْسُ وَالْمَسُّ بِالْيَدِ وَيُكْنَى بِهِ عَنْ الْجِمَاعِ، وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ بَيَّنَ الطَّهَارَةَ الصُّغْرَى وَالْكُبْرَى فِي حَالِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
عِنْدَهُ لَا وَعِنْدَهُمَا نَعَمْ انْتَهَى. (قَوْلُهُ وَيَنْتَشِرُ ذَكَرُهُ) فِي الْمُلَامَسَةِ الْفَاحِشَةِ لَا يُعْتَبَرُ انْتِشَارُ آلَةِ الرَّجُلِ فِي انْتِقَاضِ طَهَارَةِ الْمَرْأَةِ كَاللَّمْسِ فِي حُرْمَةِ الْمُصَاهَرَةِ انْتَهَى قُنْيَةٌ وَالْمُبَاشَرَةُ الْفَاحِشَةُ بَيْنَ الْمَرْأَتَيْنِ وَبَيْنَ الرَّجُلِ وَالْأَمْرَدِ تَنْقُضُ عِنْدَهُمَا انْتَهَى قُنْيَةٌ
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا خُرُوجُ دُودَةٍ مِنْ جُرْحٍ) وَكَذَا إذَا خَرَجَ الْعِرْقُ الْبَدَنِيُّ) لَا يَنْقُضُ انْتَهَى مس