الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فِيهِ الصَّلَوَاتُ الْخَمْسُ لِأَنَّهُ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ فَيَخْتَصُّ بِمَكَانٍ يُصَلَّى فِيهِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ غَيْرَ الْجَامِعِ وَأَمَّا فِي الْجَامِعِ فَيَجُوزُ وَإِنْ لَمْ يُصَلِّ فِيهِ الْخَمْسَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ الِاعْتِكَافَ الْوَاجِبَ لَا يَجُوزُ فِي غَيْرِ مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ وَالنَّفَلَ يَجُوزُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ كُلَّ مَسْجِدٍ لَهُ إمَامٌ وَمُؤَذِّنٌ مَعْلُومٌ وَيُصَلَّى فِيهِ الصُّوَاتُ الْخَمْسُ بِالْجَمَاعَةِ فَإِنَّهُ يُعْتَكَفُ فِيهِ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ كُلُّ مَسْجِدٍ لَهُ مُؤَذِّنٌ وَإِمَامٌ فَالِاعْتِكَافُ فِيهِ يَصِحُّ ذِكْرُهُ فِي الْغَايَةِ ثُمَّ أَفْضَلُ الِاعْتِكَافِ مَا كَانَ فِي الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ثُمَّ فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ فِي بَيْتِ الْمَقْدِسِ ثُمَّ فِي الْجَامِعِ ثُمَّ مَا كَانَ أَهْلُهُ أَكْثَرَ وَأَوْفَرَ قَالَ رحمه الله (وَأَقَلُّهُ نَفْلًا سَاعَةٌ) وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ
قَالَ رحمه الله (وَالْمَرْأَةُ تَعْتَكِفُ فِي مَسْجِدِ بَيْتِهَا) لِأَنَّهُ هُوَ الْمَوْضِعُ لِصَلَاتِهَا فَيَتَحَقَّقُ انْتِظَارُهَا فِيهِ وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ وَالْأَوَّلُ أَفْضَلُ وَمَسْجِدُ حَيِّهَا أَفْضَلُ لَهَا مِنْ الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَلَيْسَ لَهَا أَنْ تَعْتَكِفَ فِي غَيْرِ مَوْضِعِ صَلَاتِهَا مِنْ بَيْتِهَا وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ لَا يَجُوزُ لَهَا الِاعْتِكَافُ فِيهِ وَلَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا إذَا اُعْتُكِفَ فِيهِ قَالَ رحمه الله (وَلَا يَخْرُجُ مِنْهُ إلَّا لِحَاجَةٍ شَرْعِيَّةٍ كَالْجُمُعَةِ أَوْ طَبِيعِيَّةٍ كَالْبَوْلِ وَالْغَائِطِ) لِمَا رَوَيْنَا مِنْ الْأَثَرِ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها وَلِمَا رُوِيَ عَنْهَا أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم لَا يَدْخُلُ الْبَيْتَ إلَّا لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ إذَا كَانَ مُعْتَكِفًا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ تُرِيدُ الْبَوْلَ وَالْغَائِطَ هَكَذَا فَسَّرَهُ الزُّهْرِيُّ وَلِأَنَّ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ مَعْلُومٌ وُقُوعُهَا فِي زَمَنِ الِاعْتِكَافِ فَتَكُونَ مُسْتَثْنَاةً ضَرُورَةً لَا يَمْكُثُ فِي بَيْتِهِ بَعْدَمَا فَرَغَ طَهُورُهُ لِأَنَّ الثَّابِتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَالْجُمُعَةُ أَهَمُّ حَاجَاتِهِ فَيُبَاحُ لَهُ الْخُرُوجُ لِأَجْلِهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ إذَا خَرَجَ إلَى الْجُمُعَةِ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ فِي حَقِّهِ لِكَوْنِهِ يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْتَكِفَ فِي الْجَامِعِ قُلْنَا الِاعْتِكَافُ فِي كُلِّ مَسْجِدٍ مَشْرُوعٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَيَتَنَاوَلُ الْجَمِيعَ ثُمَّ هُوَ مَأْمُورٌ بِالسَّعْيِ إلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ} [الجمعة: 9] فَيَكُونُ الْخُرُوجُ لَهَا مُسْتَثْنًى كَحَاجَةِ الْإِنْسَانِ وَلِأَنَّا لَوْ أَلْزَمْنَاهُ الِاعْتِكَافَ فِي الْجَامِعِ لِأَجْلِ الْجُمُعَةِ يَكْثُرُ خُرُوجُهُ وَمَشْيُهُ الْمُنَافِيَانِ لِلِاعْتِكَافِ لِبُعْدِ مَنْزِلِهِ بِخِلَافِ مَسْجِدِ حَيِّهِ وَلِأَنَّ فِيهِ إخْلَاءَ الْمَسَاجِدِ عَنْ الِاعْتِكَافِ وَهِجْرَانَهَا
وَيَخْرُجُ حِينَ تَزُولُ الشَّمْسُ إنْ كَانَ مُعْتَكَفُهُ قَرِيبًا مِنْ الْجَامِعِ بِحَيْثُ لَوْ انْتَظَرَ زَوَالَ الشَّمْسِ لَا تَفُوتُهُ الْخُطْبَةُ وَإِنْ كَانَ تَفُوتُهُ لَا يَنْتَظِرُ زَوَالَ الشَّمْسِ وَلَكِنَّهُ يَخْرُجُ فِي وَقْتٍ يُمْكِنُهُ أَنْ يَصِلَ إلَى الْجَامِعِ وَيُصَلِّيَ أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ قَبْلَ الْأَذَانِ لِلْخُطْبَةِ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةُ الْمَسْجِدِ وَأَرْبَعٌ سُنَّةٌ وَبَعْدَ الْجُمُعَةِ يَمْكُثُ بِقَدْرِ مَا يُصَلِّي أَرْبَعَ رَكَعَاتٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا سِتُّ رَكَعَاتٍ عَلَى حَسَبِ اخْتِلَافِهِمْ فِي سُنَّةِ الْجُمُعَةِ وَلَا يَمْكُثُ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ لِلْحَاجَةِ وَهِيَ بَاقِيَةٌ فِي حَقِّ السُّنَّةِ لِأَنَّهَا أَتْبَاعٌ لِلْفَرَائِضِ فَتَكُونُ مُلْحَقَةً بِهَا وَلَا حَاجَةَ بَعْدَ الْفَرَاغِ مِنْهَا وَإِنْ مَكَثَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ لِأَنَّ الْمُفْسِدَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
[ اعْتِكَاف الْمَرْأَة]
قَوْلُهُ وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي مَسْجِدِ الْجَمَاعَةِ جَازَ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَلَوْ اعْتَكَفَتْ فِي الْجَامِعِ أَوْ فِي مَسْجِدِ حَيِّهَا وَهُوَ أَفْضَلُ مِنْ الْجَامِعِ فِي حَقِّهَا جَازَ وَهُوَ مَكْرُوهٌ ذَكَرَ الْكَرَاهَةَ قَاضِي خَانْ وَلَا يَجُوزُ أَنْ تَخْرُجَ مِنْ بَيْتِهَا وَلَا إلَى نَفْسِ الْبَيْتِ مِنْ مَسْجِدِ بَيْتِهَا إذَا اعْتَكَفَتْ وَاجِبًا أَوْ نَفْلًا عَلَى رِوَايَةِ الْحَسَنِ وَلَا تَعْتَكِفُ إلَّا بِإِذْنِ زَوْجِهَا فَإِنْ لَمْ يَأْذَنْ كَانَ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا وَإِنْ أَذِنَ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَنْ يَأْتِيَهَا وَلَا يَمْنَعَهَا وَفِي الْأَمَةِ تَمْلِكُ ذَلِكَ بَعْدَ الْإِذْنِ مَعَ الْكَرَاهَةِ الْمُؤْتَمَّةِ قَالَ مُحَمَّدٌ أَسَاءَ وَأَثِمَ اهـ (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ مَسْجِدٌ إلَخْ) وَفِي الْمُجْتَبَى لَوْ لَمْ يَكُنْ فِي بَيْتِهَا مَسْجِدٌ تَجْعَلُ فِي بَيْتِهَا مَسْجِدًا فَتَعْتَكِفُ فِيهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَا يَخْرُجُ) أَيْ الْمُعْتَكِفُ (قَوْلُهُ مِنْهُ) أَيْ مِنْ الْمَسْجِدِ. اهـ. (قَوْلُهُ كَالْجُمُعَةِ) أَيْ وَالِاغْتِسَالِ وَالْوُضُوءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بَعْدَمَا فَرَغَ طَهُورُهُ) بِفَتْحِ الطَّاءِ مَصْدَرٌ قَالَ الْمُبَرَّدُ خَمْسَةٌ مِنْ الْمَصَادِرِ عَلَى فَعُولٍ بِفَتْحِ الْفَاءِ الطَّهُورُ وَالْوَضُوءُ وَالْقَبُولُ وَالْوَزُوعُ وَالْوَلُوعُ كَذَا فِي الْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ قُلْنَا الِاعْتِكَافُ إلَخْ) قَالَ الْعَلَّامَةُ الْمُحَقِّقُ كَمَالُ الدِّينِ هَذَا وَجْهُ الْإِلْزَامِ عَلَى عُمُومِهِ فَإِنَّ الشَّافِعِيَّ يُجْزِيه فِي كُلِّ مَسْجِدٍ وَأَمَّا عَلَى رَأَيْنَا أَنْ لَا يَجُوزَ إلَّا فِي مَسْجِدٍ يُصَلَّى فِيهِ الْخَمْسُ بِجَمَاعَةٍ أَوْ دُونَهَا إذَا كَانَ جَامِعًا فَلَا يَكُونُ التَّمَسُّكُ عَلَى الْعُمُومِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] كَمَا فَعَلَهُ الشَّارِحُونَ صَحِيحًا عَلَى الْمَذْهَبِ وَالْحَاصِلُ أَنَّ الِاعْتِكَافَ فِي غَيْرِ الْجَامِعِ جَائِزٌ فِي الْجُمْلَةِ بِالِاتِّفَاقِ أَوْ إلْزَامًا بِالدَّلِيلِ فَإِذَا صَحَّ فَبَعْدَ ذَلِكَ الضَّرُورَةُ مُطْلِقَةٌ لِلْخُرُوجِ مَعَ بَقَاءِ الِاعْتِكَافِ وَهِيَ هُنَا مُتَحَقِّقَةٌ نَظَرًا إلَى الْأَمْرِ بِالْجُمُعَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةِ الْحَسَنِ سِتُّ رَكَعَاتٍ) قَالَ الْكَمَالُ وَهَذَا يَسْتَلْزِمُ أَنْ يَجْتَهِدَ فِي خُرُوجِهِ عَلَى إدْرَاكِ سَمَاعِ الْخُطْبَةِ لِأَنَّ السُّنَّةَ إنَّمَا يُصَلِّي قَبْلَ خُرُوجِ الْخَطِيبِ اهـ (قَوْلُهُ رَكْعَتَانِ تَحِيَّةَ الْمَسْجِدِ) قَالَ الْكَمَالُ صَرَّحُوا بِأَنَّهُ إذَا شَرَعَ فِي الْفَرِيضَةِ حِينَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ أَجْزَأَ عَنْ تَحِيَّةِ الْمَسْجِدِ لِأَنَّ التَّحِيَّةَ تَحْصُلُ بِذَلِكَ فَلَا حَاجَةَ إلَى غَيْرِهَا فِي تَحْقِيقِهَا وَكَذَا السُّنَّةُ فَهَذِهِ الرِّوَايَةُ وَهِيَ رِوَايَةُ الْحَسَنِ إمَّا ضَعِيفَةٌ أَوْ مَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ كَوْنَ الْوَقْتِ مِمَّا يَسَعُ فِيهِ السُّنَّةَ، وَأَدَاءُ الْفَرْضِ بَعْدَ قَطْعِ الْمَسَافَةِ مِمَّا يُعْرَفُ تَخْمِينًا لَا قَطْعًا فَقَدْ يَدْخُلُ قَبْلَ الزَّوَالِ لِعَدَمِ مُطَابَقَةِ ظَنِّهِ فَلَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَبْدَأَ بِالسُّنَّةِ فَيَبْدَأَ بِالتَّحِيَّةِ فَيَنْبَغِيَ أَنْ يَتَحَرَّى عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ لِأَنَّهُ قَلَّمَا يَصْدُقُ الْحَزْرُ اهـ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا سِتُّ رَكَعَاتٍ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله مِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ قَوْلَ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ السُّنَّةَ بَعْدَهَا أَرْبَعٌ وَقَوْلُهُمَا سِتٌّ وَمِنْهُمْ مَنْ اقْتَصَرَ عَلَى السِّتِّ عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ وَقَدَّمْنَا الْوَجْهَ فِي بَابِ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ لِلْفَرِيقَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ مَكَثَ أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ لَا يَضُرُّهُ) وَلَوْ يَوْمًا وَلَيْلَةً. اهـ. كَافِي
لِلِاعْتِكَافِ الْخُرُوجُ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا الْمُكْثُ فِيهِ إلَّا أَنَّهُ لَا يُسْتَحَبُّ لَهُ ذَلِكَ لِأَنَّهُ الْتَزَمَ الِاعْتِكَافَ فِي مَسْجِدٍ وَاحِدٍ فَلَا يُتِمُّهُ فِي غَيْرِهِ قَالَ رحمه الله
(فَإِنْ خَرَجَ سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) أَيْ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَا لَا يَفْسُدُ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ وَقَوْلُهُ أَقْيَسَ لِأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِي اللُّبْثَ وَمَا يُنَافِي الشَّيْءَ يَسْتَوِي فِيهِ الْقَلِيلُ وَالْكَثِيرُ كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَدَثِ فِي الطُّهْرِ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ وَهُوَ أَوْسَعُ لِأَنَّ الْقَلِيلَ مِنْهُ لَوْ لَمْ يُبَحْ لَوَقَعُوا فِي الْحَرَجِ لِأَنَّهُ لَا بُدَّ مِنْهُ لِإِقَامَةِ الْحَوَائِجِ وَلَا حَرَجَ فِي الْكَثِيرِ وَالْفَاصِلُ أَكْثَرُ مِنْ نِصْفِ النَّهَارِ إذْ الْأَقَلُّ تَابِعٌ لِلْأَكْثَرِ كَمَا فِي نِيَّةِ الصَّوْمِ وَلَا يَعُودُ مَرِيضًا لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَمُرُّ بِالْمَرِيضِ وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فَيَمُرُّ كَمَا هُوَ وَلَا يُعَرِّجُ يَسْأَلُ عَنْهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَكَذَا لَوْ خَرَجَ لِلْجِنَازَةِ يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَكَذَا لِصَلَاتِهَا وَلَوْ تَعَيَّنَتْ عَلَيْهِ أَوْ لِإِنْجَاءِ الْغَرِيقِ أَوْ الْحَرِيقِ وَالْجِهَادِ إذَا كَانَ النَّفِيرُ عَامًّا أَوْ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ كُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ بِخِلَافِ الْخُرُوجِ لِحَاجَةِ الْإِنْسَانِ لِأَنَّهَا مَعْلُومَةُ الْوُقُوعِ فَتَكُونُ مُسْتَثْنَاةً وَلِهَذَا لَوْ انْهَدَمَ الْمَسْجِدُ الَّذِي هُوَ فِيهِ فَانْتَقَلَ إلَى مَسْجِدٍ آخَرَ لَمْ يَفْسُدْ اعْتِكَافُهُ لِلضَّرُورَةِ لِأَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مَسْجِدًا بَعْدَ ذَلِكَ فَفَاتَ شَرْطُهُ وَكَذَا لَوْ تَفَرَّقَ أَهْلُهُ لِعَدَمِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ فِيهِ وَلَوْ أَخْرَجَهُ ظَالِمٌ كَرْهًا أَوْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ أَوْ مَالِهِ مِنْ الْمُكَابِرِينَ فَخَرَجَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَلَوْ كَانَتْ الْمَرْأَةُ مُعْتَكِفَةً فِي الْمَسْجِدِ فَطَلُقَتْ لَهَا أَنْ تَرْجِعَ إلَى بَيْتِهَا وَتَبْنِيَ عَلَى اعْتِكَافِهَا
قَالَ رحمه الله (وَأَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَنَوْمُهُ وَمُبَايَعَتُهُ فِيهِ) أَيْ فِي الْمَسْجِدِ إذْ لَيْسَ فِي تَقَضِّي هَذِهِ الْحَاجَاتِ مَا يُنَافِي الْمَسْجِدَ حَتَّى لَوْ خَرَجَ لِأَجْلِهَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ فِي خُرُوجِهِ إلَى بَيْتِهِ لِلْأَكْلِ قُلْنَا الْأَكْلُ فِي الْمَسْجِدِ مُبَاحٌ وَالنَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَأْكُلُ فِي الْمَسْجِدِ بِلَا ضَرُورَةٍ إلَيْهِ قَالَ رحمه الله (وَكُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ وَالصَّمْتُ وَالتَّكَلُّمُ إلَّا بِخَيْرٍ) أَمَّا إحْضَارُ الْمَبِيعِ وَهِيَ السِّلَعُ لِلْبَيْعِ فَلِأَنَّ الْمَسْجِدَ مُحْرَزٌ عَنْ حُقُوقِ الْعِبَادِ وَفِيهِ شَغْلُهُ بِهَا وَجَعْلُهُ كَالدُّكَّانِ وَقَوْلُهُ وَكُرِهَ إحْضَارُ الْمَبِيعِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ لَهُ أَنْ يَبِيعَ وَيَشْتَرِيَ مَا بَدَا لَهُ مِنْ التِّجَارَاتِ مِنْ غَيْرِ إحْضَارِ السِّلْعَةِ وَذَكَرَ فِي الذَّخِيرَةِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ مَا لَا بُدَّ لَهُ مِنْهُ كَالطَّعَامِ وَنَحْوِهِ وَأَمَّا إذَا أَرَادَ أَنْ يَتَّخِذَ ذَلِكَ مَتْجَرًا يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ وَهَذَا صَحِيحٌ لِأَنَّهُ مُنْقَطِعٌ إلَى اللَّهِ تَعَالَى فَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَشْتَغِلَ فِيهِ بِأُمُورِ الدُّنْيَا وَلِهَذَا تُكْرَهُ الْخِيَاطَةُ وَالْخَرَزُ فِيهِ وَلِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ يُكْرَهُ الْبَيْعُ مُطْلَقًا لِمَا رُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى عَنْ الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ فِي الْمَسْجِدِ» رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَعَنْهُ عليه الصلاة والسلام أَنَّهُ قَالَ «إذَا رَأَيْتُمْ مَنْ يَبِيعُ أَوْ يَبْتَاعُ فِي الْمَسْجِدِ فَقُولُوا لَهُ لَا أَرْبَحَ اللَّهُ تِجَارَتَك» الْحَدِيثَ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيّ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «مَنْ سَمِعَ رَجُلًا يَنْشُدُ ضَالَّةً فِي الْمَسْجِدِ فَلْيَقُلْ لَا رَدَّهَا اللَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فَإِنْ خَرَجَ سَاعَةً بِلَا عُذْرٍ فَسَدَ) أَيْ فِي الْمَنْذُورِ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُمَا اسْتِحْسَانٌ) يَقْتَضِي تَرْجِيحَهُ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْمَوَاضِعِ الْمَعْدُودَةِ الَّتِي رُجِّحَ فِيهَا الْقِيَاسُ عَلَى الِاسْتِحْسَانِ ثُمَّ هُوَ مِنْ قَبِيلِ الِاسْتِحْسَانِ بِالضَّرُورَةِ كَمَا ذَكَرَهُ الْمُصَنِّفُ وَاسْتِنْبَاطٌ مِنْ عَدَمِ أَمْرِهِ إذَا خَرَجَ إلَى الْغَائِطِ أَنْ يُسْرِعَ الْمَشْيَ بَلْ يَمْشِيَ عَلَى التُّؤَدَةِ وَبِقَدْرِ الْبُطْءِ تَتَخَلَّلُ السَّكَنَاتُ بَيْنَ الْحَرَكَاتِ عَلَى مَا عُرِفَ فِي فَنِّ الطَّبِيعَةِ وَبِذَلِكَ يَثْبُتُ قَدْرٌ مِنْ الْخُرُوجِ فِي غَيْرِ مَحَلِّ الْحَاجَةِ فَعُلِمَ أَنَّ الْقَلِيلَ عَفْوٌ فَجَعَلْنَا الْفَاصِلَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْكَثِيرِ أَقَلَّ مِنْ أَكْثَرِ الْيَوْمِ أَوْ اللَّيْلَةِ لِأَنَّ مُقَابِلَ الْأَكْثَرِ يَكُونُ قَلِيلًا بِالنِّسْبَةِ إلَيْهِ وَأَنَا لَا أَشُكُّ أَنَّ مَنْ خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى السُّوقِ لِلَّهْوِ وَاللَّعِبِ أَوْ الْقِمَارِ مِنْ بَعْدِ الْفَجْرِ إلَى مَا قَبْلَ نِصْفِ النَّهَارِ كَمَا هُوَ قَوْلُهُمَا ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنَا مُعْتَكِفٌ قَالَ مَا أَبْعَدَك عَنْ الْعَاكِفِينَ وَلَا يَتِمُّ مَبْنَى هَذَا الِاسْتِحْسَانِ فَإِنَّ الضَّرُورَةَ الَّتِي يُنَاطُ بِهَا التَّخْفِيفُ هِيَ الضَّرُورَةُ اللَّازِمَةُ أَوْ الْغَالِبَةُ الْوُقُوعُ وَمُجَرَّدُ عُرُوضِ مَا هُوَ مُلْجِئٌ لَيْسَ بِذَاكَ أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ فِي الصَّلَاةِ مُدَافَعَةُ الْأَخْبَثَيْنِ عَلَى وَجْهٍ عَجَزَ عَنْ دَفْعِهِ حَتَّى خَرَجَ مِنْهُ لَا يُقَالُ بِبَقَاءِ صَلَاتِهِ كَمَا يُحْكَمُ بِهِ مَعَ السَّلَسِ مَعَ تَحَقُّقِ الضَّرُورَةِ وَالْإِلْجَاءِ وَسُمِّيَ ذَلِكَ مَعْذُورًا دُونَ هَذَا مَعَ أَنَّهُمَا يُجِيزَانِهِ بِغَيْرِ ضَرُورَةٍ أَصْلًا إذْ الْمَسْأَلَةُ هِيَ أَنَّ خُرُوجَهُ أَقَلَّ مِنْ نِصْفِ يَوْمٍ لَا يُفْسِدُ مُطْلَقًا سَوَاءٌ كَانَ بِحَاجَةٍ أَوْ لَا بَلْ لِلَّعِبِ وَأَمَّا عَدَمُ الْمُطَالَبَةِ بِالْإِسْرَاعِ فَلَيْسَ لِإِطْلَاقِ الْخُرُوجِ الْيَسِيرِ بَلْ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْأَنَاةَ وَالرِّفْقَ فِي كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى طَلَبَهُ إلَى الْمَشْيِ إلَى الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ ذَلِكَ يُفَوِّتُ بَعْضَهَا مَعَهُ بِالْجَمَاعَةِ وَكَرِهَ الْإِسْرَاعَ وَنَهَى عَنْهُ وَإِنْ كَانَ مُحَصِّلًا لَهَا كُلِّهَا فِي الْجَمَاعَةِ تَحْصِيلًا لِفَضِيلَةِ الْخُشُوعِ إذْ هُوَ يَذْهَبُ بِالسُّرْعَةِ وَالْعَاكِفُ أَحْوَجُ إلَيْهَا فِي عُمُومِ أَحْوَالِهِ لِأَنَّهُ سَلَّمَ نَفْسَهُ لِلَّهِ تَعَالَى مُتَقَيِّدًا بِمَقَامِ الْعُبُودِيَّةِ مِنْ الصَّلَاةِ وَالذِّكْرِ وَالِانْتِظَارِ لِلصَّلَاةِ فَهُوَ فِي حَالِ الْمَشْيِ الْمُطْلَقِ لَهُ دَاخِلٌ فِي الْعِبَادَةِ الَّتِي هِيَ الِانْتِظَارُ اهـ وَالْمُنْتَظِرُ لِلصَّلَاةِ فِي الصَّلَاةِ حُكْمًا فَكَانَ مُحْتَاجًا إلَى تَحْصِيلِ الْخُشُوعِ فِي حَالِ الْخُرُوجِ فَكَانَتْ تِلْكَ السَّكَنَاتُ كَذَلِكَ وَهِيَ مَعْدُودَةٌ مِنْ نَفْسِ الِاعْتِكَافِ لَا مِنْ الْخُرُوجِ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّ الْقَلِيلَ غَيْرُ مُفْسِدٍ لَمْ يَلْزَمْ تَقْدِيرُهُ بِمَا هُوَ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إلَى مُقَابِلِهِ مِنْ بَقِيَّةِ تَمَامِ يَوْمٍ أَوْ لَيْلَةٍ بَلْ بِمَا يُعَدُّ كَثِيرًا فِي نَظَرِ الْعُقَلَاءِ الَّذِينَ فَهِمُوا مَعْنَى الْعُكُوفِ وَأَنَّ الْخُرُوجَ يُنَافِيهِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ أَوْ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ) أَيْ وَإِنْ تَعَيَّنَ عَلَيْهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي شَرْحِ الْإِرْشَادِ وَلَا يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَإِنْ تَعَيَّنَ لِأَدَائِهَا لِأَنَّ هَذَا لَا يَقَعُ إلَّا نَادِرًا وَلَا عِبْرَةَ لِلنَّادِرِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَفِي شَرْحِ الصَّوْمِ لِلْفَقِيهِ أَبِي اللَّيْثِ الْمُعْتَكِفُ يَخْرُجُ لِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ وَتَأْوِيلُهُ إذَا لَمْ يَكُنْ شَاهِدٌ آخَرُ فَيَنْوِيَ حَقَّهُ وَلَوْ أَحْرَمَ الْمُعْتَكِفُ بِحَجٍّ لَزِمَهُ إذْ لَا يُنَافِيهِ وَلَا يَجُوزُ لَهُ الْخُرُوجُ إلَّا إذَا خَافَ فَوْتَ الْحَجِّ فَيَخْرُجَ حِينَئِذٍ وَلْيَسْتَقْبِلْ الِاعْتِكَافَ وَلَوْ احْتَلَمَ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ فَإِنْ أَمْكَنَهُ أَنْ يَغْتَسِلَ فِي الْمَسْجِدِ مِنْ غَيْرِ تَلْوِيثٍ فَعَلَ وَإِلَّا خَرَجَ فَاغْتَسَلَ ثُمَّ يَعُودُ اهـ وَلَا بَأْسَ أَنْ يُخْرِجَ رَأْسَهُ
عَلَيْك» وَفِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ يُكْرَهُ التَّعْلِيمُ فِيهِ بِأَجْرٍ وَكَذَا كِتَابَةُ الْمُصْحَفِ فِيهِ بِأَجْرٍ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ فَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَخِيطَ فِيهِ وَلَا يَسْتَطْرِقَهُ إلَّا لِعُذْرٍ وَكُلُّ مَا يُكْرَهُ فِيهِ يُكْرَهُ فِي سَطْحِهِ وَأَمَّا الصَّمْتُ فَالْمُرَادُ بِهِ صَمْتٌ يَعْتَقِدُهُ عِبَادَةً وَهُوَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ وَعَنْ عَلِيٍّ عَنْ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ «لَا يَتِمُّ بَعْدَ احْتِلَامٍ وَلَا صُمَاتِ يَوْمٍ إلَى اللَّيْلِ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَهُوَ صَوْمُ أَهْلِ الْكِتَابِ فَنُسِخَ وَيُلَازِمُ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ وَالْحَدِيثِ وَالْعِلْمِ وَالتَّدْرِيسِ وَسَيْرَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَقَصَصَ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمْ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ - وَحِكَايَاتِ الصَّالِحِينَ وَكِتَابَةَ أُمُورِ الدِّينِ وَأَمَّا التَّكَلُّمُ بِغَيْرِ الْخَيْرِ فَإِنَّهُ يُكْرَهُ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ فَمَا ظَنُّك بِالْمُعْتَكِفِ
قَالَ رحمه الله (وَيَحْرُمُ الْوَطْءُ وَدَوَاعِيهِ) لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ فِي الْمَسَاجِدِ} [البقرة: 187] فَأَلْحَقَ بِهِ دَوَاعِيَهُ وَهُوَ اللَّمْسُ وَالْقُبْلَةُ لِأَنَّ الْجِمَاعَ مَحْظُورٌ فِيهِ لِمَا تَلَوْنَا فَيَتَعَدَّى إلَى دَوَاعِيهِ كَمَا فِي الْإِحْرَامِ وَالظِّهَارِ وَالِاسْتِبْرَاءِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ هُوَ الرُّكْنُ فِيهِ وَالْحَظْرُ يَثْبُتُ ضِمْنًا كَيْ لَا يَفُوتَ الرُّكْنُ فَلَمْ يَتَعَدَّ إلَى دَوَاعِيهِ لِأَنَّ مَا ثَبَتَ لِلضَّرُورَةِ يَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهَا وَلِأَنَّهُ لَوْ تَعَدَّى لَصَارَ الْكَفُّ عَنْ الدَّوَاعِي رُكْنًا وَالرُّكْنِيَّةُ لَا تَثْبُتُ بِالشُّبْهَةِ وَالْحُرْمَةُ تَثْبُتُ بِهَا وَلِأَنَّ الصَّوْمَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ فَلَوْ مَنَعُوا عَنْ الدَّوَاعِي لَحَرَجُوا وَبِخِلَافِ حَالَةِ الْحَيْضِ لِأَنَّهَا زَمَانُ نَفْرَةٍ فَلَمْ تَكُنْ دَاعِيَةً إلَى الْوَطْءِ وَلِأَنَّ الْحَيْضَ يَكْثُرُ وُجُودُهُ عَلَى مَا ذَكَرْنَاهُ فِي الصَّوْمِ قَالَ رحمه الله (وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ) أَيْ يَبْطُلُ الِاعْتِكَافُ بِوَطْئِهِ سَوَاءٌ كَانَ عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا نَهَارًا أَوْ لَيْلًا لِأَنَّهُ مَحْظُورٌ بِالنَّصِّ فَكَانَ مُفْسِدًا لَهُ كَيْفَمَا كَانَ كَالْجِمَاعِ فِي الْإِحْرَامِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ حَيْثُ لَا يَفْسُدُ بِهِ إذَا كَانَ نَاسِيًا وَالْفَرْقُ أَنَّ حَالَةَ الْمُعْتَكِفِ مُذَكِّرَةٌ كَحَالَةِ الْإِحْرَامِ وَالصَّلَاةِ وَحَالَةَ الصِّيَامِ غَيْرُ مُذَكِّرَةٍ وَلَوْ جَامَعَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ أَوْ قَبَّلَ أَوْ لَمَسَ فَأَنْزَلَ فَسَدَ اعْتِكَافُهُ لِأَنَّهُ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدُ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَلِهَذَا لَا يَفْسُدُ بِهِ الصَّوْمُ وَلَوْ أَمْنَى بِالتَّفَكُّرِ أَوْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
مِنْ الْمَسْجِدِ إلَى بَعْضِ أَهْلِهِ لِيَغْسِلَهُ أَوْ يُرَجِّلَهُ كَمَا تَقَدَّمَ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم وَإِنْ غَسَلَهُ فِي الْمَسْجِدِ فِي إنَاءٍ بِحَيْثُ لَا يُلَوِّثُ الْمَسْجِدَ لَا بَأْسَ بِهِ وَصُعُودُ الْمِئْذَنَةِ إنْ كَانَ مِنْ بَابِهَا مِنْ خَارِجِ الْمَسْجِدِ لَا يُفْسِدُ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هَذَا فِي الْمُؤَذِّنِ لِأَنَّ خُرُوجَهُ لِلْأَذَانِ مَعْلُومٌ فَيَكُونُ مُسْتَثْنًى أَمَّا غَيْرُهُ فَيَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ وَصَحَّحَ قَاضِي خَانْ أَنَّهُ قَوْلُ الْكُلِّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ ذَلِكَ الْقَوْلَ أَقْيَسُ بِمَذْهَبِ الْإِمَامِ. اهـ. كَمَالٌ
(قَوْلُهُ وَقِيلَ إنْ كَانَ الْخَيَّاطُ يَحْفَظُ الْمَسْجِدَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ الْمَسْجِدِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَخِيطَ فِي الْمَسْجِدِ لِأَنَّ الْمَسْجِدَ أُعِدَّ لِلْعِبَادَةِ دُونَ الِاكْتِسَاب وَكَذَا الْوَرَّاقُ وَالْفَقِيهُ إذَا كَتَبَ بِأَجْرٍ أَوْ الْمُعَلِّمُ إذَا عَلَّمَ الصِّبْيَانَ بِأَجْرٍ وَإِنْ فَعَلُوا بِغَيْرِ أَجْرٍ فَلَا بَأْسَ بِهِ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ إذَا قَعَدَ الرَّجُلُ فِي الْمَسْجِدِ خَيَّاطًا يَخِيطُ فِيهِ وَيَحْفَظُ الْمَسْجِدَ عَنْ الصِّبْيَانِ وَالدَّوَابِّ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ لِأَنَّ الْكَفَّ عَنْهُ هُوَ الرُّكْنُ فِيهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَحَاصِلُ الْوَجْهِ الْحَكَمُ بِاسْتِلْزَامِ حُرْمَةِ الشَّيْءِ ابْتِدَاءً فِي الْعِبَادَةِ حُرْمَةُ دَوَاعِيه وَبِعَدَمِ اسْتِلْزَامِ حُرْمَةَ الدَّوَاعِي إذَا كَانَتْ حُرْمَتُهُ ثَابِتَةً ضِمْنَ ثُبُوتِ الْأَمْرِ لِلتَّفَاوُتِ بَيْنَ التَّحْرِيمِ الضِّمْنِيِّ لِضِدِّ مَأْمُورٍ بِهِ وَالْقَصْدِيِّ وَلَا شَكَّ أَنَّ ثُبُوتَ مَا لَهُ الدَّوَاعِي عِنْدَ ثُبُوتِهَا مَعَ قِيَامِ الْحَاجِزِ الشَّرْعِيِّ عَنْهُ لَيْسَ قَطْعِيًّا وَلَا غَالِبًا غَيْرَ أَنَّهَا طَرِيقٌ فِي الْجُمْلَةِ فَحُرِّمَتْ لِلتَّحْرِيمِ الْقَصْدِيِّ دَوَاعِيهِ لَا الضِّمْنِيِّ إذْ هُوَ غَيْرُ مَقْصُودٍ بَلْ الْمَقْصُودُ لَيْسَ إلَّا تَحْصِيلَ الْمَأْمُورِ بِهِ فَكَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَلْحُوظٍ فِي الطَّلَبِ إلَّا لِغَيْرِهِ فَلَا تَتَعَدَّى الْحُرْمَةُ إلَى دَوَاعِيهِ إذَا عُرِفَ هَذَا فَحُرْمَةُ الْوَطْءِ فِي الِاعْتِكَافِ قَصْدِيٌّ إذْ هُوَ ثَابِتٌ بِالنَّهْيِ الْمُفِيدِ لِلْحُرْمَةِ ابْتِدَاءً لِنَفْسِهِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ وَأَنْتُمْ عَاكِفُونَ} [البقرة: 187] وَمِثْلُهُ فِي الْإِحْرَامِ وَالِاسْتِبْرَاءِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَلا رَفَثَ وَلا فُسُوقَ} [البقرة: 197] الْآيَةَ وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «لَا تَنْكِحُوا الْحَبَالَى حَتَّى يَضَعْنَ وَلَا الْحَيَالَى حَتَّى يَسْتَبْرِئْنَ بِحَيْضَةٍ» فَيُعَدَّى إلَى الدَّوَاعِي فِيهَا وَحُرْمَةُ الْوَطْءِ فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ ضِمْنِيٌّ لِلْأَمْرِ الطَّالِبِ لِلصَّوْمِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187]{فَاعْتَزِلُوا النِّسَاءَ فِي الْمَحِيضِ} [البقرة: 222] فَإِنَّ مُقْتَضَاهُ وُجُوبُ الْكَفِّ فَحُرْمَةُ الْوَطْءِ تَثْبُتُ ضِمْنًا بِخِلَافِ الْأَوَّلِ فَإِنَّ حُرْمَةَ الْفِعْلِ وَهُوَ الْوَطْءُ هِيَ الثَّابِتَةُ أَوَّلًا بِالصِّيغَةِ ثُمَّ تَثْبُتُ وُجُوبُ الْكَفِّ عَنْهُ ضِمْنًا فَلِذَا تَثْبُتُ سَمْعًا حِلُّ الدَّوَاعِي فِي الصَّوْمِ وَالْحَيْضِ عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابَيْهِمَا اهـ
(فَرْعٌ) فِي الْمُجْتَبَى وَفِي جَامِعِ الْإِسْبِيجَابِيِّ لِغَيْرِ الْمُعْتَكِفِ أَنْ يَنَامَ فِي الْمَسْجِدِ مُقِيمًا كَانَ أَوْ غَرِيبًا مُضْطَجِعًا أَوْ مُتَّكِئًا رِجْلَاهُ إلَى الْقِبْلَةِ أَوْ لَا فَالْمُعْتَكِفُ أَوْلَى وَيَلْبَسُ الْمُعْتَكِفُ أَحْسَنَ ثِيَابِهِ وَيَنَامُ فِيهِ وَيَتَطَيَّبُ وَيَدَّهِنُ وَيَغْسِلُ رَأْسَهُ فِيهِ وَقَالَ أَحْمَدُ يُكْرَهُ لِلْمُعْتَكِفِ أَنْ يَلْبَسَ الرَّفِيعَ مِنْ الثِّيَابِ وَيَتَطَيَّبَ وَلَوْ سَكِرَ لَيْلًا لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ خِلَافًا لِلشَّافِعِي وَأَحْمَدَ وَعِنْدَ مَالِكٍ السُّكْرُ يَمْنَعُ ابْتِدَاءَ الِاعْتِكَافَ وَبَقَاءَهُ وَلَا يُفْسِدُهُ سِبَابٌ وَلَا جِدَالٌ وَلَا كَبِيرَةٌ مِمَّا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَعِنْدَ مَالِكٍ يُفْسِدُهُ الْكَبَائِرُ دُونَ الصَّوْمِ فِي رِوَايَةٍ وَفِي رِوَايَةٍ لَا تُبْطِلُهُ كَقَوْلِ الْجُمْهُورِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَبْطُلُ بِوَطْئِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَإِذَا فَسَدَ الِاعْتِكَافُ الْوَاجِبُ وَجَبَ قَضَاؤُهُ إلَّا إذَا فَسَدَ بِالرِّدَّةِ خَاصَّةً فَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِعَيْنِهِ يَقْضِي قَدْرَ مَا فَسَدَ لَيْسَ غَيْرُ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِقْبَالُ كَالصَّوْمِ الْمَنْذُورِ بِهِ فِي شَهْرٍ بِعَيْنِهِ إذَا أَفْطَرَ يَوْمًا يَقْضِي ذَلِكَ الْيَوْمَ وَلَا يَلْزَمُهُ الِاسْتِئْنَافُ أَصْلُهُ صَوْمُ رَمَضَانَ وَإِنْ كَانَ اعْتِكَافُ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ لَزِمَهُ الِاسْتِقْبَالُ لِأَنَّهُ لَزِمَ مُتَتَابِعًا فَيُرَاعَى فِيهِ صِفَةُ التَّتَابُعِ وَسَوَاءٌ فَسَدَ بِصُنْعِهِ كَالْخُرُوجِ وَالْجِمَاعِ وَالْأَكْلِ وَالرِّدَّةِ أَوْ لِعُذْرٍ كَمَا إذَا مَرِضَ فَاحْتَاجَ إلَى الْخُرُوجِ أَوْ بِغَيْرِ صُنْعِهِ كَالْحَيْضِ وَالْجُنُونِ وَالْإِغْمَاءِ الطَّوِيلِ وَأَمَّا الرِّدَّةُ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ} [الأنفال: 38] وَقَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الْإِسْلَامُ يَجُبُّ مَا قَبْلَهُ» كَذَا فِي الْبَدَائِعِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ لَا يَفْسُدْ) وَإِنْ كَانَ مُحَرَّمًا لِأَنَّهُ لَيْسَ فِي مَعْنَى الْجِمَاعِ وَهُوَ الْمُفْسِدُ أُورِدَ عَلَيْهِ لَمَّا لَمْ يُفْسِدْ وَإِنْ لَمْ يُنْزِلْ بِظَاهِرِ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبَاشِرُوهُنَّ} [البقرة: 187] الْآيَةَ أُجِيبُ
بِالنَّظَرِ لَا يَفْسُدُ اعْتِكَافُهُ
قَالَ رحمه الله (وَلَزِمَهُ اللَّيَالِي أَيْضًا بِنَذْرِ اعْتِكَافِهِ أَيَّامٍ) مَعْنَاهُ لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ أَيَّامًا لَزِمَتْهُ بِلَيَالِيِهَا لِأَنَّ ذِكْرَ الْأَيَّامِ بِلَفْظِ الْجَمْعِ يُدْخِلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِي وَكَذَا لَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ اللَّيَالِيَ لَزِمَتْهُ بِأَيَّامِهَا لِأَنَّهُ بِذِكْرِ اللَّيَالِي يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ الْأَيَّامِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {ثَلاثَةَ أَيَّامٍ إِلا رَمْزًا} [آل عمران: 41] وَقَالَ تَعَالَى {ثَلاثَ لَيَالٍ سَوِيًّا} [مريم: 10] وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ فَعَبَّرَ عَنْهَا تَارَةً بِالْأَيَّامِ وَتَارَةً بِاللَّيَالِيِ فَعُلِمَ بِذَلِكَ أَنَّ ذِكْرَ أَحَدِهِمَا بِلَفْظِ الْجَمْعِ يَتَنَاوَلُ الْآخَرَ وَتَدْخُلُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى وَكَانَتْ مُتَتَابِعَةً وَإِنْ لَمْ يُشْتَرَطْ التَّتَابُعُ لِأَنَّ الْأَوْقَاتِ كُلَّهَا قَابِلَةٌ بِخِلَافِ الصَّوْمِ لِأَنَّ مَبْنَاهُ عَلَى التَّفَرُّقِ لِأَنَّ اللَّيَالِيَ غَيْرُ قَابِلَةٍ لِلصَّوْمِ فَتَخَلُّلُهَا يُوجِبُ التَّفَرُّقَ فَيَجِبُ عَلَى التَّفَرُّقِ حَتَّى يَنُصَّ عَلَى التَّتَابُعِ ثُمَّ يَدْخُلَ فِي الِاعْتِكَافِ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ لَيْلَةٍ وَيَخْرُجَ بَعْدَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ آخِرِ يَوْمٍ وَإِنْ نَوَى الْأَيَّامَ خَاصَّةً صَحَّتْ نِيَّتُهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ قَالَ رحمه الله (وَلَيْلَتَانِ يَنْذُرُ يَوْمَيْنِ) أَيْ يَلْزَمُهُ لَيْلَتَانِ بِنَذْرِ اعْتِكَافِ يَوْمَيْنِ لِأَنَّهُ بِذِكْرِ يَوْمَيْنِ يَدْخُلُ مَا بِإِزَائِهِمَا مِنْ اللَّيْلَتَيْنِ فِي الْعَادَةِ يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُذْ يَوْمَيْنِ وَالْمُرَادُ بِلَيْلَتِهِمَا كَمَا يُقَالُ مَا رَأَيْتُك مُنْذُ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ وَالْمُرَادُ بِلَيَالِيِهَا بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَعْتَكِفَ يَوْمًا حَيْثُ لَا يَلْزَمُهُ اللَّيْلُ لِعَدَمِ التَّعَارُفِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّثْنِيَةِ وَالْجَمْعِ لَا تَلْزَمُهُ اللَّيْلَةُ الْأُولَى لِأَنَّ الِاعْتِكَافَ لَا يَكُونُ بِاللَّيْلِ إلَّا تَبَعًا لِضَرُورَةِ الْوَصْلِ بَيْنَ الْأَيَّامِ وَلَا حَاجَةَ إلَى إدْخَالِ اللَّيْلَةِ الْأُولَى لِتَحَقُّقِ الْوَصْلِ بِدُونِهَا وَمِنْهُمْ مَنْ يَجْعَلُ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي التَّثْنِيَةِ فَقَطْ وَلَوْ نَذَرَ أَنْ يَعْتَكِفَ لَيْلَةً لَا يَصِحُّ لِأَنَّهَا لَيْسَتْ بِمَحَلٍّ لِلصَّوْمِ وَلَا اعْتِكَافَ بِدُونِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بِيَوْمِهَا وَاَللَّهُ أَعْلَمُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
بِأَنَّ مَجَازَهَا وَهُوَ الْجِمَاعُ مُرَادٌ فَيَبْطُلُ إرَادَةُ الْحَقِيقَةِ لِامْتِنَاعِ الْجَمْعِ وَهُوَ مُشْكِلٌ لِانْكِشَافِ أَنَّ الْجِمَاعَ مِنْ مَا صَدَقَاتِ الْمُبَاشَرَةِ لِأَنَّهُ مُبَاشَرَةٌ خَاصَّةٌ فَيَكُونُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْقُبْلَةِ وَالْجِمَاعِ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ وَالْمَسِّ بِالْيَدِ وَالْجِمَاعِ مُتَوَاطِئًا أَوْ مُشَكِّكًا فَأَيُّهَا أُرِيدَ بِهِ كَانَ حَقِيقَةً كَمَا هُوَ كُلُّ اسْمٍ بِمَعْنَى كُلٍّ غَيْرَ أَنَّهُ لَا يُرَادَ بِهِ فَرْدَانِ مِنْ مَفْهُومِهِ فِي إطْلَاقِ وَاحِدٍ فِي سِيَاقِ الْإِثْبَاتِ وَمَا نَحْنُ فِيهِ سِيَاقُ النَّهْيِ وَهُوَ يُفِيدُ الْعُمُومَ فَيُفِيدُ تَحْرِيمَ كُلِّ فَرْدٍ مِنْ أَفْرَادِ الْمُبَاشَرَةِ جِمَاعٍ أَوْ غَيْرِهِ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ مَعْنَاهُ لَوْ نَذَرَ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ عَشْرَةَ أَيَّامٍ مَثَلًا وَلَا يَكْفِي مُجَرَّدُ نِيَّةِ الْقَلْبِ وَكَذَا إذَا قَالَ شَهْرًا وَلَمْ يَنْوِهِ بِعَيْنِهِ لَزِمَهُ مُتَتَابِعًا لَيْلُهُ وَنَهَارُهُ وَيَفْتَتِحُهُ مَتَى شَاءَ بِالْعَدَدِ اهـ لَا هِلَالِيًّا وَالشَّهْرُ الْمُعَيَّنُ هِلَالِيٌّ فَإِنْ فَرَّقَ اسْتَقْبَلَ وَقَالَ زُفَرُ إنْ شَاءَ فَرَّقَهُ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَهُ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَشَهْرًا يَلْحَقُ بِالْإِجَارَاتِ وَالْأَيْمَانِ فِي لُزُومِ التَّتَابُعِ وَدُخُولِ اللَّيَالِي فِيمَا إذَا اسْتَأْجَرَهُ أَوْ حَلَفَ لَا يُكَلِّمُهُ عَشْرَةَ أَيَّامٍ وَبِالصَّوْمِ فِي عَدَمِ لُزُومِ الِاتِّصَالِ بِالْوَقْتِ الَّذِي نَذَرَ فِيهِ وَالْمُعَيَّنُ لِذَلِكَ عُرِفَ الِاسْتِعْمَالُ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَالْقِصَّةُ وَاحِدَةٌ) أَيْ فَلَمَّا كَانَ عَدَدُ الْأَيَّامِ وَاللَّيَالِي مُتَسَاوِيًا فَذِكْرُ الْأَيَّامِ يَتَنَاوَلُ مَا بِإِزَائِهَا مِنْ اللَّيَالِيِ بِخِلَافِ الْمُخْتَلِفِينَ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {سَخَّرَهَا عَلَيْهِمْ سَبْعَ لَيَالٍ وَثَمَانِيَةَ أَيَّامٍ} [الحاقة: 7]. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ حَقِيقَةُ كَلَامِهِ) أَيْ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الْيَوْمِ بَيَاضُ النَّهَارِ وَهَذَا بِخِلَافِ مَا لَوْ أَوْجَبَ عَلَى نَفْسِهِ اعْتِكَافَ شَهْرٍ بِغَيْرِ عَيْنِهِ نَوَى الْأَيَّامَ دُونَ اللَّيَالِيِ أَوْ قَلَبَهُ لَا يَصِحُّ لِأَنَّ الشَّهْرَ اسْمٌ لِعَدَدِ ثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلَيْسَ بِاسْمٍ عَامٍّ كَالْعَشَرَةِ عَلَى مَجْمُوعِ الْآحَادِ فَلَا تَنْطَلِقُ عَلَى مَا دُونَ ذَلِكَ أَصْلًا كَمَا لَا تَنْطَلِقُ الْعَشَرَةُ عَلَى خَمْسَةٍ مَثَلًا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا
أَمَّا لَوْ قَالَ شَهْرًا بِالنَّهَرُ دُونَ اللَّيَالِيِ لَزِمَهُ كَمَا قَالَ وَهُوَ ظَاهِرٌ أَوْ اسْتَثْنَى فَقَالَ شَهْرًا إلَّا اللَّيَالِيَ لِأَنَّ الِاسْتِثْنَاءَ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثَّنِيَّا فَكَأَنَّهُ قَالَ ثَلَاثِينَ نَهَارًا وَلَوْ اسْتَثْنَى الْأَيَّامَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ شَيْءٌ لِأَنَّ الْبَاقِيَ اللَّيَالِيُ الْمُجَرَّدَةُ وَلَا يَصِحُّ فِيهَا لِمُنَافَاتِهَا شَرْطَهُ وَهُوَ الصَّوْمُ. اهـ. فَتْحٌ
(قَوْلُهُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَلْزَمُهُ بِيَوْمِهَا إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ نَوَى بِاللَّيْلَةِ الْيَوْمَ لَزِمَهُ وَعَلَى الْمَرْأَةِ أَنْ تَصِلَ قَضَاءَ أَيَّامِ حَيْضِهَا بِالشَّهْرِ فِيمَا إذَا نَذَرَتْ اعْتِكَافَ شَهْر فَحَاضَتْ فِيهِ وَلَا يَنْقَطِعُ التَّتَابُعُ بِهِ وَعَنْ لُزُومِ التَّتَابُعِ قَالُوا لَوْ أُغْمِيَ عَلَى الْمُعْتَكِفِ أَوْ أَصَابَهُ عَتَهٌ أَوْ لَمَمٌ اسْتَقْبَلَ إذَا بَرَأَ لِانْقِطَاعِ التَّتَابُعِ حَتَّى لَوْ كَانَ فِي آخَرِ يَوْمٍ وَفِي الصَّوْمِ لَا يَقْضِي الْيَوْمَ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ وَيَقْضِي مَا بَعْدَهُ فَأَفَادُوا أَنَّ الْإِغْمَاءَ إنَّمَا يُنَافِي شَرْطَ الصَّوْمِ وَهُوَ النِّيَّةُ وَالظَّاهِرُ وُجُودُ النِّيَّةِ فِي الْيَوْمِ الَّذِي حَدَثَ فِيهِ الْإِغْمَاءُ فَلَا يَقْضِيهِ وَاَلَّذِي يَظْهَرُ مِنْ الْفَرْقِ أَنْ يُقَالَ هُوَ عِبَادَةُ انْتِظَارِ الصَّلَاةِ وَالِانْتِظَارُ يَنْقَطِعُ بِالْإِغْمَاءِ فِي الصَّلَوَاتِ الَّتِي تَجِبُ بَعْدَ الْإِغْمَاءِ بِخِلَافِ الْإِمْسَاكِ الْمَسْبُوقِ بِالنِّيَّةِ الَّذِي هُوَ مَعْنَى الصَّوْمِ اهـ فَتْحُ.