الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَانْفِتَاحُهُ بِخِلَافِ الْحَيْضِ وَانْقِضَاءُ الْعِدَّةِ مُتَعَلِّقٌ بِوَضْعِ حَمْلٍ مُضَافٍ إلَيْهَا فَيَتَنَاوَلُ الْجَمْعَ، وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ النِّفَاسَيْنِ مُتَوَالِيَانِ بَلْ النِّفَاسُ مِنْ الْأَوَّلِ إلَى الْأَرْبَعِينَ وَالثَّانِي اسْتِحَاضَةٌ، ثُمَّ شَرْطُ التَّوْأَمَيْنِ أَنْ يَكُونَ بَيْنَ الْوَلَدَيْنِ أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ حَتَّى لَا يُمْكِنَ عُلُوقُ الثَّانِي مِنْ وَطْءٍ حَادِثٍ وَإِنْ كَانَ بَيْنَهُمَا سِتَّةُ أَشْهُرٍ أَوْ أَكْثَرُ فَهُمَا حَمْلَانِ وَنِفَاسَانِ وَإِنْ وَلَدَتْ ثَلَاثَةَ أَوْلَادٍ وَبَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّانِي أَقَلُّ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ وَكَذَلِكَ بَيْنَ الثَّانِي وَالثَّالِثِ وَلَكِنْ بَيْنَ الْأَوَّلِ وَالثَّالِثِ أَكْثَرُ مِنْ سِتَّةِ أَشْهُرٍ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يُجْعَلُ حَمْلًا وَاحِدًا.
(بَابُ الْأَنْجَاسِ)
قَالَ رحمه الله (يَطْهُرُ الْبَدَنُ وَالثَّوْبُ بِالْمَاءِ وَبِمَائِعٍ مُزِيلٍ كَالْخَلِّ وَمَاءِ الْوَرْدِ) اعْلَمْ أَنَّ الْكَلَامَ فِيهِ مِنْ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا فِي وُجُوبِ غَسْلِ النَّجَسِ وَالثَّانِي فِيمَا يَطْهُرُ بِهِ أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ وَاجِبٌ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4] أَيْ فَطَهِّرْهَا مِنْ النَّجَاسَاتِ وَمَا نُقِلَ خِلَافُ ذَلِكَ مِنْ تَفْسِيرِ الْآيَةِ لَا يُوَافِقُ ظَاهِرَ اللُّغَةِ وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «حُتِّيهِ، ثُمَّ اُقْرُصِيهِ، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» «وَنَهَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَزْبَلَةِ» وَلَا فَرْقَ بَيْنَ نَجَاسَةٍ وَنَجَاسَةٍ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يَجِبُ غَسْلُ بَوْلِ الْغُلَامِ الَّذِي لَمْ يَأْكُلْ الطَّعَامَ بَلْ يُرَشُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ لَا غَيْرُ، وَلَنَا الْعُمُومَاتُ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ النَّضْحِ وَالصَّبِّ الْمُرَادُ بِهِ الْغَسْلُ وَيَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَذْيِ «تَوَضَّأْ وَانْضَحْ فَرْجَك» وَلَا يَجْزِيهِ إلَّا الْغُسْلُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ بِخِلَافِ) أَيْ بِخِلَافِ مَا رَأَتْ قَبْلَ الْوِلَادَةِ فَإِنَّهُ لَمْ يَتَحَقَّقْ انْفِتَاحُ الرَّحِمِ فَلَا يَكُونُ حَيْضًا.
(قَوْلُهُ: فَالصَّحِيحُ أَنْ يُجْعَلَ حَمْلًا وَاحِدًا) لِأَنَّ الثَّالِثَ مِنْ عُلُوقِ الثَّانِي وَهُوَ مِنْ عُلُوقِ الْأَوَّلِ. اهـ. يَحْيَى وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
[بَابُ الْأَنْجَاسِ]
جَمْعُ نَجَسٍ بِفَتْحَتَيْنِ وَهُوَ فِي الْأَصْلِ مَصْدَرٌ، ثُمَّ اُسْتُعْمِلَ اسْمًا لِكُلِّ مُسْتَقْذَرٍ وَيُطْلَقُ عَلَى الْحَقِيقِيِّ وَالْحُكْمِيِّ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَقُولَ بَابُ الْأَنْجَاسِ الْحَقِيقِيَّةِ تَعْيِينًا لِلْمُرَادِ لَكِنْ لَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ الْحُكْمِيِّ كَانَ قَرِينَةً دَالَّةً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ هُنَا هُوَ الْحَقِيقِيُّ يَحْيَى.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَبِمَائِعٍ) أَيْ مَائِعٍ طَاهِرٍ اهـ عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ: أَمَّا الْأَوَّلُ فَهُوَ وَاجِبٌ) أَيْ مُقَيَّدٌ بِالْإِمْكَانِ وَبِمَا إذَا يَسْتَلْزِمُ ارْتِكَابَ مَا هُوَ أَشَدُّ حَتَّى لَوْ لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ إزَالَتِهَا إلَّا بِإِبْدَاءِ عَوْرَتِهِ لِلنَّاسِ يُصَلِّي مَعَهَا؛ لِأَنَّ كَشْفَ الْعَوْرَةِ أَشَدُّ فَلَوْ أَبْدَاهَا لِلْإِزَالَةِ فَسَقَ إذْ مَنْ اُبْتُلِيَ بَيْنَ أَمْرَيْنِ مَحْظُورَيْنِ عَلَيْهِ أَنْ يَرْتَكِبَ أَهْوَنَهُمَا أَمَّا مَنْ بِهِ نَجَاسَةٌ وَهُوَ مُحْدِثٌ إذَا وَجَدَ مَاءً يَكْفِي أَحَدُهُمَا فَقَطْ إنَّمَا وَجَبَ صَرْفُهُ إلَى النَّجَاسَةِ لَا الْحَدَثِ لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ فَيَكُونُ مُحَصِّلًا لِلطَّهَارَتَيْنِ لَا؛ لِأَنَّهَا أَغْلَظُ مِنْ الْحَدَثِ وَلَا لِأَنَّهُ صَرْفٌ إلَى الْأَخَفِّ حَتَّى يُرَدَّ إشْكَالًا كَمَا قَالَهُ حَمَّادٌ حَتَّى أَوْجَبَ صَرْفَهُ إلَى الْحَدَثِ وَقَوْلُنَا لِيَتَيَمَّمَ بَعْدَهُ هُوَ لِيَقَعَ تَيَمُّمُهُ صَحِيحًا اتِّفَاقًا أَمَّا لَوْ تَيَمَّمَ قَبْلَ صَرْفِهِ إلَى النَّجَاسَةِ فَإِنَّهُ يَجُوزُ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ بِنَاءً عَلَى مَا مَرَّ فِي بَابِ التَّيَمُّمِ مِنْ أَنَّهُ مُسْتَحِقٌّ الصَّرْفَ إلَيْهَا فَكَانَ مَعْدُومًا فِي حَقِّ الْحَدَثِ، وَأَمَّا إذَا لَمْ يَتَمَكَّنْ مِنْ الْإِزَالَةِ لِخَفَاءِ خُصُوصِ الْمَحِلِّ الْمُصَابِ مَعَ الْعِلْمِ بِتَنَجُّسِ الثَّوْبِ قِيلَ الْوَاجِبُ غَسْلُ طَرَفٍ مِنْهُ فَإِنْ غَسَلَهُ بِتَحَرٍّ أَوْ بِلَا تَحَرٍّ طَهُرَ وَذِكْرُ الْوَجْهِ يُبَيِّنُ أَنْ لَا أَثَرَ لِلتَّحَرِّي وَهُوَ أَنْ يَغْسِلَ بَعْضَهُ مَعَ أَنَّ الْأَصْلَ طَهَارَةُ الثَّوْبِ وَوَقَعَ الشَّكُّ فِي قِيَامِ النَّجَاسَةِ لِاحْتِمَالِ كَوْنِ الْمَغْسُولِ مَحِلَّهَا فَلَا يُقْضَى بِالنَّجَاسَةِ بِالشَّكِّ كَذَا أَوْرَدَهُ الْإِسْبِيجَابِيُّ رحمه الله فِي شَرْحِ الْجَامِعِ الْكَبِيرِ.
قَالَ وَسَمِعْت الشَّيْخَ الْإِمَامَ تَاجَ الدِّينِ أَحْمَدَ بْنَ عَبْدِ الْعَزِيزِ يَقُولُ وَيَقِيسُهُ عَلَى مَسْأَلَةٍ فِي السِّيَرِ الْكَبِيرِ هِيَ إذَا فَتَحْنَا حِصْنًا وَفِيهِمْ ذِمِّيٌّ لَا يُعْرَفُ لَا يَجُوزُ قَتْلُهُمْ لِقِيَامِ الْمَانِعِ بِيَقِينٍ فَلَوْ قُتِلَ الْبَعْضُ أَوْ أُخْرِجَ حَلَّ قَتْلُ الْبَاقِي لِلشَّكِّ فِي قِيَامِ الْمُحَرَّمِ، كَذَا هُنَا وَفِي الْخُلَاصَةِ بَعْدَمَا ذَكَرَهُ مُجَرَّدًا عَنْ التَّعْلِيلِ فَلَوْ صَلَّى مَعَهُ صَلَوَاتٍ، ثُمَّ ظَهَرَتْ النَّجَاسَةُ فِي طَرَفٍ آخَرَ يَجِبُ إعَادَةُ مَا صَلَّى وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ الثَّوْبُ فِيهِ نَجَاسَةٌ لَا يَدْرِي مَكَانَهَا يُغْسَلُ كُلُّهُ وَهُوَ الِاحْتِيَاطُ وَذَلِكَ التَّعْلِيلُ مُشْكِلٌ عِنْدِي فَإِنْ غُسِلَ طَرَفٌ يُوجِبُ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الثَّوْبِ بَعْدَ الْيَقِينِ بِنَجَاسَتِهِ قَبْلُ.
وَحَاصِلُهُ أَنَّهُ شَكَّ فِي الْإِزَالَةِ بَعْدَ تَيَقُّنِ قِيَامِ النَّجَاسَةِ وَالشَّكُّ لَا يَرْفَعُ الْمُتَيَقَّنَ قَبْلَهُ وَالْحَقُّ أَنَّ ثُبُوتَ الشَّكِّ فِي كَوْنِ الطَّرَفِ الْمَغْسُولِ وَالرِّجْلِ الْمَخْرَجَ هُوَ مَكَانُ النَّجَاسَةِ وَالْمَعْصُومُ الدَّمُ يُوجِبُ أَلْبَتَّةَ الشَّكَّ فِي طُهْرِ الْبَاقِي وَإِبَاحَةَ دَمِ الْبَاقِينَ وَمِنْ ضَرُورَةِ صَيْرُورَتِهِ مَشْكُوكًا فِيهِ ارْتِفَاعُ الْيَقِينِ عَنْ تَنَجُّسِهِ وَمَعْصُومِيَّتُهُ، وَإِذَا صَارَ مَشْكُوكًا فِي نَجَاسَتِهِ جَازَتْ الصَّلَاةُ مَعَهُ إلَّا أَنَّ هَذَا إنْ صَحَّ لَمْ يَبْقَ لِكَلِمَتِهِمْ الْمُجْمَعِ عَلَيْهَا أَعْنِي قَوْلَهُمْ الْيَقِينُ لَا يُرْفَعُ بِالشَّكِّ مَعْنَى فَإِنَّهُ حِينَئِذٍ لَا يُتَصَوَّرُ أَنْ يَثْبُتَ شَكٌّ فِي مَحَلِّ ثُبُوتِ الْيَقِينِ لِتَصَوُّرِ ثُبُوتِ شَكٍّ فِيهِ لَا يَرْتَفِعُ بِهِ ذَلِكَ الْيَقِينُ فَمِنْ هَذَا حَقَّقَ بَعْضُ الْمُحَقِّقِينَ أَنَّ الْمُرَادَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ يَخْلُصُ الْإِشْكَالُ فِي الْحُكْمِ لَا الدَّلِيلِ فَنَقُولُ وَإِنْ ثَبَتَ الشَّكُّ فِي طَهَارَةِ الْبَاقِي لَكِنْ لَا يَرْتَفِعُ حُكْمُ ذَلِكَ الْيَقِينِ السَّابِقِ بِنَجَاسَتِهِ وَهُوَ عَدَمُ جَوَازِ الصَّلَاةِ فَلَا يَصِحُّ بَعْدَ غَسْلِ الطَّرَفِ؛ لِأَنَّ الشَّكَّ الطَّارِئَ لَا يَرْفَعُ حُكْمَ الْيَقِينِ السَّابِقِ عَلَى مَا هُوَ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِمْ الْيَقِينُ لَا يَرْتَفِعُ بِالشَّكِّ فَقَتْلُ الْبَاقِي وَالْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الْبَاقِي مُشْكِلٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ اغْسِلِيهِ) وَهُوَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّطْهِيرِ الْعَصِيرُ وَفِي الْمُغْرِبِ الْحَتُّ الْقَشْرُ بِالْيَدِ أَوْ الْعُودِ وَالْقَرْصُ بِأَطْرَافِ الْأَصَابِعِ اهـ وَقَوْلُهُ: صلى الله عليه وسلم حُتِّيهِ أَمْرٌ لِأَسْمَاءِ بِنْتِ أَبِي بَكْرٍ حِينَ سَأَلَتْهُ عَنْ دَمِ الْحَيْضِ يُصِيبُ الثَّوْبَ لِكَوْنِهِ نَجِسًا فَيُلْحَقُ كُلُّ نَجِسٍ بِهِ. اهـ. يَحْيَى.
(قَوْلُهُ: «وَنَهَى النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام عَنْ الصَّلَاةِ فِي الْمَقْبَرَةِ وَالْمَجْزَرَةِ») أَيْ لِاحْتِمَالِ النَّجَاسَةِ اهـ
اتِّفَاقًا؛ وَلِأَنَّ النَّضْحَ كَثْرَةُ الصَّبِّ وَمِنْهُ النَّاضِحُ لِلْجَمَلِ الَّذِي يُسْتَخْرَجُ بِهِ الْمَاءُ قَالَهُ الْمُهَلَّبُ وَمَا ذَكَرُوا مِنْ الْفَرْقِ بَيْنَ الْجَارِيَةِ وَالْغُلَامِ أَنَّ بَوْلَ الْجَارِيَةِ أَثْخَنُ مِنْ بَوْلِ الْغُلَامِ ضَعِيفٌ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ ثَخِينِ النَّجَاسَةِ وَرَقِيقِهَا فِي وُجُوبِ إزَالَتِهَا بِالْغُسْلِ وَهَذَا الْمُدَّعَى بِنَفْسِهِ تَحَكُّمٌ غَيْرُ ظَاهِرٍ فَلَا يُعْتَمَدُ.
وَفَرَّقَ بَعْضُهُمْ أَنَّ الِاعْتِنَاءَ بِالصَّبِيِّ أَكْثَرُ؛ لِأَنَّهُ يَحْمِلُهُ الرِّجَالُ وَالنِّسَاءُ فَالْبَلْوَى بِهِ أَكْثَرُ وَأَعَمُّ أَضْعَفُ؛ لِأَنَّ مُقْتَضَاهُ أَنْ لَا يَجِبَ غَسْلُ ثِيَابِ النِّسَاءِ مِنْ بَوْلِهَا لِكَوْنِ الِابْتِلَاءِ بِهِ أَشَدَّ فِي حَقِّهِنَّ لِاخْتِصَاصِهِنَّ بِحَمْلِهَا وَمُشَارَكَةِ الرِّجَالِ فِي حَمْلِ الصَّبِيِّ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يَتَبَيَّنُ لِي فَرْقٌ بَيْنَهُمَا وَلَقَدْ أَنْصَفَ فِيمَا قَالَ، وَأَمَّا الثَّانِي وَهُوَ مَا يَطْهُرُ بِهِ النَّجَسُ فَبِكُلِّ مَائِعٍ يُمْكِنُ إزَالَتُهُ بِهِ كَالْخَلِّ وَنَحْوِهِ يَجُوزُ إزَالَةُ النَّجَاسَةِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَقَالَ مُحَمَّدٌ وَزُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجُوزُ إلَّا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ وَالْمُتَنَجِّسُ لَا يُفِيدُ الطَّهَارَةَ إلَّا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ تُرِكَ فِي الْمَاءِ لِلنَّصِّ وَلَا يَصِحُّ إلْحَاقُهُ بِالْمَاءِ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ وَفِي الْمَاءِ ضَرُورَةٌ فَبَقِيَ مَا وَرَاءَهُ عَلَى الْأَصْلِ وَلَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ أَنَّهَا قَالَتْ مَا كَانَ لِإِحْدَانَا إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ تَحِيضُ فِيهِ فَإِذَا أَصَابَهُ شَيْءٌ مِنْ دَمِ الْحَيْضِ قَالَتْ بِرِيقِهَا فَمَصَعَتْهُ بِظُفُرِهَا أَيْ حَكَّتْهُ؛ وَلِأَنَّهُ مُزِيلٌ بِطَبْعِهِ فَوَجَبَ أَنْ يُفِيدَ الطَّهَارَةَ كَالْمَاءِ بَلْ أَوْلَى؛ لِأَنَّهُ أَقْلَعُ لَهَا؛ وَلِأَنَّا نُشَاهِدُ وَنَعْلَمُ بِالضَّرُورَةِ أَنَّ الْمَائِعَ يُزِيلُ شَيْئًا مِنْ النَّجَاسَةِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَلِهَذَا يَتَغَيَّرُ لَوْنُ الْمَاءِ بِهِ وَالنَّجَاسَةُ مُتَنَاهِيَةٌ؛ لِأَنَّهَا مُرَكَّبَةٌ مِنْ جَوَاهِرَ مُتَنَاهِيَةٍ لِمَا عُرِفَ فِي مَوْضِعِهِ فَإِذَا انْتَهَتْ أَجْزَاؤُهَا بَقِيَ الْمَحِلُّ طَاهِرًا لِعَدَمِ الْمُجَاوَرَةِ وَمَا ذَكَرُوهُ مِنْ التَّنَجُّسِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ سَقَطَ لِلضَّرُورَةِ كَمَا سَقَطَ فِي الْمَاءِ وَلَا تَعَلُّقَ لِلشَّافِعِيِّ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «، ثُمَّ اغْسِلِيهِ بِالْمَاءِ» ؛ لِأَنَّهُ مَفْهُومُ اللَّقَبِ وَهُوَ لَيْسَ بِحُجَّةٍ إجْمَاعًا كَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «وَلِيَسْتَنْجِ بِثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ» فَإِنَّهُ يَجُوزُ بِغَيْرِهِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ لَمْ يُجَوِّزْ تَطْهِيرَ الْبَدَنِ إلَّا بِالْمَاءِ؛ لِأَنَّهَا نَجَاسَةٌ يَجِبُ إزَالَتُهَا عَنْ الْبَدَنِ فَلَا يَزُولُ بِغَيْرِ الْمَاءِ كَالْحَدَثِ.
قَالَ رحمه الله (لَا الدُّهْنِ) أَيْ لَا يَجُوزُ إزَالَتُهَا بِالدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ لَا يَخْرُجُ بِنَفْسِهِ فَكَيْفَ يُخْرِجُ غَيْرَهُ، وَكَذَا الدِّبْسُ وَاللَّبَنُ وَالْعَصِيرُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لَوْ غَسَلَ الدَّمَ مِنْ الثَّوْبِ بِدُهْنٍ أَوْ سَمْنٍ أَوْ زَيْتٍ حَتَّى ذَهَبَ أَثَرُهُ جَازَ قَالَ رحمه الله (وَالْخُفُّ بِالدَّلْكِ بِنَجَسٍ ذِي جِرْمٍ) أَيْ يَطْهُرُ الْخُفُّ بِالدَّلْكِ إذَا تَنَجَّسَ بِنَجَسٍ ذِي جِرْمٍ وَلَمْ يُشْتَرَطْ الْجَفَافُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي يُوسُفَ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ فَلْيُقَلِّبْ نَعْلَيْهِ فَإِنْ رَأَى بِهِمَا أَذًى فَلْيَمْسَحْهُمَا بِالْأَرْضِ فَإِنَّ الْأَرْضَ لَهُمَا طَهُورٌ» ؛ وَلِأَنَّ الْبَلْوَى الْعَامَّةَ قَدْ تَحَقَّقَتْ فَلَا مَعْنَى لِاشْتِرَاطِ الْجَفَافِ إذْ يَلْحَقُهُمْ بِذَلِكَ حَرَجٌ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَيُشْتَرَطُ عِنْدَهُ زَوَالُ الرَّائِحَةِ وَعَلَى قَوْلِهِ أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ، وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ لَا بُدَّ مِنْ الْجَفَافِ إذْ الْمَسْحُ يُكْثِرُهُ وَلَا يُطَهِّرُهُ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ؛ وَزُفَرُ: لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ رُطُوبَتَهَا تَتَدَاخَلُ فِي الْخُفِّ وَالنَّعْلِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أَصَابَتْهُ رُطُوبَتُهَا دُونَ جِرْمِهَا وَكَمَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يَتَنَجَّسُ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ) مُقَيَّدٌ بِمَا إذَا كَانَ بِحَيْثُ يَخْرُجُ بَعْضُ أَجْزَائِهَا فِي الْمَاءِ أَلَا تَرَى إلَى مَا ذَكَرُوهُ مِنْ أَنَّهُ لَوْ مَشَى وَرِجْلُهُ مُبْتَلَّةٌ عَلَى أَرْضٍ أَوْ لِبْدٍ نَجِسٍ جَافٍّ لَا يَتَنَجَّسُ وَلَوْ كَانَ عَلَى الْقَلْبِ وَظَهَرَتْ الرُّطُوبَةُ فِي رِجْلِهِ يَتَنَجَّسُ كَذَا فِي الْخُلَاصَةِ قُلْت يَجِبُ حَمْلُ الرُّطُوبَةِ عَلَى الْبَلَلِ لَا النَّدَاوَةِ فَقَدْ ذُكِرَ فِيهَا إذَا لَفَّ الثَّوْبَ النَّجِسَ الرَّطْبَ فِي الثَّوْبِ الطَّاهِرِ الْجَافِّ فَظَهَرَتْ فِيهِ نَدْوَةٌ وَلَمْ يَصِرْ بِحَيْثُ يَقْطُرُ مِنْهُ شَيْءٌ إذَا عُصِرَ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ، وَكَذَا لَوْ بَسَطَ عَلَى النَّجِسِ الرَّطْبِ فَتَنَدَّى وَلَيْسَ بِحَيْثُ يَقْطُرُ إذَا عُصِرَ الْأَصَحُّ فِيهِ أَنَّهُ لَا يَتَنَجَّسُ ذَكَرَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَلَا يَخْفَى أَنَّهُ قَدْ يَحْصُلُ بَلُّ الثَّوْبِ وَعَصْرُهُ بِنَبْعِ رُءُوسٍ صِغَارٍ لَيْسَ لَهَا قُوَّةُ السَّيَلَانِ لِيَتَّصِل بَعْضُهَا بِبَعْضٍ فَتَقْطُرُ بَلْ تَقِرُّ فِي مَوَاضِعِ نَبْعِهَا، ثُمَّ تَرْجِعُ إذَا حَلَّ الثَّوْبُ وَيَبْعُدُ فِي مِثْلِهِ الْحُكْمُ بِطَهَارَةِ الثَّوْبِ مَعَ وُجُودِ حَقِيقَةِ الْمُخَالِطِ فَالْأَوْلَى إنَاطَةُ عَدَمِ النَّجَاسَةِ بِعَدَمِ نَبْعِ شَيْءٍ عِنْدَ الْأَمْرِ لِيَكُونَ مُجَرَّدَ نَدْوَةٍ لَا بِعَدَمِ التَّقَاطُرِ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: لِلنَّصِّ) وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً طَهُورًا} [الفرقان: 48].
(قَوْلُهُ: لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ) أَيْ لِأَنَّهَا تَنْدَفِعُ بِالْمَاءِ اهـ قُلْنَا إنَّمَا الْمَاءُ طَهُورٌ بِالنَّصِّ بِالْإِجْمَاعِ لِأَنَّهُ مُزِيلُ عَيْنِ النَّجَاسَةِ وَأَثَرُهُ لَا أَنَّهُ مُبَدِّلٌ حُكْمَ النَّجَاسَةِ إلَى الطَّهَارَةِ وَغَيْرُ الْمَاءِ يُشَاكِلُهُ فِي الْإِزَالَةِ أَوْ أَقْوَى إذْ الْخَلُّ أَقْلَعَ لِلنَّجَاسَةِ مِنْ الْمَاءِ؛ لِأَنَّهُ يُزِيلُ الْبَوْلَ وَالدُّسُومَةَ فَأُلْحِقَ حِينَئِذٍ بِهِ. اهـ. رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ: إلَّا بِالْمَاءِ) لِأَنَّ مَا كَانَ فِي الْبَدَنِ نَظِيرَ الْحَدَثِ إذْ فِي نَظِيرِهِ مَعْنَى الْعِبَادَةِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ. اهـ. رَازِيٌّ؛ لِأَنَّ حَرَارَةَ الْبَدَنِ جَاذِبَةٌ وَالْمَاءُ أَدْخَلُ فِيهِ مِنْ غَيْرِهِ فَيَتَعَيَّنُ وَعَنْ طَهَارَةِ الْبَدَنِ بِغَيْرِ الْمَاءِ تُفَرَّعُ طَهَارَةُ الثَّدْيِ إذَا قَاءَ عَلَيْهِ الْوَلَدُ ثُمَّ رَضِعَهُ حَتَّى زَالَ أَثَرُ الْقَيْءِ، وَكَذَا إذَا لَحِسَ أُصْبُعَهُ مِنْ نَجَاسَةٍ بِهَا حَتَّى يَذْهَبَ الْأَثَرُ أَوْ شَرِبَ خَمْرًا، ثُمَّ تَرَدَّدَ رِيقُهُ فِي فِيهِ مِرَارًا طَهُرَ حَتَّى لَوْ صَلَّى صَحَّتْ، وَعَلَى قَوْلِ مُحَمَّدٍ لَا يَصِحُّ وَلَا يُحْكَمُ بِالطَّهَارَةِ بِذَلِكَ لِعَدَمِ الْمَاءِ كَمَا قَالَ قَاضِيخَانْ إنْ كَانَ عَلَى بَدَنٍ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا بِخِرْقَةٍ مَبْلُولَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ حُكِيَ عَنْ الْفَقِيهِ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ قَالَ يَطْهُرُ إنْ كَانَ الْمَاءُ مُتَقَاطِرًا عَلَى بَدَنِهِ. اهـ. .
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا الدُّهْنِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَلَمَّا قَيَّدَ الْمَائِعَ بِالْمُزِيلِ احْتَرَزَ بِهِ عَنْ غَيْرِ الْمُزِيلِ بِقَوْلِهِ لَا الدُّهْنِ؛ لِأَنَّهُ وَإِنْ كَانَ مَائِعًا لَكِنَّهُ غَيْرُ مُزِيلٍ لِتَلَوُّثِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْخُفُّ بِالدَّلْكِ بِنَجِسٍ ذِي جِرْمٍ) وَالْخُفُّ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ الْبَدَن أَيْ يَطْهُرُ الْخُفُّ الْمُتَنَجِّسُ وَالنَّعْلُ الْمُتَنَجِّسُ وَالْبَاءُ فِي بِالدَّلْكِ تَتَعَلَّقُ بِقَوْلِهِ يَطْهُرُ وَالْبَاءُ فِي قَوْلِهِ بِنَجِسٍ فِي مَحَلِّ النَّصْبِ عَلَى أَنَّهَا حَالٌ مِنْ الْخُفِّ أَيْ حَالَ كَوْنِهِ مُتَنَجِّسًا بِنَجِسٍ ذِي جِرْمٍ عَيْنِيٌّ. (قَوْلُهُ: جِرْمٌ) أَيْ جُثَّةٌ كَالرَّوْثِ وَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَمْ يَشْتَرِطْ) أَيْ الْمُصَنِّفُ أَيْ لَمْ يَشْتَرِطْ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ الْخُفُّ بَعْدَ جَفَافِ نَجَاسَتِهِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَهُوَ) أَيْ عَدَمُ اشْتِرَاطِ الْجَفَافِ. (قَوْلُهُ: أَكْثَرُ الْمَشَايِخِ) أَيْ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: إذْ الْمَسْحُ يُكْثِرُهُ) أَيْ قَبْلَ الْجَفَافِ اهـ
فِي الْبَدَنِ وَالثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ وَكَالنَّجَاسَةِ الْمَائِعَةِ الَّتِي لَا جِرْمَ لَهَا بِخِلَافِ الْمَنِيِّ فَإِنَّهُ مَخْصُوصٌ بِالْخَبَرِ حَتَّى اكْتَفَى بِهِ فِي الثَّوْبِ وَلَهُمَا مَا رَوَيْنَا مِنْ قَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «فَمَنْ أَرَادَ أَنْ يَدْخُلَ الْمَسْجِدَ» الْحَدِيثَ؛ وَلِأَنَّ الْخُفَّ صَلْبٌ لَا تَتَدَاخَلُهُ أَجْزَاءُ جِرْمِ النَّجَاسَةِ وَإِنَّمَا تَتَدَاخَلُهُ رُطُوبَتُهَا وَذَلِكَ قَلِيلٌ أَوْ يَجْتَذِبُهُ الْجِرْمُ إذَا جَفَّ فَلَا يَبْقَى بَعْدَ الْمَسْحِ إلَّا قَلِيلٌ وَذَلِكَ مَعْفُوٌّ فَصَارَ كَالسَّيْفِ وَالْحَدِيدِ الصَّقِيلِ بِخِلَافِ الثَّوْبِ وَالْبِسَاطِ؛ لِأَنَّهُمَا مُتَخَلْخِلَانِ فَيَتَدَاخَلُهُمَا أَجْزَاءُ النَّجَاسَةِ وَبِخِلَافِ الْبَدَنِ؛ لِأَنَّ لِينَتَهُ وَرُطُوبَتَهُ وَمَا بِهِ مِنْ الْعَرَقِ يَمْنَعُ مِنْ الْجَفَافِ قَالَ رحمه الله (وَإِلَّا يُغْسَلُ) أَيْ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ جِرْمٌ يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّ أَجْزَاءَ النَّجَاسَةِ تَتَشَرَّبُ فِيهِ فَلَا يَخْرُجُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَقِيلَ: إذَا مَشَى عَلَى الرَّمْلِ أَوْ التُّرَابِ فَالْتَصَقَ بِالْخُفِّ أَوْ جَعَلَ عَلَيْهِ تُرَابًا أَوْ رَمْلًا أَوْ رَمَادًا فَمَسَحَهُ يَطْهُرُ وَهُوَ الصَّحِيحُ إذْ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الْجِرْمُ مِنْهَا أَوْ مِنْ غَيْرِهَا، ثُمَّ الْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا أَنَّ كُلَّ مَا يَبْقَى بَعْدَ الْجَفَافِ عَلَى ظَاهِرِ الْخُفِّ كَالْعَذِرَةِ وَالدَّمِ وَنَحْوِهِ فَهُوَ جِرْمٌ وَمَا لَا يُرَى بَعْدَ الْجَفَافِ فَلَيْسَ بِجِرْمٍ.
قَالَ رحمه الله (وَبِمَنِيِّ آدَمِيٍّ يَابِسٍ بِالْفَرْكِ، وَإِلَّا يُغْسَلُ) أَيْ إذَا تَنَجَّسَ الْخُفُّ أَوْ الثَّوْبُ بِمَنِيٍّ وَيَبِسَ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَإِنْ لَمْ يَكُنْ يَابِسًا يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ الْمَنِيُّ لَيْسَ بِنَجِسٍ لِمَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ «كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ يُصَلِّي فِيهِ وَلَا يَغْسِلُهُ» وَفِي حَدِيثٍ آخَرَ «قَالَتْ كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِهِ عليه الصلاة والسلام وَهُوَ يُصَلِّي» وَالْوَاوُ لِلْحَالِ وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا افْتَتَحَ الصَّلَاةَ مَعَهُ وَلَمَا اكْتَفَى بِالْفَرْكِ فِيهِ كَسَائِرِ النَّجَاسَاتِ، وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ «سُئِلَ النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام عَنْ الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ فَقَالَ إنَّمَا هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبُصَاقِ وَالْمُخَاطِ وَإِنَّمَا يَكْفِيك أَنْ تَمْسَحِيهِ بِخِرْقَةٍ أَوْ بِإِذْخِرَةٍ» ؛ وَلِأَنَّهُ مُبْتَدَأُ خَلْقِ الْبَشَرِ فَصَارَ كَالطِّينِ.
وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها قَالَتْ «كُنْت أَغْسِلُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَيَخْرُجُ إلَى الصَّلَاةِ» الْحَدِيثَ وَحَدِيثُ عَمَّارٍ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إنَّمَا يُغْسَلُ الثَّوْبُ مِنْ خَمْسٍ وَعَدَّ مِنْهَا الْمَنِيَّ» وَعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه فِي الْمَنِيِّ يُصِيبُ الثَّوْبَ إنْ رَأَيْته فَاغْسِلْهُ، وَإِلَّا فَاغْسِلْ الثَّوْبَ كُلَّهُ، وَعَنْ الْحَسَنِ الْمَنِيُّ بِمَنْزِلَةِ الْبَوْلِ؛ وَلِأَنَّهُ دَمٌ اسْتَحَالَ بِالنُّضْجِ مِنْ حَرَارَةِ الشَّهْوَةِ وَلِهَذَا مَنْ كَثُرَ مِنْهُ الْوِقَاعُ حَتَّى فَتَرَتْ شَهْوَتُهُ يُخْرِجُ دَمًا أَحْمَرَ، وَإِنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اغْسِلِيهِ رَطْبًا وَافْرُكِيهِ يَابِسًا» ؛ وَلِأَنَّهُ لَزِجٌ فَلَا تَتَدَاخَلُ أَجْزَاؤُهُ وَمَا عَلَى ظَاهِرِهِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ أَوْ يَقِلُّ وَالْقَلِيلُ مَعْفُوٌّ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْإِمَاطَةِ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ قَلِيلًا أَوْ عَلَى أَنَّهُ لِيَتَمَكَّنَ مِنْ الْغَسْلِ وَتَشْبِيهُهُ بِالْمُخَاطِ إنَّمَا هُوَ فِي الْمَنْظَرِ فِي الْبَشَاعَةِ لَا فِي الْحُكْمِ بِدَلِيلِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَدِلَّةِ، وَلَا تَعَلُّقَ لَهُ بِقَوْلِ عَائِشَةَ رضي الله عنها «كُنْت أَفْرُكُ الْمَنِيَّ مِنْ ثَوْبِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فِيهِ» مِنْ حَيْثُ إنَّ الْوَاوَ لِلْحَالِ؛ لِأَنَّهُ خَبَرٌ وَأَمْرُهُ عليه السلام آكَدُ فِي اقْتِضَاءِ الْوُجُوبِ مِنْ خَبَرِهَا؛ لِأَنَّ حَقِيقَتَهُ لِلْوُجُوبِ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ كَانَ قَبْلَ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يَبْعُدُ أَنْ تَتَشَبَّثَ بِثِيَابِهِ وَتُشْغِلَهُ عَنْ الصَّلَاةِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ هَيَّأْت لَهُ الطَّعَامَ وَهُوَ يَأْكُلُ أَيْ يَأْكُلُ بَعْدَهُ وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ الْبَشَرُ مِنْ النَّجَسِ، ثُمَّ يَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ فَإِنَّ الشَّيْءَ قَدْ يَكُونُ نَجِسًا وَيَتَوَلَّدُ مِنْهُ الطَّاهِرُ كَاللَّبَنِ فَإِنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الدَّمِ وَهُوَ أَصْلُهُ فَاعْتَبَرَهُ بِالْعَلَقَةِ وَالْمُضْغَةِ؛ لِأَنَّهُمَا يُخْلَقُ مِنْهُمَا الْبَشَرُ وَإِنْ كَانَا نَجِسَيْنِ.
ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إذَا خَرَجَ الْمَنِيُّ قَبْلَ الْمَذْيِ أَمَّا لَوْ خَرَجَ الْمَذْيُ أَوَّلًا، ثُمَّ خَرَجَ الْمَنِيُّ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ مَسْأَلَةُ الْمَنِيِّ مُشْكِلَةٌ؛ لِأَنَّ الْفَحْلَ يُمْذِي، ثُمَّ يُمْنِي وَالْمَذْيُ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ إلَّا أَنْ يُقَالَ أَنَّهُ مَغْلُوبٌ بِالْمَنِيِّ فَيُجْعَلُ تَبَعًا لَهُ وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ لَوْ كَانَ فِي رَأْسِ ذَكَرِهِ نَجَاسَةٌ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَاخْتَارَهُ أَبُو إِسْحَاقَ وَقَالَ الْفَقِيهُ أَحْمَدُ بْنُ إبْرَاهِيمَ عِنْدِي أَنَّ الْمَنِيَّ إذَا خَرَجَ مِنْ رَأْسِ الْإِحْلِيلِ عَلَى سَبِيلِ الدَّفْقِ وَلَمْ يَنْتَشِرْ عَلَى رَأْسِهِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ الَّذِي هُوَ دَاخِلُ الذَّكَرِ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ وَمُرُورُ الْمَنِيِّ عَلَيْهِ غَيْرُ مُؤَثِّرٍ بِخِلَافِ مَا إذَا انْتَشَرَ عَلَى رَأْسِ الْإِحْلِيلِ حَيْثُ لَا يُكْتَفَى فِيهِ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّ الْبَوْلَ الَّذِي خَارِجَ الْإِحْلِيلِ مُعْتَبَرٌ فَلَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ حَتَّى لَوْ بَالَ وَلَمْ يُجَاوِزْ الْبَوْلُ ثُقْبَ الْإِحْلِيلِ يُكْتَفَى بِالْفَرْكِ وَلَوْ أَصَابَ الْمَنِيُّ شَيْئًا لَهُ بِطَانَةٌ فَنَفَذَ إلَى الْبِطَانَةِ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ هُوَ الصَّحِيحُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ إنْ كَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَلَهُمَا) أَيْ لِأَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ فِي جَوَازِ التَّطْهِيرِ بِالدَّلْكِ بِلَا غَسْلٍ اهـ.
(قَوْلُهُ: يَطْهُرُ بِالْغَسْلِ) أَيْ رَطْبًا كَانَ أَوْ يَابِسًا خُفًّا كَانَ أَوْ ثَوْبًا أَيْ بِالْغَسْلِ لَا بِالدَّلْكِ قَالَ الْعَيْنِيُّ لِأَنَّ الدَّلْكَ حِينَئِذٍ يَزِيدُهُ انْتِشَارًا أَوْ تَلَوُّثًا. اهـ. .
(قَوْلُهُ: فَيُجْعَلُ تَبَعًا لَهُ) وَهَذَا ظَاهِرٌ فَإِنَّهُ إذَا كَانَ الْوَاقِعُ أَنَّهُ لَا يُمْنِي حَتَّى يُمْذِيَ وَقَدْ طَهَّرَهُ الشَّرْعُ بِالْفَرْكِ يَابِسًا يَلْزَمُ أَنَّهُ اعْتَبَرَ ذَلِكَ الِاعْتِبَارَ أَعْنِي اعْتَبَرَهُ مُسْتَهْلِكًا لِلضَّرُورَةِ بِخِلَافِ مَا إذَا بَالَ وَلَمْ يَسْتَنْجِ بِالْمَاءِ حَتَّى أَمْنَى فَإِنَّهُ لَا يَطْهُرُ حِينَئِذٍ إلَّا بِالْغُسْلِ لِعَدَمِ الْمُلْجِئِ كَمَا قِيلَ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ) وَفِي نُسْخَةٍ بِالْفَرْكِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَتَطْهِيرُ الْأَرْضِ إذَا كَانَتْ رَخْوَةً بِصَبِّ الْمَاءِ عَلَيْهَا ثَلَاثًا وَإِنْ كَانَتْ صَلْبَةً قَالُوا يُصَبُّ عَلَيْهَا، ثُمَّ تُنَشَّفُ بِخِرْقَةٍ وَنَحْوِهَا يَفْعَلُ ذَلِكَ ثَلَاثًا وَإِنْ صَبَّ عَلَيْهَا كَثِيرًا حَتَّى تَصَرَّفَتْ النَّجَاسَةُ وَلَمْ يَبْقَ رِيحُهَا وَلَا لَوْنُهَا وَتُرِكَتْ حَتَّى جَفَّتْ طَهُرَتْ اهـ
الْمَنِيُّ غَلِيظًا فَجَفَّ يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ وَأَسْفَلُهُ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِالْغَسْلِ؛ لِأَنَّهُ إنَّمَا يُصِيبُهُ الْبِلَّةُ دُونَ الْجِرْمِ، ثُمَّ إذَا فُرِكَ يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ عِنْدَهُمَا وَفِي أَظْهَرْ الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ تَقِلُّ النَّجَاسَةُ بِالْفَرْكِ وَلَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ حَتَّى لَوْ أَصَابَهُ مَاءٌ عَادَ نَجِسًا عِنْدَهُ وَلَا يَعُودُ عِنْدَهُمَا وَلَهَا أَخَوَاتٌ مِنْهَا أَنَّ الْخُفَّ إذَا أَصَابَهُ نَجَسٌ وَدَلَّكَهُ، ثُمَّ وَصَلَ الْمَاءُ إلَيْهِ وَمِنْهَا الْأَرْضُ إذَا أَصَابَهَا نَجَاسَةٌ وَذَهَبَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ، ثُمَّ وَصَلَ إلَيْهَا الْمَاءُ وَمِنْهَا جِلْدُ الْمَيْتَةِ إذَا دُبِغَ بِالشَّمْسِ أَوْ التَّتْرِيبِ وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الدَّبَّاغِ الْحُكْمِيِّ، ثُمَّ أَصَابَهُ الْمَاءُ وَمِنْهَا الْبِئْرُ إذَا وَجَبَ نَزْحُ مَائِهَا فَغَارَ الْمَاءُ، ثُمَّ عَادَ فَكُلُّهَا تُحْكَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ، ثُمَّ الْمَنِيُّ إذَا أَصَابَ الْبَدَنَ لَا يَجْزِي فِيهِ الْفَرْكُ فِيمَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ لِرُطُوبَةِ الْبَدَنِ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا أَنَّهُ يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ الْبَلْوَى فِي حَقِّهِ أَشَدُّ وَعَنْ الْفَضْلِيِّ أَنَّ مَنِيَّ الْمَرْأَةِ لَا يَطْهُرُ بِالْفَرْكِ؛ لِأَنَّهُ رَقِيقٌ.
قَالَ رحمه الله (وَنَحْوُ السَّيْفِ بِالْمَسْحِ) أَيْ نَحْوُ السَّيْفِ مِنْ الْحَدِيدِ الصَّقِيلِ كَالْمِرْآةِ وَالسِّكِّينِ إذَا تَنَجَّسَ يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ لِمَا صَحَّ أَنَّ أَصْحَابَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم كَانُوا يَقْتُلُونَ الْكُفَّارَ بِسُيُوفِهِمْ، ثُمَّ يَمْسَحُونَهَا وَيُصَلُّونَ مَعَهَا؛ وَلِأَنَّ غَسْلَ السَّيْفِ وَالْمِرْآةِ وَنَحْوِ ذَلِكَ يُفْسِدُهَا فَكَانَ فِيهِ ضَرُورَةٌ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الرَّطْبِ وَالْيَابِسِ وَلَا بَيْنَ مَا لَهُ جِرْمٌ وَمَا لَا جِرْمَ لَهُ، ثُمَّ قِيلَ يَطْهُرُ حَقِيقَةً فِي رِوَايَةٍ حَتَّى لَوْ قَطَعَ بِهِ الْبِطِّيخَ أَوْ اللَّحْمَ يَحِلُّ أَكْلُهُ وَقِيلَ تَقِلُّ النَّجَاسَةُ وَلَا يَطْهُرُ وَشَرْطُهُ أَنْ يَكُونَ صَقِيلًا حَتَّى لَوْ كَانَ خَشِنًا أَوْ مَنْقُوشًا لَا يَطْهُرُ بِالْمَسْحِ.
قَالَ رحمه الله (وَالْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ الْأَثَرِ لِلصَّلَاةِ لَا لِلتَّيَمُّمِ) أَيْ تَطْهُرُ الْأَرْضُ بِالْيُبْسِ وَذَهَابِ أَثَرِ النَّجَاسَةِ مِنْ اللَّوْنِ وَالرَّائِحَةِ وَالطَّعْمِ فَتَصِحُّ الصَّلَاةُ عَلَيْهَا دُونَ التَّيَمُّمِ، أَمَّا طَهَارَتُهَا بِالْيُبْسِ فَلِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما قَالَ كُنْت فَتًى شَابًّا عَزَبًا أَبِيت فِي الْمَسْجِدِ وَكَانَتْ الْكِلَابُ تَبُولُ وَتُقْبِلُ وَتُدْبِرُ فِي الْمَسْجِدِ فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ فَدَلَّ عَلَى طَهَارَتِهَا بِالْجَفَافِ؛ وَلِأَنَّ الْأَرْضَ مِنْ طَبْعِهَا أَنْ تُحِيلَ الْأَشْيَاءَ وَتُنْقِلَهَا إلَى طَبْعِهَا فَتَطْهُرُ بِالِاسْتِحَالَةِ كَالْخَمْرِ إذَا تَخَلَّلَتْ بِخِلَافِ الثَّوْبِ، وَأَمَّا عَدَمُ جَوَازِ التَّيَمُّمِ بِهِ فَلِأَنَّ طَهَارَةَ الْأَرْضِ فِيهِ ثَبَتَتْ شَرْطًا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ وَهَذَا كَمَا قُلْنَا فِي مَسْحِ الرَّأْسِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْبَيْتِ ثَبَتَا بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّيَانِ بِمَسْحِ الْأُذُنِ وَالتَّوَجُّهِ إلَى الْحَطِيمِ؛ لِأَنَّ كَوْنَ الْأُذُنِ مِنْ الرَّأْسِ وَالْحَطِيمِ مِنْ الْبَيْتِ ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ؛ وَلِأَنَّ النَّجَاسَةَ تَقِلُّ بِالْجَفَافِ وَقَلِيلُ النَّجَاسَةِ يَمْنَعُ مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: وَمِنْهَا الْبِئْرُ إذَا وَجَبَ نَزْحُ مَائِهَا فَغَارَ الْمَاءُ، ثُمَّ عَادَ فَكُلُّهَا تُحْكَى عَلَى الرِّوَايَتَيْنِ) قَالَ الْكَمَالُ وَظَاهِرُهُ كَوْنُ الظَّاهِرِ النَّجَاسَةَ فِي الْكُلِّ وَالْأَوْلَى اعْتِبَارُ الطَّهَارَةِ فِي الْكُلِّ كَمَا اخْتَارَهُ شَارِحُ الْمَجْمَعِ فِي الْأَرْضِ وَهِيَ أَبْعَدُ الْكُلِّ إذْ لَا صُنْعَ فِيهَا أَصْلًا لِيَكُونَ تَطْهِيرًا؛ لِأَنَّهُ مَحْكُومٌ بِطَهَارَتِهِ شَرْعًا بِالْجَفَافِ عَلَى مَا فَسَّرَ بِهِ مَعْنَى الزَّكَاةِ فِي الْآثَارِ وَمُلَاقَاةِ الطَّاهِرِ الطَّاهِرَ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ بِخِلَافِ الْمُسْتَنْجِي بِالْحَجَرِ وَنَحْوِهِ لَوْ دَخَلَ فِي الْمَاءِ الْقَلِيلِ نَجُسَ عَلَى مَا قَالُوهُ لِأَنَّ غَيْرَ الْمَاءِ لَمْ يُعْتَبَرْ مُطَهِّرًا فِي الْبَدَنِ إلَّا فِي الْمَنِيِّ عَلَى رِوَايَةٍ وَالْجَوَازُ بِغَيْرِهِ لِسُقُوطِ ذَلِكَ الْمِقْدَارِ عَفْوًا لَا لِطَهَارَتِهِ فَعَنْهُ أَخَذُوا كَوْنَ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فِي النَّجَاسَاتِ عَفْوًا اهـ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ رَقِيقٌ) أَيْ فَيُلْحَقُ بِنَجَسٍ لَا جِرْمَ لَهُ. اهـ. .
(قَوْلُهُ: وَيُصَلُّونَ مَعَهَا) وَعَلَيْهِ يَتَفَرَّعُ مَا ذُكِرَ لَوْ كَانَ عَلَى ظُفُرِهِ نَجَاسَةٌ فَمَسَحَهَا طَهُرَتْ وَكَذَلِكَ الزُّجَاجَةُ وَالزُّبْدِيَّةُ الْخَضْرَاءُ يَعْنِي الْمَدْهُونَةَ وَالْخَشَبَ الْخَرَّاطِيِّ وَالْبُورِيَّا الْقَصَب. اهـ. كَمَالٌ رحمه الله.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْأَرْض بِالْيُبْسِ) لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجَفَافِ بِالشَّمْسِ وَالنَّارِ أَوْ الرِّيحِ اهـ كَمَالٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَذَهَابِ) بِالْجَرِّ عَطْفًا عَلَى الْيُبْسِ. اهـ. ع.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لِلصَّلَاةِ) أَيْ لِأَجْلِهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ: دُونَ التَّيَمُّمِ) خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ رَحِمَهُمَا اللَّهُ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ اخْتَصَّ لِلْإِزَالَةِ وَلَمْ يُوجَدْ وَلَنَا قَوْلُهُ: عليه الصلاة والسلام «زَكَاةُ الْأَرْضِ يُبْسُهَا وَالزَّكَاةُ الطَّهَارَةُ» وَإِنَّمَا لَمْ يَجُزْ التَّيَمُّمُ بِهِ؛ لِأَنَّ الطُّهُورِيَّةَ زَائِدَةٌ عَلَى الطَّهَارَةِ وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى الطَّهَارَةِ دُونَ الطُّهُورِيَّةِ. اهـ. رَازِيٌّ.
(قَوْلُهُ: عَزَبًا) رَجُلٌ عَزَبٌ بِالتَّحْرِيكِ لَا زَوْجَ لَهُ. اهـ. مُغْرِبٌ.
(قَوْلُهُ: فَلَمْ يَكُونُوا يَرُشُّونَ عَلَيْهَا شَيْئًا مِنْ ذَلِكَ) فَلَوْلَا اعْتِبَارُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ كَانَ ذَلِكَ تَبْقِيَةً لَهَا بِوَصْفِ النَّجَاسَةِ مَعَ الْعِلْمِ بِأَنَّهُمْ يَقُومُونَ عَلَيْهَا فِي الصَّلَاةِ أَلْبَتَّةَ إذْ لَا بُدَّ مِنْهُ مَعَ صِغَرِ الْمَسْجِدِ وَعَدَمِ مَنْ يَتَخَلَّفُ لِلصَّلَاةِ فِي بَيْتِهِ وَكَوْنِ ذَلِكَ يَكُونُ فِي بِقَاعٍ كَثِيرَةٍ مِنْ الْمَسْجِدِ لَا فِي بُقْعَةٍ وَاحِدَةٍ حَيْثُ كَانَتْ تُقْبِلُ وَتُدْبِرُ وَتَبُولُ فَإِنَّ هَذَا التَّرْكِيبَ فِي الِاسْتِعْمَالِ يُفِيدُ تَكَرُّرَ الْكَائِنِ مِنْهَا وَلِأَنَّ تَبْقِيَتَهَا نَجِسَةً يُنَافِي الْأَمْرَ بِتَطْهِيرِهَا فَوَجَبَ كَوْنُهَا تَطْهُرُ بِالْجَفَافِ بِخِلَافِ «أَمْرِهِ عليه الصلاة والسلام بِإِهْرَاقِ ذَنُوبٍ مِنْ مَاءٍ عَلَى بَوْلِ الْأَعْرَابِيِّ فِي الْمَسْجِدِ» ؛ لِأَنَّهُ كَانَ نَهَارًا وَالصَّلَاةُ فِيهِ تَتَتَابَعُ نَهَارًا، وَقَدْ لَا يَجِفُّ قَبْلَ وَقْتِ الصَّلَاةِ فَأَمَرَ بِتَطْهِيرِهَا بِالْمَاءِ بِخِلَافِ مُدَّةِ اللَّيْلِ أَوْ لِأَنَّ الْوَقْتَ إذْ ذَاكَ قَدْ آنَ أَوَانُهُ إذْ ذَاكَ أَكْمَلُ الطَّهَارَتَيْنِ لِلتَّيَسُّرِ فِي ذَلِكَ الْوَقْتِ وَإِذَا قَصَدَ تَطْهِيرَ الْأَرْضِ صَبَّ عَلَيْهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَجُفِّفَتْ فِي كُلِّ مَرَّةٍ بِخِرْقَةٍ، وَكَذَا لَوْ صَبَّ مَاءً بِكَثْرَةٍ وَلَمْ يَظْهَرْ لَوْنُ النَّجَاسَةِ وَلَا رِيحُهَا فَإِنَّهَا تَطْهُرُ وَلَوْ كَبَسَهَا بِتُرَابٍ أَلْقَاهُ عَلَيْهَا إنْ لَمْ تُوجَدْ رَائِحَةُ النَّجَاسَةِ جَازَتْ الصَّلَاةُ عَلَى ذَلِكَ التُّرَابِ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ: بِنَصِّ الْكِتَابِ فَلَا يَتَأَدَّى بِمَا ثَبَتَ بِخَبَرِ الْوَاحِدِ) فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ مُوجِبَ الْكِتَابِ هُوَ الْقَطْعُ بِاشْتِرَاطِ الطَّهَارَةِ مُطْلَقًا دُونَ الطَّهَارَةِ الْقَطْعِيَّةِ حَيْثُ لَمْ يَقُلْ تَعَالَى فَتَيَمَّمُوا صَعِيدًا طَيِّبًا قَطْعًا بَلْ الْحَقُّ أَنَّ إقَامَةَ التَّكَالِيفِ تُبْتَنَى عَلَى الظَّنِّ دُونَ الْقَطْعِ؛ لِأَنَّ الْمُكَلَّفَ يَطَّلِعُ عَلَى الظَّاهِرِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ مَثَلًا الْمُصَلِّي يُكَلَّفُ بِالْوُضُوءِ بِمَا هُوَ طَاهِرٌ فِي ظَنِّهِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ وَبِاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ فِي ظَنِّهِ دُونَ نَفْسِ الْأَمْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ مَكِّيًّا. اهـ. يَحْيَى وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ بِنَصِّ الْكِتَابِ مَا نَصُّهُ فِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّ الْكِتَابَ اشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ التُّرَابُ طَاهِرًا لَا أَنْ تَكُونَ طَهَارَتُهُ بِالْكِتَابِ مَقْطُوعًا بِهَا بَلْ يَكْفِي أَنْ يَكُونَ طَاهِرًا ظَنًّا، وَكَذَا فِي إخْوَتِهِ بِتَوَجُّهِ هَذَا النَّظَرِ كَذَا نَقَلْته مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ - رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى -. اهـ. .
التَّيَمُّمِ دُونَ الصَّلَاةِ، أَلَا تَرَى أَنَّ نُقْطَةً مِنْ الدَّمِ لَوْ وَقَعَتْ فِي الْمَاءِ مَنَعَتْ مِنْ التَّطَهُّرِ بِهِ وَفِي الثَّوْبِ وَالْمَكَانِ لَا تَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّ التَّيَمُّمَ يَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةِ الصَّعِيدِ وَطَهُورِيَّتُهُ لِرَفْعِ الْحَدَثِ وَالصَّلَاةُ تَفْتَقِرُ إلَى طَهَارَةِ الْمَكَانِ لَا غَيْرُ وَبِالْخَبَرِ تَثْبُتُ الطَّهَارَةُ دُونَ الطَّهُورِيَّةِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يَجُوزُ التَّيَمُّمُ بِهِ فَعَلَى هَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ.
قَالَ رحمه الله (وَعَفَا قَدْرَ الدِّرْهَمِ كَعَرْضِ الْكَفِّ مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ وَالْخَمْرِ وَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَبَوْلِ مَا لَا يُؤْكَلُ وَالرَّوْثِ وَالْخِثْيِ) وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ قَلِيلُ النَّجَاسَةِ كَكَثِيرِهَا يَمْنَعُ؛ لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ بِتَطْهِيرِهَا لَمْ تَفْصِلْ إلَّا أَنَّ مَا لَا يُدْرِكُهُ الطَّرْفُ خَارِجٌ لِعَدَمِ إمْكَانِ التَّحَرُّزِ عَنْهُ كَالذُّبَابِ يَقَعُ عَلَى النَّجَسِ، ثُمَّ عَلَى الثِّيَابِ، وَكَذَا مَوْضِعُ الِاسْتِنْجَاءِ وَهُوَ الْمَخْرَجُ خَارِجٌ عَنْهَا لِإِجْمَاعِ السَّلَفِ وَلَنَا أَنَّ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ إجْمَاعًا فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ؛ لِأَنَّ مَحَلَّ الِاسْتِنْجَاءِ مُقَدَّرٌ بِهِ قَالَ النَّخَعِيّ اسْتَقْبَحُوا ذِكْرَ الْمَقْعَدَةِ فِي مَحَافِلِهِمْ فَكَنَّوْهَا بِالدِّرْهَمِ؛ وَلِأَنَّ الضَّرُورَةَ تَشْمَلُ الْمُقْعَدَةَ وَغَيْرَهَا فَيُعْفَى لِلْحَرَجِ، ثُمَّ اخْتَلَفَتْ الرِّوَايَةُ فِي الدِّرْهَمِ فَقِيلَ: يُعْتَبَرُ بِالْوَزْنِ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ وَزْنُهُ قَدْرَ الدِّرْهَمِ الْكَبِيرِ الْمِثْقَالِ وَقِيلَ بِالْمِسَاحَةِ وَهُوَ قَدْرُ عَرْضِ الْكَفِّ وَوَفَّقَ أَبُو جَعْفَرٍ بَيْنَ الرِّوَايَتَيْنِ فَقَالَ أَرَادَ مُحَمَّدٌ بِذِكْرِ الْعَرْضِ تَقْدِيرَ النَّجَاسَةِ الْمَائِعَةِ وَبِذِكْرِ الْوَزْنِ تَقْدِيرَ النَّجَاسَةِ الْمُسْتَجْسَدَةِ وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ يُعْتَبَرُ بِدِرْهَمٍ زَمَانُهُ وَقَدْ قَالُوا إذَا أَصَابَ ثَوْبَهُ دُهْنٌ نَجِسٌ فَصَلَّى فِيهِ، ثُمَّ ازْدَادَ حَتَّى صَارَ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ فَصَلَّى فِيهِ فَالْأُولَى جَائِزَةٌ وَالثَّانِيَةُ بَاطِلَةٌ وَقِيلَ لَا يَمْنَعُ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمَرْغِينَانِيِّ
قَالَ رحمه الله (وَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ مِنْ مُخَفَّفٍ كَبَوْلِ مَا يُؤْكَلُ وَالْفَرَسِ وَخَرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ) أَيْ عُفِيَ مَا دُونَ رُبُعِ الثَّوْبِ مِنْ النَّجَاسَةِ الْمُخَفَّفَةِ؛ لِأَنَّ التَّقْدِيرَ فِيهَا بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ وَلِلرُّبْعِ حُكْمُ الْكُلِّ فِي الْأَحْكَامِ يُرْوَى ذَلِكَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَهُوَ الصَّحِيحُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ اعْتِبَارِهِ فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ ثَوْبٍ عَلَيْهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رُبُعُ أَدْنَى ثَوْبٍ تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ كَالْمِئْزَرِ وَقِيلَ رُبْعُ طَرَفٍ أَصَابَتْهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِنْ نَجَسٍ مُغَلَّظٍ كَالدَّمِ) وَالْمُرَادُ بِالدَّمِ غَيْرُ الْبَاقِي فِي الْعُرُوقِ وَفِي حُكْمِهِ اللَّحْمُ الْمَهْزُولُ إذَا قُطِعَ فَالدَّمُ الَّذِي فِيهِ لَيْسَ نَجِسًا، وَكَذَا الدَّمُ الَّذِي فِي الْكَبِدِ لَا مِنْ غَيْرِهِ كَذَا قِيلَ قَالَ الْمُصَنِّفُ فِي التَّجْنِيسِ وَفِيهِ نَظَرٌ؛ لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَكُنْ دَمًا فَقَدْ جَاوَرَ الدَّمَ وَالشَّيْءُ يَنْجُسُ بِمُجَاوَرَةِ النَّجَسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الْبَاقِي أَنَّهُ مَعْفُوٌّ فِي الْأَكْلِ لَا الثَّوْبِ وَغَيْرُ دَمِ الشَّهِيدِ مَا دَامَ عَلَيْهِ حَتَّى لَوْ حَمَلَهُ مُلَطَّخًا بِهِ فِي الصَّلَاةِ صَحَّتْ بِخِلَافِ قَتِيلٍ غَيْرِ الشَّهِيدِ لَمْ يُغَسَّلْ أَوْ غُسِّلَ وَكَانَ كَافِرًا فَإِنَّهُ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ بِالْغُسْلِ بِخِلَافِ الْمُسْلِمِ وَعَيْنُ الْمِسْكِ قَالُوا يَجُوزُ أَكْلُهُ وَالِانْتِفَاعُ بِهِ مَعَ مَا اُشْتُهِرَ مِنْ كَوْنِهِ دَمًا وَلَمْ أَرَ لَهُ تَعْلِيلًا وَذَاكَرْت بَعْضَ الْإِخْوَانِ مِنْ الْمَغَارِبَةِ فِي الزَّبَادِ فَقُلْت لَهُ يُقَالُ أَنَّهُ عَرَقُ حَيَوَانٍ مُحَرَّمِ الْأَكْلِ فَقَالَ مَا يُحِيلُهُ الطَّبْعُ إلَى صَلَاحٍ كَالظَّبْيَةِ يَخْرُجُ عَنْ النَّجَاسَةِ كَالْمِسْكِ. اهـ. فَتْحٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالرَّوْثُ وَالْخِثْيِ) وَقَدْ سَبَقَهُ إلَى هَذَا شَيْخُهُ السِّيرَامِيُّ رحمه الله بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَسُكُونِ الثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ وَهُوَ مَا يَكُونُ لِذِي ظِلْفٍ وَيُجْمَعُ عَلَى أَخْثَاءَ وَخَثِيٍّ. اهـ. عَيْنِيٌّ.
(قَوْلُهُ: لِأَنَّ النُّصُوصَ الْوَارِدَةَ) وَمِنْهُ قَوْله تَعَالَى {وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ} [المدثر: 4].
(قَوْلُهُ: فَقَدَّرْنَاهُ بِالدِّرْهَمِ إلَى آخِرِهِ) وَلَا يُعْتَبَرُ نُفُوذُ الْمِقْدَارِ إلَى الْوَجْهِ الْآخَرِ إذَا كَانَ الثَّوْبُ وَاحِدًا؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ حِينَئِذٍ وَاحِدٌ فِي الْجَانِبَيْنِ فَلَا يُعْتَبَرُ مُتَعَدِّدًا بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ ذَا طَاقَيْنِ لِتَعَدُّدِهَا فَيَمْنَعُ وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ لَوْ صَلَّى مَعَ دِرْهَمٍ مُتَنَجِّسِ الْوَجْهَيْنِ لِوُجُودِ الْفَاصِلِ بَيْنَ وَجْهَيْهِ وَهُوَ جَوَاهِرُ سُمْكِهِ؛ وَلِأَنَّهُ مِمَّا لَا يَنْفُذُ نَفْسُ مَا فِي أَحَدِ الْوَجْهَيْنِ فِيهِ فَلَمْ تَكُنْ النَّجَاسَةُ فِيهِمَا مُتَّحِدَةً ثَمَّ إنَّمَا يُعْتَبَرُ الْمَانِعُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَوْ جَلَسَ الصَّبِيُّ الْمُتَنَجِّسُ الثَّوْبِ وَالْبَدَنِ فِي حِجْرِ الْمُصَلِّي وَهُوَ يَسْتَمْسِكُ أَوْ الْحَمَّامُ الْمُتَنَجِّسُ عَلَى رَأْسِهِ جَازَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ هُوَ الَّذِي يَسْتَعْمِلُهُ فَلَمْ يَكُنْ حَامِلَ النَّجَاسَةِ بِخِلَافِ مَا لَوْ حَمَلَ مَنْ لَا يَسْتَمْسِكُ حَيْثُ يَصِيرُ مُضَافًا إلَيْهِ فَلَا تَجُوزُ هَذَا وَالصَّلَاةُ مَكْرُوهَةٌ مَعَ مَا لَا يَمْنَعُ حَتَّى قِيلَ لَوْ عَلِمَ قَلِيلَ النَّجَاسَةِ عَلَيْهِ فِي الصَّلَاةِ يَرْفُضُهَا مَا لَمْ يَخَفْ فَوَاتَ الْوَقْتِ أَوْ الْجَمَاعَةِ. اهـ. فَتْحٌ وَمَا ذَكَرَهُ الْكَمَالُ مِنْ عَدَمِ الْجَوَازِ فِي الدِّرْهَمِ الَّذِي تَنَجَّسَ جَانِبَاهُ مَشَى عَلَيْهِ الْوَلْوَالِجِيُّ فَقَالَ أَمَّا إذَا كَانَ الثَّوْبُ ذَا طَاقَيْنِ كَانَ مُتَعَدِّدًا فَتَعَدَّدَتْ النَّجَاسَةُ وَكَذَلِكَ الدِّرْهَمُ فَإِنَّ بَيْنَ الْجَانِبَيْنِ فَاصِلًا فَاعْتُبِرَ كُلُّ جَانِبٍ فِي نَفْسِهِ اهـ. قَالَ فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ وَلَوْ أَصَابَ الثَّوْبَ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَنَفَذَتْ إلَى الْجَانِبِ الْآخَرِ حَيْثُ لَوْ ضُمَّ أَحَدُ الْجَانِبَيْنِ إلَى الْآخَرِ يَكُونُ أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ هَلْ يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ يُنْظَرُ إنْ كَانَ الثَّوْبُ ذَا طَاقَيْنِ مَنَعَ أَوْ ذَا طَاقٍ وَاحِدٍ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ اهـ. قَوْلُهُ: وَعَنْ هَذَا فُرِّعَ الْمَنْعُ قَالَ قَاضِي خَانْ إذَا صَلَّى وَمَعَهُ دِرْهَمٌ تَنَجَّسَ جَانِبَاهُ فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ لِأَنَّ الْكُلَّ دِرْهَمٌ وَاحِدٌ. اهـ. .
(فَرْعٌ) يَحْفَظُ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ مَنْ انْتَهَى إلَى الْقَوْمِ وَهُمْ فِي الصَّلَاةِ وَعَلَى ثَوْبِهِ نَجَاسَةٌ أَقَلُّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ وَهُوَ يَخْشَى أَنَّهُ إنْ غَسَلَهُ تَفُوتُهُ الْجَمَاعَةُ يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَلَا يَغْسِلُهُ لِأَنَّ غَسْلَهُ لَيْسَ بِفَرْضٍ عَلَيْهِ وَمَتَى دَخَلَ الْجَمَاعَةَ صَارَ مُؤَدِّيًا لِلْفَرْضِ. اهـ. .
وَقَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ قُبَيْلَ بَابِ الْوُضُوءِ وَالْغُسْلِ مَا نَصُّهُ إذَا شَرَعَ فِي الصَّلَاةِ فَوَجَدَ فِي ثَوْبِهِ نَجَاسَةً أَقَلَّ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ كَانَ مُقْتَدِيًا وَعَلِمَ أَنَّهُ لَوْ قَطَعَ الصَّلَاةَ وَغَسَلَ النَّجَاسَةَ يُدْرِكُ إمَامَهُ فِي الصَّلَاةِ أَوْ يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ فَإِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ وَيَغْسِلُ الثَّوْبَ لِأَنَّ قَطْعَ الصَّلَاةِ لِلْإِكْمَالِ وَإِنْ كَانَ فِي آخِرِ الْوَقْتِ أَوْ لَا يُدْرِكُ جَمَاعَةً أُخْرَى مَضَى عَلَى صَلَاتِهِ. اهـ.
(قَوْلُهُ: وَمَا دُونَ رُبْعِ الثَّوْبِ) أَيْ أَيُّ ثَوْبٍ كَانَ.
(قَوْلُهُ: وَالْفَرَسُ) أَيْ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ وَأَفْرَدَهُ بِالذِّكْرِ لِلِاخْتِلَافِ فِيهِ. اهـ. ع.
(قَوْلُهُ: فَقِيلَ رُبُعُ جَمِيعِ ثَوْبٍ عَلَيْهِ) فِي شَرْحِ الطَّحَاوِيِّ هُوَ الصَّحِيحُ الثَّوْبُ الَّذِي عَلَيْهِ إنْ كَانَ شَامِلًا اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ وَإِنْ كَانَ أَدْنَى مَا تَجُوزُ فِيهِ الصَّلَاةُ اُعْتُبِرَ رُبُعُهُ؛ لِأَنَّهُ الْكَثِيرُ بِالنِّسْبَةِ إلَى الْمُصَابِ. اهـ. فَتْحٌ
النَّجَاسَةُ كَالذَّيْلِ وَالْكُمِّ وَالدِّخْرِيصِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ شِبْرٌ فِي شِبْرٍ وَعَنْهُ ذِرَاعٌ فِي ذِرَاعٍ وَمِثْلُهُ عَنْ مُحَمَّدٍ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الْكَثِيرَ الْفَاحِشَ أَنْ يَسْتَوْعِبَ الْقَدَمَيْنِ، وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ كَرِهَ أَنْ يَحُدَّ لِذَلِكَ حَدًّا، وَقَالَ: إنَّ الْفَاحِشَ يَخْتَلِفُ بِاخْتِلَافِ طِبَاعِ النَّاسِ فَوَقَفَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ كَمَا هُوَ دَأْبُهُ، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِيمَا يَثْبُتُ بِهِ الْغَلِيظَةُ وَالْخَفِيفَةُ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْغَلِيظَةُ مَا ثَبَتَتْ نَجَاسَتُهُ بِنَصٍّ لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ يُخَالِفُهُ كَالدَّمِ وَنَحْوِهِ مِمَّا لَمْ يُوجَدْ فِيهِ تَعَارُضُ نَصَّيْنِ.
وَالْخَفِيفَةُ مَا تَعَارَضَ النَّصَّانِ فِي نَجَاسَتِهِ وَطَهَارَتِهِ وَكَانَ الْأَخْذُ بِالنَّجَاسَةِ أَوْلَى لِوُجُودِ الْمُرَجِّحِ مِثْلَ بَوْلِ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَإِنَّ قَوْلَهُ عليه الصلاة والسلام «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ» يَدُلُّ عَلَى نَجَاسَتِهِ وَخَبَرِ الْعُرَنِيِّينَ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ فَخَفَّ حُكْمُهُ لِلتَّعَارُضِ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مَا سَاغَ الِاجْتِهَادُ فِي طَهَارَتِهِ فَهُوَ مُخَفَّفٌ؛ لِأَنَّ الِاجْتِهَادَ حُجَّةٌ فِي وُجُوبِ الْعَمَلِ بِهِ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي الرَّوْثِ وَالْخِثْي وَالْبَعْرِ وَنَحْوِهَا فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مُغَلَّظَةٌ؛ لِأَنَّ مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام مِنْ «أَنَّهُ أَلْقَى الرَّوْثَةَ وَقَالَ: إنَّهَا رِكْسٌ» لَمْ يُعَارِضْهُ نَصٌّ آخَرُ وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى فِي مَوْضِعِ النَّصِّ كَمَا فِي بَوْلِ الْآدَمِيِّ فَإِنَّ الْبَلْوَى فِيهِ أَعَمُّ وَعِنْدَهُمَا مُخَفَّفَةٌ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ فَإِنَّ مَالِكًا يَرَى طَهَارَتَهَا وَلِعُمُومِ الْبَلْوَى لِامْتِلَاءِ الطُّرُقِ بِهَا بِخِلَافِ بَوْلِ الْحِمَارِ وَغَيْرِهِ مِمَّا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ؛ لِأَنَّ الْأَرْضَ تُنَشِّفُهُ وَرُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّ الرَّوْثَ لَا يَمْنَعُ جَوَازَ الصَّلَاةِ وَإِنْ كَانَ كَثِيرًا فَاحِشًا وَهُوَ آخِرُ أَقْوَالِهِ حِينَ كَانَ بِالرَّيِّ مَعَ الْخَلِيفَةِ فَرَأَى الطُّرُقَ وَالْخَانَاتِ مَمْلُوءَةً بِهَا وَلِلنَّاسِ فِيهَا بَلْوَى عَظِيمَةٌ فَرَجَعَ إلَيْهِ وَقَاسُوا عَلَيْهِ طِينَ بُخَارَى؛ لِأَنَّ مَمْشَى النَّاسِ وَالدَّوَابِّ فِيهَا وَاحِدٌ وَعِنْدَ ذَلِكَ يُرْوَى رُجُوعُهُ فِي الْخُفِّ إلَى قَوْلِهِمَا إذَا أَصَابَهُ عَذِرَةٌ حَتَّى قَالَ: يَطْهُرُ بِالدَّلْكِ وَفِي الرَّوْثِ لَا يَحْتَاجُ إلَى الدَّلْكِ عِنْدَهُ لِمَا قُلْنَا.
وَأَمَّا بَوْلُ الْفَرَسِ فَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنَّ كَرَاهَةَ أَكْلِهِ كَرَاهَةُ تَنْزِيهٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعَلَى اعْتِبَارِ أَنَّهُ كَرَاهَةُ تَحْرِيمٍ؛ لِأَنَّ لَحْمَهُ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ حُرْمَتَهُ لِكَرَامَتِهِ كَلَحْمِ الْآدَمِيِّ فَصَارَ مُخَفَّفًا؛ لِأَنَّهُ بَوْلُ بَهَائِمَ طَاهِرَةِ اللَّحْمِ فَيَكُونُ التَّعَارُضُ فِيهِ مَوْجُودًا وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ مَأْكُولٌ فَيَكُونُ بَوْلُهُ مُخَفَّفًا عِنْدَهُ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ بَوْلَ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ وَقَوْلُهُ وَخَرْءِ طَيْرٍ لَا يُؤْكَلُ وَهَذَا قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ؛ لِأَنَّهَا مُخَفَّفَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَهُمَا مُغَلَّظَةٌ فِي رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَفِي رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ نَجِسٌ نَجَاسَةً مُغَلَّظَةً، وَقِيلَ أَبُو يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي التَّخْفِيفِ أَيْضًا فَحَصَلَ لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ وَلِمُحَمَّدٍ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ وَالصَّحِيحُ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ وَهُوَ أَنَّ نَجَاسَتَهُ مُخَفَّفَةٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ مُغَلَّظَةٌ وَجْهُ طَهَارَتِهِ أَنَّهُ لَيْسَ لِمَا يَنْفَصِلُ عَنْهُ نَتِنٌ وَخَبَثٌ رَائِحَةً وَلَا يُنَحَّى شَيْءٌ مِنْ الطُّيُورِ عَنْ الْمَسَاجِدِ فَعِلْمنَا أَنَّ خَرْءَ جَمِيعِ الطُّيُورِ طَاهِرٌ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: فَوَقَفَ الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الْعَادَةِ) وَالْأَوْجَهُ إنْكَالُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى إنْ اسْتَفْحَشَهُ مَنَعَ، وَإِلَّا فَلَا. اهـ. زَادُ الْفَقِيرِ.
(قَوْلُهُ: اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ شَمْسُ الدِّينِ بْنُ أَمِيرِ حَاجٍّ رحمه الله فِي شَرْحِ التَّحْرِيرِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «اسْتَنْزِهُوا مِنْ الْبَوْلِ فَإِنَّ عَامَّةَ عَذَابِ الْقَبْرِ مِنْهُ» رَوَاهُ الْحَاكِمُ وَقَالَ عَلَى شَرْطِهِمَا وَلَا أَعْرِفُ لَهُ عِلَّةً وَهُوَ عَامٌّ لِأَنَّ مِنْ لِلتَّعْدِيَةِ لَا لِلتَّبْعِيضِ وَالْبَوْلُ مُحَلَّى بِاللَّامِ لِلْجِنْسِ فَيَعُمُّ كُلَّ بَوْلٍ وَقَدْ أَمَرَ بِطَلَبِ النَّزَاهَةِ مِنْهُ وَالطَّاهِرُ لَا يُؤْمَرُ بِالِاسْتِنْزَاهِ مِنْهُ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَا اعْتِبَارَ عِنْدَهُ بِالْبَلْوَى) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رحمه الله وَمَا قِيلَ أَنَّ الْبَلْوَى لَا تُعْتَبَرُ فِي مَوْضِعِ النَّصِّ عِنْدَهُ كَبَوْلِ الْإِنْسَانِ مَمْنُوعٌ بَلْ تُعْتَبَرُ إذَا تَحَقَّقَتْ لِلنَّصِّ النَّافِي لِلْحَرَجِ وَهُوَ لَيْسَ مُعَارَضَةً لِلنَّصِّ بِالرَّأْيِ وَالْبَلْوَى فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فِي الِانْتِضَاحِ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ لَا فِيمَا سِوَاهُ؛ لِأَنَّهَا إنَّمَا تَتَحَقَّقُ بِأَغْلَبِيَّةِ عُسْرِ الِانْفِكَاكِ وَذَلِكَ إنْ تَحَقَّقَ فِي بَوْلِ الْإِنْسَانِ فَكَمَا قُلْنَا وَقَدْ رَتَّبْنَا مُقْتَضَاهُ إذْ قَدْ أَسْقَطْنَا اعْتِبَارَهُ اهـ.
{فَرْعٌ} قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةُ وَإِنْ أَصَابَهُ بَوْلُ الشَّاةِ وَبَوْلُ الْآدَمِيِّ تُجْعَلُ الْخَفِيفَةُ تَبَعًا لِلْغَلِيظَةِ اهـ قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله رَجُلٌ رَأَى عَلَى ثَوْبِ إنْسَانٍ نَجَاسَةً أَكْثَرَ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ إنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ بِذَلِكَ اشْتَغَلَ بِغَسْلٍ لَمْ يَسَعْهُ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَارَ مُفِيدٌ وَإِنْ وَقَعَ فِي قَلْبِهِ أَنَّهُ لَوْ أَخْبَرَهُ لَمْ يَلْتَفِتْ إلَى كَلَامِهِ كَانَ فِي سَعَةٍ مِنْ أَنْ لَا يُخْبِرَهُ؛ لِأَنَّ الْإِخْبَار لَا يُفِيدُ قَالُوا وَمَشَايِخُنَا قَاسُوا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ عَلَى هَذَا إنْ كَانَ يَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَسْتَمِعُونَ قَوْلَهُ يَجِبُ عَلَيْهِ، وَإِلَّا فَلَا، وَفِي السِّرَاجِيَّةِ مَاءُ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ وَفِي السِّغْنَاقِيِّ سَوَاءٌ كَانَ فِي الْفَمِ أَوْ مُنْبَعِثًا مِنْ الْجَوْفِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ رَحِمَهُمَا اللَّهُ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَفِي الْفَتَاوَى الْعَتَّابِيَّةِ قَالَ أَبُو يُوسُفَ: إنْ كَانَ فِيهِ لَوْنُ الدَّمِ فَهُوَ نَجِسٌ وَعِنْدَهُمَا طَاهِرٌ وَفِي الظَّهِيرِيَّةِ وَمَاءُ فَمِ الْمَيِّتِ قِيلَ: إنَّهُ نَجِسٌ. اهـ. تَتَارْخَانِيَّةُ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَتَاوِيهِ الْمَاءُ الَّذِي يَسِيلُ مِنْ فَمِ النَّائِمِ طَاهِرٌ هُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَلْغَمِ وَقَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ مَاءُ فَمِ النَّائِمِ إذَا أَصَابَ الثَّوْبَ فَهُوَ طَاهِرٌ سَوَاءٌ كَانَ مِنْ الْبَلْغَمِ أَوْ مُنْبَعِثًا مِنْ الْجَوْفِ لِأَنَّ الْغَالِبَ فِي الْمَاءِ الَّذِي يَخْرُجُ مِنْ الْفَمِ حَالَةَ النَّوْمِ مُتَوَلِّدٌ مِنْ الْبَلْغَمِ فَيَكُونُ طَاهِرًا كَيْفَمَا كَانَ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى اهـ.
(قَوْلُهُ: فَقَدْ تَعَارَضَ فِيهِ نَصَّانِ) نَصُّ جَوَازِ أَكْلِهِ وَنَصُّ النَّهْيِ عَنْهُ. اهـ. يَحْيَى.
(قَوْلُهُ: لِأَبِي يُوسُفَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ) الْوَاقِعُ أَنَّ أَبَا يُوسُفَ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ عَلَى رِوَايَةِ الْكَرْخِيِّ وَمَعَ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الْهِنْدُوَانِيُّ وَالْمَفْهُومُ مِنْ الْهِدَايَةِ أَنَّهُ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الرِّوَايَتَيْنِ وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَتَحَصَّلَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ خَفِيفٌ وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ رِوَايَتَانِ رِوَايَةُ الْهِنْدُوَانِيُّ غَلِيظٌ وَرِوَايَةُ الْكَرْخِيِّ طَاهِرٌ وَعَنْ مُحَمَّدٍ غَلِيظٌ رِوَايَةٌ وَاحِدَةٌ. اهـ. فَتْحٌ
حَتَّى لَوْ وَقَعَ فِي الْمَاءِ لَا يُفْسِدُهُ وَوَجْهُ التَّغْلِيظِ أَنَّهُ لَا تَكْثُرُ إصَابَتُهُ وَقَدْ غَيَّرَهُ طَبْعُ الْحَيَوَانِ إلَى خَبَثٍ وَنَتِنٍ فَصَارَ كَخَرْءِ الدَّجَاجِ وَالْبَطِّ وَهَذَا مُشْكِلٌ عَلَى قَوْلِهِمَا لِمَا عُرِفَ مِنْ مَذْهَبِهِمَا أَنَّ اخْتِلَافَ الْعُلَمَاءِ يُورِثُ الشُّبْهَةَ وَقَدْ تَحَقَّقَ فِيهِ الِاخْتِلَافُ فَإِنَّهُ طَاهِرٌ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ عَلَى مَا مَرَّ فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ فِيهِ مَسَاغٌ وَوَجْهُ التَّخْفِيفِ عُمُومُ الْبَلْوَى وَالضَّرُورَةِ وَهِيَ تُوجِبُ التَّخْفِيفَ فِيمَا لَا نَصَّ فِيهِ.
قَالَ رحمه الله (وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ مَعْطُوفَةٌ عَلَى مَا تَقَدَّمَ مِنْ قَوْلِهِ قَدْرَ الدِّرْهَمِ أَيْ عُفِيَ قَدْرَ الدِّرْهَمِ وَدَمُ السَّمَكِ إلَى آخِرِهِ وَفِيهِ نَظَرٌ فَإِنَّ دَمَ السَّمَكِ وَلُعَابَ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ فَكَيْفَ يَكُونُ مَعْفُوًّا وَالْعَفْوُ يَقْتَضِي النَّجَاسَةَ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ السَّمَكَ الْكَبِيرَ إذَا سَالَ مِنْهُ شَيْءٌ فَاحِشٌ يَكُونُ نَجِسًا مُغَلَّظًا وَفِيهِ إشْكَالٌ؛ لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ بِالتَّغْلِيظِ مَعَ وُجُودِ الِاخْتِلَافِ فِيهِ وَعَنْهُ أَنَّهُ قَدَّرَهُ بِالْكَثِيرِ الْفَاحِشِ لِاخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ فِيهِ وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ عَلَى التَّحْقِيقِ؛ لِأَنَّ الدَّمَوِيَّ لَا يَسْكُنُ الْمَاءَ وَلِهَذَا اكْتَفَى مُحَمَّدٌ فِي تَعْلِيلِ الْمَسْأَلَةِ بِقَوْلِهِ؛ لِأَنَّ هَذَا مِمَّا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَيْسَ بِدَمٍ أَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَالدَّمُ يَسْوَدُّ بِهَا فَلَا يَكُونُ دَمًا، وَأَمَّا لُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ فَقَدْ مَرَّ فِي الْأَسْآرِ، وَأَمَّا الْبَوْلُ الْمُنْتَضِحُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ فَمَعْفُوٌّ لِلضَّرُورَةِ وَإِنْ امْتَلَأَ الثَّوْبُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وُجُوبُ غَسْلِهِ؛ لِأَنَّهُ نَجِسٌ حَقِيقَةً قُلْنَا: لَا يُسْتَطَاعُ الِامْتِنَاعُ عَنْهُ فَسَقَطَ حُكْمُهُ وَقَوْلُهُ قَدْرَ رُءُوسِ الْإِبَرِ يُشِيرُ إلَى أَنَّهُ إذَا كَانَ قَدْرَ جَانِبِهَا الْآخَرِ يُعْتَبَرُ وَالْحُكْمُ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ لِلضَّرُورَةِ.
قَالَ رحمه الله (وَالنَّجَسُ الْمَرْئِيُّ يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ)؛ لِأَنَّ تَنَجُّسَ الْمَحِلِّ بِاعْتِبَارِ الْعَيْنِ فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ يَطْهُرُ بِمَرَّةٍ إذَا عَصَرَهُ وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَغْسِلْهُ ثَلَاثًا بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ لَمْ تُغْسَلْ قَطُّ وَعَنْ أَبِي جَعْفَرٍ أَنَّهُ يُغْسَلُ مَرَّتَيْنِ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ؛ لِأَنَّهُ بَعْدَ زَوَالِ الْعَيْنِ الْتَحَقَ بِنَجَاسَةٍ غَيْرِ مَرْئِيَّةٍ غُسِلَتْ مَرَّةً قَالَ رحمه الله (إلَّا مَا يَشُقُّ) أَيْ إلَّا مَا يَشُقُّ إزَالَةُ أَثَرِهِ «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام لِخَوْلَةِ بِنْتِ يَسَارٍ حِينَ قَالَتْ لَهُ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ» ؛ وَلِأَنَّ فِيهِ حَرَجًا بَيِّنًا فَإِنَّ مَنْ خَضَّبَ يَدَهُ أَوْ لِحْيَتَهُ بِحِنَّاءَ نَجِسٍ لَا يَزُولُ لَوْنُهُ بِالْغَسْلِ وَفِي قَطْعِهِمَا حَرَجٌ ظَاهِرٌ لَا يَلِيقُ بِهَذِهِ الشَّرِيعَةِ وَتَفْسِيرُ الْمَشَقَّةِ أَنْ يَحْتَاجَ لِإِزَالَتِهِ إلَى شَيْءٍ آخَرَ سِوَى الْمَاءِ كَالصَّابُونِ وَنَحْوِهِ؛ لِأَنَّ الْآلَةَ الْمُعَدَّةَ لِقَطْعِ النَّجَاسَةِ الْمَاءُ فَإِذَا اُحْتِيجَ إلَى شَيْءٍ آخَرَ يَشُقُّ عَلَى النَّاسِ فَلَا يُكَلَّفُ بِالْمُعَالَجَةِ بِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَغَيْرُهُ بِالْغَسْلِ ثَلَاثًا وَالْعَصْرِ كُلَّ مَرَّةٍ) أَيْ غَيْرُ الْمَرْئِيِّ مِنْ النَّجَاسَةِ يَطْهُرُ بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ وَالْمُعْتَبَرُ فِيهِ غَلَبَةُ الظَّنِّ وَإِنَّمَا قَدَّرَهُ بِالثَّلَاثِ؛ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تَحْصُلُ عِنْدَهُ غَالِبًا وَلِهَذَا قَالَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ: أَنَّهُ لَا تَكْثُرُ) أَيْ فَلَا يَكُونُ فِيهِ بَلْوَى اهـ.
(قَوْلُهُ: فَكَانَ لِلِاجْتِهَادِ) أَيْ الْمُعْتَبَرُ اخْتِلَافُ غَيْرِهِمَا اهـ مِنْ خَطِّ قَارِئٍ الْهِدَايَةِ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ) مُخَالِفٌ لِمَا فِي الْمُخْتَارِ حَيْثُ قَالَ وَدَمُ السَّمَكِ وَلُعَابُ الْبَغْلِ وَالْحِمَارِ وَخَرْءُ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ مِنْ الطُّيُورِ نَجَاسَةٌ مُخَفَّفَةٌ، قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَدَمُ السَّمَكِ لَيْسَ بِدَمٍ حَقِيقَةً؛ لِأَنَّهُ يَبْيَضُّ بِالشَّمْسِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ نَجِسٌ فَقُلْنَا بِخِفَّتِهِ لِذَلِكَ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَبَوْلٌ انْتَضَحَ كَرُءُوسِ الْإِبَرِ) أَمَّا لَوْ انْتَضَحَ مِثْلُ رُءُوسٍ الْمِسَلَّةِ يَمْنَعُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْهِنْدُوَانِيُّ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَوْ كَانَ مِثْلَ الْجَانِبِ الْآخَرِ يُعْتَبَرُ وَغَيْرُهُ مِنْ الْمَشَايِخِ لَا يَعْتَبِرُ الْجَانِبَيْنِ وَإِذَا أَصَابَهُ مَا يَكْثُرُ لَا يَجِبُ غَسْلُهُ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ: وَالْحِمَارُ طَاهِرٌ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ) فِيهِ نَظَرٌ فَلْيُحَرَّرْ إذْ لَوْ كَانَ طَاهِرًا لَمَا تَصَوَّرَ لَنَا سُؤْرٌ مَشْكُوكٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ الطَّهُورَ خَالَطَهُ شَيْءٌ قَلِيلٌ طَاهِرٌ لَمْ يُغَيِّرْ لَهُ وَصْفًا فَمِنْ أَيْنَ يَجِيءُ الشَّكُّ.
(قَوْلُهُ: وَالصَّحِيحُ ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ) يَعْنِي أَنَّهُ طَاهِرٌ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يَطْهُرُ بِزَوَالِ عَيْنِهِ) أَيْ وَأَثَرِهِ. اهـ. ع (قَوْلُهُ: فَيَزُولُ بِزَوَالِهَا وَلَوْ بِمَرَّةٍ إلَى آخِرِهِ) وَهُوَ أَقْيَسُ؛ لِأَنَّ نَجَاسَةَ الْمَحِلِّ بِمُجَاوَرَةِ الْعَيْنِ وَقَدْ زَالَتْ وَحَدِيثُ الْمُسْتَيْقِظِ مِنْ مَنَامِهِ فِي غَيْرِ الْمَرْئِيَّةِ ضَرُورَةٌ أَنَّهُ مَأْمُورٌ لِتَوَهُّمِ النَّجَاسَةِ وَلِذَا كَانَ مَنْدُوبًا وَلَوْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَانَتْ مُحَقَّقَةً وَكَانَ حُكْمُهُ الْوُجُوبَ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: إلَّا مَا يَشُقُّ إزَالَةُ أَثَرِهِ) أَيْ مِنْ لَوْنٍ أَوْ رِيحٍ قَالَ فِي الظَّهِيرِيَّةِ إذَا صَبَغَ الثَّوْبَ بِالنِّيلِ أَوْ الْعُصْفُرِ النَّجِسِ فَغَسَلَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ وَلَا تَطْهُرُ النَّجَاسَةُ إلَّا بِمَاءٍ مُتَقَاطِرٍ وَإِنْ لَحِسَهُ بِلِسَانِهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ وَأَلْقَى بُزَاقَهُ فِي كُلِّ مَرَّةٍ طَهُرَ عِنْدَ أَبِي يُوسُفَ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ الطِّفْلُ إذَا قَاءَ عَلَى ثَدْيِ أُمِّهِ، ثُمَّ امْتَصَّهُ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ طَهُرَ. اهـ. (قَوْلُهُ:«فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ يَا رَسُولَ اللَّهِ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ» ) أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «أَنَّ خَوْلَةَ بِنْتَ يَسَارٍ أَتَتْ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ لَيْسَ لِي إلَّا ثَوْبٌ وَاحِدٌ وَأَنَا أَحِيضُ فِيهِ فَكَيْفَ أَصْنَعُ قَالَ إذَا طَهُرْت فَاغْسِلِيهِ، ثُمَّ صَلِّي فِيهِ قَالَتْ فَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ الدَّمُ قَالَ يَكْفِيك الْمَاءُ وَلَا يَضُرُّك أَثَرُهُ» فِي إسْنَادِهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ لَهِيعَةَ.
(قَوْلُهُ: بِحِنَّاءَ نَجِسٍ) فَغُسِلَ إلَى أَنْ صَفَا الْمَاءُ يَطْهُرُ مَعَ قِيَامِ اللَّوْنِ وَقِيلَ يُغْسَلُ بَعْدَ ذَلِكَ ثَلَاثًا، وَأَمَّا الطَّهَارَةُ لَوْ غَسَلَ يَدَهُ مِنْ دُهْنٍ نَجِسٍ مَعَ بَقَاءِ أَثَرِهِ فَإِنَّمَا عَلَّلَهُ فِي التَّجْنِيسِ بِأَنَّ الدُّهْنَ يَطْهُرُ قَالَ فَبَقِيَ عَلَى يَدِهِ طَاهِرًا كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي يُوسُفَ فِي الدُّهْنِ يَنْجُسُ يُجْعَلُ فِي إنَاءٍ، ثُمَّ يُصَبُّ عَلَيْهِ الْمَاءُ فَيَعْلُوَا الدُّهْنُ فَيَرْفَعُهُ بِشَيْءٍ هَكَذَا يَفْعَلُ ثَلَاثًا فَيَطْهُرُ. اهـ. كَمَالٌ.
(قَوْلُهُ: بِثَلَاثِ غَسَلَاتٍ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَطْهُرُ بِمَرَّةٍ كَالْحُكْمِيِّ قُلْنَا: الْحُكْمِيُّ عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالشَّرْعِ وَهُوَ حُكْمُ الشَّرْعِ بِزَوَالِهِ مَرَّةً، وَأَمَّا الْحَقِيقِيُّ عُرِفَ ثُبُوتُهُ بِالْحَقِيقَةِ فَيُعْرَفُ زَوَالُهُ بِالْحَقِيقَةِ وَهَذَا بِتَكْرَارِ الْغُسْلِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ: وَبِالْعَصْرِ فِي كُلِّ مَرَّةٍ) فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ وَاحْتَرَزَ بِهِ عَمَّا رُوِيَ عَنْ مُحَمَّدٍ بِالِاكْتِفَاءِ بِالْعَصْرِ فِي الْمَرَّةِ الْأَخِيرَةِ، قَالَ الشَّيْخُ كَمَالُ الدِّينِ وَيَعْتَبِرُ قُوَّةَ كُلِّ عَاصِرٍ حَتَّى إذَا انْقَطَعَ تَقَاطُرُهُ بِعَصْرِهِ، ثُمَّ قَطَرَ بِعَصْرِ رَجُلٍ آخَرَ