المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(فصل في العوارض) - تبيين الحقائق شرح كنز الدقائق وحاشية الشلبي - جـ ١

[الفخر الزيلعي]

فهرس الكتاب

- ‌[مُقَدِّمَة الْكتاب]

- ‌[كِتَابُ الطَّهَارَةِ]

- ‌[الْوُضُوء]

- ‌[سُنَن الْوُضُوء]

- ‌ آدَابِ الْوُضُوءِ

- ‌[مُسْتَحَبَّات الْوُضُوء]

- ‌[مَكْرُوهَات الْوُضُوء]

- ‌[نَوَاقِض الْوُضُوء]

- ‌[الْغُسْل]

- ‌[سُنَن الْغُسْل]

- ‌[مُوجِبَات الْغُسْل]

- ‌[أَقْسَام الْمَاء]

- ‌[طَهَارَة الْمَاء المتوضأ بِهِ]

- ‌[الْمَاء الَّذِي لَا يتنجس بوقوع النَّجَاسَة فِيهِ]

- ‌الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ

- ‌[ مَاء الْبِئْر إذَا وقعت فِيهِ نَجَاسَة]

- ‌(بَابُ التَّيَمُّمِ)

- ‌(بَابُ الْمَسْحِ عَلَى الْخُفَّيْنِ)

- ‌[الْجَمْع بَيْن التَّيَمُّم وَالْغُسْل]

- ‌[مُدَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[مَحِلّ الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[كَيْفِيَّة الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌[نَوَاقِض الْمَسْح عَلَى الْخُفَّيْنِ]

- ‌ الْمَسْحُ عَلَى الْجَوْرَبِ

- ‌الْمَسْحُ عَلَى الْجَبِيرَةِ

- ‌(بَابُ الْحَيْضِ)

- ‌[مُدَّة الْحَيْض]

- ‌[الطُّهْرِ الْمُتَخَلَّل بَيْن الدَّمَيْنِ فِي مُدَّة الْحَيْض]

- ‌النِّفَاسُ

- ‌[ مُدَّة النِّفَاس]

- ‌(بَابُ الْأَنْجَاسِ)

- ‌ الِاسْتِنْجَاءُ

- ‌(كِتَابُ الصَّلَاةِ)

- ‌[الِاسْتِنْجَاء بِالْعَظْمِ والروث]

- ‌[ مَوَاقِيت الصَّلَاة]

- ‌[الْأَوْقَات الَّتِي يُسْتَحَبّ فِيهَا الصَّلَاة]

- ‌[الْأَوْقَات الَّتِي يَكْرَه فِيهَا الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ الْأَذَانِ)

- ‌[كَيْفِيَّة الْأَذَان وَالْإِقَامَة]

- ‌[التأذين للفائتة]

- ‌[أَذَان الجنب وَالْمَرْأَة والمحدث والسكران]

- ‌[ بَابُ شُرُوطِ الصَّلَاةِ]

- ‌(بَابُ صِفَةِ الصَّلَاةِ)

- ‌[سُنَن الصَّلَاة]

- ‌ آدَابُ الصَّلَاةِ

- ‌[فَصْلٌ الشروع فِي الصَّلَاة وَبَيَان إحرامها وأحوالها]

- ‌(بَابُ الْإِمَامَةِ وَالْحَدَثِ فِي الصَّلَاةِ)

- ‌[الْأَحَقّ بِالْإِمَامَةِ]

- ‌[الِاسْتِخْلَاف فِي الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا)

- ‌[فَصْلٌ اسْتِقْبَالُ الْقِبْلَةِ بِالْفَرْجِ فِي الْخَلَاءِ وَاسْتِدْبَارُهَا]

- ‌(بَابُ الْوِتْرِ وَالنَّوَافِلِ)

- ‌(بَابُ إدْرَاكِ الْفَرِيضَةِ)

- ‌(بَابُ قَضَاءِ الْفَوَائِتِ)

- ‌[التَّرْتِيب فِي الصَّلَاة]

- ‌(بَابُ سُجُودِ السَّهْوِ)

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمَرِيضِ]

- ‌(بَابُ سُجُودِ التِّلَاوَةِ)

- ‌[مواضع سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْمُسَافِرِ]

- ‌[كَيْفِيَّة سُجُود التِّلَاوَة]

- ‌(بَابُ صَلَاةِ الْجُمُعَةِ)

- ‌[شَرَائِط أَدَائِهَا]

- ‌[ شَرَائِط وُجُوبهَا]

- ‌[بَابُ صَلَاةِ الْعِيدَيْنِ]

- ‌[مَنْدُوبَات عِيد الْفِطْر]

- ‌[وَقْت صَلَاة الْعِيد وكيفيتها]

- ‌[تَكْبِير التَّشْرِيق وَقْته وعدده وَشُرُوطه]

- ‌(بَابُ الْكُسُوفِ)

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْكُسُوف]

- ‌(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)

- ‌(بَابُ الْخَوْفِ)

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْخَوْف]

- ‌(بَابُ الْجَنَائِزِ)

- ‌[فَصْلٌ السُّلْطَانُ أَحَقُّ بِصَلَاةِ الْجِنَازَة]

- ‌[شَرْط الصَّلَاة عَلَى الْمَيِّت]

- ‌[كَيْفِيَّة صَلَاة الْجِنَازَة]

- ‌[فَصَلِّ تعزية أَهْل الْمَيِّت]

- ‌(بَابٌ الشَّهِيدُ)

- ‌(بَابٌ: الصَّلَاةُ فِي الْكَعْبَةِ)

- ‌[كِتَابُ الزَّكَاةِ]

- ‌[شُرُوط وُجُوبهَا]

- ‌ شَرْطُ صِحَّةِ أَدَاءِ الزَّكَاةِ

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ السَّوَائِمِ]

- ‌[بَابٌ صَدَقَةُ الْبَقَرِ]

- ‌(فَصْلٌ) فِي الْغَنَمِ

- ‌[زَكَاة الخيل]

- ‌(بَابُ زَكَاةِ الْمَالِ)

- ‌(بَابُ الْعَاشِرِ)

- ‌[بَابُ الرِّكَازِ]

- ‌(بَابُ الْعُشْرِ)

- ‌(بَابُ الْمَصْرِفِ)

- ‌[بَابُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ]

- ‌(كِتَابُ الصَّوْمِ)

- ‌(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُهُ)

- ‌(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ)

- ‌[فَصْلٌ نَذَرَ صَوْمَ يَوْمِ النَّحْرِ]

- ‌(بَابُ الِاعْتِكَافِ)

- ‌[ اعْتِكَاف الْمَرْأَة]

الفصل: ‌(فصل في العوارض)

(فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ)

.

قَالَ رحمه الله (لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَا يُفْطِرُ إلَّا إذَا خَافَ الْهَلَاكَ مَرَّ عَلَى أَصْلِهِ فِي التَّيَمُّمِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَامْتِدَادَهُ قَدْ يُفْضِي إلَى الْهَلَاكِ فَيَجِبُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَطَرِيقُ مَعْرِفَتِهِ الِاجْتِهَادُ فَإِذَا غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَفْطَرَ وَكَذَا إذَا أَخْبَرَهُ طَبِيبٌ مُسْلِمٌ حَاذِقٌ عَدْلٌ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ بِالصَّوْمِ فَهُوَ كَالْمَرِيضِ وَكَذَا الْأَمَةُ الَّتِي تَخْدُمُ إذَا خَافَتْ الضَّعْفَ جَازَ أَنْ تُفْطِرَ ثُمَّ تَقْضِيَ

قَالَ رحمه الله (وَلِلْمُسَافِرِ وَصَوْمُهُ أَحَبُّ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ) أَيْ لِلْمُسَافِرِ الْفِطْرُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ وَإِنَّمَا جَازَ الْفِطْرُ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يَخْلُو عَنْ الْمَشَقَّةِ وَلِهَذَا قِيلَ الْمَسَافَةُ مَسُّ آفَةٍ وَأُقِيمَ نَفْسُ السَّفَرِ مَقَامَهَا وَأُدِيرَ الْحُكْمُ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْمَرَضِ لِأَنَّهُ يَزِيدُ بِالْأَكْلِ وَيَخِفُّ بِتَرْكِهِ فَلَمْ يَتَعَيَّنْ الْمُبِيحُ بِمُجَرَّدِهِ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ إنْ لَمْ يَضُرَّهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ رضي الله عنه الْفِطْرُ أَفْضَلُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» وَعَلَى قَوْلِ أَهْلِ الظَّاهِرِ لَا يَجُوزُ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] فَقِيلَ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ يَكُونُ قَبْلَ وُجُودِ السَّبَبِ فَصَارَ رَمَضَانُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ كَشَعْبَانَ فِي حَقِّ الْمُقِيمِ وَلَنَا قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] وقَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ} [البقرة: 185] عَامٌّ فِي حَقِّ الْكُلِّ وَإِنَّمَا أُجِيزَ لَهُ التَّأْخِيرُ رُخْصَةً فَإِذَا أَخَذَ بِالْعَزِيمَةِ كَانَ أَفْضَلَ وَالدَّلِيلُ عَلَيْهِ حَدِيثُ أَنَسٍ رضي الله عنه قَالَ «كُنَّا نُسَافِرُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَمِنَّا الصَّائِمُ وَمِنَّا الْمُفْطِرُ فَلَمْ يَعِبْ الصَّائِمُ عَلَى الْمُفْطِرِ وَلَا الْمُفْطِرُ عَلَى الصَّائِمِ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَوْ كَانَ الْأَمْرُ كَمَا قَالَ الْوَقْعُ الْإِنْكَارُ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» خَرَجَ فِي مُسَافِرٍ ضَرَّهُ الصَّوْمُ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ أَنَّهُ غُشِيَ عَلَيْهِ وَلِأَنَّ رَمَضَانَ أَفْضَلُ الْوَقْتَيْنِ فَكَانَ الْأَدَاءُ فِيهِ أَفْضَلَ وَلِهَذَا كَانُوا يَجْتَهِدُونَ عَلَى تَحْصِيلِهِ فِي رَمَضَانَ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ قَالَ «خَرَجْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي بَعْضِ غَزَوَاتِهِ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ حَتَّى إنَّ أَحَدَنَا لَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ مِنْ شِدَّةِ الْحَرِّ مَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ» رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ «سَافَرْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

وَيُسْتَحَبُّ صَوْمُ أَيَّامِ الْبِيضِ الثَّالِثَ إلَخْ) وَقِيلَ الرَّابِعَ عَشَرَ وَالْخَامِسَ عَشَرَ وَالسَّادِسَ عَشَرَ وَالْمُرَادُ بِأَيَّامِ الْبِيضِ أَيَّامُ اللَّيَالِي الْبِيضِ لِأَنَّ الْقَمَرَ يَبْقَى فِي هَذِهِ اللَّيَالِي مِنْ أَوَّلِهَا إلَى آخِرِهَا وَإِلَّا فَالْأَيَّامُ كُلُّهَا بِيضٌ. اهـ. دِرَايَةٌ فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَلَا يُكْرَهُ صَوْمُ التَّطَوُّعِ لِمَنْ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ إلَّا رِوَايَةً عَنْ أَحْمَدَ أَنَّهُ لَا يَجُوزُ مِمَّنْ عَلَيْهِ فَرْضٌ. اهـ. دِرَايَةٌ فِي الِاعْتِكَافِ

[فَصْلٌ فِي الْعَوَارِضِ]

وَهِيَ حَرِيَّةٌ بِالتَّأْخِيرِ الْأَعْذَارُ الْمُبِيحَةُ لِلْفِطْرِ الْمَرَضُ وَالسَّفَرُ وَالْحَبَلُ وَالرَّضَاعُ إذَا أَضَرَّ بِهَا أَوْ بِوَلَدِهَا وَالْكِبَرُ إذَا لَمْ يَقْدِرْ عَلَيْهِ وَالْعَطَشُ الشَّدِيدُ وَالْجُوعُ كَذَلِكَ إذَا خِيفَ مِنْهُمَا الْهَلَاكُ أَوْ نُقْصَانُ الْعَقْلِ كَالْأَمَةِ إذَا ضَعُفَتْ عَنْ الْعَمَلِ وَخَشِيَتْ الْهَلَاكَ بِالصَّوْمِ وَكَذَا الَّذِي ذَهَبَ بِهِ مُتَوَكِّلُ السُّلْطَانِ إلَى الْعِمَارَةِ فِي الْأَيَّامِ الْحَارَّةِ وَالْعَمَلُ حَثِيثٌ إذَا خَشِيَ الْهَلَاكَ أَوْ نُقْصَانَ الْعَقْلِ وَقَالُوا الْغَازِي إذَا كَانَ يَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّهُ يُقَاتِلُ الْعَدُوَّ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَيَخَافُ الضَّعْفَ إنْ لَمْ يُفْطِرْ قَبْلَ الْحَرْبِ مُسَافِرًا كَانَ أَوْ مُقِيمًا انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةً) أَيْ أَوْ تَأَخَّرَ بُرْؤُهُ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ الْمَرَضُ) الْمَرَضُ مَعْنًى يَزُولُ بِحُلُولِهِ فِي بَدَنِ الْحَيِّ اعْتِدَالُ الطَّبَائِعِ الْأَرْبَعِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ الْفِطْرُ) وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَعِنْدَهُمَا إذَا عَجَزَ عَنْ الْقِيَامِ فِي الصَّلَاةِ الْفِطْرُ انْتَهَى ع (قَوْلُهُ وَالصَّحِيحُ الَّذِي يَخْشَى أَنْ يَمْرَضَ إلَخْ) وَفِي الْمَرْغِينَانِيِّ لَا يُعْتَبَرُ خَوْفُ الْمَرَضِ اهـ ع

(قَوْلُهُ وَأُقِيمَ نَفْسُ السَّفَرِ مَقَامَهَا) لِأَنَّ الْمَشَقَّةَ أَمْرٌ بَاطِنٌ فَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ جَازَ لَهُ الْإِفْطَارُ وَبِمُجَرَّدِ السَّفَرِ لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ أَوَّلًا انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الْمَرَضِ إلَخْ) قَالَ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله بِخِلَافِ الْمَرَضِ لِأَنَّ الرُّخْصَةَ ثَمَّةَ مُتَعَلِّقَةٌ بِحَقِيقَةِ الْعَجْزِ لِأَنَّ الْمَرَضَ الَّذِي يَنْفَعُهُ الِاحْتِمَاءُ لَا يُبِيحُ الْإِفْطَارَ فَلِهَذَا لَمْ يَجُزْ الْإِفْطَارُ بِمُجَرَّدِ الْمَرَضِ مَا لَمْ يَكُنْ صَوْمُهُ مُفْضِيًا إلَى الْحَرَجِ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَالصَّوْمُ أَفْضَلُ إلَخْ) اعْلَمْ أَنَّ الْمُسَافِرَ يَجُوزُ لَهُ الْإِفْطَارُ كَيْفَمَا كَانَ يُمْكِنُ وَإِذَا لَحِقَتْهُ الْمَشَقَّةُ مِنْ الصَّوْمِ فَالْإِفْطَارُ أَفْضَلُ بِالِاتِّفَاقِ وَإِذَا لَمْ تَلْحَقْهُ الْمَشَقَّةُ فَعِنْدَنَا الصَّوْمُ أَفْضَلُ وَعِنْدَ الشَّافِعِيِّ الْإِفْطَارُ أَفْضَلُ انْتَهَى وَلَا يَرِدُ عَلَيْنَا الْقَصْرُ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ الْإِكْمَالِ لِأَنَّ ذَاكَ رُخْصَةُ إسْقَاطٍ وَهَذَا رُخْصَةُ تَرْفِيهٍ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَعَنْ الشَّافِعِيِّ الْفِطْرُ أَفْضَلُ إلَخْ) الْمَذْهَبُ عِنْدَهُمْ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ كَمَذْهَبِنَا قَالَهُ النَّوَوِيُّ وَقَالَ ذَكَرَ الْخُرَاسَانِيُّونَ قَوْلًا شَاذًّا ضَعِيفًا مُخَرَّجًا مِنْ الْقَصْرِ أَنَّ الْفِطْرَ أَفْضَلُ انْتَهَى غَايَةٌ وَفِي الْحِلْيَةِ

قَالَ أَحْمَدُ وَالْأَوْزَاعِيُّ الْفِطْرُ أَفْضَلُ وَفِي الْمُغْنِي عِنْدَ ابْنِ حَنْبَلٍ الصَّوْمُ فِي السَّفَرِ مَكْرُوهٌ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» إلَخْ) مَخْصُوصٌ بِسَبَبِهِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ عَلَى مَا رُوِيَ فِي الْقِصَّةِ) هُوَ مَا رُوِيَ فِي الصَّحِيحَيْنِ «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي سَفَرٍ فَرَأَى زِحَامًا وَرَجُلًا قَدْ ظُلِّلَ عَلَيْهِ فَقَالَ مَا هَذَا قَالُوا صَائِمٌ فَقَالَ لَيْسَ مِنْ الْبِرِّ الصِّيَامُ فِي السَّفَرِ» انْتَهَى فَتْحُ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ فِي السَّفَرِ أَيْ لِمَنْ هَذَا حَالُهُ انْتَهَى كَافِي

(قَوْلُهُ حَتَّى رُوِيَ عَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ) وَاسْمُهُ عُوَيْمِرُ بْنُ عَامِرٍ عَلَى الْمَشْهُورِ أَنْصَارِيٌّ حَارِثِيٌّ مَدَنِيٌّ نَزَلَ الشَّامَ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ مَا فِينَا صَائِمٌ إلَّا رَسُولُ اللَّهِ إلَخْ) فَعُلِمَ أَنَّ الصَّوْمَ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ اخْتِيَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلِأَنَّ الصَّوْمَ عَمَلٌ بِالْعَزِيمَةِ وَالْإِفْطَارَ رُخْصَةٌ وَالْعَمَلُ بِالْعَزِيمَةِ أَوْلَى مَعَ اعْتِقَادِ الرُّخْصَةِ كَمَا فِي غُسْلِ الرَّجُلِ مَعَ الْمَسْحِ انْتَهَى غَايَةُ الْبَيَانِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ) أَيْ وَأَبُو دَاوُد وَابْنُ مَاجَهْ انْتَهَى غَايَةٌ

ص: 333

إلَى مَكَّةَ وَنَحْنُ صِيَامٌ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَلِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ {يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ} [البقرة: 185] أَيْ يُشْرَعُ الْإِفْطَارُ فِي رَمَضَانَ وَالْقَضَاءُ بَعْدَهُ فِي حَقِّ الْمُسَافِرِ فَلَمْ يُرِدْ الْعُسْرَ بِنَا وَإِنَّمَا أَرَادَ الْيُسْرَ وَلَا يَتَعَيَّنُ الْيُسْرُ بِالتَّأْخِيرِ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُوَافَقَةَ الْمُسْلِمِينَ فِي الصَّوْمِ أَيْسَرُ عِنْدَهُ مِنْ أَنْ يَصُومَ بَعْدَ رَمَضَانَ وَحْدَهُ فَيَتَخَيَّرَ قَالَ رحمه الله (وَلَا قَضَاءَ إنْ مَاتَا عَلَيْهِمَا) أَيْ لَا قَضَاءَ عَلَى الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ إنْ مَاتَا عَلَى حَالِهِمَا لِأَنَّهُمَا لَمْ يُدْرِكَا عِدَّةً مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ وَلِأَنَّهُمَا عُذِرَا فِي الْأَدَاءِ فَلَأَنْ يُعْذَرَا فِي الْقَضَاءِ أَوْلَى وَهَذَا لِأَنَّ وُجُوبَ الْقَضَاءِ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ فَمَا يَمْنَعُ وُجُوبَ الْأَصْلِ يَمْنَعُ وُجُوبَ الْفَرْعِ وَإِنْ صَحَّ الْمَرِيضُ أَوْ أَقَامَ الْمُسَافِرُ وَلَمْ يَقْضِ حَتَّى مَاتَ لَزِمَهُ الْقَضَاءُ بِقَدْرِ الصِّحَّةِ وَالْإِقَامَةِ أَيْ لَزِمَهُ الْإِيصَاءُ بِهِ إعْمَالًا لِلْعِلَّةِ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَذَكَرَ الطَّحْطَاوِيُّ أَنَّ هَذَا قَوْلُ مُحَمَّدٍ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ وَذَكَرَ أَبُو الْحُسَيْنِ الْقُدُورِيُّ فِي التَّقْرِيبِ أَنَّ مَا ذَكَرَهُ الطَّحْطَاوِيُّ غَلَطٌ وَالصَّحِيحُ فِي قَوْلِهِمْ جَمِيعًا لَا يَلْزَمُهُ إلَّا بِقَدْرِ مَا صَحَّ وَأَدْرَكَ مِنْ الْعِدَّةِ وَمَا ذُكِرَ مِنْ الِاخْتِلَافِ بَيْنَهُمْ إنَّمَا هُوَ فِي النَّذْرِ وَهُوَ أَنْ يَقُولَ الْمَرِيضُ لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَصُومَ هَذَا الشَّهْرَ فَصَحَّ يَوْمًا ثُمَّ مَاتَ يَلْزَمُهُ قَضَاءُ جَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ قَضَاءُ مَا صَحَّ فِيهِ وَذَكَرَ فِي الْمُحِيطِ أَيْضًا أَنَّ قَضَاءَ رَمَضَانَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ

وَإِنَّمَا الِاخْتِلَافُ فِي الْمَرِيضِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا إذَا بَرِئَ مِنْ مَرَضِهِ ثُمَّ بَرِئَ يَوْمًا يَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْإِطْعَامِ لِجَمِيعِ الشَّهْرِ عِنْدَهُمَا كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِقَدْرِ مَا صَحَّ كَرَمَضَانَ إذْ إيجَابُ الْعَبْدِ مُعْتَبَرٌ بِإِيجَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ وَالْفَرْقُ لَهُمَا أَنَّ الْمَنْذُورَ سَبَبُهُ النَّذْرُ وَقَدْ وُجِدَ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ قَالَ رحمه الله (وَيُطْعِمُ وَلِيُّهُمَا لِكُلِّ يَوْمٍ كَالْفِطْرَةِ بِوَصِيَّةٍ) أَيْ يُطْعِمُ وَلِيُّ الْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ عَنْهُمَا عَنْ كُلِّ يَوْمٍ كَمَا يُطْعِمُ فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَهُوَ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ أَوْ صَاعٌ مِنْ غَيْرِهِ إنْ أَوْصَيَا بِالْإِطْعَامِ لِأَنَّهُمَا لَمَّا عَجَزَا عَنْ الصَّوْمِ الَّذِي هُوَ فِي ذِمَّتِهِمَا الْتَحَقَا بِالشَّيْخِ فَيَجِبُ عَلَيْهِمَا الْإِيصَاءُ بِذَلِكَ فَإِنْ قِيلَ شَرْطُ الْقِيَاسِ أَنْ لَا يَكُونَ الْأَصْلُ مُخَالِفًا لِلْقِيَاسِ وَهُنَا مُخَالِفٌ لَهُ لِأَنَّ الَّذِي وَرَدَ فِي الشَّيْخِ الْفَانِي مِنْ الْفِدْيَةِ لَيْسَ بِمِثْلِ الصَّوْمِ فَوَجَبَ أَنْ لَا يَتَعَدَّى قُلْنَا الْمُخَالِفُ لِلْقِيَاسِ يَلْحَقُ بِهِ غَيْرُهُ دَلَالَةً لَا قِيَاسًا إذَا كَانَ مِثْلَهُ فِي مَنَاطِ الْحُكْمِ وَلَمْ يُخَالِفْهُ إلَّا فِي الِاسْمِ وَفِيمَا لَا يَكُونُ مَنَاطًا وَهُمَا عَاجِزَانِ عَنْ الصَّوْمِ كَالشَّيْخِ الْفَانِي فَيَكُونُ النَّصُّ الْوَارِدُ فِي أَحَدِهِمَا وَارِدًا فِي الْآخَرِ فَيَتَنَاوَلُهُ النَّصُّ دَلَالَةً

وَقَالَ مَالِكٌ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا لِأَنَّ الصَّوْمَ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِمَا لِعَجْزِهِمَا فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِمَا بَدَلُهُ لِأَنَّهُ فَرْعُ وُجُوبِ الْأَصْلِ فَصَارَ كَصَوْمِ الْمُتْعَةِ كَمَا إذَا مَاتَا وَهُمَا عَلَى حَالِهِمَا قُلْنَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا بِإِدْرَاكِ عِدَّةٍ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ فَلَا يَسْقُطُ ذَلِكَ بِالتَّفْرِيطِ مِنْهُمَا بِخِلَافِ مَا إذَا مَاتَا عَلَى حَالِهِمَا لِعَدَمِ الْوُجُوبِ وَبِخِلَافِ صِيَامِ الْمُتْعَةِ لِأَنَّهُ بَدَلٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ رَوَاهُ مُسْلِمٌ) وَأَبُو دَاوُد وَفِي لَفْظٍ وَفِي رَمَضَانَ عَامَ الْفَتْحِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِاحْتِمَالِ أَنَّ مُوَافَقَةَ الْمُسْلِمِينَ إلَخْ) فَإِنَّ الِانْتِسَاءَ تَخْفِيفٌ وَلِأَنَّ النَّفْسَ تَوَطَّنَتْ عَلَى هَذَا الزَّمَانِ مَا لَمْ تَتَوَطَّنْ عَلَى غَيْرِهِ فَالصَّوْمُ فِيهِ أَيْسَرُ عَلَيْهَا وَبِهَذَا التَّعْلِيلِ عُلِمَ أَنَّ الْمُرَادَ بِقَوْلِهِ {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] لَيْسَ مَعْنَاهُ يَتَعَيَّنُ ذَلِكَ بَلْ الْمَعْنَى فَأَفْطَرَ فَعَلَيْهِ عِدَّةٌ أَوْ الْمَعْنَى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يَحِلُّ لَهُ التَّأْخِيرُ إلَيْهَا لَا كَمَا ظَنَّهُ أَهْلُ الظَّوَاهِرِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَعِنْدَهُمَا يَلْزَمُهُ قَضَاءُ الْكُلِّ) فَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْجَمِيعِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَالصَّحِيحِ إذَا نَذَرَ أَنْ يَصُومَ شَهْرًا فَمَاتَ إلَخْ) يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِهِ لِأَنَّ الْكُلَّ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ بِالْخُلْفِ وَهُوَ الْفِدْيَةُ إذَا عَجَزَ عَنْ التَّفْرِيغِ بِالْأَصْلِ انْتَهَى أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ لَمْ يَصِحَّ فِي النَّذْرِ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ) أَيْ وَفِيهِ إشْكَالٌ وَهُوَ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ النَّذْرُ هُوَ السَّبَبُ دُونَ الْوَقْتِ فَكَانَ يَنْبَغِي أَنْ يَلْزَمَهُ الْإِيصَاءُ انْتَهَى غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَالْفَرْقُ لَهُمَا إلَخْ) قَالَ الْكَمَالُ وَجْهُ الْفَرْقِ لَهُمَا أَنَّ النَّذْرَ هُوَ السَّبَبُ فِي وُجُوبِ الْكُلِّ فَإِذَا وُجِدَ مِنْهُ فِي الْمَرَضِ وَمَاتَ مِنْ ذَلِكَ الْمَرَضِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فَإِنْ صَحَّ صَارَ كَأَنَّهُ قَالَ ذَلِكَ فِي الصِّحَّةِ وَالصَّحِيحُ لَوْ قَالَهُ وَمَاتَ قَبْلَ إدْرَاكِ عِدَّةِ الْمَنْذُورِ لَزِمَهُ الْكُلُّ فَكَذَلِكَ هَذَا بِخِلَافِ الْقَضَاءِ لِأَنَّ السَّبَبَ هُوَ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ وَحَقِيقَةُ هَذَا الْكَلَامِ الْمَذْكُورِ فِي النَّذْرِ إنَّمَا يَصِحُّ عَلَى تَقْدِيرِ كَوْنِ النَّذْرِ بِذَلِكَ غَيْرَ مُوجِبٍ شَيْئًا فِي حَالَةِ الْمَرَضِ وَإِلَّا لَزِمَ الْكُلُّ وَإِنْ لَمْ يَصِحَّ لِتَظْهَرَ فَائِدَتُهُ فِي الْإِيصَاءِ بَلْ هُوَ مُعَلَّقٌ بِالصِّحَّةِ وَإِنْ لَمْ يُذْكَرْ أَدَوَاتُ التَّعْلِيقِ تَصْحِيحًا لِتَصَرُّفِ الْمُكَلَّفِ مَا أَمْكَنَ وَالنَّذْرُ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِالشَّرْطِ كَقَوْلِهِ إنْ شَفَى اللَّهُ مَرِيضِي فَلِلَّهِ عَلَيَّ كَذَا فَيَنْزِلُ عِنْدَ الصِّحَّةِ فَيَجِبُ الْكُلُّ ثُمَّ يَعْجِزُ عَنْهُ لِعَدَمِ إدْرَاكِ الْعِدَّةِ فَيَجِبُ الْإِيصَاءُ كَمَا لَوْ لَمْ يُجْعَلْ مُعَلَّقًا فِي الْمَعْنَى عَلَى مَا قُلْنَا وَأَمَّا قَوْلُهُمْ السَّبَبُ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَهَلْ الْمُرَادُ أَنَّ إدْرَاكَ الْعِدَّةِ سَبَبٌ لِوُجُوبِ الْقَضَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ أَوْ الْأَدَاءِ فَصَرَّحَ فِي شَرْحِ الْكَنْزِ فَقَالَ فِي الْفَرْقِ الْمَذْكُورِ وَسَبَبُ الْقَضَاءِ إدْرَاكُ الْعِدَّةِ فَيُقَدَّرُ بِقَدْرِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ جَعَلَهُ سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَعَلَى ظَاهِرِ الْأَوَّلِ أَنَّ سَبَبَ الْقَضَاءِ عَلَى مَا اعْتَرَفُوا بِصِحَّتِهِ هُوَ سَبَبُ وُجُوبِ الْأَدَاءِ كَمَا ذَكَرَهُ فِي الْمَبْسُوطِ وَيَلْزَمُهُ عَدَمُ حِلِّ التَّأْخِيرِ عَنْ أَوَّلِ عِدَّةٍ يُدْرِكُهَا فَإِنْ قَالَ سَبَبُ الْأَدَاءِ لَا يَسْتَلْزِمُ حُرْمَةَ التَّأْخِيرِ عَنْهُ قُلْنَا فَلْيَكُنْ نَفْسُ رَمَضَانَ سَبَبَ وُجُوبِ الْأَدَاءِ عَلَى الْمَرِيضِ إذْ لَا مَانِعَ مِنْ هَذَا الِاعْتِبَارِ سِوَى ذَلِكَ اللَّازِمِ فَإِذْ كَانَ مُنْتَفِيًا لَزِمَ إذْ هُوَ الْأَصْلُ وَيَلْزَمُهُ الْإِيصَاءُ بِالْكُلِّ إذَا لَمْ يُدْرِكْ الْعِدَّةَ كَمَا هُوَ قَوْلُ مُحَمَّدٍ عَلَى رِوَايَةِ الطَّحَاوِيِّ انْتَهَى

(قَوْلُهُ فَيَتَقَدَّرُ بِقَدْرِهِ) فَأَمَّا الصَّحِيحُ إذَا نَذَرَ صَوْمَ شَهْرٍ ثُمَّ مَاتَ قَبْلَ تَمَامِ الشَّهْرِ يَلْزَمُهُ أَنْ يُوصِيَ بِجَمِيعِ الشَّهْرِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْفَرْقُ لِمُحَمَّدٍ أَنَّ الْكُلَّ وَجَبَ فِي ذِمَّتِهِ فَوَجَبَ عَلَيْهِ تَفْرِيغُ ذِمَّتِهِ بِالْخُلْفِ عِنْدَ تَعَذُّرِ الْأَصْلِ بِخِلَافِ الْمَرِيضِ لِأَنَّهُ لَيْسَ لَهُ ذِمَّةٌ صَحِيحَةٌ فِي الْتِزَامِ أَدَاءِ الصَّوْمِ حَتَّى يَبْرَأَ وَلِهَذَا لَوْ لَمْ يَبْرَأْ حَتَّى مَاتَ لَا يَلْزَمُهُ شَيْءٌ مِنْ الْمَنْذُورِ فَصَارَ نَظِيرَ قَضَاءِ رَمَضَانَ وَإِيجَابُ اللَّهِ تَعَالَى قَدْ يُخَالِفُ إيجَابَ الْعَبْدِ فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَى عَبْدِهِ حُجَّةً وَاحِدَةً وَلَوْ نَذَرَ بِأَلْفِ حُجَّةٍ تَلْزَمُهُ الشَّيْخُ بَاكِيرٌ

ص: 334

عَنْ الدَّمِ فَلَوْ جَازَ عَنْهُ الْفِدْيَةُ لَكَانَ بَدَلَ الْبَدَلِ وَهُوَ لَا يَجُوزُ بِالرَّأْيِ وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ أَنْ يُطْعِمَ عَنْهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه يَلْزَمُهُ اعْتِبَارًا بِدُيُونِ الْعِبَادِ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ عِنْدَهُ مِنْ جَمِيعِ الْمَالِ وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّهَا عِبَادَةٌ فَلَا بُدَّ فِيهَا مِنْ الِاخْتِيَارِ وَذَلِكَ بِالْإِيصَاءِ دُونَ الْوِرَاثَةِ وَهَذَا لِأَنَّ مِنْ شَرْطِ الْعِبَادَةِ النِّيَّةَ وَأَدَاءَهُ بِنَفْسِهِ فَإِذَا مَاتَ عَنْ غَيْرِ إيصَاءٍ فَاتَ الشَّرْطُ فَيَسْقُطُ لِلتَّعَذُّرِ بِخِلَافِ حَقِّ الْعَبْدِ فَإِنَّ الْوَاجِبَ فِيهِ وُصُولُهُ إلَى مُسْتَحِقِّهِ لَا غَيْرُ وَلِهَذَا لَوْ ظَفِرَ بِهِ الْغَرِيمُ يَأْخُذُهُ وَيَبْرَأُ مَنْ عَلَيْهِ بِذَلِكَ

وَلَوْ تَبَرَّعَ بِهِ أَجْنَبِيٌّ فِي حَيَاتِهِ صَحَّ وَبَرِئَتْ ذِمَّتُهُ بِخِلَافِ حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى وَلَوْ لَمْ يُوصِ فَتَبَرَّعَ بِهِ الْوَلِيُّ يُجْزِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ وَكَذَا كَفَّارَةُ الْيَمِينِ وَالْقَتْلِ إذَا تَبَرَّعَ بِالْإِطْعَامِ وَالْكِسْوَةِ يَجُوزُ وَلَا يَجُوزُ التَّبَرُّعُ بِالْإِعْتَاقِ لِمَا فِيهِ مِنْ إلْزَامِ الْوَلَاءِ لِلْمَيِّتِ بِغَيْرِ رِضَاهُ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ اسْتِحْسَانًا لِكَوْنِهَا أَهَمَّ وَتُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ هُوَ الصَّحِيحُ وَلَا يَصُومُ عَنْهُ الْوَلِيُّ وَلَا يُصَلِّي وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه يَصُومُ عَنْهُ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ «أَنَّ امْرَأَةً قَالَتْ يَا رَسُولَ اللَّهِ إنْ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ أَفَأَصُومُ عَنْهَا فَقَالَ أَرَأَيْت لَوْ كَانَ عَلَى أُمِّك دَيْنٌ فَقَضَيْتِيهِ أَكَانَ يُجْزِي ذَلِكَ عَنْهَا فَقَالَتْ نَعَمْ قَالَ صَوْمِي عَنْ أُمِّك» أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَلَمْ تَذْكُرْ الْوَصِيَّةَ وَلَا سَأَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهَا أَوْصَتْ أَمْ لَا وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ وَلَكِنْ يُطْعِمُ عَنْهُ» رَوَاهُ النَّسَائِيّ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «مَنْ مَاتَ وَعَلَيْهِ صَوْمُ شَهْرٍ فَلْيُطْعِمْ عَنْهُ مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكَيْنَا» قَالَ الْقُرْطُبِيُّ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَرَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ أَيْضًا وَلِأَنَّهُ لَا يَصُومُ عَنْهُ فِي حَالَةِ الْحَيَاةِ فَكَذَا بَعْدَ الْمَوْتِ كَالصَّلَاةِ قَالَ رحمه الله (وَقَضَيَا مَا قَدَّرَا بِلَا شَرْطِ وَلَاءٍ) أَيْ قَضَى الْمُسَافِرُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلَهُ وَإِنْ لَمْ يُوصِ لَمْ يَلْزَمْ الْوَلِيَّ إلَخْ) ثُمَّ إذَا أَوْصَى لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إلَّا بِقَدْرِ الثُّلُثِ إلَّا أَنْ يَتَطَوَّعَ وَعَلَى هَذَا دَيْنُ صَدَقَةِ الْفِطْرِ وَالنَّفَقَةُ الْوَاجِبَةُ وَالْكَفَّارَاتُ الْمَالِيَّةُ وَالْحَجُّ وَفِدْيَةُ الصِّيَامَاتِ الَّتِي عَلَيْهِ وَالصَّدَقَةُ الْمَنْذُورَةُ وَالْخَرَاجُ وَالْجِزْيَةُ انْتَهَى فَتْحٌ

(قَوْلُهُ وَلِهَذَا يُعْتَبَرُ إلَخْ) أَيْ وَلِأَجْلِ أَنَّهَا دَيْنٌ انْتَهَى وَعَلَى هَذَا الزَّكَاةُ إذَا مَاتَ مَنْ عَلَيْهِ دَيْنُ الزَّكَاةِ بِأَنْ اسْتَهْلَكَ مَالَ الزَّكَاةِ بَعْدَ الْحَوْلِ وَالْعُشْرَ بَعْدَ وَقْتِ وُجُوبِهِ لَا يَجِبُ عَلَى وَارِثِهِ أَنْ يُخْرِجَ عَنْهُ الزَّكَاةَ وَالْعُشْرَ إلَّا أَنْ يُوصِيَ بِذَلِكَ ثُمَّ إذَا أَوْصَى فَإِنَّمَا يَلْزَمُ الْوَارِثَ إخْرَاجُهُمَا إذَا كَانَا يُخْرَجَانِ مِنْ الثُّلُثِ فَإِنْ زَادَ دَيْنُهُمَا عَلَى الثُّلُثِ لَا يَجِبُ عَلَى الْوَارِثِ فَإِنْ أَخْرَجَ كَانَ مُتَطَوِّعًا عَنْ الْمَيِّتِ وَيُحْكَمُ بِجَوَازِ إجْزَائِهِ وَلِذَا قَالَ رحمه الله فِي التَّبَرُّعِ الْوَارِثُ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى كَمَا إذَا أَوْصَى بِإِطْعَامٍ عَنْ الصَّلَوَاتِ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالصَّلَاةُ كَالصَّوْمِ اسْتِحْسَانًا) وَوَجْهُهُ أَنَّ الْمُمَاثَلَةَ قَدْ ثَبَتَتْ شَرْعًا بَيْنَ الصَّوْمِ وَالْإِطْعَامِ وَالْمُمَاثَلَةُ بَيْنَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ ثَابِتَةٌ وَمِثْلُ مِثْلِ الشَّيْءِ جَازَ أَنْ يَكُونَ مِثْلًا لِذَلِكَ الشَّيْءِ وَعَلَى تَقْدِيرِ ذَلِكَ يَجِبُ الْإِفْطَارُ وَعَلَى تَقْدِيرِ عَدَمِهَا لَا يَجِبُ فَالِاحْتِيَاطُ فِي الْإِيجَابِ فَإِنْ كَانَ الْوَاقِعُ ثُبُوتَ الْمُمَاثَلَةِ حَصَلَ الْمَقْصُودُ الَّذِي هُوَ السُّقُوطُ وَإِلَّا كَانَ بِرًّا مُبْتَدَأً يَصْلُح مَاحِيًا لِلسَّيِّئَاتِ وَلِذَا قَالَ مُحَمَّدٌ فِيهِ يُجْزِئُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى مِنْ غَيْرِ جَزْمٍ كَمَا قَالَ فِي تَبَرُّعِ الْوَارِثِ بِالْإِطْعَامِ بِخِلَافِ إيصَائِهِ عَنْ الصَّوْمِ فَإِنَّهُ جَزَمَ بِالْإِجْزَاءِ انْتَهَى فَتْحٌ

فَرْعٌ رَجُلٌ مَاتَ وَقَدْ فَاتَهُ صَلَاةُ عَشْرَةِ أَشْهُرٍ وَلَمْ يَتْرُكْ مَالًا اسْتَقْرَضَ وَارِثُهُ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ وَدَفَعَهُ إلَى مِسْكِينٍ ثُمَّ يَتَصَدَّقُ الْمِسْكِينُ عَلَى الْوَارِثِ فَلَا بُدَّ أَنْ يَفْعَلَ حَتَّى يُتِمَّ لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفَ صَاعِ بُرٍّ انْتَهَى بَاكِيرٌ (قَوْلُهُ وَتُعْتَبَرُ كُلُّ صَلَاةٍ بِصَوْمِ يَوْمٍ) هُوَ الصَّحِيحُ احْتِرَازًا عَنْ قَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ مُقَاتِلٍ أَنَّهُ يُطْعِمُ لِكُلِّ صَلَاةِ يَوْمٍ مِسْكِينًا لِأَنَّهَا كَصِيَامِ يَوْمٍ ثُمَّ رَجَعَ إلَى مَا فِي الْكِتَابِ لِأَنَّ كُلَّ صَلَاةِ فَرْضٍ عَلَى حِدَةٍ فَكَانَ كَصَوْمِ يَوْمٍ انْتَهَى فَتْحٌ وَفِي الْحَاوِي قَالَ عِصَامٌ كُلَّ يَوْمٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ كَالصَّوْمِ فَإِنَّهُ وَظِيفَةُ الْيَوْمِ مِثْلُ صَلَاةِ الْيَوْمِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ سَمِعْت مُحَمَّدَ بْن سَلَمَةَ يَقُولُ لَمَّا رَجَعْت مِنْ الْعِرَاقِ لَقِيت مُحَمَّدَ بْن مُقَاتِلٍ بِالرَّيِّ فَعَرَضَ عَلَيَّ أَجْوِبَةَ مَسَائِلَ كَتَبَ إلَيْهِ بِهَا أَهْلُ بَلْخٍ وَفِيهَا هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ وَقَدْ أَجَابَ بِأَنَّ لِكُلِّ يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ نِصْفَ صَاعٍ مِنْ بُرٍّ فَنَاظَرْته وَقُلْت هَذَا خِلَافُ الصَّوْمِ لِأَنَّ الصَّوْمَ يَتَعَلَّقُ أَوَّلُهُ بِآخِرِهِ وَلَا كَذَلِكَ صَلَاةُ الْيَوْمِ وَاللَّيْلَةِ فَمَحَا جَوَابَهُ وَكَتَبَ عَلَى الْحَاشِيَةِ لِكُلِّ صَلَاةٍ نِصْفُ صَاعٍ فَلَمَّا قَدِمْت بَلْخًا قُلْت لَهُمْ لِي عَلَيْكُمْ مِنَّةٌ رَدَدْت ابْنَ مُقَاتِلٍ إلَى قَوْلِي وَعَلَامَةُ ذَلِكَ مَحْوُ الْجَوَابِ الْأَوَّلِ وَكَتَبَ جَوَابِي عَلَى الْحَاشِيَةِ قَالَ أَبُو الْقَاسِمِ بِقَوْلِ مُحَمَّدِ بْنِ سَلَمَةَ وَبِاحْتِجَاجِهِ أَقُولُ انْتَهَى غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ يَصُومُ عَنْهُ) هَذَا فِي الْقَدِيمِ وَلَيْسَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ مَذْهَبًا فَإِنَّهُ غَسَلَ كُتُبَهُ الْقَدِيمَةَ وَأَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالرُّجُوعِ عَنْهَا هَكَذَا نَقَلَ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِهِ انْتَهَى غَايَةٌ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي الْجَدِيدِ مِثْلَ قَوْلِنَا انْتَهَى دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَلَيْهَا صَوْمُ نَذْرٍ إلَخْ) وَيُرْوَى صَوْمُ شَهْرٍ وَيُرْوَى صَوْمُ شَهْرَيْنِ يَرْوِيهِمَا بُرَيْدَةَ وَهُمَا فِي مُسْلِمٍ وَفِي بَعْضِهَا إنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَيُرْوَى «جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ إنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صَوْمُ شَهْرٍ» وَيُرْوَى عَلَيْهَا خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْمًا وَيُرْوَى أَنَّهَا قَالَتْ إنَّ أُخْتِي مَاتَتْ وَعَلَيْهَا صِيَامُ شَهْرَيْنِ مُتَتَابِعَيْنِ ذَكَرَ هَذِهِ الرِّوَايَاتِ ابْنُ بَطَّالٍ فِي شَرْحِ الْبُخَارِيِّ وَكَذَا السَّفَاقِسِيُّ فِيهِ قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ هَذَا فِيهِ اضْطِرَابٌ عَظِيمٌ يَدُلُّ عَلَى وَهْمِ الرُّوَاةِ وَبِدُونِ هَذَا يَعْتَلُّ الْحَدِيثُ وَقَالَ الْحَسَنُ بْنُ بَطَّالٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ رِوَايَةً وَقَدْ خَالَفَهُ بِفَتْوَاهُ فَدَلَّ عَلَى نَسْخِ مَا رَوَاهُ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَمْ تَذْكُرْ الْوَصِيَّةُ إلَخْ) فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَحْتَاجُ إلَى الْإِيصَاءِ انْتَهَى قَوْلُهُ أَنَّهَا أَوْصَتْ أَمْ لَا وَفِي بَعْضِ الطُّرُقِ إنَّ دَيْنَ اللَّهِ أَحَقُّ انْتَهَى أَحَقُّ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلَنَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا يَصُومُ أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ» إلَخْ) قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ أَمَّا الصَّلَاةُ فَبِالْإِجْمَاعِ مِنْ الْعُلَمَاءِ أَنَّهُ لَا يُصَلِّي أَحَدٌ عَنْ أَحَدٍ حَالَ حَيَاتِهِ وَلَا بَعْدَ مَوْتِهِ هَذَا لَا خِلَافَ فِيهِ قُلْت اتَّفَقُوا عَلَى أَنَّ مَنْ حَجَّ عَنْ غَيْرِهِ يُصَلِّي رَكْعَتَيْ الطَّوَافِ عَنْهُ هَكَذَا حَكَاهُ ابْنُ حَزْمٍ فِي الْمُحَلَّى انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ) أَيْ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَقَضَيَا مَا قَدَرَا بِلَا شَرْطِ وَلَاءٍ) أَيْ مُتَابَعَةً وَهُوَ التَّرْتِيبُ انْتَهَى ع قَالَ فِي الْغَايَةِ وَحُكِيَ وُجُوبَ التَّتَابُعِ فِيهِ عَنْ عَلِيٍّ وَابْنِ عُمَرَ وَالنَّخَعِيِّ وَالشَّعْبِيِّ وَعُرْوَةَ انْتَهَى

ص: 335

وَالْمَرِيضُ بِقَدْرِ مَا أَدْرَكَا مِنْ الْعِدَّةِ مِنْ غَيْرِ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ أَمَّا الْقَضَاءُ فَقَدْ قَدَّمْنَاهُ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ التَّرْتِيبِ فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ} [البقرة: 184] مِنْ غَيْرِ شَرْطِ التَّرْتِيبِ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ يَجِبُ التَّرْتِيبُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ فَلْيَسْرُدْهُ وَلَا يَقْطَعْهُ» وَلَنَا مَا تَلَوْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «قَضَاءُ رَمَضَانَ إنْ شَاءَ فَرَّقَ وَإِنْ شَاءَ تَابَعَ» رَوَاهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «سُئِلَ عَنْ تَقْطِيعِ قَضَاءِ رَمَضَانَ فَقَالَ لَوْ كَانَ عَلَى أَحَدِكُمْ دَيْنٌ فَقَضَاهُ دِرْهَمًا وَدِرْهَمَيْنِ حَتَّى قَضَى مَا عَلَيْهِ مِنْ الدَّيْنِ فَهَلْ كَانَ قَاضِيًا دَيْنَهُ فَقَالُوا نَعَمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ فَقَالَ فَاَللَّهُ أَحَقُّ بِالْعَفْوِ وَالتَّجَاوُزِ» قَالَ أَبُو عُمَرَ إسْنَادُهُ حَسَنٌ وَلِأَنَّ الْقَضَاءَ يَحْكِي الْأَدَاءَ وَلَا يَجِبُ فِيهِ التَّرْتِيبُ حَتَّى لَوْ أَفْطَرَ يَوْمًا لَا يَجِبُ عَلَيْهِ إعَادَةُ مَا مَضَى فَكَذَا الْقَضَاءُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ فَإِنْ قِيلَ قِرَاءَةُ أُبَيٍّ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ مُتَتَابِعَةٌ فَيَجِبُ الْعَمَلُ بِهَا كَمَا قُلْتُمْ يَجِبُ الْعَمَلُ بِقِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ مُتَتَابِعَاتٍ قُلْنَا قِرَاءَةُ أُبَيٍّ لَيْسَتْ بِمَشْهُورَةٍ فَلَا يَجُوزُ التَّخْصِيصُ بِهَا لِأَنَّهُ نُسِخَ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ لِأَنَّهُ مَشْهُورٌ لَكِنَّ الْمُسْتَحَبَّ أَنْ يَقْضِيَهُ مُرَتَّبًا مُتَتَابِعًا مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ وَلِهَذَا يُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ لَا يُؤَخِّرَهُ بَعْدَ الْقُدْرَةِ عَلَيْهِ

قَالَ رحمه الله (فَإِنْ جَاءَ رَمَضَانُ قَدَّمَ الْأَدَاءَ عَلَى الْقَضَاءِ) أَيْ إذَا كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ وَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى جَاءَ رَمَضَانُ الثَّانِي صَامَ رَمَضَانَ الثَّانِيَ لِأَنَّهُ فِي وَقْتِهِ وَهُوَ لَا يَقْبَلُ غَيْرَهُ ثُمَّ صَامَ الْقَضَاءَ بَعْدَهُ لِأَنَّهُ وَقْتُ الْقَضَاءِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ عَلَيْهِ فِدْيَةٌ إنْ أَخَّرَهُ بِغَيْرِ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ فِي رَجُلٍ مَرِضَ فِي رَمَضَانَ فَأَفْطَرَ ثُمَّ صَحَّ وَلَمْ يَصُمْهُ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ آخَرُ يَصُومُ الَّذِي أَدْرَكَهُ ثُمَّ يَصُومُ الَّذِي أَفْطَرَ فِيهِ وَيُطْعِمُ عَنْ كُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا» وَلَنَا إطْلَاقُ مَا تَلَوْنَا مِنْ غَيْرِ قَيْدٍ بِزَمَانٍ وَلِأَنَّ تَأْخِيرَ الْأَدَاءِ عَنْ وَقْتِهِ لَا يُوجِبُ الْفِدْيَةَ فَتَأْخِيرُ الْقَضَاءِ وَهُوَ مُطْلَقٌ عَنْ الْوَقْتِ أَوْلَى أَنْ لَا يُوجِبَهَا وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ لِأَنَّ فِي سَنَدِهِ إبْرَاهِيمُ بْنُ نَافِعٍ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ الرَّازِيّ كَانَ يَكْذِبُ وَفِيهِ عُمَرُ أَيْضًا قَالَ فِيهِ كَانَ يَضَعُ الْحَدِيثَ قَالَ رحمه الله

(وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إنْ خَافَتَا عَلَى الْوَلَدِ أَوْ النَّفْسِ) أَيْ لَهُمَا الْفِطْرُ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى قَوْلِهِ فِي أَوَّلِ الْفَصْلِ لِمَنْ خَافَ زِيَادَةَ الْمَرَضِ الْفِطْرُ لِمَا رُوِيَ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ «إنَّ اللَّهَ عز وجل وَضَعَ عَنْ الْمُسَافِرِ الصَّوْمَ وَشَطْرَ الصَّلَاةِ وَعَنْ الْحُبْلَى وَالْمُرْضِعِ الصَّوْمَ» وَلِأَنَّهُمَا يَلْحَقُهُمَا الْحَرَجُ بِالصَّوْمِ فَيُشْرَعُ الْإِفْطَارُ فِي حَقِّهِمَا كَالْمُسَافِرِ وَالْمَرِيضِ وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِوُجُوبِ الْإِرْضَاعِ عَلَيْهَا بِالْعَقْدِ بِخِلَافِ الْأُمِّ فَإِنَّ الْأَبَ يَسْتَأْجِرُ غَيْرَهَا وَعَزَاهُ إلَى الذَّخِيرَةِ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرُهُ إذَا خَافَتَا عَلَى نَفْسِهِمَا أَوْ وَلَدِهِمَا إذْ لَا وَلَدَ لِلْمُسْتَأْجَرَةِ وَكَذَا إطْلَاقُ الْحَدِيثِ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ عَلَى الْأُمِّ دِيَانَةً لَا سِيَّمَا إذَا لَمْ يَكُنْ لِلزَّوْجِ قُدْرَةٌ عَلَى اسْتِئْجَارِ الظِّئْرِ فَصَارَتْ كَالظِّئْرِ وَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله إذَا خَافَتْ الْمُرْضِعُ عَلَى الْوَلَدِ فَأَفْطَرَتْ فَعَلَيْهَا الْفِدْيَةُ لِأَنَّهُ إفْطَارٌ انْتَفَعَ بِهِ مَنْ لَمْ يَلْزَمْهُ الصَّوْمُ وَهُوَ الْوَلَدُ فَتَجِبُ الْفِدْيَةُ كَإِفْطَارِ الشَّيْخِ الْفَانِي

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُ النَّاسِ) يَعْنِي دَاوُد وَأَهْلَ الظَّاهِرِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ مَنْ كَانَ عَلَيْهِ قَضَاءُ رَمَضَانَ إلَخْ) رَوَاهُ ابْنُ الْمُنْذِرِ بِإِسْنَادِهِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمَا رَوَاهُ غَيْرُ ثَابِتٍ) أَيْ فَإِنَّهُ لَمْ يَذْكُرْهُ أَحَدٌ مِنْ أَصْحَابِ السُّنَنِ وَالدَّوَاوِينِ وَلَوْ ثَبَتَ حُمِلَ عَلَى الِاسْتِحْبَابِ انْتَهَى غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودِ) قَالَ أَبُو الْبَقَاءِ بِخِلَافِ قِرَاءَةِ ابْنِ مَسْعُودٍ فِي كَفَّارَةِ الْيَمِينِ فَإِنَّهَا مَشْهُورَةٌ عِنْدَ الْأَئِمَّةِ الْأَرْبَعَةِ وَجَمِيعِ أَهْلِ السُّنَّةِ خِلَافًا لِلْمُعْتَزِلَةِ فَإِنَّهَا مِنْ الْآحَادِ عِنْدَهُمْ كَذَا فِي الْغَايَةِ انْتَهَى (قَوْلُهُ مُسَارَعَةً إلَى إسْقَاطِ الْوَاجِبِ) أَيْ وَخُرُوجًا مِنْ الْخِلَافِ انْتَهَى غَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَلَمْ يَصُمْ حَتَّى أَدْرَكَهُ رَمَضَانُ) بِالتَّنْوِينِ لِأَنَّ الْأَلِفَ وَالنُّونَ الْمَزِيدَتَيْنِ فِي غَيْرِ الصِّفَاتِ، شَرْطُ عَدَمِ انْصِرَافِهِ الْعَلَمِيَّةُ وَهُنَا وَصَفَهُ بِآخِرَ نَكِرَةٍ دَلِيلُ نَكَارَتِهِ انْتَهَى دِرَايَةٌ

(قَوْلُهُ وَلِلْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ إلَخْ) أَيْ وَلِلْحَامِلِ الْفِطْرُ أَيْضًا (قَوْلُهُ عَلَى الْوَلَدِ) رَاجِعٌ إلَى الْمُرْضِعِ وَقَوْلُهُ أَوْ النَّفْسُ رَاجِعٌ إلَى الْحَامِلِ انْتَهَى عَيْنِيٌّ قَالَ الْقِوَامُ الْأَتْقَانِيُّ رحمه الله الْحَامِلُ هِيَ الَّتِي فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي لَهَا لَبَنٌ وَلَا يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ فِي آخِرِهِمَا كَمَا فِي حَائِضٍ وَطَالِقٍ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ الصِّفَةِ الثَّابِتَةِ لَا الْحَادِثَةِ وَلِلْبَصْرِيِّينَ فِي نَحْوِ ذَلِكَ مَذْهَبَانِ مَذْهَبُ الْخَلِيلِ بِمَعْنَى النَّسَبِ كَلَابِنٍ وَتَامِرٍ بِمَعْنَى ذَاتِ حَمْلٍ وَذَاتِ إرْضَاعٍ وَذَاتِ حَيْضٍ وَذَاتِ طَلَاقٍ

وَمَذْهَبُ سِيبَوَيْهِ يُؤَوَّلُ بِإِنْسَانٍ أَوْ شَيْءٍ حَامِلٍ أَوْ حَائِضٍ وَكَذَا فِي الْبَاقِي فَإِذَا أُرِيدَ الْحُدُوثُ يَجُوزُ إدْخَالُ التَّاءِ بِأَنْ يُقَالَ حَائِضَةٌ الْآنَ أَوْ غَدًا فَافْهَمْ وَفِي كِتَابِ الْإِصْلَاحِ عَنْ الْفَرَّاءِ يُقَالُ هَذِهِ امْرَأَةٌ حَامِلٌ وَحَامِلَةٌ إذَا كَانَ فِي بَطْنِهَا وَلَدٌ فَمَنْ قَالَ حَامِلٌ قَالَ هَذَا نَعْتٌ لَا يَكُونُ إلَّا لِلْمُؤَنَّثِ وَمَنْ قَالَ حَامِلَةٌ بَنَاهُ عَلَى حَمَلَتْ انْتَهَى وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيّ فِي تَفْسِيرِ قَوْله تَعَالَى {يَوْمَ تَرَوْنَهَا تَذْهَلُ كُلُّ مُرْضِعَةٍ عَمَّا أَرْضَعَتْ} [الحج: 2] فَإِنْ قُلْت لِمَ قَالَ مُرْضِعَةٍ دُونَ مُرْضِعٍ قُلْت الْمُرْضِعَةُ هِيَ الَّتِي فِي حَالِ الْإِرْضَاعِ مُلَقِّمَةً ثَدْيَهَا الصَّبِيَّ وَالْمُرْضِعُ هِيَ الَّتِي مِنْ شَأْنِهَا أَنْ تُرْضِعَ وَلَمْ تُبَاشِرْ الْإِرْضَاعَ فِي حَالِ وَضْعِهَا فَقِيلَ مُرْضِعَةٍ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ ذَلِكَ الْهَوْلَ إذَا فُوجِئَتْ بِهِ هَذِهِ وَقَدْ أَلْقَمَتْ الرَّضِيعَ ثَدْيَهَا نَزَعَتْهُ عَنْ فِيهِ لِمَا لَحِقَهَا مِنْ الدَّهْشَةِ اهـ (قَوْلُهُ وَقَالَ فِي الْحَوَاشِي الْمُرَادُ بِالْمُرْضِعِ الظِّئْرُ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَفِي الذَّخِيرَةِ وَالْمُرَادُ مِنْ الْمُرْضِعِ الظِّئْرُ لِأَنَّهَا إذَا كَانَتْ أُمَّ الْوَلَدِ وَلِلْوَلَدِ أَبٌ لَا تُفْطِرُ الْأُمُّ لِأَنَّ الصَّوْمَ وَاجِبٌ عَلَيْهَا وَالْإِرْضَاعُ غَيْرُ وَاجِبٍ قَالَ شَيْخِي الْعَلَّامَةُ رحمه الله وَيَنْبَغِي أَنْ يُشْتَرَطَ أَنْ يَكُونَ الْأَبُ مُوسِرًا أَوْ يَأْخُذَ الْوَلَدَ ضَرْعَ غَيْرِهَا أَمَّا لَوْ كَانَ الْأَبُ مُعْسِرًا أَوْ الْوَلَدُ لَا يَأْخُذُ ضَرْعَ غَيْرِ أُمِّهِ فَحِينَئِذٍ يَجِبُ عَلَى أُمِّهِ الْإِرْضَاعُ انْتَهَى (قَوْلُهُ وَيَرُدُّهُ قَوْلُ الْقُدُورِيِّ إلَخْ) وَكَذَا عِبَارَةُ غَيْرِ الْقُدُورِيِّ تُفِيدُ أَنَّ ذَلِكَ لِلْأُمِّ انْتَهَى فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَلِأَنَّ الْإِرْضَاعَ وَاجِبٌ إلَخْ) قُلْت الْمُرْضِعُ بِإِطْلَاقِهِ يَتَنَاوَلُ الظِّئْرَ وَالْأُمَّ وَالظَّاهِرُ أَنَّ مُرَادَ الشَّيْخِ هَذَا لِيَثْبُتَ الْحُكْمُ فِيهِمَا جَمِيعًا وَلِهَذَا أَطْلَقَ بِذِكْرِ الْوَلَدِ وَلَمْ

ص: 336

وَلَنَا أَنَّ الْفِدْيَةَ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ فِي الشَّيْخِ فَلَا يَلْحَقُ بِهِ خِلَافُهُ وَهَذَا لِأَنَّ الشَّيْخَ يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ ثُمَّ يَنْتَقِلُ إلَى الْفِدْيَةِ لِعَجْزِهِ عَنْهُ وَالطِّفْلُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ وَإِنَّمَا يَجِبُ عَلَى أُمِّهِ وَهِيَ قَدْ أَتَتْ بِبَدَلِهِ وَهُوَ الْقَضَاءُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهَا غَيْرُهُ وَلِأَنَّ الْفِدْيَةَ كَفَّارَةٌ وَهِيَ لَا تَجِبُ عِنْدَهُ بِالْأَكْلِ بِغَيْرِ عُذْرٍ بَلْ لَا تَجِبُ عَلَى الْمَرْأَةِ عِنْدَهُ أَلْبَتَّةَ وَلَوْ بِالْجِمَاعِ فَكَيْفَ تَجِبُ عَلَيْهَا هُنَا بِالْأَكْلِ بِعُذْرٍ وَهَذَا خُلْفٌ

قَالَ رحمه الله (وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي وَهُوَ يَفْدِي فَقَطْ) أَيْ لِلشَّيْخِ الْفَانِي الْفِطْرُ عَلَى نَحْوِ مَا تَقَدَّمَ فِي الْحَامِلِ وَالْمُرْضِعِ مِنْ الْعَطْفِ وَهُوَ وَحْدَهُ يَفْدِي دُونَ غَيْرِهِ مِمَّنْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُمْ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ} [البقرة: 184] أَيْ لَا يُطِيقُونَهُ وَالْعَرَبُ تَحْذِفُ لَا إذَا كَانَ مَوْضِعُهَا ظَاهِرًا كَقَوْلِهِ تَعَالَى {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أَيْ لَا تَفْتَأُ وَرُوِيَ عَنْ عَطَاءٍ أَنَّهُ سَمِعَ ابْنُ عَبَّاسٍ يَقْرَأُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ هِيَ لِلشَّيْخِ الْكَبِيرِ وَالْمَرْأَةِ الْكَبِيرَةِ فَلَا يَسْتَطِيعَانِ أَنْ يَصُومَا فَيُطْعِمَانِ لِكُلِّ يَوْمٍ مِسْكِينًا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ وَغَيْرِهِمْ مِنْ الصَّحَابَةِ - رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ أَجْمَعِينَ - وَلَمْ يُرْوَ عَنْ أَحَدٍ مِنْهُمْ خِلَافُ ذَلِكَ فَكَانَ إجْمَاعًا وَقَالَ مَالِكٌ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ وَهُوَ الْقَوْلُ الْقَدِيمُ لِلشَّافِعِيِّ وَاخْتَارَهُ الطَّحْطَاوِيُّ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ فَأَشْبَهَ الْمَرِيضَ إذَا مَاتَ قَبْلَ الْبُرْءِ وَالْمُسَافِرَ إذَا مَاتَ فِي حَالِ السَّفَرِ فَصَارَ كَالصَّغِيرِ وَالْمَجْنُونِ وَعَنْ سَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ قَالَ «لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ {وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ} [البقرة: 184] كَانَ مَنْ أَرَادَ أَنْ يُفْطِرَ وَيَفْدِيَ فَعَلَ حَتَّى نَزَلَتْ الْآيَةُ الَّتِي بَعْدَهَا نَسَخَتْهَا» وَلَنَا مَا ذَكَرْنَا مِنْ إجْمَاعِ الصَّحَابَةِ، وَرِوَايَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ تُقَدَّمُ عَلَى رِوَايَةِ سَلَمَةَ لِأَنَّهُ أَفْقَهُ وَلَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الْقِيَاسِ مَعَ وُجُودِ النَّصِّ وَالنَّذْرُ الْمُعَيَّنُ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْأَعْذَارِ مِثْلُ رَمَضَانَ وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْفَانِي مُسَافِرًا وَمَاتَ فِي السَّفَرِ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ كَغَيْرِهِ مِنْ الْأَصِحَّاءِ لِأَنَّهُ يُخَالِفُ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ لَا فِي التَّغْلِيظِ

قَالَ رحمه الله (وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ وَيَقْضِي) أَيْ لِمَنْ يَصُومُ النَّفَلَ أَنْ يُفْطِرَ فِي رِوَايَةٍ بِغَيْرِ عُذْرٍ وَهِيَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ لِمَا رَوَى مُسْلِمٌ عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ «دَخَلَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم ذَاتَ يَوْمٍ فَقَالَ هَلْ عِنْدَكُمْ شَيْءٌ فَقُلْنَا لَا قَالَ إنِّي إذًا صَائِمٌ ثُمَّ أَتَى يَوْمًا آخَرَ فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ أُهْدِيَ إلَيْنَا حَيْسٌ فَقَالَ أَرِنِيهِ فَلَقَدْ أَصْبَحْت صَائِمًا فَأَكَلَ» وَزَادَ النَّسَائِيّ وَلَكِنْ أَصُومُ يَوْمًا مَكَانَهُ وَصَحَّحَ هَذِهِ الزِّيَادَةَ أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ الْحَقِّ وَذَكَرَ الْكَرْخِيُّ وَأَبُو بَكْرٍ أَنَّهُ لَيْسَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ إلَّا مِنْ عُذْرٍ لِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه السلام قَالَ إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ ثَبَتَ هَذَا عَنْهُ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

يَذْكُرْ مِثْلَ الْقُدُورِيِّ وَغَيْرِهِ انْتَهَى ع

(قَوْلُهُ وَلِلشَّيْخِ الْفَانِي) وَفِي الْمَنَافِعِ الْفَانِي الَّذِي قَارَبَ الْفَنَاءَ أَوْ الَّذِي فَنِيَتْ قُوَّتُهُ انْتَهَى غَايَةٌ وَفِي جَامِعِ الْبُرْهَانِيِّ فِي تَفْسِيرِهِ أَنْ يَعْجِزَ عَنْ الْأَدَاءِ وَلَا يُرْجَى لَهُ الْأَدَاءُ وَلَا يُرْجَى لَهُ عَوْدُ الْقُوَّةِ وَيَكُونُ مَآلُهُ الْمَوْتَ بِسَبَبِ الْهَرَمِ انْتَهَى كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَكَانَ إجْمَاعًا) وَأَيْضًا لَوْ كَانَ لَكَانَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ لَيْسَتْ بِمَنْسُوخَةٍ مُقَدَّمًا لِأَنَّهُ مِمَّا لَا يُقَالُ بِالرَّأْيِ بَلْ عَنْ سَمَاعٍ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ لِظَاهِرِ الْقُرْآنِ لِأَنَّهُ مُثْبَتٌ فِي نَظْمِ كِتَابِ اللَّهِ فَجَعَلَهُ مَنْفِيًّا بِتَقْدِيرِ حَرْفِ النَّفْيِ لَا يُقَدَّمُ عَلَيْهِ إلَّا بِسَمَاعٍ أَلْبَتَّةَ وَكَثِيرًا مَا يُضْمَرُ حَرْفُ لَا فِي اللُّغَةِ الْعَرَبِيَّةِ فِي التَّنْزِيلِ الْكَرِيمِ {تَاللَّهِ تَفْتَأُ تَذْكُرُ يُوسُفَ} [يوسف: 85] أَيْ لَا تَفْتَأُ وَفِيهِ {يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ أَنْ تَضِلُّوا} [النساء: 176]{رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ} [النحل: 15] وَقَالَ الشَّاعِرُ

فَقُلْت يَمِينَ اللَّهِ أَبْرَحُ قَاعِدًا

وَلَوْ قَطَعُوا رَأْسِي لِدِيكِ وَأَوْصَالِي

أَيْ لَا أَبْرَحُ وَقَالَ

تَنْفَكُّ تَسْمَعُ مَا حَيِيت بِهَالِكٍ حَتَّى تَكُونَهْ

أَيْ لَا تَنْفَكُّ وَرِوَايَةُ الْأَفْقَهِ أَوْلَى وَلِأَنَّ قَوْله تَعَالَى {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ} [البقرة: 184] لَيْسَ نَصًّا فِي نَسْخِ إجَازَةِ الِاقْتِدَاءِ الَّذِي هُوَ ظَاهِرُ اللَّفْظِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِير

قَوْلُهُ قَوْلُهُ لِأَنَّهُ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَيْ عَجْزًا مُسْتَمِرًّا إلَى الْمَوْتِ اهـ هـ فَتْحٌ (قَوْلُهُ يَنْبَغِي أَنْ لَا تَجِبَ عَلَيْهِ الْفِدْيَةُ) أَيْ الْإِيصَاءُ بِالْفِدْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَوْ كَانَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ وَالْهَرِمَةُ مُسَافِرَيْنِ فَلَا فِدْيَةَ عَلَيْهِمَا ذُكِرَ ذَلِكَ فِي كُتُبِ الْحَنَابِلَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِأَنَّهُ مُخَالِفٌ غَيْرَهُ فِي التَّخْفِيفِ إلَخْ) يَعْنِي إنَّمَا يَنْتَقِلُ وُجُوبُ الصَّوْمِ عَلَيْهِ عِنْدَ وُجُودِ سَبَبِ التَّعْيِينِ وَلَا تَعْيِينَ إلَى الْمُسَافِرِ فَلَا حَاجَةَ إلَى الِانْتِقَالِ وَلَا تَجُوزُ الْفِدْيَةُ عَنْ صَوْمٍ هُوَ أَصْلٌ بِنَفْسِهِ لَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ فَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ قَضَاءُ شَيْءٍ مِنْ رَمَضَانَ فَلَمْ يَقْضِهِ حَتَّى صَارَ شَيْخًا فَانِيًا لَا يُرْجَى بُرْؤُهُ جَازَتْ لَهُ الْفِدْيَةُ وَكَذَا لَوْ نَذَرَ صَوْمَ الْأَبَدِ فَضَعُفَ عَنْ الصَّوْمِ لِاشْتِغَالِهِ بِالْمَعِيشَةِ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيُطْعِمَ لِأَنَّهُ اسْتَيْقَنَ أَنْ لَا يَقْدِرَ عَلَى قَضَائِهِ فَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ عَلَى الْإِطْعَامِ لِفَقْرِهِ يَسْتَغْفِرُ اللَّهَ تَعَالَى وَيَسْتَقِيلُهُ وَإِنْ لَمْ يَقْدِرْ لِشِدَّةِ الْحَرِّ كَانَ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ وَيَقْضِيَهُ فِي الشِّتَاءِ إذَا لَمْ يَكُنْ نَذَرَ الْأَبَدَ وَلَوْ نَذَرَ يَوْمًا مُعَيَّنًا فَلَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ فَانِيًا جَازَتْ الْفِدْيَةُ عَنْهُ وَلَوْ وَجَبَ عَلَيْهِ كَفَّارَةُ يَمِينٍ أَوْ قَتْلٍ فَلَمْ يَجِدْ مَا يُكَفِّرُ بِهِ وَهُوَ شَيْخٌ كَبِيرٌ عَاجِزٌ عَنْ الصَّوْمِ أَوْ لَمْ يَصُمْ حَتَّى صَارَ شَيْخًا كَبِيرًا لَا تَجُوزُ لَهُ الْفِدْيَةُ لِأَنَّ الصَّوْمَ هُنَا بَدَلٌ عَنْ غَيْرِهِ وَلِذَا لَا يَجُوزُ الْمَصِيرُ إلَى الصَّوْمِ إلَّا عِنْدَ الْعَجْزِ عَمَّا يُكَفِّرُ بِهِ مِنْ الْمَالِ فَإِنْ مَاتَ فَأَوْصَى بِالتَّكْفِيرِ جَازَ مِنْ ثُلُثِهِ وَهَذَا يَجُوزُ فِي الْفِدْيَةِ طَعَامُ الْإِبَاحَةِ أَكْلَتَانِ مُشْبِعَتَانِ بِخِلَافِ صَدَقَةِ الْفِطْرِ لِلتَّنْصِيصِ عَلَى الصَّدَقَةِ فِيهَا وَالْإِطْعَامِ فِي الْفِدْيَةِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلِلْمُتَطَوِّعِ بِغَيْرِ عُذْرٍ فِي رِوَايَةٍ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله لَا خِلَافَ بَيْنَ أَصْحَابِنَا فِي وُجُوبِ الْقَضَاءِ إذَا أَفْسَدَ عَنْ قَصْدٍ أَوْ غَيْرِ قَصْدٍ بِأَنْ عَرَضَ الْحَيْضُ لِلصَّائِمَةِ الْمُتَطَوِّعَةِ خِلَافًا لِلشَّافِعِيِّ وَإِنَّمَا اخْتِلَافُ الرِّوَايَةِ فِي نَفْسِ الْإِفْطَارِ هَلْ يُبَاحُ أَوْ لَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ لَا إلَّا بِعُذْرٍ وَرِوَايَةُ الْمُنْتَقَى يُبَاحُ بِغَيْرِ عُذْرٍ ثُمَّ اخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ عَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ هَلْ لِلضِّيَافَةِ عُذْرٌ أَوْ لَا قِيلَ نَعَمْ وَقِيلَ لَا وَقِيلَ عُذْرٌ قَبْلَ الزَّوَالِ لَا بَعْدَهُ إلَّا إذَا كَانَ فِي عَدَمِ الْفِطْرِ بَعْدَهُ عُقُوقُ أَحَدِ الْوَالِدَيْنِ حَتَّى لَوْ حَلَفَ عَلَى رَجُلٍ بِالطَّلَاقِ الثَّلَاثِ لَيُفْطِرَنَّ لَا يُفْطِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ صَاحِبُ الطَّعَامِ يَرْضَى بِمُجَرَّدِ حُضُورِهِ وَإِنْ لَمْ يَأْكُلْ لَا يُبَاحُ الْفِطْرُ وَإِنْ كَانَ يَتَأَذَّى بِذَلِكَ يُفْطِرُ وَاعْتِقَادِي أَنَّ رِوَايَةَ الْمُنْتَقَى أَوْجُهُ اهـ

ص: 337

- عليه الصلاة والسلام وَلَوْ كَانَ الْفِطْرُ جَائِزًا لَكَانَ الْأَفْضَلُ الْفِطْرَ لِإِجَابَةِ الدَّعْوَةِ الَّتِي هِيَ السُّنَّةُ وَلَا خِلَافَ بَيْنَهُمْ أَنَّهُ يَجُوزُ لِلْعُذْرِ وَاخْتَلَفُوا فِي الضِّيَافَةِ هَلْ تَكُونُ عُذْرًا قِيلَ لَا تَكُونُ عُذْرًا لِمَا رَوَيْنَا وَقِيلَ تَكُونُ عُذْرًا قَبْلَ الزَّوَالِ لِمَا رَوَى جَابِرٌ «أَنَّ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابًا لَهُ فَلَمَّا جِيءَ بِالطَّعَامِ تَنَحَّى أَحَدُهُمْ فَقَالَ لَهُ عليه الصلاة والسلام مَالَك فَقَالَ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام تَكَلَّفَ لَك أَخُوك وَصَنَعَ ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» وَعَيَّنَهُ الدَّارَقُطْنِيّ وَقَالَ إنَّهُ أَبُو سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَبَعْدَ الزَّوَالِ لَا يَكُونُ عُذْرًا إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ وَكَذَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ يُفْطِرُ قَبْلَ الزَّوَالِ وَلَا يُفْطِرُ بَعْدَهُ وَقَوْلُهُ يَقْضِي مَذْهَبُنَا وَلَا خِلَافَ فِيهِ بَيْنَ الْأَصْحَابِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه لَا يَجِبُ صِيَامُهُ وَلَا قَضَاؤُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الصَّائِمُ الْمُتَطَوِّعُ أَمِيرُ نَفْسِهِ أَوْ أَمِينُ نَفْسِهِ إنْ شَاءَ صَامَ وَإِنْ شَاءَ أَفْطَرَ» وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ صَامَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ نِصْفِ النَّهَارِ» وَلِأَنَّهُ مُتَبَرِّعٌ بِالْأَدَاءِ وَقَدْ مَضَى مَا تَبَرَّعَ بِهِ فَلَا يَلْزَمُهُ مَا لَمْ يَتَبَرَّعْ بِهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ} [التوبة: 91] وَلَنَا مَا رَوَيْنَا وَمَا رُوِيَ عَنْ «عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ أَصْبَحْت أَنَا وَحَفْصَةُ صَائِمَتَيْنِ مُتَطَوِّعَتَيْنِ فَأُهْدِيَ إلَيْنَا طَعَامٌ فَأَفْطَرْنَا عَلَيْهِ فَدَخَلَ عَلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَبَدَرَتْنِي حَفْصَةُ وَكَانَتْ بِنْتَ أَبِيهَا فَسَأَلَتْهُ عَنْ ذَلِكَ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام اقْضِيَا يَوْمًا مَكَانَهُ» ذَكَرَهُ فِي الْمُوَطَّإِ وَالنَّسَائِيُّ وَالتِّرْمِذِيِّ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعَلِيٍّ وَابْنِ عَبَّاسٍ وَغَيْرُهُمْ وَرُوِيَ أَنَّ عُمَرَ خَرَجَ يَوْمًا عَلَى أَصْحَابِهِ فَقَالَ إنِّي أَصْبَحْت صَائِمًا فَمَرَّتْ بِي جَارِيَةٌ لِي فَوَقَعْت عَلَيْهَا فَمَا تَرَوْنَ فَقَالَ عَلِيٌّ أَصَبْت حَلَالًا وَتَقْضِي يَوْمًا مَكَانَهُ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ فُتْيَا وَلِأَنَّ مَا أَتَى بِهِ قُرْبَةٌ فَيَجِبُ صِيَانَتُهُ وَحِفْظُهُ عَنْ الْبُطْلَانِ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] وَلَا يُمْكِنُ ذَلِكَ إلَّا بِإِتْيَانِ الْبَاقِي فَيَجِبُ إتْمَامُهُ وَقَضَاؤُهُ عِنْدَ الْإِفْسَادِ ضَرُورَةً فَصَارَ كَالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ التَّطَوُّعَيْنِ فَإِنْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَوْلُهُ وَقِيلَ تَكُونُ عُذْرًا) أَيْ فِي التَّطَوُّعِ فِي الصَّحِيحِ دُونَ صَوْمِ الْقَضَاءِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا) ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَعَيَّنَهُ) أَيْ عَيَّنَ الَّذِي صَنَعَ الطَّعَامَ أَفَادَهُ شَيْخُنَا اهـ

(قَوْلُهُ إلَّا إذَا كَانَ مِنْ الْأَبَوَيْنِ) أَيْ إلَّا إذَا كَانَ فِيهِ عُقُوقُ الْوَالِدَيْنِ أَوْ أَحَدِهِمَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَكَذَا إذَا حَلَفَ عَلَيْهِ بِالطَّلَاقِ يُفْطِرُ) أَيْ فِي التَّطَوُّعِ دُونَ قَضَاءِ رَمَضَانَ. اهـ. غَايَةٌ نَقْلًا عَنْ الْوَلْوَالِجِيِّ (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ) قَالَ الْكَمَالُ وَأَحْسَنُ مَا يَسْتَدِلُّ بِهِ الشَّافِعِيُّ مَا فِي مُسْلِمٍ وَسَاقَ الْحَدِيثَ السَّابِقَ الَّذِي اسْتَدَلَّ بِهِ الشَّارِحُ عَلَى إبَاحَةِ الْإِفْطَارِ بِغَيْرِ عُذْرٍ. اهـ. (قَوْلُهُ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام اقْضِيَا يَوْمًا إلَخْ) وَحَمْلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَمْرُ نَدْبٍ خُرُوجٌ عَنْ مُقْتَضَاهُ بِغَيْرِ مُوجِبٍ بَلْ هُوَ مَحْفُوفٌ بِمَا يُوجِبُ مُقْتَضَاهُ وَيُؤَكِّدُهُ وَهُوَ مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْله تَعَالَى {وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ} [محمد: 33] كَلَامُ الْمُفَسِّرِينَ فِيهَا عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ لَا تُحْبِطُوا الطَّاعَاتِ بِالْكَبَائِرِ كَقَوْلِهِ تَعَالَى {لا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَكُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِيِّ} [الحجرات: 2] إلَى أَنْ قَالَ {أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ} [الحجرات: 2] وَكَلَامُ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما ظَاهِرٌ فِي أَنَّ هَذَا قَوْلُ الصَّحَابَةِ أَوْ لَا تُبْطِلُوهَا بِمَعْصِيَتِهِمَا أَوْ الْإِبْطَالُ بِالرِّيَاءِ وَالسُّمْعَةِ وَهُوَ قَوْلُ ابْنِ عَبَّاسٍ وَعَنْهُ بِالشَّكِّ وَالنِّفَاقِ أَوْ بِالْعُجْبِ وَالْكُلُّ يُفِيدُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْإِبْطَالِ إخْرَاجُهَا عَنْ أَنْ يَتَرَتَّبَ عَلَيْهَا فَائِدَةٌ أَصْلًا كَأَنَّهَا لَمْ تُوجَدْ وَهَذَا غَيْرُ الْإِبْطَالِ الْمُوجِبِ لِلْقَضَاءِ فَلَا تَكُونُ الْآيَةُ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِ هَذَا الْإِبْطَالِ بَلْ دَلِيلًا عَلَى مَنْعِهِ بِدُونِ قَضَاءٍ فَيَكُونُ دَلِيلُ رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى عَلَى مَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ أَنَّهَا إبَاحَةُ الْفِطْرِ مَعَ إيجَابِ الْقَضَاءِ وَلِهَذَا اخْتَرْنَاهَا لِأَنَّ الْآيَةَ لَا تَدُلُّ بِاعْتِبَارِ الْمُرَادِ مِنْهَا عَلَى سِوَى ذَلِكَ وَالْأَحَادِيثُ الْمَذْكُورَةُ لَا تُفِيدُ سِوَى إيجَابِ الْقَضَاءِ إلَّا مَا كَانَ مِنْ الزِّيَادَةِ فِي رِوَايَةِ الطَّبَرَانِيِّ وَهِيَ قَوْلُهُ وَلَا تَعُودَا وَهِيَ مَعَ كَوْنِهَا مُنْفَرَدًا بِهَا لَا تَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ مُسْلِمٍ الْمُتَقَدِّمِ الِاسْتِدْلَالِ بِهِ لِلشَّافِعِيِّ فَبَعْدَ تَسْلِيمِ ثُبُوتِ الْحُجِّيَّةِ يُحْمَلُ عَلَى النَّدْبِ

وَكَذَا حَدِيثُ الْبُخَارِيِّ «آخَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُبْتَذِلَةً فَقَالَ لَهَا مَا شَأْنُك قَالَتْ أَخُوك أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامٌ فَقَالَ كُلْ فَإِنِّي صَائِمٌ قَالَ مَا آكُلُ حَتَّى تَأْكُلَ فَأَكَلَ فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ نَمْ فَنَامَ ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ فَقَالَ نَمْ فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْل قَالَ لَهُ سَلْمَانُ قُمْ الْآنَ قَالَ فَصَلَّيَا فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ إنَّ لِرَبِّك عَلَيْك حَقًّا وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا وَلِنَفْسِك عَلَيْك حَقًّا وَلِأَهْلِك عَلَيْك حَقًّا فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ فَأَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَذَكَرَ لَهُ ذَلِكَ فَقَالَ صَدَقَ سَلْمَانُ» وَهَذَا مِمَّا اسْتَدَلَّ بِهِ الْقَائِلُونَ بِأَنَّ الضِّيَافَةَ عُذْرٌ وَكَذَا مَا أَسْنَدَهُ الدَّارَقُطْنِيّ إلَى جَابِرٍ قَالَ «صَنَعَ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم طَعَامًا فَدَعَا النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابَهُ فَلَمَّا أَتَى بِالطَّعَامِ تَنَحَّى رَجُلٌ مِنْهُمْ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَالَك قَالَ إنِّي صَائِمٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم تَكَلَّفَ أَخُوك وَصَنَعَ طَعَامًا ثُمَّ تَقُولُ إنِّي صَائِمٌ كُلْ وَصُمْ يَوْمًا مَكَانَهُ» فَإِنَّ كُلًّا مِنْهُمَا يَدُلُّ عَلَى عَدَمِ كَوْنِ الْفِطْرِ مَمْنُوعًا إذْ لَا يُعْهَدُ لِلضِّيَافَةِ أَثَرٌ فِي إسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ وَلِذَا مَنَعَ الْمُحَقِّقُونَ كَوْنَهَا عُذْرًا كَالْكَرْخِيِّ وَأَبِي بَكْرٍ الرَّازِيّ وَاسْتَدَلَّا بِمَا رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «إذَا دُعِيَ أَحَدُكُمْ إلَى طَعَامٍ فَلْيُجِبْ فَإِنْ كَانَ مُفْطِرًا فَلْيَأْكُلْ وَإِنْ كَانَ صَائِمًا فَلْيُصَلِّ» أَيْ فَلْيَدْعُ لَهُمْ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ بِحَالِ هَذَا الْحَدِيثِ

وَقَالَ بَعْضُهُمْ ثَبَتَ مَوْقُوفًا عَلَى أَنَّهُ لَوْ ثَبَتَ لَا يَقْوَى قُوَّةَ حَدِيثِ سَلْمَانَ وَالْحَاصِلُ أَنَّ عَلَى رِوَايَةِ الْمُنْتَقَى تَتَظَافَرُ الْأَدِلَّةُ وَلَا يُعَارِضُ مَا اسْتَدَلَّ الشَّافِعِيُّ مَا يُثْبِتُهَا عَلَى مَا لَا يَخْفَى. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ قَوْلُ الْقُرْطُبِيِّ ذَكَرَهُ الشَّارِحُ (قَوْلُهُ مَكَانَهُ) زَادَ الطَّبَرَانِيُّ وَلَا تَعُودَا. اهـ. فَتْحُ (قَوْلُهُ أَنْتَ أَحْسَنُهُمْ) رَوَاهُ فِي الْمُحَلَّى عَنْ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ. اهـ. غَايَةٌ

ص: 338

قِيلَ وُجُوبُ إتْمَامِ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ بِالْأَمْرِ وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {وَأَتِمُّوا الْحَجَّ وَالْعُمْرَةَ لِلَّهِ} [البقرة: 196] قُلْنَا قَدْ أَمَرَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِإِتْمَامِ الصَّوْمِ أَيْضًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى {ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ} [البقرة: 187] مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ وَكَذَا قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ ذَكَرَهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام إلَّا إنْ تَطَوَّعَ عَقِيبَ قَوْلِ الْأَعْرَابِيّ هَلْ عَلَيَّ غَيْرُهُنَّ يَدُلُّ عَلَى مَا قُلْنَا لِأَنَّ الْأَصْلَ فِي الِاسْتِثْنَاءِ أَنْ يَكُونَ مُتَّصِلًا وَمَا رَوَاهُ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ قَالَ الْقُرْطُبِيُّ فِيهِ لَا يَصِحُّ هَذَا الْحَدِيثُ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ فِي إسْنَادِهِ مَقَالٌ وَكَذَا الْحَدِيثُ الثَّانِي لَا يَصِحُّ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ وَلَئِنْ صَحَّا فَالْمُرَادُ بِالْخِيَارِ مِنْ الْحَدِيثِ الْأَوَّلِ نَفْيُ الْإِجْبَارِ عَلَيْهِ لِأَنَّ الشَّارِعَ وَإِنْ أَمَرَهُ بِالنَّفْلِ لَمْ يُجْبِرْهُ عَلَيْهِ بَلْ اخْتِيَارُهُ بَاقٍ فِيهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ فَعَلَ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] وَالْمُرَادُ مِنْ الْحَدِيثِ الثَّانِي بَيَانُ وَقْتِ الشَّرْعِ فِيهِ لِأَنَّهُ لَا يَجُوزُ بَعْدَ نِصْفِ النَّهَارِ فَيَكُونُ مَعْنَاهُ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَصُومَ تَطَوُّعًا فَهُوَ بِالْخِيَارِ إلَى نِصْفِ النَّهَارِ إنْ شَاءَ شَرَعَ فِيهِ وَإِنْ شَاءَ لَمْ يَشْرَعْ كَمَا يُقَالُ مَنْ دَخَلَ عَلَى السُّلْطَانِ فَلْيَتَأَهَّبْ أَيْ مَنْ أَرَادَ الدُّخُولَ عَلَيْهِ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ) يَوْمَهُ قَضَاءً لِحَقِّ الْوَقْتِ بِالتَّشَبُّهِ (وَلَمْ يَقْضِ شَيْئًا) لِأَنَّ الصَّوْمَ غَيْرُ وَاجِبٍ عَلَيْهِ فِيهِ وَقَالَ زُفَرُ إذَا أَسْلَمَ الْكَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِأَنَّ إدْرَاكَ جُزْءٍ مِنْ الْوَقْتِ بَعْدَ الْإِسْلَامِ كَإِدْرَاكِ كُلِّهِ كَمَا فِي حُكْمِ الصَّلَاةِ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ جَوَابُهُ كَذَلِكَ فِي الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَنَحْنُ نَقُولُ لَا يَتَمَكَّنُ مِنْ أَدَاءِ الصَّوْمِ بِإِدْرَاكِ جُزْءٍ مِنْ النَّهَارِ بِخِلَافِ الصَّلَاةِ وَلِأَنَّ السَّبَبَ فِي الصَّلَاةِ الْجُزْءُ الْمُتَّصِلُ بِالْأَدَاءِ فَوُجِدَتْ الْأَهْلِيَّةُ عِنْدَهُ وَفِي الصَّوْمِ الْجُزْءُ الْأَوَّلُ هُوَ السَّبَبُ وَالْأَهْلِيَّةُ مَعْدُومَةٌ عِنْدَهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إذَا أَدْرَكَا وَقْتَ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِمَا صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ لِإِمْكَانِ تَحْصِيلِهِ وَإِنْ لَمْ يَصُومَا وَجَبَ عَلَيْهِمَا الْقَضَاءُ لِمَا قُلْنَا وَنَحْنُ نَقُولُ إنَّ الصَّوْمَ لَا يَتَجَزَّأُ وُجُوبًا كَمَا لَا يَتَجَزَّأُ أَدَاءً وَأَهْلِيَّةُ الْوُجُوبِ مُنْعَدِمَةٌ فِي أَوَّلِهِ فَلَا يَجِبُ بِخِلَافِ الْمَجْنُونِ إذَا أَفَاقَ فِي بَعْضِ النَّهَارِ حَيْثُ يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَصُومَ ذَلِكَ الْيَوْمَ وَيَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاؤُهُ إنْ لَمْ يَصُمْ وَيُجْزِيهِ عَنْ الْوَاجِبِ إنْ نَوَاهُ فِي وَقْتِهِ لِأَنَّ غَيْرَ الْمُسْتَوْعَبِ مِنْهُ كَالْمَرِيضِ وَلِهَذَا يَجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَلَوْ نَوَى الْكَافِرُ الَّذِي أَسْلَمَ تَطَوُّعًا لَا يُجْزِيهِ عَنْ التَّطَوُّعِ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَهْلِ التَّطَوُّعِ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ بِخِلَافِ الصَّبِيِّ الَّذِي بَلَغَ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَكُونَ فِي رَمَضَانَ أَوْ غَيْرِهِ وَقِيلَ فِي غَيْرِ رَمَضَانَ يَلْزَمُهُمَا بِالشُّرُوعِ فِيهِ نَهَارًا حَتَّى لَوْ أَفْسَدَاهُ وَجَبَ عَلَيْهِمَا قَضَاؤُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ قِيلَ إنَّهُ مُسْتَحَبٌّ لِأَنَّهُ مُفْطِرٌ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ وَقِيلَ وَاجِبٌ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام أَمَرَ بِذَلِكَ يَوْمَ عَاشُورَاءَ حِينَ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِمَا رَوَيْنَا وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ وَلَمْ يَكُنْ فِي أَوَّلِهِ كَذَلِكَ كَالْحَائِضِ إذَا طَهُرَتْ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

( قَوْلُهُ لِأَنَّ فِي طَرِيقِهِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ وَهُوَ مَتْرُوكٌ) ذَكَرَهُ الْقُرْطُبِيُّ فِي شَرْحِ الْمُوَطَّإِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَنَظِيرُهُ قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ شَاءَ فَلْيُؤْمِنْ وَمَنْ شَاءَ فَلْيَكْفُرْ} [الكهف: 29] لَيْسَ مَا فِي الْآيَةِ نَظِيرُ مَا فِي الْحَدِيثِ إذْ الْأَمْرُ فِي الْآيَةِ لِلتَّهْدِيدِ وَفِي الْحَدِيثِ لِلتَّخْيِيرِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ بَلَغَ صَبِيٌّ أَوْ أَسْلَمَ كَافِرٌ أَمْسَكَ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا بَقِيَّةَ يَوْمِهِ اهـ ع (قَوْلُهُ بِالتَّشَبُّهِ) أَيْ بِالصَّائِمِينَ (قَوْلُهُ وَلَمْ يَقْضِ) أَيْ كُلٌّ مِنْهُمَا اهـ ع

(فَرْعٌ) وَفِي الْمُجْتَبَى قَالَ أَبُو بَكْرٍ الرَّازِيّ يُؤْمَرُ الصَّبِيُّ بِالصَّوْمِ إذَا أَطَاقَهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ كَذَلِكَ لَكِنَّهُ قَالَ لَا يُجْزِيهِ إلَّا بَعْدَ الْبُلُوغِ وَتُجْزِيهِ الصَّلَاةُ قَبْلَهُ وَقَالَ مَالِكٌ لَا يُؤْمَرُ حَتَّى يَبْلُغَ وَذَكَرَ أَبُو جَعْفَر اخْتِلَافَ مَشَايِخِ بَلْخٍ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ يُؤْمَرُ بِهِ إذَا أُمِرَ فَلَمْ يَصُمْ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَسُئِلَ أَبُو جَعْفَرٍ يُضْرَبُ ابْنُ عَشْرِ سِنِينَ عَلَى الصَّوْمِ كَمَا يُضْرَبُ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ لَا يُضْرَبُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الصَّلَاةِ فَيُضْرَبُ وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَالثَّوْرِيُّ وَاللَّيْثُ اهـ كَاكِيٌّ قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ مَا نَصُّهُ وَفِي الذَّخِيرَةِ الْمَالِكِيَّةِ صَوْمُ الصَّبِيِّ وَحَجُّهُ وَصَلَاتُهُ لَيْسَتْ بِشَرْعِيَّةٍ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ بَلْ ذَلِكَ تَمْرِينٌ لِلصَّبِيِّ (قُلْت) قَدْ نَقَلَ هَذَا غَيْرُهُ مِنْ الطَّوَائِفِ الثَّلَاثِ عَنْ الْإِمَامِ وَنَقْلُهُمْ غَلَطٌ مَحْظُورٌ وَمَا أَعْلَمُ أَيَّ شَيْءٍ مُسْتَنَدُ نَقْلِهِمْ الْبَاطِلِ بَلْ اعْتِكَافُ الصَّبِيِّ وَصَوْمُهُ وَصَلَاتُهُ وَحَجُّهُ صَحِيحٌ شَرْعِيٌّ بِلَا خِلَافٍ وَأَجْرُهُ لَهُ دُونَ أَبَوَيْهِ ذَكَرَهُ فِي الْفَتَاوَى وَغَيْرِهَا

(قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي هَذَا الْإِمْسَاكِ) يَعْنِي الْإِمْسَاكَ فِي رَمَضَانَ بَعْدَ مَا أَفْطَرَ. اهـ. (قَوْلُهُ حِينَ كَانَ صَوْمُهُ وَاجِبًا) أَيْ وَقَدْ تَقَدَّمَ الْحَدِيثُ عِنْدَ قَوْلِهِ صَحَّ صَوْمُ رَمَضَانَ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ كُلُّ مَنْ صَارَ أَهْلًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ بِصِفَةٍ فِي أَثْنَاءِ النَّهَارِ أَوْ قَارَنَ ابْتِدَاءُ وُجُودِهَا طُلُوعَ الْفَجْرِ وَتِلْكَ الصِّفَةُ بِحَيْثُ لَوْ كَانَتْ قَبْلَهُ وَاسْتَمَرَّتْ مَعَهُ وَجَبَ عَلَيْهِ الصَّوْمُ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ تَشَبُّهًا كَالْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ يَطْهُرَانِ بَعْدَ الْفَجْرِ أَوْ مَعَهُ وَالْمَجْنُونِ يُفِيقُ وَالْمَرِيضِ يَقْوَى وَالْمُسَافِرِ يَقْدَمُ بَعْدَ الزَّوَالِ أَوْ قَبْلَهُ بَعْدَ الْأَكْلِ أَمَّا إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ فَيَجِبُ عَلَيْهِ الصَّوْمُ كَمَا فِي الْكِتَابِ وَكَذَا لَوْ كَانَ نَوَى الْفِطْرَ وَلَمْ يُفْطِرْ حَتَّى قَدِمَ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَجَبَ عَلَيْهِ نِيَّةُ الصَّوْمِ وَاَلَّذِي أَفْطَرَ عَمْدًا أَوْ خَطَأً أَوْ مُكْرَهًا أَوْ أَكَلَ يَوْمَ الشَّكِّ ثُمَّ اسْتَبَانَ أَنَّهُ مِنْ رَمَضَانَ أَوْ أَفْطَرَ عَلَى ظَنِّ غُرُوبِ الشَّمْسِ أَوْ تَسَحَّرَ بَعْدَ الْفَجْرِ وَقِيلَ الْإِمْسَاكُ مُسْتَحَبٌّ لَا وَاجِبٌ لِقَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فِي الْحَائِضِ تَطْهُرُ نَهَارًا لَا يَحْسُنُ أَنْ تَأْكُلَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَالصَّحِيحُ الْوُجُوبُ لِأَنَّ مُحَمَّدًا قَالَ فَلْيَصُمْ وَقَالَ فِي الْحَائِضِ فَلْتَدَعْ وَقَوْلُ الْإِمَامِ لَا يَحْسُنُ تَعْلِيلًا لِلْوُجُوبِ أَيْ لَا يَحْسُنُ بَلْ يَقْبُحُ وَقَدْ صَرَّحَ بِهِ فِي بَعْضِهَا فَقَالَ فِي الْمُسَافِر إذَا أَقَامَ بَعْدَ الزَّوَالِ إنِّي أَسْتَقْبِحُ أَنْ يَأْكُلَ وَيَشْرَبَ وَالنَّاسُ صِيَامٌ وَهُوَ مُقِيمٌ فَبَيَّنَ مُرَادَهُ بِعَدَمِ الِاسْتِحْسَانِ وَلِأَنَّهُ الْمُوَافِقُ لِلدَّلِيلِ وَهُوَ مَا ثَبَتَ مِنْ أَمْرِهِ صلى الله عليه وسلم بِالْإِمْسَاكِ لِمَنْ أَكَلَ فِي يَوْمِ عَاشُورَاءَ

ص: 339

وَالْمُسَافِرِ إذَا قَدِمَ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ لَا يُمْسِكُ إلَّا مَنْ كَانَ أَهْلًا لِلصَّوْمِ فِي أَوَّلِهِ كَالْمُفْطِرِ عَمْدًا أَوْ خَطَأً بِأَنْ تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الْفَجْرَ لَمْ يَطْلُعْ أَوْ أَفْطَرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا الْفَجْرُ طَالِعٌ وَالشَّمْسُ لَمْ تَغْرُبْ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ تَشَبُّهًا خَلَفٌ عَنْ الصَّوْمِ فَلَا يَجِبُ إلَّا عَلَى مَنْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْأَصْلُ أَلَا تَرَى أَنَّ الْحَائِضَ وَالنُّفَسَاءَ وَالْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ لِمَا قُلْنَا فَكَذَا هَذَا وَنَحْنُ نَقُولُ الْإِمْسَاكُ أَصْلٌ وَلَيْسَ بِخَلَفٍ عَنْ الصَّوْمِ وَإِنَّمَا لَا يَجِبُ عَلَى مَنْ ذَكَرَهُمْ لِأَنَّ الْمَانِعَ مِنْ التَّشَبُّهِ قَدْ تَحَقَّقَ فِيهِمْ كَمَا تَحَقَّقَ فِي حَقِّ الصَّوْمِ فِي حَقِّهِمْ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ ثُمَّ قَدِمَ وَنَوَى الصَّوْمَ فِي وَقْتِهِ صَحَّ) أَيْ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ وَهُوَ قَبْلَ أَنْ يَنْتَصِفَ النَّهَارُ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي أَهْلِيَّةَ الصَّوْمِ وُجُوبًا وَأَدَاءً وَإِنَّمَا هُوَ مُرَخِّصٌ فَقَطْ فَإِذَا زَالَ الْتَحَقَ بِالْمُقِيمِ لِانْعِدَامِ الْمُرَخَّصِ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ أَنْ يَكُونَ الصَّوْمُ فَرْضًا أَوْ نَفْلًا وَلِهَذَا قَالَ صَحَّ لِأَنَّهُمَا لَا يَخْتَلِفَانِ فِي الصِّحَّةِ وَإِنَّمَا يَخْتَلِفَانِ فِي اللُّزُومِ حَتَّى يَلْزَمَهُ أَنْ يَنْوِيَ إذَا كَانَ ذَلِكَ فِي رَمَضَانَ لِأَنَّ السَّفَرَ لَا يُنَافِي وُجُوبَ الصَّوْمِ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَوْ نَوَى الصَّوْمَ وَهُوَ مُسَافِرٌ فِي رَمَضَانَ لَا يَجُوزُ لَهُ أَنْ يُفْطِرَ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ فَهَذَا أَوْلَى غَيْرَ أَنَّهُ لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ أَوْ آخِرِهِ كَمَا يَسْقُطُ الْحَدُّ بِالنِّكَاحِ الْفَاسِدِ لِلشُّهْبَةِ قَالَ رحمه الله (وَيَقْضِي بِإِغْمَاءٍ سِوَى يَوْمٍ حَدَثَ فِي لَيْلَتِهِ) أَيْ يَقْضِي إذَا فَاتَهُ الصَّوْمُ بِسَبَبِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّهُ نَوْعُ مَرَضٍ لَا يُزِيلُ الْحِجَا وَيُضْعِفُ الْقُوَى فَلَا يُنَافِي فِي الْوُجُوبِ وَلَا الْأَدَاءِ وَلَا يَقْضِي يَوْمًا حَدَثَ فِي لَيْلَتِهِ الْإِغْمَاءُ لِوُجُودِ الصَّوْمِ فِيهِ إذْ الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَنْوِي مِنْ اللَّيْلِ حَمْلًا لِحَالِ الْمُسْلِمِ عَلَى الصَّلَاحِ حَتَّى لَوْ كَانَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ أَوْ مُسَافِرًا قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ مَا يَدُلُّ عَلَى وُجُودِ النِّيَّةِ وَإِنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ رَمَضَانَ كُلَّهُ قَضَاهُ كُلَّهُ إلَّا أَوَّلَ يَوْمٍ مِنْهُ لِمَا قُلْنَا وَإِنْ كَانَ الْإِغْمَاءُ حَدَثَ فِي شَعْبَانَ قَضَاهُ كُلَّهُ لِعَدَمِ النِّيَّةِ قَالَ رحمه الله (وَبِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ) أَيْ يَقْضِي إذَا فَاتَهُ بِجُنُونٍ غَيْرِ مُمْتَدٍّ وَهُوَ أَنْ يَكُونَ جُنُونُهُ غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ لِشَهْرِ رَمَضَانَ وَالْمُمْتَدُّ الْمُسْتَوْعِبُ لَهُ فَلَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ يَلْحَقُهُ الْحَرَجُ بِهِ وَهُوَ مَدْفُوعٌ وَقَالَ مَالِكٌ يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ اعْتِبَارًا بِالْإِغْمَاءِ، وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الْحَرَجِ لَا سِيَّمَا إذَا تَوَالَى عَلَيْهِ سِنِينَ بِخِلَافِ الْإِغْمَاءِ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ نَادِرٌ فَلَا يُعْتَبَرُ وَإِنْ كَانَ غَيْرَ مُسْتَوْعِبٍ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ لَا يُحْرِجُ وَالسَّبَبُ قَدْ تَحَقَّقَ وَالْأَهْلِيَّةُ بِالذِّمَّةِ فَأَمْكَنَ الْقَوْلُ بِوُجُوبِهِ وَقَالَ زُفَرُ وَالشَّافِعِيُّ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ فَرْعٌ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ وَهُوَ مُنْتَفٍ لِعَدَمِ الْأَهْلِيَّةِ فَكَذَا مَا يُبْنَى عَلَيْهِ وَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ أَنَّ الْقَضَاءَ يَتَرَتَّبُ عَلَى وُجُوبِ الْأَدَاءِ بَلْ يَجِبُ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ السَّبَبِ وَجَبَ أَدَاؤُهُ أَوْ لَمْ يَجِبْ أَلَا تَرَى أَنَّ النَّائِمَ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَهُوَ مَرْفُوعٌ عَنْهُ الْقَلَمُ فِي حَقِّ الْأَدَاءِ وَكَذَا الْمُسَافِرُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْأَدَاءِ وَهَذَا لِأَنَّ نَفْسَ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ بِوُجُودِ السَّبَبِ وَوُجُوبِ الْأَدَاءِ بِالْمُطَالَبَةِ فَإِذَا وَجَبَ عَلَيْهِ لَا يُطَالَبُ بِالْأَدَاءِ إلَّا إذَا كَانَ قَادِرًا عَلَيْهِ وَذَلِكَ بِالْعَقْلِ الْمُمَيِّزِ وَنَفْسِ الْوُجُوبِ فِي الذِّمَّةِ فَيُشْتَرَطُ أَنْ تَكُونَ الذِّمَّةُ صَالِحَةً لِلْوُجُوبِ وَبَنُو آدَمَ ذِمَّتُهُمْ صَالِحَةٌ لَهُ أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ حُقُوقُ الْعِبَادِ إذَا وُجِدَ مِنْهُ سَبَبُهُ ثُمَّ يُؤَخَّرُ عَنْهُ الْأَدَاءُ إلَى وُجُودِ الْقُدْرَةِ فَكَذَا هَذَا ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ وَالْعَارِضِيِّ وَعَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ فَرَّقَ بَيْنَهُمَا فَأَلْحَقَ الْأَصْلِيَّ بِالصِّبَا وَاخْتَارَهُ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ اعْلَمْ أَنَّ الْأَعْذَارَ أَرْبَعَةُ أَقْسَامٍ مَا لَا يَمْتَدُّ غَالِبًا كَالنَّوْمِ فَلَا يَسْقُطُ بِهِ شَيْءٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

حِينَ كَانَ وَاجِبًا وَلَا يَخْفَى عَلَى مُتَأَمِّلٍ فَوَائِدُ قُيُودِ الضَّابِطِ وَقُلْنَا كُلُّ مَنْ تَحَقَّقَ أَوْ قَارَنَ وَلَمْ نَقُلْ مَنْ صَارَ بِصِفَةٍ إلَى آخِرِهِ لِيَشْمَلَ مَنْ أَكَلَ فِي نَهَارِ رَمَضَانَ عَمْدًا لِأَنَّ الصَّيْرُورَةَ لِلتَّحَوُّلِ وَلَوْ لِامْتِنَاعِ مَا يَلِيهِ وَلَا يَتَحَقَّقُ الْمُفَادُ بِهِمَا فِيهِ. اهـ.

(قَوْلُهُ وَلَوْ نَوَى الْمُسَافِرُ الْإِفْطَارَ) قَالَ الْكَمَالُ ثُمَّ نِيَّةُ الْإِفْطَارِ لَيْسَتْ بِشَرْطٍ بَلْ إذَا قَدِمَ قَبْلَ الزَّوَالِ وَالْأَكْلِ وَجَبَ عَلَيْهِ صَوْمُ ذَلِكَ الْيَوْمِ تَوَسُّعًا. اهـ. (قَوْلُهُ وَإِنَّمَا هُوَ مُرَخَّصٌ فَقَطْ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله وَاعْلَمْ أَنَّ إبَاحَةَ الْفِطْرِ لِلْمُسَافِرِ إذَا لَمْ يَنْوِ الصَّوْمَ فَإِذَا نَوَاهُ لَيْلًا وَأَصْبَحَ مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْقُضَ عَزِيمَتَهُ قَبْلَ الْفَجْرِ أَصْبَحَ صَائِمًا فَلَا يَحِلُّ فِطْرُهُ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ لَكِنْ لَوْ أَفْطَرَ فِيهِ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّ السَّبَبَ الْمُبِيحَ مِنْ حَيْثُ الصُّورَةُ وَهُوَ السَّفَرُ قَائِمٌ فَأَوْرَثَ شُبْهَةً وَبِهَا تَنْدَفِعُ الْكَفَّارَةُ اهـ

(قَوْلُهُ فَهَذَا أَوْلَى) وَجْهُ الْأَوْلَوِيَّةِ هُوَ أَنَّ الْمُرَخِّصَ وَهُوَ السَّفَرُ قَائِمٌ وَقْتَ الْإِفْطَارِ فِي تِلْكَ الْمَسْأَلَةِ وَمَعَ ذَلِكَ لَمْ يُبَحْ لَهُ الْإِفْطَارُ فَلَأَنْ لَا يُبَاحَ لَهُ الْإِفْطَارُ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ وَالْمُرَخِّصُ لَيْسَ بِقَائِمٍ وَقْتَ الْفِطْرِ بِالطَّرِيقِ الْأَوْلَى اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَسْأَلَتَيْنِ) مَسْأَلَةُ الْمَتْنِ وَالْمَسْأَلَةُ الْمُسْتَوْضَحُ بِهَا (قَوْلُهُ لِوُجُودِ الشُّبْهَةِ وَهُوَ السَّفَرُ فِي أَوَّلِهِ) رَاجِعٌ إلَى مَسْأَلَةِ الْمَتْنِ وَقَوْلُهُ أَوْ آخِرِهِ رَاجِعٌ إلَى الْمَسْأَلَةِ الْمُسْتَوْضَحِ بِهَا. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا يُزِيلُ الْحِجَا) أَيْ الْعَقْلَ وَلِهَذَا اُبْتُلِيَ بِهِ مَنْ هُوَ مَعْصُومٌ مِنْ زَوَالِ الْعَقْلِ صلى الله عليه وسلم عَلَى مَا أَسْلَفْنَاهُ فِي بَابِ الْإِمَامَةِ. اهـ. فَتْحٌ

(قَوْلُهُ ثُمَّ لَا فَرْقَ بَيْنَ الْجُنُونِ الْأَصْلِيِّ إلَى آخِرِهِ) وَالْمُرَادُ بِالْأَصْلِيِّ مَا يَكُونُ مُتَّصِلًا بِالصِّبَا بِأَنْ بَلَغَ مَجْنُونًا وَمِنْ الْعَارِضِ هُوَ أَنْ يَبْلُغَ مُفِيقًا ثُمَّ يُجَنَّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَفِي الْمَبْسُوطِ لَوْ كَانَ جُنُونُهُ أَصْلِيًّا فَالْمَحْفُوظُ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءٌ مَا مَضَى لِأَنَّ ابْتِدَاءَ الْخِطَابِ يَتَوَجَّهُ عَلَيْهِ الْآنَ فَصَارَ بِمَنْزِلَةِ الصَّبِيِّ إذَا بَلَغَ وَرَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُف أَنَّهُ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ فِي الْقِيَاسِ وَلَكِنِّي أَسْتَحْسِنُ فَأُوجِبُ عَلَيْهِ قَضَاءَ مَا مَضَى لِأَنَّ الْأَصْلَ لَا يُفَارِقُ الطَّارِئَ فِي شَيْءٍ مِنْ الْأَحْكَامِ فَكَذَا فِي الصَّوْمِ وَلَيْسَ فِيهِ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَاخْتَلَفَ فِيهِ الْمُتَأَخِّرُونَ عَلَى قِيَاسِ مَذْهَبِهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَيْسَ عَلَيْهِ قَضَاءُ مَا مَضَى وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْعَارِضِيُّ) أَيْ وَبَيْنَ أَنْ يُفِيقَ الْمَجْنُونُ فِي وَقْتِ النِّيَّةِ مِنْ آخَرِ يَوْمٍ أَوْ بَعْدَهُ خِلَافًا لِمَا قَالَهُ الْحَلْوَانِيُّ وَإِنْ اخْتَارَهُ بَعْضُهُمْ. اهـ. فَتْحٌ

ص: 340

مِنْ الْعِبَادَاتِ لِعَدَمِ الْحَرَجِ وَلِهَذَا لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ وِلَايَةٌ لِأَحَدِ بِسَبَبِهِ وَمَا يَمْتَدُّ خِلْقَةً كَالصِّبَا فَيَسْقُطُ بِهِ جَمِيعُ الْعِبَادَاتِ لِدَفْعِ الْحَرَجِ عَنْهُ وَمَا يَمْتَدُّ وَقْتَ الصَّلَاةِ لَا وَقْتَ الصَّوْمِ غَالِبًا كَالْإِغْمَاءِ فَإِنْ امْتَدَّ فِي الصَّلَاةِ بِأَنْ زَادَ عَلَى يَوْمٍ وَلَيْلَةٍ جُعِلَ عُذْرًا دَفْعًا لِلْحَرَجِ لِكَوْنِهِ غَالِبًا وَلَمْ يُجْعَلْ عُذْرًا فِي الصَّوْمِ لِأَنَّ امْتِدَادَهُ شَهْرًا نَادِرٌ فَلَمْ يَكُنْ فِي إيجَابِهِ حَرَجٌ وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّهُ لَا يَمْتَدُّ طَوِيلًا أَنَّهُ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ لَوْ امْتَدَّ طَوِيلًا لَهَلَكَ وَبَقَاءُ حَيَاتِهِ بِدُونِهِمَا نَادِرٌ وَلَا حَرَجَ فِي النَّوَادِرِ وَمَا يَمْتَدُّ وَقْتَ الصَّلَاةِ وَالصَّوْمِ وَقَدْ لَا يَمْتَدُّ وَهُوَ الْجُنُونُ فَإِنْ امْتَدَّ فِيهِمَا أَسْقَطَهُمَا وَإِلَّا فَلَا

قَالَ رحمه الله (وَبِإِمْسَاكٍ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَفِطْرٍ) أَيْ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ أَمْسَكَ فِي رَمَضَانَ عَنْ الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ بِلَا نِيَّةِ صَوْمٍ وَلَا فِطْرٍ وَقَالَ زُفَرُ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى عِنْدَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ لِأَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ هُوَ الْإِمْسَاكُ وَقَدْ وُجِدَ وَهَذَا لِأَنَّهُ مُتَعَيَّنٌ بِأَصْلِهِ وَوَصْفِهِ فَعَلَى أَيِّ وَجْهٍ أَتَى بِهِ وَقَعَ عَنْهُ كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ وَلَنَا أَنَّ الْمُسْتَحَقَّ عَلَيْهِ الْإِمْسَاكُ بِجِهَةِ الْعِبَادَةِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَمَا أُمِرُوا إِلا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ} [البينة: 5] وَالْإِخْلَاصُ لَا يَكُونُ بِدُونِ النِّيَّةِ وَيَلْزَمُ عَلَى مَا قَالَهُ زُفَرُ أَنْ تَكُونَ الْعِبَادَةُ مِنْ غَيْرِ فِعْلِ الْعَبْدِ وَأَنْ تَكُونَ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِ وَهَذَا خُلْفٌ وَفِي هِبَةِ النِّصَابِ وُجِدَتْ مِنْهُ نِيَّةُ الْقُرْبَةِ عَلَى مَا مَرَّ مِنْ قَبْلُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ يَعْنِي لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ إنْ لَمْ يَأْكُلْ وَتَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ إنْ أَكَلَ عِنْدَ زُفَرَ لِأَنَّهُ صَائِمٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الْحُكْمُ عَلَى عَكْسِهِ لِأَنَّهُ غَيْرُ صَائِمٍ وَعِنْدَهُمَا إنْ أَكَلَ بَعْدَ الزَّوَالِ فَكَذَلِكَ كَمَا قَالَهُ أَبُو حَنِيفَةَ وَإِنْ أَكَلَ قَبْلَ الزَّوَالِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ فَوَّتَ بِهِ إمْكَانَ التَّحْصِيلِ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ

قَالَ رحمه الله (وَلَوْ قَدِمَ مُسَافِرٌ أَوْ طَهُرَتْ حَائِضٌ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

قَالَ فِي الْهِدَايَةِ ثُمَّ هَذَا ظَاهِرُ الرِّوَايَةِ وَقَالَ فِي الْقَاضِي خَانْ هُوَ الصَّحِيحُ اهـ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْبَدَائِعِ فِي الْجُنُونِ الْعَارِضِيِّ إذَا أَفَاقَ فِي أَوَّلِهِ أَوْ فِي وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِهِ قَضَى جَمِيعَهُ وَفِي الْأَصْلِ رُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ سَوَّى بَيْنَهُمَا وَقَالَ يَقْضِي مَا مَضَى مِنْ الشَّهْرِ وَهَكَذَا رَوَى هِشَامٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ اهـ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَمَنْ جُنَّ رَمَضَانَ كُلَّهُ لَمْ يَقْضِهِ اهـ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ أَيْ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ مِنْ أَوَّلِ اللَّيْلَةِ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مُفِيقًا فِي أَوَّلِ اللَّيْلَةِ ثُمَّ جُنَّ وَأَصْبَحَ مَجْنُونًا إلَى آخِرِ الشَّهْرِ قَضَى صَوْمَ الشَّهْرِ كُلِّهِ بِالِاتِّفَاقِ غَيْرَ يَوْمِ تِلْكَ اللَّيْلَةِ ذَكَرَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فِي أُصُولِهِ وَفِي جَمِيعِ النَّوَازِلِ إذَا أَفَاقَ فِي أَوَّلِ لَيْلَةٍ مِنْ رَمَضَانَ ثُمَّ أَصْبَحَ مَجْنُونًا وَاسْتَوْعَبَ الشَّهْرَ اخْتَلَفَ فِيهِ أَئِمَّةُ بُخَارَى وَالْفَتْوَى عَلَى أَنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ اللَّيْلَةَ لَا يُصَامُ فِيهَا وَكَذَا لَوْ أَفَاقَ فِي لَيْلَةٍ مِنْ وَسَطِهِ أَوْ فِي آخِرِ يَوْمٍ مِنْ رَمَضَانَ بَعْدَ الزَّوَالِ كَذَا فِي الْمُجْتَبَى وَقَالَ الْحَلْوَانِيُّ الْمُرَادُ مِنْ قَوْلِهِ كُلَّهُ مِقْدَارُ مَا يُمْكِنُهُ ابْتِدَاءُ الصَّوْمِ حَتَّى لَوْ أَفَاقَ بَعْدَ الزَّوَالِ مِنْ الْيَوْمِ الْأَخِيرِ مِنْ رَمَضَانَ لَا يَلْزَمُهُ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الصَّوْمَ لَا يَصِحُّ فِيهِ كَاللَّيْلِ هُوَ الصَّحِيحُ كَذَا فِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ اهـ وَلَوْ أَسْلَمَ الْكَافِرُ فِي دَارِ الْحَرْبِ وَعَلِمَ بِوُجُوبِ الصَّوْمِ بَعْدَ رَمَضَانَ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَلَوْ عَلِمَ فِي خِلَالِهِ فَالظَّاهِرُ أَنَّهُ وَالْمَجْنُونَ سَوَاءٌ. اهـ. دِرَايَةٌ (فَرْعٌ) ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ جُنَّ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ أَفَاقَ فِي رَمَضَانَ آخَرَ بَعْدَ سِنِينَ قَضَى الشَّهْرَ الَّذِي جُنَّ فِيهِ وَاَلَّذِي أَفَاقَ فِيهِ وَلَمْ يَقْضِ مَا بَيْنَهُمَا مِنْ السِّنِينَ لِاسْتِيعَابِهِ فِيمَا بَيْنَهُمَا. اهـ.

(قَوْلُهُ لِأَنَّ صَوْمَ رَمَضَانَ يَتَأَدَّى عِنْدَهُ بِدُونِ النِّيَّةِ إلَى آخِرِهِ) وَكَانَ أَبُو الْحَسَنِ الْكَرْخِيُّ يُنْكِرُ هَذَا الْمَذْهَبَ لِزُفَرَ وَيَقُولُ الْمَذْهَبُ عِنْدَهُ أَنَّ صَوْمَ جَمِيعِ الشَّهْرِ يَتَأَدَّى بِنِيَّةٍ وَاحِدَةٍ كَمَا هُوَ قَوْلُ مَالِكٍ وَأَحْمَدَ لِأَنَّهُ عِبَادَةٌ وَاحِدَةٌ فَيُشْتَرَطُ النِّيَّةُ فِي أَوَّلِهَا كَرَكَعَاتِ الصَّلَاةِ الْوَاحِدَةِ وَقَالَ أَبُو الْيُسْرِ هَذَا قَوْلٌ قَالَهُ زُفَرُ فِي صِغَرِهِ ثُمَّ رَجَعَ عَنْهُ كَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَالْفَوَائِدِ الظَّهِيرِيَّةِ اهـ

(قَوْلُهُ فِي حَقِّ الصَّحِيحِ الْمُقِيمِ) قُيِّدَ بِهِمَا لِأَنَّ الْمُسَافِرَ وَالْمَرِيضَ لَا بُدَّ لَهُمَا مِنْ النِّيَّةِ اتِّفَاقًا لِعَدَمِ التَّعْيِينِ فِي حَقِّهِمَا. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ كَمَا إذَا وَهَبَ كُلَّ النِّصَابِ مِنْ الْفَقِيرِ) أَيْ عَلَى مَذْهَبِكُمْ فَهُوَ إلْزَامِيٌّ مِنْ زُفَرَ بِهِ فَإِنَّ إعْطَاءَ النِّصَابِ فَقِيرًا وَاحِدًا عِنْدَهُ لَا يَقَعُ بِهِ عَنْ الزَّكَاةِ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَقِيلَ تَأْوِيلُهُ أَنْ يَكُونَ الْفَقِيرُ مَدْيُونًا فَعِنْدَ ذَلِكَ يَجُوزُ أَدَاءُ النِّصَابِ إلَيْهِ زَكَاةً بِالِاتِّفَاقِ اهـ (قَوْلُهُ وَثَمَرَةُ الْخِلَافِ تَظْهَرُ فِي لُزُومِ الْقَضَاءِ وَوُجُوبِ الْكَفَّارَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي ثُمَّ فِي وَضْعِ الْمَسْأَلَةِ إشْكَالٌ لِأَنَّا ذَكَرْنَا فِيمَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ بَعْدَمَا غَرَبَتْ الشَّمْسُ مِنْ اللَّيْلَةِ الْأُولَى مِنْ رَمَضَانَ أَنَّهُ يُعْتَبَرُ صَائِمًا فِي يَوْمِهَا وَلَمْ يُعْرَفْ مِنْهُ نِيَّةُ الصَّوْمِ وَالْفِطْرِ لِأَنَّا حَمَلْنَا أَمْرَهُ عَلَى النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ وَهُنَا لَمْ يُحْمَلْ أَمْرُهُ عَلَى النِّيَّةِ بِنَاءً عَلَى الظَّاهِرِ وَتَأْوِيلُهَا أَنْ يَكُونَ مُسَافِرًا أَوْ مَرِيضًا لَا يَنْوِي شَيْئًا وَذَا مُطْلَقٌ لَهُ فَلَا يَصْلُحُ حَالُهُ دَلِيلًا عَلَى الْعَزِيمَةِ أَوْ رَجُلًا مُتَهَتِّكًا اعْتَادَ الْفِطْرَ فِي رَمَضَانَ وَحَالُ مِثْلِهِ لَا يَدُلُّ عَلَى عَزِيمَةِ الصَّوْمِ اهـ قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله عِنْدَ قَوْلِهِ فِي الْمَتْنِ وَمَنْ لَمْ يَنْوِ فِي رَمَضَانَ كُلِّهِ لَا صَوْمًا وَلَا فِطْرًا إلَى آخِرِهِ وَمَنْ حَقَّقَ تَرْكِيبَ الْكِتَابِ وَهُوَ قَوْلُهُ مَنْ لَمْ يَنْوِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ جَزَمَ بِأَنَّ هَذَا التَّأْوِيلَ تَكَلُّفٌ مُسْتَغْنًى عَنْهُ بِخِلَافِ مَنْ أُغْمِيَ عَلَيْهِ فَإِنَّ الْإِغْمَاءَ قَدْ يُوجِبُ نِسْيَانَهُ حَالَ نَفْسِهِ بَعْدَ الْإِفَاقَةِ فَيَنْبَنِي الْأَمْرُ فِيهِ عَلَى الظَّاهِرِ مِنْ حَالِهِ وَهُوَ وُجُودُ النِّيَّةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ مُتَهَتِّكًا يَعْتَادُ الْأَكْلَ فَيُفْتَى بِلُزُومِ صَوْمِهِ ذَلِكَ الْيَوْمَ أَيْضًا لِأَنَّ لَا يَصْلُحُ دَلِيلًا عَلَى قِيَامِ النِّيَّةِ

أَمَّا هُنَا فَإِنَّمَا عَلَّقَهُ بِوُجُوبِ الْقَضَاءِ بِنَفْسِ عَدَمِ النِّيَّةِ ابْتِدَاءً لَا بِأَمْرٍ يُوجِبُ النِّسْيَانَ وَلَا شَكَّ أَنَّهُ أَدْرَى بِحَالَتِهِ إلَى أَنْ قَالَ وَمَنْ شَكَّ أَنَّهُ كَانَ نَوَى أَمْ لَا أَمْكَنَ أَنْ يُجَابَ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ بِالْبِنَاءِ عَلَى ظَاهِرِ حَالِهِ كَمَا ذَكَرْنَاهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فَصَارَ كَغَاصِبِ الْغَاصِبِ) أَيْ فَصَارَ الْآكِلُ قَبْلَ الزَّوَالِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْإِمْسَاكَ قَبْلَ الزَّوَالِ كَانَ بِفَرْضِيَّةِ أَنْ يَصِيرَ صَوْمًا فَبِالْأَكْلِ فَوَّتَ هَذَا الْإِمْكَانَ بِمَنْزِلَةِ تَفْوِيتِ الْأَصْلِ كَمَا فِي الْغَصْبِ فَإِنَّ الْمَغْصُوبَ مِنْهُ كَمَا يَضْمَنُ الْغَاصِبُ الْأَوَّلُ لِتَفْوِيتِ الْأَصْلِ يَضْمَنُ غَاصِبُ الْغَاصِبِ لِتَفْوِيتِ إمْكَانِ الرَّدِّ لِأَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَضْمَنَ الثَّانِي بِسَبَبِ

ص: 341

أَوْ تَسَحَّرَ ظَنَّهُ لَيْلًا وَالْفَجْرُ طَالِعٌ أَوْ أَفْطَرَ كَذَلِكَ وَالشَّمْسُ حَيَّةٌ أَمْسَكَ يَوْمَهُ وَقَضَى وَلَمْ يُكَفِّرْ كَأَكْلِهِ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا وَنَائِمَةٌ وَمَجْنُونَةٌ وُطِئَتَا) يَعْنِي هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يَجِبُ عَلَيْهِمْ الْإِمْسَاكُ فِي بَقِيَّةِ النَّهَارِ تَشَبُّهًا وَيَجِبُ عَلَيْهِمْ قَضَاءُ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَلَا تَجِبُ عَلَيْهِمْ الْكَفَّارَةُ كَمَا لَا تَجِبُ عَلَى مَنْ أَكَلَ نَاسِيًا ثُمَّ أَكَلَ عَمْدًا وَكَمَا لَا تَجِبُ عَلَى نَائِمَةٍ وَمَجْنُونَةٍ وُطِئَتَا أَمَّا وُجُوبُ الْإِمْسَاكِ عَلَيْهِمْ فِي بَقِيَّةِ النَّهَارِ فَقَدْ قَدَّمْنَا بَيَانَهُ فَلَا نُعِيدُهُ وَنُبَيِّنُ غَيْرَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ فَنَقُولُ أَمَّا إذَا تَسَحَّرَ وَهُوَ يَظُنُّ أَنَّهُ لَيْلٌ فَإِذَا الْفَجْرُ طَالِعٌ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّهُ مَضْمُونٌ عَلَيْهِ بِالْمِثْلِ كَمَا فِي الْمَرِيضِ وَالْمُسَافِرِ وَلَا تَجِبُ الْكَفَّارَةُ عَلَيْهِ لِقُصُورِ الْجِنَايَةِ لِعَدَمِ الْقَصْدِ هَذَا إذَا تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ اللَّيْلُ فَلَا يَخْرُجُ بِالشَّكِّ وَلَوْ شَكَّ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَالْأَفْضَلُ أَنْ يَتْرُكَهُ تَحَرُّزًا عَنْ الْمُحَرَّمِ وَلَوْ أَكَلَ فَصَوْمُهُ تَامٌّ مَا لَمْ يَتَبَيَّنْ أَنَّهُ أَكَلَ بَعْدَمَا طَلَعَ الْفَجْرُ لِمَا قُلْنَا وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ أَسَاءَ بِالْأَكْلِ مَعَ الشَّكِّ إذَا كَانَ بِبَصَرِهِ عِلَّةٌ أَوْ كَانَتْ اللَّيْلَةُ مُقْمِرَةً أَوْ مُتَغَيِّمَةً أَوْ كَانَ فِي مَكَان لَا يَسْتَبِينُ فِيهِ الْفَجْرُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الْفَجْرَ قَدْ طَلَعَ فَلَا يَأْكُلْ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ تُعْمَلُ عَمَلَ الْيَقِينِ وَإِنْ أَكَلَ يَنْظُرُ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ قِيلَ يَقْضِيهِ احْتِيَاطًا وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ لِأَنَّ الْيَقِينَ لَا يُزَالُ إلَّا بِمِثْلِهِ وَلَوْ ظَهَرَ أَنَّهُ أَكَلَ وَالْفَجْرُ طَالِعٌ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا قُلْنَا وَلَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ لِأَنَّهُ بَنَى الْأَمْرَ عَلَى الْأَصْلِ فَلَمْ تَكْمُلْ الْجِنَايَةُ وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ قَدْ غَرَبَتْ فَإِذَا هِيَ لَمْ تَغْرُبْ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ لِمَا ذَكَرْنَا وَفِيهِ قَوْلُ عُمَرَ مَا تَجَانَفْنَا لِإِثْمٍ وَقَضَاءُ يَوْمٍ عَلَيْنَا يَسِيرٌ وَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَلَا قَضَاءَ عَلَيْهِ وَكَذَا إذَا كَانَ فِي أَكْبَرِ رَأْيِهِ أَنَّهَا غَرَبَتْ حَتَّى لَا يَجِبَ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ إنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ يَجِبُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ دُونَ الْكَفَّارَةِ لِأَنَّ غَلَبَةَ الظَّنِّ كَالْيَقِينِ فَصَارَ كَمَا إذَا رَأَى أَنَّهَا غَرَبَتْ وَلَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ فَإِنْ لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ وَإِنْ غَلَبَ عَلَى ظَنِّهِ أَنَّ الشَّمْسَ لَمْ تَغْرُبْ فَأَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ إذَا لَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُ شَيْءٌ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

الِاسْتِهْلَاكِ لِأَنَّهُ شَرْطٌ وَالتَّفْوِيتَ عِلَّتُهُ وَلَا يُصَارُ إلَيْهِ مَعَ قِيَامِ صَاحِبِ الْعِلَّةِ وَلَا جَائِزَ أَنْ يَضْمَنَهُ بِسَبَبِ الْغَصْبِ لِأَنَّهُ مَا أَزَالَ الْيَدَ الْمُحِقَّةَ فَتَعَيَّنَ لِتَضْمِينِهِ تَفْوِيتَ الْإِمْكَانِ. اهـ.

(قَوْلُهُ أَوْ تَسَحَّرَ ظَنَّهُ لَيْلًا) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفِي الْإِسْبِيجَابِيِّ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ تَضَمَّنَتْ خَمْسَةَ فُصُولٍ، فَسَادُ صَوْمِهِ وَوُجُوبُ الْقَضَاءِ عَلَيْهِ وَوُجُوبُ إمْسَاكِ بَقِيَّةِ يَوْمِهِ وَأَنَّهُ لَا كَفَّارَةَ وَالْخَامِسُ لَوْ أَكَلَ بَعْدَهُ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ اهـ وَعَدَّهَا فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْمَبْسُوطِ خَمْسَةً أَيْضًا إلَّا أَنَّهُ قَالَ وَالْخَامِسُ أَنْ لَا إثْمَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {وَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ فِيمَا أَخْطَأْتُمْ بِهِ} [الأحزاب: 5]. اهـ. (قَوْلُهُ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ إلَى آخِرِهِ) يُفِيدُ الْمُغَايَرَةَ بَيْنَ هَذِهِ وَبَيْنَ تِلْكَ الرِّوَايَةِ فَإِنَّ اسْتِحْبَابَ التَّرْكِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْإِسَاءَةِ إنْ لَمْ يُتْرَكْ بَلْ يَسْتَلْزِمُ كَوْنَ ذَلِكَ مَفْضُولًا وَفِعْلُ الْمَفْضُولِ لَا يَسْتَلْزِمُ الْإِسَاءَةَ ثُمَّ اسْتَدَلَّ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «دَعْ مَا يَرِيبُك إلَى مَا لَا يَرِيبُك» رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَالتِّرْمِذِيُّ وَزَادَ «فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ وَالْكَذِبَ رِيبَةٌ» قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ فَنَقُولُ الْمَرْوِيُّ لَفْظُ الْأَمْرِ فَإِنْ كَانَ عَلَى ظَاهِرِهِ كَانَ مُقْتَضَاهُ الْوُجُوبَ فَيَلْزَمُ بِتَرْكِهِ الْإِثْمُ لَا الْإِسَاءَةُ أَوْ انْصَرَفَ عَنْهُ بِصَارِفٍ كَانَ نَدْبًا وَلَا إسَاءَةَ بِتَرْكِ الْمَنْدُوبِ بَلْ إنْ فَعَلَهُ نَالَ ثَوَابَهُ وَإِلَّا لَمْ يَنَلْ شَيْئًا فَهُوَ دَائِرٌ بَيْنَ كَوْنِهِ دَلِيلًا لِلْوُجُوبِ أَوْ النَّدْبِ فَلَا يَصْلُحُ جَعْلُهُ دَلِيلًا عَلَى هَذِهِ إلَّا أَنْ يُرَادَ إسَاءَةٌ مَعَهَا إثْمٌ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. اهـ. فَتْحُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَعَلَى ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ لَا قَضَاءَ عَلَيْهِ) وَصَحَّحَهُ فِي الْإِيضَاحِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَأَمَّا إذَا أَفْطَرَ وَهُوَ يَرَى أَنَّ الشَّمْسَ إلَى آخِرِهِ) يُرَى عَلَى الْبِنَاءِ لِلْمَفْعُولِ مِنْ الرَّأْيِ بِمَعْنَى الظَّنِّ لَا الرُّؤْيَةِ بِمَعْنَى الْيَقِينِ كَقَوْلِهِ

رَأَيْت اللَّهَ أَكْبَرَ كُلِّ شَيْءٍ

أَيْ عَلِمْته وَلَوْ صِيغَ مِنْهُ لِلْفَاعِلِ مُرَادًا بِهِ الْمَفْعُولُ لَمْ يَمْتَنِعْ فِي الْقِيَاسِ لَكِنْ لَمْ يُسْمَعْ بِمَعْنَاهُ إلَّا مَبْنِيًّا لِلْمَفْعُولِ قَالَ

وَكُنْت أَرَى زَيْدًا كَمَا قِيلَ سَيِّدًا

إذَا إنَّهُ عَبْدُ الْقَفَا وَاللَّهَازِمِ

فَأُرِيت بِمَعْنَى أُظْنِنْت أَيْ دُفِعَ إلَى الظَّنِّ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ مَا تَجَانَفْنَا) أَيْ مَا تَمَايَلْنَا وَمَا تَعَمَّدْنَا مِنْ الْجَنَفِ وَهُوَ الْمِيلُ وَالْمُرَادُ هُنَا مَا تَعَمَّدْنَا فِي هَذَا ارْتِكَابَ مَعْصِيَةٍ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَلَوْ شَكَّ فِي الْغُرُوبِ) لَا يَحِلُّ لَهُ الْفِطْرُ لِأَنَّ الْأَصْلَ هُوَ النَّهَارُ وَلَوْ أَكَلَ فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ عَمَلًا بِالْأَصْلِ. اهـ. هِدَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي الْكَفَّارَةِ رِوَايَتَانِ) أَيْ وَمُخْتَارُ الْفَقِيهِ أَبُو جَعْفَرٍ لُزُومُهَا لِأَنَّ الثَّابِتَ حَالَ غَلَبَةِ ظَنِّ الْغُرُوبِ شُبْهَةُ الْإِبَاحَةِ لَا حَقِيقَتُهَا فَفِي حَالِ الشَّكِّ دُونَ ذَلِكَ وَهُوَ شُبْهَةُ الشُّبْهَةِ وَهِيَ لَا تُسْقِطُ الْعُقُوبَاتِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَإِنْ تَبَيَّنَّ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله لَا أَعْلَمُ فِيهِ خِلَافًا وَاَللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ وَهُوَ الَّذِي ذَكَرَهُ بِقَوْلِهِ وَلَوْ كَانَ شَاكًّا إلَى قَوْلِهِ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ اهـ وَهَاكَ عِبَارَةُ الْهِدَايَةِ بِتَمَامِهَا وَلَوْ كَانَ شَاكًّا فِيهِ وَتَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَغْرُبْ يَنْبَغِي أَنْ تَجِبَ الْكَفَّارَةُ نَظَرًا إلَى مَا هُوَ الْأَصْلُ وَهُوَ النَّهَارُ

(فَائِدَةٌ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ فِي آخِرِ بَابِ الِاعْتِكَافِ وَمِنْ السُّنَّةِ أَنْ يَقُولَ عِنْدَ الْإِفْطَارِ اللَّهُمَّ لَك صُمْت وَبِك آمَنْت وَعَلَيْك تَوَكَّلْت وَعَلَى رِزْقِك أَفْطَرْت وَصَوْمَ الْغَدِ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ نَوَيْت فَاغْفِرْ لِي مَا قَدَّمْت وَمَا أَخَّرْت اهـ (قَوْلُهُ أَوْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ قَبْلَ الْغُرُوبِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لِأَنَّ النَّهَارَ كَانَ ثَابِتًا وَقَدْ انْضَمَّ إلَيْهِ أَكْبَرُ رَأْيِهِ وَأَوْرَدَ لَوْ شَهِدَ اثْنَانِ غَرَبَتْ وَاثْنَانِ بِأَنْ لَا فَأَفْطَرَ ثُمَّ تَبَيَّنَ عَدَمُ الْغُرُوبِ لَا كَفَّارَةَ مَعَ أَنَّ تَعَارُضَهُمَا يُوجِبُ الشَّكَّ أُجِيبُ بِمَنْعِ الشَّكِّ فَإِنَّ الشَّهَادَةَ بِعَدَمِهِ عَلَى النَّفْيِ فَبَقِيَتْ الشَّهَادَةُ بِالْغُرُوبِ بِلَا مُعَارِضَ فَوَجَبَ ظَنُّهُ وَفِي النَّفْسِ مِنْهُ شَيْءٌ يَظْهَرُ بِأَدْنَى تَأَمُّلٍ. اهـ. فَتْحُ

قَوْلُهُ بِلَا مُعَارِضٍ حَتَّى إنَّ الشَّهَادَتَيْنِ لَوْ كَانَتْ فِي طُلُوعِ الْفَجْرِ فَأَفْطَرَ

ص: 342

وَإِنْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ أَكَلَ بِاللَّيْلِ فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ فِي جَمِيعِ مَا ذَكَرْنَا ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ التَّسَحُّرَ مُسْتَحَبٌّ وَقِيلَ سُنَّةٌ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «تَسَحَّرُوا فَإِنَّ فِي السُّحُورِ بَرَكَةٌ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ فَضْلَ مَا بَيْنَ صِيَامِنَا وَصِيَامِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السُّحُورِ وَيُرْوَى السُّحُورُ» رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا الْبُخَارِيَّ وَابْنَ مَاجَهْ وَالْمُسْتَحَبُّ فِيهِ التَّأْخِيرُ وَفِي الْفِطْرِ التَّعْجِيلُ لِمَا رَوَى أَبُو ذَرٍّ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقُولُ «لَا تَزَالُ أُمَّتِي بِخَيْرٍ مَا أَخَّرُوا السُّحُورَ وَعَجَّلُوا الْفِطْرَ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَعَنْ سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «قَالَ لَا تَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَعَنْ أَنَسٍ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يُفْطِرُ عَلَى رُطَبَاتٍ قَبْلَ أَنْ يُصَلِّيَ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ رُطَبَاتٌ فَتَمَرَاتٌ فَإِنْ لَمْ تَكُنْ تَمَرَاتٌ حَسَا حَسَوَاتٍ مِنْ مَاءٍ» رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَأَمَّا عَدَمُ وُجُوبِ الْكَفَّارَةِ عَلَى مَنْ أَكَلَ عَمْدًا بَعْدَ أَكْلِهِ نَاسِيًا فَلِأَنَّ الِاشْتِبَاهَ اسْتَنَدَ إلَى دَلِيلٍ وَهُوَ الْقِيَاسُ فَتَحَقَّقَ الشُّبْهَةُ وَلَا فَرْقَ فِي ذَلِكَ بَيْنَ أَنْ يَبْلُغَهُ الْحَدِيثُ وَعِلْمِهِ أَوْ لَا لِأَنَّ الشُّبْهَةَ فِي الدَّلِيلِ فَلَا تَنْتَفِي بِالْعِلْمِ كَوَطْءِ الْأَبِ جَارِيَةَ الِابْنِ حَيْثُ لَا يَجِبُ الْحَدُّ كَيْفَمَا كَانَ لِمَا قُلْنَا وَكَذَا لَوْ جَامَعَ نَاسِيًا ثُمَّ أَكَلَ أَوْ جَامَعَ عَمْدًا وَعَلَى هَذَا لَوْ نَوَى مِنْ النَّهَارِ أَوْ أَصْبَحَ مُسَافِرًا فَنَوَى الْإِقَامَةَ فَأَكَلَ لَا كَفَّارَةَ عَلَيْهِ وَرُوِيَ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ إذَا بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَسِيَ وَهُوَ صَائِمٌ فَأَكَلَ أَوْ شَرِبَ فَلْيُتِمَّ صَوْمَهُ فَإِنَّمَا أَطْعَمَهُ اللَّهُ وَسَقَاهُ» أَنَّهُ تَجِبُ عَلَيْهِ كَفَّارَةٌ وَكَذَا عَنْهُمَا لِأَنَّ الْحَدِيثَ صَحِيحٌ وَلَيْسَ بِشَاذٍّ حَتَّى يَجْتَزِئَ بِتَرْكِهِ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ الْحُكْمِيَّةِ وَلِهَذَا قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ لَوْلَا هَذَا الْحَدِيثُ لَقُلْت بِفِطْرِهِ بِالْأَكْلِ نَاسِيًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى قُوَّتِهِمَا أَعْنِي قُوَّةَ الْحَدِيثِ وَقُوَّةَ الْقِيَاسِ وَعَلَى هَذَا لَوْ ذَرَعَهُ الْقَيْءُ ثُمَّ أَفْطَرَ عَمْدًا لَا تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِأَنَّهُ يَنْفَصِلُ مِنْهُ شَيْءٌ وَيَعُودُ إلَى الْجَوْفِ عَادَةً فَيَثْبُتُ بِهِ شُبْهَةٌ حُكْمِيَّةٌ وَلَوْ احْتَجَمَ فَظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ يُفَطِّرُهُ فَأَكَلَ مُتَعَمِّدًا فَعَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ لِأَنَّ الظَّنَّ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ شَرْعِيٍّ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِذَلِكَ لِأَنَّ الْفَتْوَى دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فِي حَقِّهِ وَلَوْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «أَفْطَرَ الْحَاجِمُ وَالْمَحْجُومُ» فَأَفْطَرَ مُتَعَمِّدًا فَكَذَلِكَ عِنْدَ مُحَمَّدٍ لِأَنَّ قَوْلَ الرَّسُولِ أَقْوَى مِنْ فَتْوَى الْمُفْتِي فَأَوْلَى أَنْ يَكُونَ شُبْهَةً وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ خِلَافُ ذَلِكَ لِأَنَّ عَلَى الْعَامِّيِّ الِاقْتِدَاءُ بِالْفُقَهَاءِ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ وَلَوْ عَرَفَ تَأْوِيلَهُ تَجِبُ عَلَيْهِ الْكَفَّارَةُ لِانْتِفَاءِ الشُّبْهَةِ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ

ــ

[حاشية الشِّلْبِيِّ]

ثُمَّ ظَهَرَ أَنَّهُ قَدْ كَانَ طَلَعَ الْفَجْرُ عَلَيْهِ الْقَضَاءُ وَالْكَفَّارَةُ بِالِاتِّفَاقِ لِهَذَا الْمَعْنَى اهـ دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ اعْلَمْ أَنَّ التَّسَحُّرَ مُسْتَحَبٌّ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَلَا خِلَافَ فِي اسْتِحْبَابِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ سُنَّةٌ) نَصَّ عَلَيْهِ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ. اهـ. غَايَةٌ

(قَوْلُهُ فَإِنَّ فِي السَّحُورِ بَرَكَةً) قِيلَ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ حُصُولُ التَّقَوِّي بِهِ عَلَى صَوْمِ الْغَدِ بِدَلِيلِ مَا رُوِيَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم «اسْتَعِينُوا بِقَائِلَةِ النَّهَارِ عَلَى قِيَامِ اللَّيْلِ وَبِأَكْلِ السَّحُورِ عَلَى صِيَامِ النَّهَارِ» أَوْ الْمُرَادُ زِيَادَةُ الثَّوَابِ لِاسْتِنَانِهِ بِسُنَنِ الْمُرْسَلِينَ قَالَ صلى الله عليه وسلم «فَرْقٌ بَيْنَ صَوْمِنَا وَصَوْمِ أَهْلِ الْكِتَابِ أَكْلَةُ السَّحَرِ السَّحُورُ وَلَا مُنَافَاةَ فَلْيَكُنْ الْمُرَادُ بِالْبَرَكَةِ كُلًّا مِنْ الْأَمْرَيْنِ وَالسَّحُورُ مَا يُؤْكَلُ فِي السَّحَرِ» وَهُوَ السُّدُسُ الْأَخِيرُ مِنْ اللَّيْلِ وَقَوْلُهُ فِي النِّهَايَةِ هُوَ عَلَى حَذْفِ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ فِي أَكْلِ السَّحُورِ بَرَكَةٌ بِنَاءً عَلَى ضَبْطِهِ بِضَمِّ السِّينِ جَمْعُ سَحَرٍ فَأَمَّا عَلَى فَتْحِهَا وَهُوَ الْأَعْرَفُ فِي الرِّوَايَةِ فَهُوَ اسْمٌ لِلْمَأْكُولِ فِي السَّحَرِ كَالْوَضُوءِ بِالْفَتْحِ مَا يُتَوَضَّأُ بِهِ وَقِيلَ يَتَعَيَّنُ بِالضَّمِّ لِأَنَّ الْبَرَكَةَ وَنَيْلَ الثَّوَابِ إنَّمَا تَحْصُلُ بِالْفِعْلِ لَا بِنَفْسِ الْمَأْكُولِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ) أَيْ إلَّا أَبَا دَاوُد عَنْ أَنَسٍ. اهـ. (قَوْلُهُ لَا تَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَجَّلُوا الْفِطْرَ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ) وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى الرَّدِّ عَلَى الشِّيعَةِ الَّذِينَ يُؤَخِّرُونَ الْفِطْرَ إلَى ظُهُورِ النَّجْمِ لِأَنَّهُمْ إذَا أَخَّرُوهُ كَانَ عَلَى خِلَافِ السُّنَّةِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ الْقِيَاسُ) أَيْ لِأَنَّ الْقِيَاسَ يَقْتَضِي أَنْ لَا يَبْقَى صَائِمًا بِأَكْلِهِ عِنْدَ النِّسْيَانِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَنْ يَبْلُغَهُ الْحَدِيثُ وَعِلْمُهُ) أَيْ عِلْمُ مَعْنَى الْحَدِيثِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا يُفْسِدُهُ الْأَكْلُ نَاسِيًا. اهـ. كَاكِيٌّ

(قَوْلُهُ كَيْفَمَا كَانَ) نَظَرًا إلَى قِيَامِ شُبْهَةِ الْمِلْكِ الثَّابِتَةِ بِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «أَنْتَ وَمَالُك لِأَبِيك» فَإِنَّهَا ثَابِتَةٌ بِثُبُوتِ هَذَا الدَّلِيلِ وَإِنْ قَامَ الدَّلِيلُ الرَّاجِحُ عَلَى تَبَايُنِ الْمِلْكَيْنِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ وَالظَّاهِرُ الْأَوَّلُ) أَيْ مِنْ الرِّوَايَةِ قَالَ فِي الْكَافِي وَإِنْ بَلَغَهُ الْحَدِيثُ وَعِلْمُهُ فَكَذَلِكَ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ اهـ وَفِي فَتَاوَى قَاضِي خَانْ وَهُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ عِلْمَ الْيَقِينِ بَلْ يُوجِبُ الْعَمَلَ تَحْسِينًا لِلظَّنِّ بِالرَّاوِي. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِقِيَامِ الشُّبْهَةِ) أَيْ وَهِيَ أَنَّ الشَّيْءَ لَا يَبْقَى مَعَ مُنَافِيهِ اهـ وَأَيْضًا نَظَرًا إلَى الْقِيَاسِ وَلَا تَنْتَفِي هَذِهِ الشُّبْهَةُ بِالْعِلْمِ لِأَنَّ خَبَرَ الْوَاحِدِ لَا يُوجِبُ الْعِلْمَ وَإِنَّمَا يُوجِبُ الْعَمَلَ فَلَا تَنْتَفِي بِهِ الشُّبْهَةُ كَافِي قَوْلُهُ لِأَنَّ الظَّنَّ لَمْ يَسْتَنِدْ إلَى دَلِيلٍ إلَى آخِرِهِ قَالَ فِي فِي الدِّرَايَةِ لِأَنَّ انْعِدَامَ الرُّكْنِ بِوُصُولِ الشَّيْءِ إلَى بَاطِنِهِ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «الْفِطْرُ مِمَّا دَخَلَ أَوْ بِقَضَاءِ الشَّهْوَةِ» وَلَمْ يُوجَدْ شَيْءٌ مِنْهُمَا لَا صُورَةً وَلَا مَعْنًى وَحُكْمُ الِاسْتِفْتَاءِ بِالنَّصِّ بِخِلَافِ الْقِيَاسِ اهـ

قَوْلُهُ إلَّا إذَا أَفْتَاهُ فَقِيهٌ بِذَلِكَ أَيْ مِنْ أَيٍّ مِنْ الْحَنَابِلَةِ قَالَ الْمَحْبُوبِي بِشَرْطِ أَنْ يَكُونَ الْمُفْتِي مِمَّنْ تُؤْخَذُ مِنْهُ الْفَتْوَى وَيُعْتَمَدُ عَلَى فَتْوَاهُ فِي الْبَلْدَةِ وَلَا مُعْتَبَرَ بِغَيْرِهِ هَكَذَا رَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَابْنِ رُسْتُم عَنْ مُحَمَّدٍ وَبِشْرِ بْنِ الْوَلِيدِ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَتَصِيرُ فَتْوَى الْمُفْتِي شُبْهَةً وَلَا يَصِيرُ ظَاهِرُ الْحَدِيثِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الِاهْتِدَاءِ فِي حَقِّهِ إلَى مَعْرِفَةِ الْأَحَادِيثِ) أَيْ لِجَوَازِ أَنْ يَكُونَ مَصْرُوفًا عَنْ ظَاهِرِهِ أَوْ مَنْسُوخًا اهـ كَافِي (قَوْلُهُ وَقَوْلُ الْأَوْزَاعِيِّ) أَيْ بِأَنَّهُ يُفْطِرُ. اهـ. فَتْحٌ وَلَيْسَ كَقَوْلِ مَالِكٍ فِي النِّسْيَانِ لِأَنَّ خِلَافَهُ إنَّمَا اُعْتُبِرَ لِمُوَافَقَةِ الْقِيَاسِ. اهـ. كَافِي بِالْمَعْنَى

ص: 343