الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْحَوْضُ الصَّغِيرُ بِوُقُوعِ نَجَاسَةٍ فِيهِ ثُمَّ دَخَلَ فِيهِ مَاءٌ آخَرُ وَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْهُ طَهُرَ، وَإِنْ قَلَّ إذَا كَانَ الْخُرُوجُ حَالَ دُخُولِ الْمَاءِ فِيهِ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الْجَارِي وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِخُرُوجِ مَا فِيهِ، وَقِيلَ لَا يَطْهُرُ إلَّا بِخُرُوجِ ثَلَاثَةِ أَمْثَالِ مَا كَانَ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ فِي الْقِلَّةِ وَالْكَثْرَةِ قَالَ رحمه الله:(وَهُوَ مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةِ فَيَتَوَضَّأُ مِنْهُ إنْ لَمْ يَرَ أَثَرَهُ وَهُوَ طَعْمٌ أَوْ لَوْنٌ أَوْ رِيحٌ) أَيْ الْمَاءُ الْجَارِي مَا يَذْهَبُ بِتَبِنَةِ.
وَالْهَاءُ فِي قَوْلِهِ مِنْهُ عَائِدَةٌ إلَى الْمَاءِ الْجَارِي، أَيْ يَجُوزُ الْوُضُوءُ مِنْ الْمَاءِ الْجَارِي إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُ النَّجَاسَةِ فِيهِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَعُودَ إلَى الْمَاءِ الرَّاكِدِ الَّذِي بَلَغَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لِأَنَّهُ يَجُوزُ الْوُضُوءُ بِهِ فِي مَوْضِعِ الْوُقُوعِ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ فِي رِوَايَةٍ، وَهُوَ الْمُخْتَارُ عِنْدَهُمْ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ، وَقَوْلُهُ وَهُوَ طَعْمٌ أَيْ الْأَثَرُ هُوَ الطَّعْمُ أَوْ اللَّوْنُ أَوْ الرَّائِحَةُ وَحَدُّ الْجَرَيَانِ بِمَا ذَكَرَ، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ الْأَصْحَابِ وَقِيلَ مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ، وَقِيلَ إنْ وَضَعَ الْإِنْسَانُ يَدَهُ فِي الْمَاءِ عَرْضًا لَا يَنْقَطِعُ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إذَا كَانَ لَا يَنْحَسِرُ وَجْهُ الْأَرْضِ بِالِاغْتِرَافِ بِكَفَّيْهِ فَهُوَ جَارٍ، وَقِيلَ مَا يَعُدُّهُ النَّاسُ جَارِيًا وَهُوَ الْأَصَحُّ ذَكَرَهُ فِي الْبَدَائِعِ وَالتُّحْفَةِ وَقَوْلُهُ إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُهُ أَيْ إنْ لَمْ يُرَ أَثَرُ النَّجَسِ فِيهِ لَا يَتَنَجَّسُ حَتَّى لَوْ بَالَ إنْسَانٌ فِي الْمَاءِ الْجَارِي فَتَوَضَّأَ آخَرُ مِنْ أَسْفَلِهِ جَازَ مَا لَمْ يَرَ أَثَرَهُ؛ لِأَنَّ النَّجَاسَةَ لَا تَسْتَقِرُّ مَعَ جَرَيَانِ الْمَاءِ بِخِلَافِ الرَّاكِدِ فِي الصَّحِيحِ، وَإِذَا اعْتَرَضَتْ النَّجَاسَةُ الْمَرْئِيَّةُ عَلَى الْمَاءِ الْجَارِي إنْ كَانَ الْمَاءُ يَجْرِي عَلَى نِصْفِهَا أَوْ كُلِّهَا لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَسْفَلَ مِنْهَا
قَالَ رحمه الله (وَمَوْتُ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ كَالْبَقِّ وَالذُّبَابِ وَالزُّنْبُورِ وَالْعَقْرَبِ وَالسَّمَكِ وَالضُّفْدَعِ وَالسَّرَطَانِ لَا يُنَجِّسُهُ) أَيْ لَا يُنَجِّسُ الْمَاءَ لِحَدِيثِ سَعِيدِ بْنِ الْمُسَيِّبِ عَنْ سَلْمَانَ قَالَ «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَا سَلْمَانُ كُلُّ طَعَامٍ وَشَرَابٍ وَقَعَتْ فِيهِ دَابَّةٌ لَيْسَ لَهَا دَمٌ فَمَاتَتْ فِيهِ فَهُوَ حَلَالٌ أَكْلُهُ وَشُرْبُهُ وَالْوُضُوءُ مِنْهُ» وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ لَهُ الدِّمَاءُ السَّائِلَةُ فَمَا لَا دَمَ بِهِ مَسْفُوحًا لَا يَتَنَجَّسُ بِالْمَوْتِ فَلَا يَتَنَجَّسُ مَا مَاتَ فِيهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ، وَقَوْلُهُ وَمَوْتُ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ يَشْمَلُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ وَغَيْرِهِ، وَلَمْ يُشْتَرَطْ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ لِأَنَّهُ لَا فَرْقَ فِي الصَّحِيحِ بَيْنَ أَنْ يَمُوتَ فِي الْمَاءِ أَوْ خَارِجَ الْمَاءِ ثُمَّ يُلْقَى فِيهِ وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَاءِ وَغَيْرِهِ مِنْ الْمَائِعَاتِ.
قَالَ رحمه الله (وَ
الْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ
لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان طَاهِرٌ لَا مُطَهَّرٌ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْجَارِيَ لَمَّا اتَّصَلَ بِهِ وَخَرَجَ صَارَ فِي حُكْمِ الْمَاءِ الْجَارِي، وَالْمَاءُ الْجَارِي طَاهِرٌ إلَّا أَنْ تَسْتَبِينَ فِيهِ النَّجَاسَةُ (قَوْلُهُ وَخَرَجَ الْمَاءُ مِنْهُ طَهُرَ) وَفِي الْمُحِيطِ وَهُوَ الْأَصَحُّ. اهـ. كَاكِيٌّ حَوْضُ الْحَمَّامِ إذَا تَنَجَّسَ وَدَخَلَ فِيهِ الْمَاءُ لَا يَطْهُرُ مَا لَمْ يَخْرُجْ مِنْهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِيهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إذَا خَرَجَ مِنْهُ مِثْلُ مَا كَانَ فِيهِ مَرَّةً وَاحِدَةً يَطْهُرُ لِغَلَبَةِ الْمَاءِ الْجَارِي عَلَيْهِ، وَالْأَوَّلُ أَحْوَطُ (قَوْلُهُ وَسَائِرُ الْمَائِعَاتِ كَالْمَاءِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله حَوْضٌ فِيهِ عَصِيرٌ وَقَعَ فِيهِ الْبَوْلُ إنْ كَانَ عَشْرًا فِي عَشْرٍ لَا يَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ مَاءً لَا يَفْسُدُ فَكَذَا إذَا كَانَ عَصِيرًا، وَلَوْ كَانَ أَقَلَّ مِنْ عَشْرٍ فِي عَشْرٍ يَفْسُدُ فَكَذَا فِي كُلِّ مَا لَوْ كَانَ مَاءً يَفْسُدُ فَإِذَا كَانَ عَصِيرًا يَفْسُدُ.
قَالَ أَبُو يُوسُفَ بَعْدَ أَنْ سَمِعْت مِنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَكْثَرْت قُلْت: لَا أُقْبَلُ فِي بَلْدَةٍ فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ، قَالَ فَخَرَجْت إلَى بَعْضِ السَّوَادِ فَنَزَلْت بِهَا فَجَاءَنِي رَجُلٌ فَقَالَ لِي يَا أَبَا يُوسُفَ مَا تَقُولُ فِي رَجُلٍ يَتَوَضَّأُ عَلَى شَطِّ الْفُرَاتِ فَانْكَسَرَتْ جِرَارٌ مِنْ خَمْرٍ وَالرَّجُلُ مِنْ تَحْتِ الْجَرْيَةِ، قَالَ فَوَاَللَّهِ مَا دَرَيْت أَنْ أُجِيبَهُ فَقُلْت لِلْغُلَامِ شُدَّ فَلَيْسَ نَصْلُحُ فِي بَلَدٍ إلَّا فِيهَا أَبُو حَنِيفَةَ فَلَمَّا وَصَلْت إلَى أَبِي حَنِيفَةَ فَقَالَ لِي أَيْنَ كُنْت فَأَخْبَرْته الْخَبَرَ قَالَ فَضَحِكَ وَقَالَ مَا دَرَيْت مَا تُجِيبُهُ قُلْت: وَاَللَّهِ مَا دَرَيْت مَا أُجِيبُهُ فَقَالَ إنْ وَجَدْت رِيحَهُ أَوْ طَعْمَهُ وَإِلَّا فَلَا شَيْءَ عَلَيْك ذَكَرَهُ الْمُوَفَّقُ الْمَكِّيُّ فِي الْبَابِ السَّابِعِ مِنْ مَنَاقِبِهِ.
اهـ. (قَوْلُهُ عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ) تَقَدَّمَ أَنَّهُ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي يُوسُفَ، وَأَنَّ مَشَايِخَ بُخَارَى أَخَذُوا بِهِ (قَوْلُهُ وَقِيلَ مَا لَا يَتَكَرَّرُ اسْتِعْمَالُهُ) وَمَعْنَى قَوْلِهِ لَا يَتَكَرَّرُ أَنْ لَوْ غَسَلَ يَدَهُ، وَسَالَ مِنْ يَدِهِ إلَى النَّهْرِ، ثُمَّ يَأْخُذُهُ ثَانِيًا لَا يَكُونُ الْمَاءُ الثَّانِي عَيْنَ الْأَوَّلِ أَوْ فِيهِ مِنْ الْمَاءِ الْأَوَّلِ كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ مَا لَمْ يَرَ أَثَرَهُ) أَيْ لِأَنَّ فِي الْمَاءِ الْجَارِي تَنْتَقِلُ النَّجَاسَةُ مِنْ مَكَانِ وُقُوعِهَا، وَلَا يُعْرَفُ وُجُودُهَا فِي مَوْضِعٍ آخَرَ إلَّا بِمُشَاهَدَةٍ أَوْ رَائِحَةٍ أَوْ لَوْنٍ وَفِي الْمُحِيطِ وَقَعَتْ نَجَاسَةٌ فِي الْجَارِي إنْ كَانَتْ غَيْرَ مَرْئِيَّةٍ كَالْبَوْلِ لَا يَنْجُسُ مَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لَوْنُهُ أَوْ طَعْمُهُ أَوْ رِيحُهُ، وَلَوْ كَانَتْ مَرْئِيَّةً كَالْجِيفَةِ وَالْعَذِرَةِ فَإِنْ كَانَ النَّهْرُ كَبِيرًا لَا يَتَوَضَّأُ مِنْ أَسْفَلِ الْجَانِبِ الَّذِي فِيهِ الْجِيفَةُ، وَيَتَوَضَّأُ مِنْ جَانِبٍ آخَرَ وَإِنْ كَانَ صَغِيرًا فَإِنْ لَاقَاهَا أَكْثَرُ الْمَاءِ فَهُوَ نَجِسٌ، وَإِنْ كَانَ أَقَلَّ فَهُوَ طَاهِرٌ وَإِنْ كَانَ النِّصْفَ جَازَ الْوُضُوءُ بِهِ فِي الْحُكْمِ، وَالْأَحْوَطُ أَنْ لَا يَتَوَضَّأَ اهـ.
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ الرَّاكِدِ) أَيْ فَإِنَّهَا لَا تَنْتَقِلُ مِنْ مَوْضِعِ عُمُوقِهَا (قَوْلُهُ وَإِذَا اعْتَرَضَتْ النَّجَاسَةُ الْمَرْئِيَّةُ) كَالْكَلْبِ الْمَيِّتِ (قَوْلُهُ لَا يَجُوزُ الْوُضُوءُ أَسْفَلَ مِنْهَا) وَعَلَى هَذَا مَاءُ الْمَطَرِ إذَا كَانَتْ الْعَذِرَاتُ عِنْدَ الْمِيزَابِ أَوْ فِي السَّطْحِ أَوْ فِي الطُّرُقَاتِ كَيْ، قَالَ الْكَاكِيُّ قَوْلُهُ لَا يُفْسِدُهُ أَقْوَى مِنْ قَوْلِهِ لَا يُنَجِّسُهُ؛ لِأَنَّ قَوْلَهُ لَا يُفْسِدُهُ يُؤْذِنُ بِأَنَّهُ يَبْقَى طَاهِرًا وَطَهُورًا، وَقَوْلُهُ لَا يُنَجِّسُهُ يُفِيدُ طَهَارَتَهُ لَا طَهُورِيَّتَهُ كَالتُّرَابِ طَاهِرٌ وَلَيْسَ بِطَهُورٍ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ حُكْمًا لَا حَقِيقَةً كَيْ
. (قَوْلُهُ وَالزُّنْبُورُ) بِضَمِّ الزَّايِ قَالَ قَاضِي خَانْ فِي فَصْلِ النَّجَاسَةِ دَمُ الْحَلَمَةِ وَالْوَزَغَةِ يُفْسِدُ الثَّوْبَ وَالْمَاءَ، وَدَمُ الْبَقِّ وَالْبُرْغُوثِ لَا يُفْسِدُ عِنْدَنَا (قَوْلُهُ وَالضِّفْدَعِ) بِكَسْرِ الدَّالِ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ مَا لَا دَمَ لَهُ فِيهِ) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلِأَنَّ الْمُنَجِّسَ هُوَ اخْتِلَاطُ الدَّمِ الْمَسْفُوحِ بِأَجْزَائِهِ حَتَّى حَلَّ الْمُذْكَى لِانْعِدَامِ الدَّمِ وَلَا دَمَ فِيهَا (قَوْلُهُ يَشْمَلُ مَا يَعِيشُ فِي الْمَاءِ) كَالسَّمَكِ وَالضِّفْدَعِ قَالَ الْمُسْتَصْفَى وَمَائِيُّ الْمَعَاشِ هُوَ الَّذِي يَكُونُ تَوَالُدُهُ وَمَثْوَاهُ فِي الْمَاءِ، وَتَقْدِيرُ الدَّلِيلِ أَنَّ الْحَرَارَةَ مِنْ خَاصَّةِ الدَّمِ، وَلَوْ كَانَ لَهَا دَمٌ لَكَانَ لَهَا حَرَارَةٌ؛ لِأَنَّ طَبِيعَتَهُ لَا تَنْفَكُّ عَنْهُ، وَلَوْ كَانَ لَهَا حَرَارَةٌ لَأَنْطَفَتْ أَيْ لَمَاتَتْ بِدَوَامِ السُّكُونِ فِي الْمَاءِ لِلْمُضَادَّةِ بَيْنَ الطَّبِيعَتَيْنِ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ بَارِدٌ رَطْبٌ وَالدَّمَ حَارٌّ رَطْبٌ. (قَوْلُهُ وَغَيْرُهُ) كَالذُّبَابِ وَالْعَقْرَبِ
[الْمَاء الْمُسْتَعْمَل]
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرٌ)، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَقَطَّعَ فِي الْمَاءِ أَوْ لَمْ يَتَقَطَّعْ
وَالْكَلَامُ فِي الْمُسْتَعْمَلِ فِي ثَلَاثَةِ مَوَاضِعَ فِي صِفَتِهِ وَسَبَبِهِ وَوَقْتِ ثُبُوتِهِ فَالْمُصَنِّفُ رحمه الله بَيَّنَ الثَّلَاثَ، فَقَوْلُهُ: طَاهِرٌ لَا مُطَهِّرٌ بَيَانٌ لِصِفَتِهِ، وَقَوْلُهُ: لِقُرْبَةٍ أَوْ رَفْعِ حَدَثٍ بَيَانٌ لِسَبَبِهِ، وَقَوْلُهُ: إذَا اسْتَقَرَّ فِي مَكَان بَيَانٌ لِوَقْتِ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ وَفِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهَا كَلَامٌ.
أَمَّا صِفَتُهُ فَفِي قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ نَجِسٌ نَجَاسَةً غَلِيظَةً رَوَاهُ عَنْهُ الْحَسَنُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هُوَ نَجِسٌ نَجَاسَةً خَفِيفَةً، وَهُوَ رِوَايَةٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَرَوَى مُحَمَّدٌ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهُوَ قَوْلُهُ: إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ هَكَذَا ذَكَرَهُ مَشَايِخُ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَأَثْبَتُوا فِيهِ الْخِلَافَ بَيْنَ الثَّلَاثَةِ وَذَكَرُوا وَجْهَ التَّنْجِيسِ أَنَّهُ مَاءٌ أُزِيلَ بِهِ مَعْنًى مَانِعٌ لِلصَّلَاةِ فَصَارَ كَمَا لَوْ أُزِيلَ بِهِ النَّجَاسَةُ الْحَقِيقِيَّةُ، وَقَالَ مَشَايِخُ؛ الْعِرَاقِ إنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ عِنْدَ أَصْحَابِنَا وَهُوَ الْأَصَحُّ، ذَكَرَهُ فِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهِ وَقَالَ فِي الْغَايَةِ وَهُوَ اخْتِيَارُ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ مَشَايِخِ مَا وَرَاءَ النَّهْرِ، وَقَالَ الْإِسْبِيجَابِيُّ وَعَلَيْهِ الْفَتْوَى وَوَجْهُهُ أَنَّ مُلَاقَاةَ الطَّاهِرِ لَا تُوجِبُ التَّنْجِيسَ، وَلَكِنْ أُقِيمَتْ بِهِ قُرْبَةٌ أَوْ أُزِيلَ بِهِ حَدَثٌ فَتَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ كَمَالِ الزَّكَاةِ لَمَّا أُقِيمَتْ بِهِ الْقُرْبَةُ تَغَيَّرَتْ صِفَتُهُ حَتَّى حَرُمَ عَلَى الْهَاشِمِيِّ وَالْغَنِيِّ، وَأَمَّا سَبَبُهُ فَإِقَامَةُ الْقُرْبَةِ أَوْ إزَالَةُ الْحَدَثِ بِهِ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ إقَامَةُ الْقُرْبَةِ لَا غَيْرُ وَعِنْدَ زُفَرَ إزَالَةُ الْحَدَثِ لَا غَيْرُ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْحَدَثِ أَوْ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ.
وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ التَّعْلِيلُ لِمُحَمَّدٍ بِعَدَمِ إقَامَةِ الْقُرْبَةِ لَيْسَ بِقَوِيٍّ لِأَنَّهُ غَيْرُ مَرْوِيٍّ عَنْهُ، وَالصَّحِيحُ عِنْدَهُ أَنَّ إزَالَةَ الْحَدَثِ بِالْمَاءِ مُفْسِدَةٌ لَهُ إلَّا عِنْدَ الضَّرُورَةِ كَالْجُنُبِ يَدْخُلُ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ وَمِثْلُهُ عِنْدَ الْجُرْجَانِيِّ وَمَنْ شَرَطَ نِيَّةَ الْقُرْبَةِ عِنْدَ مُحَمَّدٍ اسْتَدَلَّ بِمَسْأَلَةِ الْبِئْرِ حَيْثُ قَالَ الْمَاءُ بِحَالِهِ وَالرَّجُلُ طَاهِرٌ إذْ لَوْ كَانَ إزَالَةُ الْحَدَثِ عِنْدَهُ تُوجِبُ الِاسْتِعْمَالَ لَتَغَيَّرَ الْمَاءُ، وَجَوَابُهُ أَنَّهُ إنَّمَا لَمْ يَتَغَيَّرْ لِلضَّرُورَةِ لَا؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِإِزَالَةِ الْحَدَثِ فَصَارَ نَظِيرَ مَا لَوْ أَدْخَلَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ أَوْ الْحَائِضُ الَّتِي طَهُرَتْ يَدَهُ فِي الْمَاءِ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ، وَالْقِيَاسُ أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمْ لِإِزَالَةِ الْحَدَثِ، وَلَكِنْ سَقَطَ لِلْحَاجَةِ وَقَدْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
إلَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ فَإِنَّهُ يَقُولُ إذَا تَقَطَّعَ فِي الْمَاءِ أَفْسَدَ بِنَاءً عَلَى قَوْلِهِ: إنَّ دَمَهُ نَجِسٌ وَهُوَ ضَعِيفٌ فَإِنَّهُ لَا دَمَ فِي السَّمَكِ إنَّمَا هُوَ مَاءٌ آخَرُ، وَالضِّفْدَعُ الْبَرِّيُّ وَالْبَحْرِيُّ سَوَاءٌ، وَقِيلَ الْبَرِّيُّ مُفْسِدٌ لِوُجُودِ الدَّمِ فِيهِ. اهـ. هِدَايَةٌ قَالَ فِي الِاخْتِيَارِ وَقِيلَ إنْ كَانَ لِلْبَرِّيِّ دَمٌ سَائِلٌ أَفْسَدَهُ، وَهُوَ الْأَصَحُّ وَفِي فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ الْبَحْرِيُّ مَا يَكُونُ بَيْنَ أَصَابِعِهِ سُتْرَةٌ دُونَ الْبَرِّيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ) لِمَكَانِ الِاخْتِلَافِ كَذَا فِي الْهِدَايَةِ (قَوْلُهُ وَرَوَى مُحَمَّدٌ) وَقَالَ مُحَمَّدٌ يُكْرَهُ شُرْبُهُ وَلَا يَحْرُمُ وَيُعْجَنُ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إنَّهُ طَاهِرٌ) أَيْ وَهُوَ الْمَشْهُورُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ هِيَ الصَّحِيحَةُ اهـ.
كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَأَمَّا سَبَبُهُ فَإِقَامَةُ الْقُرْبَةِ) قَالَ فِي الْكَافِي لِمُحَمَّدٍ إنَّ الِاسْتِعْمَالَ بِانْتِقَالِ نَجَاسَةِ الْآثَامِ إلَيْهِ، وَإِنَّمَا تُزَالُ بِالْقُرْبَةِ كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ «مَنْ تَوَضَّأَ فَأَحْسَنَ الْوُضُوءَ خَرَجَتْ خَطَايَاهُ حَتَّى تَخْرُجَ مِنْ تَحْتِ أَظْفَارِهِ» وَقَالَا إسْقَاطُ الْفَرْضِ مُؤَثِّرٌ أَيْضًا لِأَنَّهُ لَمَّا غَسَلَ الْأَعْضَاءَ، وَقَدْ حَلَّ فِيهَا مَا يَمْنَعُ الصَّلَاةَ تَحَوَّلَ ذَلِكَ الْمَانِعُ إلَى الْمَاءِ وَصَارَ نَظِيرَ تَحَوُّلِ الْآثَامِ.
(قَوْلُهُ وَعِنْدَ زُفَرَ إزَالَةُ الْحَدَثِ) حَتَّى لَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ أَوْ الْجُنُبُ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ لِلتَّبَرُّدِ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِالْإِجْمَاعِ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُحْدِثُ لِلتَّبَرُّدِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُمَا وَزُفَرَ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ لَا لِعَدَمِ فَضْلِ الْقُرْبَةِ، وَكَذَلِكَ عِنْدَ الشَّافِعِيِّ لِعَدَمِ زَوَالِ الْحَدَثِ عِنْدَهُ بِلَا نِيَّةٍ، وَلَوْ تَوَضَّأَ الْمُتَوَضِّئُ لِقَصْدِ الْقُرْبَةِ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا عِنْدَ الثَّلَاثَةِ خِلَافًا لِزُفَرَ وَالشَّافِعِيِّ اهـ. كَاكِيٌّ.
قَالَ الْوَلْوَالِجِيُّ رحمه الله فِي الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ ثَلَاثُ رِوَايَاتٍ رَوَى مُحَمَّدٌ عَنْهُ أَنَّهُ طَاهِرٌ غَيْرُ طَهُورٍ وَالْفَتْوَى عَلَيْهِ لِعُمُومِ الْبَلْوَى إلَّا فِي الْجُنُبِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ، وَإِنْ غَسَلَ رَأْسَ إنْسَانٍ مَقْتُولٍ قَدْ بَانَ مِنْهُ بِالْمَاءِ كَانَ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ الرَّأْسَ إذَا وُجِدَ مَعَ الْبَدَنِ ضُمَّ إلَى الْبَدَنِ وَصُلِّيَ عَلَيْهِ فَكَانَ هُوَ بِمَنْزِلَةِ الْبَدَنِ فَيَكُونُ غُسَالَتُهُ مُسْتَعْمَلَةً قَالَ قَاضِي خَانْ رحمه الله اتَّفَقَ أَصْحَابُنَا فِي الرِّوَايَةِ الظَّاهِرَةِ عَلَى أَنَّ الْمَاءَ الْمُسْتَعْمَلَ فِي الْبَدَنِ لَا يَبْقَى طَهُورًا، وَاخْتَلَفُوا فِي طَهَارَتِهِ وَفِي السَّبَبِ الَّذِي يَصِيرُ بِهِ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا وَفِي الْوَقْتِ الَّذِي يَأْخُذُ الْمَاءُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ، أَمَّا السَّبَبُ اتَّفَقُوا أَنَّهُ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا إذَا اسْتَعْمَلَهُ لِلطَّهَارَةِ، وَاخْتَلَفُوا فِي أَنَّهُ هَلْ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا بِسُقُوطِ الْفَرْضِ إذَا لَمْ يَنْوِ ذَلِكَ، أَوْ قَصَدَ التَّبَرُّدَ أَوْ إخْرَاجَ الدَّلْوِ مِنْ الْبِئْرِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ اتَّفَقُوا أَنَّهُ مَا دَامَ عَلَى الْعُضْوِ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمَ الِاسْتِعْمَالِ، وَبَعْدَ الزَّوَالِ عَنْ الْعُضْوِ اخْتَلَفُوا فِيهِ، قَالَ بَعْضُهُمْ: يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا وَإِنْ كَانَ فِي الْهَوَى بَعُدَ بِدَلِيلِ أَنَّ الْمُحْدِثَ إذَا غَسَلَ ذِرَاعَيْهِ فَأَمْسَكَ إنْسَانٌ يَدَهُ تَحْتَ ذِرَاعَيْهِ وَغَسَلَهُمَا بِذَلِكَ الْمَاءِ لَا يَجُوزُ مَرْوِيٌّ ذَلِكَ عَنْ أَصْحَابِنَا، وَكَذَا الْمُحْدِثُ إذَا غَسَلَ عُضْوًا قَبْلَ أَنْ يَجْتَمِعَ فِي الْمَكَانِ غَسَلَ بِهِ عُضْوًا آخَرَ لَا يَجُوزُ عَلَى قَوْلِ أَبِي مُطِيعٍ الْبَلْخِيّ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا مَا لَمْ يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان وَيَسْكُنْ عَنْ التَّحْرِيكِ.
وَأَمَّا الِاخْتِلَافُ فِي طَهَارَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ وَنَجَاسَتِهِ قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَبُو يُوسُفَ فِي الْمَشْهُورِ عَنْهُمَا هُوَ نَجِسٌ، وَقَالَ مُحَمَّدٌ طَاهِرٌ فَإِنْ أَصَابَ ذَلِكَ الْمَاءُ ثَوْبًا إنْ كَانَ ذَلِكَ مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ فَأَصَابَهُ أَكْثَرُ مِنْ قَدْرِ الدِّرْهَمِ لَا تَجُوزُ الصَّلَاةُ عِنْدَنَا، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ذَلِكَ مَاءَ الِاسْتِنْجَاءِ عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَأَبِي يُوسُفَ لَا يَمْنَعُ مَا لَمْ يَفْحُشْ، وَالْفَاحِشُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ مَا يُفْحِشُهُ النَّاظِرُ وَقِيلَ إنْ كَانَ رُبْعَ الثَّوْبِ فَهُوَ كَبِيرٌ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ إنْ كَانَ شِبْرًا فِي شِبْرٍ فَهُوَ كَبِيرٌ وَفِي رِوَايَةِ مُحَمَّدٍ عَنْ أَبِي يُوسُفَ يُقَدَّرُ بِالرُّبْعِ قِيلَ أَرَادَ بِهِ رُبْعَ الْكُمِّ وَرُبْعَ الذَّيْلِ لَا رُبْعَ جَمِيعِ الثَّوْبِ. الْمَرْأَةُ إذَا وَصَلَتْ شَعْرَهَا بِشَعْرِ غَيْرِهَا ثُمَّ غَسَلَتْ الشَّعْرَ الَّذِي وَصَلَتْ لَمْ يَصِرْ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا، وَإِنْ غَسَلَتْ شَعْرَ الرَّأْسِ صَارَ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا اهـ.
ظَهِيرِيَّةٌ (قَوْلُهُ لَا يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا لِلضَّرُورَةِ) لِأَنَّهُ عَسَى أَنْ لَا يَجِدَ إنَاءً صَغِيرًا وَلَا يُمْكِنُهُ صَبُّ
وَرَدَ حَدِيثُ عَائِشَةَ رضي الله عنها فِي اغْتِسَالِهَا مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ حَتَّى لَوْ أَدْخَلَ رِجْلَهُ فِي الْإِنَاءِ أَوْ رَأْسَهُ أَوْ نَحْوَ ذَلِكَ مِنْ أَعْضَائِهِ أَفْسَدَهُ لِعَدَمِ الضَّرُورَةِ فَكَذَا هُنَا؛ لِأَنَّ وُقُوعَ الدَّلْوِ فِي الْبِئْرِ يَكْثُرُ، وَالْجَنَابَةُ تَكْثُرُ أَيْضًا فَلَوْ اغْتَسَلُوا لِإِخْرَاجِ الدَّلْوِ كُلَّمَا وَقَعَ يُحْرَجُونَ وَلَوْ تَوَضَّأَ الصَّبِيُّ يَصِيرُ الْمَاءُ مُسْتَعْمَلًا.
وَلَوْ غَسَلَ الطَّاهِرُ شَيْئًا مِنْ بَدَنِهِ غَيْرَ أَعْضَاءِ الْوُضُوءِ كَالْفَخِذِ وَالْجَنْبِ بِنِيَّةِ الْقُرْبَةِ قِيلَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا كَأَعْضَاءِ الْوُضُوءِ وَقِيلَ لَا يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا، وَأَمَّا وَقْتُ ثُبُوتِ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ فَقَدْ ذَكَرَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ أَنَّهُ لَا يَكُونُ مُسْتَعْمَلًا حَتَّى يَسْتَقِرَّ فِي مَكَان، سَوَاءٌ كَانَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ أَرْضًا أَوْ إنَاءً أَوْ كَفَّ الْمُتَوَضِّئِ، وَهُوَ قَوْلُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ، وَقَالُوا لِأَنَّهُ لَوْ مَسَحَ رَأْسَهُ بِمَا بَقِيَ فِي كَفِّهِ مِنْ الْبَلَّةِ يَجُوزُ وَكَذَا لَوْ بَقِيَ مِنْ بَدَنِهِ لَمْعَةٌ مِنْ عُضْوٍ فَأَخَذَ الْمَاءَ مِنْهُ أَيْ مِنْ ذَلِكَ الْعُضْوِ فَغَسَلَ بِهِ اللَّمْعَةَ جَازَ وَلَا يَجُوزُ بِمَا أَخَذَهُ مِنْ عُضْوٍ آخَرَ فِي الْوُضُوءِ بِخِلَافِ الْجَنَابَةِ؛ لِأَنَّ الْبَدَنَ كُلَّهُ بِمَنْزِلَةِ عُضْوٍ وَاحِدٍ فِيهَا وَمِنْ أَيِّ عُضْوٍ كَانَ فِي الْجَنَابَةِ يَجُوزُ أَنْ يَسْتَوْعِبَهَا بِهِ لِعَدَمِ الِاسْتِقْرَارِ فِي مَوْضِعٍ، وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَمَا زَايَلَ الْعُضْوَ يَصِيرُ مُسْتَعْمَلًا؛ لِأَنَّ سُقُوطَ حُكْمِ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ بَعْدَهُ، وَلَا يَجُوزُ الْمَسْحُ بِمَا بَقِيَ مِنْ الْبَلَّةِ بَعْدَ الِاسْتِعْمَالِ فِي رِوَايَةٍ فَلَنَا أَنْ نَمْنَعَ وَعَلَى الصَّحِيحِ إنَّمَا يَجُوزُ بَعْدَمَا اسْتَعْمَلَهُ فِي الْمَغْسُولِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ تَأَدَّى بِمَا جَرَى عَلَى الْعُضْوِ لَا بِالْبَلَّةِ الْبَاقِيَةِ فِي الْكَفِّ وَغَيْرِهِ، قَالَ رحمه الله (وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ جحط) أَيْ إذَا انْغَمَسَ الْجُنُبُ فِي الْبِئْرِ لِطَلَبِ الدَّلْوِ فَعِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ الرَّجُلُ وَالْمَاءُ نَجِسَانِ، وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ كِلَاهُمَا بِحَالِهِ وَعِنْدَ مُحَمَّدٍ كِلَاهُمَا طَاهِرٌ فَالْجِيمُ عَلَامَةُ نَجَاسَتِهِمَا وَالْحَاءُ عَلَامَةُ بَقَائِهِمَا عَلَى حَالِهِمَا وَالطَّاءُ عَلَامَةُ طَهَارَتِهِمَا.
وَجْهُ قَوْلِ مُحَمَّدٍ إنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ لِعَدَمِ اشْتِرَاطِ الصَّبِّ وَكَذَا الْمَاءُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ، وَهِيَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَعِنْدَ بَعْضِهِمْ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ، وَوَجْهُ قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ إنَّ الرَّجُلَ بِحَالِهِ لِعَدَمِ الصَّبِّ وَهُوَ شَرْطٌ عِنْدَهُ وَكَذَا الْمَاءُ بِحَالِهِ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ وَإِزَالَةِ الْحَدَثِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْمَاءَ نَجِسٌ بِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ عَنْ الْبَعْضِ بِأَوَّلِ الْمُلَاقَاةِ، وَالرَّجُلُ نَجِسٌ لِبَقَاءِ الْحَدَثِ فِي بَقِيَّةِ الْأَعْضَاءِ أَوْ لِنَجَاسَةِ الْمَاءِ الْمُسْتَعْمَلِ عَلَى اخْتِلَافِ الْأَقَاوِيلِ وَعَنْهُ أَنَّ الرَّجُلَ طَاهِرٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ لَا يُعْطَى لَهُ حُكْمُ الِاسْتِعْمَالِ قَبْلَ الِانْفِصَالِ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ عَنْهُ.
قَالَ رحمه الله (وَكُلُّ إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ) لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ» وَأَيُّ نَكِرَةٌ يُرَادُ بِهَا جُزْءُ مَا تُضَافُ إلَيْهِ وَقَدْ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ فَتَعُمُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ وَفِي الْفِيلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ. وَقَوْلُهُ: طَهُرَ يُفِيدُ طَهَارَةَ بَاطِنِهِ وَظَاهِرِهِ فَيَكُونُ حُجَّةً عَلَى مَالِكٍ فِي قَوْلِهِ يَطْهُرُ ظَاهِرُهُ دُونَ بَاطِنِهِ حَتَّى لَا يَجُوزُ أَنْ يُصَلِّيَ فِيهِ وَلَا الْوُضُوءُ مِنْهُ عِنْدَهُ، وَتَجُوزُ الصَّلَاةُ عَلَيْهِ وَقَوْلُهُ كُلُّ إهَابٍ يَتَنَاوَلُ جَمِيعَ جِلْدٍ يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ، وَأَمَّا مَا لَا يَحْتَمِلُ الدِّبَاغَ مِثْلُ جِلْدِ الْحَيَّةِ الصَّغِيرَةِ وَالْفَأْرَةِ لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ كَاللَّحْمِ وَعَنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
الْمَاءِ عَلَى يَدِهِ مِنْ الْكَبِيرِ فَيُضْطَرُّ إلَى الْإِدْخَالِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ فَلَوْ اغْتَسَلُوا لِإِخْرَاجِ الدَّلْوِ كُلَّمَا وَقَعَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْكَافِي: وَإِنَّمَا لَمْ يَحْكُمْ مُحَمَّدٌ بِاسْتِعْمَالِ الْمَاءِ فِي مَسْأَلَةِ الْبِئْرِ لِلضَّرُورَةِ فَإِنَّهُمْ لَوْ جَاءُوا بِمَنْ يَطْلُبُ دَلْوَهُمْ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يُكَلِّفُوهُ بِالِاغْتِسَالِ أَوَّلًا اهـ (قَوْلُهُ بِمَا جَرَى عَلَى الْعُضْوِ) أَيْ؛ لِأَنَّ الْبَلَّةَ الْبَاقِيَةَ فِي الْكَفِّ مَاءٌ مُسْتَعْمَلٌ بَلْ الْمُسْتَعْمَلُ الَّذِي انْفَصَلَ مِنْ الْكَفِّ وَجَرَى عَلَى الْعُضْوِ الَّذِي أُرِيدَ غَسْلُهُ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ جحط) كَلَامٌ إضَافِيٌّ مُبْتَدَأٌ، وَقَوْلُهُ جحط فِي مَوْضِعِ الرَّفْعِ عَلَى الْخَبَرِيَّةِ تَقْدِيرُهُ وَمَسْأَلَةُ الْبِئْرِ تُضْبَطُ فِيهَا بِحُرُوفِ جحط اهـ ع (قَوْلُهُ لِطَلَبِ الدَّلْوِ) قَيَّدَ بِهِ إذْ لَوْ انْغَمَسَ لِلِاغْتِسَالِ يَفْسُدُ الْمَاءُ عِنْدَ الْكُلِّ، وَالْمُرَادُ مِنْ الْجُنُبِ الَّذِي لَيْسَ فِي بَدَنِهِ نَجَاسَةٌ مِنْ الْمَنِيِّ وَغَيْرِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَكَذَا الْمَاءُ) أَيْ طَاهِرٌ طَهُورٌ، وَإِلَّا فَالْمَاءُ الْمُسْتَعْمَلُ طَاهِرٌ عِنْدَهُ. اهـ. سَرُوجِيٌّ (قَوْلُهُ لِعَدَمِ نِيَّةِ الْقُرْبَةِ) أَيْ الَّتِي يَصِيرُ الْمَاءُ بِهَا مُسْتَعْمَلًا عِنْدَهُ اهـ. (قَوْلُهُ وَهُوَ شَرْطٌ) أَيْ لِإِسْقَاطِ الْفَرْضِ وَإِقَامَةِ الْقُرْبَةِ. اهـ. كَافِي. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَوْفَقُ الرِّوَايَاتِ) أَيْ لِلْقِيَاسِ وَقَالَ الْكَافِي أَيْ أَسْهَلُ وَفِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ وَهَذِهِ الرِّوَايَةُ صَحِيحَةٌ؛ لِأَنَّ الْمَاءَ مَا دَامَ مُتَرَدِّدًا عَلَى الْأَعْضَاءِ فَالضَّرُورَةُ دَاعِيَةٌ إلَى الْحُكْمِ بِطَهَارَتِهِ وَبَعْدَ الِانْفِصَالِ لَا ضَرُورَةَ. اهـ. كَاكِيٌّ
. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكُلُّ إهَابٍ) اسْمٌ لِلْجِلْدِ الْغَيْرِ الْمَدْبُوغِ وَالْمُرَادُ إهَابُ الْمَيْتَةِ؛ لِأَنَّ إهَابَ الْمُذْكَاةِ طَاهِرٌ فَلَا يَحْتَاجُ إلَى الدِّبَاغَةِ. اهـ. يَحْيَى ثُمَّ اعْلَمْ أَنَّ مَا هُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ يَحْتَمِلُ أَنْ يَتَبَدَّلَ إلَى الطَّهَارَةِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ قَالَ فِي مِعْرَاجِ الدِّرَايَةِ فِي بَابِ الْأَسْآرِ: فَإِنَّ جِلْدَ الْمَيْتَةِ نَجِسُ الْعَيْنِ حَتَّى لَمْ يَجُزْ بَيْعُهُ بِالِاتِّفَاقِ، وَلَوْ كَانَ نَجِسًا بِالْمُجَاوَرَةِ لَجَازَ بَيْعُهُ كَالثَّوْبِ النَّجِسِ وَالدُّهْنِ النَّجِسِ، ثُمَّ الدِّبَاغُ أَثَّرَ فِيهِ وَطُهْرَهُ كَتَخْلِيلِ الْخَمْرِ فَعُلِمَ أَنَّ مَا هُوَ نَجِسُ الْعَيْنِ يَحْتَمِلُ التَّبَدُّلَ إلَى الطَّهَارَةِ بِأَمْرٍ شَرْعِيٍّ اهـ.
(قَوْلُهُ «أَيُّمَا إهَابٍ دُبِغَ فَقَدْ طَهُرَ») الْحَدِيثَ. رَوَاهُ الْخَمْسَةُ غَيْرَ الْبُخَارِيِّ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَدْ وُصِفَتْ بِصِفَةٍ عَامَّةٍ) أَيْ وَهِيَ الدِّبَاغَةُ اهـ (قَوْلُهُ فَتَعُمُّ مَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ وَمَا لَا يُؤْكَلُ)، وَسَوَاءٌ كَانَ ذَكِيَّةً أَوْ مَيْتَةً. اهـ. رَازِيٌّ خِلَافًا لِمَالِكٍ فِي جِلْدِ الْمَيْتَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَنْتَفِعُوا بِالْمَيْتَةِ بِإِهَابٍ» وَلِلشَّافِعِيِّ فِي جِلْدِ الْكَلْبِ لِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ عِنْدَهُ رَازِيٌّ فَإِنْ قِيلَ الْحَدِيثُ مَتْرُوكُ الظَّاهِرِ؛ لِأَنَّهُ يَتَنَاوَلُ جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ وَلَا يَطْهُرَانِ بِالدِّبَاغِ قُلْنَا جِلْدُ الْخِنْزِيرِ لَا يَنْدَبِغُ فَلَا يَطْهُرُ؛ لِأَنَّ شَعْرَهُ غَلِيظٌ يَنْبُتُ مِنْ لَحْمِهِ وَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ كَالْخَمْرِ، وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ إنْ احْتَمَلَ الدِّبَاغَ طَهُرَ لَكِنْ لَا يَحِلُّ دَبْغُهُ وَسَلْخُهُ وَابْتِذَالُهُ احْتِرَامًا لَهُ كَشَعْرِهِ. اهـ. كَافِي (قَوْلُهُ وَفِي الْفِيلِ خِلَافُ مُحَمَّدٍ) أَيْ لِأَنَّهُ عِنْدَهُ نَجِسُ الْعَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا الْوُضُوءُ مِنْهُ) أَيْ بِأَنْ جُعِلَ قُرْبَةً اهـ
مُحَمَّدٍ لَوْ أَصْلَحَ مَصَارِينَ الشَّاةِ الْمَيِّتَةِ أَوْ دَبَغَ الْمَثَانَةَ وَأَصْلَحَهَا طَهُرَتْ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ هِيَ كَاللَّحْمِ ثُمَّ كُلُّ مَا يَمْنَعُ النَّتْنَ وَالْفَسَادَ فَهُوَ دِبَاغٌ، وَاَلَّذِي يَمْنَعُ النَّتْنَ عَلَى نَوْعَيْنِ حَقِيقِيٌّ كَالْقَرَظِ وَالشَّثِّ وَالْعَفْصِ وَنَحْوِهِ وَحُكْمِيٌّ كَالتَّتْرِيبِ وَالتَّشْمِيسِ وَالْإِلْقَاءِ فِي الرِّيحِ، وَلَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ لَمْ يَطْهُرْ وَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ؛ لِأَنَّهَا أَبْلَغُ فِي إزَالَةِ الرُّطُوبَةِ وَالدِّمَاءِ مِنْ الدِّبَاغِ، وَقَالَ كَثِيرٌ مِنْ الْمَشَايِخِ: يَطْهُرُ جِلْدُهُ بِهَا وَلَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ كَمَا لَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّ سُؤْرَهُ نَجِسٌ وَمَا ذَاكَ إلَّا لِنَجَاسَةِ عَيْنِهِ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رحمه الله (إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) أَمَّا الْخِنْزِيرُ فَلِأَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] رَاجِعٌ إلَيْهِ أَيْ إلَى الْخِنْزِيرِ لِقُرْبِهِ، فَإِنْ قِيلَ عَوْدُ الضَّمِيرِ كَمَا يَكُونُ إلَى الْأَقْرَبِ يَكُونُ إلَى الْمَقْصُودِ، وَالْمُضَافُ هُوَ الْمَقْصُودُ بِالنِّسْبَةِ دُونَ الْمُضَافِ إلَيْهِ فَوَجَبَ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَيْهِ كَمَا يُقَالُ لَقِيت ابْنَ عَبَّاسٍ فَحَدَّثْته قُلْنَا لَا يَمْتَنِعُ عَوْدُ الضَّمِيرِ إلَى الْمُضَافِ إلَيْهِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {وَاشْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ} [النحل: 114] وَلِأَنَّهُ لَمَّا تَعَارَضَ الْأَصْلَانِ فَصَرْفُهُ إلَى مَا هُوَ الْعَمَلُ بِهِمَا أَوْلَى إذْ اللَّحْمُ مَوْجُودٌ فِي الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا الْآدَمِيُّ فَلِحُرْمَتِهِ وَاسْتِثْنَاؤُهُ مَعَ الْخِنْزِيرِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ لَا يَطْهُرُ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ بَلْ إذَا دُبِغَ طَهُرَ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ وَلَكِنْ لَا يَجُوزُ الِانْتِفَاعُ بِهِ كَسَائِرِ أَجْزَائِهِ.
قَالَ رحمه الله (وَشَعْرُ الْإِنْسَانِ وَالْمَيْتَةِ وَعَظْمُهُمَا طَاهِرَانِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ «سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ أَلَا كُلُّ شَيْءٍ مِنْ الْمَيْتَةِ حَلَالٌ إلَّا مَا أُكِلَ مِنْهَا» «وَكَانَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُشْطٌ مِنْ عَاجٍ» ، وَلِأَنَّهُ «عليه السلام نَاوَلَ شَعْرَهُ أَبَا طَلْحَةَ فَقَسَمَهُ بَيْنَ النَّاسِ» وَلَوْ كَانَ نَجِسًا لَمَا فَعَلَ ذَلِكَ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ هُمَا نَجِسَانِ وَالْحُجَّةُ عَلَيْهِ مَا رَوَيْنَا وَلِأَنَّهُ لَا حَيَاةَ فِيهِمَا حَتَّى لَا يَتَأَلَّمُ الْحَيَوَانُ بِقَطْعِهِمَا فَلَا يُحِلُّهُمَا الْمَوْتُ وَأَرَادَ بِالْمَيْتَةِ غَيْرَ الْخِنْزِيرِ، وَأَمَّا الْخِنْزِيرُ فَجَمِيعُ أَجْزَائِهِ نَجِسُ الْعَيْنِ خِلَافًا لِمُحَمَّدٍ فِي شَعْرِهِ، وَهُوَ يَقُولُ إنَّ حَلَّ الِانْتِفَاعِ بِهِ يَدُلُّ عَلَى طَهَارَتِهِ وَلَنَا أَنَّهُ نَجِسُ الْعَيْنِ إذْ الْهَاءُ فِي قَوْله تَعَالَى {فَإِنَّهُ رِجْسٌ} [الأنعام: 145] مُنْصَرِفٌ إلَيْهِ وَهُوَ يَشْمَلُ جَمِيعَ أَجْزَائِهِ، وَجَوَازُ الِانْتِفَاعِ بِهِ لِلْأَسَاكِفَةِ لِلضَّرُورَةِ وَلَا ضَرُورَةَ فِي غَيْرِهِ فَبَقِيَ عَلَى أَصْلِهِ، وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ وَبَيْضُهَا وَعَصَبُهَا وَإِفْحَتُهَا الصُّلْبَةُ طَاهِرَةٌ؛ لِأَنَّ اللَّبَنَ لَا يَمُوتُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ: لَا يُشْرَبُ اللَّبَنُ لِأَنَّهُ فِي وِعَاءِ الْمَيْتَةِ وَكَذَا الْبَيْضُ إنْ كَانَ مَائِعًا لَا يَأْكُلُهُ وَنَافِجَةُ الْمِسْكِ إنْ كَانَتْ بِحَالٍ لَوْ أَصَابَهَا الْمَاءُ لَمْ تَفْسُدْ فَهِيَ طَاهِرَةٌ، وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِكُلِّ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ الْمَثَانَةُ) بِالْمُثَلَّثَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَالشَّثُّ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ شَجَرٌ يُدْبَغُ بِوَرَقِهِ، وَهُوَ كَوَرَقِ الْخِلَافِ وَالشَّبُّ تَصْحِيفٌ لِأَنَّهُ صِبَاغٌ لَا دِبَاغٌ. اهـ. مُغْرِبٌ (قَوْلُهُ وَالْعَفْصُ) أَيْ يَطْهُرُ الْجِلْدُ وَلَا تَعُودُ نَجَاسَتُهُ أَبَدًا. اهـ. وِقَايَةٌ.
(قَوْلُهُ وَلَوْ جَفَّ وَلَمْ يَسْتَحِلَّ لَمْ يَطْهُرْ) أَيْ لَمْ يَزُلْ نَتْنُهُ وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَبُو نَصْرٍ: سَمِعْت بَعْضَ أَصْحَابِ أَبِي حَنِيفَةَ يَقُولُ إنَّمَا يَطْهُرُ بِالتَّشْمِيسِ إذَا عَمِلَتْ الشَّمْسُ بِهِ عَمَلَ الدِّبَاغِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَمَا يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ) إنَّمَا يَطْهُرُ الْجِلْدُ بِالذَّكَاةِ إذَا كَانَتْ فِي الْمَحَلِّ مِنْ الْأَهْلِ فَذَكَاةُ الْمَجُوسِيِّ لَا يَطْهُرُ بِهَا الْجِلْدُ بَلْ بِالدَّبْغِ؛ لِأَنَّهَا إمَاتَةٌ قَالَهُ الْكَمَالُ، وَفِي الْقُنْيَةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ اهـ. وَفِي الْأَسْرَارِ عَنْ مَشَايِخِنَا لَا يَطْهُرُ لَحْمُهُ بِالذَّكَاةِ، وَهُوَ الصَّحِيحُ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ؛ لِأَنَّ الْحُرْمَةَ لَا لِلْكَرَامَةِ فِيمَا يُعْتَادُ أَكْلُهُ تَدُلُّ عَلَى النَّجَاسَةِ لَكِنْ بَيْنَ اللَّحْمِ وَالْجِلْدِ جِلْدَةٌ رَقِيقَةٌ تَمْنَعُ مُمَاسَّةَ اللَّحْمِ الْجِلْدَ فَلَا يَنْجُسُ، وَبِهِ أَخَذَ الْمُحَقِّقُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَأَبُو جَعْفَرٍ وَالنَّاطِفِيُّ وَشَيْخُ الْإِسْلَامِ خُوَاهَرْ زَادَهْ وَقَاضِي خَانْ وَفِي الْخُلَاصَةِ وَهُوَ الْمُخْتَارُ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ يَطْهُرُ لَحْمُهُ وَإِنْ لَمْ يَحِلَّ الْأَكْلُ بِدَلِيلِ أَنَّ جِلْدَهُ يَطْهُرُ بِالذَّكَاةِ وَالْجِلْدُ مُتَّصِلٌ بِاللَّحْمِ، وَبِهِ أَخَذَ الْمُصَنِّفُ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَفِي الْقُنْيَةِ قَالَ الْكَرَابِيسِيُّ وَالْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ: مَجُوسِيٌّ ذَبَحَ حِمَارًا قِيلَ لَا يَطْهُرُ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ يَطْهُرُ. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَإِنْ كَانَتْ بِالتُّرَابِ أَوْ بِالشَّمْسِ يَطْهُرُ إذَا يَبِسَ ثُمَّ بِإِصَابَةِ الْمَاءِ هَلْ يَعُودُ نَجِسًا فَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله رِوَايَتَانِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ إنْ صَارَ بِالشَّمْسِ بِحَيْثُ لَوْ تُرِكَ لَمْ يَفْسُدْ كَانَ دِبَاغًا اهـ وَقَالَ الْعَيْنِيُّ فِي شَرْحِ الْمَجْمَعِ فَلَوْ أَصَابَهَا مَاءٌ أَوْ شَيْءٌ مَائِعٌ بَعْدَ الدِّبَاغَةِ الْحَقِيقِيَّةِ لَا يَعُودُ نَجِسًا وَبَعْدَ الْحُكْمِيَّةِ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ رِوَايَتَانِ اهـ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ إلَّا جِلْدَ الْخِنْزِيرِ وَالْآدَمِيِّ) قِيلَ الِاسْتِثْنَاءُ تَكَلُّمٌ بِالْبَاقِي بَعْدَ الثُّنْيَا عِنْدَنَا، وَاَلَّذِي قِيلَ إذَا طُحِنَ سِنُّ الْآدَمِيِّ مَعَ الْحِنْطَةِ لَمْ تُؤْكَلْ فَذَلِكَ لِحُرْمَةِ الْآدَمِيِّ لَا لِنَجَاسَتِهِ، وَالْجَوَابُ عَنْ تَعَلُّقِهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةُ} [المائدة: 3] مَا قَالَهُ الْعَلَّامَةُ الْمَيْتَةُ مَا فَارَقَهُ الرُّوحُ بِلَا ذَكَاةٍ وَلَا رُوحَ لِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ فَلَمْ تَدْخُلْ تَحْتَ التَّحْرِيمِ اهـ كَاكِيٌّ وَإِنَّمَا أَخَّرَهُ؛ لِأَنَّ الْمَوْضِعَ مَوْضِعُ إهَانَةٍ كَمَا فِي قَوْله تَعَالَى {لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ} [الحج: 40] اهـ ع (قَوْلُهُ إذَا دُبِغَ طَهِرَ) قِيلَ لَا يُحْكَمُ بِطَهَارَتِهِ لِئَلَّا يُسْتَعْمَلَ كَرَامَةً لَهُ. اهـ. يَحْيَى (قَوْلُهُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ)، قَالَ الرَّازِيّ وَجِلْدُ الْآدَمِيِّ إنْ لَمْ يَحْتَمِلْ الدِّبَاغَ فَطَاهِرٌ، وَإِنْ احْتَمَلَهُ طَهُرَ لَكِنْ لَا يَحِلُّ سَلْخُهُ وَدَبْغُهُ وَابْتِذَالُهُ احْتِرَامًا لَهُ انْتَهَى. فَحَاصِلُ هَذَا الْكَلَامِ مَا عَدَا هَذَيْنِ الْإِهَابَيْنِ يَطْهُرُ بِالدِّبَاغِ، وَهُوَ سَاكِتٌ عَنْهُمَا فَلَيْسَ فِيهِ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِمَا فَكَيْفَ فَهِمَهُ الشَّارِحُ وَاشْتَغَلَ بِالِاسْتِدْلَالِ عَلَيْهِ أَقُولُ الْمَفْهُومُ فِي الرِّوَايَاتِ مُعْتَبَرٌ عِنْدَنَا فَيُفْهَمُ الْحُكْمُ بِنَجَاسَتِهِمَا بِطَرِيقِ الْمَفْهُومِ. اهـ. يَحْيَى
(قَوْلُهُ وَلَبَنُ الْمَيْتَةِ) ذَائِبًا كَانَ أَوْ جَامِدًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْفَحَتُهَا) بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَتَخْفِيفِ الْحَاءِ أَوْ تَشْدِيدِهَا شَيْءٌ يُسْتَخْرَجُ مِنْ بَطْنِ الْجَدْيِ أَصْفَرُ يُعْصَرُ فِي صُوفَةٍ مُبْتَلَّةٍ فِي اللَّبَنِ فَيَغْلُظُ كَالْجُبْنِ وَلَا تَكُونُ إلَّا لِذِي كَرِشٍ، وَقِيلَ مِنْ نَفْسِ الْكَرِشِ إلَّا أَنَّهُ يُسَمَّى إنْفَحَةً مَا دَامَ رَضِيعًا، وَإِنْ رَعَى الْعُشْبَ سُمِّيَ كَرِشًا، وَيُقَالُ الْمِنْفَحَةُ أَيْضًا كَذَا فِي الْمُغْرِبِ، وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ لَا يَشْرَبُ اللَّبَنَ أَيْ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ إنْ كَانَ جَامِدًا يُغْسَلُ وَيُؤْكَلُ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهَا طَاهِرَةٌ بِكُلِّ حَالٍ) قَالَ صَدْرُ الشَّرِيعَةِ فِي شَرْحِ الْوِقَايَةِ وَالصَّحِيحُ فِي نَافِجَةِ الْمِسْكِ جَوَازُ الصَّلَاةِ مَعَهَا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ. اهـ.