الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
بَعْدَ الِانْجِلَاءِ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَكَانَتْ قَبْلَهُ كَالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ. قَالَ رحمه الله:(ثُمَّ يَدْعُو حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ) لِحَدِيثِ الْمُغِيرَةِ بْنِ شُعْبَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ: «إنَّ الشَّمْسَ وَالْقَمَرَ آيَتَانِ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ لَا يَنْكَسِفَانِ لِمَوْتِ أَحَدٍ، وَلَا لِحَيَاتِهِ فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا فَادْعُوا اللَّهَ وَصَلُّوا حَتَّى تَنْجَلِيَ الشَّمْسُ» ، وَهَذَا يُفِيدُ اسْتِيعَابَ الْوَقْتِ بِهِمَا أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ، وَهُوَ السُّنَّةُ ثُمَّ هُوَ فِي الدُّعَاءِ بِالْخِيَارِ إنْ شَاءَ دَعَا جَالِسًا مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، وَإِنْ شَاءَ قَائِمًا يَسْتَقْبِلُ النَّاسَ بِوَجْهِهِ وَيُؤَخِّرُ الدُّعَاءَ عَنْ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ هُوَ السُّنَّةُ فِي الْأَدْعِيَةِ قَالَ رحمه الله:(وَإِلَّا صَلَّوْا فُرَادَى كَالْخُسُوفِ وَالظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ) أَيْ إنْ لَمْ يُصَلِّ إمَامُ الْجُمُعَةِ صَلَّى النَّاسُ فُرَادَى تَحَرُّزًا عَنْ الْفِتْنَةِ إذْ هِيَ تُقَامُ بِجَمْعٍ عَظِيمٍ، وَقَوْلُهُ كَالْخُسُوفِ إلَى آخِرِهِ أَيْ كَخُسُوفِ الْقَمَرِ حَيْثُ يُصَلَّى فِيهِ فُرَادَى؛ لِأَنَّهُ قَدْ خَسَفَ فِي عَهْدِهِ عليه الصلاة والسلام مِرَارًا، وَلَمْ يُنْقَلْ إلَيْنَا أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام جَمَعَ النَّاسَ لَهُ؛ وَلِأَنَّ الْجَمْعَ الْعَظِيمَ بِاللَّيْلِ بَعْدَ مَا نَامُوا لَا يُمْكِنُ، وَهُوَ سَبَبُ الْفِتْنَةِ أَيْضًا فَلَا يُشْرَعُ بَلْ يَتَضَرَّعُ كُلُّ وَاحِدٍ لِنَفْسِهِ، وَكَذَا فِي الظُّلْمَةِ الْهَائِلَةِ بِالنَّهَارِ وَالرِّيحِ الشَّدِيدَةِ وَالزَّلَازِلِ وَالصَّوَاعِقِ وَانْتِثَارِ الْكَوَاكِبِ وَالضَّوْءِ الْهَائِلِ بِاللَّيْلِ وَالثَّلْجِ وَالْأَمْطَارِ الدَّائِمَةِ، وَعُمُومِ الْأَمْرَاضِ وَالْخَوْفِ الْغَالِبِ مِنْ الْعَدُوِّ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ الْأَفْزَاعِ وَالْأَهْوَالِ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ كُلَّهُ مِنْ الْآيَاتِ الْمُخَوِّفَةِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ.
(بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ)
قَالَ رحمه الله: (لَهُ صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ) أَيْ لِلِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ لَا بِجَمَاعَةٍ، وَهَذَا يُشِيرُ إلَى أَنَّهَا مَشْرُوعَةٌ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَلَكِنْ لَمْ يَتَعَرَّضْ لِصِفَةِ تِلْكَ الصَّلَاةِ هَلْ هِيَ مُسْتَحَبَّةٌ أَوْ سُنَّةٌ أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ، وَقَدْ اخْتَلَفَ عِبَارَاتُهُمْ فِيهَا فَقَالَ الْقُدُورِيُّ: لَيْسَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ صَلَاةٌ مَسْنُونَةٌ فِي جَمَاعَةٍ فَإِنْ صَلَّى النَّاسُ وُحْدَانًا جَازَ، وَسَأَلَ أَبُو يُوسُفَ أَبَا حَنِيفَةَ عَنْ الِاسْتِسْقَاءِ هَلْ فِيهِ صَلَاةٌ أَوْ دُعَاءٌ مُؤَقَّتٌ أَوْ خُطْبَةٌ فَقَالَ أَمَّا صَلَاةٌ بِجَمَاعَةٍ فَلَا، وَلَكِنْ فِيهِ الدُّعَاءُ وَالِاسْتِغْفَارُ، وَإِنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَهَذَا يَنْفِي كَوْنَهَا سُنَّةً مُسْتَحَبَّةً، وَلَكِنْ إنْ صَلَّوْا وُحْدَانًا لَا تَكُونُ بِدْعَةً، وَلَا يُكْرَهُ فَكَأَنَّهُ يَرَى إبَاحَتَهَا فَقَطْ فِي حَقِّ الْمُنْفَرِدِ، وَذَكَرَ صَاحِبُ التُّحْفَةِ وَغَيْرُهُ أَنَّهُ لَا صَلَاةَ فِي الِاسْتِسْقَاءِ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ، وَهَذَا يَنْفِي مَشْرُوعِيَّتَهَا مُطْلَقًا، وَقَالَ مُحَمَّدٌ: يُصَلِّي الْإِمَامُ أَوْ نَائِبُهُ رَكْعَتَيْنِ بِجَمَاعَةٍ كَمَا فِي الْجُمُعَةِ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ فِي رِوَايَةٍ، وَمَعَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي أُخْرَى لِمُحَمَّدٍ مَا رُوِيَ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ أَنَّهُ قَالَ «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا يَسْتَسْقِي فَجَعَلَ إلَى النَّاسِ ظَهْرَهُ يَدْعُو اللَّهَ وَاسْتَقْبَلَ الْقِبْلَةَ وَحَوَّلَ رِدَاءَهُ وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ وَجَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» وَلِأَبِي حَنِيفَةَ مَا رَوَاهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَنَسٍ «أَنَّ رَجُلًا دَخَلَ الْمَسْجِدَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ مِنْ بَابٍ كَانَ نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ وَرَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَائِمٌ يَخْطُبُ النَّاسَ فَاسْتَقْبَلَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ثُمَّ قَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ هَلَكَتْ الْأَمْوَالُ وَانْقَطَعَتْ السُّبُلُ فَادْعُ اللَّهَ أَنْ يُغِيثَنَا قَالَ فَرَفَعَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَدَيْهِ ثُمَّ قَالَ اللَّهُمَّ أَغِثْنَا اللَّهُمَّ أَغِثْنَا» الْحَدِيثَ. فَقَدْ اسْتَسْقَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَلَمْ يُصَلِّ لَهُ وَثَبَتَ أَنَّ عُمَرَ اسْتَسْقَى، وَلَمْ يُصَلِّ، وَلَوْ كَانَتْ سُنَّةً لَمَا تَرَكَهَا؛ لِأَنَّهُ كَانَ أَشَدَّ النَّاسِ اتِّبَاعًا لِسُنَّةِ النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام.
وَتَأْوِيلُ مَا رَوَاهُ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام فَعَلَهُ مَرَّةً وَتَرَكَهُ أُخْرَى بِدَلِيلِ مَا رَوَيْنَا عَنْ عُمَرَ وَالسُّنَّةُ لَا تَثْبُتُ بِمِثْلِهِ بَلْ بِالْمُوَاظَبَةِ. قَالَ رحمه الله (وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) أَيْ لَهُ دُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ تَعَالَى {اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} [نوح: 10]{يُرْسِلِ السَّمَاءَ عَلَيْكُمْ مِدْرَارًا} [نوح: 11] جَعَلَهُ سَبَبًا لِإِرْسَالِ السَّمَاءِ قَالَ رحمه الله: (لَا قَلْبُ رِدَاءٍ)
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ: «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهَا» إلَى آخِرِهِ) هَكَذَا فِي صَحِيحِ الْبُخَارِيِّ، وَفِي رِوَايَةٍ لِمُسْلِمٍ «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُ» يَعْنِي الْكُسُوفَ، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى «فَإِذَا رَأَيْتُمُوهُمَا» . اهـ. (قَوْلُهُ اسْتِيعَابَ الْوَقْتِ بِهِمَا) أَيْ بِالصَّلَاةِ وَالدُّعَاءِ (قَوْلُهُ لَمْ يُصَلِّ إمَامُ الْجُمُعَةِ) أَيْ بِأَنْ كَانَ غَائِبًا. اهـ. ع (قَوْلُهُ أَيْ كَخُسُوفِ الْقَمَرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ الصَّلَاةُ فِي كُسُوفِ الْقَمَرِ حَسَنَةٌ، وَكَذَا فِي الظُّلْمَةِ وَالرِّيحِ وَالْفَزَعِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا رَأَيْتُمْ شَيْئًا مِنْ هَذِهِ الْأَهْوَالِ فَافْزَعُوا إلَى الصَّلَاةِ» . (فَائِدَةٌ) الضَّرْبُ عَلَى الْكَاسَاتِ وَنَحْوِهَا عِنْدَ خُسُوفِ الْقَمَرِ مِنْ فِعْلِ الْيَهُودِ فَيَنْبَغِي اجْتِنَابُهُ لِعُمُومِ نَهْيِهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ التَّشَبُّهِ بِالْكُفَّارِ. اهـ. شَرْحُ الْعُمْدَةِ لِابْنِ الْمُلَقِّنِ. اهـ.
[بَابُ الِاسْتِسْقَاءِ]
قَالَ الْعَيْنِيُّ الِاسْتِسْقَاءُ طَلَبُ السُّقْيَا بِضَمِّ السِّينِ، وَهُوَ الْمَطَرُ. اهـ. (قَوْلُهُ وَأَبُو يُوسُفَ مَعَهُ إلَى آخِرِهِ) فِي الْبَدَائِعِ، وَلَمْ يَذْكُرْ فِي ظَاهِرِ الرِّوَايَةِ قَوْلَ أَبِي يُوسُفَ وَذَكَرَ فِي بَعْضِ الْمَوَاضِعِ قَوْلَهُ مَعَ قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ وَذَكَرَ الطَّحَاوِيُّ قَوْلَهُ مَعَ مُحَمَّدٍ، وَهُوَ الْأَصَحُّ (قَوْلُهُ: عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ زِيَادٍ) كَذَا فِي خَطِّ الشَّارِحِ، وَفِي نُسْخَةِ قَارِئِ الْهِدَايَةِ زَيْدٌ. اهـ. (قَوْلُهُ:«وَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ» ) إلَى هُنَا رِوَايَةُ مُسْلِمٍ وَزَادَ الْبُخَارِيُّ «جَهَرَ فِيهِمَا بِالْقِرَاءَةِ» . اهـ. عَبْدُ الْحَقِّ (قَوْلُهُ: نَحْوَ دَارِ الْقَضَاءِ إلَى آخِرِهِ) سُمِّيَتْ دَارُ الْقَضَاءِ؛ لِأَنَّهَا بِيعَتْ فِي قَضَاءِ دَيْنِ عُمَرَ الَّذِي كَتَبَهُ عَلَى نَفْسِهِ لِبَيْتِ الْمَالِ وَهُوَ ثَمَانِيَةٌ وَعِشْرُونَ أَلْفًا مِنْ مُعَاوِيَةَ، وَهِيَ دَارُ مَرْوَانَ كَذَا بِخَطِّ الشَّارِحِ رحمه الله (قَوْلُهُ: فِي الْمَتْنِ وَدُعَاءٌ وَاسْتِغْفَارٌ) هُمَا بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ صَلَاةٌ. اهـ. ع قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله، وَقِيَاسُ مَا ذَكَرْنَا مِنْ الِاسْتِسْقَاءِ إذَا تَأَخَّرَ الْمَطَرُ عَنْ أَوَانِهِ فَعَلَهُ أَيْضًا لَوْ مَلَحَتْ الْمِيَاهُ الْمُحْتَاجُ إلَيْهَا أَوْ غَارَتْ. اهـ