الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
أَنْ يُعِيدَ لِتَقَعَ الْأَفْعَالُ مُرَتَّبَةً بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ يَلْزَمُهُ إعَادَةُ الرُّكُوعِ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ.
قَالَ رحمه الله (وَتَعَيَّنَ الْمَأْمُومُ الْوَاحِدُ لِلِاسْتِخْلَافِ بِلَا نِيَّةٍ) أَيْ إذَا كَانَ خَلْفَ الْإِمَامِ شَخْصٌ وَاحِدٌ فَأَحْدَثَ الْإِمَامُ تَعَيَّنَ ذَلِكَ الْوَاحِدُ لِلْإِمَامَةِ عَيَّنَهُ الْإِمَامُ بِالنِّيَّةِ أَوْ لَمْ يُعَيِّنْهُ لِمَا فِيهِ مِنْ صِيَانَةِ الصَّلَاةِ، وَإِنَّمَا يَحْتَاجُ إلَى التَّعْيِينِ الْأَوَّلِ لِقَطْعِ الْمُزَاحَمَةِ وَلَا مُزَاحَمَةَ هُنَا وَصَارَ الْإِمَامُ مُؤْتَمًّا إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَإِنْ لَمْ يَخْرُجْ فَهُوَ عَلَى إمَامَتِهِ حَتَّى يَجُوزُ الِاقْتِدَاءُ بِهِ، وَكَذَا لَوْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَمِرُّ عَلَى إمَامَتِهِ وَعَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ يُتَابِعُ الَّذِي خَلْفَهُ وَإِنْ تَوَضَّأَ فِي الْمَسْجِدِ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا لَمْ يَكُنْ خَلْفَهُ إلَّا هُوَ تَعَيَّنَ لِلْإِمَامَةِ نَوَى أَوْ لَمْ يَنْوِ بِخِلَافِ مَا إذَا كَانَ خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ، وَقَوْلُهُ وَتَعَيَّنَ الْوَاحِدُ لِلِاسْتِخْلَافِ يَشْمَلُ مَنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ وَقَدْ بَيَّنَّا حُكْمَهُ وَمِنْ لَا يَصْلُحُ مِثْلَ الْمَرْأَةِ وَالصَّبِيِّ وَالْخُنْثَى وَالْأُمِّيِّ وَالْأَخْرَسِ وَالْمُتَنَفِّلِ خَلْفَ الْمُفْتَرِضِ وَالْمُقِيمِ خَلْفَ الْمُسَافِرِ فِي الْقَضَاءِ فَحُكْمُهُ أَنَّهُ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَقَالَ بَعْضُهُمْ يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّهُ مُحْتَاجٌ إلَى إصْلَاحِ صَلَاتِهِ كَمَا يَحْتَاجُ مِنْ يَصْلُحُ لِلْإِمَامَةِ إلَيْهَا، ثُمَّ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ كَمَا لَوْ اسْتَخْلَفَهُ قَصْدًا وَلَا تَبْطُلُ فِي أُخْرَى؛ لِأَنَّ الْإِمَامَةَ انْتَقَلَتْ مِنْهُ مِنْ غَيْرِ صُنْعِهِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ؛ لِأَنَّ التَّعْيِينَ كَانَ لِلْإِصْلَاحِ وَلَوْ تَعَيَّنَ هُنَا لَزِمَ الْفَسَادُ فَلَا حَاجَةَ إلَيْهِ، ثُمَّ إذَا تَعَيَّنَ لِلْإِمَامَةِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ فِي رِوَايَةٍ وَالْمُقْتَدِي إذَا خَرَجَ مِنْ الْمَسْجِدِ لِخُلُوِّ مَوْضِعِ الْإِمَامَةِ عَنْ الْإِمَامَةِ وَقِيلَ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي دُونَ صَلَاةِ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْإِمَامَ مُنْفَرِدٌ فَلَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ بِالْخُرُوجِ مِنْ الْمَسْجِدِ عِنْدَ الْحَدَثِ وَالْمُقْتَدِي يَكُونُ مُقْتَدِيًا بِمَنْ هُوَ خَارِجُ الْمَسْجِدِ فَتَبْطُلُ صَلَاتُهُ لِذَلِكَ وَهَذَا الْخِلَافُ فِيمَا إذَا لَمْ يَسْتَخْلِفْهُ، وَأَمَّا إذَا اسْتَخْلَفَهُ فَبِالْإِجْمَاعِ تَبْطُلُ صَلَاةُ الْإِمَامِ وَالْمُسْتَخْلَفُ، وَأَمَّا إذَا كَانَ خَلْفَهُ جَمَاعَةٌ فَلَا يَتَعَيَّنُ وَاحِدٌ مِنْهُمْ إلَّا بِتَعْيِينِ الْإِمَامِ أَوْ الْقَوْمِ أَوْ يَتَعَيَّنُ هُوَ بِالتَّقَدُّمِ وَالِاقْتِدَاءِ بِهِ لِعَدَمِ الْأَوْلَوِيَّةِ وَفِي شَرْحِ الْهِدَايَةِ لِلسِّغْنَاقِيِّ لَوْ اسْتَخْلَفَ الْإِمَامُ رَجُلَيْنِ أَوْ هُوَ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا أَوْ الْقَوْمُ رَجُلَيْنِ أَوْ بَعْضُهُمْ رَجُلًا وَبَعْضُهُمْ رَجُلًا فَسَدَتْ صَلَاةُ الْكُلِّ وَفِي الْغَايَةِ لَوْ قَدَّمَ الْإِمَامُ رَجُلًا وَالْقَوْمُ رَجُلًا فَالْإِمَامُ مَنْ قَدَّمَهُ الْإِمَامُ إلَّا أَنْ يَنْوِيَ الْقَوْمُ أَنْ يَأْتَمُّوا بِالْآخَرِ قَبْلَ أَنْ يَنْوِيَ ذَلِكَ وَلَوْ قَدَّمَ كُلُّ طَائِفَةٍ رَجُلًا فَالْعِبْرَةُ لِلْأَكْثَرِ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ وَإِنْ تَقَدَّمَ رَجُلَانِ فَالسَّابِقُ إلَى مَكَانِ الْإِمَامِ يَتَعَيَّنُ وَإِنْ اسْتَوَيَا فِي التَّقَدُّمِ وَاقْتَدَى بَعْضُهُمْ بِهَذَا وَبَعْضُهُمْ بِهَذَا فَصَلَاةُ الَّذِي ائْتَمَّ بِهِ الْأَكْثَرُ صَحِيحَةً وَصَلَاةُ الْأَقَلِّ فَاسِدَةٌ وَعِنْدَ الِاسْتِوَاءِ لَا يُمْكِنُ التَّرْجِيحُ فَتَفْسُدُ صَلَاةُ الطَّائِفَتَيْنِ، وَاَللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ.
(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا)
قَالَ رحمه الله (يُفْسِدُ الصَّلَاةَ التَّكَلُّمُ) وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رحمه الله كَلَامُ النَّاسِي وَالْمُخْطِئِ لَا يُبْطِلُهَا إلَّا إذَا طَالَ وَيُعْرَفُ الطُّولُ بِالْعُرْفِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأُ وَالنِّسْيَانُ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» وَلِمَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام سَلَّمَ نَاسِيًا فِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ وَلَمْ يُعِدْ صَلَاتَهُ» وَلَوْ كَانَ كَلَامُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
انْتِفَاءَ الِافْتِرَاضِ لَا يَسْتَلْزِمُ ثُبُوتَ الْأَوْلَوِيَّةِ لِجَوَازِ الْوُجُوبِ، ثُمَّ الْوُجُوبُ هُوَ الثَّابِتُ عَلَى مَا قَدَّمَهُ الْمُصَنِّفُ فِي أَوَّلِ صِفَةِ الصَّلَاةِ عِنْدَ عَدِّ الْوَاجِبَاتِ حَيْثُ قَالَ: وَمُرَاعَاةُ التَّرْتِيبِ فِيمَا شُرِعَ مُكَرَّرًا مِنْ الْأَفْعَالِ. فَأَشَارَ فِي الْكَافِي إلَى الْجَوَابِ حَيْثُ قَالَ وَلَئِنْ كَانَ التَّرْتِيبُ وَاجِبًا فَقَدْ سَقَطَ بِالنِّسْيَانِ وَلَكِنْ لَا يَدْفَعُ الْوَارِدَ عَلَى الْعِبَارَةِ أَعْنِي تَعْلِيلَ الْأَوْلَوِيَّةِ بِانْتِفَاءِ الِافْتِرَاضِ فِي الْمُتَكَرِّرِ بَلْ تَعْلِيلُهُ إنَّمَا هُوَ لِسُقُوطِ الْوُجُوبِ بِالنِّسْيَانِ. اهـ. فَتْحُ الْقَدِيرِ (قَوْلُهُ مَرْتَبَةٌ بِالْقَدْرِ الْمُمْكِنِ) يَعْنِي أَنَّهُ يَقَعُ مُرَتَّبًا إذَا لَمْ يَكُنْ الْأَوَّلُ مَحْسُوبًا لَهُ أَوْ يُرِيدُ بِهِ تَقْرِيبَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ إلَى مَحَلِّهِمَا بِقَدْرِ الْإِمْكَانِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ الْقَوْمَةَ فَرْضٌ عِنْدَهُ) أَيْ فَحَيْثُ انْحَطَّ مِنْ الرُّكُوعِ وَلَوْ بِرَفْعِ رَأْسِهِ فَقَدْ تَرَكَ الْفَرْضَ فَعَلَيْهِ الْإِعَادَةُ اهـ اك.
(قَوْلُهُ وَقَالَ بَعْضُهُمْ لَا يَتَعَيَّنُ لِلْإِمَامَةِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الرَّازِيّ رحمه الله وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْمُقْتَدِي دُونَ الْإِمَامِ؛ لِأَنَّ الْمُقْتَدِيَ لَمْ يَصْلُحْ أَنْ يَكُونَ إمَامًا فَلَمْ تَنْتَقِلْ الْإِمَامَةُ إلَيْهِ فَيَكُونُ الْمُقْتَدِي مُقْتَدِيًا بِلَا إمَامٍ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَأَمَّا الْإِمَامُ فَبَاقٍ عَلَى إمَامَتِهِ فَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ اهـ (قَوْلُهُ وَالْمُسْتَخْلَفُ) لَيْسَتْ فِي خَطِّ الشَّارِحِ. اهـ. .
[بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا]
(بَابُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ فِيهَا) لَمَّا فَرَغَ مِنْ بَيَانِ الْعَوَارِضِ السَّمَاوِيَّةِ شَرَعَ فِي الْعَوَارِضِ الِاخْتِيَارِيَّةِ الْمُكْتَسَبَةِ وَقَدَّمَ السَّمَاوِيَّةَ؛ لِأَنَّهَا أَعْرَقُ فِي الْعَارِضِيَّةِ لِعَدَمِ قُدْرَةِ الْعَبْدِ عَلَى دَفْعِهَا لَا يُقَالُ النِّسْيَانُ مِنْ قَبِيلِ السَّمَاوِيَّةِ فَكَيْفَ عَدَّ الْمُصَنِّفُ رحمه الله كَلَامَ النَّاسِي فِي هَذَا الْبَابِ مِنْ قَبِيلِ الْمُكْتَسَبَةِ؛ لِأَنَّا نَقُولُ: لَا نُسَلِّمُ عَدَّهُ مِنْ الْعَوَارِضِ الْمُكْتَسَبَةِ وَإِنَّمَا ذَكَرَهُ فِي هَذَا الْبَابِ لِمُنَاسِبَةٍ بَيْنَ كَلَامِ النَّاسِي وَالْعَامِدِ مِنْ حَيْثُ الْحُكْمُ؛ لِأَنَّ كُلًّا مِنْهُمَا مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ. اهـ. أَتْقَانِيٌّ (قَوْلُهُ مَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَمَا يُكْرَهُ إلَى آخِرِهِ) أَمَّا الْفَسَادُ يَرْجِعُ إلَى ذَاتِ الصَّلَاةِ وَالْكَرَاهَةُ إلَى وَصْفِهَا. اهـ. ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: يُفْسِدُ الصَّلَاةَ التَّكَلُّمُ) أَيْ أَيَّ صَلَاةٍ كَانَتْ. اهـ. ع (قَوْلُهُ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إلَى آخِرِهِ) أَيْ قِيَاسًا عَلَى السَّلَامِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام رُفِعَ عَنْ أُمَّتِي إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رحمه الله الْفُقَهَاءُ يَذْكُرُونَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ وَلَا يُوجَدُ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنْ كُتُبِ الْحَدِيثِ بَلْ «إنَّ اللَّهَ وَضَعَ عَنْ أُمَّتِي الْخَطَأَ وَالنِّسْيَانَ وَمَا اُسْتُكْرِهُوا عَلَيْهِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ وَابْنُ حِبَّانَ وَالْحَاكِمُ وَقَالَ صَحِيحٌ عَلَى شَرْطِهِمَا اهـ. وقَالَ عليه الصلاة والسلام إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ إلَى آخِرِهِ رَوَاهُ الْجَمَاعَةُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ
النَّاسِي مُفْسِدًا لَأَعَادَ وَلِأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ مَعْفُوٌّ عَنْهُ فَكَذَا الْكَلَامُ الْقَلِيلُ وَلَنَا حَدِيثُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ أَنَّهُ قَالَ: كُنَّا نَتَكَلَّمُ فِي الصَّلَاةِ يُكَلِّمُ الرَّجُلُ صَاحِبَهُ وَهُوَ إلَى جَنْبِهِ فِي الصَّلَاةِ حَتَّى نَزَلَتْ {وَقُومُوا لِلَّهِ قَانِتِينَ} [البقرة: 238] فَأُمِرْنَا بِالسُّكُوتِ وَنُهِينَا عَنْ الْكَلَامِ وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ هَذِهِ الصَّلَاةَ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ مَا يَشَاءُ وَأَنَّهُ قَدْ أَحْدَثَ مِنْ أَمْرِهِ أَنْ لَا نَتَكَلَّمَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ مُبَاشَرَةَ مَا لَا يَصْلُحُ فِي الصَّلَاةِ مُفْسِدٌ عَامِدًا كَانَ أَوْ نَاسِيًا قَلِيلًا كَانَ أَوْ كَثِيرًا كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ، وَإِنَّمَا عُفِيَ عَنْ الْقَلِيلِ مِنْ الْعَمَلِ لِأَنَّ أَصْلَهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ؛ لِأَنَّ فِي الْحَيِّ حَرَكَاتٍ لَيْسَتْ مِنْ الصَّلَاةِ طَبْعًا فَعُفِيَ مَا لَمْ يُكْثِرْ وَيَدْخُلْ فِي حَدِّ مَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ. وَلِهَذَا يَسْتَوِي فِيهِ الْعَمْدُ وَالنِّسْيَانُ وَلَيْسَ الْكَلَامُ كَذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ طَبْعِهِ أَنْ يَتَكَلَّمَ فَلَا يُعْفَى وَلَا يَجُوزُ قِيَاسُهُ عَلَى الصَّوْمِ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ لِكَوْنِهَا عَلَى هَيْئَةٍ مَخْصُوصَةٍ تُخَالِفُ الْعَادَةَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَلَا يَكْثُرُ النِّسْيَانُ فِيهَا بِخِلَافِ الصَّوْمِ وَالْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ الْأَوَّلِ رَفْعُ الْحُكْمِ إذْ ذَاتُ الْخَطَأِ وَأُخْتَاهُ لَيْسَ بِمَرْفُوعٍ وَحُكْمُهُ نَوْعَانِ الْجَوَازُ وَالْفَسَادُ فِي الدُّنْيَا وَمَبْنَاهُمَا عَلَى وُجُودِ السَّبَبِ وَالثَّانِي فِي الثَّوَابِ وَالْعِقَابِ وَمَبْنَاهُمَا عَلَى وُجُودِ الْعَزِيمَةِ فَصَارَ مُشْتَرَكًا وَهُوَ لَا عُمُومَ لَهُ وَقَدْ أُرِيدَ حُكْمُ الْآخِرَةِ فَانْتَفَى الْآخَرُ أَوْ نَقُولُ إنَّ الْحُكْمَ مُقْتَضًى إذْ لَيْسَ فِي الْحَدِيثِ ذِكْرُهُ وَهُوَ أَيْضًا لَا عُمُومَ لَهُ وَحَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ مَنْسُوخٌ بِمَا تَلَوْنَا وَمَا رَوَيْنَا، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ تَكَلَّمُوا عَمْدًا كَلَامًا كَثِيرًا فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ «يَا رَسُولَ اللَّهِ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيت قَالَ لَمْ أَنْسَ وَلَمْ تَقْصُرْ قَالَ بَلْ نَسِيت يَا رَسُولَ اللَّهِ فَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ فَقَالَ أَصْدَقَ ذُو الْيَدَيْنِ فَأَوْمَئُوا» إي نَعَمْ وَعِنْدَهُ الْكَلَامُ الْكَثِيرُ مُفْسِدٌ وَإِنْ كَانَ نَاسِيًا. وَكَذَا كَلَامُ الْعَامِدِ وَإِنْ قَلَّ فَكَيْفَ يُمْكِنُهُ الِاحْتِجَاجُ بِهَذَا الْحَدِيثِ وَلَا يَصِحُّ الْقِيَاسُ عَلَى السَّلَامِ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا تَبْطُلُ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا كَلَامٌ مِنْ وَجْهٍ فَبِاعْتِبَارِهِ تَبْطُلُ إذَا تَعَمَّدَ عَمَلًا بِالشَّبَهَيْنِ فَإِنْ قِيلَ قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَا وَجْهَ لِدَعْوَى النَّسْخِ فِيهِ لِأَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ وَرَاوِي حَدِيثِ ذِي الْيَدَيْنِ؛ أَبُو هُرَيْرَةَ وَهُوَ مُتَأَخِّرُ الْإِسْلَامِ، وَقَدْ قَالَ فِيهِ صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَكَيْفَ يَصِحُّ دَعْوَى النَّسْخِ قُلْنَا: الْآيَةُ نَاسِخَةٌ مَدَنِيَّةٌ؛ لِأَنَّهَا فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ وَهِيَ مَدَنِيَّةٌ إجْمَاعًا فَمِنْ أَيْنَ لِلْخَطَّابِيِّ أَنَّ تَحْرِيمَ الْكَلَامِ كَانَ بِمَكَّةَ وَلَا يَلْزَمُ مِنْ تَأَخُّرِ إسْلَامِهِ أَنْ تَتَقَدَّمَ الْآيَةُ لِاحْتِمَالِ أَنَّهَا نَزَلَتْ بَعْدَ إسْلَامِهِ وَلَئِنْ صَحَّ تَقَدُّمُ الْآيَةِ عَلَى إسْلَامِهِ لَا يَلْزَمُ أَنَّ الْحَدِيثَ مُتَأَخِّرٌ عَنْ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ يَحْتَمِلُ أَنَّهُ نَقَلَهُ عَنْ غَيْرِهِ وَأَرَادَ بِقَوْلِهِ صَلَّى بِنَا أَيْ صَلَّى بِأَصْحَابِنَا فَحَذَفَ الْمُضَافَ وَأَقَامَ الْمُضَافَ إلَيْهِ مَقَامَهُ وَيُؤَيِّدُ هَذَا الْمَعْنَى مَا نَقَلَهُ الزُّهْرِيُّ أَنَّ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ وَهُوَ قَبْلَ خَيْبَرَ بِزَمَانٍ طَوِيلٍ، وَإِسْلَامُ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ فِي عَامِ خَيْبَرَ وَهُوَ مُتَأَخِّرٌ وَلَمْ يَصْحَبْ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم إلَّا أَرْبَعَ سِنِينَ فَلَا تَصِحُّ دَعْوَى الْخَطَّابِيِّ حَتَّى يَتَبَيَّنَ فِي كُلِّ فَصْلٍ صَرِيحًا بِلَا احْتِمَالٍ مَعَ تَحَقُّقِنَا نَسْخَ الْكَلَامِ بِالْآيَةِ الْمَدَنِيَّةِ وَمَعَ عِلْمِنَا بِأَنَّ صُحْبَةَ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم لَمْ تَكُنْ بِمَكَّةَ. وَإِنَّمَا كَانَتْ بِالْمَدِينَةِ وَهُوَ الَّذِي رَوَى النَّسْخَ قَالَ رحمه الله (وَالدُّعَاءُ بِمَا يُشْبِهُ كَلَامَنَا) وَقَدْ بَيَّنَّاهُ مِنْ قَبْلُ قَالَ رحمه الله (وَالْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَارْتِفَاعُ بُكَائِهِ مِنْ وَجَعٍ أَوْ مُصِيبَةٍ لَا مِنْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ) لِأَنَّ فِيهِ إظْهَارَ التَّأَسُّفِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
( قَوْلُهُ لَا يَصْلُحُ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ) إنَّمَا هِيَ التَّسْبِيحُ وَالتَّكْبِيرُ وَالتَّحْمِيدُ وَقِرَاءَةُ الْقُرْآنِ أَوْ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَوَاهُ مُسْلِمٌ وَأَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَقَالَ أَبُو دَاوُد لَا يَحِلُّ مَكَانٌ لَا يَصْلُحُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ مِنْ أَمْرِهِ إلَخْ) رَوَاهُ النَّسَائِيّ وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَقَالَ ذُو الْيَدَيْنِ) وَاسْمُهُ الْخِرْبَاقُ بْنُ عَمْرٍو مِنْ بَنِي سُلَيْمٍ وَكَانَ فِي يَدَيْهِ طُولٌ وَذَكَرَ نَجْمُ الدِّينِ بْنُ الرِّفْعَةِ فِي شَرْحِ التَّنْبِيهِ كَانَ فِي إحْدَى يَدَيْهِ طُولٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ أَقَصُرَتْ الصَّلَاةُ) يُرْوَى بِضَمِّ الْقَافِ وَكَسْرِ الصَّادِ وَبِفَتْحِ الْقَافِ وَضَمِّ الصَّادِ وَكِلَاهُمَا صَحِيحٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ دُعَاءٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ وَهَذَا شُرِحَ فِي التَّشَهُّدِ. اهـ. (قَوْلُهُ فَبِاعْتِبَارِهِ لَا تَبْطُلُ إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْكَمَالُ رحمه الله فِي زَادِ الْفَقِيرِ يُفْسِدُهَا الْكَلَامُ عَمْدُهُ وَسَهْوُهُ قَبْلَ أَنْ يَقْعُدَ قَدْرَ التَّشَهُّدِ إلَّا السَّلَامَ سَاهِيًا وَلَيْسَ مَعْنَاهُ السَّلَامُ عَلَى إنْسَانٍ إذْ صَرَّحُوا أَنَّهُ إذَا سَلَّمَ عَلَى إنْسَانٍ سَاهِيًا فَقَالَ السَّلَامُ، ثُمَّ عَلِمَ فَسَكَتَ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ بَلْ الْمُرَادُ الْخُرُوجُ مِنْ الصَّلَاةِ سَاهِيًا قَبْلَ إتْمَامِهَا وَمَعْنَى الْمَسْأَلَةِ أَنَّهُ يَظُنُّ أَنَّهُ أَكْمَلُ أَمَّا إذَا سَلَّمَ فِي الرُّبَاعِيَّةِ مَثَلًا سَاهِيًا بَعْدَ رَكْعَتَيْنِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهَا تَرْوِيحَةٌ وَنَحْوُ ذَلِكَ فَتَفْسُدُ صَلَاتُهُ فَلْيُحْفَظْ هَذَا. اهـ. (قَوْلُهُ: إذَا سَلَّمَ نَاسِيًا كَلَامٌ مِنْ وَجْهٍ) أَيْ لِوُجُودِ كَافِ الْخِطَابِ اهـ. (قَوْلُهُ ذَا الْيَدَيْنِ قُتِلَ يَوْمَ بَدْرٍ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ لَكِنْ غَلَّطُوا الزُّهْرِيَّ فِي ذَلِكَ وَقَالُوا عَاشَ ذُو الْيَدَيْنِ بَعْدَ وَفَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَكَرَهُ النَّوَوِيُّ وَقِيلَ إلَى أَيَّامِ مُعَاوِيَةَ وَقَالُوا: الَّذِي قُتِلَ بِبَدْرٍ ذُو الشِّمَالَيْنِ. اهـ. (قَوْلُهُ فِي عَامِ خَيْبَرَ) أَيْ سَنَةَ سَبْعٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالْأَنِينُ) وَهُوَ الصَّوْتُ الْحَاصِلُ مِنْ قَوْلِهِ آهْ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّأَوُّهُ) وَهُوَ أَنْ يَقُولَ أَوَّاهُ اهـ ع (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: مِنْ وَجَعٍ) أَيْ فِي بَدَنِهِ اهـ عِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: أَوْ مُصِيبَةٌ) أَصَابَتْهُ فِي النَّفْسِ أَوْ الْمَالِ اهـ عِ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: لَا مِنْ ذِكْرِ جَنَّةٍ أَوْ نَارٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ لَا يُفْسِدُهَا هَذِهِ الْأَشْيَاءُ إذَا كَانَتْ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ مِنْ أَجْلِ ذِكْرِ نَارٍ اهـ ع؛ وَلِأَنَّهُ فِي الْأَوَّلِ كَأَنَّهُ قَالَ أَنَا مُصَابٌ فَعَزُّونِي وَلَوْ أَفْصَحَ بِهِ تَفْسُدُ فَكَذَا هَذَا وَفِي الثَّانِي كَأَنَّهُ قَالَهُ اللَّهُمَّ إنِّي أَسْأَلُك الْجَنَّةَ وَأَعُوذُ بِك مِنْ النَّارِ وَلَوْ صَرَّحَ بِهِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ. اهـ. رَازِيٌّ. وَلَوْ مَرَّ الْمُصَلِّي بِآيَةِ رَحْمَةٍ أَوْ آيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ فَوَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ اللَّهَ الْجَنَّةَ أَوْ بِآيَةِ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ فَوَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ النَّجَاةَ مِنْ النَّارِ إنْ كَانَ فِي التَّطَوُّعِ فَهُوَ حَسَنٌ إذَا كَانَ وَحْدَهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ حُذَيْفَةَ «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم -
وَالْجَزَعُ فَكَأَنَّهُ قَالَ أَعِينُونِي فَإِنِّي مُتَوَجِّعٌ وَإِنْ كَانَ مِنْ ذِكْرِ الْجَنَّةِ أَوْ النَّارِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى زِيَادَةِ الْخُشُوعِ وَهُوَ الْمَقْصُودُ فِي الصَّلَاةِ فَكَانَ بِمَعْنَى التَّسْبِيحِ أَوْ الدُّعَاءِ، وَهَذَا لِأَنَّ الْأَنِينَ وَالتَّأَوُّهَ وَالْبُكَاءَ قَدْ يَنْشَأُ مِنْ مَعْرِفَةِ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَعَظَمَتِهِ وَغِنَاهُ عَنْ خَلْقِهِ وَكِبْرِيَائِهِ عز وجل وَمِنْ شِدَّةِ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ وَالرَّغْبَةِ فَيَكُونُ كَالتَّقْدِيسِ وَالدُّعَاءِ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّ هَذَا التَّفْصِيلَ فِيمَا إذَا كَانَ عَلَى أَكْثَرَ مِنْ حَرْفَيْنِ أَوْ عَلَى حَرْفَيْنِ أَصْلِيَّيْنِ أَمَّا إذَا كَانَ عَلَى حَرْفَيْنِ مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْ حُرُوفِ الزِّيَادَةِ وَالْآخَرُ أَصْلِيٌّ لَا تَفْسُدُ فِي الْوَجْهَيْنِ مَعًا. وَحُرُوفُ الزِّيَادَةِ عَشْرَةٌ يَجْمَعُهَا قَوْلُك أَمَانٌ وَتَسْهِيلٌ، وَقَالَ الشَّافِعِيُّ رضي الله عنه الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ وَالْبُكَاءُ يَقْطَعُ مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ تَفْصِيلٍ إذَا حَصَلَ مِنْهُ حَرْفَانِ؛ لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَلَنَا مَا رُوِيَ عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَلَهُ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ مِنْ الْبُكَاءِ» وَالْمَعْنَى مَا بَيَّنَّاهُ قَالَ رحمه الله (وَالتَّنَحْنُحُ بِلَا عُذْرٍ) بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا إلَيْهِ وَقَدْ حَصَلَ بِهِ حُرُوفٌ؛ لِأَنَّ الْكَلَامَ مَا يَتَلَفَّظُ بِهِ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَدْفُوعًا إلَيْهِ لَا تَفْسُدُ لِعَدَمِ إمْكَانِ الِاحْتِرَازِ عَنْهُ، وَكَذَا الْأَنِينُ وَالتَّأَوُّهُ إذَا كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَرِيضًا لَا يَمْلِكُ نَفْسَهُ فَصَارَ كَالْعُطَاسِ وَالْجَشَّا إذَا حَصَلَ بِهِمَا حُرُوفٌ، وَلَوْ تَنَحْنَحَ لِإِصْلَاحِ صَوْتِهِ وَتَحْسِينِهِ لَا تَفْسُدُ عَلَى الصَّحِيحِ، وَكَذَا لَوْ أَخْطَأَ الْإِمَامُ فَتَنَحْنَحَ الْمُقْتَدِي لِيَهْتَدِيَ الْإِمَامُ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَذَكَرَ فِي الْغَايَةِ أَنَّ التَّنَحْنُحَ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَفْسُدُ وَلَوْ نَفَخَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنْ كَانَ مَسْمُوعًا تَبْطُلُ، وَإِلَّا فَلَا وَالْمَسْمُوعُ مَا لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ عِنْدَ بَعْضِهِمْ نَحْوُ أُفٍّ وَتُفٍّ وَغَيْرُ الْمَسْمُوعِ بِخِلَافِهِ، وَإِلَيْهِ مَالَ الْحَلْوَانِيُّ. وَبَعْضُهُمْ لَا يَشْتَرِطُ فِي النَّفْخِ الْمَسْمُوعِ أَنْ يَكُونَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ زَادَهْ، وَعَلَى هَذَا إذَا نَفَرَ طَيْرًا أَوْ غَيْرَهُ أَوْ دَعَاهُ بِمَا هُوَ مَسْمُوعٌ قَالَ رحمه الله (وَجَوَابُ عَاطِسٍ بِيَرْحَمُكَ اللَّهُ) لِأَنَّهُ يَجْرِي فِي مُخَاطَبَاتِ النَّاسِ فَصَارَ كَمَا لَوْ قَالَ أَطَالَ اللَّهُ بَقَاءَك فَكَانَ مِنْ كَلَامِهِمْ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ الْعَاطِسُ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك اللَّهُ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ لِنَفْسِهِ أَوْ قَالَ هُوَ أَوْ غَيْرُهُ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُتَعَارَفْ جَوَابًا قَالَ رحمه الله (وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ) لِأَنَّهُ تَعْلِيمٌ وَتَعَلُّمٌ مِنْ غَيْرِ ضَرُورَةٍ فَكَانَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، ثُمَّ شُرِطَ فِي الْأَصْلِ التَّكْرَارُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَفْعَالِ الصَّلَاةِ فَيُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ وَلَمْ يَشْتَرِطْهُ فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ قَبِيلِ الْكَلَامِ فَلَا يُعْفَى الْقَلِيلُ مِنْهُ بِخِلَافِ الْعَمَلِ وَالْفَرْقُ قَدْ تَقَدَّمَ وَقَوْلُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ يَشْمَلُ فَتْحَ الْمُقْتَدِي عَلَى الْمُقْتَدَى وَعَلَى غَيْرِ الْمُصَلِّي وَعَلَى الْمُصَلِّي وَحْدَهُ وَفَتْحَ الْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ عَلَى أَيِّ شَخْصٍ كَانَ وَكُلُّ ذَلِكَ مُفْسِدٌ إلَّا إذَا قَصَدَ بِهِ التِّلَاوَةَ دُونَ الْفَتْحِ. وَنَظِيرُهُ مَا لَوْ قِيلَ لَهُ مَا مَالُك فَقَالَ الْخَيْلُ وَالْبِغَالُ وَالْحَمِيرُ فَإِنَّهُ يُفْسِدُ صَلَاتَهُ إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَابًا، وَإِلَّا فَلَا وَإِنْ فَتَحَ عَلَى إمَامِهِ لَا تَفْسُدُ اسْتِحْسَانًا وَقِيلَ إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَا ضَرُورَةَ إلَيْهِ وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى فَفَتَحَ عَلَيْهِ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْفَاتِحِ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَرَأَ الْبَقَرَةَ وَآلَ عِمْرَانَ فِي صَلَاةِ اللَّيْلِ فَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ الْجَنَّةِ إلَّا وَقَفَ وَسَأَلَ اللَّهَ تَعَالَى وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا ذِكْرُ النَّارِ إلَّا وَقَفَ وَتَعَوَّذَ وَمَا مَرَّ بِآيَةٍ فِيهَا مَثَلٌ إلَّا وَقَفَ وَتَفَكَّرَ» وَالْإِمَامُ فِي الْفَرَائِضِ يُكْرَهُ لَهُ ذَلِكَ؛ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَفْعَلْهُ فِي الْمَكْتُوبَاتِ، وَكَذَا الْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ إلَى يَوْمِنَا هَذَا فَكَانَ مِنْ الْمُحْدَثَاتِ؛ وَلِأَنَّهُ تَثْقِيلٌ عَلَى الْقَوْمِ وَذَلِكَ مَكْرُوهٌ وَلَكِنْ لَا تَفْسُدُ الصَّلَاةُ؛ لِأَنَّهُ يَزِيدُ فِي خُشُوعِهِ وَالْخُشُوعُ زِينَةُ الصَّلَاةِ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ وَلَهُ أَزِيزٌ كَأَزِيزِ الْمِرْجَلِ) أَيْ وَهُوَ الْقِدْرُ وَبِأَزِيزِ الْمِرْجَلِ يَحْصُلُ الْحُرُوفُ لِمَنْ يَصْغَى. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّنَحْنُحِ بِلَا عُذْرٍ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ لِاجْتِمَاعِ الْبُزَاقِ فِي حَلْقِهِ اهـ. وَكَذَا التَّثَاؤُبُ إذَا ظَهَرَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ بِأَنْ لَمْ يَكُنْ مَدْفُوعًا) أَيْ لَمْ يَكُنْ مُضْطَرًّا إلَيْهِ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَإِنْ كَانَ بِعُذْرٍ بِأَنْ كَانَ مَدْفُوعًا) أَيْ وَمَدْفُوعَ الطَّبْعِ اهـ (قَوْلُهُ لِلْإِعْلَامِ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ لَا يَفْسُدُ) وَلَا يُكْرَهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ خُوَاهَرْ زَادَهْ إلَى آخِرِهِ) وَقَطَعَ بِهِ فِي الْمُصَفَّى قَالَ سَوَاءٌ كَانَ لَهُ حُرُوفٌ مُهَجَّاةٌ أَوْ لَمْ يَكُنْ أَرَادَ بِهِ التَّأْفِيفَ أَوْ لَمْ يُرِدْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِخِلَافِ مَا إذَا قَالَ لِنَفْسِهِ يَرْحَمُك إلَى آخِرِهِ) لِأَنَّ هَذَا بِمَنْزِلَةِ قَوْلِهِ يَرْحَمُنِي اللَّهُ وَبِهَذَا لَا تَفْسُدُ، وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ فِي قَوْلِهِ لِغَيْرِهِ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُ دُعَاءٌ بِالْمَغْفِرَةِ وَالرَّحْمَةِ وَهُمَا مُتَمَسِّكَانِ بِحَدِيثِ مُعَاوِيَةَ بْنِ الْحَكَمِ السَّابِقِ أَوَّلَ الْبَابِ فَإِنَّهُ فِي عَيْنِ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ؛ لِأَنَّ مَوْرِدَهُ كَانَ فِي تَشْمِيتِ الْعَاطِسِ وَبِالْمَعْنَى الَّذِي ذَكَرَهُ فِي الْكِتَابِ. اهـ. فَتْحٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَفَتْحُهُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَفَتْحٍ الْمُرَاهِقُ كَالْبَالِغِ وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ وَفَتْحٍ الصِّغَارُ ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْخُلَاصَةِ إذَا فَتَحَ عَلَى الْمُصَلِّي رَجُلٌ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَأَخَذَ الْمُصَلِّي بِفَتْحِهِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَتَحَ الْمُصَلِّي عَلَى مَنْ لَيْسَ مَعَهُ فِي الصَّلَاةِ إنْ أَرَادَ بِهِ قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَرَادَ بِهِ تَعْلِيمَ ذَلِكَ الرَّجُلِ تَفْسُدُ اهـ. (قَوْلُهُ إنْ أَرَادَ بِهِ جَوَابًا، وَإِلَّا فَلَا) أَيْ وَكَذَا لَوْ كَانَ أَمَامَهُ كِتَابٌ وَخَلْفَهُ رَجُلٌ يُسَمَّى يَحْيَى فَقَالَ {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] وَكَذَا لَوْ كَانَ فِي السَّفِينَةِ وَابْنُهُ خَارِجَهَا فَقَالَ {يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا} [هود: 42] فَهُوَ عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ مَا ذُكِرَ فِي الْكِتَابِ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ أَرَادَ بِذَلِكَ تَعْلِيمَهُ أَوْ لَمْ يُرِدْ وَأَرَادَ جَوَابَ السَّائِلِ أَوْ لَا؛ لِأَنَّ الْأَصْلَ عِنْدَهُ أَنَّ مَا كَانَ قُرْآنًا أَوْ ثَنَاءً لَا يَتَغَيَّرُ بِالنِّيَّةِ، كَذَا فِي شُرُوحِ الْجَامِعِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَسَيَأْتِي مَعْنَى هَذِهِ الْحَاشِيَةِ فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ رحمه الله اهـ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ: إنْ قَرَأَ قَدْرَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ إلَخْ) وَفِي جَامِعِ قَاضِي خَانْ وَفَتَاوَاهُ وَجَامِعِ التُّمُرْتَاشِيِّ لَوْ اسْتَفْتَحَ بَعْدَمَا قَرَأَ مِقْدَارَ مَا تَجُوزُ بِهِ الصَّلَاةُ فَفَتَحَ عَلَيْهِ اخْتَلَفُوا فِيهِ قِيلَ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَلَوْ أَخَذَ الْإِمَامُ تَفْسُدُ صَلَاةُ الْكُلِّ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ صَلَاةُ أَحَدٍ؛ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ يَفْتَحْ رُبَّمَا يَجْرِي عَلَى لِسَانِهِ مَا يَكُونُ مُفْسِدًا فَكَانَ فِيهِ إصْلَاحُ صَلَاتِهِ. اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ: وَقِيلَ إنْ انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ إلَى آخِرِهِ)
وَكَذَا صَلَاةُ الْإِمَامِ إنْ أَخَذَ بِقَوْلِهِ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ، وَجْهُ الْأَوَّلِ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «إذَا اسْتَطْعَمَك الْإِمَامُ فَأَطْعِمْهُ» مُطْلَقًا مِنْ غَيْرِ فَصْلٍ وَيَنْوِي الْفَتْحَ عَلَى إمَامِهِ دُونَ الْقِرَاءَةِ هُوَ الصَّحِيحُ لِأَنَّ الْفَتْحَ مُرَخَّصٌ فِيهِ وَالْقِرَاءَةَ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَيَنْبَغِي لِلْمُقْتَدِي أَنْ لَا يُعَجِّلَ بِالْفَتْحِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَتَذَكَّرُ الْإِمَامُ فَيَكُونُ التَّلْقِينُ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ بَلْ يَرْكَعُ إذَا قَرَأَ قَدْرَ الْفَرْضِ، وَإِلَّا انْتَقَلَ إلَى آيَةٍ أُخْرَى، قَالَ رحمه الله (وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ) وَكَذَا إذَا قِيلَ لَهُ أَنَّ فُلَانًا قَدِمَ فَقَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ أَوْ وَصَفَ اللَّهَ تَعَالَى بَيْنَ يَدَيْهِ بِصِفَةٍ لَا تَلِيقُ بِهِ تَعَالَى، فَقَالَ سُبْحَانَ اللَّهِ يُرِيدُ بِهِ الرَّدَّ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ: لَا تَفْسُدُ. وَعَلَى هَذَا الْخِلَافِ الْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ لَهُ أَنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِعْلَامَ أَنَّهُ فِي الصَّلَاةِ، وَلَهُمَا أَنَّ الْكَلَامَ مَبْنِيٌّ عَلَى قَصْدِ الْمُتَكَلِّمِ فَإِنَّ مَنْ قَالَ يَا بُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَأَرَادَ بِهِ خِطَابَهُ يَكُونُ كَلَامًا مُفْسِدًا لَا قِرَاءَةَ الْقُرْآنِ، وَكَذَا لَوْ قَالَ لِرَجُلٍ اسْمُهُ يَحْيَى {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ بِقُوَّةٍ} [مريم: 12] وَأَرَادَ بِهِ الْخِطَابَ، وَلِهَذَا لَوْ قَرَأَ الْجُنُبُ الْفَاتِحَةَ عَلَى نِيَّةِ الثَّنَاءِ وَالدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ يَجُوزُ، وَكَذَا لَوْ قَرَأَهَا فِي صَلَاةِ الْجِنَازَةِ عَلَى نِيَّةِ الدُّعَاءِ دُونَ الْقِرَاءَةِ تَجُوزُ وَإِنْ لَمْ تُشْرَعْ فِيهَا الْقِرَاءَةُ لِمَا قُلْنَا وَلِأَنَّ الْجَوَابَ يَنْتَظِمُ إعَادَةَ مَا فِي السُّؤَالِ فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى قُدُومِهِ فَتَفْسُدُ وَكَانَ الْقِيَاسُ أَنْ تَفْسُدَ صَلَاتُهُ فِيمَا إذَا أَرَادَ بِهِ الْإِعْلَامَ أَيْضًا لَكِنَّا تَرَكْنَاهُ بِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» فَلَا يُقَاسُ عَلَيْهِ غَيْرُهُ وَالِاسْتِرْجَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ فِي الصَّحِيحِ.
قَالَ رحمه الله (وَالسَّلَامُ وَرَدُّهُ) لِأَنَّهُ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ وَلَوْ صَافَحَ بِنِيَّةِ السَّلَامِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ كَلَامٌ مَعْنًى وَلَا يَرُدُّ بِالْإِشَارَةِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام لَمْ يَرُدَّ بِالْإِشَارَةِ عَلَى ابْنِ مَسْعُودٍ وَلَا عَلَى جَابِرٍ مَا رُوِيَ مِنْ قَوْلِ صُهَيْبٍ «سَلَّمْت عَلَى النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يُصَلِّي فَرَدَّ عَلَيَّ بِالْإِشَارَةِ» يَحْتَمِلُ أَنَّهُ كَانَ نَهْيًا لَهُ عَنْ السَّلَامِ أَوْ كَانَ فِي حَالَةِ التَّشَهُّدِ وَهُوَ يُشِيرُ فَظَنَّهُ رَدًّا، وَلَوْ أَشَارَ يُرِيدُ بِهِ رَدَّ السَّلَامِ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَكَذَا لَوْ طَلَبَ مِنْ الْمُصَلِّي شَيْءٌ فَأَشَارَ بِيَدِهِ أَوْ بِرَأْسِهِ بِنَعَمْ أَوْ بِلَا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ فِي فَصْلِ مَا يُكْرَهُ لِلْمُصَلِّي وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ وَالْجَالِسِ لِلْقَضَاءِ أَوْ لِلْبَحْثِ فِي الْفِقْهِ أَوْ لِلتَّخَلِّي وَلَوْ سَلَّمَ عَلَيْهِمْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِمْ الرَّدُّ لِأَنَّهُ فِي غَيْرِ مَحَلِّهِ وَلَوْ سَمِعَ اسْمَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فَصَلَّى عَلَيْهِ تَفْسُدُ. وَلَوْ سَمِعَ الْأَذَانَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
هَذَا الْقِيلُ اعْتَمَدَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْحَاجَةِ إلَيْهِ) أَيْ وَوُجُودِ التَّعْلِيمِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام إذَا اسْتَطْعَمَك إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَمِثْلُهُ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه ذَكَرَهُ أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ فِي سُنَنِهِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ هُوَ الصَّحِيحُ) احْتِرَازٌ عَنْ قَوْلِ بَعْضِهِمْ يَنْوِي الْقِرَاءَةَ قَالَ الْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَهُوَ سَهْوٌ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ الْمَأْمُومِ خَلْفَ إمَامِهِ مَنْهِيٌّ عَنْهَا وَالْفَتْحُ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ غَيْرُ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَإِنَّمَا هَذَا إذَا أَرَادَ الْفَتْحَ عَلَى غَيْرِ إمَامِهِ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنْوِيَ التِّلَاوَةَ دُونَ التَّعْلِيمِ، قَالَ السُّرُوجِيُّ نَمْنَعُ أَنْ تَكُونَ التِّلَاوَةُ فِي ضِمْنِهَا الْفَتْحُ مَمْنُوعَةً بَلْ الْمَمْنُوعَةُ التِّلَاوَةُ الْمُجَرَّدَةُ عَنْ الْفَتْحِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلِلْإِمَامِ أَنْ لَا يُلْجِئَهُمْ إلَيْهِ) وَتَفْسِيرُ الْإِلْجَاءِ أَنْ يُرَدِّدَ الْآيَةَ أَوْ يَقِفَ سَاكِتًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ) بِأَنْ قِيلَ لَهُ أَمَعَ اللَّهِ إلَهٌ آخَرُ فَقَالَ: لَا إلَهَ إلَّا اللَّهَ اهـ. (قَوْلُهُ: إنَّهُ ثَنَاءٌ بِصِيغَتِهِ) أَيْ بِأَصْلِهِ اهـ كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فَلَا يَتَغَيَّرُ بِعَزِيمَتِهِ) أَيْ بِإِرَادَتِهِ غَيْرَ الثَّنَاءِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: وَالِاسْتِرْجَاعُ عَلَى هَذَا الْخِلَافِ إلَخْ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَذَكَرَ فِي الْمُفِيدِ أَنَّ فِي الِاسْتِرْجَاعِ وَفِي {يَا يَحْيَى خُذِ الْكِتَابَ} [مريم: 12] تَفْسُدُ بِالْإِجْمَاعِ وَقَالَ فِي الْمَبْسُوطِ لَمْ يَذْكُرْ خِلَافَ أَبِي يُوسُفَ فِي مَسْأَلَةِ الِاسْتِرْجَاعِ وَالْأَصَحُّ أَنَّ الْكُلَّ عَلَى الْخِلَافِ اهـ.
(قَوْلُهُ: وَلَوْ أَشَارَ إلَى آخِرِهِ) بِرَأْسِهِ أَوْ بِيَدِهِ أَوْ بِأُصْبُعِهِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ نَقْلًا عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَبُرْهَانِ الدِّينِ صَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ الْمُصَلِّي وَيُجِيبُ هُوَ بِرَأْسِهِ اهـ وَفِي الذَّخِيرَةِ لَا بَأْسَ لِلْمُصَلِّي أَنْ يُجِيبَ الْمُتَكَلِّمُ بِرَأْسِهِ بِهِ وَرَدَ الْأَثَرُ عَنْ عَائِشَةَ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَكَلَّمَ الرَّجُلُ مَعَ الْمُصَلِّي قَالَ اللَّهُ تَعَالَى {فَنَادَتْهُ الْمَلائِكَةُ وَهُوَ قَائِمٌ يُصَلِّي فِي الْمِحْرَابِ} [آل عمران: 39]. اهـ. زَاهِدِيٌّ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ السَّلَامُ عَلَى الْمُصَلِّي وَالْقَارِئِ) أَيْ وَالذَّاكِرِ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ: فَصَلَّى عَلَيْهِ تَفْسُدُ) أَيْ وَإِنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَلَمْ يَسْمَعْ اسْمَهُ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ جَرَى عَلَى لِسَانِهِ نَعَمْ إذَا كَانَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُ تَفْسُدُ، وَإِلَّا لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ مِنْ الْقُرْآنِ وَفِي الذَّخِيرَةِ أَرَى عَلَى هَذَا التَّفْصِيلِ قَالَ أَبُو اللَّيْثِ يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى الْخِلَافِ فِي الْقِرَاءَةِ بِالْفَارِسِيَّةِ وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ بِالْإِجْمَاعِ؛ لِأَنَّ الْقِرَاءَةَ بِالْفَارِسِيَّةِ لَا تُفْسِدُ الصَّلَاةَ بِالِاتِّفَاقِ وَلَوْ دَعَا أَوْ سَبَّحَ بِالْفَارِسِيَّةِ فَعَنْ أَبِي يُوسُفَ أَنَّهُ تَفْسُدُ ذَكَرَهُ الْعَتَّابِيُّ فِي جَوَامِعِ الْفِقْهِ سَمِعَ الْمُصَلِّي قَوْلَهُ يَا أَيُّهَا النَّاسُ فَرَفَعَ رَأْسَهُ وَقَالَ لَبَّيْكَ يَا سَيِّدِي فَالْأَوْلَى أَنْ لَا يَفْعَلَ وَلَوْ فَعَلَ قِيلَ لَا تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ بِمَنْزِلَةِ الدُّعَاءِ وَالثَّنَاءِ وَقِيلَ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ الْقُرْآنِ بَلْ هُوَ مِنْ كَلَامِ النَّاسِ، وَلَوْ سَمِعَ اسْمَ الشَّيْطَانِ فَقَالَ لَعَنَهُ اللَّهُ تَفْسُدُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ لَا تَفْسُدُ وَلَوْ قَرَأَ الْإِمَامُ آيَةَ الرَّحْمَةِ أَوْ الْعَذَابِ فَقَالَ الْمُقْتَدِي صَدَقَ اللَّهُ لَا تَفْسُدُ وَقَدْ أَسَاءَ وَلَوْ وَسْوَسَ لَهُ الشَّيْطَانُ فَقَالَ لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ إنْ كَانَ فِي الْآخِرَةِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ كَانَ فِي أَمْرِ الدُّنْيَا تَفْسُدُ وَفِي الْوَاقِعَاتِ الْمَرِيضُ يَقُولُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَالِانْحِطَاطِ بِاسْمِ اللَّهِ تَفْسُدُ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَمُحَمَّدٍ وَلَوْ عَوَّدَ نَفْسَهُ بِشَيْءٍ مِنْ الْقُرْآنِ لِلْحُمَّى وَنَحْوِهَا تَفْسُدُ عِنْدَهُمْ وَلَوْ قَالَ عِنْدَ رُؤْيَةِ الْهِلَالِ: رَبِّي وَرَبُّك اللَّهُ، تَفْسُدُ. ذَكَرَ ذَلِكَ كُلَّهُ الْمَرْغِينَانِيُّ وَلَوْ قَالَ فِي الصَّلَاةِ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ اللَّهُ أَكْبَرُ لَا تَفْسُدُ الْإِمَامُ إذَا قَرَأَ آيَةَ الرَّحْمَةِ يُكْرَهُ أَنْ يَسْأَلَ الرَّحْمَةَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّطْوِيلِ وَالتَّثْقِيلِ عَلَى الْقَوْمِ وَقَدْ أَمَرَ الشَّارِعُ بِالتَّخْفِيفِ، وَكَذَا يُكْرَهُ لِلْمُقْتَدِي؛ لِأَنَّهُ يُخِلُّ بِالِاسْتِمَاعِ وَلَا بَأْسَ لِلْمُنْفَرِدِ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «افْتَتَحَ بِسُورَةِ الْبَقَرَةِ فَمَا مَرَّ بِآيَةِ الرَّحْمَةِ إلَّا وَقَفَ عِنْدَهَا وَسَأَلَ أَوْ آيَةِ عَذَابٍ إلَّا اسْتَعَاذَ» وَفِي الذَّخِيرَةِ لَوْ أَمَّنَ بِدُعَاءِ رَجُلٍ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ تَفْسُدُ. اهـ. غَايَةٌ وَفِي الْفَتْحِ وَلَوْ لَدَغَتْهُ عَقْرَبٌ فَقَالَ بِاسْمِ اللَّهِ تَفْسُدُ خِلَافًا لِأَبِي يُوسُفَ اهـ وَفِيهِ أَيْضًا وَلَوْ قَرَأَ ذِكْرَ الشَّيْطَانِ فَلَعَنَهُ لَا تَفْسُدُ اهـ
فَأَجَابَ وَأَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ أَوْ لَمْ يَكُنْ لَهُ نِيَّةٌ تَفْسُدُ لِأَنَّ الظَّاهِرَ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْجَوَابَ وَإِنْ لَمْ يُرِدْ لَا تَفْسُدُ، وَكَذَا لَوْ أَذَّنَ وَعِنْدَ أَبِي يُوسُفَ إذَا قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ تَفْسُدُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ قَالَ رحمه الله (وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ) أَيْ يَفْسُدُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعِ وَتَفْسِيرُهُ أَنَّهُ إذَا كَانَ يُصَلِّي الظُّهْرَ مَثَلًا فَافْتَتَحَ الْعَصْرَ أَوْ التَّطَوُّعَ تَكْبِيرَةً جَدِيدَةً فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ؛ لِأَنَّهُ صَحَّ شُرُوعُهُ فِي غَيْرِ مَا هُوَ فِيهِ وَهُوَ التَّطَوُّعُ فِيمَا إذَا نَوَاهُ أَوْ نَوَى الْعَصْرَ وَكَانَ صَاحِبَ تَرْتِيبٍ أَوْ فِي الْعَصْرِ إنْ لَمْ يَكُنْ صَاحِبَ التَّرْتِيبِ بِأَنْ سَقَطَ التَّرْتِيبُ بِكَثْرَةِ الْفَوَائِتِ أَوْ بِضِيقِ الْوَقْتِ فَيَخْرُجُ عَمَّا هُوَ فِيهِ ضَرُورَةً. وَكَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي التَّطَوُّعَ فَافْتَتَحَ الْفَرْضَ أَوْ كَانَ يُصَلِّي الْجُمُعَةَ فَافْتَتَحَ الظُّهْرَ أَوْ بِالْعَكْسِ يَخْرُجُ عَمَّا هُوَ فِيهِ لِمَا ذَكَرْنَا قَالَ رحمه الله (لَا الظُّهْرُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ) يَعْنِي لَا يَفْسُدُ افْتِتَاحُ الظُّهْرِ بَعْدَمَا صَلَّى مِنْهُ رَكْعَةً بَلْ يَبْقَى عَلَى مَا كَانَ عَلَيْهِ حَتَّى يُجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ؛ لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ فَلَغَتْ نِيَّتُهُ إلَّا إذَا كَبَّرَ يَنْوِي إمَامَةَ النِّسَاءِ أَوْ الِاقْتِدَاءَ بِالْإِمَامِ أَوْ كَانَ مُقْتَدِيًا فَكَبَّرَ يَنْوِي الِانْفِرَادَ فَحِينَئِذٍ يَكُونُ شَارِعًا فِيمَا كَبَّرَ لَهُ وَيَبْطُلُ مَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ لِلتَّغَايُرِ وَحَاصِلُهُ أَنَّ الْمُصَلِّيَ إذَا كَبَّرَ يَنْوِي الِاسْتِئْنَافَ يَتَطَرَّفَانِ كَانَتْ الثَّانِيَةُ الَّتِي نَوَى الشُّرُوعَ فِيهَا هِيَ الْأُولَى بِعَيْنِهَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ وَلَمْ تُخَالِفْهَا فِي شَيْءٍ لَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيُجْتَزَأُ بِمَا مَضَى مِنْ صَلَاتِهِ وَإِنْ خَالَفْتهَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ وَيُسْتَأْنَفُ نَظِيرُهُ مَا لَوْ بَاعَ عَبْدًا بِأَلْفٍ، ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ فَإِنَّ الْعَقْدَ الْأَوَّلَ يَبْطُلُ بِهِ وَيَنْعَقِدُ ثَانِيًا وَإِنْ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ بَقِيَ الْأَوَّلُ عَلَى حَالِهِ لِعَدَمِ الْمُغَايِرَةِ وَعَلَى هَذَا لَوْ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْجِنَازَةِ فَجِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَكَبَّرَ يَنْوِي الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ بَطَلَ مَا مَضَى وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ وَلَوْ لَمْ يَنْوِ الصَّلَاةَ عَلَى الثَّانِيَةِ أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ عَلَى حَالِهِ وَيُجْتَزَأُ بِمَا مَضَى قَالَ رحمه الله (وَقِرَاءَتُهُ مِنْ مُصْحَفٍ) يَعْنِي تَفْسُدُ الصَّلَاةُ. وَهَذَا عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ تُكْرَهُ وَلَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِمَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ رضي الله عنهما أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ وَلِأَنَّ الْقِرَاءَةَ عِبَادَةٌ انْضَافَتْ إلَى عِبَادَةٍ أُخْرَى وَهُوَ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ وَلِهَذَا كَانَتْ الْقِرَاءَةُ مِنْ الْمُصْحَفِ أَفْضَلَ مِنْ الْقِرَاءَةِ غَائِبًا إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِفِعْلِ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ وَوَضْعَهُ عِنْدَ الرُّكُوعِ وَالسُّجُودِ وَرَفْعَهُ عِنْدَ الْقِيَامِ وَتَقْلِيبَ أَوْرَاقِهِ وَالنَّظَرَ إلَيْهِ وَفَهْمَهُ عَمَلُ كَثِيرٍ وَيَقْطَعُ مَنْ رَآهُ أَنَّهُ لَيْسَ فِي الصَّلَاةِ؛ وَلِأَنَّهُ يَتَلَقَّنُ مِنْ الْمُصْحَفِ فَأَشْبَهَ التَّلَقُّنَ مِنْ غَيْرِهِ وَعَلَى هَذَا
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ يُفْسِدُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ يُفْسِدُ الصَّلَاةَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَإِنْ نَوَى الظُّهْرَ فَهِيَ هِيَ؛ لِأَنَّهُ نَوَى تَحْصِيلَ مَا هُوَ بِحَاصِلٍ فَإِنْ قِيلَ الْإِمَامُ إذَا تَحَرَّمَ لِصَلَاةِ الْجِنَازَةِ، ثُمَّ جِيءَ بِجِنَازَةٍ أُخْرَى فَنَوَى الصَّلَاةَ عَلَى الْجِنَازَةِ الْأُولَى وَالثَّانِيَةِ وَيُحْرِمُ بَقِيَ فِي الْأُولَى وَإِنْ نَوَى تَحْصِيلَ مَا لَيْسَ بِحَاصِلٍ وَالْمَسْأَلَةُ فِي الْمَبْسُوطِ قِيلَ لَهُ فِيمَا نَحْنُ بِصَدَدِهِ نَوَى الْإِعْرَاضَ عَنْ الْأُولَى وَالْإِقْبَالَ عَلَى الثَّانِيَةِ وَلَا يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ إلَّا بِارْتِفَاضِ الْأُولَى وَانْتِقَاضِهَا أَمَّا هَاهُنَا فَلَمْ يَنْوِ الْإِعْرَاضَ عَنْ الْأُولَى فَبَقِيَ فِيهَا كَمَا كَانَ إذْ لَا تَصِحُّ الثَّانِيَةُ مَعَ بَقَاءِ الْأُولَى فَافْتَرَقَا. اهـ. فَوَائِدُ الظَّهِيرِيَّةِ (قَوْلُهُ بِتَكْبِيرَةٍ جَدِيدَةٍ فَإِنَّ صَلَاتَهُ تَفْسُدُ) أَيْ صَلَاةُ الظُّهْرِ تَفْسُدُ اهـ وَلَوْ نَوَى أَنْ يُصَلِّيَ الظُّهْرَ فَلَمَّا قَامَ إلَى الثَّانِيَةِ نَوَى أَنَّهَا الْعَصْرُ فَلَمَّا صَلَّى رَكْعَةً نَوَى أَنَّهَا الْعِشَاءُ فَصَلَاتُهُ صَلَاةُ الظُّهْرِ. اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ فِيمَا إذَا نَوَاهُ أَوْ نَوَى الْعَصْرَ) لِأَنَّ صَاحِبَ التَّرْتِيبِ إذَا انْتَقَلَ مِنْ الظُّهْرِ إلَى الْعَصْرِ لَا يَصِيرُ مُنْتَقِلًا إلَى الْعَصْرِ بَلْ إلَى النَّفْلِ؛ لِأَنَّ الْعَصْرَ لَا يَنْعَقِدُ عَصْرًا قَبْلَ أَدَاءِ الظُّهْرِ فِي حَقِّهِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ بِضِيقِ الْوَقْتِ) أَوْ بِالنِّسْيَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ لَا الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ رحمه الله وَقَوْلُهُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ ظَرْفٌ لِشَيْئَيْنِ وَهُمَا قَوْلُهُ افْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعُ وَقَوْلُهُ لَا الظُّهْرِ وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ وَافْتِتَاحُ الْعَصْرِ أَوْ التَّطَوُّعُ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ لَا افْتِتَاحُ الظُّهْرِ بَعْدَ رَكْعَةِ الظُّهْرِ فَافْهَمْ اهـ. (قَوْلُهُ يَعْنِي لَا يُفْسِدُ) أَيْ لَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ وَلَا فَرْقَ فِي هَذَا بَيْنَ الرَّكْعَةِ فَمَا دُونَهَا وَمَا فَوْقَهَا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ حَتَّى يُجْتَزَأَ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ إلَى آخِرِهِ) هَذَا إذَا نَوَى بِقَلْبِهِ، أَمَّا إذَا نَوَى بِلِسَانِهِ وَقَالَ نَوَيْت أَنْ أُصَلِّيَ الظُّهْرَ انْتَقَضَ ظُهْرُهُ وَلَا يُجْتَزَأُ بِتِلْكَ الرَّكْعَةِ. اهـ. خُلَاصَةٌ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ نَوَى الشُّرُوعَ فِي عَيْنِ مَا هُوَ فِيهِ إلَى آخِرِهِ) وَلَوْ صَلَّى أَرْبَعًا عَلَى ظَنِّ أَنَّ الْأُولَى انْتَقَضَتْ وَلَمْ يَقْعُدْ فِي الثَّالِثَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ تَرَكَ الْقَعْدَةَ الْأَخِيرَةِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ: ثُمَّ جَدَّدَاهُ بِأَلْفٍ وَخَمْسِمِائَةٍ إلَى آخِرِهِ) أَوْ جَدَّدَاهُ بِأَقَلَّ مِنْ أَلْفٍ. اهـ. فَوَائِدُ الظَّهِيرِيَّةِ، وَكَذَا لَوْ كَانَ الثَّانِي بِمِائَةِ دِينَارٍ بِأَلْفِ دِرْهَمٍ يَبْطُلُ الْأَوَّلُ ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ. اهـ. (قَوْلُهُ لِعَدَمِ الْمُغَايِرَةِ) وَتَظْهَرُ فَائِدَتُهُ فِي الشُّفْعَةِ بِسَبَبِ الْبَيْعِ الثَّانِي إذَا سَلَّمَ فِي الْبَيْعِ الْأَوَّلِ اهـ بَاكِيرٌ وَغَايَةٌ وَكَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَيَصِيرُ شَارِعًا فِي الثَّانِيَةِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ نَوَى مَا لَيْسَ بِمَوْجُودٍ فَصَحَّتْ نِيَّتُهُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَوْ نَوَى الصَّلَاةَ عَلَيْهِمَا فَهُوَ عَلَى حَالِهِ) لِأَنَّهُ نَوَى اتِّحَادَ الْمَوْجُودِ وَهُوَ لَغْوٌ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَقِرَاءَتُهُ) أَيْ بِالرَّفْعِ عَطْفٌ عَلَى قَوْلِهِ التَّكَلُّمُ. اهـ. رَازِيٌّ (قَوْلُهُ وَقَالَ أَبُو يُوسُفَ وَمُحَمَّدٌ) أَيْ وَالشَّافِعِيُّ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَهُوَ النَّظَرُ إلَى الْمُصْحَفِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ عليه الصلاة والسلام «أَعْطُوا أَعْيُنَكُمْ حَظَّهَا مِنْ الْعِبَادَةِ قِيلَ وَمَا حَظُّهَا قَالَ النَّظَرُ فِي الْمُصْحَفِ» . اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ إلَّا أَنَّهُ يُكْرَهُ فِي الصَّلَاةِ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ إلَى آخِرِهِ) وَالدَّلِيلُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ قِرَاءَتَهُ مَكْرُوهَةٌ وَلَا يُظَنُّ بِعَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا كَانَتْ تَرْضَى بِالْمَكْرُوهِ وَتُصَلِّي خَلْفَ مَنْ يُصَلِّي صَلَاةً مَكْرُوهَةً. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله أَنَّ حَمْلَ الْمُصْحَفِ إلَى آخِرِهِ) مَأْخَذَانِ لِلْأَصْحَابِ فِي الْبُطْلَانِ ذَكَرَهُمَا الْأَصْحَابُ أَحَدُهُمَا الْبُطْلَانُ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَأَشْبَهَ التَّلَقُّنَ مِنْ غَيْرِهِ إلَى آخِرِهِ) وَجَعَلَ السَّرَخْسِيُّ فِي مَبْسُوطِهِ هَذَا التَّعْلِيلَ أَصَحَّ. اهـ. كَاكِيٌّ
لَا فَرْقَ بَيْنَ الْمَحْمُولِ وَالْمَوْضُوعِ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ وَأَثَرُ ذَكْوَانَ مَحْمُولٌ عَلَى أَنَّهُ كَانَ يَقْرَأُ قَبْلَ شُرُوعِهِ فِي الصَّلَاةِ، ثُمَّ يَقْرَأُ فِي الصَّلَاةِ غَائِبًا وَلَوْ كَانَ يَحْفَظُ الْقُرْآنَ وَقَرَأَهُ مِنْ مَكْتُوبٍ مِنْ غَيْرِ حَمْلِ الْمُصْحَفِ قَالُوا: لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ لِعَدَمِ الْأَمْرَيْنِ وَلَمْ يَفْصِلْ فِي الْمُخْتَصَرِ وَلَا فِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ بَيْنَهُمَا إذَا قَرَأَ قَلِيلًا أَوْ كَثِيرًا مِنْ الْمُصْحَفِ وَقَالَ بَعْضُ الْمَشَايِخِ: إنْ قَرَأَ مِقْدَارَ آيَةٍ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ قَرَأَ مِقْدَارَ الْفَاتِحَةِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ، وَإِلَّا فَلَا.
قَالَ رحمه الله (وَالْأَكْلُ وَالشُّرْبُ) لِأَنَّهُمَا مُنَافِيَانِ لِلصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْعَمْدِ وَالنِّسْيَانِ لِأَنَّ حَالَةَ الصَّلَاةِ مُذَكِّرَةٌ؛ لِأَنَّهَا عَلَى هَيْئَةٍ تُخَالِفُ الْعَادَةَ لِمَا فِيهَا مِنْ لُزُومِ الطَّهَارَةِ وَالْإِحْرَامِ وَالْخُشُوعِ وَاسْتِقْبَالِ الْقِبْلَةِ وَالِانْتِقَالَاتِ مِنْ حَالٍ إلَى حَالٍ مَعَ تَرْكِ النُّطْقِ الَّذِي هُوَ كَالنَّفْسِ وَكُلُّ ذَلِكَ فِي زَمَنٍ يَسِيرٍ فَيَكُونُ الْأَكْلُ وَالشُّرْبُ فِيهَا فِي غَايَةِ الْبُعْدِ فَلَا يُعْذَرُ فَصَارَ كَالْحَدَثِ بِخِلَافِ الصَّوْمِ؛ لِأَنَّ هَيْئَتَهُ لَا تُخَالِفُ الْعَادَةَ وَزَمَنُهُ طَوِيلٌ فَيَكْثُرُ فِيهِ النِّسْيَانُ فَيُعْذَرُ، ثُمَّ أَطْلَقَ الْأَكْلَ وَمُرَادُهُ مَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ وَمَا لَا يُفْسِدُ الصَّوْمَ لَا يُبْطِلُ الصَّلَاةَ وَيَأْتِي بَيَانُهُ فِي مَوْضِعِهِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى قَالَ رحمه الله (وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ وَفَهِمَهُ أَوْ أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ لَا تَفْسُدُ وَإِنْ أَثِمَ) أَيْ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ أَمَّا النَّظَرُ إلَى الْمَكْتُوبِ وَفَهْمُهُ فَلِأَنَّهُ لَيْسَ بِعَمَلٍ مُنَافٍ لِلصَّلَاةِ وَلَا فَرْقَ بَيْنَ الْمُسْتَفْهِمِ وَغَيْرِهِ عَلَى الصَّحِيحِ لِعَدَمِ الْفِعْلِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ إنْ كَانَ مُسْتَفْهِمًا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إذَا كَانَ الْمَكْتُوبُ غَيْرَ قُرْآنٍ قِيَاسًا عَلَى مَا إذَا حَلَفَ لَا يَقْرَأُ كِتَابَ فُلَانٍ فَنَظَرَ إلَيْهِ وَفَهِمَهُ فَإِنَّهُ يَحْنَثُ عِنْدَهُ فَكَذَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ. وَجْهُ الْأَوَّلِ وَهُوَ الْفَرْقُ لَهُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ الْفَهْمُ وَقَدْ وُجِدَ وَلَا كَذَلِكَ بُطْلَانُ الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ بِالْعَمَلِ الْكَثِيرِ وَلَمْ يُوجَدْ، وَأَمَّا أَكْلُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَلِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ الِاحْتِرَازُ عَنْهُ وَلِهَذَا لَا يَبْطُلُ بِهِ الصَّوْمُ فَصَارَ كَالرِّيقِ إلَّا إذَا كَانَ كَثِيرًا فَتَفْسُدُ بِهِ صَلَاتُهُ كَمَا يَفْسُدُ بِهِ صَوْمُهُ وَالْفَاصِلُ بَيْنَهُمَا مِقْدَارُ الْحِمَّصَةِ، وَأَمَّا الْمُرُورُ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلِحَدِيثِ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّهُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَعَلَى الْأَوَّلِ يَفْتَرِقَانِ إلَى آخِرِهِ) فَيُحْمَلُ مَا رُوِيَ عَنْ ذَكْوَانَ مَوْلَى عَائِشَةَ رضي الله عنها أَنَّهُ كَانَ يَؤُمُّهَا فِي شَهْرِ رَمَضَانَ وَكَانَ يَقْرَأُ مِنْ الْمُصْحَفِ عَلَى أَنَّهُ كَانَ مَوْضُوعًا وَعَلَى الثَّانِي كَوْنُ تِلْكَ مُرَاجَعَةً كَانَتْ قُبَيْلَ الصَّلَاةِ لِيَكُونَ بِذِكْرِهِ أَقْرَبَ وَهُوَ الْمُعَوَّلُ عَلَيْهِ فِي دَفْعِ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ يَجُوزُ بِلَا كَرَاهَةٍ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «صَلَّى حَامِلًا أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا فَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» فَإِنَّ هَذِهِ الْوَاقِعَةَ لَيْسَ فِيهَا تَلَقُّنٌ وَتَحْقِيقُهُ أَنَّهُ قِيَاسُ مَا يَتَعَلَّمُهُ فِي الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ مُعَلِّمٍ حَيٍّ عَلَيْهَا مِنْ مُعَلِّمٍ حَيٍّ بِجَامِعٍ أَنَّهُ تَلَقَّنَ مِنْ خَارِجٍ وَهُوَ الْمَنَاطُ فِي الْأَصْلِ فَقَطْ فَإِنْ فَعَلَ الْخَارِجَ لَا أَثَرَ لَهُ فِي الْفَسَادِ بَلْ الْمُؤَثِّرُ فِعْلُ مَنْ فِي الصَّلَاةِ وَلَيْسَ مِنْهُ إلَّا التَّلَقُّنُ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ الْأَكْمَلُ وَلَمْ يَذْكُرْ فِي الْكِتَابِ مِقْدَارَ مَا يُقْرَأُ وَهُوَ مُخْتَلَفٌ فِيهِ فَمِنْهُمْ مِنْ يَقُولُ إذَا قَرَأَ مِقْدَارَ آيَةٍ تَامَّةٍ؛ لِأَنَّ مَا دُونَهُ غَيْرُ مُعْتَبَرٍ قِرَاءَةً وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ مِقْدَارَ الْفَاتِحَةِ وَالظَّاهِرُ أَنَّ الْقَلِيلَ وَالْكَثِيرَ عِنْدَهُ فِي الْإِفْسَادِ وَعِنْدَهُمَا فِي عَدَمِهِ سَوَاءٌ فَلِهَذَا أَطْلَقَهُ فِي الْكِتَابِ (قَوْلُهُ قَالُوا لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ) أَيْ لِأَنَّ قِرَاءَتَهُ هَذِهِ مُضَافَةٌ إلَى حِفْظِهِ لَا إلَى تَلَقُّنِهِ مِنْ الْمُصْحَفِ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ: ثُمَّ أَطْلَقَ الْأَكْلَ إلَى آخِرِهِ) أَقُولُ: هَذَا إنَّمَا يَسْتَقِيمُ فِيمَا إذَا أَكَلَ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ وَمُرَادُ الْمُصَنِّفِ بِقَوْلِهِ وَالْأَكْلُ أَكْلُ شَيْءٍ مِنْ خَارِجٍ وَالْحُكْمُ فِيهِ فَسَادُ الصَّوْمِ قَلِيلًا كَانَ الْمَأْكُولُ كَسِمْسِمَةٍ أَوْ كَثِيرًا، وَأَمَّا أَكْلُ مَا بَيْنَ أَسْنَانِهِ فَسَيَأْتِي فِي كَلَامِ الْمُصَنِّفِ فَتَأَمَّلْ اهـ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَلَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ) أَيْ مَكْتُوبٍ غَيْرِ الْقُرْآنِ؛ لِأَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَى مَكْتُوبٍ هُوَ قُرْآنٌ وَفَهِمَهُ لَا خِلَافَ لِأَحَدٍ فِيهِ أَنَّهُ يَجُوزُ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ عِنْدَ مُحَمَّدٍ إلَى آخِرِهِ) وَبِهِ أَخَذَ أَبُو اللَّيْثِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ لَا تَفْسُدُ عِنْدَهُ أَيْضًا وَهُوَ مَرْوِيٌّ عَنْهُ نَصًّا ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ إذْ الْفَسَادُ بِالْكَلَامِ وَلَمْ يُوجَدْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَكَذَا تَبْطُلُ صَلَاتُهُ) أَيْ وَلِهَذَا قَالُوا: يَجِبُ أَنْ لَا يَضَعَ الْمُعَلِّمُ الْجُزْءَ بَيْنَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ رُبَّمَا يَكُونُ مَكْتُوبًا فِيهِ الْجُزْءَ الْأَوَّلَ أَوْ الثَّانِيَ فَيُنْظَرُ فِي ذَلِكَ وَيُفْهَمُ فَيَدْخُلُ فِي ذَلِكَ شُبْهَةُ الِاخْتِلَافِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ أَنَّ الْمَقْصُودَ فِي الْيَمِينِ إنَّمَا هُوَ الْفَهْمُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله فِي الْغَايَةِ قِيلَ تَحْنِيثُ مُحَمَّدٍ فِي الْيَمِينِ عَلَى قِرَاءَةِ كِتَابِ فُلَانٍ بِمُجَرَّدِ الْفَهْمِ بِدُونِ الْقِرَاءَةِ مُشْكِلٌ مَعَ التَّسْلِيمِ أَنَّ الْغَرَضَ وَالْمَقْصُودَ أَنْ لَا يَطَّلِعَ عَلَى سِرِّهِ وَبِالْفَهْمِ لِكِتَابِهِ فَاتَ الْغَرَضُ لَكِنْ بِفَوَاتِ الْغَرَضِ يَبَرُّ فِي يَمِينِهِ وَلَا يَحْنَثُ فِيهَا إذْ لَمْ يُوجَدْ الْمَحْلُوفُ عَلَيْهِ وَهُوَ الْقِرَاءَةُ، أَلَا تَرَى أَنَّ مَنْ حَلَفَ لَا يَبِيعُ ثَوْبَهُ بِعَشْرَةٍ لَا شَكَّ أَنَّ غَرَضَهُ أَنْ لَا يَخْرُجَ الثَّوْبُ عَنْ مِلْكِهِ بِالْبَيْعِ إلَّا بِأَكْثَرَ مِنْ عَشْرَةٍ وَمَعَ ذَلِكَ لَوْ بَاعَهُ بِتِسْعَةٍ لَا يَحْنَثُ وَإِنْ فَاتَ غَرَضُهُ لِعَدَمِ وُجُودِ لَفْظِ الْمَحْلُوفِ عَلَيْهِ. وَكَذَا لَوْ قَالَ: إنْ اشْتَرَيْت لَهَا شَيْئًا بِفَلْسٍ فَاشْتَرَى بِدِينَارٍ لَا يَحْنَثُ وَمِنْ امْتَنَعَ مِنْ بَذْلِ الشَّيْءِ الْحَقِيرِ وَهُوَ الْفَلْسُ كَأَنْ أَمْنَعَ مِنْ بَذْلِ الشَّيْءِ النَّفِيسِ وَهَذَا هُوَ الْغَرَضُ وَالسِّيَاقُ وَمَعَ هَذَا لَا يَحْنَثُ لِمَا ذَكَرْنَا وَيُمْكِنُ أَنْ يُجَابَ بِأَنْ يَمِينَهُ انْعَقَدَتْ عَلَى الْمَجَازِ وَهُوَ الْفَهْمُ؛ لِأَنَّ قِرَاءَةَ كِتَابِهِ سَبَبٌ لِفَهْمِ مَا فِيهِ كَمَا لَوْ قَالَ لِامْرَأَتِهِ إنْ دَخَلْت دَارَ فُلَانٍ وَدَخَلَ فُلَانٌ دَارَك فَأَنْتِ طَالِقٌ فَدَخَلَتْ دَارِهِ وَلَمْ يَدْخُلْ فُلَانٌ دَارَهَا يَقَعْ؛ لِأَنَّهُ جَعَلَ ذِكْرَ دُخُولِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا دَارَ الْآخَرِ كِنَايَةً عَنْ الِاجْتِمَاعِ؛ لِأَنَّهُ سَبَبَ الِاجْتِمَاعِ كَذَا هَاهُنَا عِنْدَهُ اهـ قِيلَ وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ لَمَّا كَانَ الْمُرَادُ مِنْ قِرَاءَتِهِ كِتَابِ فُلَانٍ فَهْمَ مَا فِيهِ عِنْدَهُ يَنْبَغِي أَنْ يَحْنَثَ إذَا فَهِمَهُ بِقِرَاءَةِ غَيْرِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ أَوْ مَرَّ مَارٌّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي جَامِعِ شَمْسِ الْأَئِمَّةِ وَغَيْرِهِ عِنْدَ أَهْلِ الظَّاهِرِ تَفْسُدُ الصَّلَاةُ بِمُرُورِ الْمَرْأَةِ بَيْنَ يَدَيْهِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «تَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْمَرْأَةُ وَالْكَلْبُ وَالْحِمَارُ» وَفِي الْكَاتِي عِنْدَ أَهْلِ الْعِرَاقِ تَفْسُدُ بِمُرُورِ الْكَلْبِ وَالْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَفِي الْحِلْيَةِ قَالَ أَحْمَدُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ وَفِي قَلْبِي مِنْ الْحِمَارِ وَالْمَرْأَةِ شَيْءٌ وَإِنَّمَا قَالَ: الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ
- صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ شَيْءٌ وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ» ، وَأَمَّا إثْمُ الْمَارِّ فَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ خَيْرٌ لَهُ مِنْ أَنْ يَمُرَّ بَيْنَ يَدَيْ أَخِيهِ وَهُوَ يُصَلِّي» وَتَكَلَّمُوا فِي الْمَوْضِع الَّذِي يُكْرَهُ الْمُرُورُ فِيهِ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ وَهُوَ مِنْ قَدَمِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَيَنْبَغِي لِمَنْ يُصَلِّي فِي الصَّحْرَاءِ أَنْ يَتَّخِذَ أَمَامَهُ سُتْرَةً لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لِيَسْتَتِرَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ وَلَوْ بِسَهْمٍ» . وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طُولُهَا ذِرَاعًا وَغِلَظُهَا غِلَظَ الْأُصْبُعِ لِمَا رَوَيْنَاهُ وَلِأَنَّ مَا دُونَ ذَلِكَ لَا يَبْدُو لِلنَّاظِرِ مِنْ بَعِيدٍ فَلَا يَحْصُلُ بِهِ الْغَرَضُ وَيَقْرُبُ مِنْ السُّتْرَةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «الْكَلْبُ الْأَسْوَدُ شَيْطَانٌ» حِينَ سَأَلَهُ رَاوِي الْحَدِيثِ أَبُو ذَرٍّ وَقُلْنَا أَنْكَرَتْ عَائِشَةُ هَذَا الْحَدِيث وَحِينَ بَلَغَهَا قَالَتْ يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ يَا أَهْلَ الشِّقَاقِ وَالنِّفَاقِ قَرَنْتُمُونَا بِالْكِلَابِ وَالْحُمُرِ «وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي بِاللَّيْلِ وَأَنَا مُعْتَرِضَةٌ بَيْنَ يَدَيْهِ اعْتِرَاضَ الْجِنَازَةِ فَإِذَا سَجَدَ خَنَسْت رِجْلَيَّ وَإِذَا قَامَ مَدَدْتهَا» وَحَدِيثُ وَلَدِ أُمِّ سَلَمَةَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرُورَ لَا يَقْطَعُ الصَّلَاةَ كَمَا سَيَجِيءُ. وَحَدِيثُ ابْنِ عَبَّاسٍ «قَالَ زُرْت النَّبِيَّ عليه الصلاة والسلام عَلَى حِمَارٍ فَوَجَدْنَا رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إلَى غَيْرِ جِدَارٍ فَصَلَّيْنَا مَعَهُ وَالْحِمَارُ يَرْبَعُ بَيْنَ يَدَيْهِ» . اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ، ثُمَّ الْمَارُّ بَيْنَ يَدَيَّ الْمُصَلِّي آثِمٌ وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَقَالَ فِي النِّهَايَةِ وَالْوَسِيطَةِ يُكْرَهُ الْمُرُورُ وَصَرَّحَ الْعِجْلِيّ بِتَحْرِيمِهِ وَوَافَقَهُ صَاحِبُ التَّهْذِيبِ وَالتَّتِمَّةِ مِنْ الشَّافِعِيَّةِ وَأَصْحَابُنَا نَصُّوا عَلَى كَرَاهِيَتِهِ ذَكَرَهُ فِي الْمُحِيطِ وَالذَّخِيرَةِ والمرغيناني. اهـ. (قَوْلُهُ «وَادْرَءُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد؛ وَأَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ) أَيْ مَعَهُ شَيْطَانٍ بِدَلِيلِ حَدِيثِ ابْنِ عُمَرَ «فَإِنَّ مَعَهُ الْقَرِينَ» رَوَاهُ مُسْلِمٌ؛ وَأَحْمَدُ وَقِيلَ مِنْ شَيَاطِينِ الْإِنْسِ وَقِيلَ فِعْلُهُ فِعْلُ الشَّيْطَانِ وَالشَّيْطَانُ فِي اللُّغَةِ كُلُّ مُتَمَرِّدٍ عَاتٍ مِنْ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَوْ الدَّوَابِّ قَالَهُ سِيبَوَيْهِ اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «لَأَنْ يَقِفَ أَحَدُكُمْ مِائَةَ عَامٍ») وَفِي مُسْنَدِ الدَّارَقُطْنِيّ أَرْبَعِينَ خَرِيفًا. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْأَصَحُّ أَنَّهُ مَوْضِعُ صَلَاتِهِ إلَى آخِرِهِ) هُوَ مُخْتَارُ صَاحِبِ الْهِدَايَةِ. اهـ. قَالَ فِي الدِّرَايَةِ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ هَذَا إذَا كَانَ فِي الصَّحْرَاءِ أَوْ فِي الْجَامِعِ الَّذِي لَهُ حُكْمُ الصَّحْرَاءِ أَمَّا فِي الْمَسْجِدِ فَالْحَدُّ هُوَ الْمَسْجِدُ إلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَارِّ أُسْطُوَانَةٌ أَوْ غَيْرُهَا وَفِي الْكَافِي أَوْ رَجُلٌ قَائِمٌ أَوْ قَاعِدٌ ظَهْرُهُ إلَى الْمُصَلِّي، ثُمَّ اخْتَلَفُوا فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي يُكْرَهُ فِيهِ الْمُرُورُ قِيلَ يُقَدَّرُ بِثَلَاثَةِ أَذْرُعٍ وَقِيلَ بِخَمْسَةِ وَقِيلَ بِأَرْبَعِينَ وَقِيلَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ وَقِيلَ بِقَدْرِ صَفَّيْنِ أَوْ ثَلَاثَةٍ قَالَ التُّمُرْتَاشِيُّ وَالْأَصَحُّ إنْ كَانَ بِحَالٍ لَوْ صَلَّى صَلَاةَ خَاشِعٍ لَا يَقَعُ بَصَرُهُ عَلَى الْمَارِّ فَلَا يُكْرَهُ نَحْوُهُ أَنْ يَكُونَ مُنْتَهَى بَصَرِهِ فِي قِيَامِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ وَفِي رُكُوعِهِ إلَى صُدُورِ قَدَمَيْهِ وَفِي سُجُودِهِ إلَى أَرْنَبَةِ أَنْفِهِ وَفِي قُعُودِهِ إلَى حِجْرِهِ وَفِي السَّلَامِ إلَى مَنْكِبَيْهِ وَهُوَ اخْتِيَارُ فَخْرِ الْإِسْلَامِ وَقَالَ لَوْ صَلَّى رَامِيًا بِبَصَرِهِ إلَى مَوْضِعِ سُجُودِهِ فَلَمْ يَقَعْ بَصَرُهُ عَلَيْهِ لَمْ يُكْرَهْ وَهَذَا حَسَنٌ وَاخْتَارَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ وَالْإِمَامُ السَّرَخْسِيُّ وَقَاضِي خَانْ مَا اخْتَارَهُ صَاحِبُ الْهِدَايَةِ قَالَ شَيْخُ شَيْخِي مَا اخْتَارَهُ فَخْرُ الْإِسْلَامِ والتمرتاشي أَشْبَهُ إلَى الصَّوَابِ؛ لِأَنَّ الْمُصَلِّي إذَا صَلَّى عَلَى الدُّكَّانِ وَيُحَاذِي أَعْضَاؤُهُ أَعْضَاءَ الْمَارِّ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَمُرُّ أَسْفَلَهُ وَأَسْفَلُهُ لَيْسَ بِمَوْضِعِ سُجُودِهِ. اهـ. يَعْنِي أَنَّهُ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ لَمْ يَكُنْ مَوْضِعُ سُجُودِهِ فِيهِ؛ لِأَنَّ الْفَرْضَ أَنَّهُ يَسْجُدُ عَلَى الدُّكَّانِ فَكَانَ مَوْضِعُ النِّيَّةِ دُونَ مَحَلِّ الْمُرُورِ لَوْ كَانَ عَلَى الْأَرْضِ وَمَعَ ذَلِكَ تَثْبُتُ الْكَرَاهَةُ اتِّفَاقًا فَكَانَ ذَلِكَ نَقْضًا لِمَا اخْتَارَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ بِخِلَافِ مُخْتَارِ فَخْرِ الْإِسْلَامِ فَإِنَّهُ يَمْشِي فِي كُلِّ الصُّوَرِ غَيْرَ مَنْصُوصٍ. اهـ. فَتْحٌ قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاعْلَمْ أَنَّ السُّتْرَةَ مِنْ مَحَاسِنِ الصَّلَاةِ، وَقَائِدَتُهَا قَبْضُ الْخَوَاطِرِ مِنْ الِانْتِشَارِ وَكَفُّ الْبَصَرِ مِنْ الِاسْتِرْسَالِ حَتَّى يَكُونَ الْمُصَلِّي مُجْتَمَعًا لِمُنَاجَاةِ رَبِّهِ وَمَحْضِ عُبُودِيَّتِهِ وَلِهَذَا شُرِعَتْ الصَّلَاةُ إلَى جِهَةٍ وَاحِدَةٍ مَعَ الصَّمْتِ وَتَرْكِ الْأَفْعَالِ الْعَادِيَةِ وَمَنْعِ الْعَدْوِ وَالْإِسْرَاعِ فِي الطَّرِيقِ وَإِنْ فَاتَتْ الْجَمَاعَةُ وَفَضِيلَةُ الِاقْتِدَاءِ فَإِنْ قِيلَ قَدْ ثَبَتَ عَنْ أَبِي قَتَادَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُصَلِّي وَهُوَ حَامِلٌ أُمَامَةَ بِنْتِ زَيْنَبَ بِنْتِ رَسُولِ اللَّهِ عليه الصلاة والسلام مِنْ أَبِي الْعَاصِ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ فَإِذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ حَمَلَهَا» مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ وَهَذَا فَوْقَ حَمْلِ الْمُصْحَفِ وَتَقْلِيبِ أَوْرَاقِهِ وَقَدْ نَصَّ عَلَى جَوَازِ هَذَا فِي الْمَبْسُوطِ وَقَالَ كَانَ فِعْلُهُ لِذَلِكَ فِي بَيْتِهِ. قُلْت قَدْ ذَكَرَ ذَلِكَ أَبُو عُمَرَ بْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي التَّمْهِيدِ وَحَكَى أَشْهَبُ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ هَذَا كَانَ فِي النَّافِلَةِ وَمِثْلُهُ لَا يَجُوزُ فِي الْفَرِيضَةِ وَذَكَرَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ أَنَّهُ كَانَ فِي الْفَرْضِ. وَقَالَ أَبُو عُمَرَ إنِّي لَا أَعْلَمُ خِلَافًا أَنَّ مِثْلَ هَذَا مَكْرُوهٌ فَيَكُونُ إمَّا فِي النَّافِلَةِ وَإِمَّا مَنْسُوخًا قَالَ وَرَوَى أَشْهَبُ؛ وَابْنُ نَافِعٍ أَنَّ مِثْلَ ذَلِكَ يَجُوزُ فِي حَالِ الضَّرُورَةِ فَحُمِلَ عَلَى الضَّرُورَةِ وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْفَرْضِ وَالنَّفَلِ قَالَ وَعِنْدَ أَهْلِ الْعِلْمِ أَنَّ أُمَامَةَ كَانَ عَلَيْهَا أَثِيَابٌ طَاهِرَةٌ وَأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَرَ مِنْهَا مَا يَحْدُثُ مِنْ الصِّبْيَانِ مِنْ الْبَوْلِ وَكَانَ رَءُوفًا رَحِيمًا بِالْأَطْفَالِ حَتَّى إذَا سَمِعَ بُكَاءَ الصَّبِيِّ خَفَّفَ فِي صَلَاتِهِ كَيْ لَا يَشُقَّ عَلَى أُمِّهِ خَلْفَهُ وَقَالَ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ فَإِذَا فَعَلَتْ الْمَرْأَةُ بِوَلَدِهَا مِثْلَ هَذَا تَكُونُ مُسِيئَةً؛ لِأَنَّهَا شَغَلَتْ نَفْسَهَا بِمَا لَيْسَ مِنْ عَمَلِ صَلَاتِهَا وَفِيهِ تَرْكُ سُنَّةِ الِاعْتِمَادِ وَفِعْلُهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فِي وَقْتٍ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِي الصَّلَاةِ أَوْ لَمْ يَكُنْ الِاعْتِمَادُ سُنَّةً فِيهَا. اهـ. سَرُوجِيٌّ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ رَأْسَهُ أَوْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا فَأَرْضَعَتْهُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم «كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا فَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا» ، ثُمَّ هَذَا الصَّنِيعُ لَمْ يَكُنْ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا فِي ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا وَلِبَيَانِهِ الشَّرْعَ أَنَّ هَذَا غَيْرُ مُوجِبِ فَسَادِ الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هَذَا أَيْضًا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا لَوْ فَعَلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيُكْرَهُ. اهـ
إلَى سُتْرَةٍ فَلْيَدْنُ مِنْهَا لَا يَقْطَعُ الشَّيْطَانُ عَلَيْهِ صَلَاتَهُ وَيَجْعَلُ السُّتْرَةَ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ، وَالْأَيْمَنُ أَفْضَلُ» لِحَدِيثِ الْمِقْدَادِ رضي الله عنه قَالَ «مَا رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إلَى عُودٍ وَلَا عَمُودٍ وَلَا شَجَرَةٍ إلَّا جَعَلَهُ عَلَى حَاجِبِهِ الْأَيْمَنِ أَوْ الْأَيْسَرِ وَلَا يَصْمُدُ إلَيْهِ صَمَدًا» أَيْ لَا يُقَابِلُهُ مُسْتَوِيًا مُسْتَقِيمًا بَلْ كَانَ يَمِيلُ عَنْهُ، وَإِنْ تَعَذَّرَ الْغَرَزُ لِصَلَابَةِ الْأَرْضِ لَا يَضَعُهَا عِنْدَ بَعْضِهِمْ؛ لِأَنَّهَا لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ وَيَضَعُهَا عِنْدَ الْآخَرِينَ لِوُرُودِ الْخَبَرِ فِيهَا لَكِنْ يَضَعُهَا طُولًا لَا عَرْضًا وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَطِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزُهُ أَوْ يَضَعُهُ حَسْبَ اخْتِلَافِهِمْ فِي الْوَضْعِ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ الْمُرُورَ وَلَمْ يُوَاجِهْ الطَّرِيقَ لِحَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ» وَسُتْرَةُ الْإِمَامِ سُتْرَةٌ لِلْقَوْمِ؛ لِأَنَّهُ «عليه الصلاة والسلام صَلَّى بِالْأَبْطَحِ إلَى عَنَزَةَ رُكِّزَتْ لَهُ» وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ وَيَدْرَأُ الْمَارَّ إذَا لَمْ يَكُنْ بَيْنَ يَدَيْهِ سُتْرَةً أَوْ مَرَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَ السُّتْرَةِ لِمَا رَوَيْنَا وَلِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا كَانَ أَحَدُكُمْ يُصَلِّي فَلَا يَدَعُ أَحَدًا يَمُرُّ بَيْنَ يَدَيْهِ وَلْيَدْرَأْهُ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ أَبَى فَلْيُقَاتِلْهُ فَإِنَّهُ شَيْطَانٌ». وَالدَّرْءُ مُبَاحٌ وَرُخْصَةٌ مِنْ غَيْرِ اشْتِغَالٍ بِالْمُعَالَجَةِ وَمَا وَرَدَ فِيهِ مِنْ الْمُقَاتَلَةِ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا قَالَهُ شَمْسُ الْأَئِمَّةِ السَّرَخْسِيُّ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنْ يُغْلِظَ عَلَيْهِ بَعْدَ الْفَرَاغِ وَقِيلَ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى {قَاتَلَهُمُ اللَّهُ} [التوبة: 30] وَاخْتَلَفُوا فِي كَيْفِيَّةِ الدَّرْءِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْرَأُ بِالْإِشَارَةِ لِحَدِيثِ أُمِّ سَلَمَةَ رضي الله عنها أَنَّهَا قَالَتْ «كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي فِي حُجْرَتِهِ فَمَرَّ بَيْنَ يَدَيْهِ عَبْدُ اللَّهِ أَوْ عُمَرُ بْنُ أَبِي سَلَمَةَ فَقَالَ عليه الصلاة والسلام بِيَدِهِ هَكَذَا فَرَجَعَ فَمَرَّتْ زَيْنَبُ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ فَقَالَ بِيَدِهِ هَكَذَا فَمَضَتْ فَلَمَّا صَلَّى عليه الصلاة والسلام قَالَ هُنَّ أَغْلَبُ» وَلَمْ يُسَبِّحْ، وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْرَأُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ وَيَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ طُولُهَا ذِرَاعًا إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ وَاخْتَلَفَ مَشَايِخُنَا فِيمَا إذَا كَانَتْ السُّتْرَةُ أَقَلَّ مِنْ ذِرَاعٍ وَقَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ لَوْ وَضَعَ قَبَاءَهُ أَوْ خُفَّيْهِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَارْتَفَعَ قَدْرَ ذِرَاعٍ كَانَ سُتْرَةً بِلَا خِلَافٍ وَإِنْ كَانَ دُونَهُ فَفِيهِ خِلَافٌ وَفِي غَرِيبِ الرِّوَايَةِ النَّهْرُ الْكَبِيرُ لَيْسَ بِسُتْرَةٍ كَالطَّرِيقِ، وَكَذَا الْحَوْضُ الْكَبِيرُ ذَكَرَ ذَلِكَ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لَكِنْ يَضَعُهَا طُولًا) أَيْ لِيَكُونَ عَلَى مِثَالِ الْغَرْزِ. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْخَطِّ إذَا لَمْ يَكُنْ مَعَهُ مَا يَغْرِزُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ إذَا لَمْ يَجِدْ مَا يَغْرِزُهُ أَوْ يَضَعُهُ هَلْ يَخُطُّ بَيْنَ يَدَيْهِ خَطًّا فَالْمَنْعُ هُوَ الظَّاهِرُ وَعَلَيْهِ الْأَكْثَرُونَ مِنْ أَصْحَابِنَا وَمِنْ غَيْرِهِمْ وَفِي الْمَبْسُوطِ حَكَى أَبُو عِصْمَةَ عَنْ مُحَمَّدٍ أَنَّهُ لَا يَخُطُّ وَالْخَطُّ وَتَرْكُهُ سَوَاءٌ وَقَالَ السَّرَخْسِيُّ لَا نَأْخُذُ بِالْخَطِّ قَالَ الْمَرْغِينَانِيُّ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَفِي الْمُحِيطِ لَيْسَ بِشَيْءٍ وَفِي الْوَاقِعَاتِ هُوَ الْمُخْتَارُ فَكَذَا لَا يُعْتَبَرُ الْإِلْقَاءُ هُوَ الْمُخْتَارُ اهـ قَالَ الْكَمَالُ وَإِنْ اسْتَتَرَ بِظَهْرِ جَالِسٍ كَانَ سُتْرَةً، وَكَذَا الدَّابَّةُ وَاخْتَلَفُوا فِي الْقَائِمِ وَقَالُوا حِيلَةُ الرَّاكِبِ أَنْ يَنْزِلَ فَيَجْعَلَ الدَّابَّةَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ يَدَيْ الْمُصَلِّي فَتَصِيرُ هِيَ سُتْرَةٌ فَيَمُرُّ وَلَوْ مَرَّ رَجُلَانِ مُتَحَاذِيَانِ فَالْإِثْمُ عَلَى مَنْ يَلِي الْمُصَلِّي. اهـ وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ لَوْ كَانَ الْمَارُّ اثْنَيْنِ يَقُومُ الْوَاحِدُ أَمَامَهُ وَيَمُرُّ الْآخَرُ وَيَفْعَلُ هَكَذَا. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ فِي الْغَايَةِ: الثَّالِثُ: أَنَّ الْمُرُورَ مَكْرُوهٌ وَالْمَارَّ أَثِمٌ وَقَدْ ذَكَرْنَاهُ هَذَا إذَا كَانَ مَنْدُوحَةً عَنْ الْمُرُورِ، وَإِلَّا يَأْثَمُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ فَالْحَالُ أَرْبَعٌ يَأْثَمَانِ لَا يَأْثَمَانِ يَأْثَمُ الْمَارُّ وَحْدَهُ يَأْثَمُ الْمُصَلِّي وَحْدَهُ اهـ الْأَوْلَى أَنْ لَا يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ فِي مَوْضِعِ سُجُودِهِ مَعَ إمْكَانِ الْمُرُورِ مِنْ غَيْرِهِ الثَّانِيَةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ مِنْ وَرَائِهَا الثَّالِثَةُ أَنْ يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً وَيَمُرُّ الْمَارُّ مِنْ مَوْضِعِ سُجُودِهِ مَعَ إمْكَانِ الْمُرُورِ مِنْ غَيْرِهِ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَتَّخِذَ الْمُصَلِّي سُتْرَةً أَوْ يَقِفَ فِي بَابِ الْمَسْجِدِ وَلَا يَجِدُ الْمَارُّ بُدًّا مِنْ الْمُرُورِ بَيْنَ يَدَيْهِ وَاَللَّهُ أَعْلَمُ اهـ. وَقَدْ جَمَعَ هَذِهِ الْحَالَاتِ الْأَرْبَعَ قَوْلُ ابْنِ الْحَاجِبِ رحمه الله وَيَأْتَمُّ الْمُصَلِّي إنْ تَعَرَّضَ وَالْمَارُّ وَلَهُ مَنْدُوحَةٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَالْوَجْهُ مَا بَيَّنَّاهُ مِنْ الْجَانِبَيْنِ) أَيْ فَالْمَانِعُ يَقُولُ لَا يَحْصُلُ الْمَقْصُودُ بِهِ إذْ لَا يَظْهَرُ مِنْ بَعِيدٍ وَالْمُجِيزُ يَقُولُ وَرَدَ الْأَثَرُ بِهِ وَهُوَ مَا فِي أَبِي دَاوُد «إذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ فَلْيَجْعَلْ تِلْقَاءَ وَجْهِهِ شَيْئًا فَإِنْ لَمْ يَجِدْ فَلْيَنْصِبْ عَصًا فَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ عَصًا فَلْيَخُطَّ خَطًّا» وَلَا يَضُرُّهُ مَا مَرَّ أَمَامُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ وَالسُّنَّةُ أَوْلَى بِالِاتِّبَاعِ مَعَ أَنَّهُ يَظْهَرُ فِي الْجُمْلَةِ أَنَّ الْمَقْصُودَ جَمْعُ الْخَاطِرِ بِرَبْطِ الْخَيَالِ بِهِ كَيْ لَا يَنْشُرُ قَالَ أَبُو دَاوُد وَقَالُوا الْخَطُّ بِالطُّولِ وَقَالُوا الْخَطُّ بِالْعَرْضِ مِثْل الْهِلَالُ. اهـ. فَتْحٌ قَوْلُهُ وَاخْتَارَ الْمُصَنِّفُ الْأَوَّلَ قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَيُعْتَبَرُ الْغَرْزُ دُونَ الْإِلْقَاءِ وَالْخَطِّ؛ لِأَنَّ الْمَقْصُودَ لَا يَحْصُلُ بِهِ. اهـ. (قَوْلُهُ وَلَا بَأْسَ بِتَرْكِ السُّتْرَةِ إذَا أَمِنَ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الذَّخِيرَةِ وَقَدْ فَعَلَهُ مُحَمَّدٌ فِي طَرِيقِ مَكَّةَ غَيْرَ مَرَّةٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ «إنَّهُ عليه الصلاة والسلام صَلَّى فِي فَضَاءٍ لَيْسَ بَيْنَ يَدَيْهِ شَيْءٌ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ إلَى عَنَزَةٍ) بِالتَّنْوِينِ؛ لِأَنَّهُ اسْمُ جِنْسٍ نَكِرَةٌ وَهِيَ شِبْهُ الْعُكَّازَةِ وَهِيَ عَصًا ذَاتُ زَجٍّ كَذَا فِي الْمُغْرِبِ وَالزَّجُّ الْحَدِيدَةُ الَّتِي فِي أَسْفَلِ الرُّمْحِ وَفِي الْكَاتِي لَوْ أُرِيدَ عَنَزَةُ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم يَكُونُ غَيْرَ مُنْصَرِفٍ لِلتَّأْنِيثِ وَالْعِلْمِيَّةِ فَيَجُوزُ بِالنَّصْبِ وَبِالْجَرِّ. اهـ. كَاكِيٌّ وَقَوْل الْمُصَنِّفِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْقَوْمِ سُتْرَةٌ مِنْ كَلَامِهِ لَا مِنْ الْحَدِيثِ. اهـ. كَمَالٌ وَالْحَدِيثُ مُتَّفَقٌ عَلَيْهِ هَكَذَا «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى بِهِمْ بِالْبَطْحَاءِ وَبَيْنَ يَدَيْهِ عَنَزَةٌ وَالْمَرْأَةُ وَالْحِمَارُ يَمُرُّونَ مِنْ وَرَائِهَا» . اهـ. فَتْحٌ وَيَمُرُّونَ ضَمِيرُ الْجَمْعِ الْمُذَكَّرِ الْعَاقِلِ اعْتِبَارًا لِلرَّاكِبِ مَعَ الْمَرْأَةِ وَالْحِمَارِ وَتَغْلِيبًا عَلَيْهِمَا. اهـ. شُمُنِّيٌّ (قَوْلُهُ حِينَ كَانَ الْعَمَلُ فِيهَا مُبَاحًا) وَيَدُلُّ عَلَيْهِ الْحَدِيثُ الثَّابِتُ أَنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فَلَمَّا صَلَّى عليه الصلاة والسلام قَالَ هُنَّ أُغْلَبُ إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ يَدْرَأُ) أَيْ الرَّجُلُ قَالَ الشُّمُنِّيُّ قَيَّدْنَا بِالرَّجُلِ؛ لِأَنَّ الْمَرْأَةَ لَا تَدْرَأُ بِالتَّسْبِيحِ بَلْ بِالتَّصْفِيقِ؛ لِأَنَّ فِي صَوْتِهَا فِتْنَةً، وَكَيْفِيَّةُ تَصْفِيقِهَا أَنْ تَضْرِبَ بِظُهُورِ أَصَابِعِ الْيُمْنَى عَلَى صَفْحَةِ الْكَفِّ الْيُسْرَى اهـ
بِالتَّسْبِيحِ لِمَا رَوَيْنَا وَلَا يَجْمَعُ بَيْنَهُمَا لِأَنَّ بِأَحَدِهِمَا كِفَايَةً وَقِيلَ يَدْفَعُهُ بِيَدِهِ مَرَّةً إنْ لَمْ يَمْتَنِعْ بِالتَّسْبِيحِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ عِلَاجٌ عَلَى مَا مَرَّ قَالَ رحمه الله.
(وَكُرِهَ عَبَثُهُ بِثَوْبِهِ أَوْ بَدَنِهِ) أَيْ عَبَثُ الْمُصَلِّي بِثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ وَالْهَاءُ فِيهِمَا وَفِيمَا قَبْلَهُمَا مِنْ الْكَلِمَاتِ رَاجِعَةٌ إلَى الْمُصَلِّي وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَذْكُورًا؛ لِأَنَّ الْمَعْنَى يَدُلُّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا كُرِهَ الْعَبَثُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا الْعَبَثَ فِي الصَّلَاةِ وَالرَّفَثَ فِي الصِّيَامِ وَالضَّحِكَ فِي الْمَقَابِرِ» وَقَالَ صلى الله عليه وسلم «إنَّ فِي الصَّلَاةِ شُغْلًا» «وَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا يَعْبَثُ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ لَوْ خَشَعَ قَلْبُ هَذَا لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ» قَالَ رحمه الله (وَقَلْبُ الْحَصَى إلَّا لِلسُّجُودِ مَرَّةً) أَيْ كُرِهَ قَلْبُ الْحَصَى إلَّا لِعَدَمِ إمْكَانِ السُّجُودِ فَيُسَوِّيهِ مَرَّةً «لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ فَذَرْ» وَقَالَ عليه الصلاة والسلام «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يَمْسَحُ الْحَصَى فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» «وَقَالَ عليه الصلاة والسلام فِي الرَّجُلِ يُسَوِّي التُّرَابَ حَيْثُ يَسْجُدُ إنْ كُنْت فَاعِلًا فَوَاحِدَةً مَعْنَاهُ لَا تَمْسَحُ وَإِنْ مَسَحْت فَلَا تَزِدْ عَلَى وَاحِدَةٍ» قَالَ رحمه الله (وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك» ، وَكَذَا يُكْرَهُ تَشْبِيكُ الْأَصَابِعِ لِقَوْلِ ابْنِ عُمَرَ فِيهِ تِلْكَ صَلَاةُ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ «وَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ فَفَرَّجَ عليه السلام بَيْنَ أَصَابِعِهِ» قَالَ رحمه الله (وَالتَّخَصُّرُ) لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا وَلِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ الْوَضْعِ الْمُسِنُّونَ. وَالتَّخَصُّرُ وَضْعُ الْيَدِ عَلَى الْخَاصِرَةِ وَهُوَ الصَّحِيحُ وَبِهِ قَالَ الْجُمْهُورُ مِنْ أَهْلِ اللُّغَةِ وَالْحَدِيثِ وَالْفِقْهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم «الِاخْتِصَارُ فِي الصَّلَاةِ رَاحَةُ أَهْلِ النَّارِ» مَعْنَاهُ أَنَّ هَذَا الْفِعْلَ فِعْلُ الْيَهُودِ فِي صَلَاتِهِمْ، وَهُمْ أَهْلُ النَّارِ لَا أَنَّ لَهُمْ رَاحَةً فِيهَا وَقِيلَ هُوَ التَّوَكُّؤُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ بِالتَّسْبِيحِ لِمَا رَوَيْنَا) أَيْ عِنْدَ قَوْلِهِ، وَالْجَوَابُ بِلَا إلَهَ إلَّا اللَّهُ. اهـ. (قَوْلُهُ لِمَا رَوَيْنَا) وَهُوَ قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «مَنْ نَابَهُ شَيْءٌ فِي صَلَاتِهِ فَلْيُسَبِّحْ» . اهـ. (قَوْلُهُ وَقِيلَ يَدْفَعُهُ بِيَدِهِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي الْمُفِيدِ يَدْرَأُ بِالتَّسْبِيحِ فَإِنْ لَمْ يَمْتَنِعْ دَفَعَهُ بِيَدِهِ وَفِي الْمَبْسُوطِ بِالْإِشَارَةِ أَوْ بِالْأَخْذِ بِطَرَفِ ثَوْبِهِ عَلَى وَجْهٍ لَيْسَ فِيهِ مَشْيٌ وَلَا عِلَاجٌ. اهـ. غَايَةٌ.
(قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَكُرِهَ عَبَثُهُ بِثَوْبِهِ وَبَدَنِهِ) قَالَ فِي الْفَتْحِ الْعَبَثُ الْفِعْلُ لِغَرَضٍ غَيْرُ صَحِيحٍ فَلَوْ كَانَ لِنَفْعٍ كَسَلْتِ الْعَرَقِ عَنْ وَجْهِهِ وَالتُّرَابِ فَلَيْسَ بِهِ اهـ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ قَالَ فِي الْمُجْتَبَى وَتُكْرَهُ فِي ثِيَابِ الْبِذْلَةِ وَفِي الْغَايَةِ قَالَ فِي الْحَاوِي وَيُسْتَحَبُّ لَهُ أَنْ يَلْبَسَ مِنْ أَحْسَنِ ثِيَابِهِ وَصَالِحِهَا عِنْدَ الصَّلَاةِ وَيَتَعَمَّمَ، وَكَذَا عِنْدَ قِرَاءَةِ الْقُرْآنِ وَلْيَسْتَقْبِلْ بِهَا الْقِبْلَةَ وَفِي التُّحْفَةِ وَغَيْرِهَا اللِّبْسُ فِي الصَّلَاةِ أَنْوَاعٌ ثَلَاثَةٌ مُسْتَحَبٌّ وَجَائِزٌ وَمَكْرُوهٌ فَالْمُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ قَمِيصٌ وَإِزَارٌ وَرِدَاءٌ وَعِمَامَةٌ هَكَذَا حَكَاهُ أَبُو جَعْفَرٍ الْهِنْدُوَانِيُّ عَنْ أَصْحَابِنَا وَعَنْ مُحَمَّدٍ الْمُسْتَحَبُّ ثَوْبَانِ إزَارٌ وَرِدَاءٌ وَالْجَائِزُ مِنْ غَيْرِ كَرَاهَةٍ أَنْ يُصَلِّيَ فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ مُتَوَشِّحًا بِهِ أَوْ قَمِيصٍ ضَيِّقٍ لِوُجُودِ سَتْرِ الْعَوْرَةِ وَأَصْلِ الزِّينَةِ وَالْمَكْرُوهُ أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ أَوْ إزَارٍ لَا غَيْرُ وَفِي حَقِّ الْمَرْأَةِ الْمُسْتَحَبُّ ثَلَاثَةُ أَثْوَابٍ فِي الرِّوَايَاتِ كُلِّهَا وَهِيَ إزَارٌ وَدِرْعٌ وَخِمَارٌ. وَالدَّلِيلُ عَلَى كَرَاهِيَةِ الصَّلَاةِ فِي السَّرَاوِيلِ وَحْدَهَا وَعِنْدَهُ قَمِيصٌ حَدِيثُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يَزِيدَ عَنْ أَبِيهِ قَالَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ لِبْسَتَيْنِ أَنْ يُصَلِّيَ فِي لِحَافٍ لَا يَتَوَشَّحُ بِهِ وَالْأُخْرَى أَنْ يُصَلِّيَ فِي سَرَاوِيلَ لَيْسَ عَلَيْهِ رِدَاءٌ» أَخْرَجَهُمَا أَبُو دَاوُد. اهـ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ كَرِهَ لَكُمْ ثَلَاثًا») الْحَدِيثَ، قَالَ الْكَمَالُ رَوَاهُ الْقُضَاعِيُّ مِنْ طَرِيقِ ابْنِ الْمُبَارَكِ عَنْ إسْمَاعِيلَ بْنِ عَبَّاسٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ دِينَارٍ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي بَكْرٍ مُرْسَلًا قَالَ الذَّهَبِيُّ فِي الْمِيزَانِ هَذَا مِنْ مُنْكَرَاتِ ابْنِ عَبَّاسٍ (قَوْلُهُ لَخَشَعَتْ جَوَارِحُهُ) ذَكَرَهُ ابْنُ قُدَامَةَ فِي الْمُغْنِي. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ يَا أَبَا ذَرٍّ مَرَّةً أَوْ فَذَرْ) هَكَذَا هُوَ فِي الْهِدَايَةِ وَفِي خَطِّ الشَّارِحِ بِغَيْرِ فَاءٍ اهـ وَكَتَبَ عَلَى قَوْلِهِ أَوْ فَذَرْ أَيْضًا مَا نَصُّهُ غَرِيبٌ بِهَذَا اللَّفْظِ وَأَخْرَجَهُ عَبْدُ الرَّزَّاقِ عَنْهُ «سَأَلْت النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم عَنْ كُلِّ شَيْءٍ حَتَّى سَأَلْته عَنْ مَسْحِ الْحَصَا فَقَالَ وَاحِدَةً أَوْ دَعْ» ، وَكَذَا رَوَاهُ ابْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَرُوِيَ مَوْقُوفًا عَلَيْهِ قَالَ الدَّارَقُطْنِيّ وَهُوَ أَصَحُّ. اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ «فَإِنَّ الرَّحْمَةَ تُوَاجِهُهُ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَحْمَدُ وَأَبُو دَاوُد وَالتِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وَابْنُ مَاجَهْ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ. اهـ. غَايَةٌ وَمَعْنَاهُ الْإِقْبَالُ عَلَى الرَّحْمَةِ وَتَرْكُ الِاشْتِغَالِ عَنْهَا بِالْحَصَى وَغَيْرِهِ. اهـ. وَقَدْ أُخْرِجَ فِي الْكُتُبِ السِّتَّةِ عَنْ مُعَيْقِيبٍ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «لَا تَمْسَحْ الْحَصَى وَأَنْتَ تُصَلِّي فَإِنْ كُنْت لَا بُدَّ فَاعِلًا فَوَاحِدَةٌ». اهـ. فَتْحٌ. (قَوْلُهُ وَفَرْقَعَةُ الْأَصَابِعِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الدِّرَايَةِ وَالْفَرْقَعَةُ وَالتَّشْبِيكُ فِي الصَّلَاةِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ جَمِيعِ أَهْلِ الْعِلْمِ فَتَكُونُ فِيهِ إجْمَاعًا وَفِي الْمُجْتَبَى وَلَا يُشَبِّكُ أَصَابِعَهُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الْوَضْعُ أَوْ الْأَخْذُ الْمَسْنُونُ اهـ قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ كَرِهَ كَثِيرٌ مِنْ النَّاسِ الْفَرْقَعَةَ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَإِنَّهَا تَلْقِينُ الشَّيْطَانِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَعَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك فِي الصَّلَاةِ» رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ. اهـ. غَايَةٌ وَقَالَ الْكَمَالُ رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ الْحَارِثِ عَنْ عَلِيٍّ رضي الله عنه عَنْهُ عليه الصلاة والسلام «لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ فِي الصَّلَاةِ» وَهُوَ مَعْلُولٌ بِالْحَارِثِ اهـ. وَرُوِيَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «قَالَ لِعَلِيٍّ إنِّي أُحِبُّ لَك مَا أُحِبُّ لِنَفْسِي لَا تُفَرْقِعْ أَصَابِعَك وَأَنْتَ تُصَلِّي» . اهـ. دِرَايَةٌ (قَوْلُهُ «وَرَأَى النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم رَجُلًا قَدْ شَبَّكَ أَصَابِعَهُ فِي الصَّلَاةِ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنْ كَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالتَّخَصُّرِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْمَبْسُوطِ يُكْرَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ أَيْضًا فَإِنَّ إبْلِيسَ أُخْرِجَ مِنْ الْجَنَّةِ مُتَخَصِّرًا. اهـ. كَاكِيٌّ قَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ التَّخَصُّرِ أَخْرَجُوهُ إلَّا ابْنَ مَاجَهْ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُصَلِّيَ الرَّجُلُ مُتَخَصِّرًا» وَفِي لَفْظٍ «نَهَى عَنْ الِاخْتِصَارِ فِي الصَّلَاةِ» اهـ
عَلَى الْعَصَا مَأْخُوذٌ مِنْ الْمِخْصَرَةِ وَهِيَ السَّوْطُ وَالْعَصَا وَنَحْوُهُمَا وَمِنْهُ «قَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام لِابْنِ أُنَيْسٌ وَقَدْ أَعْطَاهُ عَصًا تَخَصَّرَ بِهَا فَإِنَّ الْمُتَخَصِّرِينَ فِي الْجَنَّةِ وَقِيلَ أَنْ يَخْتَصِرَ السُّورَةَ فَيَقْرَأَ آخِرَهَا وَقِيلَ هُوَ أَنْ لَا يُتِمَّ صَلَاتَهُ فِي رُكُوعِهَا وَسُجُودِهَا وَحُدُودِهَا» قَالَ رحمه الله (وَالِالْتِفَاتُ) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إيَّاكَ وَالِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ» وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها: «سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ الِالْتِفَاتِ فِي الصَّلَاةِ فَقَالَ هُوَ اخْتِلَاسٌ يَخْتَلِسُهُ الشَّيْطَانُ مِنْ صَلَاةِ الْعَبْدِ فَإِنْ كَانَ لِحَاجَةٍ لَا يُكْرَهُ» ذَكَرَهُ فِي الْغَايَةِ لِمَا رَوَى ابْنُ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما «أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَلْتَفِتُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَلَا يَلْوِي عُنُقَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ» ، ثُمَّ الِالْتِفَاتُ ثَلَاثَةٌ مَكْرُوهٌ، وَهُوَ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ يَمِينًا وَشِمَالًا وَقَدْ ذَكَرْنَا وَجْهَهُ وَمُبَاحٌ، وَهُوَ أَنْ يَنْظُرَ بِمُؤَخَّرِ عَيْنَيْهِ يَمْنَةً وَيَسْرَةً مِنْ غَيْرِ أَنْ يَلْوِيَ عُنُقَهُ؛ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمَوْقِ عَيْنَيْهِ وَمُبْطِلٌ وَهُوَ أَنْ يُحَوِّلَ صَدْرَهُ عَنْ الْقِبْلَةِ لِمَا فِيهِ مِنْ تَرْكِ التَّوَجُّهِ إلَى الْقِبْلَةِ وَيُكْرَهُ أَنْ يَرْفَعَ بَصَرَهُ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ إلَى السَّمَاءِ فِي الصَّلَاةِ لَيَنْتَهُنَّ أَوْ لَتُخْطَفُنَّ أَبْصَارَهُمْ» . قَالَ رحمه الله (وَالْإِقْعَاءُ) لِقَوْلِ أَبِي ذَرٍّ «نَهَانِي خَلِيلِي عَنْ ثَلَاثٍ أَنْ أَنْقُرَ نَقْرَ الدِّيكِ وَأَنْ أُقْعِيَ إقْعَاءَ الْكَلْبِ وَأَنْ أَفْتَرِشَ افْتِرَاشَ الثَّعْلَبِ» وَالْإِقْعَاءُ عِنْدَ الطَّحَاوِيِّ أَنْ يَقْعُدَ عَلَى أَلْيَتَيْهِ وَيَنْصِبَ فَخِذَيْهِ وَيَضُمَّ رُكْبَتَيْهِ إلَى صَدْرِهِ وَيَضَعَ يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ وَعِنْدَ الْكَرْخِيِّ هُوَ أَنْ يَنْصِبَ قَدَمَيْهِ وَيَقْعُدَ عَلَى عَقِبَيْهِ وَاضِعًا يَدَيْهِ عَلَى الْأَرْضِ، وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ أَشْبَهُ بِإِقْعَاءِ الْكَلْبِ قَالَ رحمه الله (وَافْتِرَاشُ ذِرَاعَيْهِ) لِمَا رَوَيْنَا قَالَ رحمه الله (وَرِدُّ السَّلَامِ بِيَدِهِ) أَيْ بِالْإِشَارَةِ وَهُوَ مَكْرُوهٌ، وَلَا يُفْسِدُ الصَّلَاةَ، وَأَمَّا الْمُصَافَحَةُ فَمُفْسِدَةٌ لِلصَّلَاةِ وَقَدْ بَيَّنَّاهَا مِنْ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَالِالْتِفَاتِ إلَى آخِرِهِ) هُوَ مَكْرُوهٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْعِلْمِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «فَإِنَّ الِالْتِفَاتَ فِي الصَّلَاةِ هَلَكَةٌ») فَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ فَفِي التَّطَوُّعِ لَا فِي الْفَرَائِضِ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ حَدِيثٌ حَسَنٌ صَحِيحٌ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ «وَقَالَتْ عَائِشَةُ رضي الله عنها سَأَلْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَأَبُو دَاوُد وَالنَّسَائِيُّ وَأَحْمَدُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «كَانَ يُلَاحِظُ أَصْحَابَهُ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ») رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِمَعْنَاهُ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ بِمُؤْقِ عَيْنَيْهِ) الْمُؤْقُ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ مُؤَخَّرُ الْعَيْنِ وَالْمَأَقُ مُقَدِّمُهَا وَيَدُلُّ عَلَيْهِ مَا رُوِيَ «أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام كَانَ يَكْتَحِلُ مِنْ قِبَلِ مُؤْقِهِ مَرَّةً وَمِنْ قِبَلِ مَأْقِهِ أُخْرَى» قَالَ الزُّهْرِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَيْرُ مَعْرُوفٍ وَأَجْمَعَ أَهْلُ الْفَنِّ أَنَّهُمَا بِمَعْنَى الْمُؤَخَّرِ، وَكَذَا الْمَأَقِي اهـ غَايَةٌ قَوْلُهُ مَهْمُوزُ الْعَيْنِ وَيَجُوزُ قَلْبُ الْهَمْزَةُ وَاوًا. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يُحَوَّلَ صَدْرُهُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْغَايَةِ فِي بَابِ شُرُوطِ الصَّلَاةِ فَرْعٌ: الْمُصَلِّي إذَا حَوَّلَ صَدْرَهُ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ وَإِنْ حَوَّلَ وَجْهَهُ دُونَ صَدْرِهِ لَا تَفْسُدُ، هَكَذَا ذَكَرَهُ فِي الذَّخِيرَةِ وَلَمْ يُفَصِّلْ وَفِي الْمَرْغِينَانِيُّ إنْ أَدَّى رُكْنًا مَعَ تَحْوِيلِ صَدْرِهِ قِيلَ هَذَا الْجَوَابُ أَلْيَقُ بِقَوْلِهِمَا أَمَّا عَلَى قَوْلِ أَبِي حَنِيفَةَ فَيَنْبَغِي أَنْ لَا تَفْسُدَ فِي الْوَجْهَيْنِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الِاسْتِدْبَارَ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَى قَصْدِ الْإِصْلَاحِ يُفْسِدُ عِنْدَهُمَا وَعِنْدَهُ إذَا لَمْ يَكُنْ لِقَصْدِ تَرْكِ الصَّلَاةِ لَا تَفْسُدُ مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ أَصْلُهُ انْصَرَفَ عَنْ الْقِبْلَةِ عَلَى ظَنِّ أَنَّهُ أَتَمَّ صَلَاتَهُ، ثُمَّ تَبَيَّنَ أَنَّهَا لَمْ تَتِمَّ عِنْدَ أَبِي حَنِيفَةَ يَبْنِي مَا دَامَ فِي الْمَسْجِدِ وَعِنْدَهُمَا لَا يَبْنِي. اهـ (قَوْلُهُ «مَا بَالُ أَقْوَامٍ يَرْفَعُونَ أَبْصَارَهُمْ» إلَى آخِرِهِ) قَالَ النَّوَوِيُّ رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ ابْنُ شَدَّادٍ فِي أَحْكَامِهِ رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ «نَهَانِي خَلِيلِي» إلَى آخِرِهِ) قَدْ عَابَ بَعْضُ النَّاسِ قَوْلَهُ فِي النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم خَلِيلِي بِنَاءً مِنْهُ عَلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَتَّخِذْهُ وَلَا أَحَدًا مِنْ الْخَلْقِ خَلِيلًا وَهَذَا إنَّمَا وَقَعَ فِيهِ قَائِلُهُ لِظَنِّهِ أَنَّ خَلِيلًا بِمَعْنَى مُخَالِلٍ مِنْ الْمُخَالَلَةِ الَّتِي لَا تَكُونُ إلَّا بَيْنَ اثْنَيْنِ وَلَيْسَ الْأَمْرُ كَذَلِكَ فَإِنَّ خَلِيلًا مِثْلُ حَبِيبٍ لَا يَلْزَمُ فِيهِ مِنْ الْمُفَاعَلَةِ شَيْءٌ إذْ قَدْ يَجِبُ الْكَارِهُ. اهـ. شَرْحُ مُسْلِمٍ لِلْقُرْطُبِيِّ فِي بَابِ الضُّحَى. اهـ. وَهَذَا الْحَدِيثُ ذَكَرَهُ بِهَذَا اللَّفْظِ فِي الْهِدَايَةِ قَالَ السُّرُوجِيُّ رحمه الله فِي الْغَايَةِ رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَقَالَ الْكَمَالُ وَحَدِيثُ الْإِقْعَاءِ وَالِافْتِرَاشِ غَرِيبٌ مِنْ حَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَفِي مُسْنَدِ أَحْمَدَ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ «نَهَانِي رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ ثَلَاثَةٍ عَنْ نَقْرَةٍ كَنَقْرَةِ الدِّيكِ وَإِقْعَاءٍ كَإِقْعَاءِ الْكَلْبِ وَالْتِفَاتٍ كَالْتِفَاتِ الثَّعْلَبِ» وَفِي الصَّحِيحِ مِنْ حَدِيثِ «عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَ تَعْنِيهِ صلى الله عليه وسلم يَنْهَى عَنْ عُقْبَةِ الشَّيْطَانِ وَأَنْ يَفْتَرِشَ الرَّجُلُ ذِرَاعَيْهِ افْتِرَاشَ السَّبُعِ، وَعُقْبَةُ الشَّيْطَانِ الْإِقْعَاءُ» اهـ. (قَوْلُهُ أَمَّا الْمُصَافَحَةُ فَمُفْسِدَةٌ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْعَلَّامَةُ كَمَالُ الدِّينِ رحمه الله قَالَ شَارِحُ الْكَنْزِ إنَّهُ بِالْإِشَارَةِ مَكْرُوهٌ وَبِالْمُصَافَحَةِ مُفْسِدٌ وَقَالَ الزَّيْلَعِيُّ الْآخَرُ فِي تَخْرِيجِ أَحَادِيثِ الْكِتَابِ بَعْدَ أَنْ ذَكَرَ الْمَذْكُورَ هُنَا قُلْت أَجَازَ الْبَاقُونَ رَدَّ السَّلَامِ بِالْإِشَارَةِ وَلَنَا حَدِيثٌ أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُد عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَالَ «مَنْ أَشَارَ فِي الصَّلَاةِ إشَارَةً تُفْهِمُ أَوْ تُفَقِّهُ فَقَدْ قَطَعَ الصَّلَاةَ» وَأَعَلَّهُ ابْنُ الْجَوْزِيِّ بِابْنِ إِسْحَاقَ وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ وَتُعُقِّبَ بِأَنْ أَبَا غَطَفَانَ هُوَ ابْنُ طَرِيفٍ وَيُقَالُ ابْنُ مَالِكٍ الْمُرِّيِّ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَالنَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ وَمَا عَنْ الدَّارَقُطْنِيّ قَالَ لَنَا ابْنُ أَبِي دَاوُد وَأَبُو غَطَفَانَ مَجْهُولٌ لَا يُقْبَلُ وَابْنُ إِسْحَاقَ ثِقَةٌ عَلَى مَا هُوَ الْحَقُّ وَقَدَّمْنَاهُ فِي أَبْوَابِ الطَّهَارَةِ، ثُمَّ أَخْرَجَ لِلْخَصْمِ حَدِيثَ أَبِي دَاوُد وَالتِّرْمِذِيِّ وَالنَّسَائِيُّ عَنْ ابْنِ عُمَرَ عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ «مَرَرْت بِرَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ فَسَلَّمْت عَلَيْهِ فَرَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً وَقَالَ لَا أَعْلَمُ إلَّا أَنَّهُ رَدَّ عَلَيَّ إشَارَةً بِأُصْبُعِهِ» صَحَّحَهُ التِّرْمِذِيُّ وَعِدَّةُ أَحَادِيثَ تُفِيدُ هَذَا الْمَعْنَى وَالْجَوَابُ أَنَّهُ بِنَاءٌ عَلَى مَا فِي شَرْحِ الْكَنْزِ وَغَيْرِهِ مِنْ كَرَاهَةِ الْإِشَارَةِ، وَلَنَا أَنْ لَا نَقُولَ بِهِ فَإِنَّ مَا فِي الْغَايَةِ عَنْ الْحَلْوَانِيِّ وَصَاحِبِ الْمُحِيطِ لَا بَأْسَ أَنْ يَتَكَلَّمَ مَعَ الْمُصَلِّي وَيُجِيبُ هُوَ بِرَأْسِهِ يُفِيدُ عَدَمَ الْكَرَاهَةِ وَإِنْ حُمِلَ عَلَى مَا إذَا كَانَ لِضَرُورَةٍ
قَبْلُ قَالَ رحمه الله (وَالتَّرَبُّعُ بِلَا عُذْرٍ) لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْجُلُوسِ فِي التَّشَهُّدِ قَالَ رحمه الله (وَعَقْصُ شَعْرِهِ) لِمَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَأَى عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ يُصَلِّي وَرَأْسُهُ مَعْقُوصٌ مِنْ وَرَائِهِ فَقَامَ فَجَعَلَ يَحُلُّهُ فَلَمَّا انْصَرَفَ أَقْبَلَ عَلَى ابْنِ عَبَّاسٍ وَقَالَ مَالَك وَرَأْسِي فَقَالَ سَمِعَتْ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ «إنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» وَالْعَقْصُ هُوَ جَمْعُ الشَّعْرِ عَلَى الرَّأْسِ وَشَدُّهُ بِشَيْءٍ حَتَّى لَا يَنْحَلَ. قَالَ رحمه الله (وَكَفُّ ثَوْبِهِ) لِأَنَّهُ نَوْعُ تَجَبُّرٍ. قَالَ رحمه الله (وَسَدْلُهُ) لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ جَوَانِبَهُ وَلِأَنَّ فِيهَا تَشَبُّهًا بِأَهْلِ الْكِتَابِ فَيُكْرَهُ وَمِنْ السَّدْلِ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ وَيُكْرَهُ الصَّمَّاءُ لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام عَنْهَا وَهُوَ أَنْ يَشْمَلَ بِثَوْبِهِ فَيُجَلِّلَ بِهِ جَسَدَهُ كُلَّهُ مِنْ رَأْسِهِ إلَى قَدَمِهِ وَلَا يَرْفَعُ جَانِبًا يُخْرِجُ يَدَيْهِ مِنْهُ سَمَّى بِهِ لِعَدَمِ مَنْفَذٍ يُخْرِجُ مِنْهُ يَدَيْهِ كَالصَّخْرَةِ الصَّمَّاءِ، وَقِيلَ أَنْ يَشْمَلَ بِثَوْبٍ وَاحِدٍ لَيْسَ عَلَيْهِ إزَارٌ وَقَالَ هِشَامٌ سَأَلَتْ مُحَمَّدًا عَنْ الِاضْطِبَاعِ فَأَرَانِي الصَّمَّاءَ فَقُلْت هَذِهِ الصَّمَّاءُ فَقَالَ إنَّمَا تَكُونُ الصَّمَّاءُ إذَا لَمْ يَكُنْ عَلَيْك إزَارٌ وَهُوَ اشْتِمَالُ الْيَهُودِ وَيُكْرَهُ الِاعْتِجَارُ وَهُوَ أَنْ يُكَوِّرَ عِمَامَتَهُ وَيَتْرُكَ وَسَطَ رَأْسِهِ مَكْشُوفًا وَقِيلَ أَنْ يَنْتَقِبَ بِعِمَامَتِهِ فَيُغَطِّيَ أَنْفَهُ إمَّا لِلْحَرِّ أَوْ لِلْبَرْدِ أَوْ لِلتَّكَبُّرِ وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ وَهُوَ تَغْطِيَةُ الْأَنْفِ وَالْفَمِ فِي الصَّلَاةِ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ حَالَ عِبَادَتِهِمْ النِّيرَانَ. قَالَ رحمه الله (وَالتَّثَاؤُبُ) لِأَنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ وَالِامْتِلَاءِ فَإِنْ غَلَبَهُ فَلْيَكْظِمْ مَا اسْتَطَاعَ فَإِنْ غَلَبَهُ وَضَعَ يَدَهُ أَوْ كُمَّهُ عَلَى فِيهِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم «إنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ فَإِذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيَرُدَّ مَا اسْتَطَاعَ وَلَا يَقُلْ هَاءَ هَاءَ فَإِنَّمَا ذَلِكَ مِنْ الشَّيْطَانِ يَضْحَكُ مِنْهُ» وَفِي رَاوِيَةٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ بِيَدِهِ عَلَى فَمِهِ فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَدْخُلُ فِيهِ» وَيُكْرَهُ التَّمَطِّي فَإِنَّهُ مِنْ التَّكَاسُلِ. قَالَ رحمه الله (وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إذَا قَامَ أَحَدُكُمْ إلَى الصَّلَاةِ فَلَا يُغْمِضْ عَيْنَيْهِ» ؛ وَلِأَنَّهُ يُنَافِي الْخُشُوعَ وَفِيهِ نَوْعُ عَبَثٍ وَيُكْرَهُ أَنْ يَدْخُلَ فِي الصَّلَاةِ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثِينَ وَإِنْ شَغَلَهُ قَطَعَهَا، وَكَذَا الرِّيحُ وَإِنْ مَضَى عَلَيْهَا أَجْزَأَهُ وَقَدْ أَسَاءَ، وَقَوْلُهُ عليه الصلاة والسلام «لَا صَلَاةَ بِحَضْرَةِ طَعَامٍ وَلَا صَلَاةَ وَهُوَ يُدَافِعُ الْأَخْبَثِينَ» مَحْمُولٌ عَلَى الْكَرَاهَةِ وَنَفْيِ الْفَضِيلَةِ حَتَّى لَوْ ضَاقَ الْوَقْتُ بِحَيْثُ لَوْ اشْتَغَلَ بِالْوُضُوءِ تَفُوتُهُ يُصَلِّي لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ، وَيُكْرَهُ أَنْ يُرَوِّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةِ أَوْ بِكُمِّهِ. وَلَا تَفْسُدُ بِهِ الصَّلَاةُ مَا لَمْ يَكْثُرْ؛ لِأَنَّ الْعَمَلَ الْقَلِيلَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
دَفْعًا لِلْخِلَافِ. فَالْجَوَابُ بِأَنَّ الْمَنْعَ لِمَا يُوجِبُهُ مِنْ الشَّتِّ وَالشُّغْلِ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم مُؤَيَّدٌ عَنْ أَنْ يَتَأَثَّرَ عَنْ ذَلِكَ فَلِذَا مَنَعَ وَفَعَلَهُ هُوَ وَلَوْ تَعَارَضَا قُدِّمَ الْمَانِعُ اهـ وَيُجَابُ أَيْضًا بِأَنَّ فِعْلَهُ صلى الله عليه وسلم لَا يُعَارِضُ قَوْلَهُ؛ لِأَنَّهُ تَشْرِيعٌ عَامٌّ أَمَّا فِعْلُهُ فَرُبَّمَا يَكُونُ مِنْ خُصُوصِيَّاتِهِ اهـ (قَوْلُهُ؛ لِأَنَّ فِيهِ تَرْكَ سُنَّةِ الْجُلُوسِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ شَيْخُ الْإِسْلَامِ التَّرَبُّعُ جُلُوسُ الْجَبَابِرَةِ فَلِذَا كُرِهَ فِي الصَّلَاةِ قَالَ السَّرَخْسِيُّ فِي الْمَبْسُوطِ هَذَا لَيْسَ بِقَوِيٍّ «فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَتَرَبَّعُ فِي جُلُوسِهِ فِي بَعْضِ أَحْوَالِهِ» ، وَكَذَا جُلُوسُ عُمَرَ رضي الله عنه فِي مَسْجِدِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم مُتَرَبِّعًا. اهـ. كَاكِيٌّ (قَوْلُهُ «إنَّمَا مِثْلُ هَذَا مِثْلُ الَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ. اهـ. غَايَةٌ. قِيلَ الْحِكْمَةُ فِي النَّهْيِ عَنْهُ أَنَّ الشَّعْرَ يَسْجُدُ مَعَهُ وَلِهَذَا مِثْلُهُ بِاَلَّذِي يُصَلِّي وَهُوَ مَكْتُوفٌ وَقَالَ ابْنُ عُمَرَ لِرَجُلٍ رَآهُ يَسْجُدُ وَهُوَ مَعْقُوصٌ شَعْرُهُ أَرْسِلْهُ يَسْجُدُ مَعَك. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ وَكَفُّ ثَوْبِهِ) أَيْ وَهُوَ رَفْعُهُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أَوْ مِنْ خَلْفِهِ عِنْدَ السُّجُودِ كَمَا يَفْعَلُهُ تُرْكُ هَذَا الزَّمَانِ اهـ ع (قَوْلُهُ وَكَفُّ ثَوْبِهِ) وَهُوَ أَنْ يَضُمَّ أَطْرَافَهُ اتِّقَاءَ التُّرَابِ وَنَحْوِهِ. اهـ شَرْحُ وِقَايَةٍ. (قَوْلُهُ فِي الْمَتْنِ: وَسَدْلُهُ إلَى آخِرِهِ) وَذَكَرَ فِي الصِّحَاحِ وَدِيوَانِ الْأَدَبِ لِلْفَارَابِيِّ السَّدْلُ بِسُكُونِ الدَّالِ وَفِي الْمُغْرِبِ بِفَتْحِهَا وَقَالَ هُوَ مِنْ بَابِ طَلَبَ طَلَبًا. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ لِنَهْيِهِ عليه الصلاة والسلام إلَى آخِرِهِ) عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم «نَهَى عَنْ السَّدْلِ فِي الصَّلَاةِ وَأَنْ يُغَطِّيَ الرَّجُلُ فَاهُ» رَوَاهُ أَبُو دَاوُد وَالْحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ. اهـ. فَتْحٌ وَفِي الدِّرَايَةِ وَاخْتَلَفَ الْمَشَايِخُ فِي كَرَاهَةِ السَّدْلِ خَارِجَ الصَّلَاةِ. (قَوْلُهُ وَهُوَ أَنْ يَجْعَلَ ثَوْبَهُ عَلَى رَأْسِهِ أَوْ كَتِفَيْهِ وَيُرْسِلَ جَوَانِبَهُ) يَصْدُقُ عَلَى أَنْ يَكُونَ الْمِنْدِيلُ مُرْسَلًا مِنْ بَيْنِ كَتِفَيْهِ كَمَا يَعْتَادُهُ كَثِيرٌ فَيَنْبَغِي لِمَنْ عَلَى عُنُقِهِ مِنْدِيلٌ أَنْ يَضَعَهُ عِنْدَ الصَّلَاةِ قَالَهُ الْكَمَالُ رحمه الله (قَوْلُهُ أَنْ يَجْعَلَ الْقَبَاءَ عَلَى كَتِفَيْهِ وَلَمْ يُدْخِلْ يَدَيْهِ) أَيْ وَلَمْ يَعْطِفْ بَعْضُهُ. اهـ. جَوْهَرَةٌ. (قَوْلُهُ وَيَتْرُكُ وَسَطَ رَأْسِهِ مَكْشُوفًا) تَشْبِيهًا بِالشُّطَّارِ أَهْلَ الْفَسَادِ. اهـ. غَايَةٌ. (قَوْلُهُ وَيُكْرَهُ التَّلَثُّمُ إلَى آخِرِهِ) قَالَ الْفَرَّاءُ اللِّثَامُ مَا كَانَ عَلَى الْفَمِ مِنْ النِّقَابِ وَاللِّقَامُ مَا كَانَ عَلَى الْأَرْنَبَةِ. اهـ. مَجْمَعُ الْبَحْرَيْنِ (قَوْلُهُ: لِأَنَّهُ يُشْبِهُ فِعْلَ الْمَجُوسِ إلَى آخِرِهِ) وَفِي فَتَاوَى الْعَتَّابِيِّ وَيُكْرَهُ لَهُ شَدُّ وَسَطِهِ؛ لِأَنَّهُ صَنِيعُ أَهْلِ الْكِتَابِ. اهـ. كَاكِيٌّ وَلَوْ صَلَّى وَقَدْ شَمَّرَ كُمَّيْهِ لِعَمَلٍ أَوْ هَيْئَةٍ ذَلِكَ يُكْرَهُ وَقِيلَ لَا بَأْسَ بِهِ. اهـ. كَاكِيٌّ. (قَوْلُهُ وَالتَّثَاؤُبُ) هُوَ تَفَاعُلٌ مِنْ الثَّوْبَاءَ وَهِيَ مَهْمُوزَةٌ فَتْرَةٌ مِنْ ثَقْلَةِ النُّعَاسِ يَفْتَحُ فَاهُ وَمِنْهُ إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُغَطِّ فَاهُ وَتَثَاوُبٌ غَلَطٌ ذَكَرَهُ فِي الْمُغْرِبِ. اهـ. غَايَةٌ وَكَتَبَ مَا نَصُّهُ وَالتَّثَاؤُبُ قَالَ سَلَمَةُ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ مَا تَثَاءَبَ نَبِيٌّ قَطُّ وَأَنَّهَا مِنْ عَلَامَاتِ النُّبُوَّةِ. . اهـ. زَرْكَشِيٌّ. (قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْعُطَاسَ وَيَكْرَهُ التَّثَاؤُبَ» إلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ أَبُو دَاوُد بِشَرْطِ الْبُخَارِيِّ وَمُسْلِمٍ. اهـ. غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَفِي رِوَايَةٍ «إذَا تَثَاءَبَ أَحَدُكُمْ فَلْيُمْسِكْ» آلَى آخِرِهِ) رَوَاهُ مُسْلِمٌ اهـ غَايَةٌ (قَوْلُهُ وَتَغْمِيضُ عَيْنَيْهِ) أَيْ؛ لِأَنَّهُ تَشَبُّهٌ بِالْيَهُودِ ذَكَرَهُ فِي الدِّرَايَةِ نَقْلًا عَنْ فَتَاوَى الظَّهِيرِيَّةِ. اهـ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّ الْأَدَاءَ مَعَ الْكَرَاهَةِ أَوْلَى مِنْ الْقَضَاءِ) ذَكَرَهُ فِي مُخْتَصَرِ الْبَحْرِ الْمُحِيطِ. اهـ. غَايَةٌ قَالَ فِي زَادِ الْفَقِيرِ وَتُكْرَهُ فِي قَوَارِعِ الطَّرِيقِ وَمَعَاطِنِ الْإِبِلِ وَالْمَزْبَلَةِ وَالْمَجْزَرَةِ وَالْمَخْرَجِ وَالْمُغْتَسَلِ وَالْحَمَّامِ فَإِنْ غَسَلَ فِي الْحَمَّامِ مَكَانًا
غَيْرُ مُفْسِدٍ اتِّفَاقًا وَالْكَثِيرَ مُفْسِدٌ وَاخْتَلَفُوا فِي الْفَاصِلِ بَيْنَهُمَا، وَهُوَ عَلَى خَمْسَةِ أَقْوَالٍ الْأَوَّلُ أَنَّ مَا يُقَامُ بِالْيَدَيْنِ عَادَةً كَثِيرٌ، وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ كَالتَّعْمِيمِ وَلُبْسِ الْقَمِيصِ وَشَدِّ السَّرَاوِيلِ وَالرَّمْيِ عَنْ الْقَوْسِ وَمَا يُقَامُ بِيَدٍ وَاحِدَةٍ قَلِيلٌ وَإِنْ فَعَلَهُ بِيَدَيْنِ كَنَزْعِ الْقَمِيصِ وَحَلِّ السَّرَاوِيلِ وَلِبْسِ الْقَلَنْسُوَةِ وَنَزْعِهَا وَنَزْعِ اللِّجَامِ، وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ وَالثَّانِي أَنَّ الثَّلَاثَ الْمُتَوَالِيَاتِ كَثِيرٌ وَمَا دُونَهُ قَلِيلٌ حَتَّى لَوْ رَوَّحَ عَلَى نَفْسِهِ بِمِرْوَحَةٍ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ أَوْ حَكَّ مَوْضِعًا مِنْ جَسَدِهِ أَوْ رَمَى ثَلَاثَةَ أَحْجَارٍ أَوْ نَتَفَ ثَلَاثَ شَعَرَاتٍ فَإِنْ كَانَتْ عَلَى الْوَلَاءِ تَفْسُدُ صَلَاتُهُ وَإِنْ فَصَلَ لَا تَفْسُدُ، وَإِنْ كَثُرَ وَعَلَى هَذَا قَتْلُ الْقُمَّلِ وَالثَّالِثُ أَنَّ الْكَثِيرَ مَا يَكُونُ مَقْصُودًا لِلْفَاعِلِ وَالْقَلِيلُ بِخِلَافِهِ وَالرَّابِعُ أَنْ يُفَوِّضَ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَهُوَ الْمُصَلِّي فَإِنْ اسْتَكْثَرَهُ كَانَ كَثِيرًا وَإِنْ اسْتَقَلَّهُ كَانَ قَلِيلًا وَهَذَا أَقْرَبُ الْأَقْوَالِ إلَى دَأْبِ أَبِي حَنِيفَةَ فَإِنَّ مِنْ دَأْبِهِ أَنْ لَا يُقَدَّرَ فِي جِنْسٍ مِثْلَ هَذَا بِشَيْءٍ بَلْ يُفَوِّضُهُ إلَى رَأْيِ الْمُبْتَلَى بِهِ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ نَاظِرٌ مِنْ بَعِيدٍ إنْ كَانَ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ فَهُوَ كَثِيرٌ مُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ وَإِنْ شَكَّ فَلَيْسَ بِمُفْسِدٍ وَهَذَا هُوَ الْأَصَحُّ قَالَ رحمه الله (وَقِيَامُ الْإِمَامِ لَا سُجُودُهُ فِي الطَّاقِ) أَيْ يُكْرَهُ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ وَهُوَ الْمِحْرَابُ وَلَا يُكْرَهُ سُجُودُهُ فِيهِ إذَا كَانَ قَائِمًا خَارِجَ الْمِحْرَابِ وَإِنَّمَا كُرِهَ لِمَا فِيهِ مِنْ التَّشَبُّهِ بِأَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ حَيْثُ تَخْصِيصُ الْإِمَامِ بِالْمَكَانِ وَحْدَهُ وَهَذَا؛ لِأَنَّ الْمِحْرَابَ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ، وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْقِدَمُ كَمَا فِي كَثِيرٍ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَقِيلَ إذَا كَانَ الْمِحْرَابُ مَكْشُوفًا بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ حَالُ الْإِمَامِ عَلَى مَنْ هُوَ فِي الْجَوَانِبِ لَا يُكْرَهُ لِلضَّرُورَةِ. قَالَ رحمه الله (وَانْفِرَادُ الْإِمَامِ عَلَى الدُّكَّانِ وَعَكْسُهُ) لِحَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «نَهَى أَنْ يَقُومَ الْإِمَامُ فَوْقَ شَيْءٍ وَالنَّاسُ خَلْفَهُ» يَعْنِي أَسْفَلَ مِنْهُ وَلِحَدِيثِ حُذَيْفَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام قَالَ «إذَا أَمَّ الرَّجُلُ الْقَوْمَ فَلَا يَؤُمَّنَّ فِي مَقَامٍ أَرْفَعَ مِنْ مَقَامِهِمْ» وَلِأَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ يَرْفَعُونَ مَقَامَ إمَامِهِمْ فَيَكُونُ تَشْبِيهًا بِهِمْ، وَكَذَا يُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ الْقَوْمُ أَعْلَى مِنْ الْإِمَامِ وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا يُكْرَهُ لِزَوَالِ الْمَعْنَى وَهُوَ التَّشَبُّهُ بِأَهْلِ الْكِتَابِ، وَوَجْهُ الظَّاهِرِ أَنَّهُ يُشْبِهُ اخْتِلَافَ الْمَكَانَيْنِ فَكَانَ تَشْبِيهًا بِهِمْ وَلِأَنَّ فِيهِ ازْدِرَاءً بِالْإِمَامِ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ وَلَا بَأْسَ بِمَا دُونَهَا ذَكَرَهُ الطَّحَاوِيُّ رحمه الله وَهُوَ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
وَصَلَّى فِيهِ لَا بَأْسَ بِهِ، وَكَذَا مَوْضِعُ جُلُوسِ الْحَمَّامِيِّ وَيُكْرَهُ أَيْضًا فِي الْمَقْبَرَةِ إلَّا أَنْ يَكُونَ فِيهَا مَوْضِعٍ أُعِدَّ لِلصَّلَاةِ لَا نَجَاسَةَ فِيهِ وَلَا قَبْرَ فِيهِ اهـ زَادَ الْفَقِيرُ اهـ قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ صَلَّى وَفِي فَمِهِ شَيْءٌ يُمْسِكُهُ إنْ كَانَ لَا يَمْنَعُهُ مِنْ الْقِرَاءَةِ وَلَكِنْ يُخِلُّ بِهَا كَدِرْهَمٍ أَوْ دِينَارٍ أَوْ لُؤْلُؤَةٍ لَا يُفْسِدُ صَلَاتَهُ؛ لِأَنَّهُ لَا يَفُوتُ شَيْءٌ مِنْ الرُّكْنِ وَلَكِنْ يُكْرَهُ وَإِنْ كَانَ يَمْنَعُهُ مِنْ الرُّكْنِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ يَفُوتُ الرُّكْنُ وَإِنْ كَانَ فِي فِيهِ سَكْرَةٌ لَا تَجُوزُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ أَكْلٌ وَكَذَلِكَ إنْ كَانَ فِي كَفِّهِ شَيْءٌ يُمْسِكُهُ جَازَتْ صَلَاتُهُ غَيْرَ أَنَّهُ كَانَ يَمْنَعُهُ عَنْ الْأَخْذِ بِالرَّكْبِ فِي الرُّكُوعِ أَوْ الِاعْتِمَادِ عَلَى الرَّاحَتَيْنِ عِنْدَ السُّجُودِ يُكْرَهُ لِمَنْعِهِ عَنْ تَحْصِيلِ السُّنَّةِ، وَإِلَّا فَلَا وَلَوْ رَمَى طَائِرًا بِحَجَرٍ لَا تَفْسُدُ صَلَاتُهُ؛ لِأَنَّهُ عَمَلٌ قَلِيلٌ وَيُكْرَهُ؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ اهـ. (قَوْلُهُ وَالْخَامِسُ أَنَّهُ لَوْ نَظَرَ إلَيْهِ إلَى آخِرِهِ) قَالَ فِي الْبَدَائِعِ وَلَوْ مَضَغَ الْعِلْكَ فِي الصَّلَاةِ إلَى آخِرِهِ فَسَدَتْ صَلَاتُهُ كَذَا ذَكَرَ مُحَمَّدٌ؛ لِأَنَّ النَّاظِرَ إلَيْهِ مِنْ بُعْدٍ لَا يَشُكُّ أَنَّهُ فِي غَيْرِ الصَّلَاةِ، وَبِهَذَا تَبَيَّنَ أَنَّ الصَّحِيحَ مِنْ التَّحْدِيدِ هُوَ هَذَا حَيْثُ حُكِمَ بِفَسَادِ الصَّلَاةِ مِنْ غَيْرِ حَاجَةٍ إلَى اسْتِعْمَالِ الْيَدِ رَأْسًا فَضْلًا عَنْ اسْتِعْمَالِ الْيَدَيْنِ. اهـ. وَلَوْ ادَّهَنَ أَوْ سَرَّحَ لِحْيَتَهُ أَوْ حَمَلَتْ امْرَأَةٌ صَبِيَّهَا وَأَرْضَعَتْهُ فَسَدَتْ الصَّلَاةُ فَأَمَّا حَمْلُ الصَّبِيِّ بِدُونِ الْإِرْضَاعِ فَلَا يُوجِبُ فَسَادَ الصَّلَاةِ لِمَا رُوِيَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يُصَلِّي فِي بَيْتِهِ وَقَدْ حَمَلَ أُمَامَةَ بِنْتَ أَبِي الْعَاصِ عَلَى عَاتِقِهِ فَكَانَ إذَا سَجَدَ وَضَعَهَا وَإِذَا قَامَ رَفَعَهَا، ثُمَّ هَذَا الصَّنِيعُ لَمْ يُكْرَهْ مِنْهُ صلى الله عليه وسلم؛ لِأَنَّهُ كَانَ مُحْتَاجًا إلَى ذَلِكَ لِعَدَمِ مَنْ يَحْفَظُهَا أَوْ لِبَيَانِهِ الشَّرْعَ بِالْفِعْلِ أَنْ هَذَا غَيْرُ مُوجِبٍ فَسَادَ الصَّلَاةِ وَمِثْلُ هَذَا نَصًّا فِي زَمَانِنَا لَا يُكْرَهُ لِوَاحِدٍ مِنَّا لَوْ فَعَلَ عِنْدَ الْحَاجَةِ أَمَّا بِدُونِ الْحَاجَةِ فَيُكْرَهُ. اهـ. بَدَائِعُ (قَوْلُهُ يُكْرَهُ قِيَامُ الْإِمَامِ فِي الطَّاقِ) إلَّا لِعُذْرٍ كَكَثْرَةِ الْقَوْمِ. اهـ زَادُ الْفَقِيرِ. (قَوْلُهُ وَلَا يُكْرَهُ سُجُودُهُ فِيهِ إذَا كَانَ قَائِمًا) قَالَ فِي الْهِدَايَةِ وَلَا بَأْسَ بِأَنْ يَكُونَ مَقَامُ الْإِمَامِ فِي الْمَسْجِدِ وَسُجُودُهُ فِي الطَّاقَ وَيُكْرَهُ أَنْ يَكُونَ فِي الطَّاقِ قَالَ تَاجُ الشَّرِيعَةِ وَهَذَا عَلَى عُرْفٍ فِي دِيَارِهِمْ؛ لِأَنَّ عَامَّةَ الْأَبْنِيَةِ فِيهَا مِنْ الْآجُرِّ فَيَتَّخِذُونَ طَاقَاتٍ فِي الْمَحَارِيبِ وَلَمْ يَرِدْ بِهَذَا التَّفْصِيلِ أَنَّ الطَّاقَ لَيْسَ مِنْ الْمَسْجِدِ وَلَكِنْ أَرَادُوا بِالْمَسْجِدِ مَوْضِعَ السُّجُودِ أَيْ الصَّلَاةَ. وَلَمَّا لَمْ يَتَعَوَّدْ الصَّلَاةَ فِي الطَّاقِ حَسُنَ الْفَصْلُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَسْجِدِ فَإِطْلَاقُ لَفْظِ الْمَسْجِدِ فِي قَوْلِك الْمَسْجِدُ بَيْتُ اللَّهِ يُفِيدُ غَيْرَ مَا يُفِيدُ قَوْلُك هَذَا مَسْجِدِي أَيْ مَوْضِعُ صَلَاتِي، أَلَا تَرَى أَنَّ الْأَوَّلَ لَا يُجَامِعُ الْمِلْكَ وَالثَّانِي يُجَامِعُهُ فِي الْجُمْلَةِ وَمُرَادُهُ فِي الْكِتَابِ هَذَا الثَّانِي وَإِنَّمَا كَشَفْت لَك عَنْ التَّفْرِقَةِ بَيْنَ الِاسْتِعْمَالَيْنِ؛ لِأَنَّ بَعْضَ النَّاسِ زَعَمُوا أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ لَمْ يَجْعَلْ الطَّاقَ مِنْ الْمَسْجِدِ حَيْثُ قَسَّمَ وَفَصَّلَ فَعَابُوا أَبَا حَنِيفَةَ عَمَّا ذَكَرَ مِنْ الصَّوَابِ فَقَعَدُوا تَحْتَ الْمَعَابِ. اهـ. نِهَايَةُ الْكِفَايَةِ لِدِرَايَةِ الْهِدَايَةِ لِتَاجِ الشَّرِيعَةِ رحمه الله (قَوْلُهُ وَالْمُعْتَبَرُ هُوَ الْقَدَمُ كَمَا فِي كَثِيرِ مِنْ الْأَحْكَامِ) أَلَا تَرَى أَنَّ مَوْضِعَ الْقَدَمِ طَهَارَتُهُ شَرْطٌ لِصِحَّةِ الصَّلَاةِ دُونَ طَهَارَةِ مَوْضِعِ الْيَدَيْنِ وَالرُّكْبَتَيْنِ وَلَوْ اقْتَدَى بِرَجُلٍ وَقَدَمُهُ بِعَقِبِ قَدَمِ الْإِمَامِ وَرَأْسُهُ مُقَدَّمٌ عَلَى رَأْسِ الْإِمَامِ لِطُولِهِ تَجُوزُ صَلَاتُهُ وَيَحْنَثُ فِي يَمِينِهِ لَا يَدْخُلُ دَارَ فُلَانٍ بِوَضْعِ قَدَمِهِ دُونَ جَسَدِهِ وَلَوْ كَانَ قَدَمَا الصَّيْدِ فِي الْحَرَمِ وَجَسَدُهُ فِي الْحِلِّ فَهُوَ مِنْ صَيْدِ الْحَرَمِ. اهـ (قَوْلُهُ بِحَيْثُ لَا يَشْتَبِهُ حَالُ الْإِمَامِ إلَى آخِرِهِ) أَيْ بِأَنْ يَكُونَ فِي جَانِبِ الطَّاقِ عَمُودَانِ وَوَرَاءَ ذَلِكَ فُرْجَةٌ يَطَّلِعُ مِنْهَا مِنْ عَلَى يَمِينِهِ وَمِنْ عَلَى يَسَارِهِ عَلَى حَالِهِ (قَوْلُهُ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةٌ) أَيْ قَامَةُ الرَّجُلِ الْوَسَطِ. اهـ بِأَكْبَرَ قَالَ الرَّازِيّ، ثُمَّ قَدْرُ الِارْتِفَاعِ قَامَةُ رَجُلٍ هُوَ الصَّحِيحُ. اهـ
مَرْوِيٌّ عَنْ أَبِي يُوسُفَ وَقِيلَ إنَّهُ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ مَا يَقَعُ عَلَيْهِ الِامْتِيَازُ وَقِيلَ مُقَدَّرٌ بِقَدْرِ ذِرَاعٍ اعْتِبَارًا بِالسُّتْرَةِ وَعَلَيْهِ الِاعْتِمَادُ وَإِنْ كَانَ مَعَ الْإِمَامِ بَعْضُ الْقَوْمِ لَا يُكْرَهُ فِي الصَّحِيحِ لِزَوَالِ الْمَعْنَى الْمُوجِبِ لِلْكَرَاهَةِ وَهُوَ انْفِرَادُ الْإِمَامِ بِالْمَكَانِ قَالَ رحمه الله (وَلُبْسُ ثَوْبٍ فِيهِ تَصَاوِيرُ) لِأَنَّهُ يُشْبِهُ حَامِلَ الصَّنَمِ فَيُكْرَهُ قَالَ رحمه الله (وَأَنْ يَكُونَ فَوْقَ رَأْسِهِ أَوْ بَيْنَ يَدَيْهِ أَوْ بِحِذَائِهِ صُورَةً) لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا فِيهِ كَلْبٌ وَلَا صُورَةٌ؛ وَلِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا فَيُكْرَهُ وَأَشَدُّهَا كَرَاهَةً أَنْ تَكُونَ أَمَامَ الْمُصَلِّي ثُمَّ فَوْقَ رَأْسِهِ، ثُمَّ عَلَى يَمِينِهِ، ثُمَّ عَلَى يَسَارِهِ، ثُمَّ خَلْفَهُ وَفِي الْغَايَةِ إنْ كَانَ التِّمْثَالُ فِي مُؤَخَّرِ الظَّهْرِ وَالْقِبْلَةِ لَا يُكْرَه؛ لِأَنَّهُ لَا يُشْبِهُ عِبَادَتَهُ، وَفِي الْجَامِعِ الصَّغِيرِ أَطْلَقَ الْكَرَاهَةَ. قَالَ رحمه الله (إلَّا أَنْ تَكُونَ صَغِيرَةً) لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ إذَا كَانَتْ صَغِيرَةً بِحَيْثُ لَا تَبْدُو لِلنَّاظِرِ وَالْكَرَاهَةُ بِاعْتِبَارِ الْعِبَادَةِ فَإِذَا لَمْ يُعْبَدْ مِثْلُهَا لَا يُكْرَهُ رُوِيَ أَنَّ خَاتَمَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَلَيْهِ ذُبَابَتَانِ وَخَاتَمَ دَانْيَالَ عليه السلام كَانَ عَلَيْهِ أَسَدٌ وَلَبْوَةُ وَبَيْنَهُمَا رَجُلٌ يَلْحَسَانِهِ قَالَ رحمه الله (أَوْ مَقْطُوعَةَ الرَّأْسِ) أَيْ مَمْحُوَّةَ الرَّأْسِ بِخَيْطٍ يَخِيطُهُ عَلَيْهِ حَتَّى لَا يَبْقَى لِلرَّأْسِ أَثَرٌ أَوْ يَطْلِيهِ بِمَغْرَةٍ أَوْ نَحْوِهِ أَوْ يَنْحِتُهُ فَبَعْدَ ذَلِكَ لَا يُكْرَهُ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ عَادَةً وَلَا اعْتِبَارَ بِالْخَيْطِ بَيْنَ الرَّأْسِ وَالْجَسَدِ لِأَنَّ مِنْ الطُّيُورِ مَا هُوَ مُطَوَّقٌ وَلَا بِإِزَالَةِ الْحَاجِبَيْنِ أَوْ الْعَيْنَيْنِ؛ لِأَنَّهَا تُعْبَدُ بِدُونِهِمَا. قَالَ رحمه الله (أَوْ لِغَيْرِ ذِي رُوحٍ) أَيْ أَوْ كَانَتْ الصُّورَةُ غَيْرَ ذِي الرُّوحِ مِثْلَ أَنْ تَكُونَ صُورَةُ النَّخْلِ وَغَيْرُهَا مِنْ الْأَشْجَارِ؛ لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ عَادَةً وَعَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي تِمْثَالِ الْأَشْجَارِ. قَالَ رحمه الله (وَعَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ) أَيْ يُكْرَهُ عَدُّ الْآيِ وَالتَّسْبِيحِ بِالْيَدِ وَهُوَ مَعْطُوفٌ عَلَى مَا قَبْلَهُ مِنْ الْمَكْرُوهَاتِ لَا عَلَى مَا يَلِيه مِمَّا هُوَ لَيْسَ بِمَكْرُوهٍ وَعَنْ أَبِي يُوسُفَ وَمُحَمَّدٍ لَا بَأْسَ بِذَلِكَ فِي الْفَرَائِضِ وَالنَّوَافِلِ وَقَالَ مُحَمَّدٌ مَعَ أَبِي حَنِيفَةَ لَهُمَا مَا رُوِيَ عَنْ ابْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ «رَأَيْت رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعُدُّ الْآيَ فِي الصَّلَاةِ» وَلِأَنَّ فِيهِ مُرَاعَاةً لِسُنَّةِ الْقِرَاءَةِ وَالتَّسْبِيحِ وَلِأَبِي حَنِيفَةَ أَنَّ الْعَدَّ لَيْسَ مِنْ أَعْمَالِ الصَّلَاةِ قَالَ عليه الصلاة والسلام «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» وَمَا رَوَيَاهُ ضَعِيفٌ وَلَئِنْ ثَبَتَ فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى الِابْتِدَاءِ وَحِينَ كَانَ الْعَمَلُ مُبَاحًا فِيهَا وَمُرَاعَاةُ سُنَّةِ الْقِرَاءَةِ مُمْكِنَةٌ بِدُونِهِ بِأَنْ، يُنْظَرَ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِيهَا وَمُرَاعَاةُ سُنَّةِ التَّسْبِيحِ مُمْكِنَةٌ أَيْضًا بِأَنْ يَحْفَظَ بِقَلْبِهِ وَيَضُمَّ الْأَنَامِلَ فِي مَوْضِعِهَا لِأَنَّ الْمَكْرُوهَ هُوَ الْعَدُّ بِالْأَصَابِعِ وَبِسُبْحَةٍ يُمْسِكُهَا بِيَدِهِ دُونَ الْغَمْزِ بِهَا وَالْحِفْظُ بِقَلْبِهِ، ثُمَّ قِيلَ الْخِلَافُ فِي الْفَرَائِضِ وَيَجُوزُ فِي النَّوَافِلِ بِالْإِجْمَاعِ وَقِيلَ الْخِلَافُ فِي النَّوَافِلِ وَلَا يَجُوزُ فِي الْفَرَائِضِ بِالْإِجْمَاعِ وَالْأَظْهَرُ أَنَّ الْخِلَافَ فِي الْكُلِّ وَاخْتَلَفُوا فِي عَدِّ التَّسْبِيحِ خَارِجَ الصَّلَاةِ فَكَرِهَهُ بَعْضُهُمْ لِيَكُونَ أَبْعَدَ مِنْ الرِّيَاءِ وَأَقْرَبَ مِنْ الْإِقْرَارِ بِالتَّقْصِيرِ وَعَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ رضي الله عنه أَنَّهُ رَأَى رَجُلًا يَفْعَلُ ذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُدَّ ذُنُوبَك لِتَسْتَغْفِرَ مِنْهَا وَقَالَ فِي الْمُسْتَصْفَى: لَا يُكْرَهُ خَارِجَ الصَّلَاةِ فِي الصَّحِيحِ. قَالَ رحمه الله (لَا قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ) أَيْ لَا يُكْرَهُ قَتْلُ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ فِي الصَّلَاةِ لِحَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّهُ عليه الصلاة والسلام «أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةِ وَالْعَقْرَبِ» وَلِأَنَّ فِي قَتْلِهِمَا دَفْعَ الشُّغْلِ وَإِزَالَةَ الْأَذَى فَأَشْبَهَ دَرْءَ الْمَارِّ وَتَسْوِيَةَ الْحَصَى لِلسُّجُودِ وَمَسْحَ الْعَرَقِ، ثُمَّ قِيلَ إنَّمَا تُقْتَلُ إذَا تَمَكَّنَ مِنْ قَتْلِهَا بِفِعْلٍ يَسِيرٍ كَالْعَقْرَبِ، وَأَمَّا إذَا كَانَ يَحْتَاجُ فِيهِ إلَى الْمُعَالَجَةِ وَالْمَشْيِ فَمُفْسِدٌ لِلصَّلَاةِ، وَذَكَرَ فِي الْمَبْسُوطِ الْأَظْهَرُ أَنَّهُ لَا تَفْصِيلَ فِيهِ؛ لِأَنَّهُ رُخْصَةٌ كَالْمَشْيِ فِي الْحَدَثِ وَالِاسْتِقَاءِ مِنْ الْبِئْرِ وَالتَّوَضُّؤِ. وَرَوَى الْحَسَنُ عَنْ أَبِي حَنِيفَةَ أَنَّهُ لَوْ لَمْ يَخَفْ أَذَاهُمَا لَا يَجُوزُ لَهُ قَتْلُهُمَا وَهُوَ قَوْلُ النَّخَعِيّ وَمَالِكٍ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «إنَّ فِي الصَّلَاةِ لَشُغْلًا» وَقَالُوا لَا يَنْبَغِي أَنْ تُقْتَلَ الْحَيَّةُ الْبَيْضَاءُ الَّتِي تَمْشِي مُسْتَوِيَةً؛ لِأَنَّهَا مِنْ الْجَانِّ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرَ وَإِيَّاكُمْ وَالْحَيَّةَ الْبَيْضَاءَ فَإِنَّهَا مِنْ الْجِنِّ» وَقَالَ الطَّحَاوِيُّ لَا بَأْسَ بِقَتْلِ الْكُلِّ؛ لِأَنَّهُ عليه الصلاة والسلام عَاهَدَ الْجِنَّ أَنْ لَا يَدْخُلُوا بُيُوتَ أُمَّتِهِ وَلَا يُظْهِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَإِذَا خَالَفُوا فَقَدْ نَقَضُوا عَهْدَهُمْ فَلَا حُرْمَةَ لَهُمْ، وَالْأَوْلَى هُوَ الْإِنْذَارُ
ــ
[حاشية الشِّلْبِيِّ]
قَوْلُهُ لِقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام «لَا تَدْخُلُ الْمَلَائِكَةُ بَيْتًا» إلَى آخِرِهِ) الْمُرَادُ بِهِمْ الَّذِينَ يَنْزِلُونَ بِالْبَرَكَةِ لَا الْحَفَظَةُ وَعَدَمُ دُخُولِهِمْ لِزَجْرِ صَاحِبِ الْبَيْتِ عَنْ اتِّخَاذِ الصُّوَرِ. فَإِنْ قِيلَ كَيْفَ وَأَجَازَ سُلَيْمَانُ صلى الله عليه وسلم التَّصَاوِيرَ كَمَا قَالَ تَعَالَى {يَعْمَلُونَ لَهُ مَا يَشَاءُ مِنْ مَحَارِيبَ وَتَمَاثِيلَ} [سبأ: 13] وَالتَّمَاثِيلُ صُوَرُ الْأَنْبِيَاءِ وَالصُّلَحَاءِ كَانَتْ تُعْمَلُ فِي الْمَسَاجِدِ مِنْ نُحَاسٍ وَرُخَامٍ لِيَرَاهَا النَّاسَ، فَيَعْبُدُوا نَحْوَ عِبَادَتِهِمْ أُجِيبَ بِأَنَّ هَذَا يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ الشَّرَائِعُ أَوْ يُقَالُ الْمُرَادُ بِالتَّمَاثِيلِ مَا لَمْ يَكُنْ عَلَى صُورَةِ الْحَيَوَانِ؛ لِأَنَّ التِّمْثَالَ أَعَمُّ، مِنْ ذَلِكَ. اهـ. شَرْحُ مَشَارِقَ. (قَوْلُهُ وَرُوِيَ أَنَّ خَاتَمَ أَبِي هُرَيْرَةَ كَانَ عَلَيْهِ ذُبَابَتَانِ) الْمَذْكُورَةُ فِي النِّهَايَةِ وَالْعِنَايَةِ أَنَّ الذُّبَابَتَيْنِ كَانَتَا عَلَى خَاتَمِ أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ (قَوْلُهُ وَخَاتَمُ دَانْيَالَ كَانَ عَلَيْهِ أَسَدٌ إلَى آخِرِهِ) وَسَبَبُ تَصْوِيرِ دَانْيَالَ ذَلِكَ عَلَى خَاتَمِهِ هُوَ أَنْ بُخْتَ نَصَّرَ لَمَّا أَخَذَ بِتَتَبُّعِ الصَّبِيَّانِ، وَيَقْتُلُهُمْ وَوُلِدَ دَانْيَالَ، أَلْقَتْهُ أُمُّهُ فِي غَيْضَةٍ رَجَاءَ أَنْ يَنْجُوَ فَقَيَّضَ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ أَسَدًا يَحْفَظُهُ وَلَبْوَة تُرْضِعُهُ وَهُمَا يَلْحَسَانِهِ فَلَمَّا كَبِرَ صَوَّرَ ذَلِكَ فِي خَاتَمِهِ حَتَّى لَا يَنْسَى نِعْمَةَ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِ اهـ مُغْرِبٌ فِي دنل وَوُجِدَ هَذَا الْخَاتَمُ فِي عَهْدِ عُمَرَ رضي الله عنه. اهـ. مُغْرِبٌ. (قَوْلُهُ: لِأَنَّهَا لَا تُعْبَدُ بِدُونِ الرَّأْسِ) أَيْ وَلِهَذَا لَوْ صَلَّى إلَى تَنُّورٍ أَوْ كَانُونٍ فِيهِ نَارٌ كُرِهَ؛ لِأَنَّهُ يُشْبِهُ عِبَادَتَهَا وَإِلَى قِنْدِيلٍ أَوْ شَمْعٍ أَوْ سِرَاجٍ لَا لِعَدَمِ التَّشَبُّهِ اهـ ع (قَوْلُهُ أَمَرَ بِقَتْلِ الْأَسْوَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ الْحَيَّةَ وَالْعَقْرَبَ) وَالْأَمْرُ لِلْإِبَاحَةِ؛ لِأَنَّهُ مَنْفَعَةٌ لَنَا اهـ ع (قَوْلُهُ «اُقْتُلُوا ذَا الطُّفْيَتَيْنِ» إلَى آخِرِهِ) الطُّفْيَةُ خُوصَةُ الْمُقْلِ وَالْأَسْوَدُ الْعَظِيمُ مِنْ الْحَيَّاتِ وَهُوَ أَخْبَثُهَا وَفِيهِ سَوَادٌ كَأَنَّهُ شَبَهُ، الْخَطَّيْنِ عَلَى ظَهْرِهِ بِطُفْيَتَيْنِ وَالْأَبْتَرُ الْقَصِيرُ الذَّنَبِ اهـ مِنْ خَطِّ الشَّارِحِ