الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
منهجي في هذا البحث وموضوع الكتاب
إن مما من الله به علي، وله الحمد والمنة: القيام بهذا البحث المبارك الذي أسأل الله أن يجعله وجميع أعمالي خالصة لوجهه الكريم موافقة لهدي نبيه الكريم صلى الله عليه وسلم وأن يرزقني فيها التوفيق والسداد، إنه ذو الفضل العظيم.
وكان ابتدائي بالقيام بهذا البحث عام 1422 هـ وقد أكملته آنذاك للمرة الأولى في عدة أشهر منذ بدأت فيه.
ثم انقطعت عن ترتيبه وتجهيزه للطبع ببعض الأعمال والأبحاث، ثم في عامي هذا 1429 هـ عدت لهذا البحث مرة أخرى.
وملخص عملي فيه ما يلي:
1) مررت على كتب الحافظ ابن حجر رحمه الله الموجودة لدينا في مكتبة دار الحديث بدماج مرتين: المرة الأولى: عام 1422 هـ والثانية: عام 1429 هـ عدا "فتح الباري" فلم أمر عليه؛ لأن بعض الباحثين قد أفرد الرواة الذين تكلم فيهم الحافظ ابن حجر فيه ببحث خاص (1) فاكتفيت بالعزو إلى هذين المصدرين لهما غنمه وعليهما جرمه، وباستثناء بعض كتب الحافظ التي لا تعلق لها ببحثي كـ "إنباء الغمر بأنباء العمر" وباستثناء "تسديد القوس" و "النكت على البخاري" والمجلد 16 من "إتحاف المهرة" فما بعده فلم أمر عليها إلا مرة واحدة.
2) ومن خلال مروري على كتب الحافظ ابن حجر رحمه الله على غزارتها العلمية،
(1) سيأتي الكلام عنهما بعد هذا الباب إن شاء الله.
وكميتها الهائلة قمت بفضل الله باستخراج الرواة الذين تكلم فيهم الحافظ ابن حجر رحمه الله بجرح أو تعديل إما نصا كأن يقول عن الراوي: "ثقة" أو "ضعيف" وما شابه ذلك، أو إجماليا كأن يقول في حديث من الأحاديث:"رجاله ثقات" أو: "إسناده صحيح" أو: "إسناده حسن" أو: "إسناده قوي" وما شابه ذلك، مما أخذ مني جهدا كبيرا في البحث عن رجال السند فردا فردا لتمييز بعضهم عن بعض، ولا يعرف ما في ذلك من بذل الجهد والوقت إلا من مارس هذا الفن.
وزيادة في الإيضاح: أكتب في ترجمة الراوي الموَثَّق إجماليا في ذلك السند: قال الحافظ في حديث هذا أحد رجال سنده: "رجاله ثقات" أو "إسناده صحيح" وهكذا وما ذاك إلا لأن التوثيق بلفظ العموم ليس كالتوثيق على طريق النص والتخصيص كما سيأتي معنا إن شاء الله التنبيه على ذلك، ولأن الأمر دين ومحافظة على الأمانة العلمية، والإتيان بكلام الحافظ ابن حجر بنصه وفصه لا زيادة فيه ولا نقصان.
ومثله لو حكم الحافظ على جماعة من الرواة بقوله: "ضعفاء" أو: "ثقات" فلا آتي عند كل راو منهم وأقول: قال الحافظ: "ثقة" أو: "ضعيف"، بل أقول قال الحافظ في رواة هذا أحدهم:"ثقات" أو: "ضعفاء".
وهكذا لو قال الحافظ في الراوي: "أحد الضعفاء" فأحكي كلام الحافظ في ترجمته بنصه، دون أن أتصرف فيه بقولي: قال فيه الحافظ: "ضعيف".
وهكذا فيما سوى ذلك فقد حرصت كل الحرص على أداء كلام الحافظ بنصه أداء للأمانة العلمية وحرصا على عدم اختلال المعنى.
غير أني لم أستوعب من كان تعديل الحافظ لهم عن طريق العموم والإجمال؛ لكثرة
ذلك، ولتطلبه مني جهدا كبيرا لا أطيقه، و {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} (البقرة: من الآية 286).
وبحمد الله فقد قمت باستيعاب جل ذلك، وما لا يدرك كله لا يترك جله، وبالله التوفيق.
وهنا تنبيه مهم، وهو: أن الحافظ ابن حجر رحمه الله ربما حكم على الحديث بصحة سنده أو أن رجاله ثقات دون ذكر منه بسند ذاك الحديث، كأن يقول:"أخرجه الدارقطني بسند صحيح" أو: "رجاله ثقات" فأقوم حينها إلى إخراج الحديث من "سنن الدارقطني" مثلا للوقوف على سند الحديث، ثم أقوم بتمييز الرواة بعضهم عن بعض ثم أفرقهم في أماكنهم الخاصة بهم حسب الترتيب وأقول في ترجمة كل واحد منهم: قال الحافظ في حديث هذا أحد رجال سنده: "سنده صحيح" أو: "رجاله ثقات" وما شابه ذلك، وقد صنعت ذلك في عشرات الأحاديث بفضل الله.
فربما يأتي الباحث ويرجع إلى المصدر الذي نقلت فيه عن الحافظ الحكم على الحديث بأن سنده صحيح أو أن رجاله ثقات، فلا يجد الراوي المُتَرجَم له في ذاك المصدر، إنما يجد الحكم فقط، فإذا صنع ذلك فلا يتعجل، بل يعلم أني رجعت إلى سند الحديث من مصدره الذي عزاه إليه الحافظ، واستخرجت رواة سنده فردا فردا، ولو رجع إلى سند الحديث؛ لوجد الأمر كما قلت، ولوجد الراوي الذي يبحث عنه هو أحد أفراد رجال ذاك السند.
هذا تنبيه في غاية الأهمية.
3) شرطي في هذا الكتاب: أن لا أذكر إلا راويا حكم عليه الحافظ بن حجر رحمه الله
بجرح أو تعديل، فلو أن الحافظ مثلا لم يحكم على الراوي من عنده إنما نقل فيه أقوال بعض الحفاظ؛ فلا أذكر الراوي في كتابي هذا، اللهم إلا أن يشارك في ذلك كأن يوجه بعض الجرح الصادر في ذاك الراوي أنه نسبي أو أنه كذا وكذا بما يبين موقف الحافظ من ذاك الراوي فحينئذ أنقل ترجمة ذاك الراوي وتكون داخلة في شرطي.
أما لو استطردت بذكر كل من تكلم فيه الحافظ ولو كان مجرد ناقل عن غيره لبلغ الكتاب عدة مجلدات، وللزمني نقل "تهذيب التهذيب" و "لسان الميزان" و "تعجيل المنفعة" برمتها.
4) الرجال الذين في هذا الكتاب منهم من هو من رجال من "التقريب" وقد بلغ عددهم (2199) ومنهم من هو من غير رجال "التقريب" وقد بلغ عددهم (1480) فبلغ عدد الجميع (3679):
وقد قسمت الكتاب إلى قسمين:
القسم الأول: للرواة الذين تكلم فيهم الحافظ رحمه الله ممن هم من رجال "التقريب"، فأنقل ترجمة الراوي مختصرة من "التقريب" بما يميزه عن غيره من الرواة مع نقل حكم الحافظ عليه، ثم أنقل حكم الحافظ عليه خارج "التقريب"، وقد سرت فيه على ترتيب الحافظ في "التقريب" حذو القذة بالقذة في الترتيب، فمن ترجم له الحافظ في الكنى دون الأسماء؛ ترجمت له في الكنى، وهكذا عكسه، ومن ترجمه في النسب جعلته في النسب، وهكذا.
القسم الثاني: من تكلم فيه الحافظ ممن هم من غير رجال "التقريب"، وكان ترتيبي لهم على حروف الهجاء؛ لأن حديث:"خير الأسماء ما حُمِّد وعُبِّد" لا أصل له، والله
المستعان.
وكان ترتيبي لأسمائهم على حروف الهجاء لاسم الراوي وأبيه فقط دون التزام ذلك مني في الجد.
5) قد يحكم الحافظ على الراوي في عدة مواضع من كتبه بأحكام مختلفة متباينة؛ فأقوم بترتيبها، وشرطي في ذلك في ألفاظ التعديل: أن أبدأ بذكر الأعلى منها حتى أصل إلى أدناها، فلو قال في الراوي مثلا:"ثقة ثبت" وأخرى: "ثقة" وأخرى: "صدوق" أبدأ بنقل أعلاها مرتبة ثم التي تليها حتى أصل إلى أدناها مرتبة التي هي "صدوق" في هذا المثال، وهكذا تماما في الجرح، فلو قال الحافظ في أحد الرواة مثلا:"فيه ضعف" وأخرى: "سيء الحفظ" وأخرى: "ضعيف" وأخرى: "ضعيف جدا" وأخرى: "متروك"؛ فشرطي في ذلك: أن أبدأ بنقل أقلها جرحا في الراوي التي هي في هذا المثال: "فيه ضعف" ثم التي تليها حتى أصل إلى أشدها التي هي: "متروك" في هذا المثال.
6) لم أتعرض في بحثي هذا لبيان الصواب في شأن الرواة الذين اختلف حكم الحافظ فيهم ممن ربما حكم عليه تارة أنه صدوق حسن الحديث، وأخرى أنه ضعيف، وربما أخرى بالضعف الشديد؛ لأن ذلك يطول جدا، ويستلزم مني دراسة ترجمة ذلك الراوي مما يضاعف حجم الكتاب، وإنما الذي يهمني هنا هو استيعاب جميع أحكام الحافظ على الرواة مع الأمانة والتحري في النقل وعزو الفائدة إلى موضعها، وللباحث المتمكن أن يأخذ من أحكام الحافظ ما يراه أقرب إلى الصواب، وأنصح في هذا بمراجعة الفصل الذي عقدته في هذا الكتاب لبيان كيفية التعامل مع اختلاف حكم الحافظ أو غيره من الحفاظ على الرواة.
وهكذا لم أتعرض للمراسيل والسماعات، ولعل الله أن ييسر باستدراكها في طبعة أخرى إنه جواد كريم، غير أني قد قمت بفضل الله بجمع السماعات والمراسيل التي ذكرها الحافظ في "تهذيب التهذيب" ضمن بحثي "الحافظ ابن حجر ومنهجه في التقريب" ولمناسبتها لهذا البحث جعلتها في آخر فصول المقدمة، وما لا يدرك كله لا يترك جله، وبالله التوفيق.
وكذا لم أتعرض للصحابة أو الرواة المختلف في صحبتهم؛ اكتفاء بـ "الإصابة" للحافظ رحمه الله.
7) من المعلوم ما للحافظ ابن حجر رحمه الله من رسوخ في هذا العلم ومن قوة من التضلع فيه، بل إنه كما يكرر الإمام الألباني والإمام الوادعي - رحمهما الله -:"لم يأت بعده في هذا العلم مثله" وذلك أوضح من أن يستدل له فهو كلمة إجماع عند الموافق والمخالف، وقد حازت كتبه قصب السبق في هذا الشأن، وتحرير قواعد هذا الفن، وصارت محل إعجاب وإجلال، وتدريس وتعليم، وشرح بين أيدي علماء الحديث.
ولذلك كله فقد تضمن هذا البحث المبارك المنتخب من كتب الحافظ ابن حجر رحمه الله العديد من الفوائد والدرر والقواعد والتحقيقات العلمية في مسائل علم الحديث، وبالأخص علم الجرح والتعديل، ولأهمية ذلك، وكونها مبثوثة في تراجم الرواة من هذا الكتاب، قمت بجمع أكثرها وترتيبها في عدة فصول وجعلتها في مقدمة هذا الكتاب، أسأل الله أن ينفع بها، وأن يجعل ما قمت به خالصا لوجهه الكريم إنه على كل شيء قدير.