الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
تصحيح الحديث فرع عن توثيق رجاله
الرواة الذين عدلهم الحافظ ابن حجر رحمه الله ينقسمون إلى قسمين:
القسم الأول: من عدلهم الحافظ ابن حجر تعديلا صريحا كأن يقول في الراوي: "ثقة" أو: "صدوق" وما شابه ذلك.
القسم الثاني: من عدلهم الحافظ ابن حجر رحمه الله ووثقهم تعديلا ضمنيا، وذلك كأن يحكم الحافظ ابن حجر رحمه الله على سند بالصحة أو الحسن، وهذا الراوي أحد رجال ذاك السند فأنقل ترجمة الراوي ثم أعقبها بقولي:"قال الحافظ ابن حجر في حديث هذا أحد رجال سنده: "إسناده صحيح" أو: "إسناده حسن"" وما شابه ذلك.
وذكري لهذا القسم في هذه الرسالة؛ لأن من المعلوم المتقرر عند أهل الحديث بما فيهم الحافظ ابن حجر أن تصحيح الحديث فرع عن توثيق رجاله حيث إن السند لا يسمى صحيحا عندهم إلا بتوفر عدالة الرواة وضبطهم واتصال السند، وهاك من أقوال أهل الشأن ما يدل على ذلك:
1) قال الإمام محمد بن فتوح الحميدي في الكلام على الشيخين: "وتتمة ذلك تعديلهما لرواة هذه الأصول المخرجة في الكتابين، وحكمهما بذلك فيما أفصحا به في الترجمتين؛ لأن الصحة لا يستحقها المتن إلا بعدالة الراوي". "الجمع بين الصحيحين"(1/ 76).
2) ذكر ابن القطان الفاسي علي بن عبد الملك تصحيح الترمذي حديثا من طريق سعد بن إسحاق عن زينب بنت كعب ثم قال: "وفي تصحيح الترمذي إياه توثيقها، وتوثيق سعد بن إسحاق، ولا يضر الثقة أن لا يروي عنه إلا واحد والله أعلم". "بيان
الوهم والإيهام" (5/ 394) رقم (5262).
3) وقال الحافظ في ترجمة: بلال بن يحيى العبسي: "وقال ابن القطان الفاسي: "صحح الترمذي حديثه فمعتقده أنه سمع من حذيفة"". "التهذيب"(1/ 255).
4) ذكر ابن الملقن تصحيح جمع من أئمة الحديث حديثا لرواة جهلهم ابن القطان، ثم قال:"وأما قوله - يعني ابن القطان -: إن الخمسة الذين رووا عن أبي سعيد كلهم مجاهيل؛ ففيه نظر؛ لأن تصحيح الأُوَل لهذا الحديث توثيق منهم له؛ إذ لا يظن بمن دونهم الإقدام على تصحيح ما رجاله مجاهيل؛ لأنه تدليس في الرواية وغش، وهم برآء من ذلك". "البدر المنير"(2/ 59 - 60).
5) قال ابن دقيق العيد - منكرا على ابن القطان تجهيله لعمرو بن بجدان وقد صحح الترمذي حديثه -: "إن كان ابن القطان قد روى من كلام الترمذي قوله: "هذا حديث حسن صحيح" فمن العجب كونه لم يكتف بتصحيح الترمذي في معرفة حال عمرو بن بجدان مع تفرده بالحديث! فأي فرق بين أن يقول: "هو ثقة" أو يصحح حديثا انفرد به؟ ! وإن كان توقف عن ذلك لكونه لم يرو عنه إلا أبو قلابة فليس هذا بمقتضى مذهبه فإنه لا يلتفت إلى كثرة الرواة في نفي جهالة الحال، فكذلك لا يوجب جهالة الحال بانفراد راو واحد بعد وجود ما يقتضي تعديله، وهو تصحيح الترمذي رحمه الله
…
". "الإمام" (3/ 165 - 166).
6) وقال رحمه الله في كتابه "الإقتراح"(54 - 55): "ولمعرفة كون الراوي ثقة طرق منها: إيراد أصحاب التواريخ ألفاظ المزكين في الكتب التي صنفت على أسماء الرجال ككتاب البخاري وابن أبي حاتم وغيرهما، ومنها: تخريج الشيخين أو أحدهما في
الصحيح للراوي محتجين به، وهذه درجة عالية لما فيها من الزيادة على الأول وهو إطباق جمهور الأمة أو كلهم على تسمية الكتابين بالصحيحين، والرجوع إلى حكم الشيخين بالصحة، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الأمة أو أكثرهم على تعديل من ذكر فيهما - إلى أن قال: - ومنها: تخريج من خرج الصحيح بعد الشيخين، ومن خرج على كتابيهما فيستفاد من ذلك جملة كبيرة من الثقات إذا كان المخرج قد سمى كتابه بالصحيح، أو ذكر لفظا يدل على اشتراطه (1) " اهـ المراد.
7) وقال الإمام الذهبي رحمه الله: "الثقة: من وثقه كثير ولم يضعف، ودونه من لم يوثق ولا ضعف، فإنْ خرج حديث هذا في الصحيحين؛ فهو موثق بذلك، وإن صحح له مثل الترمذي وابن خزيمة؛ فجيد أيضا، وإن صحح له كالدارقطني والحاكم؛ فأقل أحواله حسن حديثه". "الموقظة" مع "الكفاية"(304).
8) وقال رحمه الله في ترجمة أبي عمير ابن أنس: "صحح حديثه ابن المنذر وابن حزم وغيرهما، وذلك توثيق له والله أعلم". "ميزان الإعتدال"(4/ 585).
9) قال الحافظ ابن حجر رحمه الله: "قوله: "ومداره على زيد بن عياش وهو ضعيف عند النقلة" كذا قال! وقد قال المنذري: ما علمت أحدا ضعفه إلا أن ابن الجوزي نقل عن أبي حنيفة أنه مجهول وكذا قال ابن حزم، وتعقب ذلك الخطابي، واحتج
(1) لم يلتزم أصحاب المستخرجات على الصحيحين الصحة، إنما جل همهم هو العلو لا غير، كما نبه على ذلك الحافظ في "فتح الباري"(11/ 298).
بإخراج مالك له وأنه يتوقى الرجال (1)، قال ابن الجوزي: روى عنه عبد الله بن يزيد وعمران بن أبي أنس فكيف يكون مجهولا مع تصحيح الترمذي لحديثه؟ ! قال: فقد عرفه أئمة النقل".
قال الحافظ ابن حجر: "قلت: وقد صححه ابن حبان أيضا، وابن خزيمة، والدارقطني، وذلك يقتضي أنهم عرفوا حاله، والله أعلم". "الدراية في تخريج أحاديث الهداية"(2/ 158).
10) وقال رحمه الله في ترجمة عبد الله بن عبيد الديلي الراوي عن عديسة بنت أهبان-: "وأما الراوي عن عديسة فقد أخرج حديثه أيضا الترمذي والنسائي وقال الترمذي حسن غريب وهذا يقتضي أنه عنده صدوق معروف". "تعجيل المنفعة"(1/ 751).
11) وقال رحمه الله: "ينبغي لكل مصنف أن يعلم أن تخريج صاحب الصحيح لأي راو كان مقتض لعدالته عنده وصحة ضبطه وعدم غفلته، ولا سيما ما انضاف إلى ذلك من إطباق جمهور الأئمة على تسمية الكتابين بالصحيحين، وهذا معنى لم يحصل لغير من خرج عنه في الصحيح فهو بمثابة إطباق الجمهور على تعديل من ذكر فيهما، هذا إذا خرج له في الأصول
…
". "هدي الساري" (384).
12) وقال في ترجمة محمد بن هشام المروزي بعد أن نقل تصحيح الحاكم لحديثه: "ثقة عنده - يعني الحاكم - وإن كان ابن القطان وتبعه المنذري قالا: "إنه لا يعرف" فقد
(1) هذا التعقب غير صحيح فرواية من لا يروي إلا عن ثقة عن الراوي المجهول لا تستلزم ثقه ما لم ينضم إلى ذلك قرائن أخرى كما قول جمهور المحدثين، وقد بينت بطلان قول من خالف ذلك من تسعة أوجه في رسالتي "القول الأحمد بذكر من لا يروي إلا عن ثقة ومن يروي عن كل أحد".
عرفه الحاكم". "زمزم" (187).
13) وقال في ترجمة أحمد بن علي بن الحسين المدائني: "وقال ابن حبان في "صحيحه": "أخبرنا أحمد بن الحسين بن أبي الصغير بمصر حدثنا إبراهيم بن سعد" فذكر حديثا فكأنه نسبه إلى جده، ومقتضاه أنه ثقة". "اللسان"(1/ 341).
14) قال الحافظ العراقي رحمه الله في ترجمة محمد بن هشام المروزي: "قال ابن القطان: "لا يعرف حاله" وكلام الحاكم يقتضي أنه ثقة عنده؛ فإنه قال عقب حديثه: "صحيح الإسناد إن سليم من الجارودي"". "ذيل الميزان"(319).
تنبيه مهم:
لا يلزم من تصحيح إمام لسند حديث من الأحاديث أن يكون رواته عدولا ضابطين عند غيره من الأئمة، بل غاية ما في الأمر: أن أفراد رجال ذاك السند ثقات عند من صححه وقد يخالفه غيره في ذلك وقد يوافقه.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في حديث الخط الذي تفرد به أبو عمرو بن محمد بن حريث: "صحح الحديث أبو حاتم ابن حبان والحاكم وغيرهما، وذلك مقتض لثبوت عدالته عند من صححه". "النكت على ابن الصلاح"(2/ 774).
قال العلامة الألباني رحمه الله: "هذا الكلام مسلم لا غبار عليه، ولكن ذلك مما لا ينفق في النقاش العلمي القائم على قواعد علم الحديث؛ لا سبق بيانه آنفا من تساهل ابن حبان والحاكم". "السلسلة الضعيفة"(12/ 2/ 678).
وقال العلامة الصنعاني رحمه الله: "قد يختلف كلام إمامين من أئمة الحديث في الراوي الواحد، وفي الحديث الواحد، فيضعف هذا حديثا وهذا يصححه، ويرمي هذا رجلا
من الرواة بالجرح، وآخر يعدله، وذلك مما يشعر أن التصحيح ونحوه من مسائل الإجتهاد التي اختلفت فيها الآراء". "إرشاد النقاد" (13).
ولهذه العلة تجد الحافظ ابن حجر رحمه الله يقيد الحكم بعدالة الراوي عند من صحح حديثه من الحفاظ، فقد قال في ترجمة عامر بن زيد البكالي:"وأخرج ابن حبان في صحيحه من طريق أبي سلام عنه ومقتضاه أنه عنده ثقة". "تعجيل المنفعة"(1/ 704).
وقال في سليمان بن عبد الله بن الزبرقان: "نعم إخراج ابن حبان له في "صحيحه" يقتضي توثيقه عنده". "موافقة الخُبْر الخبر"(2/ 407).
وقال في ترجمة عبد الله بن عتبة بن أبي سفيان: "أخرج له ابن خزيمة حديثه في صحيحه، فهو ثقة عنده". "تهذيب التهذيب"(2/ 381).
وقال في حديث من طريق عبيد الله بن المغيرة الكناني: "أخرجه الضياء في "المختارة"، ومقتضاه: أن يكون عبيد الله عنده ثقة". "تهذيب التهذيب"(3/ 28).
وقال في ترجمة عبد الرحمن بن خالد بن جبل العدواني: "صحح ابن خزيمة حديثه، ومقتضاه: أن يكون عنده من الثقات". "تعجيل المنفعة"(1/ 793).
وقال في ترجمة: عبد الله بن عبد الرحمن بن ثابت الأنصاري: "لم أرَ فيه جرحا ولا تعديلا، ولكن إخراج ابن خزيمة له في "صحيحه" يدل على أنه عنده ثقة". "تهذيب التهذيب"(2/ 371).