الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وجه إدخالي من قال الحافظ في أحاديثهم: رجالها ثقات
هناك جمع من الرواة لم أقف للحافظ ابن حجر رحمه الله على تعديل فيهم سوى قوله في أحاديث هم أحد أفراد رواتها: "رجاله ثقات" أو: "رجاله موثقون" أو: "رجاله موثوقون" أو: "رجاله ثقات أثبات" أو: "رجاله معروفون بالثقة" ونحو ذلك من العبارات، ولا ريب أن هذه من طرق التوثيق والتعديل التي يعرف بها حال كثير من الرواة، وإن لم تكن في الصراحة والقوة كما لو قال عن كل فرد من أفراد السند:"ثقة".
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله في ترجمة أحمد بن محمد بن رميح النسوي: "وسيأتي في ترجمة إسحاق بن إسماعيل الجوزجاني أن الدارقطني ضعف ابن رميح، لكن قال الدارقطني في "غرائب مالك": "حدثنا أحمد بن محمد بن رميح النسوي
…
- وقال: - غريب إن كان الراوي ضبطه، ورجاله كلهم معروفون بالثقة"". "لسان الميزان"(1/ 395 - 396).
فانظر كيف استدرك الحافظ على من نقل عن الدارقطني تضعيف ابن رميح بقول الدارقطني عقب إخراجه حديثا من طريق ابن رميح: "رجاله كلهم معروفون بالثقة".
إلا أنه ينبغي أن يعلم أن التوثيق الإجمالي للراوي ليس كما لو نص أحد الحفاظ على أن هذا الراوي بعينه ثقة، فهم يتسامحون في التوثيق الإجمالي ما لا يتسامحون في الحكم على كل راو بعينه، والفصل الذي عقدته لبيان تساهل الحافظ رحمه الله في التعديل الإجمالي للرواة من أكبر الأدلة على ذلك.
يقول العلامة المحقق عبد الرحمن بن يحيى المعلمي رحمه الله: "قول المحدث: "رواه جماعة ثقات حفاظ" ثم يعدهم لا يقتضي أن يكون كل من ذكره بحيث لو سئل عنه ذاك
المحدث وحده لقال: "ثقة حافظ" هذا ابن حبان قصد أن يجمع الثقات في كتابه، ثم قد يذكر في كتابه من قد يلينه هو في الكتاب نفسه (1).
وهذا الدارقطني نفسه ذكر في "السنن"(35) حديثا فيه مسح الرأس ثلاثا وهو موافق لقول أصحابه الشافعية، ثم قال: "خالفه جماعة من الحفاظ الثقات
…
" فعدهم وذكر فيهم شريكا القاضي، وأبا الأشهب جعفر بن الحارث، والحجاج بن أرطأة، قال الدارقطني نفسه في مواضع من "السنن": "لا يحتج به" وفي بعض المواضع: "ضعيف" وجعفر الأحمر اختلفوا فيه، وقال الدارقطني كما في التهذيب: "يعتبر به" وهذا تليين كما لا يخفى.
ونحو هذا قول المحدث: "شيوخي كلهم ثقات" أو: "شيوخ فلان كلهم ثقات" فلا يلزم من هذا أن كل واحد منهم بحيث يستحق أن يقال له بمفرده على الإطلاق: "هو ثقة" وإنما إذا ذكروا الرجل في جملة من أطلقوا عليهم ثقات فاللازم أنه ثقة في الجملة أي له حظ من الثقة". "التنكيل" (1/ 362).
وسئل شيخنا العلامة مقبل بن هادي الوادعي رحمه الله: إذا قيل في حديث: "رواه جماعة ثقات حفاظ" فهل يقتضي هذا أن كل أفراد السند ثقات حفاظ؟
فأجاب: "إذا قاله حافظ فربما يكونون حفاظا، أي يحكم لكل فرد منهم أنه حافظ، لكن الأحوط: أن تبحث في رجاله، وتحكم عليهم بما يستحقونه، فهذا الذي أنصح به؛
(1) وهذا كثير وربما تناقض فذكر الراوي في الثقات وفي الضعفاء، وربما أدخل في كتابه الثقات مع تشدده بعض المتروكين كعاصم بن عمر بن حفص العمري، وهارون بن عنترة الشيباني، ويحيى بن عثمان أبي سهل البصري، والله المستعان.
فإنهم ربما يقولون بأنهم حفاظ، ويكون في سنده وهم أو شذوذ، أو في سنده رجل التبس برجل آخر مثل صالح بن حيان الذي يقال له:"صالح بن حي" وصالح بن حيان قرشي فهما في طبقة واحدة، وقد وهم شيخ الإسلام بن تيمية في كتابه "الصارم المسلول" على شاتم الرسول وحكم على حديث من طريق صالح بن حيان القرشي وهو: أن رجلا خطب امرأة وأبى أهلها أن يزوجوها ثم أتاهم بعد حين فقال: إن رسول الله صلى الله عليه وسلم أمركم أن تزوجوني فلانة، فاضطربوا فقال قائل منهم: نزوجه ولا نرد على رسول الله صلى الله عليه وسلم أمره، ومن قائل لا نزوجه، فقال قائل منهم: رسول الله صلى الله عليه وسلم قريب منكم فابعثوا من يستفسره، فبعثوا رجلا إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فأخبره، فقال:"كذب عدو الله، فإن أدركتموه فاقتلوه، وما أراكم مدركيه"، فوصلوا وقد لدغته حية فمات (1)، فهذا الحديث كما تقدم ذكره الذهبي في ترجمة صالح بن حيان القرشي وقال:"إن صاحب "الصارم المسلول" - يعني شيخ الإسلام بن تيمية - وهم في هذا الحديث، وقال: إن رجاله ثقات" والواقع أن في سنده من هو متروك (2) فينبغي أن يبحث عن هؤلاء الرجال.
(1) القصة أخرجها ابن عدي في "الكامل"(4/ 1371 - 1372) والبغوي كما في "الصارم المسلول"(165) ومن طريقه ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 55) وفيه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له: "إن وجدته حيا فاقتله وإن وجدته ميتا فحرقه بالنار" فانطلق فوجده قد لدغ فمات فحرقه بالنار، فعند ذلك قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:"من كذب علي متعمدا فليتبوأ مقعده من النار" اهـ وفيه صالح بن حيان القرشي ضعيف، وله شاهد أخرجه المعافى بن زكريا كما في "الصارم المسلول"(166) ومن طريقه أخرجه ابن الجوزي في "الموضوعات"(1/ 56) وفيه داود بن الزبرقان وقد كذبه الأزدي.
(2)
قال الإمام الذهبي: "ورواه كله صاحب "الصارم المسلول" من طريق البغوي عن يحيى الحماني عن علي بن مسهر وصححه ولم يصح بوجه""الميزان"(2/ 293).
قلت: حيث قال فيه شيخ الإسلام: "هذا إسناد صحيح على شرط الصحيح لا نعلم له علة""الصارم المسلول"(166).