الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ترجمة مختصرة للحافظ ابن حجر
بما أن هذا البحث يعد خدمة لعلوم الحافظ ابن حجر رحمه الله؛ فقد أحببت أن لا يخلو الكتاب من ترجمة مختصرة للحافظ ابن حجر رحمه الله مع كونه أشهر من نار على علم، وقد رأيت أن أسوق ترجمته من "البدر الطالع" للإمام الشوكاني رحمه الله فقد أحسن فيها وأجاد حيث قال رحمه الله:
أحمد بن علي بن محمد بن محمد بن علي بن أحمد الشهاب أبو الفضل الكناني العسقلاني القاهري الشافعي - المعروف بابن حجر، وهو لقب لبعض آبائه - الحافظُ الكبير الشهير الإمام المنفرد بمعرفة الحديث وعلله في الأزمنة المتأخرة.
ولد في ثاني عشر شعبان سنة (773) ثلاث وسبعين وسبعمائة بمصر، ونشأ بها يتيما في كنف أحد أوصيائه، فحفظ القرآن وهو ابن تسع، ثم حفظ "العمدة" و "ألفية الحديث" للعراقي و "الحاوي الصغير" و "مختصر ابن الحاجب" في الأصول و"الملحة"، وبحث فى ذلك على الشيوخ، وتفقه بالبلقيني والبرماوي وابن الملقن والعز بن جماعة وعليه أخذ غالب العلوم الآلية والأصولية كـ "المنهاج" و"جمع الجوامع" و"شرح المختصر" و"المطول"، ثم حبب الله إليه فن الحديث فأقبل عليه بكليته وطلبه من سنة (793) وما بعدها، فعكف علي الزين العراقي وحمل عنه جملة نافعة من علم الحديث سندًا ومتنا وعللًا واصطلاحًا، وارتحل إلى بلاد الشام والحجاز واليمن ومكة وما بين هذه النواحي، وأكثر جدًا من المسموع والشيوخ، وسمع العالي والنازل، واجتمع له عن ذلك ما لم يجتمع لغيره، وأدرك من الشيوخ جماعةً، كل واحد رأسٌ في فنه الذي اشتهر به، فالتنوخي في معرفة القراءات، والعراقي في الحديث، والبلقيني في سعة
الحفظ وكثرة الإطلاع، وابن الملقن في كثرة التصانيف، والمجد صاحب "القاموس" في حفظ اللغة، والعز بن جماعة في تفننه في علوم كثيرة، ثم تصدى لنشر الحديث وقصر نفسه عليه مطالعةً وإقراءً وتصنيفًا وإفتاءً، وتفرد بذلك، وشهد له بالحفظ والإتقان القريب والبعيد والعدو والصديق حتى صار إطلاق لفظ (الحافظ) عليه كلمة إجماع، ورحل الطلبة إليه من الأقطار، وطارت مؤلفاته في حياته وانتشرت في البلاد وتكاتبت الملوك من قطر إلى قطر في شأنها، وهي كثيرة جدًا منها ما كمل، ومنها ما لم يكمل، وقد عددها السخاوي فى "الضوء اللامع"، وكذلك عدَّدَ مصنفاتِه في الأربعينيات والمعاجم وتخريج الشيوخ والأطراف والطرق والشروح وعلوم الحديث وفنونه ورجاله في أوراق من ترجمته، ونقل عنه أنه قال:"لست راضيا عن شيء من تصانيفي؛ لأني عملتها في ابتداء الأمر ثم لم يتهيأ لي من يحررها معي سوى "شرح البخاري" و "مقدمته" و"المشتبه" و"التهذيب" و"لسان الميزان"" وروى عنه في موضع آخر أنه أثنى على "شرح البخاري" و"التغليق" و"النخبة"، ولا ريب أن أجل مصنفاته "فتح الباري"، وكان شروعه في تصنيفه سنة (817) على طريق الإملاء ثم صار يكتب من خطه يداوله بين الطلبة شيئا فشيئا، والاجتماع في يوم من الأسبوع للمقابلة والمباحثة إلى أن انتهى في أول يوم من رجب سنة (842)، سوى ما ألحق فيه بعد ذلك، وجاء بخطه في ثلاثة عشرة سفْرًا، وبيض في عشرة وعشرين وثلاثين وأقل وأكثر، وقد سبقه إلى هذه التسمية شيخه صاحب "القاموس" فإنه وجد له في أسماء مصنفاته أن من جملتها "فتح الباري في شرح صحيح البخاري" وأنه كمل ربعه في عشرين مجلدًا، وله مؤلفات في الفقه وأصوله والعروض والآداب سردها السخاوي وقال بعد ذلك: "إنها تهادت تصانيفه
ك بسؤال علمائهم لهم في ذلك حتى ورد كتاب في سنة (833) من شاه رخ بن تيمور ملك الشرق يستدعي من السلطان الأشرف برسباي هدايا من جملتها "فتح الباري" فجهز له صاحب الترجمة ثلاث مجلدات من أوائله ثم أعاد الطلب في سنة (839) ولم يتفق أن الكتاب قد كمل فأرسل إليه أيضًا قطعة أخرى، ثم في زمن الطاهر جقمق جهزت له نسخة كاملة، وكذا وقع لسلطان الغرب أبي فارس عبد العزيز الحفصي فإنه أرسل يستدعيه فجهز له ما كمل من الكتاب، وكان يجهز لكتبة الشرح ولجماعة مجلس الإملاء ذهبًا يفرق عليهم هذا ومصنفه حى رحمه الله، ولما كمل "شرح البخاري" تصنيفًا وقراءة عمل مصنفه رحمه الله وليمة عظيمة بالمكان الذي بناه المؤيد خارج القاهرة في يوم السبت ثامن شعبان سنة (842) وقرأ المجلس الأخير هنالك وجلس المصنف على الكرسي، قال تلميذه السخاوي: "وكان يومًا مشهودًا لم يعهد أهل العصر مثله بمحضر من العلماء والقضاة والرؤساء والفضلاء وقال الشعراء في ذلك فأكثروا وفرق عليهم الذهب، وكان المستغرق في الوليمة المذكورة نحو خمسمائة دينار.
وكان للمترجَم له يد طولى في الشعر قد أورد منه جماعة من الأدباء المصنفين أشياء حسنة جدا كابن حجة في "شرح البديعية" وغيره، وهم معترفون بعلو درجته في ذلك.
وقد كان رحمه الله مصمما على عدم الدخول في القضاء ثم قدر أن المؤبد ولاه الحكم في بعض القضايا ثم عرض عليه الاستقلال به، وألزم من أحبائه بقبوله فقبل، واستقر في المحرم سنة (827) بعد أن كان عرض عليه قبل ذلك وهو يأبى، وتزايد ندمه على القبول لعدم فرق أرباب الدولة بين العلماء وغيرهم ومبالغتهم في اللوم لرد إشاداتهم وإن لم تكن على وفق الحق، واحتياجه لمداراة كبيرهم وصغيرهم بحيث لا يمكنه مع
ذلك القيام بما يرومونه، وصرح بأنه جنى على نفسه بذلك، ولم يلبث أن صرف ثم أعيد ولا زال كذلك إلى أن أخلص في الإقلاع عنه عقب صرفه في جمادى الآخرة سنة (852) وجميع مدد قضائه إحدى وعشرون سنة.
وقد درس بمواطن متعددة واشتهر ذكره وبعد صيته وارتحل إليه العلماء وتبجح الأعيان بلقائه والأخذ عنه، وأخذ الناس عنه طبقة بعد طبقة وألحق الأصاغر بالأكابر وامتدحه الكبار وتبجح فحول الشعراء بمطارحته، واستمر على طريقته حتى مات في أواخر ذى الحجة سنة (852) اثنتين وخمسين وثمان مائة، وكان له مشهد لم ير مثله من حضره من الشيوخ فضلًا عمن دونهم، وشهده أمير المؤمنين والسلطان فمن دونهما، وقدم الخليفة للصلاة عليه، ودفن تجاه تربة الديلمي بالقرافة، وتزاحم الأمراء والكبراء على حمل نعشه.
انتهت ترجمته من "البدر الطالع"(1/ 87 - 92). بتصرف يسير.