المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (24) * * *   قَالَ اللهُ عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ - تفسير العثيمين: الروم

[ابن عثيمين]

الفصل: ‌ ‌الآية (24) * * *   قَالَ اللهُ عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ

‌الآية (24)

* * *

قَالَ اللهُ عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} [الروم: 24].

* * *

قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ} أيْ إِرَاءَتُكُمْ {الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} ].

قوْله تَعالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ} جَارٌّ ومجْرُورٌ، {يُرِيكُمُ} فعْلٌ مضارعٌ.

وهَل {وَمِنْ آيَاتِهِ} متعلِّقَةٌ بـ {يُرِيكُمُ} ، أوْ متعلِّقَةٌ بمحذُوفٍ ويكُونُ تأْوِيلُ قوْلِه تَعالَى:{يُرِيكُمُ} مبْتَدَأٌ مؤخَّرٌ؟

ظاهِرُ كلامِ المُفَسِّر رحمه الله: [أيْ: إِرَاءَتُكُم] يقْتَضي أنَّ قوْلَه تَعالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ} خبَرٌ مقَدَّمٌ، و {يُرِيكُمُ} مبتدَأٌ مؤخَّرٌ؛ لأَنَّهُ أَوَّلَها إِلَى مصْدَرٍ، يعْنِي ولَيْس المَعْنى ويُرِيكُم مِن آيَاتِه كَذا وكَذا، ويُرِيكُم مِن آيَاتِه البَرْقَ خوْفًا وطَمَعًا، ففي إعْرَاب هَذِهِ الآيَة وجْهَانِ:

الوَجْهُ الأوَّلُ: مَا مشَى علَيْه المُفَسِّر رحمه الله: بَأن نجعَل {يُرِيكُمُ} فعلًا مضارِعًا مُؤوَّلًا بمَصْدَرٍ تقْدِيرُه (إِراءَتُكم)، مع أنَّه ليْسَ فيه حرْفٌ مصْدَرِيٌّ، وَهَذا موْجودٌ فِي اللُّغَةِ العرَبِيَّةِ، ومنْهُ قولهُم:(تَسْمَع بالمُعِيدِيِّ خيْرٌ مِنْ أنْ تَراهُ)، فـ (تَسْمَعُ)

ص: 130

هَذِهِ مبتَدَأٌ بدَلِيل قولِه: (خَيْرٌ مِنْ أنْ تَراهُ)، معَ أنَّه ليْس فِيها حرْفٌ مصْدَرِيٌّ تنْسَبِكُ بِه.

والوَجْهُ الثَّاني: أنْ نقُولَ: {وَمِنْ آيَاتِهِ} متعلِّقة بـ {يُرِيكُمُ} ، يعْنِي يُريكُم مِن آيَاتِه البَرْقَ خوْفًا وطمَعًا.

ويُرجِّحُ الوجْهَ الأوَّلَ سِياقُ الآيَاتِ، سِياقُ الآيَاتِ كُلِّها يدُلُّ عَلَى أنَّ هَذا الفعْلَ مُنْسَبِكٌ بمَصْدَرٍ، والتَّقدِيرِ:(ومنْ آيَاتِه إِراءَتُكم)، كالآيَات الَّتي قبْلَها، {وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ} ، {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ} {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَكُمْ مِنْ تُرَابٍ} ، {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ} ، ويُرجِّحُ الوجْهَ الثّانِيَ أنّنا نتَحاشَى انْسِبَاكَ المَصْدَرِ بدُونِ حرْفٍ مصْدَرِيٍّ.

قال المُفَسِّر رحمه الله: {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا} لِلْمُسَافِرِ مَنَ الصَّواعِقِ، {وَطَمَعًا} لِلْمُقِيمِ فِي المَطَرِ].

قوْلُه تَعالَى: {خَوْفًا} مفعولٌ لأجْلِه، وهذا مُشْكِلٌ لأَنَّ ابنَ مالكِ رحمه الله يقول

(1)

:

وَهْو بِمَا يَعْمَلُ فِيهِ مُتَّحدْ

وَقْتًا وَفَاعِلًا ......

وهُنا {يُرِيكُمُ} الفاعِل الله، والخائِف الطَّامِعُ: بَنُو آدَمَ، فاختَلَف الفَاعِلُ، فالوَقْت متَّحِدٌ ولكنَّ الفاعِلَ لم يتَّحِدْ، وعلَيْه فيَكُون {خَوْفًا} مصدَرًا في موْضِع الحَالِ، أي: يُرِيكُم البَرْق خائِفِينَ وطَامِعينَ، أمَّا إِذا أسْقَطْنا اشْتِراطَ ابْنِ مالكِ رحمه الله اتِّحادَ الفاعِلِ فتكُون {خَوْفًا} مفعولًا لأجْلِه.

(1)

البيت رقم (299) من الألفية.

ص: 131

ولكِنْ عنْدِي أنَّ هُناكَ وجْهًا آخَر، أنْ نجْعَل {خَوْفًا} بمَعْنى تَخْوِيفًا، فإِذا جعَلْنا خوْفًا بمعْنَى تخْوِيفًا زَال الإِشْكالُ؛ لأَنَّ التّخْوِيفَ يكُونُ مِن الله وهُو المُرِي، والإِطْماعُ أيْضًا مِن الله، وهُو المُرِي، وحِينَئِذٍ نسْلَمُ مِن مخالَفَةِ شرْطِ ابْنِ مالِكٍ رحمه الله، لكِنْ لا بُدَّ مِنْ تأْوِيلٍ، حيْثُ حوَّلْنا {خَوْفًا} إِلَى إِخَافَةٍ، {وَطَمَعًا} إِلَى إطمَاعٍ.

فالوُجُوهُ إِذَنْ ثلاثَةٌ:

- إمَّا أنْ نجْعَل {خَوْفًا} {وَطَمَعًا} مصْدَرينِ في موْضِع الحالِ.

- أوْ نجْعَلَهُما مصْدَرين عَلَى أنَّهُما مفْعُولٌ مِن أجْلِه، ولا نَعْتَبِر اشْتِراطَ اتِّحادِ الفاعِل.

- أوْ نجْعَلَهُما مصْدَرين، لكِنْ بمَعْنى التّخويفِ والإِطْماعِ، وحِينَئِذٍ نكُونُ قد اعتَبْرنا اتِّحادَ الفاعِل ولم نُؤَوِّلهُما إِلَى الحالِ.

وقولُ المُفَسِّر رحمه الله: [{خَوْفًا} لِلْمُسَافِر مِنَ الصَّوَاعِقِ، {وَطَمَعًا} لِلْمُقِيمِ فِي المَطَرِ]: ظَاهِرُ كَلامِ المُفَسِّر أنَّ هَذا عَلَى سَبيلِ التَّوثِيقِ خوْفًا لأُناسٍ، وطمَعا لأُناسٍ، والصَّوابُ خِلافُ كلامِه رحمه الله، فإِنَّ البرْقَ خوْفٌ وطمَعٌ للجَميعِ، فالمُسافِرُ يخَافُ ويطْمَعُ، والمُقِيمُ أيْضًا يخَافُ ويطْمَعُ، ومَنْ ذَا الَّذي سَلِم مِن الصَّواعِق بسبَبِ كوْنِه فِي البِنَاءِ؟ فالصَّاعِقَة إذَا نزَلَتْ نزَلَتْ حتَّى عَلَى البِنَاءِ وهدَمَتْه، وقتَلَتْ مَنْ فِيه، وَكَذلِكَ المُسَافِرُ أيْضًا مَا أكْثَر المُسافِرِينَ الَّذِين نَجَوْا مِن الصَّواعِقِ وهِي تصْعَقُ حوْلَهم.

فالصّوابُ أنَّه عائِدٌ عَلَى الجمِيعِ، لكِنَّ تقْدِيمَ الخَوْف عَلَى الطَّمَعِ يدُلُّ عَلَى أنَّ خوْفَ النَّاسِ بالبِرِّ أكْثَرُ مِن طَمَعِهم، وَهَذا - واللهُ أعْلَمُ - بنَاءٌ عَلَى الغالِب؛ لأَنَّ أكْثَر

ص: 132

النَّاسِ لَا سِيَّما فِي الرُّعودِ الثَّقِيلَةِ والبَرْقِ العَظِيم يخَافُونَ أكْثَر مِمَّا يطْمَعُون، وُيوجَدُ أُناسٌ لا يهْتَمُّونَ بِهَذا الأَمْر، مهما قَوِي البَرْقُ ومهْمَا قَوِي الرَّعْدُ، لا يهْتَمُّون فَهُم دَائِمًا في طَمَعٍ.

قوْله تَعالَى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} أيْ شَيْئًا فَشَيْئًا، مَا ظنُّك لَوْ كَان هَذا المَطَرُ ينْزِلُ دُفعَةً واحِدةً مِن السَّماءِ فلَن يُبْقيِ مبَانِيَ، بَل لا يُبْقِي الآدَمِيّينَ ولا ينْفَعُ شيْئًا، يُتْلِفُ ولَا ينْفَعُ، ومِنْه أيْضًا - أيْ كونِه مِن آيَاتِ الله - أنَّ هَذا الماءَ ينْزِلُ مِن السَّماءِ، فلَو كانَ ينْزِلُ مِن شيْءٍ طامن لكَان يُغْرِقُ الأسْفَل قبْلَ أنْ يَصِلَ إِلَى الأَعْلَى، ولكِنَّ الله عز وجل جعلَه مِن فَوْقَ؛ حتَّى يَسْقِي بِه الأعْلى والأسْفَل.

وقوْلُه تَعالَى: {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} : {فَيُحْيِي} أيْ الله عز وجل، {بِهِ}: البَاءُ للسَّببيَّةِ، وهِي تُفِيد - كَمَا سيَأْتي إِنْ شَاء الله تَعالَى - إثْبَاتَ العِلَل في أفْعَالِ الله، فأفْعَالُ الله وشرْعُه كلُّه مقْرُونٌ بالحكْمَةِ والتَّعْليلِ، ومنْهُ مَا سبَق في قوْلِه تَعالَى:{لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا} ، مِن أنَّ اللامَ للتَّعْلِيل، فتُفِيدُ ثُبوتَ الحكْمَةِ فِي أفْعَالِ الله، ومن أهْل البِدَعِ مَن يُنكرُ الحكْمَةَ، فَالجهمِيَّةُ يُنْكِرُونَ الحكْمَة، أمَّا المُعتَزِلة فعَلَى العَكْس يُوجبونها؛ ولِهَذا قالُوا: أنَّه يَجِبُ عَلَى الله فعْلُ الأصْلَحِ.

وقوْلُه تَعالَى: {فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} هَل المرادُ بـ {الْأَرْضَ} ذاتُ الأرْضِ تَحيا، أوِ المُرادُ النَّباتُ الَّذِي في الأرْضِ يَحْيا؟ المُرادُ النَّباتُ الَّذِي في الأرْضِ، وحِينَئِذٍ قدْ يعْتَرِضُ علَيْنا معتَرِضٌ ويقُولُ: إنَّكُم تقُولونَ أنَّه لَا مجَازَ فِي القُرْآنِ، وهنَا إِذا حمَلْتُم الأرْضَ عَلَى نباتِها فقَدْ قُلْتُم بالمَجازِ؟

والجوابُ عَلَى هَذا: أنَّ الكلِمَةَ فِي حدِّ ذاتِها لا يُفْهَمُ معْنَاها إِلَّا بسِيَاقِها فقوْلُه تَعالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ} لا شكَّ أنَّ المُرادَ ذاتُ الأرْضِ، لكِنَّ

ص: 133

قوْلَه تَعالَى: {فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} يُخاطِبُ أُناسًا يعْرِفُون الَّذي يَحْيا، والَّذِي يَمُوتُ، يعْرِفُونَ الَّذِي يَحْيا بالمَطر والَّذِي يمُوتُ بفَقْدِ المَطرِ، فهَلْ أحَدٌ ممَّن يُخاطَبُ بهذِه الآيةِ يقُولُ: إِنَّ هَذا الطِّينَ وَهَذا الرَّمْلَ وَهَذا الحجَر يمُوتُ بفَقْدِ المَطَرِ، ويَحْيا بوُجودِه؟ ! الكلِمَةُ يُعيِّن معنَاها السّياقُ، وَبِهذَا نسْلَمُ مِنَ القَوْلِ بالمَجازِ؛ لأَنَّ مِنْ أبْرَزِ عَلامَاتِ المجَازِ أنَّه يصِحُّ نفْيُه، والقُرْآنُ لَا يُوجَدُ فِيه شيْءٌ يصِحُّ نفْيُه؛ لأنَّهُ لَوْ صَحَّ نفْيُ شيْءٍ في القُرآنِ لكَان معْنَاه التّكْذِيبَ، مِثَالُ ذَلِك قوله تَعالَى:{جِدَارًا يُرِيدُ أَنْ يَنْقَضَّ} [الكهف: 77].

لَوْ قَالَ قَائِلٌ: الجِدارُ لَا يُرِيدُ فَما معْنَى هَذا؟

قُلْنَا: معْنَى هَذا نفْيُ مَا أثْبَتَ الله عز وجل، وَهَذا هُو الَّذي جعَل بعْضَ أهْل العِلمِ يُنْكِرُ المَجازَ فِي القُرآنِ، وُيثْبِتُه في غيْرِه مِنَ اللُّغَةِ العرَبِيَّة، يقُولُ: لأنَّهُ ليْسَ في القُرآنِ شيْءٌ يصِحُّ نفْيُه، وأبْرزُ علاماتِ المَجازِ أنَّه يصِحُّ نفْيُه، ولكنَّ الصّوابَ مَا اختَارهُ شيْخُ الإسْلام ابْنُ تيْمِيةَ رحمه الله أنَّه لا مجَازَ لَا في القُرآنِ ولَا فِي اللُّغَة العرَبِيَّة؛ لأنَّنا نقُول: إنَّ الَّذي يُعَيِّنُ المَعْنى هُو السِّياقُ، وعلَيْه فَإِذا تعيَّن معْنَى الكلِمَةِ فهُو حقِيقَتُها فِي كُلِّ سِيَاقٍ.

قال المُفَسِّر رحمه الله: [{إِنَّ فِي ذَلِكَ} المَذْكُورِ]، المُشارُ إلَيْهم كُلُّ مَا سبَق {يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} ، {وَيُنَزِّلُ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً} ، {فَيُحْيِي بِهِ الْأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا} هَذِهِ ثلاثَةٌ، هَذا المذْكُور فِيه آياتٌ لقَوْمٍ يعْقِلُون.

يقُول المُفَسِّر رحمه الله: [{لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} يتَدَبَّرُون]، وهُنَا قَال:{لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} أيْ لِذَوي عقْلٍ، والعَقْلُ ينْقَسِم إِلَى قِسْمَيْنِ: عقلِ إدْراكٍ، وعقْلِ رَشَدٍ.

ص: 134

عقْلُ الإدْراكِ الَّذي هُو منَاطُ التكْلِيفِ، الَّذِي يقُولُ فِيه العلَماءُ: يُشْتَرطُ لوُجوبِ الصَّلاةِ أنْ يَكُونَ عاقلًا، فهَذا نُسمِّيه عقْلَ إدْرَاكٍ؛ لأَنَّ الإنْسانَ بِه يُدْرِكُ الأُمورَ، فيُمَيِّز بَيْن النّافِعِ والضَّارِ وغَيْرِه.

العَقْل الثّاني: عقْلُ الرّشَدِ الَّذي هو منَاطُ الثّناءِ والمَدْحِ، وعقْلُ الرّشَد هُو الَّذي يُوجَدُ فِي القرْآنِ كَثيرًا، مثَلًا نفَى الله سبحانه وتعالى العَقْل عَن الكُفَّار معَ أنَّهم أذْكِياءُ عنْدَهُم عقْلُ إدْرَاكٍ، لكِنَّهم ليْسَ عنْدَهم عقْلُ رَشَدٍ يتصَرَّفُونَ فِيه تصرُّف العَاقِل.

وسُمِّي العقْلُ عقْلًا لأنَّهُ يعْقِلُ صاحِبَهُ عمَّا يضُرُّه، وَهَذا هُو الَّذي جعَله يُسمَّى عقْلًا، أو يُسمَّى حِجْرًا {هَلْ فِي ذَلِكَ قَسَمٌ لِذِي حِجْرٍ} [الفجر: 5]؛ لأنَّهُ يَحْجر صاحِبَه ويحْجِزُه عمَّا لا ينْبَغِي.

وقوْلُه تَعالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} ، أَتَى بالعَقْل هُنا إشَارَةً لما سيُذْكَرُ فِيما بعْدُ؛ لأَنَّ الآيَاتِ - كَما نُشاهِدُ - كلُّها في تقْريرِ إعَادَةِ المَوْتَى، وانتِقالِ العقْل مِن هَذِهِ الأشْيَاءِ المحسُوسَةِ إِلَى أشياءَ منْظُورةٍ موعُودَةٍ، إنَّما يكُونُ عَنْ طَريقِ العَقْل؛ ولِهَذا قَال هُنَا:{إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

من فوائد الآية الكريمة:

الفائِدَةُ الأولَى: : أنَّ البَرْق مِن آيَاتِ الله؛ لقوْلِه تَعالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ يُرِيكُمُ الْبَرْقَ} .

الفائِدَةُ الثَّانيَةُ: أنَّ البَرْق يشْتَمِلُ عَلَى الخَوْفِ وَالرَّجاءِ؛ لقوْلِه تَعالَى: {خَوْفًا وَطَمَعًا} ، والصَّحِيحُ أنَّها ليْسَتْ موزَّعَةً كَما ذَهب إِلَيْهِ المُفَسِّر رحمه الله بَلْ هِي صِفَةٌ مجتمِعَةٌ.

الفائِدَةُ الثَّالثةُ: عظِيمُ قُدْرةِ الله سبحانه وتعالى بِإنْزالِ المَاءِ مِنَ السَّماءِ.

ص: 135

الفائِدَةُ الرابعةُ: رحْمَتُه بالخَلْق حيْثُ كانَ إنْزالُ هَذا المَطَر مِنَ السَّماءِ، هَذا واحِدٌ، وحيْثُ كانَ ينْزِلُ شيْئًا فشَيْئًا؛ لأنَّهُ لَو كَان يَنْزِل دُفعةً واحِدةً لأهْلَك النَّاسَ.

الفائِدَةُ الخامسةُ: بَيانُ قُدْرَةِ الله تَعالَى؛ حيْثُ يُحْيِي الأرْضَ بعْدَ موتِها، تَجِدُ الأرْضَ يابِسَةً ليْسَ فِيها عُودٌ أخْضَرُ، ثمَّ بعْدَ نُزولِ المَطَرِ تصْبحُ مخْضَرَّةً تهتَزُّ.

الفائِدَةُ السادسةُ: رحمَتُه بالخلْقِ أيْضًا، فإنَّ إِحْياءَ الأرْضِ نافِعٌ لِلإِنْسَانِ والحيَوانِ.

الفائِدَةُ السابعةُ: أنَّه لَا ينتفِعُ بالآيَاتِ إلَّا ذَوُو العُقولِ؛ تُؤخَذُ مِنْ قَوْلِهِ تَعالَى: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} .

الفائِدَةُ الثّامِنَةُ: استِعْمالُ العَقْل فِي القِيَاسِ: في قِيَاسِ الأشْيَاءِ المتشَابِهَةِ، والنّظيرِ عَلَى نَظِيرهِ.

الفائِدَةُ التاسعةُ: أنَّ القِياسَ مِن الأدِلَّةِ العقْلِيَّةِ، وإِنْ كَان ثابِتًا بالشَّرْعِ لكِنَّ طرِيقَهُ هُو العَقْل؛ لأَنَّ العَقْل يهْتَدِي بِهَذا عَلَى هَذا، وينتقِلُ مِن هَذا إِلَى هَذَا.

* * *

ص: 136