الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (53)
قَالَ اللهُ عز وجل: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ مُسْلِمُونَ} [الروم: 53].
* * *
قوْله تَعالَى: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ} انظر الآن انتقال الموتى، الصُّم، العُمْي {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ}:(ما) حجازية و (أنت) اسمها و (الباء) حرف زائد و (هادِ) خبرها.
قوْله تَعالَى: {وَمَا أَنْتَ بِهَادِ} اسم فاعل {بِهَادِ الْعُمْيِ} العُمْيُ جمع أعمى لأَنَّ أَفْعَلَ جمعُه فُغل قَالَ ابن مالِك رحمه الله
(1)
:
فُعْل لِنَحْوِ أَحْمَر وحَمْرَا
…
...
…
...
…
...
أَحْمَر مثل أعمى، وحَمرَاء مثل عَمياء، فَعُمي جمع للذكور والإناث.
قوْله تَعالَى: {عنْ ضَلَالَتِهِمْ} ضلالتّهم يعني متاهتهم إِذَا تاهوا فِي الطّريق، فما أنْتَ بهادي العمي عنه، فكَذَلِكَ هؤُلاءِ الَّذِين عموا عن الحق - والعياذُ باللهِ - فلا يرونه وصموا عنه فلا يسمعونه وماتوا عنه فلا يفقهونه هؤُلاءِ أيضًا لا تستطيع أن تهديهم، فتأمل الآن فِي مَسْأَلة الموت ومَسْأَلة الصَّمَمِ، قَالَ إنَّك لا تُسمِعُ الموتى ولا تسمع الصّم، وفي باب العمى قَالَ:{وَمَا أَنْتَ بِهَادِ الْعُمْيِ} مَا قَالَ مَا أنْتَ بمبصر؛
(1)
ألفية ابن مالك (ص: 66).
السّبب لأَنَّ البصر تتعلق بِهِ الدّلالة وَهِيَ الهداية بخلاف الصَّمَمِ فيتعلق بِهِ السّمع.
قال المُفَسِّر رحمه الله: [{إِنْ} مَا {تُسْمِعُ} سماعَ إفهام وقبول {إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} القرآن {فَهُمْ مُسْلِمُونَ}].
فسر المُفَسِّر رحمه الله: (إنْ) بـ (ما) التفسيرية؛ وَلِهذا لا تدغم بـ (إن) لا يُقَال (إمَّا) بل يُقَال (إن) ثمَّ يُقَال (ما) عَلَى سبيل الإظهار لأَنَّ (ما) تفسير لها فهي هي.
قوْله تَعالَى: {تُسْمِعُ} قَالَ المُفَسِّر رحمه الله: [سماع إفهام وقبول، مَا تسمع {إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} القرآن {فَهُمْ مُسْلِمُونَ}]، أي فبناءً عَلَى إيمانهم هم مسلمون منقادون؛ لأَنَّهُ كلما تم الإِيمَان تم الانقياد، فكلما كَانَ الإنسانُ أقوى إيمانًا فإِنَّهُ يَكُون أعظم انقيادًا؛ وَبها فإن الإِيمَان يستلزم الإسْلامَ، كل مؤمنٍ مسلمٌ ولا عَكْسَ، فليس كل مسلم مؤمنًا، قد يستسلم الإنسان ظاهرًا وقلبه مُنْطَوٍ عَلَى الكفر - وَالعياذُ بِاللهِ - بخلاف الإِيمَان، وَبهذا رتَّب عَلَى الإِيمَان، الإسْلام بالفاء {فَهُمْ مُسْلِمُونَ} فهم من أجل إيمانهم مسلمون منقادون.
قوْله تَعالَى: {إلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} قَالَ المُفَسِّر: إنَّها القرآن، مَعَ أن آيات جمع وليست مفردًا، فما هُوَ الجواب عن قول المُفَسِّر رحمه الله؟
الجوابُ: أن فِي قَوْلِهِ قُصورا، والحق أن المُرَاد بالآيات مَا هُوَ أعم من القرآن فيشمل جميع الكتب المنزلة ويشمل كَذَلِكَ الآيَات الكونية بأن يؤمن بأن هذَا الكون خلقه الله عز وجل لأَنَّ من النَّاس من لا يؤمن بالآيات الكونية انظر {وَإِنْ يَرَوْا كِسْفًا مِنَ السَّمَاءِ سَاقِطًا} ، ماذا يقولون: شيء طبيعي، يقُولونَ: الكون مادة وطبيعة تتفاعل وَينتجُ بعضها من بعض وما أشبه ذَلِك مَا آمنوا بالآيات.
والآيَات الشّرعية كَذَلِكَ، فمن النَّاس من لا يؤمن بها، ويكذبُ بأخبارها ويستكبرُ عن أحكامها، وَهذا كثيرٌ.
إِذَن: الصّواب أن المُرَاد بقوْله تَعالَى: {بِآيَاتِنَا} لا يشمل الآيات الشّرعية كلها لكل الكتب النّازلة والآيات الكونية كلها؛ لأَنَّ من النَّاس من ينكر الآيات الكونية كما هُوَ معلوم.
فَإِذَا قَالَ قَائِلٌ: {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا} معلومٌ أن المُؤْمِنَ سامعٌ فكيف يقول: {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ} والمُؤْمِنُ سامع فكيف نُجِيبُ عن هذا؟
فالجوابُ: عن هذَا من أحد وجهيْن:
- إمَّا أن يُقَالَ: {إِنْ تُسْمِعُ إِلَّا مَنْ يُؤْمِنُ} أي إِلَّا من كَانَ مستعدًا للإيمان بما تقول ومكتوب عند الله عز وجل أنَّه مؤمن بحيث إن الله قدر لَهُ ذَلِك فَهذَا يسمع وينتفع، وَهذا أمر غير معلوم للرسول صلى الله عليه وسلم لكن يجب علَيْه أن يبذلَ الدَّعوة فيُسمِعُها من كَانَ فِي عِلْمِ الله أنَّه مؤمن وكان مستعدًا للإيمان هذَا وجه.
- أو يُقَال: إن الدّين شرائعُ لَيْسَ شَيْئًا واحدًا بل هُوَ شرائعُ وشعائرُ متعددة، فالَّذي ينتفع بهذه الشّعائر ويطبقها هُوَ المُؤْمِن بِها يعني الَّذي يسمع مَا يتلقى بعد ذَلِك من شعائر الإسْلام وشرائعه، هذَا المُؤْمِن الَّذي وقع الإِيمَان مِنْهُ فعلًا هُوَ الَّذي يسمع كل مَا دعا إِلَيْهِ الرَّسول صلى الله عليه وسلم من جميع شرائع الدّين وَعَلَى قول من يثبتون للدين أصولًا وفروعًا نقول أصول الدّين وفروعه.
لكن شيخ الإسْلام ابن تيمية يقول: "إن تقسيم الدّين إِلَى أصول وفروع قولٌ مُبْتَدَع لا دليل علَيْه"، وَهُوَ صحيح لا تجد فِي القرآن والسّنة أصولًا وفروعًا فِيها
مَا يدل عَلَى الرّكنية يعني عَلَى أن هذَا ركن كما فِي قوله: "بُنيَ الإسْلامُ عَلَى خَمْسٍ"
(1)
، أمَّا أنْ نقولَ أصولٌ وفروع؛ فشيخ الإسلام رحمه الله أنكرَ هذَا لا لأنَّهُ مجُرَّدُ اصطلاحٍ، فلا مُشَاحَّةَ فِي الاصطلاحِ، لكِنَّهُ توصل بِهِ إِلَى أمورٍ منكَرةٍ، فقَالُوا مثلاً لا نَحتَجُّ بأخبار الآحَادِ فِي أصول الدِّين وجعلوا هذَا بابًا يَلِجُونَ بِهِ إِلَى إنكارِ الصِّفات وإلى إنكار مَا ورد فِي أخبار اليوم الآخر وما أشبه ذلك.
قوْله تَعالَى: {فَهُمْ مُسْلِمُونَ} المُؤْمِنُ مسلمٌ ظاهرًا وباطنًا، والمنافق مسلم ظاهرًا لا باطنًا، والمعلِنُ بكفره لَيْسَ مؤمنًا لا ظاهرًا ولا باطنًا، والنَّاس لا يخرجون عن هذه الأحوال الثّلاثة:
- مَنْ كَفَرَ ظاهرًا وباطنًا.
- ومَنْ آمن ظاهرًا وباطنًا.
- ومَنْ آمن ظاهرًا لا باطنًا.
- توجدُ قسمةٌ رابعةٌ وهي: مَنْ امن باطنًا لا ظاهرًا، وَهذا لا يمكن، صحيح أنَّه قد يَكُون ضعيف الإِيمَان فتجد فِيهِ مخالَفاتٍ فِي ظاهره كالمُؤْمِن الفاسق، أمَّا أنَّه يَكُون لَيْسَ عنده إسلام أبدا فَهذَا لا يمكن.
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الإِيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"بني الإسلام على خمس"، رقم (8)، ومسلم: كتاب الإِيمان، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم "بني الإسلام على خمس"، رقم (16).