الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (25)
* * *
قَالَ اللهُ عز وجل: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} [الروم: 25].
* * *
قَالَ تعالى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ السَّمَاءُ وَالْأَرْضُ بِأَمْرِهِ} .
قوْله تَعالَى: {وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ تَقُومَ} نقولُ فِيها كُما قُلْنا فِيما سبَق: أيْ مِن آيَاتِه قِيامُ السَّمواتِ والأرْضِ بأَمْرِه.
وقوْلهُ رحمه الله: [{بِأَمْرِهِ} بِإرَادَتِه مِنْ غَيْرِ عَمَدٍ]: أفادَنا المُفَسّر رحمه الله أنَّ المُرادَ بالأمْرِ هُنا هو الأَمْر الكَوْنِيُّ؛ لأنَّهُ قَالَ: [بإرَادَتِه]، وإِنْ كانَ في تفْسِير الأمْرِ بالإِرادَةِ شيْءٌ مِنَ الشّكِّ إِذْ إنَّني أخْشَى أنَّه فسَّر الأَمْر بالإِرَادةِ فِرارًا مِنْ إثْبَات الكلامِ للهِ عز وجل؛ لأَنَّ الأَمْرَ ولَوْ كانَ كوْنِيًّا يَكُونُ بالكلامِ {إِنَّمَا أَمْرُهُ إِذَا أَرَادَ شَيْئًا أَنْ يَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ} [يس: 82]، فأخْشَى أنَّ المُفَسّر - غفَر الله له - أرادَ بتَفْسِير الأَمْرِ بالإِرادَةِ الفرارَ مِن إثْبَاتِ الكَلامِ، ومعرُوفٌ أنَّ الأشاعِرةَ لا يُثبِتونَ الكلامَ بالحرْفِ والصَّوتِ، وإِنما يُثبِتونَ الكلَامَ عَلَى أنَّه المَعْنى القائِمَ بالنَّفْسِ، أمَّا الحرفُ المكتوبُ والصَّوتُ المسْموعُ يقُولونَ أنَّه عِبارَةٌ عَنْ كَلامِ الله، وَليْس هُو كلامَ الله.
وقوْله تَعالَى: {أَنْ تَقُومَ} : فسَّره رحمه الله بقَوْلِه: [مِنْ غَيْرِ عَمَدٍ]، وَهَذا يدُلُّ عَلَى أنَّه ذَهب إِلَى أنَّ المُرادَ بالقِيَامِ هُنا القِيامُ الحسّيُّ، يعْنِي أنْ تَبْقَى غيْرَ واقِعَةٍ عَلَى
الأرْضِ، بَل هِي مُمْسَكَةٌ بأمْرِ الله عز وجل بِغَيْر عَمَدٍ، وهَذا تفْسِيرٌ قاصِرٌ، والصّوابُ أنَّ قِيام السّموَاتِ وَالأرْضِ أعمُّ مِن كوْنِه قِيامًا حِسيًّا أو قِيامًا معنَوِيًّا، بمَعْنى أنَّه يشْمَل القِيامَ الحِسِّي والقيامَ المَعنويَّ، فالسَّمواتُ قائِمةٌ بأمْر الله قِيامًا حِسِّيًّا بِما فِيها من الانْتِظام فِيما خَلق الله عز وجل مِن الأَجرامِ، وبِما فِيها مِن الأفْلاك المتضَمِّنة الشّمسَ والقَمرَ والنُّجومَ وغيْرَ ذَلِك، وكَذَلِكَ الأرْضُ قَائِمةٌ قِيامًا حِسِّيًّا بما أوْدعَ الله تَعالَى فِيها مِنْ مصالِحِ الخَلْقِ مِنْ أشجارٍ وَنباتٍ وأنْهَارٍ وبحارٍ وغَيْر ذَلِك، هَذا قيامٌ حِسِّيٌّ، ويُوجَد أيْضًا قِيامٌ معنَوِيٌّ وهُوَ قِيامُ هَذه بطَاعَةِ الله، فإنَّ المعَاصِيَ إفْسَادٌ في الأرْضِ، كَما قَال الله تَعالى:{وَلَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا} [الأعراف: 56]، فالسَّمواتُ أيْضًا والأرْضُ تَقُومُ بأَمْرِ الله الشَّرعِي كَما تقُومُ بأَمْرِه الكَوْنيِّ، ولَا قِيامَ للأَرْض ولَا لِلسَّمواتِ إِلَّا بالتِزامِ أمْرِ الله الشّرعيِّ، فتَصلُحُ وتبْقَى بطَاعَةِ الله، فحِينَئِذٍ نُفسِّرُ القيامَ بأنَّه القيامُ الحسِّيُّ والقيامُ المعنوِيُّ، فالآيَة شامِلَة للمَعْنَيينْ، وعَلى هَذا يكُونُ المُرادُ بالأَمْرِ الأمرَ الكوْنِيَّ والأَمْر الشّرعِيَّ.
قوْله تَعالَى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} : أَتى بِـ (ثُمَّ) بعْدَ ذِكر قِيامِ السَّمواتِ والأَرْضِ؛ لأَنَّ البعْثَ متأَخِّرٌ لا يَكُونُ إِلا بعْدَ قِيامِ السّاعَةِ، يقُولُ:{ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ} ، الفاعِلُ هُو الله عز وجل {دَعْوَةً} أيْ واحِدَةً {مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} .
قوْله تَعالَى: {مِنَ الْأَرْضِ} ، يقولُ المُفَسِّر رحمه الله:[بِأَنْ ينْفُخَ إسْرَافِيلُ فِي الصُّورِ، فَيُبْعَثُ مَنْ فِي القُبُورِ، {إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} مِنْهَا أحْيَاء، فَخُرُوجُكُمْ مِنْهَا بِدَعْوَةٍ مِنْ آيَاتِهِ تَعالَى].
قوْله تَعالَى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ} ، قوْله تَعالَى:{مِنَ الْأَرْضِ} ،
هَل تتعَلَّقُ بِـ {تَخْرُجُونَ} ، يعْنِي إذَا دعاكُم دعْوَةً تخْرُجونَ مِن الأرْضِ، أو متعَلِّقٌ بِـ (دعا)؟ نقُول هُو متعلِّقٌ بـ (دَعا) إِذا دعَاكُم دعْوةً مِن الأَرْضِ، ولَيْس متعلِّقًا بـ {تَخْرُجُونَ} لأنَّهُ لا يتعَلَّقُ مَا قبْلَ (إِذا) الفُجائِيَّةِ بما بعْدَها.
قوْله تَعالَى: {إِذَا دَعَاكُمْ} : {إِذَا} شرْطِيَّةٌ، وقوْلُه تَعالَى:{إِذَا أَنْتُمْ} : {إِذَا} فُجائِيَّةٌ، فهِي نائِبَةٌ منَابَ الفاءِ الوَاقِعَةِ فِي جَوابِ الشَّرْط.
وقوْله تَعالَى: {إذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ} : يعْني دعَاكُم منْهَا.
وهَلْ دَعوَةُ الله تكُونُ مِن الأرْضِ أمِ المرادُ أنَّكُم أنْتُم فِي الأرْضِ؟
الجوابُ: المُرادَ (إِذا دَعاكُم مِن الأرْضِ)، مثْلَما تقُولُ دعَوْتُه مِن بيْتِه، فليْسَ المُراد:(أَنِّي في البَيْتِ)، لكنَّه هُو في البَيْت فدَعَوْتُه منْه ليحْضُر، وهذِه الآيَةُ كقوْله تَعالَى:{فَإِنَّمَا هِيَ زَجْرَةٌ وَاحِدَةٌ (13) فَإِذَا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ} [النازعات: 13، 14]، يعْنِي عَلَى وجْهِ الأرْضِ.
قوْله تَعالَى: {إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} : هَذا مِنْ آيَاتِ الله أيْضًا.
من فوائد الآية الكريمة:
الفائِدَةُ الأولَى: : أنَّ قيامَ السَّمواتِ والأرْضِ بأمْرِ الله ليْسَ للمَخْلُوقِين فِيه تعلُّقٌ إطْلاقًا، فاللهُ تَعالَى هُو الَّذي يُقِيم السَّمواتِ والأرْضَ، سواءٌ القيامُ الحسِّيُّ أو المعنَوِيّ.
الفائِدَةُ الثَّانيَةُ: إثْبَاتُ الكلامِ لله؛ لقوْلِه تَعالَى: {بِأَمْرِهِ} ، والمُفَسِّر رحمه الله قال:[بإِرادتِه]، وتقدَّم التَّنبيهُ عَلَى هَذَا، وأَنَّ المُرادَ بقوْلِه تَعالَى:{بِأَمْرِهِ} الكلامُ، فالأمْرُ الكلَامُ.
الفائِدَةُ الثَّالثةُ: تمامُ قدْرَة الله تَعالَى ببَعْث المَوْتى بكَلِمَةٍ واحِدَةٍ؛ لقوْلِه تَعالَى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ، ولاحِظْ أنَّ المسألَةَ ليْسَتْ هِي بخلْقٍ واحِدٍ أوِ اثْنَيْن أوْ ثلاثَةٍ أوْ عشَرَةٍ، بَلْ هِي مَا لا يُحصِيه إِلّا الله عز وجل، دعْوَةٌ واحِدَةٌ يكُون بِها جميعُ الخلْق خَارجِينَ، وهَذا لا شَكَّ أنَّ فِيه ما هُو مِنْ أبْلَغِ القدَرِ، وأنَّ الله سبحانه وتعالى عَلَى كُلِّ شيْءٍ قدِيرٌ.
الفائِدَةُ الرابعةُ: أنَّ مقَرَّ بَني آدَم الأرْضُ؛ لقوْلِه تَعالَى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ إِذَا أَنْتُمْ تَخْرُجُونَ} ، ويُؤيِّدُ ذَلِك قوله تَعالَى:{مِنْهَا خَلَقْنَاكُمْ وَفِيهَا نُعِيدُكُمْ وَمِنْهَا نُخْرِجُكُمْ تَارَةً أُخْرَى} [طه: 55]، فالمَعْمُولُ فِي هَذِهِ الآيَةِ مُقَدَّمٌ (فِيها) و (مِنْها) وتقْدِيمُ المعمولِ يدُلُّ عَلَى الحصْرِ مِن هَذا الشّيْءِ لَا مِن غَيْرِه إِذَنْ، فالحيَاةُ عَلَى الكَوَاكِب متعذِّرَةٌ بالنِّسبة لبَني آدَم، فظَاهِرُ الآيَاتِ أنَّ بَني آدَم خُلِقوا مِن الأرْضِ وَيرْجِعونَ إِلَى الأرْضِ ويُدْعَوْن يَوْم القيامَةِ مِنَ الأرْضِ.
الفائِدَةُ الخامسةُ: إثْبَاتُ الكلامِ للهِ في قوْلِه تَعالَى: {ثُمَّ إِذَا دَعَاكُمْ دَعْوَةً مِنَ الْأَرْضِ} .
* * *