الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وهو أيضًا مَحْمودٌ على أَمْرَيْنِ: على ما له من كمال الصِّفاتِ، وعلى ما له من كمالِ الإِنْعامِ؛ فهو مَحْمودٌ لِكَمالِ صِفاتِهِ ومَحْمودٌ لِكَمالِ إِنْعامِهِ وهنا نقول: الحَميدُ مَحْمودٌ لِكَمالِ غِناهُ وكَمَالِ جُودِهِ بهذا الغِنَى؛ لأنَّه ليس كلُّ غَنِيٍّ يكون مَحْمودًا بِبَذْلِ ما عنده من الغِنَى، لكِنَّ الله عز وجل غنيٌّ حَميدٌ.
قَوْله تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} : {هُوَ} ضميرُ فصل، وضَميرُ الفصل له ثلاثُ فوائِدَ:
1 -
الحَصْر، فالله هو الغَنِيُّ لا غَيْرُهُ، فكما تقول:(زَيْدٌ هو الفاضِلُ)؛ يعني: لا غَيْرُه.
2 -
الفَصْلُ بين الخَبَرِ والصِّفَة؛ يعني: التَّمْييزُ بينهما.
3 -
التَّوْكيد؛ فإذا قلت: (زيدٌ هو القائِمُ) فهذا أَوْكَدُ من قَوْلك: (زيدٌ قائِمٌ).
من فوائد الآية الكريمة:
الْفَائِدَة الأُولَى: أنَّ جميعَ الخَلْقِ مُفْتَقِرونَ إلى الله عز وجل، فمهما بَلَغُوا من الغِنَى والقُوَّة فإنَّهم مُفْتَقِرونَ إلى الله؛ لِقَوْله تعالى:{يَاأَيُّهَا النَّاسُ} وهذا لفظٌ عامٌّ لا يَخْرُج منه شَيْءٌ.
الْفَائِدَةُ الثَّانِيَةُ: بَيَانُ شِدَّةِ حاجَةِ النَّاس إلى الله؛ لِقَوْله تعالى: {أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ} حيث قال: {الْفُقَرَاءُ} بالأَلِفِ واللام، ولو قال:(فقراء) لكان أَهْوَنَ، لكن {الْفُقَرَاءُ} معناها أنَّنا في جميعِ أَحْوالِنا كُلِّها مُفْتَقِرونَ إلى رَبِّنا سبحانه وتعالى.
الْفَائِدَةُ الثَّالِثَةُ: بَيَانُ غِنَى اللهِ عن كُلِّ أَحَدٍ؛ لِقَوْله تعالى: {وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ} .
الْفَائِدَةُ الرَّابِعَةُ: أنَّ لله الغِنى المُطْلَقُ من جميع الوُجُوه، يُسْتَفادُ هذا من قَوْله
تعالى: {الْغَنِيُّ} بـ (أل) الدالَّةِ على العموم والإسْتِيعابِ.
الْفَائِدَةُ الخَامِسَةُ: أنَّ الغِنَى الكامِلَ المُطْلَقَ خاصٌّ بالله سبحانه وتعالى بدليلِ قَوْله تعالى: {هُوَ الْغَنِيُّ} .
فإن قُلْتَ: كيف تجمع بين هذا وبين ثُبوتِ الغِنَى لغَيْرِ الله في الكِتَابِ وفي السُّنَّة، قال الله تعالى:{يَحْسَبُهُمُ الْجَاهِلُ أَغْنِيَاءَ مِنَ التَّعَفُّفِ} [البقرة: 273]، وقال النَّبِيُّ عليه الصلاة والسلام:"تُؤْخَذُ مِنْ أَغْنِيَائِهِمْ فَتُرَدُّ عَلَى فُقَرَائِهِمْ"
(1)
فثَبَتَ بالكِتَاب والسُّنَّة أنَّ البَشَرَ فيهم أغنياءُ؟
فالجواب: أنَّ غنى البَشَرِ غِنًى مَحْدودٌ نِسْبِيٌّ قاصِرٌ قابِلٌ للزَّوالِ كما أنَّه كان حادِثًا، أمَّا غِنَى الله فهو غِنًى مُطْلَقٌ كامِلٌ أزَلِيٌّ أَبَدِيٌّ، ونظير هذا ما ثبت في المُلْك والخَلْق والتَّدبير وما أشبه ذلك.
الْفَائِدَةُ السَّادِسَةُ: الفرق بين قَوْله تعالى: {الْفُقَرَاءُ} و {الْغَنِيُّ} ففيها نوعُ كمالٍ لله سبحانه وتعالى يَتَبَيَّن به نَقْصُ البَشَرِ تِجاهَ كمالِ الله، ونظيرُهُ قَوْله تعالى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ} [الرحمن: 26] ثم قال: {وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ} [الرحمن: 27]{كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ} [القصص: 88] فإنَّ وَصْفَ المَخْلوقِ بالنَّقْص ثم إثْباتُ الكَمالِ لله هذا فيه دليلٌ على كمال الله عز وجل، وأنَّ كَمالَهُ واضحٌ جدًّا؛ لأنَّكَ إذا ذَكَرْت عَيْبَ الآخَرِ تبيَّنَ لك كَمالَ مُقابِلِه.
الْفَائِدَةُ السَّابِعَةُ: أنَّ غِنَى الله سبحانه وتعالى مَقْرونٌ بالحَمْد؛ لِقَوْله تعالى: {الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ} بخلافِ غنى البَشَر فإنَّه قد لا يكون مَحْمودًا؛ إمَّا بالبُخْل، وإمَّا بِكَوْنِه يأتي
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الزكاة، باب وجوب الزكاة، رقم (1395)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدعاء إلى الشهادتين وشرائع الإسلام، رقم (19)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
بدون اسْتِحقاقٍ؛ كالسُّرَّاق واللُّصوصِ فقد يكونون أغنياءَ لكن اكْتَسَبوهُ على غَيْر الوَجْهِ المُباحِ، أمَّا غِنَى الله فهو غِنًى كامِلٌ يُحْمَدُ عليه.
إذن: يُحْمَد من جِهَة الغِنَى، ومن جهة الكَرَمِ بما هو غَنِيٌّ به.
الْفَائِدَةُ الثَّامِنَةُ: إثبات اسْمَينِ من أَسْماء اللهِ، وهما (الغني) و (الحميد).
و(الغَنِيُّ) يدلُّ على صِفَةِ الغِنَى و (الحميدُ) يدلُّ على صِفَة الحَمْد، ومَجْموعُهُما يدلُّ على صِفَةٍ ثالِثَةٍ وهي كمالُ غِناه؛ لأنَّه كما ذَكَرْنا في (القواعِدِ المُثْلى) أنَّه قد يَنْشَأُ من الجَمْع بين وَصْفَينِ صفةٌ ثالِثَة تَحْصُل باقترانِهِما، ومَثَّلْنا هناك بالعزيز والحَكيمِ؛ لأنَّها تَقْتَرِنُ دائمًا بها؛ لأنَّه يَحْصُل باجتماعِهِما وصفٌ أكْمَلُ.
* * *