الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (3)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {يَاأَيُّهَا النَّاسُ اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ فَأَنَّى تُؤْفَكُونَ} [فاطر: 3].
* * *
تصديرُ الخِطابِ بالنِّداءِ يدلُّ على الإهتمامِ به والعِنايَةِ به؛ لأنَّ النِّداءَ يتضَمَّنُ التَّنْبيهَ؛ ولهذا إذا قلْتَ للطَّالِبِ: (يا وَلَدُ) فإنَّه يَنْتَبِهُ، فتصديرُ الحُكْمِ بالنِّداء يدلُّ على العِنايَةِ به؛ لأنَّ النِّداءَ يُفيدُ التَّنْبيهَ.
قال المُفَسِّر رحمه الله: [{يَاأَيُّهَا النَّاسُ} أَهْل مَكَّةَ].
وهذا بلا شَكٍّ قصورٌ؛ لأنَّ النَّاسَ عامٌّ، والواجِبُ علينا في القُرْآن والسُّنَّة أن نُبْقِيَ العامَّ على عُمومِه حتى يقومَ دليلٌ على إِرادَة الخُصوصِ، وإلَّا فإنَّ الواجِبَ إبقاؤُهُ على عُمُومِهِ؛ لأنَّه ليس لنا الحَقُّ في أن نَتَصَرَّفَ في مدلولاتِ الأَلْفاظِ المُخالِفَة لظاهِرِها إلا بِدَليلٍ من المُتَكَلِّم أو من يَتَكَلَّم مبيِّنًا كَلَامَه؛ كالرَّسُولِ عليه الصلاة والسلام، فالنِّداءُ إذن عامٌّ لجميعِ النَّاسِ.
قَوْله تعالى: {اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} المُرَادُ بالذِّكْرِ هنا ذِكْرُ النِّعْمَة بالقَلْبِ، وذِكْرُها باللِّسانِ، وذِكْرُها بالفِعْل (بالجوارِحِ).
فذِكْرُها بالقَلْبِ بأن يتأمَّلَ الإِنْسانُ، من أين أتت هذه النِّعْمَة؟ ومَن الذي خلقه؟ ومن الذي أمَدَّهُ بالرِّزْق وهو في بَطْنِ أمِّه لم يَخْرُجْ بَعْدُ؟ ومن الذي أعَدَّه لقَبُولِ
ما يَمُرُّ به وتَصَوُّره وتَعَقُّله وتَنْفيذه؟
الجواب: الله، فأنت إذا تذكَّرْتَ في قلبك - ونَسْأَلُ الله أن يُعيذَنا وإيَّاكُم مِنَ الغَفْلَةِ - عَرَفْتَ أنَّ ما بكَ من نِعْمَة فهو مِن اللهِ عز وجل، فيتأمَّلُ الإِنْسَانُ: يقول: مَنِ الذي أَوْجَدَني؟ من الذي أمَدَّنِي بالنِّعَم وأنا في بطن أمي، ولا يَسْتَطِيعُ أَحَدٌ أن يُوصِلَ إليه لُقْمَة العَيْشِ أو جَرْعَةَ الماء، ثم مَن الذي أعدَّني وهيَّأَني لأن أكونَ قابِلًا لمِا فيه مَنْفَعَتِي في الدُّنْيا والآخِرَة؟
الجواب: الله عز وجل.
فالنِّعَم إيجادٌ وإمْدادٌ وإعدادٌ، وكُلُّ ذلك من الله عز وجل؛ هذا ذِكْرُها بالقلب.
وأمَّا ذِكْرُها باللِّسان أن يُثْنِيَ على الله بها {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى: 11] فيتَحَدَّثُ بالنِّعَم لا على سَبيلِ الإفْتِخارِ، ولكنْ على سبيل الثَّناءِ.
ذِكْرُها بالجَوارِحِ أن يُرَى أَثَرُ هذه النِّعْمَة عليه، فإن كانت النِّعْمَةُ عِلْمًا رُؤِيَ أَثَرُ هذه النِّعْمَة عليه بِحُسْنِ التَّصَرُّف، والوَقارِ، والسَّكِينَة، والأَدَب، ونَشْر العِلْمِ، والدَّعْوَةِ إلى الله عز وجل، هذا مثال، وإذا كان بِمالٍ يُرَى أثَرُ النِّعْمَة عليه بالإِنْفاقِ فيما يُحِبُّه الله عز وجل من الزَّكاةِ، والنَّفَقاتِ الواجِبَة، والصَّدَقاتِ المُسْتَحَبَّة، والثِّيابِ الجَميلَةِ، وما أَشْبَه ذلك:"إِنَّ الله يُحِبُّ إِذَا أَنْعَمَ عَلَى عَبْدِهِ نِعْمَةً أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَيْهِ"
(1)
هذا ذكرٌ بالجوارِحِ.
ومِن ذِكْر النِّعْمَة بالجَوارِحِ أيضًا أن يقوم بالشُّكْر، والله عز وجل أَمَرَنا بذِكْرِ
(1)
أخرجه الإمام أحمد (4/ 438)، من حديث عمران بن الحصين رضي الله عنه. والترمذي: كتاب الأدب، باب ما جاء إن الله تعالى يحب أن يرى أثر نعمته على عبده، رقم (2819)، من حديث عبد الله بن عمرو بن العاص رضي الله عنهما.
نِعْمَتِه للغايَة؛ وهي كما قال تعالى: {فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ وَاشْكُرُوا لِي وَلَا تَكْفُرُونِ} [البقرة: 152] ليس المُرَادُ أيضًا أن تَذْكُرَ النِّعْمَةَ فقط، بل لا بُدَّ من قَرْنِ هذا الذِّكْرِ بالشُّكْرِ.
فصار الذِّكْرُ يَشْمَلُ ثلاثَةَ أُمورٍ: الذِّكْر بالقَلْبِ، واللِّسانِ، والجوارِحِ.
وَقَوْله تعالى: {نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} : (نِعْمَةَ) مفردٌ مضاف، فيَشْمَلُ جميع النِّعَمِ، وهي كثيرة، كما قال تعالى:{وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَتَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا} [النحل: 18].
قال المُفَسِّر رحمه الله: [{اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بِإِسْكانِكُمُ الحَرَمَ ومَنْعِ الغاراتِ عنكم] هذا التَّفْسيرُ بناءً على أنَّ المُخاطَبَ أَهْلُ مَكَّة، ولكن نقول:{اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} بالنِّعَمِ التي لا تُحْصَى، وهي كثيرةٌ جدًّا كما أسْلَفْنا الأَمْثِلَة عليها، فتكونُ نِعْمَةً بالإيجادِ والإِمْدادِ والإِعْدادِ، كلُّ هذه مِنَ الله عز وجل.
قَوْله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ} يعني: إذا تَقَرَّرَ أنْ شَكَرْتُم نِعْمَةَ الله عليكم فإنَّنا نُوَجِّهُ إليكم هذا السُّؤالَ المُتَضَمِّنَ للنَّفْيِ.
قال: [{هَلْ مِنْ خَالِقٍ}: {مِنْ} زائِدَةٌ، {خَالِقٍ}: مُبْتَدَأ، {غَيْرُ اللَّهِ} بالرَّفْعِ والجَرِّ نعتٌ لـ {خَالِقٍ} لفظًا ومَحَلًّا، وخَبَرُ المُبْتَدَأ {يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ}].
{هَلْ} : حرفٌ فهي أداة اسْتِفْهام.
و{مِنْ} زائِدَةٌ زائِدَة، وكيف (زائِدَةٌ زائِدَة)؟ أي: زائِدَةٌ لَفْظًا زائِدَةٌ للمَعْنى؛ لأنَّها تُفيدُ توكيدَ النَّفْيِ والتَّنْصِيصَ على الأُمُور، و {خَالِقٍ} إذن مُبْتَدَأ مرفوع بضَمَّةٍ مُقَدَّرَة على آخِرِه مَنَعَ من ظُهورِها اشْتِغالُ المَحَلِّ بحركَةِ حَرْفِ الجَرِّ الزَّائِد.
و {غَيْرُ اللَّهِ} فيه قراءتان (غَيْرُ) و (غَيْرِ)، وكلاهُما صحيحٌ، أمَّا على قِراءَة الجَرِّ (غيرِ الله) فهي صِفَةٌ تابعةٌ لِلَفْظِ {خَالِقٍ} لأنَّ {خَالِقٍ} مَجْرورٌ، وأمَّا على قِراءَة الرَّفْعِ فهي صِفَةٌ تابعةٌ لمَحَلِّ {خَالِقٍ} ؛ لأنَّ محلَّه الرَّفْع على الإبْتِداء.
ولهذا قال المُفَسِّر رحمه الله: [بالرَّفْعِ والجَرِّ نعتٌ لخالِقٍ لفظًا ومَحَلًّا] في كَلَام المُفَسِّر رحمه الله لفٌّ ونشرٌ مُشَوَّش، ونقول:(غيْرُ مُرَتَّبٍ) إذا صار في القُرْآن أو في الحديثِ، أمَّا في كَلَامِ النَّاسِ فنقول:(مُشَوَّش).
فهو (بالرَّفْع والجَرِّ نَعْتٌ لخالِق) لو كان مُرَتَّبًا لقال: (نَعْتٌ لخالقٍ محلًّا)؛ لأنَّه بالرَّفْعِ يكون نعتًا للمَحَلِّ، وبالجَرِّ يكون نعتًا للَّفْظ.
وعلى كُلِّ حالٍ: {غَيْرُ اللَّهِ} فيها قراءتان، ولكلٍّ منهما وجْهٌ في اللُّغَة العَرَبِيَّة.
قال المُفَسِّر رحمه الله: قَوْله [{يَرْزُقُكُمْ}: خَبَرُ المُبْتَدَأ] هل الفِعْلُ نَفْسُه خَبَرُ المُبْتَدَأ أو الجُمْلَة؟
الجواب: الجُمْلَة، لكنَّهُم عند الإِعْراب يتساهَلونَ فمثلًا يقول:(فلانٌ في المَسْجِد) يقولُ: (في المسجد): جارٌّ ومَجْرورٌ خَبَرُ المُبْتَدَأ.
قَوْله تعالى: {هَلْ مِنْ خَالِقٍ} استِفْهامٌ بمَعْنى النَّفْي، وقد ذَكَرْنا سابقًا أنَّ الإسْتِفْهامَ إذا كان بمَعْنى النَّفْيِ فإنَّه مُشْرَبٌ مَعْنى التَّحَدِّي؛ يعني: لو قال: (لا خَالِقَ غَيْرُ اللهِ يَرْزُقكُمْ) استقامَ الكَلَامُ، لكن إذا قال:(هل من خالِقٍ) صار أَبْلَغَ؛ لأنَّه يَتَضَمَّن النَّفْيَ والتَّحَدِّيَ، كأنَّه يقول:(أروني خالِقًا غَيْرَ الله يَرْزُقُكم من السَّماء والأَرْض) كما قال الله تعالى في آيَةٍ أخرى: {أَرُونِي مَاذَا خَلَقُوا مِنَ الْأَرْضِ} [فاطر: 40].
وَقَوْله تعالى: {خَالِقٍ} الخَلْقُ في اللُّغَةِ: التَّقْديرُ، ومنه قَوْلُ الشَّاعِرِ:
وَلأَنْتَ تَفْرِي مَا خَلَقْتَ
…
وَبَعْضُ النَّاسِ يَخْلُقُ ثُمَّ لَا يَفْرِي
(1)
فَقَوْله: (تَفْرِي مَا خَلَقْتَ)؛ يعني: ما قدَّرْتَ، ولكنه يُطْلَقُ على الإيجادِ المَسْبوقِ بتَقْديرٍ، فهنا {خَالِقٍ} بمَعْنى مُوجِدٍ إيجادًا مَسْبوقًا بتَقْديرٍ، وَقَوْله تعالى {هَلْ مِنْ خَالِقٍ غَيْرُ اللَّهِ يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ} ؟
الجواب: لا، لا خالِقَ غَيْرُ الله يَرْزُقُنا من السَّماء والأَرْضِ، وقد سبق لنا مِرارًا على نَفْيِ الخَلْقِ عمَّا سِوى الله، وقلنا: إنَّه قد جاءت نُصُوصٌ تَدُلُّ على أنَّ غَيْرَ الله يَخْلُق.
وأَجَبْنا على ذلك بأنَّ خَلْقَ غَيْر الله ليس إيجادًا، ولكنه تَحْويلٌ من صُورَةٍ إلى صورَةٍ، وأيضًا ليس عامًّا، وكذلك خَلْقُ غَيْرِ اللهِ هو مِنْ خَلْقِ اللهِ في الواقِعِ {وَاللَّهُ خَلَقَكُمْ وَمَا تَعْمَلُونَ} [الصافات: 96] حتى لو أنَّنِي الذي خلَقْتُ هذا الشَّيْءَ يعني: أَوْجَدْتُه؛ بمَعْنى: غَيَّرْتُه من حالٍ إلى حالٍ، فإنَّ فِعْلي هذا مخلوقٌ لله عز وجل، فعليه نقول: إنَّ الخالِقَ الحَقيقِيَّ هو الله.
وَقَوْله تعالى: {يَرْزُقُكُمْ} بمَعْنى يُعْطيكُم؛ لأنَّ الرِّزْق بمَعْنى العَطاءِ؛ كما في قَوْلِه تعالى: {فَارْزُقُوهُمْ مِنْهُ} [النساء: 8].
قَوْله تعالى: {مِنَ السَّمَاءِ} فسَّرَ المُفَسِّر رحمه الله الرِّزْقَ من السَّماءِ بالمَطَرِ، وهذا لا شكَّ أنَّه داخِلٌ فيه؛ فإنَّ المَطَرَ من الرِّزْق النَّازِل من السَّماءِ، وهل هناك رِزْقٌ غَيْرُه يَنْزِلُ من السَّماء؟
نعم، الوَحْيُ وهو رِزْقٌ مَعْنَوِيٌّ.
(1)
البيت لزهير بن أبي سلمى، انظر: ديوانه (ص 32).
ولماذا لا نقول: الطُّيُور مطلقًا؛ كما قال تعالى: {أَلَمْ يَرَوْا إِلَى الطَّيْرِ مُسَخَّرَاتٍ فِي جَوِّ السَّمَاءِ} [النحل: 79] فهي تَنْزِلُ من السَّماء وهي رِزْقٌ للعِبادِ أيضًا؟
والجوابُ: هي رِزْقٌ من الأَرْضِ ومِنَ السَّماء.
ويُمْكِن أن نقول: إنَّ الطَّلَّ مِنَ الرِّزْقِ الذي هو المَطَر (الرُّطوبَة)، وهي من السَّماء أيضًا وهي رِزْقٌ؛ لأنَّها تَنْفَعُ الأَشْجار.
قَوْله: [{مِنَ السَّمَاءِ} ومِن (الْأَرْضِ)] قدَّرَ {مِّنَ} إِشَارَة إلى أن (الأَرْضَ) معطوفةٌ على السَّماء.
قَوْله: [{يَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ} المَطَرَ، ومِنَ (الْأَرْضِ) النَّباتَ]، وهذا صحيح، لكنه قاصِرٌ؛ لأنَّ الرِّزْقَ من الأَرْض أكْثَرُ من النَّباتِ، فالرِّزْق من الأَرْض يَشْمَلُ النَّباتَ والمَعادِنَ، والمياه؛ وغيْرُ ذلكَ كَثْيرٌ من الأَرْضِ.
وَقَوْله: [والإسْتِفْهامُ للتَّقْريرِ؛ أي: لا خالِقَ رازِقٌ غَيْرُه] قَوْله: [للتَّقْريرِ] ثم قال: أي: [لا خالِقَ] هذا شِبْهُ تناقُضٍ؛ لأنَّ قَوْله: [لا خالِقَ] يقتضي أن يكون معناه النَّفْيَ، وهو كذلك، فهو للنَّفْيِ المُشْرَبِ بالتَّحَدِّي، وأنَّه لا خالِقَ إلا الله، وإذا كان لا خالِقَ إلا اللهُ سبحانه وتعالى، فإنَّ الواجِبَ أن نعبد الله وَحْدَه، قال الله عز وجل:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 163]؛ أي: (لا معبود حقٌّ إلا هو)، وكيف تعلمونَ أنَّه لا رازِقَ يَرْزُقُنا من السَّماء والأَرْض إلا اللهُ، ثم تذهبون فتَعْبدونَ غَيْره؟ ! هل هذا إلا نَقْصٌ في التَّصَوُّر، ونقصٌ في العَقْلِ أيضًا والتَّصَرُّفِ؟ ! فهو نَقْصٌ في التَّصَوُّر والعقل والتَّصَرُّف.
فإذا كان لا رازِقَ إلا اللهُ كيف تَعْبُد اللَّاتَ والعُزَّى ومَناةَ وهُبَلَ، والأشْجارَ
والأَحْجارَ، والشَّمْس والقَمَر، والبَقَر أيضًا، فيوجَدُ أناسٌ يَعْبدونَ البَقَرَ، وأنَّه إذا مَرَّتِ البَقَرَة على طريقِ القِطارِ الحَديدِ فإنَّه يجب أن يَقِفَ ولو تكَسَّرَ كلُّ مَن فيه، وطبعًا القطارُ يَمْشِي بِسُرْعَة إذا وقف تصادَمَتِ الأقراص، ومات مَنْ فيها، أو تَكَسَّر، ومع ذلك يقول هؤلاء يجب أن تَقِفَ؛ لأنَّ هذه إله، أو أن تَدْخُل دكَّانه وتأكُلَ ما شاءت وتَدَعَ ما شاءت!
هل هذه عُقُولٌ؟ ! الجواب: لَيْسَت عُقُولًا، وكانوا في الجاهِلِيَّة يصنعون آلِهَة من التَّمْر، فإذا جاعوا أَكَلوها، أكلوا الإِله، فإذا كان الله عز وجل هو الرَّازِقَ وَحْدَه بإقْرارِكُم واعْتِرافِكُم فيجب أن يكون هو المَعْبودَ وَحْدَه؛ لِقَوْلِه تعالى:{لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ} [البقرة: 163].
وأمَّا إِعْرابُ هذه الجُمْلَةِ العَظيمَةِ التي بها يَدْخُل الإِنْسَانُ في الإِسْلام أو يَخْرُج؛ يَدْخُل إن نَطَقَ بها، ويَخْرُج إن أَنْكَرَها.
فإِعْرابُها فيه سِتَّةٌ أَوْجُهٍ للنَّحْوِيِّينَ، وألَّفَ بَعْضُ العُلَماءِ رسالَةً في ذلك، ولكن أَحْسَنُ ما يُقالُ في إِعْرابها أنَّ:(لا): نافِيَةٌ للجِنْسِ، و (إلَه): اسْمُهَا، وخَبَرُها مَحْذُوفٌ تَقْديرُهُ:(حَقٌّ)؛ أي: لا إِلَه حَقٌّ و (إلا): أداة استثناء، و (الله): بدلٌ من الخَبَرِ المَحْذوفِ.
وهل النَّفْيُ هنا مُسَلَّطٌ على (الوجود) أو على الوجود بِحَقٍّ؟
الجواب: (على الوُجودِ بِحَقٍّ)؛ لأنَّ هناك آلِهَةً دون الله تُعْبَدُ، لكن لَيْسَتْ بِحَقٍّ، قال الله تعالى:{فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ} [الشعراء: 213]، وقال:{فَمَا أَغْنَتْ عَنْهُمْ آلِهَتُهُمُ الَّتِي يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ} [هود: 101]، فالآلِهَة موجودَةٌ، لكنَّها لا تَسْتَحِقُّ أن تكون آلهةً؛ إذ ليس لها رُبوبِيَّة.