الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الآية (4)
* * *
* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} [فاطر: 4].
* * *
قال المُفَسِّر رحمه الله: [{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} يا مُحَمَّدُ في مَجيئِكَ بالتَّوْحيدِ والبَعْثِ، والحِسابِ والعقابِ، {فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ}].
قَوْله تعالى: {وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} : (إنْ) هنا شَرْطِيَّةٌ، وفِعْلُ الشَّرْط {يُكَذِّبُوكَ} وجوابه {فَقَدْ كُذِّبَتْ} واقْتَرَن بالفاء؛ لأنَّه مُصَدَّرٌ بـ (قد).
{وَإِنْ يُكَذِّبُوكَ} أي: يَنْسِبوكَ إلى الكَذِب، فيقولون: إنَّكَ كاذِبٌ، لست رسولًا مِنَ الله عز وجل، بل أنت ساحِرٌ ومَجْنونٌ وكاهِنٌ وشاعِرٌ وما أشبه ذلك، وبَعْضُهم يقول: لا بَعْثَ ولا جزاءَ ولا حِسابَ ولا عِقابَ، إن كَذَّبوك فهذا أمرٌ ليس بِبِدْعٍ مِن بني آدم وليس غريبًا من صنيعِ بني آدَمَ.
{فَقَدْ كُذِّبَتْ رُسُلٌ مِنْ قَبْلِكَ} مَنْ كَذَّبَهُم؟ كَذَّبَهُم أَقْوامُهُم حتى قال الرَّسُولُ عليه الصلاة والسلام: "فَرَأَيْتُ النَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّهْطُ وَالنَّبِيَّ وَمَعَهُ الرَّجُلُ والرَّجُلان، وَالنَّبِيَّ وَلَيْسَ مَعَهُ أَحَدٌ"
(1)
حتى إنَّ نوحًا عليه الصلاة والسلام لَبِثَ في قَوْمِه ألْفَ سنةٍ إلا خَمْسينَ
(1)
أخرجه البخاري: كتاب الرقاق، باب يدخل الجنة سبعون ألفًا بغير حساب، رقم (6541)، ومسلم: كتاب الإيمان، باب الدليل على دخول طوائف من المسلمين الجنة بغير حساب ولا عذاب، رقم (220)، من حديث ابن عباس رضي الله عنهما.
عامًا يَدْعوهُم سرًّا وجَهْرًا، وبالتَّوْبيخِ وبالوعد، ومع ذلك ما آمَنَ معه إلا قليلٌ.
وَقَوْله تعالى: {رُسُلٌ} التَّنْكيرُ هنا للتَّكْثيرِ والتَّعْظيم؛ أي: رُسُلٌ كثيرةٌ ورُسُلٌ عَظيمَة أيضًا كُذِّبَت؛ كُذِّبَ نوحٌ، وكُذِّبَ إبراهيمُ، وكُذِّبَ مُوسى، وكُذِّب عيسى، وهؤلاء هم أولو العَزْمِ من الرُّسُل، وآخِرُ الرُّسُلِ كُذِّبوا، فتَكْذيبُكَ إِذَن ليس بِبِدْعٍ.
ويُرادُ بهذا تَسْلِيَة النَّبِيِّ عليه الصلاة والسلام، فإنَّ الإِنْسانَ إذا عَلِمَ أنَّ غَيْره أُصيبَ بِمِثْل مُصيبَتِه تسلَّى بذلك؛ لو أنَّ أَحَدًا أصيب بحادِثٍ، ثم رَأَيْنا الحوادِثَ فيها من انْكَسَرَتْ يَدُه، ومن انْكَسَرَتْ أُصْبُعُه، ومن انْكَسَرَ فَخِذُه، ومن انكسر صُلْبُه، فقام الذي انْكَسَرَتْ أُصْبُعُه يَصيحُ وَيتَضَجَّر، قلنا له: فلان انكسر صُلْبُه، فيَخِفُّ عليه الأَلَمُ وينساه؛ لأن تَسَلِّيَ النَّفْس بالغَيْرِ له أثرٌ عظيمٌ، قال الله تعالى:{وَلَنْ يَنْفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ} [الزخرف: 39]، فاشْتِراكُكُم في العذاب لن يُخَفِّفَ عنكم كما هو الشَّأْن في حال النَّاسِ في الدُّنْيا، وقالت الخَنْساءُ تَرْثي أخاها صَخْرًا
(1)
:
وَلَوْلَا كَثْرَةُ الْبَاكِينَ حَوْلِي
…
عَلَى إِخْوَانِهِمْ لَقَتَلْتُ نَفْسِي
وَمَا يَبْكُونَ مِثْلَ أَخِي وَلَكِنْ
…
أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي
قالتْ: (أُسَلِّي النَّفْسَ عَنْهُ بِالتَّأَسِّي) أقول: هذه مات أخوها، وهذه مات أخوها، وهذه مات أخوها، فأَنتِ وغيرُكِ سواءٌ.
قَوْله تعالى: {وَإِلَى اللَّهِ تُرْجَعُ الْأُمُورُ} هنا الجارُّ والمَجْرورُ مُتَعَلِّق بـ {تُرْجَعُ} وقُدِّم لإفادَةِ الحَصْرِ؛ يعني: إلى الله لا غَيْرِهِ تُرْجَع الأُمُور، وقد يقال: إنَّه قُدِّمَ أيضًا لفائِدَةٍ
(1)
ديوان الخنساء، ط. دار المعرفة (ص: 72)، الكامل للمبرد (1/ 16).