المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌الآية (42) * * *   * قَالَ اللهُ عز وجل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ - تفسير العثيمين: فاطر

[ابن عثيمين]

فهرس الكتاب

- ‌تقديم

- ‌الآية (1)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (2)

- ‌الآية (3)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (4)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (5)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (6)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (7)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (8)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (9)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (10)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (11)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (12)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآيتان (13، 14)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (15)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (16)

- ‌الآية (17)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (18)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (19)

- ‌الآية (20)

- ‌الآية (21)

- ‌الآية (22)

- ‌من فوائد الآيات الكريمة (19 - 22):

- ‌الآية (24)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (25)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (26)

- ‌الآية (27)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (28)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (29)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (30)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌(الآية: 31)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (32)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (33)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (34)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (35)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (36)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (37)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (38)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (39)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (40)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (41)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (42)

- ‌الآية (43)

- ‌من فوائد الآيتين الكريمتين:

- ‌الآية (44)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

- ‌الآية (45)

- ‌من فوائد الآية الكريمة:

الفصل: ‌ ‌الآية (42) * * *   * قَالَ اللهُ عز وجل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ

‌الآية (42)

* * *

* قَالَ اللهُ عز وجل: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} [فاطر: 42].

* * *

ثم قال الله سبحانه وتعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} أقسموا؛ قال المُفَسِّر رحمه الله: [أي كُفَّار مَكَّة] وهذا يَحْتَمِلُ ما قاله رحمه الله من أنَّ الضَّمير يعود على كُفَّار مَكَّة، ويُحْتَمَل أنَّه أَعَمُّ وأنَّ من النَّاس من أَقْسَموا وهم من غَيْرِ كُفَّار مَكَّة.

وَقَوْله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ} أي حَلَفُوا به، وَقَوْله تعالى:{جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ} أي غايَةَ الأَيْمانِ؛ يعني: الأَيْمان التي بذلوا فيها الجَهْد وهي أَيْمانٌ مُغَلَّظَة بصيغتها كمِّيَّةً وكَيْفِيَّةً، فالأَيْمانُ المُغَلَّظَة بصيغتها كمِّيَّة وكَيْفِيَّة هي الأَيمان التي بَلَغَتِ الجَهْدَ؛ أيك غايَةَ الطَّاقَةِ بالنِّسْبَة للمُقْسِم.

والأَيمانُ - كما قال العُلَماء رحمهم الله تُغَلَّظُ بالكمِّيَّة والكَيْفِيَّة والزَّمان والمَكانِ والهَيْئَة؛ خَمْسَةُ أشياءَ:

1 -

بالكمِّيَّة؛ مثل: أن يقول: واللهِ واللهِ الذي لا إلهَ إلا هو العظيمُ العزيزُ الغالِبُ، وما أشبه ذلك من الأَسْماءِ التي تدُلُّ على الإنتقام فيما لو كان الإِنْسَانُ كاذِبًا.

2 -

بالكَيْفِيَّة؛ بأن يأتي بها يعني بانفعالٍ شديدٍ يدلُّ على تَأَثُّرِه بالقَسَمِ.

ص: 294

3 -

وأمَّا في الزَّمان؛ فأن تكون بعد صلاة العَصْرِ؛ كما قال الله سبحانه وتعالى: {تَحْبِسُونَهُمَا مِنْ بَعْدِ الصَّلَاةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللَّهِ} [المائدة: 106] أي: من بعد صلاة العَصْرِ.

4 -

وفي المكان؛ بحيث يكون الإقسامُ في مكانٍ فاضِلٍ، وأَفْضَلُ الأَماكِنِ في البلدان المساجِدُ، قالوا: وتكون عند المِحْرابِ أو المِنْبَر في الجوامِعِ وعند الكَعْبَة؛ بَعْضُهُم قال تَحْتَ الميزابِ وفي الرَّوْضَة في المدينةِ.

5 -

وفي الهَيْئَةِ؛ بأن يكون قائِمًا لأنَّه يَحْلِفُ وهو قائم، قال العُلَماءُ رحمهم الله: لأنَّ العُقُوبَةَ أَقْرَبُ إلى القائِمِ منها إلى القاعِدِ.

فهذه خَمْسَةُ أشياء في تغليظِ اليمينِ.

لكن هل هؤلاء الكُفَّارُ أَقْسَموا جَهْدَ أَيْمانِهِم على هذه بهذه التَّغْليظاتِ الخَمْسَة؟ الله أعلم.

وعلى كُلِّ حالٍ: هم بذلوا أَقْصى ما يَسْتَطِيعون من اليَمينِ: {لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} .

وَقَوْله تعالى: {لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} هذه الجُمْلَة نقول في إِعْرابها كما قلنا في الجُمْلَة الأولى {وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا} اجتمع فيها شَرْطٌ وقَسَم وحُذِفَ جواب الشَّرْط، ولهذا جاءتِ اللَّام في الجواب:{لَيَكُونُنَّ} ولو كان المَحْذُوفُ جوابَ القَسَمِ لم تأتِ اللَّام في الجوابِ؛ لأنَّ جواب الشَّرْط لا يَحْتاجُ إلى اللَّام وإنَّما يُرْبَطُ بالفاء في مَحَلِّه وبِحَذْفِها ولا يحتاج إلى رابِطٍ إذا لم يكن من المواضِعِ السَّبْعَة المَعْروفَةِ.

يقول الله عز وجل: {لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} بمَعْنى مُنْذِرٍ، وهو الرَّسُولُ {لَيَكُونُنَّ

ص: 295

أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} قَوْله تعالى: {لَيَكُونُنَّ} بِضَمِّ النُّونِ وهو مُشْكِلٌ: كيف ضُمَّتِ النون، والمَعْروف أنَّ الفِعْلَ المُضارِعَ مع نون التَّوْكيد يُبْنَى على الفَتْحِ؛ كما في قَوْلِه تعالى:{لَيُنْبَذَنَّ فِي الْحُطَمَةِ} [الهَمْزَة: 4] وهنا قال: {لَيَكُونُنَّ} ؟

والجوابُ على ذلك: أنَّ نون التَّوْكيد لا يُبْنَى معها الفِعْلُ إلا إذا كانت مباشِرَةً له لَفْظًا وتَقْديرًا، والنون هنا مباشِرَةٌ للفِعْلِ لَفْظًا لَكِنَّها غَيْرُ مباشرة له تَقْديرًا؛ لأنَّ الفِعْلَ هنا للجماعَةِ وليس للمُفْرَدِ، وأصله (يكونُونَنَّ) فحُذِفَتِ النُّونُ لتَوالِي الأَمْثالِ؛ لأنَّهم يقولون إنَّ العرب يَكْرَهونَ أن تَجْتَمِعَ ثلاثُ كَلِماتٍ من نوعٍ واحِدٍ بَعْضها إلى بَعْضٍ فيحذفون أَوْلَاهَا بالحَذْفِ، وأولاها بالحَذْف على حَسَب قياسِهِم نونُ الرَّفْعِ؛ لأن حذفها معتادٌ، ولأن نون التَّوْكيد جاءت لمَعْنًى لو حُذِفَتْ لاخْتَلَّ ذلك المَعْنى؛ لأنَّها جاءت للتَّوْكيدِ فلا نَحْذِفُها، لكن نحذف نون الرَّفْع؛ لأن حَذْفَها معتادٌ؛ فحذفنا نونَ الرَّفْعِ، وهي النونُ الأولى من الثَّلاثَة؛ بَقِيَتِ الواو تَلي النونَ، والنون حرفٌ مُشَدَّدٌ في هذا التَّركيبِ والحَرْفُ المُشَدَّد أَوَّلُه ساكِنٌ فحذفنا الواو لالتقاءِ السَّاكنَيْنِ فصارَتْ {لَيَكُونُنَّ} حَذَفْنا الواوَ التي بين نونِ الفِعْل؛ لأنَّ النون في (يَكُونُنَّ) نون الفِعْل؛ ولهذا ما حذفناها لأنَّها أَصيلَةٌ، وحذفنا الواو لالتقاء الساكنينِ.

فإن قال قائل: عندنا الآنَ ثلاثُ نوناتٍ، فلماذا لا تحذفوا واحِدَةً منها؟

فالجواب: أولًا: أنَّ هذه النونات ليست مُتَّصِلَةً تَقْديرًا، يعني ليس بعضها متصلًا ببعضها الآخر من حيثُ التَّقْديرُ؛ لأنَّ كان قد فصل بينهما الواوُ التي حذفناها لالتقاءِ السَّاكِنَيْنِ.

ثانيًا: أنَّ النون التي بعد الواو في {لَيَكُونُنَّ} النون الموجودة الآن نون الفِعْل فهي من بِنْيَةِ الكَلِمَة ولا يُمْكِن أن تُحْذَفَ.

ص: 296

على كُلِّ حالٍ: يَجِبُ أن نَعْرِفَ الفَرْقَ بين (لَيَكُونَنْ) وبين (لَيَكُونُنَّ)؛ ففي القُرْآن (لَيَكُونَنْ) كقَوْله تعالى: {لَيُسْجَنَنَّ وَلَيَكُونًا مِنَ الصَّاغِرِينَ} [يوسف: 32].

ففرق بين لَيَكُونَنْ وبَيْنَ ليَكُونُنَّ:

فَقَوْله: (لَيَكُونَنْ) هذه للواحِدِ؛ ولهذا بُنِيَ الفِعْل معها على الفَتْحِ لاتصاله بنون التَّوْكيدِ لفظًا وتَقْديرًا، و (ليكونُنَّ) للجماعة؛ ولهذا لم يُبْنَ الفِعْل معها؛ لأن نون التَّوْكيدِ لم تُباشِرْه تَقْديرًا.

إذن: نون التَّوْكيد لا يُبْنى معها الفِعْل إلا إذا كانت مباشِرَةً له لفظًا وتَقْديرًا، وفي هذه الجُمْلَة:{لَيَكُونُنَّ} لم تباشِرْه تَقْديرًا، أمَّا لفظًا فقد باشَرَتْه، وإنَّما قلنا لم تُباشِرْه تَقْديرًا؛ لأَنَّه حُذِفَ منها واوُ الجماعة، فلم تباشِرْه تَقْديرًا.

وَقَوْله تعالى: {أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} : {أَهْدَى} هذه خَبَر (يكون) فهي منصوبَةٌ به بالفَتْحَة المُقَدَّرَة على الألف منعَ من ظهورها التَّعَذُّر، وهو اسْم تَفْضيلٍ.

وَقَوْله تعالى: {مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى وَغَيْرِهمْ؛ أَيْ: أَيِّ وَاحِدَة مِنْهَا؛ لمِا رَأَوْا مِنْ تَكْذِيبِ بَعْضِهِمْ بَعْضًا؛ إذْ قَالَتِ الْيَهُودُ لَيْسَتِ النَّصَارَى عَلَى شَيْءٍ وَقَالَتِ النَّصَارَى لَيْسَتِ الْيَهُودُ عَلَى شَيْءٍ].

وَقَوْله تعالى: {أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} فأَتَوْا بـ {إِحْدَى} الدَّالَّة على الإبهام، فلم يقولوا: أَهْدَى من النَّصارى ولا أَهْدى من اليهودِ، بل قالوا: أهدى من إِحْدى الأُمَم؛ لأنَّ الأَمْر الْتَبَسَ عليهم؛ حيث إنَّ اليهود يقولون لَيْسَتِ النَّصارى على شَيْء والنَّصارى يقولون لَيْسَتِ اليَهودُ على شَيْء، وهؤلاء المُشْرِكونُ - كُفَّار مَكَّة - أُمَّةٌ جاهِلِيَّة لا يَدْرونَ مَنِ الحَقُّ معه، فلم يقولوا: أهدى من النَّصارى ولا أهدى من

ص: 297

اليهود، بل قالوا: أهدى من إحداهُما؛ أهدى من أيِّ واحِدَةٍ؛ لأنَّ الأَمْرَ عندهم الْتَبَس.

ولكن يبقى النَّظَر: ما هو الدَّليلُ على تَخْصيصِ كَلِمَة {الْأُمَمِ} بالأُمَّتَيْنِ اليَهودِيَّة والنَّصْرانِيَّة، ولماذا لا يقال إنَّها أَعَمُّ من اليهود والنصارى، فهناك مَجوسٌ يدينون بعِبَادَة النِّيرانِ، ويُمْكِن أن يُوجَدَ أناسٌ آخرون يدينون بديانةٍ أخرى؟

الجواب: إمَّا أن نَلْتَزِمَ بالعموم ونقول: إنَّهم يقولون أهدى من إحدى الأُمَمِ؛ من أيِّ أُمَّةٍ كانَتْ من اليهود أو النَّصارى أو المجوس أو الوَثَنِيِّينَ الذين يعتقدون أنَّهم على دينٍ أو ما أشبه ذلك، فكأنَّهم يقولون أهدى مِنْ كُلِّ الأُمَمِ، لكن لم يُعَيِّنوا لأنَّهم لم يَدْرُوا مَن هو الذي على حَقٍّ.

وإما أن يُقالَ خُصَّ هذا الجانِبُ بأُمَّتينِ فقط لأنَّ المَعْروفَ أنَّهم على دينٍ هُمُ اليهود والنَّصارى.

وقوله تعالى: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} هنا قال الله عز وجل: {فَلَمَّا جَاءَهُمْ نَذِيرٌ} ولم يَقُل: فلما جاءهم الرَّسُولُ؛ ليطابِقَ ما قالوه حتى يكون أبْلَغَ في إلزامِهِم بما قالوا؛ لأنَّهم قالوا: إن جاءهم نذيرٌ ليكُونُنَّ، فلما جاءهم نذيرٌ على حَسَبِ ما فرضوه وما قَدَّروه: جاء الأَمْرُ كذلك؛ فلما جاءهم نذيرٌ كما يقولون هم، والمُرَادُ به مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم بلا شَكٍّ، ولكن - كما أشرت - نُكِّرَ ولم يُعرَّفْ متابعةً لكَلَامِهِم؛ حيث قالوا لئن جاءنا نذيرٌ؛ يعني: فلمَّا جاءهم نذيرٌ، وكما طلبوا تمامًا وباللَّفْظِ:{مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} .

وَقَوْله تعالى: {فَلَمَّا} هنا شَرْطِيَّةٌ، وفِعْلُ الشَّرْطِ {جَاءَهُمْ} وجوابه {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} .

ص: 298

و (لمَّا) تأتي في اللُّغَة العَرَبِيَّة على أَوْجُه:

أَحَدها - كما هنا -: شَرْطِيَّة.

والثاني: أن تأتي جازِمَةً كـ (لَمْ) إلا أنَّه بينهما فروقًا ليس هذا مَوْضِعَ ذِكْرِها؛ لأنَّنا لا نَتَكَلَّمُ عن النَّحْو؛ كقَوْله تعالى: {بَلْ لَمَّا يَذُوقُوا عَذَابِ} [ص: 8] أي: بل لم يذوقوا عذابي، ولَكِنَّهم حَرِيُّونَ بأن يَذوقوه.

والثالث: أن تكون بمَعْنى (إلَّا) كقَوْله تعالى: {إِنْ كُلُّ نَفْسٍ لَمَّا عَلَيْهَا حَافِظٌ} [الطارق: 4] أي: إلا عليها حافظ.

والرابع: أن تكون بمَعْنَى (حين) مُجَرَّدَةً عن الشَّرْطِ؛ مثل أن تقول: زُرْتُكَ لمَّا طَلَعَ الصُّبْحُ؛ أي: حين طَلَعَ الصُّبْحُ.

فهذه أربعة معانٍ لـ (لمَّا).

وَقَوْله تعالى: {مَا زَادَهُمْ إِلَّا نُفُورًا} : {مَا زَادَهُمْ} قال المُفَسِّر رحمه الله: [مَجيئُه] يعني أنَّهم جاءَهُم نذيرٌ كما فرضوا ولَكِنَّهم ما كانوا أهدى من إحدى الأمم، بل لم يَزِدْهُم إلا نفورًا عن الحَقِّ وبُعْدًا عن اتّباعِهِ؛ قال:[تَباعدًا عن الهُدى] والعياذُ بالله.

وهذا أمرٌ مُشاهَد؛ فإنَّ قريشًا لما بُعِثَ فيهم النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم نَفروا منه وآذَوْه بالقَوْلِ وبالفِعْلِ، ووَصَموه بِكُلِّ عَيْبٍ، وكانوا قبل أن يُبْعَثَ يُجِلُّونَه ويَحْتَرِمونَه ويُسَمُّونَه (الأَمينَ) فلما بُعِثَ لم يكن أمينًا وكأنَّه رَجُلٌ غَيْرُ الرَّجُلِ الذي كانوا يَعْرِفونه! ! كُلُّ هذا يُكَذِّبُ قَوْلَهم:{لَئِنْ جَاءَهُمْ نَذِيرٌ لَيَكُونُنَّ أَهْدَى مِنْ إِحْدَى الْأُمَمِ} [فاطر: 42].

* * *

ص: 299