المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

صار مؤمنا، لا يأمرني إلا بخير، ورجح النواوي الفتح لقوله: - تفسير حدائق الروح والريحان في روابي علوم القرآن - جـ ١٠

[محمد الأمين الهرري]

الفصل: صار مؤمنا، لا يأمرني إلا بخير، ورجح النواوي الفتح لقوله:

صار مؤمنا، لا يأمرني إلا بخير، ورجح النواوي الفتح لقوله:«فلا يأمرني إلا بخير» .

والوجه الثالث: يحتمل أن يكون الخطاب للنبي صلى الله عليه وسلم، والمراد به غيره، ومعناه: وإمّا ينزغنّك أيها الإنسان من الشيطان نزع .. فاستعذ بالله، فهو كقوله:{فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ} .

قال القاضي عياض: واعلم أنّ الأمة مجمعة على عصمة النبي صلى الله عليه وسلم من الشيطان في جسمه وخاطره ولسانه، وفي هذا الحديث المذكور آنفا إشارة إلى التحذير من فتنة القرين ووسوسته وإغوائه، أعلمنا أنّه معنا لنحترز عنه بحسب الإمكان. والله أعلم.

‌201

- ثم بين سبحانه طريق سلام من يستعيذ من الشيطان من الوقوع في المعصية فقال: {إِنَّ الَّذِينَ اتَّقَوْا} ؛ أي: إن الذين اتصفوا بوقاية أنفسهم عما يضرها {إِذا مَسَّهُمْ} وأصابهم {طائِفٌ مِنَ الشَّيْطانِ} ؛ أي: شيء قليل من وسوسة الشيطان، وخاطر منه {تَذَكَّرُوا} ما أمرهم الله به، من ترك إمضاء الغضب، ومن أنّ الإنسان إذا أمضى الغضب .. كان شريكا للسباع المؤذية والحيات القاتلة، وإن تركه واختار العفو .. كان شريكا لأكابر الأنبياء والأولياء والصالحين، ومن أنّه ربما انقلب ذلك الضعيف الذي يريد أن يعدو عليه قويا قادرا على الغضب، فحينئذ ينتقم منه على أسوأ الوجوه، أما إذا عفا كان ذلك إحسانا منه إلى ذلك الضعيف {فَإِذا هُمْ مُبْصِرُونَ} بسبب التذكر مواقع الخطأ، ومكايد الشيطان، ومنتبهون لها، فيتحرزون عنها، ولا يتبعونه فيها؛ أي: إذا حضرن هذه التذكرات في قلوبهم، ففي الحال يحصل الخلاص من وسوسة الشيطان، ويحصل لهم الإبصار لها، والانكشاف عنها، وينتهون عن المعصية.

والمعنى: أن خيار المؤمنين وهم {الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ وَيُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَمِمَّا رَزَقْناهُمْ يُنْفِقُونَ (3)} إذا ألم ونزل بهم طائف وخيال من الشيطان ليحملهم بوسوسته على المعصية، أو إيقاع البغضاء بينهم .. تذكروا أن هذا من إغواء الشيطان عدوهم الذي أمر الله بالاستعاذة منه، والالتجاء إليه في الحفظ من

ص: 298

غوايته، فإذا هم أولو بصيرة يربئون أنفسهم أن تطيعه فهو إنّما تأخذ وسوسته الغافلين من ربهم، الذين لا يراقبونه في شؤونهم وأعمالهم، ولا شيء أقوى على طرد وسواس الشيطان من ذكر الله، ومراقبته في السر والعلن من قبل أن يقوي في النفس حب الحق، وداعي الخير، ويضعف فيها الميل إلى الشرور والآثام.

فقويّ الروح بالإيمان والتقوى غير قابل لتأثير الشيطان في نفسه، لكن الشيطان دائما يتحين الفرص وعروض بعض الأهواء النفسية، من شهوة أو غضب أو داعية حسد أو انتقام، حتى إذا وجد الفرصة سانحة افترصها، ولا بس النفس وقوىّ فيها داعي الشر، كالحشرات القذرة التي تعرض للنظيف إذا أهملها بالغفلة عنها فعلت فعلها، وإذا تداركها نجا من شرها وضرّها.

وإن الإنسان ليشعر بتنازع دواعي الخير والشر في نفسه، وإن لداعية الخير والحق مسلكا يقويها، ولداعية الشر والباطل شيطانا يقويها، وقد بين النبي صلى الله عليه وسلم ذلك بقوله: «إن للشيطان لمة بابن آدم، وللملك لمة، فأما لمة الشيطان فإيعاد بالشر، وتكذيب بالحق، وأما لمة الملك فإيعاد بالخير وتصديق بالحق، فمن وجد ذلك .. فليعلم أنه من الله فليحمد الله على ذلك، ومن وجد الأخرى فليتعوذ من الشيطان ثم قرأ:{الشَّيْطانُ يَعِدُكُمُ الْفَقْرَ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْفَحْشاءِ} .

وقرأ النحويان (1): أبو عمرو والكسائي وابن كثير: {طيف} فيحتمل أن يكون مصدرا من طاف يطيف طيفا، كباع يبيع بيعا، ويحتمل أن يكون مخففا من طيف، كميت وميت، وليّن ولين، وقرأ باقي السبعة {طائِفٌ} اسم فاعل من طاف، وقرأ ابن جبير:{طيف} بالتشديد، وهو فيعل، وقرأ ابن الزبير:{إن الذين اتقوا إذا مسهم طائف من الشيطان تأملوا فإذا هم مبصرون} وفي مصحف أبي {إن الذين اتقوا إذا طاف من الشيطان طائف تأملوا فإذا هم مبصرون} .

وينبغي أن يحمل هذا، وقراءة ابن الزبير على أن ذلك من باب التفسير، لا على أنّه قرآن، لمخالفته سواد ما أجمع عليه المسلمون من ألفاظ القرآن.

(1) البحر المحيط.

ص: 299